logo
تحليل: المهرجان السينمائي التهويدي يهدف لإعادة صياغة هوية المدينة المقدسة

تحليل: المهرجان السينمائي التهويدي يهدف لإعادة صياغة هوية المدينة المقدسة

غزة–القدس المحتلة/ عبد الرحمن يونس
من بركة السلطان الأثرية، إلى أسوار البلدة القديمة، ثم إلى عيون ملايين العرب والمسلمين الذين يرقبون ما يحدث هناك، في قلب القدس المحتلة، تتوالى فصول مسرحية استعمارية جديدة، بطلها هذه المرة "مهرجان القدس السينمائي" الذي يُخطَّط لإقامته خلال أيام.
في الظاهر، قد يبدو الأمر احتفالًا عابرًا أو تظاهرة فنية، لكن الحقيقة التي يُحذّر منها الباحثون أن خلف شاشات العرض تختبئ أخطر أدوات التهويد: إعادة تشكيل وعي الناس، وإعادة صياغة هوية المدينة برواية إسرائيلية خالصة.
يرى الباحث في شؤون القدس، د. عبد الله معروف، أن هذا المهرجان ليس نشاطًا ثقافيًا عاديًا. يقول بوضوح: «هذا جزءٌ من مشروع متكامل يسعى لترسيخ السيطرة الاحتلالية الكاملة على المسجد الأقصى وفضائه ومحيطه. إنهم يستخدمون الأدوات الناعمة: السينما، الفن، السياحة، لكنها في جوهرها وسائل هدمٍ للذاكرة والوعي».
ويضيف معروف لـ "فلسطين أون لاين"، وهو يكرّس جهده لرصد سياسات الاحتلال في القدس: «ما يجري هو محاولة قذرة لفصل الأقصى عن قدسيته، لفصل المدينة عن هويتها الحقيقية. الاحتلال يدرك أن المعركة اليوم معركة رواية — من الذي يكتب تاريخ القدس؟ من الذي يقول للناس ماذا كانت عليه وما الذي ستكونه؟».
ومن أخطر ما أشار إليه معروف أن «هذه الأنشطة لا تقتصر على الترويج للسردية الصهيونية، بل تندرج ضمن مشروع التقسيم الزماني والمكاني للأقصى. عندما تُقام فعاليات ضخمة قرب الأقصى بمشاركة عشرات الآلاف من المستوطنين، فهذا يهدف إلى فرض السيادة الإسرائيلية كواقع ملموس، وتقليص المساحات العربية من حوله».
وبقدر ما يحلّل معروف أبعاد الخطر، فإنه يشير أيضًا إلى بوابة المواجهة: «الرباط في الأقصى صار واجبًا دينيًا ووطنيًا وأخلاقيًا، لأنه دفاعٌ عن هوية مدينةٍ كاملة، لا عن مسجدٍ وحسب. إن وجود المقدسيين في ساحات الأقصى وحول أسواره هو ما يحميه من أن يتحوّل إلى مسرحٍ صامت لمشاريع التهويد».
أما الباحث المقدسي زياد ابحيص، فيذهب أبعد من ذلك في توصيف خطورة هذا المهرجان، ويربطه بخارطة التهويد الأوسع التي تسعى إلى تحويل القدس إلى "متحف استيطاني" مغلق الهوية.
يقول ابحيص لـ"فلسطين أون لاين": "بركة السلطان ليست مجرد ساحة عامة، بل رمزٌ تاريخي فلسطيني قديم. حين تختار بلدية الاحتلال تحويلها إلى ساحة مهرجان سينمائي، فهي في الواقع تنتزعها من عمقها العربي والإسلامي، وتقدّمها للسياح والمستوطنين كجزء من سرديةٍ جديدة: مدينة بلا أهل، بلا أذان ولا أجراس كنائس، بلا تجاعيد التاريخ التي تحكي قصة القدس الحقيقية".
ويستعرض ابحيص كيف تستخدم إسرائيل أدوات "الثقافة" كأداة استعمارية: "إنهم يملؤون الأزقة بالكاميرات، ويجلبون آلاف السياح الأجانب، ليمرّوا على مشاهد مشوّهة، بينما يغيب أصحاب الأرض الحقيقيون خلف جدران الحصار والاستيطان. هدفهم واضح: غسل أدمغة الأجانب قبل عيون أبناء المدينة أنفسهم".
وبنبرة تحذيرية، يضيف: "هذه المهرجانات تُظهر القدس كمجمّع ترفيهي وسياحي، لا كمدينة محتلة لها أهل يقاومون دفاعًا عن حجارتها. إنهم يسوّقون البلدة القديمة وكأنها فضاء مفتوح بلا تاريخ عربي، ويربطونها بمشاريع فصلٍ استيطانية تحاصر الفلسطينيين وتطردهم منها".
وبين ما يكتبه معروف وابحيص تكتمل صورة مرعبة: الاحتلال لم يكتفِ بسرقة الأرض وتهجير السكان وتغيير أسماء الشوارع، بل راح يطارد الذاكرة عبر شاشات السينما، يزرع فكرة كاذبة تقول إن هذه المدينة "عاصمة ثقافية لإسرائيل"، وأن لا وجود فيها لمآذن أو كنائس أو شوارع تنطق بالعربية.
هنا تكمن خطورة "مهرجان القدس السينمائي" — إنه يُطبّع الاحتلال في عيون المشاركين، و"يشرعن" وجوده في وعي الأجيال الشابة التي قد ترى المشهد الاحتفالي الملوّن ولا تعرف ما يخفيه من قمعٍ وتهجيرٍ واستيطان.
بين أسوار القدس، يعرف المقدسيون هذه اللعبة جيدًا. هم الذين يقفون عند أبواب الأقصى كل فجر، ويعلّقون زينة رمضان كل عام، ويحفرون أسماءهم فوق حجارةٍ تحاول إسرائيل محوها. ولذلك يشدد معروف وابحيص على أن «المعركة مع الاحتلال ليست فقط مع المستوطنين والمجندين، بل مع الزيف الذي يُروَّج عبر الأفلام والمهرجانات».
إن دعوة معروف للجماهير واضحة: «حشدوا أنفسكم، حافظوا على حضوركم في ساحات الأقصى. كل خطوة هناك هي إفشالٌ لمخططات الاحتلال». في حين يرى ابحيص أن المعركة أيضًا معركة إعلام: «لا بد أن ننقل الصورة الحقيقية للعالم، أن نفضح هذا الزيف الثقافي، وأن نؤكد أن القدس ستبقى مدينة عربية إسلامية رغم كل ما تحاول إسرائيل تغليفه بالفن والثقافة».
هكذا يظهر "مهرجان القدس السينمائي" اليوم: مشهدٌ احتفاليٌ براقٌ، يخفي وراءه أكبر مشروع لطمس الذاكرة وتهويد المكان والإنسان. وبينما تُضاء شاشات العرض على جدران بركة السلطان، يصرّ الباحثون والمقدسيون على كتابة القصة الحقيقية: قصة مدينةٍ لا تُباع ولا تُشترى، مدينةٍ يسكنها الرباط أكثر من أي فيلمٍ عابر.
والسؤال الذي يعلّقه معروف وابحيص في عنق كلّ حرّ: من سيكتب الرواية الأخيرة — شاشة الاحتلال أم ضمير الشعوب الحي؟
المصدر / فلسطين أون لاين
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تحالف القوى الفلسطينية يرفض قرار تشكيل مجلس وطني جديد
تحالف القوى الفلسطينية يرفض قرار تشكيل مجلس وطني جديد

فلسطين اليوم

timeمنذ 2 ساعات

  • فلسطين اليوم

تحالف القوى الفلسطينية يرفض قرار تشكيل مجلس وطني جديد

أصدر تحالف القوى الفلسطينية، بيانًا سياسيًا، عبّر فيه عن رفضه القاطع لقرار رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بإعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني على قاعدة البرنامج السياسي لمنظمة التحرير، معتبرًا أن هذه الخطوة الأحادية تُعد انحرافًا خطيرًا عن الثوابت الوطنية، وتكرّس نهج التفرد والإقصاء في إدارة الشأن الوطني. وأكد التحالف أن البرنامج السياسي الذي يستند إليه القرار يعترف بالكيان الصهيوني ويتمسك باتفاق أوسلو، الذي فرّط بحسب البيان بـ78% من أرض فلسطين التاريخية، وهو ما يتعارض مع حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وفي مقدمتها حق العودة وتحرير الأرض ومقاومة الاحتلال. وأشار البيان، إلى أن توقيت القرار يأتي في ظل ما وصفه بأكبر المؤامرات التصفوية التي تتعرض لها القضية الفلسطينية، من بينها حرب الإبادة الجماعية والتجويع في غزة، والاستيطان والتهجير في الضفة، ومخططات تهويد القدس وتقسيم المسجد الأقصى. وشدّد التحالف على أن إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير، بما فيها المجلس الوطني، يجب أن تتم عبر حوار وطني شامل يضم جميع القوى والفصائل دون شروط مسبقة، وعلى قاعدة التمسك بخيار المقاومة، بما يضمن تمثيلًا حقيقيًا للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات. وفي ختام البيان، دعا التحالف جماهير الشعب الفلسطيني إلى التصدي لنهج التفرد والاستئثار، والعمل على بناء جبهة وطنية موحدة تستعيد الدور الحقيقي لمنظمة التحرير، بعيدًا عن مسار التسوية والتنسيق الأمني مع الاحتلال.

النضال الشعبي: القرار الاسرائيلي بالاستيلاء على عقارات في باب السلسلة تصعيد جديد يستهدف الوجود الفلسطيني
النضال الشعبي: القرار الاسرائيلي بالاستيلاء على عقارات في باب السلسلة تصعيد جديد يستهدف الوجود الفلسطيني

شبكة أنباء شفا

timeمنذ 5 ساعات

  • شبكة أنباء شفا

النضال الشعبي: القرار الاسرائيلي بالاستيلاء على عقارات في باب السلسلة تصعيد جديد يستهدف الوجود الفلسطيني

شفا – اعتبرت جبهة النضال الشعبي الفلسطيني اصدار ما يسمى وزير 'القدس والتراث' في حكومة الاحتلال المستقيل مئير بروش، قرارا بالاستيلاء على عقارات فلسطينية في حي باب السلسلة، أحد أبرز مداخل المسجد الأقصى المبارك، تصعيد جديد يستهدف الوجود الفلسطيني في البلدة القديمة من القدس المحتلة. وقالت عضو المكتب السياسي للجبهة سيلفيا أبو لبن أن القرار يشمل منازل ومحال تجارية تقع على طريق باب السلسلة المؤدي مباشرة إلى المسجد الأقصى، بأنه يأتي في إطار عملية التهديد للمدينة المقدسة وتضييق الخناق على المواطنين ضمن خطط التهجير القسري . وتابعت أبو لبن إجراءات الاحتلال في القدس تهدف إلى فرض وقائع تهويدية على الأرض، وتفريغ الممرات المؤدية إلى المسجد الأقصى من سكانها الأصليين. ودعت أبو لبن كافة فعاليات القدس إلى التكاتف والتصدي لهذا القرار الخطير، داعية الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو إلى تحمل مسؤولياتهم لوقف هذه القرارات التي تنتهك القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية الخاصة بمدينة القدس.

الجبهة العربية الفلسطينية : الاستيلاء على باب السلسلة عدوان صارخ على عروبة المدينة
الجبهة العربية الفلسطينية : الاستيلاء على باب السلسلة عدوان صارخ على عروبة المدينة

شبكة أنباء شفا

timeمنذ يوم واحد

  • شبكة أنباء شفا

الجبهة العربية الفلسطينية : الاستيلاء على باب السلسلة عدوان صارخ على عروبة المدينة

شفا – تدين الجبهة العربية الفلسطينية بأشد العبارات القرار العدواني الذي أصدره وزير 'القدس والتراث' في حكومة الاحتلال الصهيوني المستقيل مئير بروش، والقاضي بالاستيلاء على عقارات فلسطينية في حي باب السلسلة، أحد أبرز مداخل المسجد الأقصى المبارك، في تصعيد خطير يستهدف قلب البلدة القديمة من القدس المحتلة ويضرب جوهر الوجود العربي والإسلامي فيها. إن الجبهة العربية الفلسطينية تعتبر هذا القرار الاستعماري التهويدي، الذي صدر في الساعات الأخيرة من ولاية الوزير المذكور، محاولة مفضوحة لفرض أمر واقع تهويدي في واحدة من أكثر مناطق القدس حساسية وأهمية دينية وتاريخية، وخاصة أن المنطقة المستهدفة تضم معالم إسلامية عريقة ومبان تاريخية تعود للفترة المملوكية والعثمانية، وتشكل شريانا مباشرا يوصل إلى المسجد الأقصى المبارك. وتؤكد الجبهة أن هذه الخطوة تأتي في سياق متكامل من السياسات التهويدية الممنهجة، التي تشمل تسريع الاستيطان، وابتلاع الأراضي، وطرح مشاريع بنية تحتية استعمارية كخط القطار التهويدي، واستمرار مشاريع تسجيل الأراضي وتحويلها إلى ما يسمى 'أملاك دولة'، وكلها تصب في خدمة مشروع الاحتلال الرامي إلى طمس الهوية الفلسطينية العربية الإسلامية للمدينة المقدسة. وتحذر الجبهة من أن هذا القرار العدواني لا يشكل فقط انتهاكا فاضحا لحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه ومقدساته، بل هو جزء من مشروع تهجير قسري وتطهير عرقي يندرج في إطار سياسة الإبادة البطيئة التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق شعبنا في القدس وغزة وسائر أماكن وجوده. وإذ تدعو الجبهة جماهير شعبنا إلى التصدي لهذه الجريمة الجديدة بكل الوسائل المشروعة، فإنها تطالب المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، بتحمل مسؤولياتهم السياسية والقانونية والأخلاقية، والتحرك العاجل لوقف هذا الزحف الاستعماري الذي يهدد بتفجير الأوضاع في المدينة المحتلة. القدس لن تكون إلا عاصمة فلسطين، وستسقط كل محاولات التهويد والتزييف كما سقطت مشاريع سابقة، وشعبنا الذي قدم التضحيات دفاعا عن القدس سيواصل نضاله حتى دحر الاحتلال وإحقاق الحق التاريخي في أرضه ومقدساته.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store