logo
إصلاح الدولة.. أم علاج السلطة؟

إصلاح الدولة.. أم علاج السلطة؟

صحيفة الخليج٢٤-٠٤-٢٠٢٥

هذا الجحيم الذي تعيشه أمتنا العربية، الممزّقة، المنغمسة في صراعات عبثية منهكة، يجعلنا نطرح السؤال المفصلي الآتي: ماذا يجب أن نتعامل معه كأولوية في هذه المرحلة: إصلاح الأسس التي قامت عليها الدولة الوطنية العربية الحديثة أم مواجهة الأمراض التي أصابت سلطة تلك الدولة؟
الجواب عن هذا السؤال سيقرّر تركيبة وأساليب عمل وأهداف النضال المدني والجماهيري الآن وفي المستقبل القريب.
ومن أجل أن نعرف مكمن المشكلة التي نطرحها دعنا نبدأ أولاً بتبيان ظروف أسس قيام الدولة العربية القُطرية بعد نهاية الخلافة العثمانية على يد الغرب أو بعد تقسيم المشرق العربي من قبل الاستعمارين الإنجليزي والفرنسي كما خططها مشروع سايكس - بيكو الاستعماري الشهير. كانت تلك اللحظة التاريخية بداية أزمة الدولة في مكوناتها التي تتناقض مع مفاهيم الدولة/ الأمة الحديثة، ومع غياب أسس عصرية لشرعية سلطات تلك الدولة التي حلت محل الأتراك العثمانيين أو محل قوى الاستعمار عندما تراجع ورحل من أرض بلاد العرب.
نحن هنا أمام مشهدين تاريخيين: الأول مشهد الدولة/ الأمة في أوروبا التي وصل عمرها إلى أربعة قرون تقريباً، والثاني مشهد الدولة (بدون توحد الأمة بعد) في بلاد العرب التي وصل عمرها حالياً إلى بضعة عقود من السنين فقط.
ظروف ولادة الدولة العربية القطرية الحديثة نقلت في الحال إليها قائمة من مواريث سياسية وعرقية وجهوية واجتماعية وثقافية ودينية كانت حصيلة عدة قرون من النظام العربي - الإسلامي المهيمن على الشرق أوسطية برمتها.
على رأس قائمة تلك المواريث الترسخ التاريخي للقبلية والعشائرية والطائفية المذهبية والحساسيات العرقية، والكثير من السلوكيات والعادات الاجتماعية البدائية، ومن مفاهيم مغلوطة كإشكاليات مفاهيم الدولة الدينية ومصطلحي الخلافة والإمامة.
كانت قائمة من المواريث التي أقحمت الدين في كل جانب من جوانب قيام الدولة، وذلك بالرغم من أن علماء إسلاميين كباراً من أمثال محمد عبده والشيخ محمد مهدي شمس الدين وغيرهما قد أكدوا قبل قرن من قيام الدولة العربية أن الخلافة هي عمل سياسي، والخليفة حاكم مدني، وأن الدولة غير مقدسة، وأنها في الدرجة الأولى كيان سياسي وقانوني، وأنه في أقصى الأحوال تمثل الدولة العربية، في إطار الإسلام، دولة الاجتهاد البشري في سياق الالتزام بتنفيذ مبادئ العدل والإحسان، والنهي عن المنكر، وكرامة الإنسان وحريته.
إن دولة تنشأ وهي مثقلة بكل تلك المواريث لا تستطيع أن تفرز سلطة لتحكمها وتديرها وتنمّيها، تتّسم بالمدنية والحداثة، وبالتالي بالديمقراطية الشرعية. وهذا ما حصل للغالبية الساحقة من دول العرب القُطرية، مهما كانت طبيعتها، قبلية أو دينية أو عسكرية أو مدنية لبرالية. جميعها وقعت تحت أمراض تلك المواريث التي كوّنت الدولة العربية القُطرية في بداية عهدها.
وهكذا وجدت الأمة العربية، وقبل أن تتوحد وتبني نفسها في الواقع، مثقلة بدولة فيها كثير من التشوهات، وبسلطة تحكمها فيها كثير من العيوب.
وفي الحال نواجه هذا السؤال: من أجل الخروج من هذه الحلقة المفرغة، هل الأولوية في أجندة النضال الشعبي والمدني العربي للتركيز على إصلاح الدولة أم التركيز على مواجهة سلطاتها وبناء سلطات أفضل تقوم هي الأخرى بإصلاح الدولة؟
هذا سؤال بالغ الأهمية، لأن الإجابة عنه ستقرر الجوانب النضالية السياسية في واقع المجتمعات العربية وستحدّد نوع النضال المطلوب في المستقبل.
لقد ركزت مؤتمرات ومناقشات جرت سابقاً على الجوانب النظرية والفكرية، بينما المطلوب هو النزول إلى الواقع ومواجهته.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

إصلاح الدولة.. أم علاج السلطة؟
إصلاح الدولة.. أم علاج السلطة؟

صحيفة الخليج

time٢٤-٠٤-٢٠٢٥

  • صحيفة الخليج

إصلاح الدولة.. أم علاج السلطة؟

هذا الجحيم الذي تعيشه أمتنا العربية، الممزّقة، المنغمسة في صراعات عبثية منهكة، يجعلنا نطرح السؤال المفصلي الآتي: ماذا يجب أن نتعامل معه كأولوية في هذه المرحلة: إصلاح الأسس التي قامت عليها الدولة الوطنية العربية الحديثة أم مواجهة الأمراض التي أصابت سلطة تلك الدولة؟ الجواب عن هذا السؤال سيقرّر تركيبة وأساليب عمل وأهداف النضال المدني والجماهيري الآن وفي المستقبل القريب. ومن أجل أن نعرف مكمن المشكلة التي نطرحها دعنا نبدأ أولاً بتبيان ظروف أسس قيام الدولة العربية القُطرية بعد نهاية الخلافة العثمانية على يد الغرب أو بعد تقسيم المشرق العربي من قبل الاستعمارين الإنجليزي والفرنسي كما خططها مشروع سايكس - بيكو الاستعماري الشهير. كانت تلك اللحظة التاريخية بداية أزمة الدولة في مكوناتها التي تتناقض مع مفاهيم الدولة/ الأمة الحديثة، ومع غياب أسس عصرية لشرعية سلطات تلك الدولة التي حلت محل الأتراك العثمانيين أو محل قوى الاستعمار عندما تراجع ورحل من أرض بلاد العرب. نحن هنا أمام مشهدين تاريخيين: الأول مشهد الدولة/ الأمة في أوروبا التي وصل عمرها إلى أربعة قرون تقريباً، والثاني مشهد الدولة (بدون توحد الأمة بعد) في بلاد العرب التي وصل عمرها حالياً إلى بضعة عقود من السنين فقط. ظروف ولادة الدولة العربية القطرية الحديثة نقلت في الحال إليها قائمة من مواريث سياسية وعرقية وجهوية واجتماعية وثقافية ودينية كانت حصيلة عدة قرون من النظام العربي - الإسلامي المهيمن على الشرق أوسطية برمتها. على رأس قائمة تلك المواريث الترسخ التاريخي للقبلية والعشائرية والطائفية المذهبية والحساسيات العرقية، والكثير من السلوكيات والعادات الاجتماعية البدائية، ومن مفاهيم مغلوطة كإشكاليات مفاهيم الدولة الدينية ومصطلحي الخلافة والإمامة. كانت قائمة من المواريث التي أقحمت الدين في كل جانب من جوانب قيام الدولة، وذلك بالرغم من أن علماء إسلاميين كباراً من أمثال محمد عبده والشيخ محمد مهدي شمس الدين وغيرهما قد أكدوا قبل قرن من قيام الدولة العربية أن الخلافة هي عمل سياسي، والخليفة حاكم مدني، وأن الدولة غير مقدسة، وأنها في الدرجة الأولى كيان سياسي وقانوني، وأنه في أقصى الأحوال تمثل الدولة العربية، في إطار الإسلام، دولة الاجتهاد البشري في سياق الالتزام بتنفيذ مبادئ العدل والإحسان، والنهي عن المنكر، وكرامة الإنسان وحريته. إن دولة تنشأ وهي مثقلة بكل تلك المواريث لا تستطيع أن تفرز سلطة لتحكمها وتديرها وتنمّيها، تتّسم بالمدنية والحداثة، وبالتالي بالديمقراطية الشرعية. وهذا ما حصل للغالبية الساحقة من دول العرب القُطرية، مهما كانت طبيعتها، قبلية أو دينية أو عسكرية أو مدنية لبرالية. جميعها وقعت تحت أمراض تلك المواريث التي كوّنت الدولة العربية القُطرية في بداية عهدها. وهكذا وجدت الأمة العربية، وقبل أن تتوحد وتبني نفسها في الواقع، مثقلة بدولة فيها كثير من التشوهات، وبسلطة تحكمها فيها كثير من العيوب. وفي الحال نواجه هذا السؤال: من أجل الخروج من هذه الحلقة المفرغة، هل الأولوية في أجندة النضال الشعبي والمدني العربي للتركيز على إصلاح الدولة أم التركيز على مواجهة سلطاتها وبناء سلطات أفضل تقوم هي الأخرى بإصلاح الدولة؟ هذا سؤال بالغ الأهمية، لأن الإجابة عنه ستقرر الجوانب النضالية السياسية في واقع المجتمعات العربية وستحدّد نوع النضال المطلوب في المستقبل. لقد ركزت مؤتمرات ومناقشات جرت سابقاً على الجوانب النظرية والفكرية، بينما المطلوب هو النزول إلى الواقع ومواجهته.

تدويل حل «غزة»؟
تدويل حل «غزة»؟

موقع 24

time٠٤-٠٣-٢٠٢٥

  • موقع 24

تدويل حل «غزة»؟

أكد وزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبدالعاطي أن خطة إعمار غزة التي سوف تقدّم إلى القمة العربية اليوم 4 مارس (آذار) سوف تكون خطة شاملة وتفصيلية يتم تبنيها ودعمها من المجتمع الدولي بأكمله. وفي تأكيد صريح لا يحتمل الالتباس أكد وزير الخارجية المصري أن الخطة لن تكون مصرية أو عربية أو إسلامية فحسب، لكنها ستكون خطة عالمية متبناة من المجتمع الدولي بأكمله، لأن انفجار الوضع في غزة من دون حل وبلا سيطرة سيؤدي إلى فوضى شرق أوسطية يمكن أن تهدد السلم والأمن الدوليين.من هنا، لا بد من الانتباه بشدة، ويصبح لزاماً علينا جميعاً متابعة مخرجات قمة القاهرة الخاصة بغزة، وردود الفعل العالمية تجاهها، وبالذات ردود فعل واشنطن وتل أبيب حولها.نتائج هذه القمة بالغة الأهمية، لأنه حتى كتابة هذه السطور، لا توجد على مائدة المقترحات والعروض سوى تلك الفكرة المستحيلة المذهلة التي تقدم بها الرئيس دونالد ترامب حول تحويل «غزة إلى ريفييرا»!!هناك مشروعات مختلفة لمستقبل المنطقة يتم العمل عليها منذ اتفاقية سايكس – بيكو حتى يومنا هذا.هناك اتفاقات «سيفر» و«لوزان» و«لندن» و«باريس».وهناك المشروع الصهيوني الذي بدأ مرسمه في بازل بسويسرا.وهناك مشروعات بن غوريون وإيغال ألون وشارون وغيورا آيلاند.وهناك مشروع الهلال الشيعي ومشروع الدولة العثمانية الجديدة.ويبقى أمر واحد وهو الأهم: وهو مشروع تعريب المنطقة بواسطة العرب!

تدويل حل «غزة»؟
تدويل حل «غزة»؟

البيان

time٠٣-٠٣-٢٠٢٥

  • البيان

تدويل حل «غزة»؟

أكد وزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبدالعاطي أن خطة إعمار غزة التي سوف تقدّم إلى القمة العربية اليوم 4 مارس سوف تكون خطة شاملة وتفصيلية يتم تبنيها ودعمها من المجتمع الدولي بأكمله. وفي تأكيد صريح لا يحتمل الالتباس أكد وزير الخارجية المصري أن الخطة لن تكون مصرية أو عربية أو إسلامية فحسب، لكنها ستكون خطة عالمية متبناة من المجتمع الدولي بأكمله، لأن انفجار الوضع في غزة من دون حل وبلا سيطرة سيؤدي إلى فوضى شرق أوسطية يمكن أن تهدد السلم والأمن الدوليين. من هنا، لا بد من الانتباه بشدة، ويصبح لزاماً علينا جميعاً متابعة مخرجات قمة القاهرة الخاصة بغزة، وردود الفعل العالمية تجاهها، وبالذات ردود فعل واشنطن وتل أبيب حولها. نتائج هذه القمة بالغة الأهمية، لأنه حتى كتابة هذه السطور، لا توجد على مائدة المقترحات والعروض سوى تلك الفكرة المستحيلة المذهلة التي تقدم بها الرئيس دونالد ترامب حول تحويل «غزة إلى ريفييرا»!! هناك مشروعات مختلفة لمستقبل المنطقة يتم العمل عليها منذ اتفاقية سايكس – بيكو حتى يومنا هذا. هناك اتفاقات «سيفر» و«لوزان» و«لندن» و«باريس». وهناك المشروع الصهيوني الذي بدأ مرسمه في بازل بسويسرا. وهناك مشروعات بن غوريون وإيغال ألون وشارون وغيورا آيلاند. وهناك مشروع الهلال الشيعي ومشروع الدولة العثمانية الجديدة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store