
"نصف القمر" أقدم مكان للاستجمام.. واليوم تطوير الشواطئ كوجهات عالميةمن الموانئ والصيد إلى الترفيه والسياحة
تمتلك مملكتنا شواطئ طبيعة متنوعة كونها تطل على البحر الأحمر وخليج العقبة غرباً والخليج العربي شرقاً، بمساحة إجمالية تقدر بحوالي 3800 كم، 2600 كم غرباً من حدود الأردن شمالًا إلى حدود الجمهورية اليمنية جنوبًا، و1100 كم شرقاً من الحدود مع الكويت إلى الحدود مع قطر على دوحة سلوى شمالاً، و100 كم من الحدود مع قطر على خليج العديد إلى الحدود مع الإمارات العربية المتحدة على دوحة السميرة، كانت هذه الشواطئ قديماً مكاناً لصيد الأسماك، والبعض منها موانئ، ويعتبر ميناء العقير أول وأقدم ميناء في البلاد، حيث كان الاهتمام بالموانئ باكراً ومنذ عهد المؤسس الراحل الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، ولعب ميناء العقير دوراً مهماً على مسرح الأحداث السياسية للدولة السعودية، وفي عهد المؤسس الراحل إبان اتفاقية توطيد الحدود مع الحكومة العراقية 1342هـ، كان له أهمية خاصة كميناء رئيس، حيث تمكنت من خلاله جنوب نجد أن تتصل برموز القوة عبر التاريخ، أمّا بعد عقد اتفاقية التنقيب عن النفط فقد كان العقير الشريان الرئيس الذي مَدّ فُرق البحث والتنقيب بجميع المواد والمعدات اللازمة، إضافةً إلى كونه ملتقى للطرق التجارية التي تربط الجزيرة بفارس والهند وشرق أفريقيا، وبعد اكتشاف النفط بكميات تجارية بدأت الدولة في بناء ميناء رأس تنورة على ساحل الخليج العربي، وتم اكتمال بنائه عام 1939م وأصبح جاهزاً لاستقبال البواخر وناقلات البترول لتصدير الزيت، وغادرت أول شحنة زيت خام من ميناء رأس تنورة في العام نفسه، بحضور الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وبذلك فقَد ميناء العقير أهميته الاستراتيجية وقيمته التجارية والحيوية والنشاط مع اكتشاف النفط في المنطقة.
نصف القمر
ازدادت بعد الطفرة النفطية بناء موانئ ومرافئ بديلة، واستمر الحال في إنشاء وتطوير الموانئ وتم إنشاء المؤسسة العامة للموانئ في عام 1396هـ، التي عُنيت بتشييد الموانئ السعودية وإدارتها وتشغيلها، للإسهام في تطوير أعمال التجارة البحرية الإقليمية والدولية، وقد بلغ عدد الموانئ حالياً تسعة موانئ، وبعد أن تحسنت الأوضاع الاقتصادية في البلاد بانتشار الوزارات والمصالح الحكومية وانتشار الوظائف وانشاء الشركات والمؤسسات الحكومية والأهلية عرف الناس طريقهم الى الرفاهية، ومن ذلك قصد الشواطئ للتنزه والاستجمام، ومن أقدم الشواطئ على ساحل الخليج العربي شاطئ "نصف القمر"، الذي كان مكاناً للاستجمام لكثير من الناس، بما في ذلك عمال النفط وعائلاتهم على مدى العقود الثمانية الماضية، إذ يعد مكاناً معروفاً بالصيد خاصةً أسماك الهامور الكبيرة ومكاناً جيداً للإبحار، كما يعد ساحل البحر الأحمر أحد أجمل عجائب الطبيعة المملكة حيث يشتهر بمياهه الصافية والحياة البحرية الغنية والشواطئ تمتد على مسافة 1800 كيلومتر، ومن أقدم شواطئه شواطئ جدة التي كانت معروفة في الماضي، وكانت جزءاً من الحياة اليومية للسكان والمقيمين فيها، مثل شاطئ السيف الذي يمتد على طول الكورنيش، كانت هذه الشواطئ أماكن للاسترخاء والسباحة والتمتع بالهواء النقي، وكانت بمثابة وجهات لقضاء العطلات في الماضي.
جمال طبيعي
وفي عصرنا الحاضر تطورت الشواطئ، فبعد أن كانت مرافئ لصيد الأسماك وموانئ وأماكن بسيطة للتنزه للسكان المحليين باتت الشواطئ بجمالها الطبيعي تستقطب آلاف السياح الوافدين إليها على مدار العام، وازدانت أكثر بعد إطلاق رؤية المملكة 2030 التي أعطت اهتماما بالغًا بالبيئة والتنمية السياحية، ودعمتها بالمشروعات التطويرية، ومن أبرز المشروعات التي دعمتها الرؤية نيوم، وآمالا، والبحر الأحمر، وانطلاقاً من تلك الرؤية الطموحة للمستقبل السياحي المشرق في المملكة جاءت مبادرة الهيئة السعودية للسياحة "صيف السعودية"، التي أطلقتها مؤخرًا لتنشيط منظومة السياحة الداخلية من خلال 10 وجهات سياحية تستهدف تحفيز المواطنين والمقيمين لقضاء أجمل الأوقات السياحية في ربوع بلادهم، فمن تبوك شمالاً حيث شواطئ حقل وأملج المعروفة برمالها البيضاء التي يطلق عليها أهلها "مالديف السعودية" إلى الجزر الساحرة مشكّلة أيقونات السحر والجمال، بينما يستمر الإبحار جنوبًا نحو ينبع -لؤلؤة البحر الأحمر- حيث العراقة والأصالة، وجزيرة المحار ومرسى الأحلام وحديقة الفيروز وغيرها، إلى أن يصل السائح إلى عروس البحر الأحمر -جدة- التي تتمتع بالكثير من المنتجعات الشاطئية ، والمقومات السياحية الملبّية لرغبات السياح.
لافتة للنظر
وتطل المملكة على سواحل الخليج العربي بامتداد يصل إلى 1000 كيلومتر، وتمتلك 150 جزيرة فيه، وتمتاز بشواطئ لافتة للنظر، حيث يضم ساحل الخليج العربي شواطئ الدمام والظهران والخبر والقطيف ورأس تنورة والجبيل والخفجي، التي تحتوي على العديد من الواجهات البحرية الجاذبة للمتنزهين والسياح، مثل شاطئ نصف القمر في الخبر، ويعرف بـ"الهاف مون"، حيث حمل هذا المسمى من الأجانب الأوائل الذين عملوا في مجال التنقيب عن النفط بشركة أرامكو السعودية، أمّا كلمة نصف القمر أو "الهاف مون"، فيعود لشكل المنحنى الذي يتخذه شكل الشاطئ والذي يشبه نصف القمر، ويعتبر الشاطئ الأطول على ساحل الخليج العربي ويتكون من خمسة أجزاء متدرجة حسب العمق هي اللؤلؤ، الصدف، المحار، المرجان، الأمواج، وشاطئ "الفناتير" في الجبيل الذي يعتبر من الشواطئ الحديثة في المنطقة الشرقية، ويضم الشاطئ طبيعة ساحرة، حيث تأخذ الأرض في مواجهة البحر شكل القوس لتعطي وقت الغروب منظراً ساحراً، وتقابل الشواطئ كثباناً رملية يمارس فيها هواة التزلج على الرمال أو مغامرو التزلق بسيارات الدفع الرباعي رياضتهم فيها، كذلك تضم عدداً من مدن الألعاب بينها مدينة الأمير محمد بن فهد الترفيهية، ومدينة العاب العزيزية، وتضم العشرات من الرياضات البحرية وركوب الخيل والدراجات النارية، بالإضافة إلى شواطئه الرملية وخليجه الخالي من الحفر العميقة، مما أعطاه ميزة على كل شواطئ المنطقة التي يمتنع فيها السباحة، كما يضم شاطئ نصف القمر عدداً من المنتجعات السياحية، ويضم مدينة الملك فهد الساحلية التي تحتوي على عدة صالات مغلقة للألعاب، ويشهد شاطئ نصف القمر، إجراء بعض السباقات الرياضية خاصةً في مجال "التطعيس"، ويشكل مع بقية الشواطئ حوالي 45 كيلومتراً من المساحة المفتوحة، وتتميز هذه الشواطئ بجمالها الطبيعي الذي يستقطب آلاف السياح إليها على مدار العام.
رمال ناعمة
وتمتد الشواطئ على طول ساحل البحر الأحمر، وتكسو بعض خطوطها رواسب حصوية ومفتتات مرجانية، والبعض الآخر تكسوها الرمال الناعمة المنقولة إلى اليابسة بواسطة الرياح، ومن هذه الشواطئ شاطئ منطقة تبوك الذي يضم شاطئ الشريح، وشاطئ السلطانية، وشاطئ بئر الماشي بمحافظة حقل، وكذلك شواطئ قيال، وشواطئ رأس الشيخ حميد الواقعة جنوب البدع، وشاطئ شرما والخريبة والمويلح شمال ضباء، وكذلك شاطئ خليج حواز وحوييز، وشاطئ الرصيفة، وشاطئ خليج عنتر، وشاطئ الهراب، وشاطئ محافظة الوجه، أما محافظة أملج التابعة لمنطقة تبوك فقد احتلت شواطئها المرتبة 41 على قائمة شركة بيتش أطلس لأفضل 100 شاطئ حول العالم وتحتوي على شاطئ الحرة، وشاطئ رأس الشبعان، وشاطئ الحسي، وتضم محافظة ينبع التابعة لمنطقة المدينة المنورة عدة شواطئ مثل شاطئ ينبع الصناعية، وشاطئ ينبع البحر الذي يعتبر من أماكن الغوص الشهيرة في البحر الأحمر، كما تضم مدينة رابغ التابعة لمنطقة مكة المكرمة شاطئ رابغ الذي يبعد 160 كم شمال مدينة جدة، وعن مدينة الملك عبدالله الاقتصادية 50 كم جنوباً، وعلى بعد حوالي 211 كيلو متراً من الجنوب الغربي من مدينة جدة يقع شاطئ مدينة الليث الذي يمتد بطول 200 كم، أمّا مدينة جدة التي تقع على منتصف ساحل البحر الأحمر، يمتد بها كورنيش جدة بطول الساحل بما يزيد على 48 كيلو متر، 35 كم منه تحتوي مرافق وخدمات عامة.
وجهات عالمية
وتُعد الشواطئ جزءًا أساسيًا من رؤية المملكة 2030، خاصةً في سياق تطوير قطاع السياحة وتنويع الاقتصاد، ويهدف المشروع إلى تطوير الشواطئ والسواحل وتحويلها إلى وجهات سياحية عالمية، مثل مشروع البحر الأحمر، الذي يشتمل على شواطئ ومناطق غوص فريدة، ومن أهداف رؤية 2030 في الشواطئ أيضاً تطوير السياحة الشاطئية، ويهدف مشروع البحر الأحمر، على سبيل المثال، إلى جذب ملايين السياح من خلال توفير وجهات سياحية متنوعة مثل الجزر والشواطئ الرملية، كما تهدف الرؤية الى تنويع الاقتصاد، حيث يُنظر إلى الشواطئ كعامل مهم في تنويع الاقتصاد، بعيدًا عن الاعتماد على النفط، إضافةً إلى حماية البيئة، حيث تهتم رؤية 2030 بالبيئة بتوفير بيئة مستدامة في المناطق السياحية، مع التركيز على الحفاظ على الشعاب المرجانية وغيرها من الثروات الطبيعية، كما تهدف الرؤية إلى توفير فرص عمل، إذ يسهم تطوير الشواطئ في خلق فرص عمل في قطاع السياحة، وهو ما يدعم تحقيق أهداف رؤية 2030 في مجال التنمية الاقتصادية، إلى جانب تعزيز مكانة المملكة بجعلها من الوجهات السياحية الرائدة عالميًا، والشواطئ تلعب دورًا مهمًا في تحقيق هذا الهدف، ومن الأمثلة على مشاريع الشواطئ في رؤية 2030 مشروع البحر الأحمر، حيث يُعتبر مشروع البحر الأحمر من المشاريع الكبرى التي تضمنتها رؤية 2030، ويهدف إلى تطوير شواطئ وجزر فريدة من نوعها، وكذلك مشروع نيوم الذي يهدف إلى تطوير وجهات سياحية مستدامة على ساحل خليج العقبة، مع التركيز على الاستكشاف والمغامرة، كما تبرز مشروعات الطاقة المتجددة، إذ يهدف مشروع البحر الأحمر أيضًا إلى تطوير مشاريع الطاقة المتجددة في المناطق الشاطئية، وخلاصة تُعتبر الشواطئ جزءًا أساسيًا من رؤية 2030، وتُعدّ من الأدوات المهمة في تحقيق أهدافها في مجال السياحة والاقتصاد والبيئة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
منذ ساعة واحدة
- الشرق السعودية
بعد رفع العقوبات.. وزير الخارجية السعودي إلى دمشق على رأس وفد اقتصادي
يزور وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، السبت، دمشق، على رأس وفد اقتصادي رفيع المستوى، في إطار دعم المملكة لاستقرار سوريا وعودة الحياة الاقتصادية، وتنمية الاستثمارات، وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، ما يوفر فرصاً وظيفية للشعب السوري على أرضه، ويضمن استدامة المعيشة. وتسعى الرياض إلى ترجمة دعمها لاقتصاد سوريا بخطوات ملموسة على أرض الواقع، تمثلت في المساهمة برفع العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية والبريطانية عن دمشق، والتي تحققت نتيجة المساعي التي يذلها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأخيرة إلى الرياض. وتوجت زيارة الرئيس الأميركي بعقد الاجتماع الأول بين ترمب والرئيس السوري أحمد الشرع بحضور الأمير محمد بن سلمان، ومشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر الهاتف، وما نجم عنه من تغير في الموقف الأميركي والغربي تجاه الحكومة السورية. وتأتي زيارة الوزير السعودي إلى دمشق، بعد "اجتماعات الرياض بشأن سوريا" التي عُقدت في 12 يناير الماضي، بالعاصمة السعودية، في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد، وهدفت إلى بحث سبل دعم دمشق في مرحلة ما بعد الصراع، مع التركيز على الاستقرار السياسي والاقتصادي، والتي شهدت مشاركة واسعة من وزراء خارجية وممثلي 18 دولة عربية وغربية، بالإضافة إلى أربع منظمات دولية. فرصة عادلة وتبلور عن الاجتماع، انعقاد اجتماع الطاولة المستديرة رفيعة المستوى بشأن سوريا خلال اجتماعات الربيع لعام 2025 بين البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، واجتماع العُلا بتاريخ 16 فبراير الماضي، ما مكّن الحكومة السورية من استعراض مساعيها لتحقيق الاستقرار في سوريا، وجهودها في إعادة الإعمار، والحد من الفقر، والتنمية المستدامة. وتواصل السعودية بذل مساعيها الدبلوماسية لتعزيز تضافر الجهود الدولية بالوقوف مع سوريا، ودعمها خلال هذه المرحلة المفصلية، بما يدعم الحكومة السورية على تحقيق أهدافها في التنمية والبناء، ومن نتائج ذلك إعلان وزارتي المالية في كل من المملكة وقطر عن سداد متأخرات سوريا لدى مجموعة البنك الدولي. وتؤمن المملكة بأن الشعب السوري شريك حقيقي وفاعل في البناء والتنمية متى ما تهيأت له الظروف، وأتيحت له الفرص العادلة، وأن السوريين على الرغم مما مرّوا به من ويلات الحرب والصراع الداخلي وقسوة التهجير التي عانوها طوال السنين الماضية، إلا أنهم أثبتوا قدرتهم على الصمود، وتحقيق النجاحات, وعبر الأمير فيصل بن فرحان هذا الموقف، خلال مؤتمر صحافي في ختام زيارة الرئيس الأميركي إلى الرياض، عندما أكد أنّ "سوريا قادرة أن تقوم بنفسها، إذ فيها موارد طبيعية، بالإضافة إلى شعب مثقف ومتعلم وراغب أن ينتقل ببلاده إلى مرحلة جديدة". كما شدد وزير الخارجية السعودي على أن الرياض ستقف إلى جانب سوريا، مؤكدا أنها (سوريا) لن تكون لوحدها، بل ستكون المملكة العربية السعودية وشركاؤها الدوليون في مقدمة الداعمين لنهضتها الاقتصادية، لا سيما في الاستثمار لدعم التنمية.


الرياض
منذ ساعة واحدة
- الرياض
من القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي بحضور الرئيس التركيعبد الله صالح كامل: انطلاقة الاقتصاد الإسلامي بدأت من المدينة المنورة.. والمملكة رسّخت مبادئه
بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، انطلقت اليوم (الجمعة) في إسطنبول فعاليات القمة العالمية الثانية للاقتصاد الإسلامي التي ينظمها منتدى البركة على مدار ثلاثة أيام، حتى يوم الأحد المقبل، بمشاركة نخبة من صناع القرار، وقادة الفكر الاقتصادي والشخصيات الفكرية والاقتصادية من مختلف دول العالم. وفي كلمته بالجلسة الافتتاحية لأعمال القمة أكد رئيس مجلس أمناء منتدى البركة للاقتصاد الإسلامي، عبد الله صالح كامل، أن انطلاقة الاقتصاد الإسلامي الحديث تعود إلى المدينة المنورة، وأن المملكة العربية السعودية أسهمت منذ وقت مبكر في ترسيخ هذا النموذج القائم على القيم الإسلامية والعدالة الاجتماعية. وأوضح كامل أن أولى ندوات المنتدى انطلقت من المدينة المنورة قبل أكثر من خمسين عاماً، لتؤسس لحراك فكري واقتصادي إسلامي متكامل، داعياً إلى تعزيز دور المملكة في قيادة هذا المسار الاستراتيجي في ظل التحولات الاقتصادية العالمية المتسارعة، كما شدد على أهمية الاستثمار في أدوات التمويل الإسلامي مثل الوقف والزكاة والصكوك والقرض الحسن، بعد أن أصبح الاقتصاد الإسلامي اليوم أحد الحلول الواقعية التي يمكن أن تسهم في مواجهة الأزمات التنموية وتعزيز الاستقرار الاجتماعي والمالي في المجتمعات. ويُعد منتدى البركة للاقتصاد الإسلامي منصة فكرية مستقلة غير ربحية، تهدف إلى تطوير نموذج اقتصادي قائم على المبادئ الإسلامية، ويشهد المنتدى لقاءات دولية سنوية تجمع صناع القرار ورواد الاقتصاد والفكر من مختلف أنحاء العالم، لإثراء المخزون البحثي وخدمة البنية المعرفية للاقتصاد الإسلامي.


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
نافذة أمل
في السنوات الأخيرة الماضية، كان يشوب العلاقات بين دول الخليج ولبنان توتر ملحوظ، لذا تُعدّ زيارة الرئيس جوزيف عون إلى السعودية نافذة أمل ونقطة محورية لتصحيح المسار وإعادة الثقة بقدرة لبنان على تحقيق الاستقرار. فدول الخليج وبخاصة السعودية، احتضنت لبنان ووقفت إلى جانبه في السرّاء والضرّاء، وأكبر دليل على ذلك «وثيقة الوفاق الوطني» (اتفاق الطائف) التي تمّ إقرارها في الطائف إذ كانت المملكة الداعم والعامل الرئيسي لإقرارها، لتصبح الركيزة الأساسية لوقف الحرب الأهلية والاقتتال في لبنان. وفي مرحلة إعادة الإعمار، كانت المملكة السند الأساسي إلى جانب الدول الخليجية في تنفيذ مئات المشاريع. فالعلاقة بين لبنان والسعودية هي تاريخ طويل من المودة، خصوصاً السعودية المساهم الأول في مساعدة لبنان واستقراره. ولطالما كانت السعودية السند الحاضن والداعم الأساسي للبنان في مختلف ظروفه منذ تأسيس الدولة اللبنانية حتى يومنا هذا. فبعد الطفرة النفطية عام 1973، سافر مئات آلاف اللبنانيين على مدى عقود، للعمل في دول الخليج التي وفّرت دعماً مالياً للحكومات المتعاقبة، أو للسياحة، أو للاستثمار. وكانت العمق والمتنفس الاقتصادي للبنان، والعامل الأول للاستقرار الاجتماعي فيه. وبما أن لبنان، الذي كان على الدوام شريكاً استراتيجياً للدول الخليجية في مسيرتها النهضوية والتنموية، لذا لا بدّ من ترسيخ هذه الشراكة أكثر فأكثر، حفاظاً على هذا المسار الاستراتيجي للمستقبل. أما رؤية لبنان للمستقبل، في المرحلة المقبلة قبل الانسحاب الإسرائيلي وبعده فهي من النقاط الاستراتيجية الخمس الحدودية، فتحمل فرصاً وتحدّيات كبيرة وبخاصة بعد فتح أبواب وآفاق الخليج، والتعاون المشترك مع دول مجلس التعاون الخليجي يتطلب تفعيل وتنفيذ الإصلاحات الجذرية المطلوبة على مختلف الأصعدة من أهمها السياسية والاقتصادية والأمنية. وخلال هذه السنوات من الغياب بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية، خسر لبنان الكثير سياسياً واقتصادياً؛ فضلاً عن أن السياحة الخليجية كانت العمود الفقري للإيرادات السياحية اللبنانية، وتُقدّر بأربعة ملايين دولار خسائر، كما أن لبنان يصدّر أكثر من 60 في المائة من إنتاجه الزراعي إلى دول الخليج، وهذا قبل الحرب الأخيرة بين «حزب الله» وإسرائيل، فكيف ما بعدها؟ وفي السياق نفسه، أكّد رئيس الحكومة اللبنانية نوّاف سلام، ووزيرة السياحة لورا الخازن لحود، خلال اجتماع مع سفراء دول مجلس التعاون الخليجي، أن الدولة اللبنانية اتخذت إجراءات أمنية استثنائية بالتعاون مع وزارتي الداخلية والدفاع، لتهيئة الأجواء الآمنة للوافدين. بينما جاءت الرسائل الخليجية، وفق صحيفة «الأنباء» الكويتية، بعدما رصدت انتخابات بلدية ناجحة في جبل لبنان، والآن بعد انتخابات بيروت والبقاع الناجحة أيضاً، إشارة إيجابية إلى استعادة الثقة بلبنان ومؤسساته، لا سيما الأمنية منها. وهكذا نشهد اليوم فرصة ذهبية لإعادة لبنان إلى الخريطة السياحية. ولكن لا تقتصر العلاقات اللبنانية - الخليجية على السياحة فحسب، بل تتعدّاها إلى عدد من القطاعات والجوانب الاقتصادية، ليصبح، وفي أصعب الظروف، واحة للاستثمارات الخليجية ومقصداً للطبابة والاستشفاء والتعليم... وبلا شك، لا ولن ننسى الدور الكبير الذي لعبته دول الخليج في السنوات الماضية، ما قبل الحرب الأخيرة على لبنان، في دعم الاستقرار النقدي، وتمويل البنى التحتية بهبات وقروض ميسرة، وذلك حرصاً على استقرار لبنان سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. إنّ هذه الدول تشكّل العمق الاقتصادي للبنان، فهي تستضيف أكثر من 350 ألف لبناني (وهذا قبل حرب «حزب الله» مع إسرائيل) يعملون في كل المجالات. لم يكن الاقتصاد اللبناني بأفضل حالاته قبل تدهور العلاقات اللبنانية - الخليجية منذ عام 2016، لذا فإن زيارة الرئيس جوزيف عون إلى دول الخليج، قد تمّت تمهيداً لواقع سياسي ومستقبل جديد في لبنان، خصوصاً أن الزيارة أتت في وضع استثنائي، في ظلّ الانهيار الاقتصادي من جهة، وتقدّم ملف إعادة الإعمار بعد الحرب الإسرائيلية من جهة أخرى.