
مصر.. كشف حقيقة وأهداف فيديو حركة حسم "الإرهابية"
وأضاف المرصد: "نشر التنظيم المقطع عبر قنواته على منصات التواصل الاجتماعي مساء الجمعة الموافق 4 يوليو 2025، متضمنا تهديدات صريحة للأمن القومي المصري".
وأوضح مرصد الأزهر أن "المشاهد الموجودة في الإصدار المرئي تتطابق مع لقطات استُخدمت في المقطع الصادر عام 2017 بعنوان (قاتِلوهم)".
وأضاف: "هذا المقطع المصور، الذي حلل مرصد الأزهر لمكافحة التطرف ما تضمنه من رسائل مؤكدا أن "الحركة تمثل أبشع وجوه الإرهاب، والفيديو محاولة بائسة لتشويه نجاحات أجهزة الأمن المصرية ، وهذا يعزز الاعتقاد بأن المقطع الجديد هو في الأساس إعادة مونتاج للمقطع القديم، مع تحديث العناوين والتعليق".
وأعرب مرصد الأزهر عن "ثقته الكاملة في قدرة وجاهزية الأجهزة الأمنية المصرية على مواجهة أي تحدٍ وتأمين حدود الدولة بكافة الاتجاهات الاستراتيجية".
وشدد المرصد على أنه "يؤمن بوعي أبناء الوطن تجاه المخططات التي تستهدف فكرهم ومقدراتهم ووحدة بلادهم".
وتابع البيان: "من هذا المنطلق، يحرص المرصد على كشف الدوافع الخفية للأحداث وتقديم قراءاته التحليلية لزيادة الوعي وتحصين شبابنا مما يُحاك لهم"، مؤكدا على "ضرورة الاستعداد الأمني في جميع دول المنطقة بعد تحريض داعش مستغلا الأحداث الأخيرة".
تأسست "حسم" عام 2016 كذراع عملياتي للإخوان، ضمن إدارة العمل النوعي التي تولّت قيادة العنف بعد الإطاحة بهم من الحكم في 2013.
ونفّذت الحركة عمليات اغتيال وتفجيرات، من بينها محاولة اغتيال مفتي الجمهورية الأسبق علي جمعة والنائب العام المساعد عام 2016، قبل أن تتمكّن الأجهزة الأمنية من توجيه ضربات قوية لها شملت ضبط مخازن أسلحة وتفكيك خلاياها.
ورغم هذه الضربات، ظل قادة الحركة خارج مصر، وعلى رأسهم يحيى موسى، يواصلون التحريض على العنف تحت مسمى "خطة الحسم"، بالتنسيق مع جبهات إخوانية مثل "المكتب العام" أو "تيار التغيير".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سكاي نيوز عربية
منذ ساعة واحدة
- سكاي نيوز عربية
المبعوث الأميركي: جهود مكثفة لتهدئة الأوضاع في السويداء
وأوضح باراك في منشور على منصة "إكس" أن "الاشتباكات الأخيرة في السويداء مثيرة للقلق بالنسبة لجميع الأطراف"، مشددا على أن واشنطن تحاول "التوصل إلى حل سلمي وشامل يخدم الدروز ، والقبائل البدوية، والحكومة السورية، والقوات الإسرائيلية". ولفت المبعوث الأميركي أيضا إلى أن أبرز التحديات التي تواجه جهود التهدئة والاندماج تتمثل في أن "التضليل، والارتباك، وضعف التواصل هي أكبر التحديات أمام ضمان تحقيق اندماج سلمي ومدروس لمصالح كل طرف". وشدد باراك على أن الولايات المتحدة "تجري مناقشات مباشرة ونشطة وبناءة مع جميع الأطراف للسعي نحو التهدئة والاندماج". وشهدت محافظة السويداء خلال اليومين الماضيين معارك بين مسلحين من البدو وآخرين من الدروز ، في أحداث هي من الأعنف في سوريا منذ إطاحة فصائل معارضة حكم الرئيس بشار الأسد في ديسمبر الماضي. ومنذ مايو الماضي، يتولى مسلحون دروز إدارة الأمن في السويداء، بموجب اتفاق بين الفصائل المحلية والسلطات، لكن ينتشر في ريف المحافظة أيضا مسلحون من عشائر البدو. وبعد توليها الحكم، حض المجتمع الدولي والموفدون الغربيون الذين زاروا دمشق، السلطة بقيادة الرئيس أحمد الشرع ، على حماية الأقليات وضمان مشاركتهم في إدارة المرحلة الانتقالية، وسط هواجس من إقصائهم، لا سيما بعد وقوع أعمال عنف على خلفية طائفية.


البوابة
منذ ساعة واحدة
- البوابة
من الردة إلى التطبيع.. الجولانى فى مرمى داعش
فى العدد 503 من صحيفة النبأ، الصادرة عن تنظيم «داعش» تظهر ملامح تحول لافت فى خطاب التنظيم، عبر افتتاحية محمّلة بالرمزية والاتهامات اللاهبة، تتناول قرار الإدارة الأمريكية بإعادة النظر فى تصنيف «هيئة تحرير الشام» كمنظمة إرهابية. لا تقف الافتتاحية عند حدود التعليق السياسي، بل تتجاوزها إلى إنتاج خطاب عقدى متوتر يعيد رسم خريطة الأصدقاء والأعداء، فى لحظة تشهد فيها الساحة الجهادية والإقليمية تقلبات حادة، أبرزها التقارب الروسى مع «إمارة طالبان»، وازدياد عزلة داعش فى سوريا وخارجها. هذا المقال يحاول تفكيك الخطاب الداعشى كما جاء فى الافتتاحية عبر خمسة محاور رئيسية: قراءة فى السياق الزمنى والسياسى الذى ولدت فيه الافتتاحية. تحليل الرسائل الظاهرة التى يروّج لها التنظيم بشكل مباشر. استعراض المسكوت عنه فى النص، وما يخفيه من تناقضات وغياب للمراجعة الذاتية. قراءة فى الآليات البلاغية والخطابية المستخدمة لتأطير الخصوم وتمجيد الذات. وأخيرًا، الوقوف على الأثر المحلى والإقليمى لهذا النوع من الخطاب، وصولًا إلى خاتمة تتأمل فى دلالات اعتماد «خطاب الأمل» فى لحظة انكشاف المشروع وفقدان الأرض والشرعية. افتتحت «النبأ» عددها ٥٠٣ فى توقيت حساس أعقب سلسلة من المؤشرات الأمريكية التى تفيد بإعادة النظر فى تصنيف هيئة تحرير الشام، التابعة لأبى محمد الجولاني. هذه الخطوة لم تأتِ من فراغ، بل تعكس تحوّلًا تدريجيًا فى سياسة واشنطن تجاه بعض الفاعلين الجهاديين المحليين الذين نجحوا- حسب الرؤية الأمريكية- فى «الانفصال السلوكي» عن التنظيمات المصنفة إرهابية مثل القاعدة وداعش، وتبنى خطاب أكثر «براجماتية» ومرونة. هذا التحول أثار حفيظة تنظيم داعش، الذى قرأ الخطوة كإعلان واضح عن تصفية سياسية لمشروعه، وتمييع للحدود العقدية التى طالما رفعها. فى الوقت نفسه، أعلنت موسكو اعترافها الرسمى بإمارة طالبان، بعد سنوات من التعامل الأمنى الضمنى معها، مما فتح الباب لتأويلات عديدة حول تقاسم النفوذ والتكتيك بين القوتين العظميين. بالنسبة لتنظيم داعش، لم يكن هذا الاعتراف مجرد قرار دبلوماسي، بل «تكريس لاحتواء المرتدين» كما وصفته الصحيفة، فى إشارة إلى أن طالبان، مثلها مثل هيئة الجولاني، لم تعد تُرى من منظور الجهاد، بل أُعيد تأطيرها ككيان يمكن التعامل معه داخل النظام الدولي. تقول الافتتاحية: «تزامن القرار الأمريكى مع قرار روسيا الاعتراف بإمارة طالبان.. كى لا يعير أحدهما الآخر بدعم الإرهابيين الذين طلّقوا 'الإرهاب' ثلاثا». يرى الخطاب الداعشى أن القرارين الأمريكى والروسى ليسا مجرد مصادفة زمنية، بل تنسيق غير معلن يُعيد رسم خرائط الصراع ضد التنظيم. هذا الربط يُستخدم لتغذية رواية «المؤامرة الكونية»، حيث يبدو للعناصر الموالية أن الجميع - شرقًا وغربًا- يتفقون على هدف واحد: محاصرة الدولة الإسلامية فكريًا وسياسيًا. فالولايات المتحدة تقدم شهادة «حسن سلوك» للجولاني، وروسيا تفتح الباب لطالبان، والهدف النهائى هو حرمان داعش من أى شرعية أو حاضنة قديمة، وتجريدها من تفردها فى الساحة الجهادية. من خلال هذا التقديم للسياق، تسعى افتتاحية «النبأ» إلى ترسيخ فكرة أن «الدولة الإسلامية» باتت هى التنظيم الجهادى الوحيد الذى ما زال متمسكًا بـ«التوحيد الخالص» و«المنهج النقي»، فى مقابل ما تعتبره تهافتًا فكريًا وسلوكًا سياسيًا «مرتدًا» لبقية الفصائل. بهذا، يعيد التنظيم بناء هويته الهامشية لا بوصفه فاعلًا بين فاعلين، بل كـ«الطليعة المعزولة» التى تواجه تحالف الأعداء بمفردها، وتُقدّم نفسها لجمهورها على أنها «الحارس الأخير للعقيدة»، فى زمن «التراجعات الفكرية». رسائل الخطاب الظاهرة يُبنى خطاب افتتاحية «النبأ» على بنية مزدوجة: تحقير الخصوم وشيطنتهم من جهة، وتمجيد الذات وادعاء النقاء العقائدى من جهة أخرى. وبين هذين القطبين، ينقل التنظيم رسائل سياسية وعقائدية صريحة تستهدف جمهوره الداخلى المتردد، كما تهدف إلى تقويض الشرعية الدينية والسياسية للخصوم الجهاديين، وعلى رأسهم «هيئة تحرير الشام» وقائدها الجولاني. ١. الشيطنة الكاملة للجولاني: يفتتح الخطاب حملته ضد «الجولاني» بأسلوب لا يخلو من التحريض اللفظى والتجريد الإنساني، فيصفه بـ«الطاغوت»، ويشبهه بـ«الضبع»، فى تشبيه حيوانى لا يهدف فقط إلى السخرية بل إلى نزع الصفات البشرية عنه، وتجريده من أى شرعية دينية أو نضالية. تقول الافتتاحية: «وعلى الهامش، لا شيء أنسب للهوية البصرية لنظام الجولاني، من صورة 'الضبع'، فهو لا يعيش إلا على الجيف، ولا يقتل إلا غدرًا». هذا النوع من الخطاب الرمزى يُعدّ من تقنيات «الشيطنة القصوى» التى تتجاوز الخلاف الفقهى أو السياسي، نحو خلق حالة «النجاسة المعنوية» التى تُحرّم التعامل أو التعاطف مع الخصم. فهو لا يُعامل كـ«منحرف عن الجادة»، بل كـ«كائن دخيل» لا يعيش إلا فى القذارة الفكرية والغدر السياسي. فى ذات السياق، يستخدم النص وصف «الطاغوت» كمدخل عقدى لتكفير الجولانى ونظامه الإدارى فى إدلب، ليُسقط عليه كل الأحكام الشرعية المتعلقة بـ«التحاكم إلى الطواغيت» و«موالاة الكافرين»، مما يضع أى انتماء أو تعاطف معه فى خانة الردة، لا الخطأ. إنها محاولة لفكّ أى ارتباط نفسى أو تنظيمى ممكن بين جمهور «الساحة الجهادية» والجولاني، بوصفه رمزًا لخيانة الشريعة وتحريف الجهاد. ٢. تمجيد الذات: فى مقابل الشيطنة المطلقة للجولاني، يرسم خطاب «النبأ» صورة مثالية لما يسميه "جندى الخلافة"، ذلك المقاتل الذى ظل- بحسب الرواية- ثابتًا على عقيدة التوحيد، لا تحركه مصالح ولا يساوم على ولائه. تقول الصحيفة مخاطبة إياه: «فأحمد الله يا جندى الخلافة... بينما يدشّن 'المتحوّل' هوية قومية وطنية تمثّل قطيعة مع كل رمز أو شعار إسلامي». هذه الصورة المرسومة ليست بريئة، بل تُستخدم بذكاء فى تعزيز الشعور بالعزلة المصحوبة بالفخر، لتغذية ما يسميه الباحثون «عقيدة الصفوة» أو «المؤمنين القلة»، الذين يصمدون أمام تهافت العالم. بهذا المعنى، يُمنح جندى داعش شعورًا بالاصطفاء والتكليف الإلهي، مقابل الانحراف الجماعى الذى تمثله بقية الفصائل. كما تعمل هذه الصورة على إعادة تعبئة الجنود، وتحفيز من بقى فى الصفوف الخلفية أو خلايا التنظيم النائمة، عبر خطاب عاطفى يمزج بين البطولة والاضطهاد. فـ«جندى الخلافة» ليس فقط ثابتًا، بل مضطهد من كل الاتجاهات، ومحارب فى كل الجبهات، مما يبرر له كل عنف وكل قرار، تحت مظلة «التمسك بمنهاج النبوة». ٣. رفض التراجعات الفكرية: تُطلق الافتتاحية وصف «المتحولين» على قادة الفصائل الذين انتقلوا من المواجهة العسكرية إلى محاولات الاندماج السياسى أو التعامل مع القوى الدولية، وتصفهم بأنهم ضحايا «التراجعات الفكرية». تقول الصحيفة ساخرة: «فى زمن التراجعات أو التحولات الفكرية كما يسميها المتحوّلون، صار الثوار ينظرون لأمريكا كشريك فى إعمار وتنمية سوريا!». فى هذا السياق، يقدّم الخطاب تلك «التحولات» لا بوصفها تطورًا سياسيًا أو فقهًا للمصالح، بل كخيانة صريحة لـ«العقيدة الجهادية»، وقطيعة تامة مع المنهج الإسلامى الحق. وهو بذلك يستعيد موقفًا تكفيريًا تقليديًا تجاه كل من يحاول الانفتاح على النظام الدولي، أو يسعى لتقديم تنازلات سياسية – حتى وإن كانت مرحلية – فى سبيل البقاء أو التمكين المرحلي. وفى عمق الخطاب، يُعاد تأطير الإسلام السياسى كله، بما فيه فصائل الثورة السورية الإسلامية، كجزء من مشروع التغريب والتفريط. فالقبول بمساعدة أمريكا أو روسيا، أو حتى مجرد الحديث عن إعادة الإعمار، يُقدّم وكأنه بمثابة شهادة ردّة. وعبر هذا المنطق، يعزل داعش نفسه تمامًا عن بقية الحركات الإسلامية، ليحتكر «الحق»، ويُلغى شرعية أى فكر إصلاحى أو مقاوم لا يندرج تحت عباءته. الرسائل المسكوت عنها رغم الصياغة النارية التى تعج بها الافتتاحية، يلفت الانتباه غياب تام لأى اعتراف بالأخطاء أو الفشل، سواء على مستوى الاستراتيجية العسكرية أو السياسية أو حتى الشعبية. فلا وجود لأى تقييم ذاتى لتجربة «الدولة الإسلامية» منذ إعلانها وحتى اليوم، رغم الانهيارات المتتالية فى العراق وسوريا، وفقدان السيطرة على المدن والموارد والسكان. بدلًا من ذلك، يعتمد الخطاب على سياسة «الهروب إلى الأمام»، عبر إدانة الآخرين وتكفيرهم، وكأن التنظيم بريء من كل ما حدث، أو كأن تراجعه لم يكن نتيجة أفعاله، بل فقط «خيانة» الآخرين. هذا التجاهل المقصود يهدف إلى حماية قدسية التنظيم وتحصينه من المساءلة، وهو ما يعكس بنية مغلقة تتجنب أى مساءلة داخلية. الافتتاحية لا تذكر شيئًا عن أوضاع الناس الذين يُفترض أن التنظيم يدافع عنهم أو يزعم تمثيلهم. فلا حديث عن الفقر، ولا عن الانهيار الصحي، ولا عن التشريد، ولا حتى عن الخدمات الأساسية فى المناطق التى ينشط فيها التنظيم. بدلًا من ذلك، ينشغل الخطاب فقط بمعاركه الرمزية مع «المرتدين»، و«الصليبيين»، و«الطواغيت». هذا التجاهل للجانب الإنسانى يعكس تحلُّل الخطاب من أى مسؤولية اجتماعية، ويفضح عمق الهوة بين التنظيم والمجتمعات التى يدعى تمثيلها. إنه خطاب حرب بلا شعب، وسردية «خلاص» تنفصل تمامًا عن آلام الأرض التى تُشنّ فيها المعارك. واحدة من أخطر المسكوت عنه فى الافتتاحية، هى القطيعة المتزايدة بين داعش والبيئة السنية التى احتضنته فى بداياته، سواء فى العراق أو سوريا أو حتى خراسان. لا يطرح الخطاب سؤالًا عن سبب انحسار الحاضنة الاجتماعية، ولا لماذا انفضّ كثير من أبناء تلك المناطق عن التنظيم، بل يُصوَّر الأمر وكأن التراجع سببه فقط «خيانة المرتدين». يتجاهل النص أن جزءًا كبيرًا من هذه البيئات نبذ التنظيم بسبب سلوكه المتوحش، وتطبيقه العنيف للشريعة، واستخدامه التكفير كسلاح شمولي. هذه القطيعة الحقيقية تُقابل فى الخطاب بإصرار على تقسيم العالم إلى «معسكر توحيد» و«معسكر جاهلية»، فى تعميم مريح يخفى الحقيقة المؤلمة: التنظيم خسر شعبه قبل أن يخسر أرضه. يلاحظ أن الخطاب يجنح كليًا نحو المعركة الرمزية واللغوية، حيث لا وجود لأهداف سياسية أو رؤى إصلاحية أو برامج مجتمعية، بل فقط مفردات حربية متكررة مثل «المرتدون»، «الطواغيت»، «الضبع»، «معسكر الجاهلية».. هذا الانغماس فى الرمزية يعكس انقطاع التنظيم عن الواقع، واعتماده على التحشيد العاطفى والمذهبى بدلًا من البناء العملي. فحتى مع تساقط التنظيمات المنافسة، لا يقدّم داعش نفسه كبديل عملى أو سياسي، بل كمجرد كيان «ثابت» فى خندق العقيدة، مهما كانت كلفته على الأرض. وهذا يشى بأن التنظيم لم يعد يسعى لحكم الناس، بل فقط للحفاظ على ذاته بوصفه رمزًا نقيًّا فى عالم ملوث، دون أى قدرة على التأثير الواقعي. التحليل البلاغى والخطابي يعتمد الخطاب على آلية بلاغية مركزية هى التضاد الثنائى الحاد بين «المؤمنين» و«الكافرين»، حيث تُختزل خريطة العالم إلى فسطاطين لا ثالث لهما: "جنود الدولة الإسلامية" بوصفهم الطائفة المؤمنة المنصورة، و«البقية» الذين يُجمعهم الخطاب فى خانة واحدة: المرتدون، المشركون، الطواغيت، الصليبيون. هذا التصنيف المانوي، يهدف إلى بناء هوية صافية مغلقة، ترى نفسها مستهدفة من الجميع، ومُحقَّة دائمًا فى معركتها. بهذا، يتم نفى أى إمكانية للتعايش أو حتى لاختلاف مشروع، ويصبح الاختلاف فى الرأى أو المنهج مرادفًا للكفر والردة. يتسم الخطاب بلغة شعائرية تُكرِّر مفردات محددة بكثافة، مثل «المرتدين»، «الطاغوت»، «الجاهلية»، «معسكر الكفر»، «التوحيد»، فى محاولة لتثبيت بنية فكرية محددة فى وعى المتلقين. هذا الأسلوب قائم على تقنية الحفر الذهني، إذ يُعاد شحن الكلمات بدلالات مطلقة غير قابلة للنقاش. فلا يُقال مثلًا: «هيئة تحرير الشام» أو «طالبان»، بل يُستخدم التوصيف العقدى مباشرة: «المرتدون»، مما يمنع التفكير النقدي، ويُبقى الجمهور فى حالة تعبئة دائمة ضد الآخر. بهذه الطريقة، تتحول اللغة إلى أداة عقائدية أكثر منها وسيلة تواصل. يستخدم الخطاب الاستشهاد بالآيات والأقوال المأثورة كآلية لإضفاء الشرعية على مواقفه السياسية، ومن ذلك قولهم: قال الإمام البغوي: «ولن ترضى عنك اليهود» إلا باليهودية، «ولا النصارى» إلا بالنصرانية. هنا يتم توظيف الآية القرآنية لخدمة الفكرة الأساسية فى الخطاب: أن كل تقارب مع «اليهود والنصارى» هو خيانة بالضرورة، وأن الرضا الغربى لا يُنال إلا بترك الإسلام. هذه القراءة السلفية الجهادية للنص القرآنى تُغلق الباب على أى اجتهاد سياسى أو فقه مصلحي، وتربط أى علاقة مع الغرب – مهما كانت طبيعتها – بالكفر الصريح. هكذا يتحول النص المقدس إلى سلاح تأييدى يقطع الطريق أمام أى نقاش عقلانى أو تعددية فى الفهم. يقوم الخطاب على بلاغة هجومية إقصائية، تُختزل فيها صورة الخصوم فى صفات سلبية مشينة، غالبًا ذات طبيعة حيوانية أو طقسية، مثل وصف الجولانى بـ«الضبع»، أو وصف الهيئة بأنها «بيادق فى يد الكافرين». هذه البلاغة لا تسعى فقط إلى نزع الشرعية عن الآخر، بل إلى تجريده من إنسانيته ومكانته الدينية، وتحويله إلى كائن خائن بطبعه، لا يُرجى منه إصلاح. بذلك، يتعزز منطق المفاصلة المطلقة، ويُبرر العنف ضده بوصفه «عبادة»، لا سياسة. إننا أمام خطاب لا يكتفى بصنع العدو، بل يعيد تشكيله بلاغيًا ليصبح مشروع إبادة. الأثر المحلى والإقليمي فى السياق السوري، يسعى تنظيم داعش من خلال هذه الافتتاحية إلى ضرب العلاقة المتوترة أصلًا بين قيادة هيئة تحرير الشام وقواعدها العقائدية، عبر اتهام الجولانى بالردة والتعاون مع أمريكا، بل وبـ«التطبيع غير المعلن» مع إسرائيل. الخطاب يربط بين قرار واشنطن بإعادة النظر فى تصنيف الهيئة كتنظيم إرهابي، وبين ما يصفه بـ«التحوّلات الفكرية» و«البراغماتية الخائنة» لقادة الهيئة، مما يفتح المجال أمام عناصرها المتشددين للتشكيك فى مشروعية القيادة نفسها. هذا النوع من التحريض يخاطب فئة من جمهور الهيئة التى ما تزال تحمل بقايا السلفية الجهادية، ويدفعها باتجاه التمرّد الداخلى أو الانشقاق، مما قد يؤدى إلى تفكك تنظيمى أو انقسامات على أسس عقدية. يركّز الخطاب على تهمة «التطبيع» بوصفها الوصمة الكبرى التى يصعب الدفاع عنها فى أوساط التيارات الجهادية، ويحاول تصوير أى علاقة مع الولايات المتحدة، مهما كانت شكلية أو تكتيكية، كخطوة فى اتجاه القبول بإسرائيل. تقول الافتتاحية بلهجة اتهامية: «فى سوريا الجديدة يتفاخر الثوار بتطبيع العلاقات مع أمريكا بينما يتهربون من الحديث عن التطبيع مع اليهود، مع أنهما فعلان متصلان مترابطان متساويان». هذا الربط الذكى بين التطبيع السياسى والردة العقائدية يشكّل ضغطًا نفسيًا على الفصائل الإسلامية الأخرى، وخاصة تلك التى تحاول المناورة بين العمل الميدانى والعلاقات الدولية، ويجعلها فى مرمى نار «الخيانة الدينية». إنه سلاح بلاغى فعّال فى إرباك خصومه وتشويه سمعتهم أمام أنصارهم. إقليميًا، يحاول تنظيم داعش من خلال هذه الافتتاحية أن يقدّم نفسه كـ«الكيان الجهادى الوحيد» الذى لا يزال ثابتًا على عقيدته ولم يدخل فى مساومات أو تفاهمات مع القوى الكبرى. فهو لا يكتفى بفضح «تحرير الشام» فى الشام، بل يُقابل الاعتراف الروسى بطالبان بالتنديد والازدراء، معتبرًا أن روسيا وأمريكا تتقاسمان أدوارًا فى «إعادة تدوير المرتدين»، بينما هو - أى التنظيم - ما يزال يقاتل فى خراسان والساحل الإفريقى ضد الطرفين معًا. بهذا الخطاب، يُعيد التنظيم تفعيل سردية «الطليعة الصامدة»، مخاطبًا الجماعات الجهادية الصغيرة والعناصر السلفية غير المنضوية، فى محاولة لاستقطابها إلى مشروعه العقائدى المتشدد. فى العمق، تحمل الافتتاحية بعدًا تعبويًا واضحًا، فهى لا تكتفى بنقد الخصوم، بل توجّه خطابًا نفسيًا واستقطابيًا للمجندين المحتملين فى مناطق مثل أفغانستان «خراسان» أو غرب إفريقيا، حيث يسعى التنظيم إلى تعويض خسائره السابقة عبر إعادة تشكيل صورة «المجاهد الحقيقي» بوصفه من لا يهادن ولا يفاوض. يتحدث النص عن «جندى الخلافة» الذى «يحافظ على هويته الدينية - منهاج النبوة»، فى تلميح موجه إلى الشباب المسلم الساخط على تناقضات الجماعات الأخرى. الهدف هنا مزدوج: ترميم صورة التنظيم بعد الهزائم، وفتح الباب أمام موجة تجنيد جديدة من المتعاطفين الذين يشعرون بالغدر من الفصائل الأخرى، أو بالفراغ العقائدى والسياسي. خاتمة: خطاب الأمل فى زمن الهزيمة رغم الانكماش الكبير فى نفوذ تنظيم «داعش» سياسيًا وجغرافيًا، فإن الافتتاحية تحاول صياغة خطاب تعبوى مفعم بالأمل المقاوِم، يبنى على فكرة «الصفوة المختارة» التى بقيت وحدها فى ساحة المعركة. يُقدَّم «جندى الخلافة» كما لو كان آخر حارس للعقيدة، فى زمن طغى فيه الانحراف والانبطاح، مما يمنح أنصاره شعورًا بالتميز والاصطفاء. هذه السردية لا تستند إلى واقع ميدانى أو توسع تنظيمي، بل إلى منطق رمزى يعيد تأطير العزلة بوصفها فضيلة، والانحسار بوصفه دليل صدق، فى إطار ما يمكن وصفه بـ«العقيدة تحت الحصار». الملاحَظ أن الافتتاحية تتجاهل كليًا مأساة انهيار مشروع «الدولة الإسلامية»، وتفادى الحديث عن الدماء والدمار والخراب الذى خلّفه التنظيم فى كل مكان دخله: من الموصل والرقة إلى الباغوز وخراسان. فلا حديث عن المدن المدمّرة، ولا عن آلاف الضحايا المدنيين، ولا عن الانشقاقات والخيانات الداخلية، ولا حتى عن الخسارات العسكرية المتلاحقة. فـ"النبأ" لا تعترف بأن مشروعها السياسى قد انتهى، أو أن حلم "الخلافة" قد تفتت، بل تصر على تسويق بقايا التنظيم كـ"الطليعة المنصورة" فى معركة كونية، متجاهلة أنها لم تحقق أى اعتراف دولي، ولم تقدم نموذج حكم يمكن الدفاع عنه حتى فى خطابها الداخلي. فى غياب أى مشروع بنّاء أو رؤية مستقبلية مقنعة، يعتمد الخطاب على تحقير الخصوم وتكفيرهم وتخوينهم، وليس على تقديم بديل واقعي. فتحرير الشام وطالبان وبقية الفصائل الإسلامية توصف كلها بأنها "مرتدة" و"طواغيت"، بينما لا يُطرح أى تصور جديد لمستقبل المسلمين أو شكل الحكم أو العلاقة مع الشعوب. إنها سردية تقوم على الهدم لا البناء، وعلى التذكير بـ"الردة والخيانة" لا على عرض برامج أو نماذج حكم. هذا ما يعكس فراغًا فكريًا وعقائديًا، يُغطّى فقط بالعنف اللفظى والحشد العاطفي. ختامًا، يبقى السؤال الأعمق الذى تتهرب منه الافتتاحية هو: هل ما زال التنظيم فعليًا على ما يدّعيه من «المنهاج» و«العقيدة»؟ فالتمسك اللفظى بـ«منهاج النبوة» لا يكفى أمام انهيارات واقعية، وانقسامات داخلية، وسلوك ميدانى بات لا يختلف كثيرًا عما يعيبه على الجولانى وطالبان. التنظيم الذى يكرر «المناهج المناهج، العقائد العقائد!» يبدو وكأنه يعيش نسخة من "الجولانية" دون أن يعترف بذلك: نزعة للتغوّل، طهرانية متعالية، عزلة عن الواقع، وعجز عن المصالحة مع المجتمع أو تقديم مشروع حكم ممكن. فهل بقى من مشروع «الدولة» غير الخطابة والعنف؟ وهل أصبح «داعش» ذاته صورة أخرى لما يدّعى محاربته؟


البيان
منذ ساعة واحدة
- البيان
الإدارة العامة في خدمة الإنسان.. مؤسسات تصنع الفرق وتبني المستقبل
في صباح يوم عادي، وبينما يتجه الناس إلى أعمالهم هناك موظف في بلدية يراجع ملفات لمشاريع، وآخر في مركز صحي يطمئن على سير العمل، وموظفة في وزارة التربية والتعليم تتابع خططاً لتطوير مناهج التعليم. مشاهد بسيطة تتكرر يومياً، لكنها تحمل في طياتها جوهراً عميقاً، يوضح أن الدولة تعيش وتتحرك وتخدم من خلال مؤسسات الإدارة العامة، ومن خلال أناس جعلوا من العمل الحكومي طريقاً لبناء الحياة. الإدارة العامة ليست أوراقاً ومكاتب واجتماعات، هي اليد التي تمسك بخيوط المجتمع لتبقيه مستقراً، ومنظماً، ومتجهاً نحو الأفضل. إنها العقل الذي يُدير شؤون الناس، والقلب الذي يضخ الخدمات في كل مفصل من مفاصل الحياة. في كل حضارة ناهضة تقف خلف الإنجازات مؤسسات حكومية رصينة، ومتكاملة، تسعى إلى تحويل السياسات إلى واقع، والرؤى إلى منافع للناس. التعليم لا يتقدم من دون وزارة واعية، والصحة لا تصل للمواطن دون إدارة صحية فعّالة، والأمن لا يتحقق إن لم توجد مؤسسات تحفظ النظام، وتحمي الحدود. ولعل أجمل تجسيد لهذا المعنى الاعتراف بقيمة جهود موظفي المؤسسات الحكومية، هو ما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، «أقرت الأمم المتحدة تاريخ 23 يونيو من كل عام «يوم الخدمة العامة» تقديراً فيه لجهود موظفي الحكومات في خدمة الناس». وتابع سموه: «وعبر 6 عقود تقريباً قضيتها في هذا المجال، رأيت أمثلة مُشرّفة من الرجال والنساء الذين وهبوا حياتهم لخدمة الناس، وتوفير خدمات الصحة والتعليم والسكن والكهرباء والماء والتشريعات من أجل توفير بيئة ينمو فيها الإنسان، ويحقق أحلامه وطموحاته واستقراره وكرامته. شكراً لموظفي الحكومة في بلادنا اليوم، وكل يوم، وشكراً لكل من جعل خدمة البشر ومنفعتهم قضيته الرئيسية وهمّه الأكبر الذي قضى فيه حياته». هذه الكلمات ليست مجرد عبارات احتفالية بل شهادة حيّة من قائد عاش تفاصيل الإدارة العامة، وفهم أن العمل الحكومي هو رسالة سامية يتجسد فيها الإنسان قبل الإجراءات. موظف الخدمة العامة ليس مجرد مقدم خدمة بل هو صانع أثر. هو من يفتح نوافذ الفرص، ويمهد الدروب، وييسر حياة الآخرين. عمله قد لا يُحتفى به في الإعلام، لكنه يُرى في حياة الناس، وفي ارتياحهم، وفي ثقتهم بأن دولتهم معهم، وليست غائبة عنهم. في عالم يموج بالتغيرات تبقى الإدارة العامة المحوكمة هي الضامن الحقيقي للاستقرار؛ لأنها تعرف كيف توصل الماء إلى من يحتاجه، وتبني مدرسة حيث تنقص، وتحمي القانون حين يُخرق، وتزرع الثقة بين الناس ومؤسساتهم. وهكذا تبقى مؤسسات الإدارة العامة حين تخلص وتؤمن برسالتها هي التي تصنع الفرق، وتبني المستقبل، لا بالشعارات بل بالعمل اليومي الصامت والمتواصل، الذي يجعل حياة الإنسان أفضل اليوم، وكل يوم.