
"أصوات من الغربة".. شفق نيوز تستطلع أحوال عرب مهاجرين يعيشون العيد بالذكريات
شفق نيوز/ في الأعياد، تفوح روائح الذكريات قبل روائح القهوة والهيل، وتصبح الفرحة اختباراً صعباً للقلب في الغربة. في مدن عربية باتت محطات لجوء مؤقت، مثل بغداد وبيروت وعمّان، يعيش آلاف المهجّرين من اليمن وسوريا وفلسطين، وقد تقاسمت الحرب تفاصيلهم اليومية، وسرقت منهم بهجة العيد ودفء العائلة.
بالنسبة لهؤلاء، العيد لم يعد مناسبة للفرح، بل لحظة مواجهة مع ما فُقد: وطن، بيت، أهل، جيران، وحتى أعياد كانت تُعاش بكل تفاصيلها في مسقط الرأس. في هذا التقرير، التقت وكالة شفق نيوز عدداً من المهجرين من دول عربية شقيقة، حيث تحدثوا عن العيد كما يعيشونه اليوم: بقلوب ثقيلة، وذكريات لا تموت.
في بغداد.. يمنٌ بعيد وصوت مكتوم
في أحد أحياء العاصمة العراقية، تعيش أمل عبد الله، شابة يمنية تبلغ من العمر 24 عاماً، وصلت إلى بغداد قبل سبع سنوات بعد أن نزحت مع أسرتها من صنعاء.
تقول أمل لوكالة شفق نيوز: "أول عيد لي في بغداد كان صادماً. خرجت أبحث عن شيء يشبه أجواء العيد في اليمن، ولم أجد. في صنعاء، كانت الروح تعلو فوق الحرب. كنا نحضر الزينة، ونعدّ المعمول، نلبس الجديد، نزور الجيران، نضحك رغم الظروف. لكن هنا... الغربة أكلت كل التفاصيل".
ورغم الأمان النسبي الذي تعيشه، إلا أن أمل لا تشعر بالاستقرار النفسي. وتقول: "العراقيون طيبون، لكني أشعر أنني غريبة. لا أحد يطرق بابنا في الصباح، لا أحد يوزع الحلوى، وحتى المساجد هنا لا تبث التكبيرات كما كنا نسمعها في صنعاء. أطفالي بدأوا يعتادون على هذا النمط الجديد، وهذا ما يؤلمني أكثر".
أمل تحاول أن تصنع فرحة مصطنعة في المنزل، تزور جاليات يمنية أخرى كلما استطاعت، وتطهو وجبات خاصة تذكّرها بأمها. "لكنها فرحة منقوصة. فرحة مشروطة بالحسرة".
بيروت.. السوريون يحتفلون بالصمت
ومن بغداد ننتقل إلى لبنان، ففي حي شعبي على أطراف بيروت، يقيم خالد الحمصي، لاجئ سوري من ريف دمشق يبلغ من العمر 39 عاماً، برفقة زوجته وأطفاله الثلاثة. غادر سوريا عام 2014 تحت ضغط الحرب، واستقر في لبنان دون أن يعود حتى اليوم.
يتحدث الحمصي لوكالة شفق نيوز، بحسرة واضحة: "العيد في سوريا كان شيئًا لا يُوصف. أصوات الناس، ضجيج الأسواق، رائحة الخبز الطازج صباح العيد. كانت أياماً نعيشها بكل جوارحنا. هنا؟ لا زيارات، لا ضحكات، لا أقارب. فقط نحن وجدران هذا البيت".
الحمصي يؤكد أن أصعب ما يواجهه في العيد هو الأسئلة التي يطرحها أطفاله: "(بابا ليش ما عنا عيد مثل ولاد الجيران؟ ليش ما عنا ضيوف؟ ليش ما بنروح عند تيتا؟)، لا أملك إجابة سوى الصمت، وأحيانًا أكذب… أقول إن الأمور مؤقتة وسنرجع قريباً".
ما يؤلم الحمصي أكثر، هو شعور الانعزال حتى وسط الناس. "نحن غرباء رغم أننا في بلد عربي. لا نستطيع العمل بحرية، لا نخرج كثيراً، نخاف من كل شيء. العيد بالنسبة لي هو يوم طويل أحاول أن أمرره دون أن أنفجر من الداخل".
عمّان.. الفلسطيني" ذاكرة لا تموت"
ومن بيروت نغادر إلى العاصمة الأردنية عمّان، التي يعيش في أحد أحيائها أبو محمد النجار، فلسطيني من غزة، يبلغ من العمر 52 عاماً، وقد لجأ إلى عمّان قبل عقدين من الزمن.
"العيد في الغربة كأنك تنظر من نافذة قطار إلى محطة كنت فيها يوماً ما"، يقولها النجار بحزن لوكالة شفق نيوز قبل أن يضيف: "في غزة، كان العيد يبدأ من فجر اليوم السابق. نغسل الشوارع، نحضّر الكعك، نجهز الهدايا، نطرق أبواب الجيران. الآن أستيقظ، أصلي، أوزع العيدية على أولادي، ثم أفتح الهاتف لأتأكد أن أحداً من أقربائي لم يُقتل في القصف".
أبو محمد يعتبر أن أصعب مشاعر العيد هي الإحساس باللاجدوى: "نضحك كي لا نخيف أطفالنا. نلبس الجديد كي لا يرانا الجيران محطمين. لكن الحقيقة أن بيوتنا مليئة بالغصة. لا وطن نرجع إليه، ولا مستقبل واضح هنا".
لكنه رغم كل ذلك لا يفقد إيمانه بأن العودة ممكنة. "كلما كبّر المؤذن صباح العيد، أتخيل نفسي أسير في شوارع غزة... هذا الحلم هو كل ما أملك".
الوجع العربي بلهجات مختلفة
رُبى السقا، أخصائية اجتماعية تعمل مع لاجئين في المنطقة العربية، تؤكد لوكالة شفق نيوز، أن العيد بالنسبة للمهجرين غالباً ما يكون لحظة حساسة.
"المناسبات العائلية تعيد إلى الذاكرة كل ما فُقد: الأهل، البيوت، الطقوس، وحتى الإحساس بالأمان. لهذا السبب، نلاحظ ارتفاعاً في أعراض الاكتئاب والقلق لدى اللاجئين مع حلول الأعياد".
وتضيف: "ما يجمع هؤلاء المهجّرين هو الوجع، مهما اختلفت لهجاتهم أو خلفياتهم. كلهم يشعرون بأنهم يعيشون أعيادًا منقوصة، معلقة بين وطن مفقود وحاضر لا يشبههم".
في نهاية أحاديثهم لوكالة شفق نيوز، عبّر الجميع عن أمنيات بسيطة: أن يعودوا، أو يجدوا في غربتهم ما يُشبه الوطن.
يقول خالد الحمصي، من بيروت: "لا أريد مالًا ولا سلطة... فقط صباح عيد واحد في دمشق، أُقبل فيه يد أمي، وأُعيد توزيع العيدية على إخوتي".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شفق نيوز
١٢-٠٦-٢٠٢٥
- شفق نيوز
"الگدر والطاسة" .. أنامل نسوية تنسج من النخيل قطعا فلكلورية
شفق نيوز/ في زاوية من البيت السياحي في محافظة بابل، وتحديدًا بين خيوط الخوص وألوان الأصباغ الطبيعية، تجلس أم علي، ذات الـ52 عامًا، تنسج بيديها حكاية عمرها أكثر من أربعة عقود، حكاية بدأت منذ كانت فتاة في السبعينيات من القرن الماضي، حيث ورثت المهنة عن أمها وأبيها، لتصبح اليوم واحدة من أبرز النساء المحافظات على فن صناعة "الطِبَق" أو ما يعرف بـ(الطبك) وأدوات الخوص التراثية في العراق. "المهنة تعلمتها من أمي، وتمكنا من تطويرها"، تقول أم علي بابتسامة يفوح منها فخر السنين، وهي تشير إلى طبق مصنوع بدقة من قلب النخلة، الجزء الوحيد القابل للنسج بحسب ما توضحه. ولا تقتصر أعمال أم علي على الطبق التقليدي فقط، بل توسعت لتشمل قطعًا فلكلورية تُستخدم في الأعراس والمناسبات، مثل: المَهر، الگدر (القدر)، الماعون للتمر (الصحن)، صينية التقديم، الطاسة (طاسة زكريا او صينية زكريا)، المهمفة (مروحة يدوية)، فضلا عن أعمال مخصصة على الطلب. وكل قطعة تُنسج يدوياً، بألوان ثابتة وتقنية عالية، حيث تقول أم علي: "صناعتنا وصلت لمحافظات العراق كلها، من الجمعيات إلى أقصى الجنوب والشمال، الزبائن يطلبون عبر الإنترنت، ويرسلون لنا النماذج، ونحن ننفذها بإتقان". إعالة أكثر من 5 آلاف عائلة بحسب أم علي، فإن هذه الحرفة تُعد مصدر دخل رئيسي لأكثر من 5 آلاف عائلة عراقية، معظمهن من النساء: "المهنة نسائية، لكن الرجال يشجعون ويدعمون، وأنا شجعت باقي النساء بالقرية وصرن يعملن معي. كل واحدة تعمل حسب طلبات الزبائن". تراث لا يندثر ومن أهم ما يميز عمل أم علي، أنه يحافظ على الهوية العراقية الشعبية، لكنها أيضاً تطور التصاميم لتلائم العصر، دون أن تمس جوهر التراث: "الحمد لله والشكر، حافظنا على فلكلورنا، وعملنا مرتب. اليوم حتى الأجانب مهتمين، وتصلنا طلبات من مؤسسات وقنوات إعلامية". أم علي، ليست مجرد صانعة "طبق"، بل حارسة لذاكرة شعب، في كل خوصة تجد قصة، وفي كل لون نَفَس بيئة، وفي كل قطعة تُعرض تُكتب سطور من تراث العراق. وتختم أم علي حديثها، وهي ترفع عينيها إلى السماء، ممتنة لمهنة أعطتها الكرامة، والفخر، ومكانًا في ذاكرة وطن.


شفق نيوز
٠٨-٠٦-٢٠٢٥
- شفق نيوز
ماذا لو كان صدام حسين أخرج مسدسه الذهبي وقتل "اندريا العملاق"؟
شفق نيوز/ ذكر موقع "فاندومواير" الأمريكي المتخصص باخبار الترفيه، أن صدام حسين، عندما كان نائبا للرئيس العراقي الأسبق أحمد حسن البكر، كان متابعا شغوفا لمباريات المصارعة، ما دفعه لإجراء مباراة في العراق بين المصارع العالمي المشهور باسم "اندريا العملاق"، والعراقي عدنان القيسي، وهو رفيقه وصديق طفولته، لكنه رغم هذا فكر صدام باغتيال "اندريا" في حال فوزه على القيسي. واشار التقرير الأميركي، الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، إلى أن "اندريا العملاق"، وكان ضخم الجثة فعليا، ابرز وجوه الترويج في عالم الترفيه في العصر الذهبي لمنافسات مصارعة المحترفين، واكثر من دخلوا حلبات المصارعة التابعة لـ"WWE". وتابع التقرير، أن كثيرين لا يتذكرون القصة المؤسفة التي شهدتها حياته الطولة والمزدهرة، والتي كانت بمثابة مسألة حياة او موت عندما خرج ذات مرة من الولايات المتحدة للمشاركة في مباراة مصارعة. واوضح، أن ذلك كان في العام 1970، عندما كان صدام حسين نائبا لرئيس العراق، وكان شغوفا بمصارعة المحترفين، مضيفا أن "المشكلة تمثلت في ان صدام كان يتابعها على التلفزيون فقط، وأراد ان يأتي بهذه المصارعة الى العراق، وتذكر صديق طفولته عدنان القيسي حيث دخلا المدرسة معا، وتعززت صداقتهما خارج المدرسة حيث كانا يذهبان معا الى مقهى ويشاهدان التلفاز معا ويلعبان الالعاب". وذكر التقرير، أن صدام وعدنان افترقا بانتقال صدام الى مدرسة اخرى، اما عدنان فقد انتقل بعدما اكمل سنوات تعليمه الاولى، الى جامعة ولاية اوكلاهوما الامريكية لمتباعة دراساته الجامعية، ثم بينما قرر عدنان احتراف المصارعة، كان صدام اكثر ميلا الى السياسة، لكنه كان يشاهد المصارعة بحماس كبير. ولفت التقرير، إلى أن عدنان كان الخيار الامثل بالنسبة لصدام حسين ليتصل به من اجل اقامة مصارعة محترفة في العراق، وبدأ عدنان بجلب مصارعين من الغرب الى العراق للمشاركة في منافسات المصارعة التي كان ينظمها، وكان من بينهم مصارع شاب عملاق يدعى اندريه روسيموف، وهو الرجل الذي اصبح معروفا فيما بعد باسم "اندريا العملاق". وبحسب التقرير، فانه في اواخر العام 1970، كان المسرح جاهزا للمنافسة الحاسمة بين عدنان القيسي واندريه روسيموف حيث كان يفترض بهما خوض 3 منازلات لحسم الفائز وذلك في ملعب الشعب المزدحم ببغداد، المليء بالجنود العراقيين ببنادقهم. واضاف التقرير، أن عدنان القيسي، مثلما يروي في كتاب Ringmaster: Vince McMahon and the Unmaking of America لمؤلفه ابراهام ريسمان، اصيب بالصدمة عندما ادرك ان صدام حسين كان يعتقد طوال الوقت ان مصارعة المحترفين حقيقية، مشيرا إلى أن عدنان عبر عن المخاوف التي انتابته بعدما تحدث صدام معه قبل المباراة، قائلا له "انتصر يا عدنان. كلنا نعتمد عليك. إنتصر. هذا الرجل (اندريا العملاق) ضخم، لكنه صبي. اعلم انك تستطيع ان تتغلب عليه. اذا الحق بك الأذى باي شكل من الاشكال، فسوف ينال هذا"، حيث اشار صدام هنا نحو مسدس ذهبي داخل معطفه. وتابع التقرير، أن عدنان ادرك على الفور ما يعنيه ذلك، وتوجه الى الحلبة وهو مصاب بالحيرة والخوف على حياته وعلى حياة خصمه "اندريا العملاق". ولفت إلى أن عدنان كان قد ادرك انه عالق الان في وضع حافل بالمخاطر وان الاتيان بـ"اندريا العملاق" الى العراق كان فكرة سيئة، حيث ان صدام كان يعتزم ان يقتل اندريا في حال فاز. واستطرد، أن "عدنان كان خائفا من عواقب ذلك، فانه قام بابلاغ خصمه بكل شيء، وقرر المصارعان عندها الاتفاق انه يجب ان يخرج عدنان فائزا بالاجماع لانقاذ حياتهما". واوضح التقرير ان المباراة التي كان مقررا لها ان تنتهي بنتيجة مرتبة مسبقا 2-1 لصالح عدنان، انتهت بدلا من ذلك بنتيجة 2-0 حيث ان عدنان كان خائفا من انه اذا سجل اندريا ولو نقطة واحدة في المباراة، فان صدام قد لا يتقبل الموضوع برحابة صدر، ويقتله نتيجة لذلك". ومع انتهاء المنازلة، ووفقا للتقرير، فإن الهتافات علت في مدرجات الملعب، بالاضافة الى اصوات الرصاص الذي اطلقه الجنود العراقيون في الهواء للاحتفاء بانتصار ابن بلدهم عدنان، في حين ان اندريا الذي كان مدهوشا بما يجري حوله، فقد اندفع على الفور لمغادرة حلبة المصارعة، خشية ان تصيبه احدى الرصاصات عن قصد او غير قصد، ثم غادر اندريا العراق في نفس اليوم، لكنه اصبح احد اكثر المصارعين شهرة، كما ان عدنان كانت له مسيرة مهنية ناجحة ايضا في عالم المصارعة في ابرام عقود تجارية مع شركات ترفيه رياضي حول العالم. وختم التقرير بالقول انه بينما استمر كل من "اندريا العملاق" وعدنان القيسي في الاستمتاع بمسيرة مهنية ناجحة في مصارعة المحترفين، فيجب التخيل كيف كانت ستجري الامور لو ان اندريا خرج منتصرا في تلك المبارة في مرحلة مبكرة من حياته، حيث كان من الممكن ان تبدل تلك المباراة مسار حياة عدنان واندريا المهنية بشكل كامل.


شفق نيوز
٠٧-٠٦-٢٠٢٥
- شفق نيوز
"أصوات من الغربة".. شفق نيوز تستطلع أحوال عرب مهاجرين يعيشون العيد بالذكريات
شفق نيوز/ في الأعياد، تفوح روائح الذكريات قبل روائح القهوة والهيل، وتصبح الفرحة اختباراً صعباً للقلب في الغربة. في مدن عربية باتت محطات لجوء مؤقت، مثل بغداد وبيروت وعمّان، يعيش آلاف المهجّرين من اليمن وسوريا وفلسطين، وقد تقاسمت الحرب تفاصيلهم اليومية، وسرقت منهم بهجة العيد ودفء العائلة. بالنسبة لهؤلاء، العيد لم يعد مناسبة للفرح، بل لحظة مواجهة مع ما فُقد: وطن، بيت، أهل، جيران، وحتى أعياد كانت تُعاش بكل تفاصيلها في مسقط الرأس. في هذا التقرير، التقت وكالة شفق نيوز عدداً من المهجرين من دول عربية شقيقة، حيث تحدثوا عن العيد كما يعيشونه اليوم: بقلوب ثقيلة، وذكريات لا تموت. في بغداد.. يمنٌ بعيد وصوت مكتوم في أحد أحياء العاصمة العراقية، تعيش أمل عبد الله، شابة يمنية تبلغ من العمر 24 عاماً، وصلت إلى بغداد قبل سبع سنوات بعد أن نزحت مع أسرتها من صنعاء. تقول أمل لوكالة شفق نيوز: "أول عيد لي في بغداد كان صادماً. خرجت أبحث عن شيء يشبه أجواء العيد في اليمن، ولم أجد. في صنعاء، كانت الروح تعلو فوق الحرب. كنا نحضر الزينة، ونعدّ المعمول، نلبس الجديد، نزور الجيران، نضحك رغم الظروف. لكن هنا... الغربة أكلت كل التفاصيل". ورغم الأمان النسبي الذي تعيشه، إلا أن أمل لا تشعر بالاستقرار النفسي. وتقول: "العراقيون طيبون، لكني أشعر أنني غريبة. لا أحد يطرق بابنا في الصباح، لا أحد يوزع الحلوى، وحتى المساجد هنا لا تبث التكبيرات كما كنا نسمعها في صنعاء. أطفالي بدأوا يعتادون على هذا النمط الجديد، وهذا ما يؤلمني أكثر". أمل تحاول أن تصنع فرحة مصطنعة في المنزل، تزور جاليات يمنية أخرى كلما استطاعت، وتطهو وجبات خاصة تذكّرها بأمها. "لكنها فرحة منقوصة. فرحة مشروطة بالحسرة". بيروت.. السوريون يحتفلون بالصمت ومن بغداد ننتقل إلى لبنان، ففي حي شعبي على أطراف بيروت، يقيم خالد الحمصي، لاجئ سوري من ريف دمشق يبلغ من العمر 39 عاماً، برفقة زوجته وأطفاله الثلاثة. غادر سوريا عام 2014 تحت ضغط الحرب، واستقر في لبنان دون أن يعود حتى اليوم. يتحدث الحمصي لوكالة شفق نيوز، بحسرة واضحة: "العيد في سوريا كان شيئًا لا يُوصف. أصوات الناس، ضجيج الأسواق، رائحة الخبز الطازج صباح العيد. كانت أياماً نعيشها بكل جوارحنا. هنا؟ لا زيارات، لا ضحكات، لا أقارب. فقط نحن وجدران هذا البيت". الحمصي يؤكد أن أصعب ما يواجهه في العيد هو الأسئلة التي يطرحها أطفاله: "(بابا ليش ما عنا عيد مثل ولاد الجيران؟ ليش ما عنا ضيوف؟ ليش ما بنروح عند تيتا؟)، لا أملك إجابة سوى الصمت، وأحيانًا أكذب… أقول إن الأمور مؤقتة وسنرجع قريباً". ما يؤلم الحمصي أكثر، هو شعور الانعزال حتى وسط الناس. "نحن غرباء رغم أننا في بلد عربي. لا نستطيع العمل بحرية، لا نخرج كثيراً، نخاف من كل شيء. العيد بالنسبة لي هو يوم طويل أحاول أن أمرره دون أن أنفجر من الداخل". عمّان.. الفلسطيني" ذاكرة لا تموت" ومن بيروت نغادر إلى العاصمة الأردنية عمّان، التي يعيش في أحد أحيائها أبو محمد النجار، فلسطيني من غزة، يبلغ من العمر 52 عاماً، وقد لجأ إلى عمّان قبل عقدين من الزمن. "العيد في الغربة كأنك تنظر من نافذة قطار إلى محطة كنت فيها يوماً ما"، يقولها النجار بحزن لوكالة شفق نيوز قبل أن يضيف: "في غزة، كان العيد يبدأ من فجر اليوم السابق. نغسل الشوارع، نحضّر الكعك، نجهز الهدايا، نطرق أبواب الجيران. الآن أستيقظ، أصلي، أوزع العيدية على أولادي، ثم أفتح الهاتف لأتأكد أن أحداً من أقربائي لم يُقتل في القصف". أبو محمد يعتبر أن أصعب مشاعر العيد هي الإحساس باللاجدوى: "نضحك كي لا نخيف أطفالنا. نلبس الجديد كي لا يرانا الجيران محطمين. لكن الحقيقة أن بيوتنا مليئة بالغصة. لا وطن نرجع إليه، ولا مستقبل واضح هنا". لكنه رغم كل ذلك لا يفقد إيمانه بأن العودة ممكنة. "كلما كبّر المؤذن صباح العيد، أتخيل نفسي أسير في شوارع غزة... هذا الحلم هو كل ما أملك". الوجع العربي بلهجات مختلفة رُبى السقا، أخصائية اجتماعية تعمل مع لاجئين في المنطقة العربية، تؤكد لوكالة شفق نيوز، أن العيد بالنسبة للمهجرين غالباً ما يكون لحظة حساسة. "المناسبات العائلية تعيد إلى الذاكرة كل ما فُقد: الأهل، البيوت، الطقوس، وحتى الإحساس بالأمان. لهذا السبب، نلاحظ ارتفاعاً في أعراض الاكتئاب والقلق لدى اللاجئين مع حلول الأعياد". وتضيف: "ما يجمع هؤلاء المهجّرين هو الوجع، مهما اختلفت لهجاتهم أو خلفياتهم. كلهم يشعرون بأنهم يعيشون أعيادًا منقوصة، معلقة بين وطن مفقود وحاضر لا يشبههم". في نهاية أحاديثهم لوكالة شفق نيوز، عبّر الجميع عن أمنيات بسيطة: أن يعودوا، أو يجدوا في غربتهم ما يُشبه الوطن. يقول خالد الحمصي، من بيروت: "لا أريد مالًا ولا سلطة... فقط صباح عيد واحد في دمشق، أُقبل فيه يد أمي، وأُعيد توزيع العيدية على إخوتي".