logo
معركة كلينت إيستوود ضد "هاري" المفتش القذر

معركة كلينت إيستوود ضد "هاري" المفتش القذر

Independent عربية٢٢-٠٧-٢٠٢٥
بالتأكيد هو الفيلم الذي يمكننا القول إن كلينت إيستوود أمضى عقوداً طويلة من حياته وهو يحقق فيلماً بعد الآخر تستبد به فكرة تكاد تكون مجنونة: فكرة فحواها التخلص من ذلك الفيلم، ومما تركه لدى عشرات الملايين من متفرجيه من صورة للمفتش "هاري"، الملقب بـ"القذر"، والذي لعب إيستوود نفسه دوره على الشاشة في أول فيلم له من إخراج دون سيغل، ثم كرر الأمر نحو أربع مرات أخرى في أربعة أفلام متتالية سيحقق هو بعضها على أية حال، قبل أن يسأم تلك البطولة الفارغة والقائمة على فردية لا تحتمل حتى بالنسبة إلى "البطل الذي لا اسم له"، والذي كان حقق شهرة عالمية، هوليوودية المحتوى، على رغم جغرافيتها الإيطالية، وتنتمي إلى عالم رُعاة البقر الأميركي على رغم أن أفلامها الثلاثة كانت من إخراج الإيطالي الصميم سيرجيو ليوني. كان ذلك كما نعرف في "ثلاثية الدولار" التي أعادت أفلام "الويسترن" إلى ساحة السينما العالمية في أفلام إيطالية صورت في إسبانيا وبعض أنحاء يوغوسلافيا، وكان أولها اقتباساً عن فيلم ياباني لأكيرا كوروساوا. والحقيقة أن هذه الكوزموبوليتية التي وسمت كلينت إيستوود من خلال عمله في تلك الثلاثية، كادت تقضي على كل أحلامه التي سيتبين لاحقاً أنها فنية حقيقية، لولا أن الكيل قد طفح به حين عاد بعد "تجربته الإيطالية" إلى هوليوود مظفراً، وقد استعاد اسمه، لكنه لم يتمكن من استعادة إنسانية كان قد فقدها، وطالبته هوليوود بمواصلة التخلي عنها، إذ راحت تحصره في أفلام، سلسلة المفتش "هاري" تحديداً، تمثل المعادل المديني لويسترناته الإيطالية، وتريد منه أن يواصل الحلول كفرد يدافع عن "القوانين" بقوة مسدسه وعضلاته، ويحاكم المجرمين ويعدمهم من دون أن يأبه بالدولة. كان المطلوب منه أن يكون فاشياً، وأن يبقى فاشياً، لكن الثورة الكبيرة التي حققها إيستوود في حياته، ولا سيما حين تحول إلى الإخراج، كانت تحديداً في نضاله ضد ذلك الواقع في سينما عرفت طوال عقود كيف تصبح إنسانية وتجعل للدولة وللديمقراطية مكانهما في الفن السينمائي.
مشهد من "غران تورينو": شيء من سيرة ذاتية (موقع الفيلم)
نضال ضد التنميط
لقد أدرك إيستوود، وكان لا يزال في بدايات "عودته" لهوليوود خلال النصف الثاني من سنوات الـ60 مكللاً بمجد "ثلاثية الدولار"، أن هوليوود ليست سوى طاحونة، وأن ما تطلبه من واحد من أهلها وينجح في تحقيقه، سيبقى هو هو ما تطالبه به دائماً وأبداً. فإذا كان يريد أن يشق لنفسه طريقاً آخر، ليس عليه أقل من أن ينتج ويخرج بنفسه. صحيح أن تحوله إلى منتج لم يكن أمراً صعباً، الأصعب كان خوضه الإخراج كي يحقق في الأقل، لنفسه، خروجاً من عالم الفاشية الذي أوصلته إليه سلسلة أفلام المفتش. والأدهى من ذلك أن السلسلة نجحت في زمن كانت قد بدأت تروج فيه التساؤلات حول مفهوم الدولة نفسه. ولقد كان فشل شتى الأيديولوجيات الحاكمة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، سواء كانت لا إنسانية كالنازية والفاشية، أو تتزين بأقنعة إنسانية كالشيوعية والديمقراطية على الطريقة الأوروبية، كان فشلها قد اعتبر فشلاً للدول التي أنجبتها. ومن ثم راح كثر يبحثون عن حلول كان معظمها يقودهم إلى تلك الفردية التي تحاول أن تسوي الأمور في معزل عن الدولة كمفهوم وكممارسة لم تكن الإنسانية بقادرة على العثور على بديل لها، فأتت السينما طارحة تلك البدائل التي لن يلبث أشخاص كإيستوود أن أدركوا أنها واهية، بل إن كثراً من الفئات الأكثر وعياً من بينهم، ومنهم إيستوود نفسه هذه المرة أيضاً، أدركوا أن الأمر الوحيد الذي يعوض على فشل الدولة، ليس سوى التوجه نحو مزيد من الدولة، وربما نحو التوغل في التعبير عن قيم إنسانية همها تعزيز الدولة لا نسفها.
انفصام ما...
والحقيقة أن مثل ذلك التوجه كان من شأنه أن يخلق انفصاماً حاداً لدى خائضيه، لكن إيستوود سيعرف كيف يخوضه تدريجاً من دون إحداث قطيعة حقيقية لا في فكره ولا في ممارساته الفنية. وهكذا، إذ اتخذ قراره قبل أكثر قليلاً من نصف قرن من الآن بالتحول إلى الإخراج، إنما من دون أن يكتب سيناريوهاته بنفسه، وهو أمر سنعود إليه، على أية حال بعد سطور، عرف أن عليه أن يخوض نضاله، على حسابه الخاص وبمجازفات قد تبدو غير محسوبة أحياناً، وهو بالتحديد ذلك النضال الذي يسميه الفكر العربي، النضال ضد الذات، أي المعركة التي يخوضها المرء ضد ذاته لتوصله إلى ما يريد لتلك الذات أن تكون. فهل علينا أن نصف كيف احتاج إيستوود إلى عقود طويلة من السنين وصولاً إلى السينما "الإنسانية" التي باتت سينماه، بدءاً من "العب ميستي لأجلي" وصولاً إلى أفلام بالغة القوة والإنسانية مثل "غران تورينو"، و" رسائل من إيو جيما"، و" طفلة المليون دولار"... وحتى "التبادل"، و"البغل"، وما شابه؟ مهما يكن من أمر، لعل أول ما يدهشنا في ذلك المتن السينمائي هو أنه يبدو منضوياً في سياق فكراني واحد، ومتدرج، يسير من عموميات قيمية إلى خصوصيات معركة تبدو دائماً وكأنها المعركة نفسها، بل يمكننا أن نعدها معركة تنحو ومن خلال ما يشبه النقد الذاتي المبطن، إلى نسف ماضٍ كانت "ثلاثية الدولار"، ثم "خماسية هاري القذر" من علاماته الأساسية. صحيح أن كلينت إيستوود ومن خلال شركته الإنتاجية التي أسسها في مدينته الكاليفورنية كارميل، والتي بات عمدتها لفترة في مسيرته، تمكن من أن يكون حراً في اختياراته الإنتاجية، بالتالي في سيره التصاعدي من أدنى درجات النزعة اليمينية المتطرفة، وتحديداً في اشتغال فردية أبطالها على الضد من الدولة كياناً ومفهوماً، إلى الدفاع عن علاقة إنسانية بذلك المفهوم، وعن السمة الديمقراطية للدولة بالمعنيين نفسيهما، وربما انطلاقاً مما قاله يوماً ونستون تشرشل من أنه يقر بأن "الديمقراطية قد تحمل في داخلها كل مساوئ الحكم، ولكن جربوا أن تدلوني على ما هو أفضل منها!".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خطوة خطوة
إذاً من خلال سيناريوهات كتبها غيره وغالباً بمعزل عن أية توجيهات منه في هذا المجال، وأحياناً انطلاقاً من روايات كتبت قبل ولادته هو نفسه كمخرج، تمكن إيستوود من بناء صرح فكري في سينما لم تكن لتبدو سائرة في مثل هذا الاتجاه، بل حتى صرح سينما تبدو أحياناً راديكالية في يسارية إنسانية على الطريقة الأميركية، لا على الطريقة الأوروبية أو الشيوعية كأداء، إنسانية بالصورة التي جعلت أفلامه تدافع عن الدولة كفعل إنساني، وعن البوليس ضد الفساد الذي ينخر أجهزتها من الداخل، فيلم "التبادل" مثلاً، ويقف ضد أبلسة العدو حتى في معمعان الحرب العالمية الثانية، حيث نراه يقدم صورة إنسانية للعدو الياباني، "رسائل من إيو جيما"، بعدما كان قدم صورة بطولية للجيش الأميركي، "رايات آبائنا"، ويدافع عن فكرة الموت الرحيم العزيزة على قطاعات عريضة من اليسار، "طفلة المليون دولار"، وعن شرعية القضاء وإنسانيته، "البغل"، وعن فن الجاز كرمز لكينونة الأفارقة الأميركيين، في "بيرد"، وعن قيم الشيخوخة، وعلاقة البطل راعي البقر بها، "لا يسامح"... ويمكن لهذه اللائحة أن تطول طبعاً، بيد أن إيستوود نفسه أغنانا عن ذلك عبر تسجيله مسيرته نفسها من حضيض الفاشية إلى ذروة التسامي الإنساني، في واحد من أفلامه الأخيرة التي توصف عادةً بأنها من "الأفلام الصغيرة"، ونتحدث هنا طبعاً عن فيلم "غران تورينو" الذي حققه في عام 2008 وبدا فيه وكأنه فيلم كتبه لنفسه عن نفسه واصفاً فيه مساراً فكرياً وإنسانياً ورحلة تعليمية يخوضها أنا/ آخر له في علاقته مع جيران كوريين له، تبدأ جيرته معهم بالنفور الفاشي العنصري يستشعره ضدهم، لكنه سرعان ما يتعلم منهم معاني الكرم والأريحية والتفاهم بين البشر... وهي قيم سنراه يعود إليها في العام التالي من خلال واحد من أبدع أفلامه وهو "إنفيكتوس" عن فصل من حياة الزعيم الجنوب أفريقي، نلسون مانديلا، قبل أن يحقق فيلماً ميتافيزيقياً، إنسانياً بدوره يدور من حول تسونامي يقوده إلى تحقيق سيرة لمؤسس الـ"أف بي آي" إدغار هوفر سجل عبره ذروة دفاعه عن الدولة، ولكن على الضد من أهل الدولة الذين أدركوا ذلك أم لم يدركوه، كانوا دائماً أعداءها الحقيقيين بأكثر مما فعل أعداؤها المعلنون، وسعوا إلى نسفها من الداخل.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

معركة كلينت إيستوود ضد "هاري" المفتش القذر
معركة كلينت إيستوود ضد "هاري" المفتش القذر

Independent عربية

time٢٢-٠٧-٢٠٢٥

  • Independent عربية

معركة كلينت إيستوود ضد "هاري" المفتش القذر

بالتأكيد هو الفيلم الذي يمكننا القول إن كلينت إيستوود أمضى عقوداً طويلة من حياته وهو يحقق فيلماً بعد الآخر تستبد به فكرة تكاد تكون مجنونة: فكرة فحواها التخلص من ذلك الفيلم، ومما تركه لدى عشرات الملايين من متفرجيه من صورة للمفتش "هاري"، الملقب بـ"القذر"، والذي لعب إيستوود نفسه دوره على الشاشة في أول فيلم له من إخراج دون سيغل، ثم كرر الأمر نحو أربع مرات أخرى في أربعة أفلام متتالية سيحقق هو بعضها على أية حال، قبل أن يسأم تلك البطولة الفارغة والقائمة على فردية لا تحتمل حتى بالنسبة إلى "البطل الذي لا اسم له"، والذي كان حقق شهرة عالمية، هوليوودية المحتوى، على رغم جغرافيتها الإيطالية، وتنتمي إلى عالم رُعاة البقر الأميركي على رغم أن أفلامها الثلاثة كانت من إخراج الإيطالي الصميم سيرجيو ليوني. كان ذلك كما نعرف في "ثلاثية الدولار" التي أعادت أفلام "الويسترن" إلى ساحة السينما العالمية في أفلام إيطالية صورت في إسبانيا وبعض أنحاء يوغوسلافيا، وكان أولها اقتباساً عن فيلم ياباني لأكيرا كوروساوا. والحقيقة أن هذه الكوزموبوليتية التي وسمت كلينت إيستوود من خلال عمله في تلك الثلاثية، كادت تقضي على كل أحلامه التي سيتبين لاحقاً أنها فنية حقيقية، لولا أن الكيل قد طفح به حين عاد بعد "تجربته الإيطالية" إلى هوليوود مظفراً، وقد استعاد اسمه، لكنه لم يتمكن من استعادة إنسانية كان قد فقدها، وطالبته هوليوود بمواصلة التخلي عنها، إذ راحت تحصره في أفلام، سلسلة المفتش "هاري" تحديداً، تمثل المعادل المديني لويسترناته الإيطالية، وتريد منه أن يواصل الحلول كفرد يدافع عن "القوانين" بقوة مسدسه وعضلاته، ويحاكم المجرمين ويعدمهم من دون أن يأبه بالدولة. كان المطلوب منه أن يكون فاشياً، وأن يبقى فاشياً، لكن الثورة الكبيرة التي حققها إيستوود في حياته، ولا سيما حين تحول إلى الإخراج، كانت تحديداً في نضاله ضد ذلك الواقع في سينما عرفت طوال عقود كيف تصبح إنسانية وتجعل للدولة وللديمقراطية مكانهما في الفن السينمائي. مشهد من "غران تورينو": شيء من سيرة ذاتية (موقع الفيلم) نضال ضد التنميط لقد أدرك إيستوود، وكان لا يزال في بدايات "عودته" لهوليوود خلال النصف الثاني من سنوات الـ60 مكللاً بمجد "ثلاثية الدولار"، أن هوليوود ليست سوى طاحونة، وأن ما تطلبه من واحد من أهلها وينجح في تحقيقه، سيبقى هو هو ما تطالبه به دائماً وأبداً. فإذا كان يريد أن يشق لنفسه طريقاً آخر، ليس عليه أقل من أن ينتج ويخرج بنفسه. صحيح أن تحوله إلى منتج لم يكن أمراً صعباً، الأصعب كان خوضه الإخراج كي يحقق في الأقل، لنفسه، خروجاً من عالم الفاشية الذي أوصلته إليه سلسلة أفلام المفتش. والأدهى من ذلك أن السلسلة نجحت في زمن كانت قد بدأت تروج فيه التساؤلات حول مفهوم الدولة نفسه. ولقد كان فشل شتى الأيديولوجيات الحاكمة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، سواء كانت لا إنسانية كالنازية والفاشية، أو تتزين بأقنعة إنسانية كالشيوعية والديمقراطية على الطريقة الأوروبية، كان فشلها قد اعتبر فشلاً للدول التي أنجبتها. ومن ثم راح كثر يبحثون عن حلول كان معظمها يقودهم إلى تلك الفردية التي تحاول أن تسوي الأمور في معزل عن الدولة كمفهوم وكممارسة لم تكن الإنسانية بقادرة على العثور على بديل لها، فأتت السينما طارحة تلك البدائل التي لن يلبث أشخاص كإيستوود أن أدركوا أنها واهية، بل إن كثراً من الفئات الأكثر وعياً من بينهم، ومنهم إيستوود نفسه هذه المرة أيضاً، أدركوا أن الأمر الوحيد الذي يعوض على فشل الدولة، ليس سوى التوجه نحو مزيد من الدولة، وربما نحو التوغل في التعبير عن قيم إنسانية همها تعزيز الدولة لا نسفها. انفصام ما... والحقيقة أن مثل ذلك التوجه كان من شأنه أن يخلق انفصاماً حاداً لدى خائضيه، لكن إيستوود سيعرف كيف يخوضه تدريجاً من دون إحداث قطيعة حقيقية لا في فكره ولا في ممارساته الفنية. وهكذا، إذ اتخذ قراره قبل أكثر قليلاً من نصف قرن من الآن بالتحول إلى الإخراج، إنما من دون أن يكتب سيناريوهاته بنفسه، وهو أمر سنعود إليه، على أية حال بعد سطور، عرف أن عليه أن يخوض نضاله، على حسابه الخاص وبمجازفات قد تبدو غير محسوبة أحياناً، وهو بالتحديد ذلك النضال الذي يسميه الفكر العربي، النضال ضد الذات، أي المعركة التي يخوضها المرء ضد ذاته لتوصله إلى ما يريد لتلك الذات أن تكون. فهل علينا أن نصف كيف احتاج إيستوود إلى عقود طويلة من السنين وصولاً إلى السينما "الإنسانية" التي باتت سينماه، بدءاً من "العب ميستي لأجلي" وصولاً إلى أفلام بالغة القوة والإنسانية مثل "غران تورينو"، و" رسائل من إيو جيما"، و" طفلة المليون دولار"... وحتى "التبادل"، و"البغل"، وما شابه؟ مهما يكن من أمر، لعل أول ما يدهشنا في ذلك المتن السينمائي هو أنه يبدو منضوياً في سياق فكراني واحد، ومتدرج، يسير من عموميات قيمية إلى خصوصيات معركة تبدو دائماً وكأنها المعركة نفسها، بل يمكننا أن نعدها معركة تنحو ومن خلال ما يشبه النقد الذاتي المبطن، إلى نسف ماضٍ كانت "ثلاثية الدولار"، ثم "خماسية هاري القذر" من علاماته الأساسية. صحيح أن كلينت إيستوود ومن خلال شركته الإنتاجية التي أسسها في مدينته الكاليفورنية كارميل، والتي بات عمدتها لفترة في مسيرته، تمكن من أن يكون حراً في اختياراته الإنتاجية، بالتالي في سيره التصاعدي من أدنى درجات النزعة اليمينية المتطرفة، وتحديداً في اشتغال فردية أبطالها على الضد من الدولة كياناً ومفهوماً، إلى الدفاع عن علاقة إنسانية بذلك المفهوم، وعن السمة الديمقراطية للدولة بالمعنيين نفسيهما، وربما انطلاقاً مما قاله يوماً ونستون تشرشل من أنه يقر بأن "الديمقراطية قد تحمل في داخلها كل مساوئ الحكم، ولكن جربوا أن تدلوني على ما هو أفضل منها!". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) خطوة خطوة إذاً من خلال سيناريوهات كتبها غيره وغالباً بمعزل عن أية توجيهات منه في هذا المجال، وأحياناً انطلاقاً من روايات كتبت قبل ولادته هو نفسه كمخرج، تمكن إيستوود من بناء صرح فكري في سينما لم تكن لتبدو سائرة في مثل هذا الاتجاه، بل حتى صرح سينما تبدو أحياناً راديكالية في يسارية إنسانية على الطريقة الأميركية، لا على الطريقة الأوروبية أو الشيوعية كأداء، إنسانية بالصورة التي جعلت أفلامه تدافع عن الدولة كفعل إنساني، وعن البوليس ضد الفساد الذي ينخر أجهزتها من الداخل، فيلم "التبادل" مثلاً، ويقف ضد أبلسة العدو حتى في معمعان الحرب العالمية الثانية، حيث نراه يقدم صورة إنسانية للعدو الياباني، "رسائل من إيو جيما"، بعدما كان قدم صورة بطولية للجيش الأميركي، "رايات آبائنا"، ويدافع عن فكرة الموت الرحيم العزيزة على قطاعات عريضة من اليسار، "طفلة المليون دولار"، وعن شرعية القضاء وإنسانيته، "البغل"، وعن فن الجاز كرمز لكينونة الأفارقة الأميركيين، في "بيرد"، وعن قيم الشيخوخة، وعلاقة البطل راعي البقر بها، "لا يسامح"... ويمكن لهذه اللائحة أن تطول طبعاً، بيد أن إيستوود نفسه أغنانا عن ذلك عبر تسجيله مسيرته نفسها من حضيض الفاشية إلى ذروة التسامي الإنساني، في واحد من أفلامه الأخيرة التي توصف عادةً بأنها من "الأفلام الصغيرة"، ونتحدث هنا طبعاً عن فيلم "غران تورينو" الذي حققه في عام 2008 وبدا فيه وكأنه فيلم كتبه لنفسه عن نفسه واصفاً فيه مساراً فكرياً وإنسانياً ورحلة تعليمية يخوضها أنا/ آخر له في علاقته مع جيران كوريين له، تبدأ جيرته معهم بالنفور الفاشي العنصري يستشعره ضدهم، لكنه سرعان ما يتعلم منهم معاني الكرم والأريحية والتفاهم بين البشر... وهي قيم سنراه يعود إليها في العام التالي من خلال واحد من أبدع أفلامه وهو "إنفيكتوس" عن فصل من حياة الزعيم الجنوب أفريقي، نلسون مانديلا، قبل أن يحقق فيلماً ميتافيزيقياً، إنسانياً بدوره يدور من حول تسونامي يقوده إلى تحقيق سيرة لمؤسس الـ"أف بي آي" إدغار هوفر سجل عبره ذروة دفاعه عن الدولة، ولكن على الضد من أهل الدولة الذين أدركوا ذلك أم لم يدركوه، كانوا دائماً أعداءها الحقيقيين بأكثر مما فعل أعداؤها المعلنون، وسعوا إلى نسفها من الداخل.

كاتبة إسبانية تكتشف أحوال اليابان بعد نصف قرن من التعافي
كاتبة إسبانية تكتشف أحوال اليابان بعد نصف قرن من التعافي

Independent عربية

time١٢-٠٧-٢٠٢٥

  • Independent عربية

كاتبة إسبانية تكتشف أحوال اليابان بعد نصف قرن من التعافي

تُسرب كاتبة أدب الرحلات الإسبانية باتريثيا ألمارثيغي بين ثنايا كتابها "اكتشاف اليابان" شذرات من سيرتها الذاتية، تتعلق بمرض والدتها بالـ "ألزهايمر" وعلاقتها بشريكها في السفر إلى اليابان والذي تتعمد عدم ذكر اسمه، وبعض خفايا ما وراء كتاباتها الروائية وولعها بالسفر، خصوصاً إلى الشرق، للتعرف على ثقافته عن كثب من دون الوقوع في أسر التصورات الاستشراقية التقليدية. وهنا تتكئ ألمارثيغي على يوميات دونتها خلال رحلتي سفر إلى بلد ياسوناري كاواباتا وأكيرا كوروساوا، الأولى كانت عام 2008 والثانية 2019، كما تتكئ على ذاكرتها بعدما فقدت بعض يوميات الرحلتين، وتستند إلى كثير من المراجع المتصلة باليابان قديماً وحديثاً، وتورد مقتطفات منها خصوصاً في النواحي الثقافية لهذا البلد الذي تمكن من التعافي بعد الهزيمة المدوية في الحرب العالمية الثانية حتى بات اقتصاده يحتل المرتبة الثالثة عالمياً. ومن تلك المراجع كتاب "متعة الأدب الياباني" لدونالد كين، وكتاب "حكايات اليابان القديمة" لتاكيغيرو هاسيغاوا، و"كتاب الساموراي"، وفيلم "شارع العار" ميزوغوتشي، ورسائل من ميشيما إلى كواباتا، وخطاب الأخير لدى تلقيه جائزة نوبل في الأدب عام 1968، وكتاب "في الطريق إلى أوكو ويوميات سفر أخرى" للشاعر باشو. كتاب الرحلة (دار العربي) والكتاب ترجمته من الإسبانية إلى العربية آية عبدالرحمن أحمد لحساب "دار العربي" في القاهرة التي سبق أن نشرت لباتريثيا ألمارثيغي ترجمة روايتها "ذكريات الجسد" تحت عنوان "راقصة الباليه"، وترجمة كتابها في أدب الرحلات "اكتشاف إيران". تأثير الصين وفي سياق سعيها إلى التعافي شيدت اليابان خلال الخمسينيات والستينيات مساكن الـ "دانشي" أو المباني السكنية العامة في ضواحي المدن، لكن لم يعد يسكنها الآن سوى ذوي الدخل المنخفض من كبار السن، ورأت ألمارثيغي أنه بفضل استضافة طوكيو أولمبياد عام 1964 تجددت البنية التحتية للمدينة، وبدأ تحول البلاد إلى قوة تكنولوجية رائدة وسلمية حول العالم. ولاحظت ألمارثيغي أن أقدم أخبار عن اليابان وصلت إلى العالم عبر سجلات صينية تعود للقرنين الثاني والثالث الميلاديين، وأن الحضارة الصينية كانت ذات تأثير في هذا البلد خلال العصور الكلاسيكية، لدرجة أن الشعراء في البلاط الياباني ومن الطبقة الأرستقراطية اليابانية كانوا يفضلون الكتابة باللغة الصينية، والأمر نفسه كان ينطبق على دراسة الآداب في الجامعة حتى القرن الثامن الميلادي، أما اللغة اليابانية فقد اكتفى اليابانيون قديماً باستخدامها في الأنواع الأدبية الثانوية مثل القصص القصيرة والحكايات الشعبية، وشكل قديم من الشعر يدعى "واكا"، أما في الوقت الراهن فتقول ألمارثيغي إن هناك قلقاً عبرت عنه الكاتبة ميناي ميزمورا في روايتها "عندما تختفي اللغة اليابانية" (2015) من ظاهرة انتشار اللغة الإنجليزية بين اليابانيين بسبب العولمة وتراجع لغتهم الأم. وضع المرأة ودونت ألمارثيغي في يومياتها كذلك أنه خلال فترة ازدهار الأدب الياباني المعروفة باسم فترة "هييآن"، والتي تمتد من القرن السابع إلى القرن الـ 12، لم يعتد الناس تسمية المرأة عند ولادتها بل كانت تحصل على اسم لاحقاً، وكان عليها أن تتعلم الموسيقى والكتابة الأدبية والرقص، مضيفة أن هناك أسطورة مفادها أنه كان من غير اللائق أن تتعلم المرأة القراءة والكتابة بصورة صحيحة، أي بالصينية، على رغم أنه لاحقاً اكتشفت بعض الحالات لنساء تعلمن الكتابة بالصينية، مثل سي شوناغون مؤلفة كتاب "وسادة النوم" وموراساكي شيكيبو مؤلفة "حكايات غنغي". وحتى هذه اللحظة، تقول ألمارثيغي، يرى المجتمع الياباني أنه من غير المفيد أن تحصل النساء على مؤهلات أعلى من أزواجهن، "فالزواج لا يزال الهدف الأكبر لمعظمهن" (ص 153)، وحالياً لا تشغل النساء سوى 10 في المئة من المناصب القيادية في الشركات اليابانية. ويعتمد المجتمع نفسه على مفهوم الـ "آي" الذي يتعلق بالنسب والتسلسل الهرمي، وتتميز العلاقات في العائلات بالوفاء واللطف، وواجب الأبناء تجاه آبائهم والنساء تجاه الرجال، ولا يزال الولاء للإمبراطور يحتل مكانة بارزة في أولويات اليابانيين الذين عادوا للوطن باعتباره عائلة كبيرة، لكن هذا لا يمنع التمسك بتراتبية طبقية تضع الـ "بوراكو" في مرتبة تجعلهم أقرب إلى المنبوذين، فهم ينحدرون من الطبقة الدنيا في عصر الإقطاع ويميزهم فقرهم وأداؤهم الدراسي المنخفض، وعلى رغم الإعلان رسمياً عام 1871 أنهم متساوون مع باقي طبقات المجتمع، فإن الأحياء التي يعيشون فيها معروفة، وفي نهاية القرن الـ 20 اكتشف وجود شركات تشتري معلومات عن موظفيها لمعرفة إذا كانوا منتمين إلى تلك الطبقة أم لا. وعلى رغم منع الدعارة رسمياً في اليابان عام 1956 أثناء الاحتلال الأميركي، باعتبارها من وجهة نظر المحتل نموذجاً لسلوك منحرف وحرية مفرطة، جرى تقنين أنواع من الممارسات الجنسية باتت تشكل حالياً جزءاً من صناعة الترفيه اليابانية، والتي تعد أكبر صناعة إباحية في العالم بربح يزيد على 30 ألف مليون يورو، وتعد هذه الصناعة المصدر الثاني للدخل في البلاد وأهم مظاهرها رسوم الـ "مانغا" والـ "إنيمي" وألعاب الفيديو، ومع ذلك يظل الاقتصاد الياباني أكثر اقتصادات العالم ديوناً. تجانس روحي وفي ضوء حقيقة أن أكثر من 37 في المئة من اليابانيين تزيد أعمارهم على 65 سنة، فقد تزايدت الحاجة إلى الاعتماد في العمل على الروبوتات بأقصى درجة ممكنة، كما أرست الحكومة سياسة هجرة لجذب العمال المؤهلين، ومع ذلك لم يحصل سوى 600 عامل على تأشيرة عام 2019، مع أن المطلوب 65 ألف عامل سنوياً، ومع ذلك يعاني المجتمع الياباني ظاهرة الـ "نيت"، وهم الشبان العاطلون الين تتراوح أعمارهم ما بين 14 و35 سنة، و في عام 2014 كان هناك 600 ألف شخص من الـ "نيت"، ويقدر أن هناك مليوني "فريتر" أو العاطلين من الشباب المتعلمين والذين يعملون في وظائف غير ثابتة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وتخلص ألمارثيغي في هذا الصدد إلى أن أكثر ما يقلق اليابانيين في الوقت الراهن هو التفاوت الاجتماعي والتطور الصيني، ورأت الكاتبة الإسبانية أن الثقافة اليابانية متجانسة بما أن اليابان لم تشهد غزواً منذ محاولة المغول غزوها خلال القرن الـ 13، والاحتلال الأميركي عام 1945، أما ديانة اليابان الـ "شنتوية" فتعترف بعدد كبير من الآلهة أو أرواح الطبيعة "كامي ساما"، منهم "أماتيراسو" إلهة الشمس مصدر الضوء والحرارة والرحمة، والتي تنحدر منها العائلة الإمبراطورية، وتقول ألمارثيغي "يلجأ اليابانيون إلى الـ 'شنتوية' للحصول على المساعدة في هذه الحياة، وإلى البوذية للوصول إلى الخلود في الحياة الأخرى". تناقضات التقدم ومن واقع زياراتها لكثير من المدن اليابانية مستخدمة القطار، لاحظت ألمارثيغي أن محطات القطار هي بمثابة المركز في عالم اليابانيين، إذ يدور كل شيء حولها ويمكن هناك العثور على أي شيء، وهناك قطار فائق السرعة يسمى "كوداما"، وهو كما تقول الكاتبة يحمل اسم زوجة خورخي لويس بورخيس، ماريا كوداما، التي ترجمت مع زوجها مختارات من "كتاب الوسادة" لسي شوناغون التي كانت خادمة في القصر الياباني خلال القرن الـ 18، ووفقاً لشوناغون فإن "أفضل ما في قضاء ليلة مع من تحب هو الرسائل التي يرسلها لك في اليوم التالي". وفي مكاتب المعلومات هناك دائماً من يتحدث الإنجليزية "ويقدم الإرشادات بأدب لا متناه" (ص 47)، ودوّنت الكاتبة في يومياتها ملاحظة مفادها أن "الدخول إلى مركز منتدى طوكيو الدولي يشبه ابتلاعك من قبل حوت يونس" (ص 51)، كما نشرت مقتطفات من قصائد كتبها رهبان وشعراء من طائفة الـ "زن" البوذية وهم يتجهزون للموت، ويبرز على لوحة صانع الأفلام ياسوغيرو أوزو، شعار "مو" و يعني اللاشيء. يتركز 80 في المئة من سكان اليابان بين طوكيو وفوكوكا، وتعد اليابان ثاني أكبر اقتصاد في آسيا وثالث أكبر اقتصاد في العالم، ومع ذلك ففي شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2009 نشرت وزارة العدل تقريراً يقول إن 22 مليون شخص يعانون الفقر، وكشفت دراسة أخرى أن واحدة من كل ثلاث نساء يابانيات تتراوح أعمارهن بين 20 و64 سنة تعشن وحيدات، ووفق لتقرير لـ "يونيسف" فإن اليابان تعاني أعلى معدلات الفقر لدى الأطفال في العالم المتقدم، وتملك في الوقت نفسه أعلى معدل للمتعلمين في العالم بنسبة 98 في المئة. ومع أن اليابان انحازت خلال تسعينيات القرن الماضي رسمياً إلى الاقتصاد الليبرالي لكن "العاطفة لا تزال أكثر أهمية بالنسبة إلى اليابانيين من الربح الاقتصادي" (ص 111).

كيف عالجت السينما الغربية القضايا الدينية؟
كيف عالجت السينما الغربية القضايا الدينية؟

Independent عربية

time٠٢-٠٧-٢٠٢٥

  • Independent عربية

كيف عالجت السينما الغربية القضايا الدينية؟

اختار الكاتب أسعد سليم في كتابه "الحبكة المقدسة: الدين في السينما الغربية" (منشورات إبييدي) قراءة هذا الـ"تابو" عبر تحليل مجموعة من الأفلام الشهيرة. وإن الأديان عموماً تعنى بتفسير الطبيعة وتضع للإنسان إطاراً أخلاقياً لضبط السلوك، وتتضمن مجموعة من المعتقدات والطقوس والنصوص والقيم الأخلاقية. ومنذ بداياتها تصدت السينما وعالجت هذه العناصر جميعاً، وليس أسهل من العثور على فيلم يتناول الهرطقة أو نهاية العالم، مما أسس للعداوة أحياناً بين السينما والكنيسة. يحدد سليم البداية منذ عام 1909، زمن السينما الصامتة حين شكلت الكنيسة لجنة لمراجعة الأفلام، وفي ثلاثينيات القرن الماضي تشكلت جماعة تطلق على نفسها "فيلق الحشمة"، هدفها مكافحة "الفجور في السينما". من فيلم ديني للمخرج بول فيرهوفان (ملف الفيلم) آنذاك وضع المسؤول عن الرقابة في هوليوود ويل هاريسون هايز مجموعة من التعليمات الأخلاقية، اشتهرت لأعوام باسم "قانون هايز"، ومع ذلك نجحت الأفلام في الالتفاف حوله. واهتمت السينما الغربية دائماً بتجسيد حياة الأنبياء والقديسين، على رغم تحفظ الجمهور آنذاك على ذلك لأنها تقلل من جلال وتوقير تلك الشخصيات. ومن أشهر أفلام تلك المرحلة "التعصب" 1916 لغريفيث، ويتناول أربع قصص، إحداها عن السيد المسيح و"الوصايا العشر" 1923 لسيسيل دي ميل. وبين عامي 1930 و1950 وتحت تأثير الكساد الكبير امتلأ الناس باليأس والإحباط، فسعت السينما إلى تقديم قصص عن الأمل والخلاص استناداً إلى قصص دينية مثل فيلم "المراعي الخضراء" 1936 الذي قدم رؤية شعبية للجنة من بطولة ممثلين من ذوي البشرة السمراء. وأثناء الحرب العالمية الثانية كانت ثمة حاجة إلى رفع الروح المعنوية كما في "أغنية برناديت" 1943 عن فتاة تظهر لها مريم العذراء في الرؤى، وخلال الخمسينيات عرض فيلم "بن هور" 1959 وحصد 10 جوائز "أوسكار" وهو عن اضطهاد المسيحيين زمن الرومان. تشكيك وتأمل بين عامي1960 و1980 مالت معالجة القضايا الدينية إلى التشكيك والتأمل تحت تأثير الثورات الاجتماعية والثقافية وأفكار ما بعد الحداثة، مثل فيلم "ضوء الشتاء" 1963 عن أزمة إيمان أحد الكهنة، وتناول فيلم "طفل روزماري" لبولانسكي عام 1968 الطقوس الشيطانية، ليفتح الباب أمام مناطق رعب نابعة عن قناعات دينية، كما في "طارد الأرواح" للمخرج وليام فريدكين عام 1973. ومع دخول تسعينيات القرن الماضي، تمتع العالم بتطور تقني هائل خلق حالاً من التنوع في تناول القضايا الدينية، كما في الفيلم الشهير "ماتركس"، وتعدد تصورات الإيمان في "حياة باي" 2012. وانطلاقاً من هذا العرض التاريخي المكثف تتناول الدراسة مفهوم الألوهية في الفصل الأول وكيف عالجته أفلام مثل "بروس العظيم" 2003 و"العهد الجديد" 2015، وتوظيف الرموز والاستعارات البصرية والخيال العلمي وطرح الأسئلة الفلسفية وتوق الإنسان إلى الفهم والخلاص. فيلم ديني آخر (ملف الفيمل) أما الفصل الثاني، فيتناول كيف صورت الأفلام الملائكة وصراعهم مع الشياطين، وتصويرهم ككائنات نورانية، فبعض الأفلام تناولتهم بوصفهم رموزاً للخير والحماية مثل "إنها حياة رائعة"1946 لفرانك كابرا، أو كائنات خارقة كما في "النبوءة" 1995، أو رموز للتأمل الفلسفي كما في فيلم "أجنحة الرغبة" 1987. ووفقاً لتصور كل مخرج تنوعت أساليب التناول، فمثلاً في "الختم السابع" 1957 لبرغمان، تجسد ملاك الموت في هيئة بشرية غامضة. بشر أم أبطال؟ امتلكت السينما الغربية مساحة حرية لا مثيل لها في طرق تجسيد الأنبياء والقديسين، فتجسدوا كأبطال ملحميين أو كبشر عاديين في صراع، مع تحريف بعض التصورات لتناسب الخيال السينمائي، وهذا هو موضوع الفصل الثالث من الكتاب. وبعد مناقشة للمفاهيم والرموز يحرص الباحث على قراءة نماذج تطبيقية من الأفلام مثل "آلام المسيح" 2004 و"الإغواء الأخير للمسيح" 1988 عن رواية كازانتزاكيس والضجة الكبيرة التي صاحبت الرواية والفيلم، وفيلم "نوح" 2014 بطولة راسل كرو الذي يغلب عليه الخيال أكثر من الاستناد إلى النصوص الدينية. ويحتل الشيطان مكانة بارزة في السردية السينمائية، وبعد أن يستعرض المؤلف تصورات مختلفة عنه يتطرق إلى أفلام مهمة تناولته كتهديد دنيوي وكيان مرعب أو رمز فلسفي أو ساخر ومحتال، ويحلل الباحث حضوره في فيلمي "محامي الشيطان" 1997 و"المسحور" 2000. من ثم ينتقل إلى الفصل الخامس وتحليل مفهومي "النعيم والجحيم"، وكيف جرى تصويرهما في التوراة والإنجيل، مقارنة بالسينما التي قدمت تنويعات ثقافية وأساليب بصرية مختلفة، عبر أفلام مثل "ما قد تحمله الأحلام" 1998 عن رواية بالاسم ذاته و"الزود عن الحياة" 1991. الكتاب السينمائي (منشورات إبيدي) لا شك في أن العنف ظاهرة معقدة وتعود في بعض أسبابها لتصورات دينية متشددة، والعنف كمفهوم قد يكون مادياً أو نفسياً أو رمزياً، بحسب ما ناقشه الفصل السادس. فحين يبرَّر بنصوص دينية فإنه يتحول إلى تمييز واضطهاد أو مذابح ومجازر وتشهير وتهجير قسري. ومن الأفلام التي تناولت العنف "مملكة السماء" 2005 و"آغورا" 2009. أما الفصل السابع، فعالج "الضمير الديني" كرقيب أخلاقي داخل كل إنسان، أو صوت داخلي عميق يربط عقائد الإنسان بقيمه الأخلاقية، مما يظهر في الشعور بالذنب ومشاعر الندم والتوبة والتشجيع على فعل الخير. ويتجلى مفهوم الضمير في الفيلم الشهير "رجل لكل العصور" 1966 و"الشك" 2008 بطولة ميريل ستريب. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ثمة جانب ميتافزيقي بالغ الأهمية يتعلق بالماورائيات والأساطير وما لا يقبله العقل، والمعروف أن الأساطير هي قصص لتفسير نشأة الكون والحياة في بداياتها، وتعتبر جزءاً أساساً في تراث الشعوب كافة. وعادة يتفاوت الناس في الإيمان أو عدم الإيمان بها، كما تتلاعب بها السينما ولا تلتزم الصيغة المتعارف عليها أو تشكك فيها. ومن أهم الأفلام التي تلامس الأساطير فيلم "اختراع الكذب" 2009 و"الرجل من الأرض" 2007، لنصل إلى الفصل التاسع عن "الطقوس والأسرار" فيحلل الباحث فيلم "شيفرة دافنشي" 2006 و"اسم الوردة" 1986 وكلاهما عن روايتين شهيرتين. أما الفصل الـ10 فتناول موضوع الهرطقة والتجديف بالتطبيق على أفلام مثل "المهرطق" 2024. بينما خصص سليم الفصل الـ11 لثيمة "نهاية العالم" وفق التصورات الدينية، ومزجها أحياناً بالخيال العلمي، مع التطبيق على فيلم "النذير" 1976 و"المتروكون" 2006. وبعد 11 فصلاً يصل كتاب "الحبكة المقدسة" إلى منتهاه، موضحاً بالشرح والتحليل كيف اشتبكت السينما الغربية مع التصورات الدينية المسيحية والتوراتية، وكيف عالجت كثيراً من الثيمات الحساسة. يعتبر الكتاب فريداً في بابه لجرأة الطرح وللقضايا الشائكة التي وضعها تحت المجهر، فالسينما أقامت على حد تعبير المؤلف، حواراً بين التصورات الروحانية واللغة البصرية، وتمكنت من الجمع بين المتناقضات كالمقدس والمدنس، كما طرحت أسئلة وجودية مقلقة تدور في النفس البشرية. من ثم أسهمت السينما في ترسيخ التنوع حول التصورات الدينية وتعزيز قيم التعايش والتسامح، وحاولت تقديم تفسيرات دينية أكثر رحابة، إضافة إلى المسحة الكوميدية أحياناً. بطبيعة الحال هيمنت التصورات المسيحية على تلك الأفلام موضع التحليل، كما غلب عليها الاهتمام بالقصص الملحمية كالحروب الصليبية وقصة الخروج من مصر، أكثر من الاهتمام بالقلق الوجودي والشكوك داخل النفس البشرية. وثمة أفلام طرحت سير أنبياء وقديسين من دون إضافة حقيقية، وبعضها الآخر تجاهل الدقة التاريخية. وعلى رغم جوانب القصور في التناول، فإن السينما عبر مئة عام قدمت ميزات لا تنكر في التعاطي مع المقدس تخييلاً وتأويلاً.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store