
مع تدهور علاقتها مع أميركا... بريطانيا في حاجة الاتحاد الأوروبي أكثر من أي وقت مضى
بعد مرور ما يقارب عقد من الزمن، لا يزال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) "الهدية" الخبيثة التي لا تكف عن العطاء. ففي بروكسل، اجتمع قادة الدول الأوروبية الـ27 في الاتحاد الأوروبي مع رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي للاتفاق على تمويل استراتيجية دفاعية لقارة يتزايد التخلي عنها والاستخفاف بها من قبل حليفتها المفترضة، الولايات المتحدة. رئيس الوزراء البريطاني لم يكن هناك.
ويشعر المرء أن الغياب في لحظة كهذه ليس مجرد خطأ، بل أمر مؤلم. إنه منعطف حاسم في التاريخ، إذ تنظم المفوضية الأوروبية صندوق إعادة تسليح أوروبي بقيمة 800 مليار يورو، وهو ما يعادل تقريباً الموازنة السنوية للدفاع الأميركي. وكزعيم لقوة أوروبية كبرى، كان ينبغي لكير ستارمر أن يكون هناك مدافعاً عن الفكرة مسهماً فيها، ومحدداً معالم هذا الاتحاد الدفاعي الأوروبي الناشئ.
وتمتلك المملكة المتحدة أوراقاً مهمة على هذه الطاولة، اقتصاد كبير وقوات مسلحة فعالة على رغم تراجعها، وحاملات طائرات وقدرات استخباراتية وقاعدة صناعية دفاعية وريادة تكنولوجية في مجالات مثل الطيران ورادع نووي. وكان ينبغي لها أن تقود النقاش من الداخل، كما كانت تفعل عندما كانت عضواً محترماً وقوياً في الاتحاد الأوروبي. وبدلاً من ذلك، سيكتفي ستارمر وفريقه بالمشاهدة من بعيد، وسيقوم الدبلوماسيون البريطانيون بتقديم مداخلات في القمة وسيحصلون على قراءات للاستنتاجات من المفوضية ومسؤولين آخرين، ولكن دون أن يكون لهم صوت في قاعة المؤتمر.
إذاً، هذا هو الواقع الحقيقي لشعار "استعادة السيطرة"، إقصاء سياسي كامل. وهو أمر كان يمكن تفاديه حتى بعد التصويت على المغادرة. فقد ارتكب بوريس جونسون في واحدة من أسوأ أخطائه بعد خلافته لتيريزا ماي عام 2019، خطيئة كبرى عندما أسقط بنود الأمن والدفاع من مسودة معاهدة "بريكست" التي كانت ماي تسعى إليها. وقرر جونسون ببساطة أنها غير ضرورية. لاحقاً، دعم أوكرانيا وسلحها من خارج الاتحاد الأوروبي، الذي كان أحياناً متردداً في مساعدة زيلينسكي، لكن كان يمكننا فعل ذلك لو بقينا أعضاء في الاتحاد، بل وإقناعهم بالسير على خطانا.
ولكن الآن، لم تعد هذه الحجج ذات جدوى. نحن نعلم أنه لم يعد لدينا خيار البقاء خارج الهياكل الدفاعية الأوروبية الآن بعدما خفضت أميركا من أولويتنا جميعاً على هذا الجانب من الأطلسي. ومن غير المقبول أن تتخذ القرارات التي تؤثر بصورة حيوية على الأمن القومي والمصالح الصناعية للمملكة المتحدة من قبل الأصدقاء الأوروبيين، بينما نبقى خارجها دون أن يكون لنا صوت واحد أو فرصة لتحقيق المصلحة الوطنية، كما ستفعل جميع الدول الأخرى. ومن الواضح أنه لم يكن في السيناريو أن الولايات المتحدة "ستغير موقفها" في شأن أوكرانيا، والأسوأ من ذلك أنها تعد روسيا وليس أوروبا شريكاً استراتيجياً لها.
لقد حدث هذا التغيير بسرعة تفوق قدرة كثر على استيعابه أو إدراك تداعياته العميقة. ولم يكن بالإمكان توقعه عام 2016، خلال استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي، حين افترض كثر أن بريطانيا يمكنها الحفاظ على "علاقتها الخاصة" مع أميركا، بل وتعزيزها من خلال اتفاق تجارة حرة طال انتظارها. لكن الأمور لا تبدو كذلك الآن، إذ بدأ بعض في مجتمع الاستخبارات يتساءلون عما إذا كانت المعلومات الحساسة التي تنقلها بريطانيا إلى الوكالات الأميركية في شأن أوكرانيا قد تجد طريقها إلى الكرملين. وفي هذه الأثناء، يلوح دونالد ترمب باتفاق تجاري لستارمر ولكننا قد نكون متأكدين من أنها ستلحق أضراراً هائلة بهيئة الخدمات الصحية الوطنية والمزارعين البريطانيين.
تتحول العلاقة الخاصة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة إلى علاقة مؤذية. وسيكون من الجميل أن نعتقد أننا يمكن أن نكون أطلسيين وأوروبيين، كما كنا بين عامي 1973 و2021. لكن الأميركيين يبتعدون منا، وقد لا يكون ذلك مجرد فترة فاصلة موقتة في عهد ترمب قبل أن يعود أحد الديمقراطيين العقلاء ويضغط على زر إعادة الضبط. ولكن بعد ترمب، ماذا سيحدث؟
حسناً، تذكروا الإهانات التي وجهها نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس إلى القوات البريطانية التي قتل أفرادها وجرحوا إلى جانب الأميركيين في العراق وأفغانستان. وتذكروا أنه قال إن أول قوة نووية "إسلامية حقيقية" في العالم ستكون المملكة المتحدة. هل تذكرون عندما سافر إلى مؤتمر ميونيخ للأمن ليقول لنا في هذا الجانب من المحيط الأطلسي إن الخطر الأكبر على مستقبلنا ليس روسيا، بل قيمنا نحن، متسائلاً لماذا ينبغي لأميركا أن تخوض حرباً من أجل شعوب منحلة وجبانة؟ قد يكون هذا الرجل رئيساً في عام 2028، وربما يبقى في منصبه حتى عام 2037 (ما لم يغير الدستور الدستور وبقي لفترة أطول).
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
علينا أن نفترض أن أميركا حتى بعد رحيل ترمب لن تعود إلى الدور الذي لعبته في العالم خلال الـ80 عاماً الماضية. لا شيء يدوم إلى الأبد، وغرائز العزلة والقومية وحماية الاقتصاد المحلي لدى الشعب الأميركي قد لا تتلاشى لعقود.
لا يمكن لأوروبا بما في ذلك المملكة المتحدة أن تعتمد على الولايات المتحدة، لكنها لم يكن ينبغي لها أن تفعل ذلك أصلاً. الفكرة الجوهرية للمشروع الأوروبي كانت جعل القارة قوة رئيسة أخرى في العالم، أحد "الأقطاب" في نظام عالمي متعدد القوى، إلى جانب أميركا والصين وروسيا وحلفائها. فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا كلها دول عظمى وغنية، لكنها ما بعد إمبريالية، وليست كبيرة بما يكفي لإحداث تأثير كبير بمفردها. لكن معاً، كما هو الحال الآن تشكل أوروبا القارة بأكملها تقريباً بعدد سكان يقارب 500 مليون نسمة، وأكبر كتلة اقتصادية في العالم، لكنها لا تزال تفتقر إلى القوة التي يمنحها البعد الدفاعي، وهو الآن ضرورة لا غنى عنها.
لقد احتاج الأمر إلى وجود ترمب والأزمة الأوكرانية لتحويل ذلك الحلم بوحدة أوروبا إلى ضرورة استراتيجية صارمة. قد نعذر لعدم إدراكنا ذلك في عام 2016 المختلف تماماً، حين كان باراك أوباما لا يزال القائد الأعلى للقوات المسلحة، وكان ترشح ترمب للرئاسة مجرد استعراض دعائي، وكان الغزو الروسي الأول لأوكرانيا ينظر إليه – للأسف وبالخطأ – على أنه حدث هامشي. لكن الواقع الجديد يفرض نفسه، ويجبر بريطانيا على الاختيار بين الاصطفاف مع أميركا أو أوروبا. وفي الحقيقة، لم يعد هذا القرار بيدنا تماماً، إذ تتجه أميركا نحو فرضه علينا من خلال جعل علاقات الدفاع والاقتصاد التقليدية غير قابلة للاستمرار.
قد لا يدرك البريطانيون ذلك بعد، أو قد يجدونه فكرة غير مستساغة، لكن ما لم نرغب في الانضمام إلى هذا المحور الغريب الجديد بين موسكو وواشنطن، فمن الأفضل أن نقترب أكثر من أصدقائنا الأوروبيين. يجب أن تنتهي عزلتنا التي فرضناها على أنفسنا.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
ترمب يفرض 50 في المئة رسوما تجارية على الاتحاد الأوروبي من أول يونيو
قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب اليوم الجمعة إنه يوصي بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 في المئة على السلع المقبلة من الاتحاد الأوروبي اعتباراً من الأول من يونيو (حزيران) المقبل، مشيراً إلى أن التعامل مع التكتل في شأن التجارة صعب. وذكر ترمب على منصة "تروث سوشيال" التي يمتلكها، أن "التعامل مع الاتحاد الأوروبي، الذي تشكل بالأساس لاستغلال الولايات المتحدة من الناحية التجارية، صعب جداً... مناقشاتنا معهم لا تفضي إلى أي نتيجة!". وذكرت صحيفة "فايننشيال تايمز" اليوم أن المفاوضين التجاريين للرئيس الأميركي يضغطون على الاتحاد الأوروبي لخفض الرسوم الجمركية من جانب واحد على السلع الأميركية. ووفقاً للصحيفة، فإن المفاوضين يقولون إنه من دون تنازلات لن يحرز الاتحاد تقدماً في المحادثات لتجنب رسوم مضادة إضافية بنسبة 20 في المئة. ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تسمها القول إن الممثل التجاري الأميركي جيميسون جرير يستعد لإبلاغ المفوض التجاري الأوروبي ماروش شفتشوفيتش اليوم بأن "مذكرة توضيحية" قدمتها بروكسل في الآونة الأخيرة للمحادثات لا ترقى إلى مستوى التوقعات الأميركية. ولم تتمكن وكالة "رويترز" من التأكد من صحة التقرير على الفور، ولم يرد مكتب الممثل التجاري الأميركي بعد على طلب الوكالة للتعليق الذي أرسل خارج ساعات العمل الرسمية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وقال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية لشؤون التجارة أولوف جيل لـ"رويترز" عبر البريد الإلكتروني "أولوية الاتحاد الأوروبي هي السعي إلى اتفاق عادل ومتوازن مع الولايات المتحدة... اتفاق تستحقه علاقاتنا التجارية والاستثمارية الضخمة". وأضاف أن الاتحاد يواصل التفاعل بصورة نشطة مع الولايات المتحدة، وأنه من المقرر أن يتحدث شفتشوفيتش مع جرير اليوم. وذكرت الصحيفة أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى التوصل إلى نص إطاري متفق عليه بصورة مشتركة للمحادثات، لكن الجانبين لا يزالان متباعدين إلى حد كبير. وفرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية بنسبة 25 في المئة على السيارات والصلب والألمنيوم من الاتحاد الأوروبي في مارس (آذار) و20 في المئة على سلع أخرى من الاتحاد في أبريل (نيسان). وخفضت بعد ذلك الرسوم البالغة 20 في المئة إلى النصف حتى الثامن من يوليو (تموز)، مما أعطى مهلة 90 يوماً لإجراء محادثات للتوصل إلى اتفاق أكثر شمولاً في شأن الرسوم الجمركية. ورداً على ذلك، علق الاتحاد الذي يضم 27 دولة خططه لفرض رسوم جمركية مضادة على بعض السلع الأميركية، واقترح إلغاء جميع الرسوم الجمركية على السلع الصناعية من كلا الجانبين، غير أن إعلان ترمب اليوم يشكل مواجهة جديدة في العلاقات التجارية بين الطرفين.


شبكة عيون
منذ ساعة واحدة
- شبكة عيون
ترامب يطالب بفرض رسوم جمركية 50% على الاتحاد الأوروبي بدءاً من يونيو 2025
★ ★ ★ ★ ★ مباشر: أوصى الرئيس الأمريكي دونالد رامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على دول الاتحاد الأوروبي، وذلك بدءا من يونيو المقبل. وقال ترامب في منشور على "تروث سوشيال" إن الاتحاد الأوروبي، الذي تم تشكيله أساسًا للاستفادة من الولايات المتحدة في التجارة، كان من الصعب التعامل معه. وأشار ترامب إلى أن العجز التجاري مع الاتحاد يتجاوز 250 مليار دولار سنويًا وهو رقم غير مقبول. وأضاف أن المناقشات التجارية مع الاتحاد الأوروبي لا تحقق أي نتائج. حمل تطبيق معلومات مباشر الآن ليصلك كل جديد من خلال آبل ستور أو جوجل بلاي للتداول والاستثمار في البورصة المصرية اضغط هنا تابعوا آخر أخبار البورصة والاقتصاد عبر قناتنا على تليجرام لمتابعة قناتنا الرسمية على يوتيوب اضغط هنا لمتابعة آخر أخبار البنوك السعودية.. تابع مباشر بنوك السعودية.. اضغط هنا لمتابعة آخر أخبار البنوك المصرية.. تابع مباشر بنوك مصر.. اضغط هنا ترشيحات هل خالف "المركزي" المصري توصيات صندوق النقد بخفض أسعار الفائدة؟ توجيهات وزارية بشأن مصانع "النحاس المصرية"


شبكة عيون
منذ ساعة واحدة
- شبكة عيون
ارتفاع الذهب 2% بعد تهديدات ترامب للاتحاد الأوروبي
ارتفاع الذهب 2% بعد تهديدات ترامب للاتحاد الأوروبي ★ ★ ★ ★ ★ مباشر: ارتفعت أسعار الذهب اليوم الجمعة، بواقع 1.9% مسجلة 3359 دولار، وذلك بعد تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي بنسبة 50 بالمائة. وبذلك يتجه الذهب لتسجيل أفضل أداء أسبوعي في أكثر من شهر، مدفوعا بتراجع الدولار وتصاعد المخاوف بشأن أوضاع المالية العامة في الولايات المتحدة، ما عزز الإقبال على الملاذات الآمنة . وأقر مجلس النواب الأميركي، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، أمس الخميس، مشروع قانون شامل للضرائب والإنفاق، يتضمن تنفيذ معظم أجندة الرئيس دونالد ترامب، ويضيف تريليونات الدولارات إلى الدين الحكومي . وينتقل المشروع الآن إلى مجلس الشيوخ، الذي يتمتع فيه الجمهوريون بأغلبية 53 مقابل 47 مقعدًا . حمل تطبيق معلومات مباشر الآن ليصلك كل جديد من خلال آبل ستور أو جوجل بلاي للتداول والاستثمار في البورصة المصرية اضغط هنا تابعوا آخر أخبار البورصة والاقتصاد عبر قناتنا على تليجرام لمتابعة قناتنا الرسمية على يوتيوب اضغط هنا لمتابعة آخر أخبار البنوك السعودية.. تابع مباشر بنوك السعودية.. اضغط هنا لمتابعة آخر أخبار البنوك المصرية.. تابع مباشر بنوك مصر.. اضغط هنا ترشيحات هل خالف "المركزي" المصري توصيات صندوق النقد بخفض أسعار الفائدة؟ توجيهات وزارية بشأن مصانع "النحاس المصرية " مباشر (اقتصاد) مباشر (اقتصاد) الكلمات الدلائليه ترامب أسعار السعودية مصر اقتصاد