
إيران: نحن مثل أميركا نعتبر السلاح النووي "غير مقبول"
جدد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي اليوم السبت رفض بلاده السلاح الذري، وذلك في وقت تجري طهران محادثات مع الولايات المتحدة سعياً إلى التوصل إلى اتفاق في شأن برنامجها النووي.
وقال عراقجي في تصريحات أوردها التلفزيون الرسمي "إذا كانت المشكلة هي الأسلحة النووية، نعم، نحن نعتبرها أيضاً غير مقبولة"، مضيفاً "نحن متفقون معهم على هذه النقطة".
وأجرت طهران وواشنطن خمس جولات من المحادثات بوساطة عمانية منذ أبريل (نيسان) الماضي، مع تأكيد الجانبين إحراز تقدم، على رغم تباين معلن بينهما في شأن احتفاظ إيران بالقدرة على تخصيب اليورانيوم.
وفي حين اعتبر مسؤولون أميركيون أن مواصلة إيران تخصيب اليورانيوم في ظل اتفاق جديد هو بمثابة "خط أحمر"، تتمسك طهران بما تعتبره "حقاً" لها في مجال الطاقة النووية السلمية.
محطة بوشهر للطاقة النووية في جنوب إيران (أ ب)
وتتهم دول غربية وإسرائيل إيران بالسعي إلى تطوير سلاح ذري، وهو ما تنفيه طهران، مؤكدة الطابع السلمي لبرنامجها النووي.
وأبرمت إيران اتفاقاً مع القوى الكبرى في شأن برنامجها النووي عام 2015، أتاح فرض قيود على أنشطتها وضمان سلميتها، لقاء رفع عقوبات كانت مفروضة عليها.
وفي 2018 سحب الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال ولايته الأولى بلاده بصورة أحادية من الاتفاق وأعاد فرض عقوبات على إيران التي تراجعت بعد عام من ذلك تدريجاً عن غالبية التزاماتها الأساسية بموجبه.
وبينما حدد اتفاق عام 2015 سقف تخصيب اليورانيوم عند مستوى 3.67 في المئة، تخصب طهران حالياً عند مستوى 60 في المئة، غير البعيد من مستوى 90 في المئة المطلوب للاستخدام العسكري.
وبحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن إيران هي القوة غير النووية الوحيدة التي تُخصب اليورانيوم عند مستوى 60 في المئة.
وفي حين قال ترمب الأربعاء الماضي إن الاتفاق بين البلدين بات وشيكاً، علق عراقجي أول من أمس الخميس على تقرير إعلامي أميركي يمضي في الاتجاه ذاته بالقول "لست واثقاً بأننا بلغنا حقاً مثل هذه النقطة".
تهديد ترمب
نقلت وكالة "فارس" الإيرانية شبه الرسمية للأنباء عن مسؤول إيراني قوله أمس الجمعة إن تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتدمير المنشآت النووية الإيرانية "خط أحمر واضح" وستكون له عواقب وخيمة.
ونقلت الوكالة عن المسؤول الذي لم تكشف اسمه قوله "إذا كانت الولايات المتحدة تسعى إلى حل دبلوماسي، فعليها التخلي عن لغة التهديدات والعقوبات"، مضيفاً أن مثل هذه التهديدات "عداء صريح ضد المصالح الوطنية الإيرانية".
وقال ترمب للصحافيين في البيت الأبيض أمس الجمعة إنه يعتقد أن الولايات المتحدة قريبة من التوصل إلى اتفاق مع إيران في شأن برنامجها النووي.
وكان الرئيس الأميركي قال للصحافيين في البيت الأبيض الأربعاء "أريده (الاتفاق النووي) قوياً جداً بحيث يمكننا إدخال مفتشين، ويكون بإمكاننا أن نأخذ ما نريد، ونفجر ما نريد، ولكن من دون أن يقتل أحد. يمكننا تفجير مختبر، ولكن لن يكون هناك أحد داخله، على عكس تفجير المختبر مع وجود الجميع داخله".
وهدد ترمب مراراً بقصف المنشآت النووية الإيرانية إذا فشلت الدبلوماسية في حل الخلاف المستمر منذ عقود في شأن برنامج طهران النووي.
عدم امتثال إيران
قال دبلوماسيون إن القوى الغربية تستعد للضغط على مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في اجتماعه الفصلي المقبل لإعلان عدم امتثال إيران لالتزاماتها المتعلقة بمنع الانتشار النووي لأول مرة منذ ما يقرب من 20 عاماً، وهي خطوة من المرجح أن تثير غضب طهران.
من المرجح أن تعقد هذه الخطوة المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران، الهادفة إلى فرض قيود جديدة على برنامج طهران النووي الذي يتطور بسرعة.
ترمب والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف على غلاف صحف إيرانية (رويترز)
اقترحت واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون بريطانيا وفرنسا وألمانيا، المعروفون باسم الترويكا الأوروبية، قرارات سابقة اعتمدها مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المؤلف من 35 دولة، تدعو إيران إلى اتخاذ خطوات سريعة، مثل تقديم تفسير لآثار اليورانيوم التي عثرت عليها الوكالة في مواقع غير معلنة.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتستعد الوكالة لإرسال تقاريرها الفصلية عن إيران إلى الدول الأعضاء قبل الاجتماع القادم لمجلسها، الذي يبدأ في التاسع من يونيو (حزيران). وسيكون أحد هذه التقارير "شاملاً" ومطولاً ويتناول مسائل من بينها تعاون إيران، وفقاً للطلب الوارد بقرار مجلس المحافظين الصادر في نوفمبر (تشرين الثاني). ويتوقع دبلوماسيون أن يشتمل التقرير على إدانات.
وقال مسؤول أوروبي "نتوقع أن يكون التقرير الشامل صارماً، لكن لا توجد أي شكوك في شأن عدم وفاء إيران بالتزاماتها المتعلقة بمنع الانتشار".
ويقول ثلاثة دبلوماسيين إن الولايات المتحدة ستعد بمجرد صدور هذا التقرير، مشروع قرار يعلن انتهاك إيران لما يسمى بالتزاماتها المتعلقة بالضمانات. وقال رابع إن القوى الغربية تعد مشروع قرار من دون الخوض في التفاصيل.
وأضاف الدبلوماسيون أن النص سيناقش مع الدول الأعضاء في مجلس المحافظين خلال الأيام المقبلة قبل أن تقدمه القوى الغربية الأربع رسمياً إلى المجلس خلال الاجتماع الفصلي، مثلما حدث مع القرارات السابقة.
برنامج أسلحة نووية سري
كانت آخر مرة اتخذ فيها مجلس المحافظين خطوة الإعلان رسمياً عن انتهاك إيران لالتزاماتها بموجب اتفاق الضمانات الشاملة في سبتمبر (أيلول) 2005، وذلك في خضم مواجهة دبلوماسية نتجت عن اكتشاف أنشطة نووية سرية في إيران.
وتعتقد الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية في الوقت الحالي أن إيران كان لديها برنامج أسلحة نووية سري ومنسق أوقفته عام 2003. وتنفي إيران امتلاكها أي برنامج أسلحة على الإطلاق وتؤكد أنها تستخدم التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية فقط.
وأحال قرار منفصل أصدره مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فبراير (شباط) 2006 مسألة عدم امتثال إيران إلى مجلس الأمن الدولي الذي فرض لاحقاً عقوبات على طهران.
وقال الدبلوماسيون إنه لم يتحدد بعد متى ستسعى القوى الغربية إلى إحالة الأمر إلى مجلس الأمن، ولم يتضح أيضاً الإجراء الذي يمكن أن يتخذه مجلس الأمن ضد إيران إن وجد.
ومن المرجح أن يؤثر أي قرار بصورية فورية على محادثات طهران مع الولايات المتحدة وعلى أي خطوات نووية أخرى تقرر إيران اتخاذها على أرض الواقع. وقال مسؤول إيراني كبير لـ"رويترز" إن طهران سترد على أي قرار "بتوسيع نطاق العمل النووي بناءً على (مضمون) هذا القرار".
ووافق مجلس محافظي الوكالة على جميع القرارات التي اقترحتها القوى الغربية في شأن إيران في الآونة الأخيرة، ولا شك في أن هذا القرار سيقر أيضاً، لكن السؤال الوحيد يكمن في حجم الغالبية التي ستؤيده. وروسيا والصين هما الدولتان الوحيدتان اللتان عارضتا باستمرار مثل هذه القرارات.
وتشعر إيران بالاستياء من القرارات والانتقادات الأخرى الموجهة إليها من مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما يدفعها لاتخاذ خطوات مثل تسريع برنامج تخصيب اليورانيوم وتوسيعه أو منع كبار مفتشي الوكالة من دخول البلاد.
وتخصب إيران اليورانيوم بالفعل إلى درجة نقاء تصل إلى 60 في المئة، ويمكن رفع هذه النسبة بسهولة إلى ما يقارب 90 في المئة، وهي الدرجة اللازمة لصنع الأسلحة.
ويظهر معيار الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران لديها كمية من المواد عند هذا المستوى تكفي لصنع ستة أسلحة نووية إذا واصلت تخصيبها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 43 دقائق
- Independent عربية
مرشح قومي ومعجب بترمب يتقدم في انتخابات بولندا الرئاسية
يتوقع أن يفوز المؤرخ القومي كارول ناوروتسكي على منافسه رافال تشاسكوفكسي المؤيد للاتحاد الأوروبي في الانتخابات الرئاسية البولندية، وفق ما أظهرت استطلاعات اليوم الإثنين، ما سيشكل ضربة قوية للحكومة المؤيدة للاتحاد الأوروبي في البلاد. وحصل ناوروتسكي البالغ 42 سنة والمعجب بالرئيس الأميركي دونالد ترمب على 51 في المئة من الأصوات في استطلاع أجرته مؤسسة إيبسوس استناداً إلى نتائج جزئية من انتخابات الأحد. وحصل تشاسكوفكسي (53 سنة)، رئيس بلدية وارسو المؤيد للاتحاد الأوروبي وحليف الحكومة الوسطية في البلاد، على 49 في المئة. وكان ناوروتسكي قد أعلن أمام حشد من أنصاره في تجمع انتخابي في وارسو بعد إغلاق مراكز الاقتراع "سنفوز الليلة، سنفوز وسننقذ بولندا". ومن المتوقع أن تعلن النتيجة النهائية صباح الإثنين. تقويض العلاقات مع أوكرانيا وفوز ناوروتسكي في حال تأكيده من شأنه أن يعيق برنامج عمل الحكومة التقدمية في ما يتعلق بالإجهاض وحقوق المثليين، وقد يؤدي إلى إحياء التوترات مع بروكسل بشأن قضايا سيادة القانون. كما يمكن أن يؤدي فوزه إلى تقويض العلاقات الوثيقة مع أوكرانيا المجاورة، باعتبار أن ناوروتسكي من منتقدي خطط كييف للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، ويريد خفض المعونات للاجئين الأوكرانيين. وزار ناوروتسكي البيت الأبيض خلال حملته الانتخابية حيث قال له ترمب "سوف تفوز". كما أيدته أيضاً وزيرة الأمن الداخلي الأميركية كريستي خلال حضورها مؤتمراً للمحافظين في بولندا الأسبوع الماضي، قائلة "يجب أن يكون الرئيس المقبل". وبلغت نسبة المشاركة 72,8 في المئة، وهي أعلى من تلك المسجلة في الانتخابات الرئاسية لعام 2020 (68,17 في المئة). اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) والرئيس في هذا البلد البالغ عدد سكانه 38 مليون نسمة، هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ويوجه السياسة الخارجية ويمكنه طرح مشاريع قوانين واستخدام الفيتو ضدها. وفي حال فوز تشاسكوفسكي، سيعطي ذلك دفعاً كبيراً للبرنامج التقدمي الذي تعتمده الحكومة برئاسة دونالد توسك، الرئيس السابق للمجلس الأوروبي. وقد يؤدي الأمر إلى تغييرات اجتماعية مهمة مثل الاعتراف بالشراكات المدنية للمثليين وتليين قوانين الإجهاض شبه المحظور حالياً. وقال توسك بعد إدلائه بصوته في سوبوت (شمال) إن الانتخابات "مهمة جداً". ودعا الرئيس المنتهية ولايته أندريه دودا البولنديين إلى التصويت وتحديد مصيرهم بأنفسهم معرباً عن أمله في أن يكون للرئيس الجديد تفويض قوي. "صدام حضارات حقيقي" في المقابل، سيعزز فوز ناوروتسكي موقع حزب القانون والعدالة الشعبوي الذي حكم بولندا بين 2015 و2023، وقد يؤدي إلى تنظيم انتخابات نيابية جديدة. ويؤيد العديد من أنصار ناوروتسكي تشريعات أكثر صرامة حول الهجرة وسيادة أوسع نطاقا لبلدهم داخل الاتحاد الأوروبي. واعتبرت الخبيرة السياسية آنا ماتيرسكا سوسنوفسكا أن الانتخابات هي "صدام حضارات حقيقي" بسبب الاختلافات الكبرى في السياسات بين المرشحين. ويؤيد العديد من ناخبي تشاسكوفسكي تكاملا أكبر داخل الاتحاد الأوروبي وتسريع الإصلاحات الاجتماعية في البلد الذي يسجل نمواً اقتصادياً كبيراً. وتلقى الانتخابات متابعة حثيثة في أوكرانيا التي تسعى إلى تعزيز الدعم الدبلوماسي الدولي لها في مفاوضاتها الصعبة مع روسيا. ويعارض كارول نافروتسكي المعجب بترمب، انضمام كييف إلى حلف شمال الأطلسي ويدعو إلى فرض قيود على الامتيازات الممنوحة لنحو مليون لاجئ أوكراني في بولندا. وقام خلال الساعات الأخيرة من الحملة الجمعة بزيارة نصب أقيم تكريما لذكرى البولنديين الذين قتلوا بأيدي قوميين أوكرانيين خلال الحرب العالمية الثانية. وقال "كانت إبادة جماعية ضد الشعب البولندي".

سعورس
منذ 2 ساعات
- سعورس
اجتماع ثلاثي بالقاهرة لبحث النووي الإيراني
القضايا النووية أعلنت وزارة الخارجية المصرية أن جدول أعمال اللقاء يشمل اجتماعًا ثنائيًا بين الوزير المصري ونظيره الإيراني ، يتبعه لقاء ثنائي آخر مع جروسي، ثم اجتماع ثلاثي مشترك يُتوقّع أن يركّز على القضايا النووية والإقليمية الأكثر إلحاحًا. وتأتي زيارة عراقجي القاهرة في سياق سعي إيران إلى تعزيز تواصلها مع دول المنطقة، بحسب ما أعلنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ، إسماعيل بقائي، الذي أكد مساء السبت أن الزيارة ستتناول العلاقات الثنائية، وتطورات الأوضاع في المنطقة، ولا سيما في الأراضي الفلسطينية. ويمثل هذا اللقاء استكمالًا لمسار التواصل الفني والدبلوماسي بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث سبق للطرفين أن عقدا لقاءات في طهران ونيويورك، لبحث سبل تعزيز الشفافية، وضمان الطابع السلمي للأنشطة النووية الإيرانية. التعاون الفني يُتوقع أن يُركّز اللقاء مع جروسي على التعاون الفني بين إيران والوكالة، خاصة في ضوء التقارير التي تفيد ببلوغ إيران مراحل متقدمة في تخصيب اليورانيوم، ما أثار مخاوف دولية من إمكانية انحراف البرنامج عن مساره المدني. ويأتي الاجتماع الثلاثي في القاهرة بالتزامن مع مفاوضات غير مباشرة مستمرة بين طهران وواشنطن، بوساطة سلطنة عمان ، تهدف إلى إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 أو التوصل إلى تفاهمات جديدة. كما يعكس الاجتماع اهتمام القاهرة بلعب دور محوري في دعم جهود التهدئة الإقليمية، خصوصًا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، التي من المتوقع أن تحظى بحيّز مهم ضمن المشاورات. ويُنظر إلى استضافة مصر هذا اللقاء كتحرك دبلوماسي يعكس موقعها كقوة إقليمية قادرة على تيسير الحوار بين الأطراف المتباعدة، خصوصًا في ملفات شديدة الحساسية مثل البرنامج النووي الإيراني والأمن الإقليمي.


الشرق الأوسط
منذ 4 ساعات
- الشرق الأوسط
عراقجي والقنبلة والقطار
لا مصلحة لأميركا في اللجوء إلى الحلّ العسكري لحسم الخلاف مع إيرانَ بشأن برنامجها النووي. استخدام القوة في الشرق الأوسط يعيد إلى الأذهان تجارب مكلفة وبغضّ النظر عن الأسباب. الرئيس دونالد ترمب نفسه لا يعتبر الخيار العسكري خياراً مقبولاً إلا إذا سُدَّت كل الطرق أمام إقناع طهران بالتخلي عن الحلم النووي. وترد إيران أن لا وجود لحلم من هذا النوع وأنَّه محرم شرعاً بالنسبة إليها. وعلى رغم هذا النفي المتكرر من جانب طهران، عاد الملف النووي الإيراني إلى الواجهة. لا غرابة أصلاً أن تكون هناك أزمة ثقة بين إيران وأميركا. تبادل الضربات في العقود الماضية مباشرة أو بالواسطة كرس أزمة ثقة عميقة. نظرت إيران الحالية دائماً إلى أميركا بوصفها الخطر الأول و«الشيطان الأكبر». تدرك طهران أنَّ أميركا قوة هائلة قادرة على قلب موازين القوى في معظم بقاع العالم. في المقابل، نظرت أميركا إلى إيران بوصفها القوة الرئيسية الداعمة للإرهاب في الشرق الأوسط ولمحت بصماتها في كل محاولات زعزعة الاستقرار. عودة ترمب إلى البيت الأبيض صبت النار على زيت الأزمة مع إيران. اسمه مرتبط بحدثين إيرانيين كبيرين، هما الخروج من الاتفاق النووي وإصدار الأمر بقتل قاسم سليماني. فتح ترمب نافذة التفاوض مع إيران لكنَّه حرص على التذكير بوعد قاطع وهو أنَّ إيران لن تمتلك سلاحاً نووياً حتى لو استلزم الأمر في النهاية خياراً عسكرياً لمنعها من ذلك. دخلت الأزمة النووية الحالية مع إيران مرحلة جديدة بعد التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي يتهم طهران بتسريع وتيرة إنتاج اليورانيوم العالي التخصيب. حرص ترمب على تكرار عبارة «لا يمكنهم امتلاك سلاح نووي» يترافق مع إشارات متكررة منه إلى أنَّ الاتفاق «ممكن وقريب». لا مصلحة لأميركا في الانزلاق إلى مواجهة عسكرية مع إيران. ولا مصلحة لها أيضاً في أن تتولَّى إسرائيلُ القيامَ بمثل هذه المهمة التي يصعب ضبط انعكاساتها وذيولها. وأغلب الظن أنَّ إيران التي تفادت طويلاً الانزلاق إلى مواجهة مباشرة مع أميركا ستواصل تفادي مثل هذا الصدام المكلف. يضاف إلى ذلك أنَّ إيران قد لا تكون اليوم في أفضل أحوالها للدخول في اختبار قوة من هذا النوع. التغييرات التي شهدها الشرق الأوسط في الشهور الأخيرة لم تكن أبداً لمصلحة إيران، وهي حرمتها من بعض أبرز أوراقها. لهذا يمكن طرح السؤال؛ بماذا سيشعر عباس عراقجي حين تحوم طائرته اليوم مقتربة من مطار بيروت؟ هل يشعر أنَّ بيروت تغيرت، أم تراه سيشعر أنَّ المنطقة تغيَّرت، ومعها موقع إيران فيها؟ يعرف عراقجي أنَّ مهمته هذه الأيام بالغة الصعوبة كي لا يقال إنَّها شبه مستحيلة. تطالب إيران العالم بطمأنتها، فيرد عليها مطالباً إياها بطمأنته. يعرف عراقجي ماذا أصاب بعض عربات القطار الإيراني في الشهور الماضية. غادرت سوريا القطار الإيراني، ولا شيء يسمح بالاعتقاد أنَّها ستعود إليه. ما تغير في سوريا ليس اسم رئيسها. تغيَّر قاموس كامل في التعامل مع السوريين وجيران سوريا والعالم. أسقطت دمشق «قاموس الممانعة» الذي اتكأ عليه نظام الأسد طويلاً. لم تعد أميركا مصنفة في خانة الأعداء. صارت مرغوبة ومطلوبة، ويتم التجاوب مع نصائحها ومطالبها. لم تعد سوريا تستضيف ضباط «الحرس الثوري» الإيراني في إطار الخطة التي رسم الجنرال قاسم سليماني ملامحها على مدى سنوات، خصوصاً بعدما نجح بالتعاون مع روسيا بوتين في إنقاذ نظام الأسد الذي شارف الانهيار. لم تعد سوريا تستضيف مقرات المنظمات الفلسطينية الممانعة وتوفر لقادتها ملاذات اعتبرتها آمنة. لم تعد هذه المنظمات مقبولة في سوريا، وبات «حزب الله» اللبناني مدرجاً في خانة الأعداء. لبنان نفسه لم يعد كما كان. لم تعد صناعة الرؤساء من مهام قيادة «حزب الله». ورئيس الجمهورية الجالس في بعبدا دخل القصر على قاعدة «حصرية السلاح» بيد الدولة. يمكن قول الشيء نفسه عن رئيس الوزراء الجالس في السراي الحكومي. برنامج الحكم الحالي هو التطبيق الكامل للقرار 1701، والإفراط في التأخير يبدو محفوفاً بالأخطار وإضاعة فرص إعادة الإعمار والاستقرار. يعرف عراقجي أنَّ أزمة الملف النووي الحالي جاءت في ظروف بالغة الصعوبة. التغيير الذي حصل في سوريا يكاد يوازي الذي حصل في العراق ساعة اقتلاع تمثال صدام حسين. عراق آخر. وسوريا أخرى. وأمام خسارة بهذا الحجم لا تملك إيران تعويضاً. لم يغادر العراق القطار الإيراني بعد انطلاق «طوفان الاقصى» وحروبه، لكنَّه آثر البقاء خارج العاصفة أو المغامرة. صواريخ الحوثيين لا تشكل بدورها تعويضاً. وعلاوة على المشهدين السوري واللبناني لا بدَّ من التوقف عند المشهد في غزة. لا حدود للكارثة هناك ولا حدود لوحشية إسرائيل. قاتلت «حماس» كثيراً وطويلاً ودفعت أثماناً باهظة، لكنَّها لا تملك اليوم عملياً غير محاولة الاحتماء بويتكوف. يعرف عراقجي ماذا أصاب القطار الإيراني بعد «طوفان الأقصى». يعرف أيضاً أنَّ دول المنطقة تشجع سياسة بناء الجسور مع بلاده. وربما يعرف أيضاً أنَّ القبول بدور أقل يبقى أفضل بكثير من المجازفة بتعريض بلاده ونظامها لصدام مباشر مع الآلة العسكرية الأميركية.