
'الديانة الإبراهيمية'.. تناقضات عقائدية وسياسية ومشروع فشل قبل أن يبدأ (تقرير)
ويرى العديد من الناشطين والخبراء أن هذا المشروع، الذي يُزعم أنه يسعى لتوحيد الأديان السماوية تحت إطار مشترك، قد فشل قبل أن يبدأ، سواء بسبب التناقضات العقائدية بين الأديان أو بسبب الأهداف السياسية المرتبطة به.
وتحدث الناشط المجتمعي مالك عبيد في تصريحات لـ 'وكالة أنباء تركيا'، حول ما يصفه بـ'الديانة الإبراهيمية' وعلاقتها بمشاريع سياسية إقليمية قائلاً 'يعود هذا المشروع إلى اتفاقية أوسلو عام 1993، التي كان شمعون بيريز أحد مهندسيها، بهدف إنشاء 'شرق أوسط جديد'.
وأضاف أن 'الديانة الإبراهيمية تهدف إلى توحيد الأديان السماوية الإسلام والمسيحية واليهودية، وهذا ما يخالف عقيدتنا الإسلامية التي بني عليها الإسلام، الذي يقضي بأن الدين الإسلامي هو آخر الأديان وهو الذي تحدث عن جميع الشرائع بالتفصيل كشريعة موسى وشريعة إبراهيم وعيسى، وهذه الشرائع تم العمل بها في عهود سابقة إلى أن جاء الدين الإسلامي الذي بات يعمل به المسلمون وهو الدين الحنيف'.
وتابع 'وحيث أن الديانة الإبراهيمية تصادر حرية الاعتقاد والإيمان والاختيار، لذا كان لزاما على المسلمين إفشال هذا المخطط'.
ويربط عبيد هذا المشروع باتفاقيات أبراهام التي بدأت عام 2020 مع الإمارات العربية المتحدة، واصفاً إياها بأنها جزء من خطة طويلة الأمد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، حيث يقول 'لقد أنفق على هذا المشروع مليارات الدولارات منذ ذلك الحين، وفي عام 2020 تمت اتفاقية أبراهام مع الإمارات العربية المتحدة، وهي اتفاقية التطبيع مع دولة الاحتلال، وهذه الاتفاقية خطط لها منذ سنين كي تعمم على باقي الدول العربية، وبالتالي تكون دولة الاحتلال هي الرابح الأكبر في هذا المشروع'.
وأكد عبيد على أن المشروع لن ينجح طالما توجد 'صحوة إسلامية' تقاومه، مشيراً إلى أهدافه السياسية مثل اعتبار المسجد الأقصى 'مشاعاً لليهود'، واصفاً إياه بـ'المشروع الخبيث' الذي لن يغير العقيدة الإسلامية مهما أُنفقت عليه الأموال، وفق تعبيره.
من منظور أكاديمي، قدّم محمد الشيخ، أستاذ التربية الإسلامية، تحليلاً عقائدياً لمفهوم 'الديانة الإبراهيمية'.
ورأى الشيخ في تصريحات لـ 'وكالة أنباء تركيا'، أن هذا المشروع فشل منذ بدايته بسبب الاختلافات الجوهرية بين الأديان السماوية.
وقال، إن 'الديانة الإبراهيمية كمشروع قد يُفهم منها محاولة توحيد الأديان السماوية (الإسلام، المسيحية، اليهودية) تحت إطار ديني واحد أو مشترك، لكن هذا المشروع فشل منذ بدايته، ليس فقط لتعارض العقائد الجوهرية بين هذه الأديان، بل أيضاً لرفض كل منها الاعتراف بالآخر كدين كامل أو مُتمم'.
وبيّن الشيخ التناقضات العقائدية قائلاً 'بينما تشترك هذه الأديان في نبي واحد هو إبراهيم عليه السلام، إلا أن التصورات عن الله، والنبي، والوحي، والخلاص، تختلف جذريًا، فالإسلام يرى في عيسى ومحمد نبيين، بينما المسيحية ترى في عيسى ابن الله، واليهودية تنتظر المسيح، وترفض نبوة عيسى ومحمد'.
ويخلص الشيخ إلى أن فكرة 'الديانة الإبراهيمية' تبقى 'حلماً فكرياً أو سياسياً أكثر منه دينياً'، مشيراً إلى أنها لم تجد قبولاً بين أتباع الأديان بسبب تمسك كل دين بخصوصيته العقائدية.
وتشير تصريحات عبيد إلى أن اتفاقية أوسلو (1993) كانت نقطة انطلاق لمشاريع إقليمية أوسع، بما في ذلك فكرة 'الشرق الأوسط الجديد'، وبحسب مصادر تاريخية، كانت أوسلو تهدف إلى إيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال إقامة سلطة فلسطينية ذات حكم ذاتي.
ومع ذلك، يرى منتقدو الاتفاقية أنها مهدت الطريق لتوسيع نفوذ الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة، وهو ما يتماشى مع رؤية شمعون بيريز لإعادة تشكيل المنطقة اقتصادياً وسياسياً.
وفي عام 2020، أُعلن عن اتفاقيات أبراهام، وهي سلسلة من اتفاقيات التطبيع بين الاحتلال الإسرائيلي وعدة دول عربية، بدءاً بالإمارات العربية المتحدة والبحرين، ولاحقاً المغرب والسودان.
ووفقاً لموقع البيت الأبيض (أرشيف 2020)، ركزت هذه الاتفاقيات على تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني، مع التركيز على 'تعزيز السلام في الشرق الأوسط'.
ومع ذلك، يرى ناشطون مثل عبيد أن هذه الاتفاقيات تخدم مصالح الاحتلال الإسرائيلي بشكل أساسي، وأنها جزء من خطة أوسع لإضفاء الشرعية على وجود الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة.
وبحسب تحليلات منشورة على مواقع مثل 'الجزيرة' و'العربي الجديد'، فإن مصطلح 'الديانة الإبراهيمية' ظهر في سياق محاولات تعزيز الحوار بين الأديان، وعلى سبيل المثال، أُسس 'بيت العائلة الإبراهيمية' في أبوظبي عام 2021 كمركز لتعزيز التفاهم بين الإسلام والمسيحية واليهودية.
ومع ذلك، يرى منتقدو المشروع أنه يحمل أبعاداً سياسية، خاصة مع ارتباطه باتفاقيات أبراهام، وأنه قد يُستخدم لتخفيف التوترات الدينية المرتبطة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
لماذا فشل المشروع؟
التناقضات العقائدية: كما أشار محمد الشيخ، فإن الاختلافات الجوهرية بين الأديان السماوية تجعل فكرة دين موحد غير قابلة للتحقيق، فالإسلام يؤكد على كونه الدين الخاتم، بينما المسيحية واليهودية لكل منهما رؤية مختلفة عن الإله والنبوة.
الرفض الشعبي: تشير تقارير إعلامية إلى أن هناك مقاومة شعبية واسعة في العالم الإسلامي لمثل هذه المشاريع، خاصة بسبب ارتباطها بالتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
الأهداف السياسية: يرى محللون أن ربط 'الديانة الإبراهيمية' باتفاقيات أبراهام جعلها تبدو أداة سياسية لخدمة أجندات إقليمية، مما أثار شكوكاً حول نواياها الحقيقية.
قضية المسجد الأقصى: يشير مالك عبيد إلى أن أحد أهداف المشروع هو جعل المسجد الأقصى 'مشاعاً'، وهو ما يُعتبر خطاً أحمر بالنسبة للمسلمين، مما يعزز الرفض الشعبي.
ووسط كل ذلك، يبقى مشروع 'الديانة الإبراهيمية' وما يرتبط به من اتفاقيات أبراهام محط جدل ديني وسياسي.
وبينما يرى البعض أنه محاولة لتعزيز السلام والتعايش، يعتبره آخرون تهديداً للهوية الدينية والسياسية في المنطقة، وبالتالي فإن تصريحات مثل تلك التي أدلى بها مالك عبيد ومحمد الشيخ تعكس عمق الانقسام حول هذا المشروع، الذي يبدو أنه، كما وُصف، 'فشل قبل أن يبدأ' بسبب التناقضات العقائدية والشكوك السياسية.
ومع استمرار الصحوة الإسلامية والوعي الشعبي، يظل مستقبل هذا المشروع غامضاً، وسط تحديات دينية وسياسية معقدة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الدستور
منذ 2 ساعات
- الدستور
مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال واقتحامات أخرى لجنين
اقتحم مستعمرون، صباح اليوم الخميس، باحات المسجد الأقصى المبارك في مدينة القدس المحتلة، بحماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي. وأفادت وسائل إعلام فلسطينية محلية، بأن عشرات المستعمرين اقتحموا المسجد الأقصى على شكل مجموعات، ونفذوا جولات استفزازية في باحاته، وأدوا طقوسا تلمودية، بحماية قوات الاحتلال. يأتي هذا في ظل الانتهاكات المستمرة والاعتداءات من قبل المستعمرين وقوات شرطة وجيش الاحتلال في المسجد الأقصى وكافة الأماكن المقدسة في القدس، والضفة الغربية المحتلة. مستعمرون يقتحمون بلدة جنوب جنين كما اقتحم مستعمرون بحماية جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الخميس، موقع "ترسلة" قرب بلدة جبع جنوب جنين. وأفادت مصادر محلية، بأن 5 حافلات تقل مستعمرين وعدد كبير من آليات الاحتلال برفقة جرافة، اقتحمت الموقع الذي كان يقام بجواره مستعمرة "سانور" التي أخليت عام 2005، وفقا لما نقلته وكالة وفا الفلسطينية. ولفتت المصادر إلى أن المستعمرين ظلوا يقتحمون المنطقة رغم إخلائها بين الحين والآخر. يذكر أن "الكابينت" الإسرائيلي صادق في شهر مايو الماضي على إقامة 22 مستعمرة جديدة بالضفة الغربية، بما فيها إعادة إقامة مستعمرتي "حومش" وترسلة "سانور" بمحافظة جنين. اعتقال 12 مواطنا فلسطينيا من سلفيت وفي السياق ذاته، اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الخميس، 12 مواطنا خلال اقتحامها بلدات حارس وكفل حارس وديراستيا بمحافظة سلفيت. وأفادت مصادر محلية، بأن قوات الاحتلال اقتحمت بلدة حارس وداهمت منازل المواطنين، واعتقلت 12 مواطن، وسط تفتيش وتدمير مقتنيات منازلهم. وسبق، وأكد السفير مهند العكلوك، المندوب الدائم لدولة فلسطين بجامعة الدول العربية، أن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة من انتهاكات على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي؛ يمثل جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، مشيرًا إلى أن استخدام التجويع كسلاح ضد أكثر من مليوني إنسان محاصرين في قطاع غزة، لم يسبق له مثيل في التاريخ المعاصر.


نافذة على العالم
منذ 5 ساعات
- نافذة على العالم
أخبار عربية : مفتى القدس لـ"الشرق": قرار إسرائيل بإبعادي عن الأقصى 6 أشهر "غير مبرر"
الخميس 7 أغسطس 2025 05:30 صباحاً نافذة على العالم - قال مفتي القدس والأراضي الفلسطينية، الشيخ محمد حسين لـ"الشرق" الأربعاء، إن قرار إسرائيل بإبعاده عن المسجد الأقصى لمدة 6 أشهر "غير مبرر"، ويأتي ضمن سياستها الممنهجة لـ"التضييق على رجال الدين في القدس، واستهداف دورهم وخُطَبَهم التي تعبّر عن هوية المدينة ومقدساتها". وأضاف مفتي القدس أن القرار الإسرائيلي جاء على خلفية خطبة الجمعة التي استنكر فيها سياسة التجويع التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. وشدد على أن "الخطبة الدينية مسؤولية شرعية يتحمّلها الخطيب وحده، وليست من اختصاص سلطات الاحتلال"، مؤكداً رفضه لأي "تدخُّل في مضمون الخطاب الديني، باعتباره شأناً دينياً وعقائدياً خالصاً". وأشار إلى أن "الأردن، بصفته صاحب الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، يقوم بدور مهم في التصدي لهذا القرار، من خلال وزارة الأوقاف التي تتابع الملف قانونياً وتتحرك ضمن مسؤوليتها في حماية الخطباء والعاملين في العمل الديني في المدينة المحتلة". ولفت إلى أن القرار الإسرائيلي "لن يمنعه من أداء واجباته الدينية". وفي أواخر يوليو الماضي، اعتقلت القوات الإسرائيلية مفتي القدس داخل المسجد الأقصى، وسلّمته قراراً بالإبعاد عن المسجد الأقصى لمدة 8 أيام قابلة للتجديد. وقالت محافظة القدس، نقلاً عن المحامي خلدون نجم، إن القرار جاء على خلفية خطبة الجمعة التي ألقاها الشيخ حسين، واستنكر فيها سياسة التجويع التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. وسبق أن تعرَّض خطباء آخرون في الأقصى، بينهم الشيخ محمد سليم والشيخ عكرمة صبري، لاعتقالات وإبعادات متكررة. وترى الأوساط الفلسطينية أن قرارات الإبعاد بحق العلماء والأئمة تأتي ضمن سياسة ممنهجة لتهويد القدس ومحاولة طمس هويتها العربية والإسلامية. من جانبها، وصفت حركة "حماس" قرار إسرائيل بإبعاد مفتي القدس عن المسجد الأقصى بأنه "إجراء تعسفي". واتهمت إسرائيل بـ"استهداف أئمة وخطباء المسجد الأقصى بالاعتقال والإبعاد". وكان وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي اليميني المتطرف إيتمار بن جفير، قاد اقتحاماً جديداً للمسجد الأقصى، مع عشرات المستوطنين، في حراسة أمنية مشددة من شرطة الاحتلال الإسرائيلي، وسط إدانة عربية. وأظهرت مقاطع مصورة نشرتها منظمة يهودية صغيرة تُدعى "إدارة جبل الهيكل"، "بن جفير" وهو يقود مجموعة من المصلين في الحرم، كما أظهرت مقاطع أخرى متداولة على الإنترنت "بن جفير" وهو يصلي.


نافذة على العالم
منذ 13 ساعات
- نافذة على العالم
أخبار العالم : على فوهة البركان
الأربعاء 6 أغسطس 2025 10:40 مساءً نافذة على العالم تعيش المنطقة لحظة هي الأخطر منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر قبل الماضي. التطورات الأخيرة تشير إلى انتقال إسرائيل من منطق العمليات محدودة الأهداف السياسية إلى الاستعداد للحرب الشاملة. قرار نتنياهو احتلال قطاع غزة بالكامل رغم تحذيرات جيشه من الكلفة البشرية والعسكرية الهائلة يأتي في إطار التصعيد المجنون الذي قد يقود المنطقة كلها إلى الانفجار. كل الحسابات المنطقية تشير إلى تهور الخطوة التي يستعد نتنياهو لاتخاذها. لكن الدوافع الحقيقية لا تكون بالضرورة معلنة في مشهد يكشف عمق الأزمة داخل إسرائيل حول الإجراء، اعترض رئيس الأركان الصهيوني أيال زامير على قرار احتلال قطاع غزة نظرا لخطورته، فما كان من نتنياهو الذي بدا وكأنه يعتبر القرار مسألة مصيرية هدد رئيس أركانه: نفذ القرار أو قدم استقالتك ضوء أخضر أمريكي من ترامب يبدو أنه وراء اندفاع نتنياهو نحو إعادة احتلال القطاع متعللا بأن الحرب لن تتوقف إلا بتحقيق ثلاثة أهداف: تدمير حماس نهائيا، تحرير الرهائن، وضمان ألا تشكل غزة تهديدا لإسرائيل مستقبلا. هذه هي أهداف نتنياهو المعلنة، أما الهدف الحقيقي من وراء إعادة احتلال غزة هو بدء تنفيذ مخطط التهجير القسري سياسة التجويع التي اتبعها الاحتلال الإسرائيلي لم تدفع أهالي غزة لهجرة القطاع لكنها لطخت سمعة الحكومات الغربية وضاعفت الضغوط الشعبية، كما أن مشهد الأسرى الإسرائيليين الذي يعانون المجاعة شأنهم في ذلك شأن الغزاويين أضاف بُعدا جديدا للضغط الدولي. ما يشير إلى نية الصهاينة لتصفية القضية الفلسطينية، أن الضفة الغربية تشهد حاليا بالتوازي مع التصعيد في غزة، حدثا غير مسبوق منذ نكسة 1967. وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير قاد اقتحاما ضخما بمشاركة آلاف المستوطنين، وأقام صلاة تلمودية كاملة داخل ساحات الأقصى، في كسر واضح للوضع القائم التاريخي والقانون المستمر منذ العهد العثماني. هذه الخطوة تمثل إعلانا عمليا بأن إسرائيل لم تعد تعترف بالخطوط الحمراء، وتتعامل مع الأقصى باعتباره هدفا مشروعا، في تمهيد مباشر لهدمه وإقامة "الهيكل الثالث" الذي يقوم عليه الفكر الصهيوني اليميني المتطرف. هذه الجريمة كفيلة بأن تنتقل بالمنطقة إلى مستوى جديد من التصعيد. الثابت تاريخيا أن الشعوب الإسلامية قد تصبر على الاحتلال والجوع والاستبداد، لكنها تنتفض فور المساس بالمقدسات الإسلامية. سيناريو هدم المسجد الأقصى سيؤدي حتما إلى ولادة تنظيمات أكثر تطرفا من كل التنظيمات الإرهابية التي استغلت القضية الفلسطينية لشرعنة وجودها. لو تعلم الحكومات العربية ما ينتظر المنطقة من أحداث كارثية حال نجاح إسرائيل في تنفيذ مخططاتها ما سمحت أبدا لدولة الاحتلال بالتمادي في هذا الجنون، لكن المؤسف، ورغم خطورة التطور، فإن ردود الفعل العربية والإسلامية بقيت محدودة، ما يعكس حالة شلل استراتيجي في مواجهة أكثر التهديدات وضوحًا للأمن القومي العربي والهوية الإسلامية. لقد انعدمت ردود الفعل العربية إلا من خطاب للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي شكل تحولا كبيرا في الموقف المصري المعلن، مؤكدا على تعبير "الإبادة الجماعية" لوصف ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة، وكرر الاتهام ثلاث مرات بشكل صريح: الحرب في غزة تجاوزت أي منطق أو مبرر وأصبحت حربا للتجويع والإبادة الجماعية وأيضا تصفية القضية الفلسطينية.. نرى أن هناك إبادة ممنهجة في القطاع.. هناك إبادة ممنهجة لتصفية القضية." هذا الخطاب بمثابة خطوة سياسية وقانونية مهمة، ويعيد تعريف الصراع في لغة المجتمع الدولي من نزاع مسلح إلى "جريمة إبادة ممنهجة"، ويعكس مدى التعثر التفاوضي وخطورة المخطط الإسرائيلي لفرض التهجير والاحتلال الكامل. حديث الرئيس السيسي يوجه الرسالة الصحيحة في الوقت المناسب، لكن المطلوب اليوم هو "مضاعفة هذه الرسالة وتوسيع نطاقها" مستفيدين من موجة التعاطف الشعبي الدولي والغضب الرسمي تجاه إسرائيل، عبر خطة عمل متكاملة تشمل: أولا تكثيف الرسالة الإعلامية عبر تكرارها في تصريحات رسمية من كبار المسؤولين والناطقين باسم الدولة، وباستخدام نقاط حديث منسقة ومتجددة تناسب تطورات الأحداث. ثانيا: تحريك السفارات المصرية عالميا لتكثيف المقابلات والاتصالات مع الحكومات والبرلمانات والشخصيات العامة والصحافة والمجتمع المدني، ليس فقط لتوضيح الموقف المصري، بل للمطالبة بمواقف وتحركات محددة تجاه إسرائيل. ثالثا: تفعيل التحرك الجماعي بالعمل مع الدول العربية والإسلامية وحركة عدم الانحياز، والتنسيق مع مجموعة لاهاي ومؤتمر بوجوتا، والضغط على الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي لتطوير مواقفهما بما يتناسب مع حجم الجرائم الإسرائيلية. رابعا: مضاعفة الضغط الأممي عبر أجهزة الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية والإقليمية لاستصدار قرارات، وتشكيل لجان تحقيق، واتخاذ إجراءات عملية تجاه إسرائيل. خامسا: التحرك القانوني المباشر سواء بالانضمام الى القضايا المرفوعة حاليا أمام محكمة العدل الدولية، أو رفع دعاوى جديدة بشأن الجرائم المستجدة في غزة أو الانتهاكات الإسرائيلية لالتزاماتها تجاه مصر. ليس بعد حرق الزرع جيرة كما يقول المثل الشعبي، وإسرائيل بمخططاتها تمثل التهديد الأول للأمن القومي المصري وأمن الإقليم كله هذه الخطوات تمثل الحد الأدنى للتحرك الفاعل، دون التلويح بالعمل العسكري، ومن شأنها أن تعزز الموقف المصري والعربي أمام المجتمع الدولي، وتضع إسرائيل تحت ضغط سياسي وقانوني متصاعد، وتنفي المزاعم حول أن الدول العربية صامتة لأنها متواطئة مع مخططات الاحتلال. هذه ليست لحظة بيانات أو حسابات ضيقة، بل لحظة تحرك دبلوماسي وقانوني وإعلامي مكثف، لإيقاف التوحش الإسرائيلي، وحماية الأمن القومي المصري والعربي، ومنع تغيير معالم المنطقة للأبد.