
أفكارٌ قريبةٌ من كل حبيبٍ وحبيبةٍ
بين فترةٍ وأختها، أكتبُ عن الحبِّ؛ ذلك السَّائِل السِّحرِي، وأحاولُ أَنْ أَسبر أَغوَاره وعَجَائبه، ولَكنْ، كُلَّما شَارفتُ عَلَى الانخِدَاع بسَلاستهِ، اكتَشفتُ أَنَّه أَدَاةٌ خَطِرَةٌ، ورغم ذَلك، لَيس هُنَاك مَا يَمنَع؛ أَنْ تَجدَ فِيهِ بَعض السِّيرَة العَطِرَة.
الانشِغَالُ بالحُبِّ لَه مَزَايَا كَثيرَةٌ، مِن أَهمِّها أَنَّه يَشغلك عَن الكُره، وقَد رَكَّز كَثيرٌ مِن خُبرَاء تَطويرِ الذَّات، وعُلمَاء النَّفس عَلَى هَذه المَسأَلَة، حَتَّى الشُّعرَاء، انتَبهوا إلَى هَذه المِيزَة حَيثُ يَقولُ محمود درويش: «لَا وَقْتَ لَديَّ لأَكره مَن يَكرهني، فأَنَا مَشغولٌ بحُبِّ مَن يُحبُّني».
مِن جِهتهِ، يَقولُ الفَيلسوفُ جورج سانتيانا: «الحُبُّ، يَجعلُ مِنَّا شُعرَاء. والاقترَابُ مِن المَوت؛ يَجعلُ مِنَّا فَلَاسِفَةً». فبَين الحُبِّ والفَلسفَة مُفَارقاتٌ كَثيرةٌ، ولَعلَّ أَبرَزَ هَذه المُفَارقَات، أَنَّ كُلاً مِنهمَا يَستَدعيه شَيءٌ آخَر.
إنَّ سوء التَّفَاهُمِ بَين الرَّجُل والمَرأَة، يَتنوَّعُ، ويَتعدَّد، وقَد يَأتي عَلَى شَكل خِلَافَاتٍ فِي أَهدَافِ الحيَاةِ، وتَوجُّهَاتهَا، مِثل حُبِّ العَملِ، وعَمَل الحُبِّ، إذْ يَرَى الأَديبُ توفيق الحكيم؛ أَنَّ هُنَاك مسَاحةً عَقليَّةً شَاسِعَةً بَين الزَّوجين، حَيثُ يَقولُ: «لَيس للنِّسَاء عَمَلٌ فِي الحيَاةِ سِوَى الحُبِّ، أمَّا حيَاةُ الرَّجُلِ، فهي حُبُّ العَمَلِ، ومِن هُنَا بَدَأ سوء التَّفَاهُم».
يَقولُ المَنفَلوطي مُدافِعَاً عَن الحُبِّ: «لَا خَيرَ فِي حَياةٍ، يَحيَاها المَرءُ بغَيرِ قَلبٍ.. ولَا خَيرَ فِي قَلبٍ، يَخفقُ بغَيرِ حُبٍّ». فالقَلبُ لَه وَظَائِفُ كَثيرةٌ، مِنهَا ضَخُّ الدِّمَاء فِي الجَسَد، لَكنْ الأَهَم خَفقَانه بالحُبِّ، أَمَّا إذَا كَان القَلبُ بِلَا حُبٍّ، فَلَا فَائِدَة مِن هَذا الجِهَازِ المُندسِّ بَين الضُّلُوع.
ولَا يَعرفُ الحُبَّ وطَاقته إلَّا مَن يُجرِّبه. إنَّه بمَنزلةِ الوقُودِ للطَّائِرَاتِ والسيَّارَاتِ، وإذَا رَأيتَ رَجُلاً كَسولاً، فاشْحِنه بِطَاقةِ الحُبِّ، وستَرَى كَيف يُودِّعُ الكَسَلَ بكُلِّ سهُولةٍ، وهَذا قَريبٌ -إلَى حَدٍّ بَعيد- مِن قَولِ الفَيلسُوفِ روبرت براوننج: «الحُبُّ وقُود الحَيَاة».
الحُبُّ لَيس طَاقَةً إيجَابيَّةً فَقَط، هو أيضاً خَارطةُ طَريقٍ ومَعالمُ، تُرشدنا إلَى السَّبيلِ، وفِي ذَلِك يَقولُ شيخ التَّائهين مكسيم جورجي: «عِندَما نُحبُّ، كُلُّ شَيءٍ يُصبِحُ وَاضِحاً.. أَينَ نَذهَب؟ مَاذا نَفعل؟ كُلُّ شَيءٍ يَتمُّ مِن تِلقَاء نَفسه، ولَا نَكون مُضطرِّين لسُؤالِ أَي شَخصٍ عَن أَي شَيءٍ».
في النهايةِ أقولُ: قَالوا إنَّ الحُبَّ طَاقَةٌ، وقَالوا إنَّه عَاطِفَةٌ، وقَالوا إنَّه سَائِلٌ مَعنَوي، يَربطُ بَين عَاشقَين، وقَالوا -أَيضاً- إنَّ الحُبَّ لَا تَفسير لَه.. لَكن مَا لَم أَسمَع بِهِ مِن قَبْل، وَصْفُ الأَديبِ فولتير للحُبِّ، حَيثُ يَقولُ: «الحُبُّ سجَّادَةٌ، جَهَّزتهَا الطَّبيعَةُ، وزَخرفهَا الخَيَالُ».

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ ساعة واحدة
- عكاظ
5 فئات تجنّبها في لحظاتك السعيدة
تابعوا عكاظ على يشير مختصون نفسيون إلى أهمية إحاطة النفس بأشخاص إيجابيين عند الشعور بالسعادة، وتجنّب الفئات التالية: من يقللون من فرحك أو يسخرون منه من يعقدون المقارنات المحبطة من يطرحون المشكلات في كل وقت من يستهينون بإنجازاتك من يفتعلون الجدل في اللحظات الجميلة أخبار ذات صلة /*.article-main .article-entry > figure img {object-fit: cover !important;}*/ .articleImage .ratio{ padding-bottom:0 !important;height:auto;} .articleImage .ratio div{ position:relative;} .articleImage .ratio div img{ position:relative !important;width:100%;} .articleImage .ratio img{background-color: transparent !important;}


عكاظ
منذ ساعة واحدة
- عكاظ
من الحب ما قتل.. ماتت زوجته فلحق بها بعد ساعات !
تابعوا عكاظ على شهدت ولاية ساو باولو البرازيلية حادثة مؤثرة، حيث توفي زوجان مسنان في اليوم نفسه بعد زواج استمر 74 عاماً. الزوجة أوديليتا بانزاني دي هارو، البالغة من العمر 92 عاماً، توفيت أولاً صباح الثلاثاء الماضي، وبعدها بـ10 ساعات فقط، لحق بها زوجها باتشوال دي هارو، البالغ من العمر 94 عاماً. وبحسب ما نشره موقع (جي 1) المحلي، فإن الزوجين احتفلا قبل يومين فقط من وفاتهما بذكرى زواجهما الرابعة والسبعين، وسط حضور أفراد الأسرة. وأكدت حفيدتهما أن جدها لم يكن يعاني من مشكلات صحية كبيرة، لكن وفاته جاءت بعد تلقيه خبر رحيل زوجته، حيث ظل صامتاً طوال اليوم حتى وافته المنية مساءً. الزوجان كانا يعيشان معاً في بلدة بيراتينينغا، وخلّف رحيلهما صدمة بين أفراد الأسرة وسكان المنطقة، خصوصاً أن علاقتهما كانت مثالاً يُحتذى به في الترابط الأسري. وأُقيمت مراسم الدفن في اليوم التالي، ودفن الزوجان جنباً إلى جنب في مشهد وداعي مؤثر. أخبار ذات صلة /*.article-main .article-entry > figure img {object-fit: cover !important;}*/ .articleImage .ratio{ padding-bottom:0 !important;height:auto;} .articleImage .ratio div{ position:relative;} .articleImage .ratio div img{ position:relative !important;width:100%;} .articleImage .ratio img{background-color: transparent !important;} أوديليتا بانزاني وباتشوال دي هارو


الشرق الأوسط
منذ 3 ساعات
- الشرق الأوسط
عساكم من عواده
لا أعرف كيف أصف عشية الأعياد. ينتابني نوع من الخشية والفرح معاً. أخاف أن أنسى أحداً من أصدقائي، وأخاف أن أتذكرهم، وأتذكر كيف أنني لم أستطع أن أوفيهم جمائلهم. لم يدر الأصدقاء أفضالهم في طريقنا على دروب العمر. وعندما نكبر نكتشف أن الجزء الرحب والمضيء والسعيد من حياتنا كان من صنعهم. إنهم أقرباء المصادفات وعائلات الأقدار. كل واحد من قطب، وكل واحد من صوب، وجميعاً يشكلون في مجمع اللقاءات حكاية العمر التي كتبت نفسها دون عناء، أو تكلف. الأعياد مجرد تذكير مختصر بملحمة شخصية لا نهاية لها. الحياة مجموعة عناوين، والمودة أجملها. والرضا أعمقها. ولذلك، ننتظر الفرح الذي تحمله الأعياد، لكي تعبّر عنا ما نقصّر في التعبير عنه. بعض الصداقات يكون العام كله عشية العيد. انتظار يومي في انتظار مناسبة تحمل أمنياتنا ومشاعرنا، والاعتذار من قصورنا، والتعبير عما لا نستطيع التعبير عنه إلا في مهرجان من الصمت. في انتظار العيد، تتدفق الأسماء من تلقائها. واحداً بعد الآخر. عاماً بعد عام. عالم يتسع للمودات، ويتوسع بلا جهد أو عناء. متكأ الشكوى وغفارة العتب. عندما نرسل الأمنيات الكبرى وكأننا نرسلها إلى أنفسنا: كل عام وأنت بخير. لهم جميعاً. الطيبون والأفضلون وأنبل الرفاق. في الحالات القاسية لا نبحث عن طبيب، بل عن صديق. كلما ضعفت بنا النفس نعرف أن العلاج في الروح. وفي عشية العيد نتذكرهم واحداً واحداً، وقلباً إلى قلب، لكثرة ما لهم في حياتنا من أثر بُني بحجارة كريمة. الصداقة هي القلعة ضد الكآبة، والحصن ضد العزلة. والأصدقاء هم العائلة المضافة. أشجار نمت على طريق الحياة، وفيها فيء عظيم. كلما اشتدت الهاجرة على النفس المتعبة، حلّت الصداقة برداً وسلاماً. إنها عبقرية الوجود، وكتاب الرفاق، ونسائم الأعياد. يعود المرء في العيد طفلاً. يفرح مثل طفل، ويحلم مثل طفل، ويخاف مثل طفل. ويشعر بالوفاء مثل رجل.