
مدونة السير أمام مركبات التنقل الجديدة – قراءة تحليلية –
بقلم: ياسين كحلي
(.)
في زمن تتسارع فيه وتيرة التكنولوجيا بشكل غير مسبوق، وتتشكل معه أنماط جديدة للتنقل الحضري خارج ال
إ
ط
ار
التقليدي
المعهود به
، باتت الحاجة ماسة إلى تشريع يواكب هذا التحول الجذري، لا يقف عند عتبات الواقع، بل يستشرف آفاقه، ويعيد صياغة العلاقة بين الفرد والطريق. ومن هذا المنطلق، صادق مجلس الحكومة بتاريخ الخميس 19 يونيو 2025 على مشروع المرسوم رقم 2.24.393، ليؤسس بذلك لتحول تشريعي جوهري في مجال السلامة الطرقية وتنظيم وسائل التنقل الحديثة.
كيف
ذلك؟
يندرج مشروع هذا المرسوم ضمن دينامية إصلاحية متواصلة تهدف إلى ملاءمة المنظومة القانونية
المؤطرة
لحركة السير مع التحولات التكنولوجية المتسارعة في مجال النقل الحضري وشبه الحضري، وهو ما يستدعي مراجعة دقيقة للأنظمة القانونية السابقة
والعمل على تحيينها
وتجديدها
،
خصوصا تلك التي لم تعد تستوعب المستجدات التي فرضتها وسائط التنقل الحديثة، لاسيما المركبات الكهربائية والذكية. وينبني هذا المشروع، من حيث جوهره، على إرادة تشريعية واضحة في تحديث مضامين المرسوم رقم 2.10.421، المؤطر لمقتضيات مدونة السير (القانون رقم 52.05)، انسجاما مع متطلبات السلامة الطرقية وتبسيط الإجراءات الإدارية من جهة، ومع ضرورة تنظيم فضاء النقل الحضري الجديد الذي أفرزته الثورة الرقمية من جهة أخرى.
إن القراءة المفاهيمية لمصطلحي 'مركبة التنقل الشخصي المحرك' (
Véhicule de Mobilité Personnelle Motorisée
) و'الدراجة بدواس مساعد' (
Vélo à Pédalage Assisté
)، كما وردا في نص المشروع، تكشف عن وعي قانوني تشريعي باستحداث واقع تنقل بات يفرض نفسه على البنية المرورية
فب المغرب
دون أن يجد له إطارا قانونيا دقيقا يحدد طبيعته أو يضبط استخدامه. ف
ــ
ـ
'مركبة التنقل الشخصي المحرك' تقصد بها تلك الوسائل الحديثة الخفيفة الوزن التي تعمل بالطاقة الكهربائية أو بمحركات صغيرة، والتي غالبا ما تستخدم في التنقل الفردي داخل المدن، مثل السكوتر الكهربائي (
E-Trottinette
)، واللوح الذكي المتحرك (
Hoverboard
)، والدراجات الكهربائية ذات الدفع الذاتي (
Vélo à Assistance Électrique
)، وهي جميعها مركبات لا تتطلب جهدا بشريا مباشرا، بل تشتغل بصورة آلية أو شبه آلية، وتتراوح سرعتها القصوى عادة بين 25 و45 كيلومترا في الساعة. أما 'الدراجة بدواس مساعد'، فهي مركبة تجمع بين الدفع العضلي والمحرك الكهربائي، لكن هذا الأخير لا يشتغل إلا في حالة تدوير الدواسات، ما يجعل الاعتماد على الجهد البشري أساسيا، ويمنحها طابعا مزدوجا يجمع بين الوسائل التقليدية والتكنولوجيا
المعاصرة
.
ويكتسي إدراج هذين المفهومين في مدونة السير طابعا تأسيسيا، ليس فقط لأنه يسد فراغا تشريعيا حقيقيا، بل لأنه يساهم في بناء تصور قانوني شامل لمسؤولية مستعملي هذه المركبات، سواء من حيث تسجيلها وترخيصها، أو من حيث تحديد المسؤولية في حال وقوع حوادث مرورية، أو حتى من حيث فرض احترام المواصفات التقنية والسلامة التي يجب أن تتوفر فيها، من أنظمة كبح فعالة، وأجهزة إنارة، ومحددات سرعة
قصوى، وكلها شروط تقنية تخول للسلطة الحكومية المكلفة بالنقل صلاحية ضبطها وتحيينها، مما يضمن مرونة تشريعية لا تستدعي التعديل القانوني المتكرر، بل تخضع لتكييف إداري مرن ومتدرج.
ولعل من أبرز المقتضيات ذات الدلالة التشريعية الدقيقة في هذا المشروع، إلزامية تجهيز المركبات بأنظمة السياقة الذكية، مثل أدوات تجنب الاصطدام، وأنظمة المراقبة الذكية للسرعة، وهي خطوة تشريعية تحمل بعدا استباقيا، لأنها تنقل عبء السلامة من مجرد سلوك السائق إلى منظومة تكنولوجية مرافقة له، تلزم المصنعين والمستوردين باحترام معايير جودة محددة، وترفع من مستوى أمان المركبة ذاتها، لا فقط سلوك مستعملها. وهو ما يؤسس لمسؤولية قانونية جديدة ترتبط بالمصنع والموزع، لا بالمستعمل
فقط
.
أما من جهة المساطر، فقد جاء المشروع بمبادرة نوعية لتبسيط إجراءات تسجيل وترخيص المركبات الجديدة، بما يضمن الانسيابية والسرعة، مع الإبقاء على ضوابط السلامة ومقتضيات التتبع القانوني، وهي خطوة ضرورية لتقليص البيروقراطية في وجه مستعملي وسائل النقل الحديثة، وتحقيق نجاعة مؤسساتية في التعامل مع
المستجدات
.
وفي البعد الدستوري، يستند مشروع المرسوم إلى مقتضيات الفصل 92 من الدستور المغربي، الذي يخول للحكومة اتخاذ المراسيم التنظيمية في إطار تنفيذ القوانين، وهو ما يضفي على المشروع مشروعية قانونية صلبة، ويعززه الطابع التكميلي الذي يحتفظ به تجاه القانون رقم 52.05، حيث لا يتجاوزه ولا يلغيه، بل يطعمه ببعد تقني وتنفيذي لم يكن متوفرا من قبل، ويعكس رغبة السلطة التنفيذية في استثمار صلاحياتها التشريعية الفرعية لمواجهة واقع جديد.
ورغم ما يحمله هذا المشروع من إيجابيات تشريعية، فإنه لا يخلو من تحديات محتملة، أولها يرتبط بالفراغات التنظيمية التي قد تنشأ نتيجة تعميم مفاهيم واسعة ك
ـ
ـ
'المركبة الذكية' دون تدقيق كاف في مكوناتها وأنواعها، وثانيها تحدي التنسيق المؤسساتي، خاصة بين وزارة النقل والوكالة الوطنية للسلامة الطرقية، من أجل ضمان تطبيق موحد وفعال لا تهدر فيه الجهود نتيجة تداخل الصلاحيات أو غياب الرؤية المشتركة.
إن هذا التحول التشريعي، في مجمله، لا يعد فقط تحديثا لنص قانوني تقني، بل هو إشارة قوية إلى انخراط الدولة المغربية في مسار التحديث المؤسساتي الشامل، من خلال بناء منظومة قانونية قادرة على التفاعل مع التكنولوجيا، لا مقاومتها، وعلى استباق التحولات، لا الاكتفاء برد الفعل. كما يشكل المشروع نقطة ارتكاز نحو تنظيم عقلاني لوسائل التنقل الجديدة التي باتت تقتحم المجال الحضري بقوة، دون أن تكون
مؤطرة
بإطار قانوني واضح المعالم. وبالتالي
؛
فإن نجاحه لا يتوقف على حسن صياغته، بل على جودة تنفيذه، ومواكبة أجهزته الرقابية، وحسن تواصل الإدارة مع المواطن لفهم الالتزامات الجديدة المترتبة عن استعمال هذه
الوسائل
.
فإذا كان القانون يضع الإطار، فإن الواقع يفرض التفاصيل، وما بينهما تقع مسؤولية الدولة، في إيجاد توازن دائم بين حرية التنقل، ومتطلبات الأمن والسلامة العامة.
(.)
مستشار قانوني وباحث في العلوم القانونية
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بالواضح
منذ 3 ساعات
- بالواضح
مدونة السير أمام مركبات التنقل الجديدة – قراءة تحليلية –
بقلم: ياسين كحلي (.) في زمن تتسارع فيه وتيرة التكنولوجيا بشكل غير مسبوق، وتتشكل معه أنماط جديدة للتنقل الحضري خارج ال إ ط ار التقليدي المعهود به ، باتت الحاجة ماسة إلى تشريع يواكب هذا التحول الجذري، لا يقف عند عتبات الواقع، بل يستشرف آفاقه، ويعيد صياغة العلاقة بين الفرد والطريق. ومن هذا المنطلق، صادق مجلس الحكومة بتاريخ الخميس 19 يونيو 2025 على مشروع المرسوم رقم 2.24.393، ليؤسس بذلك لتحول تشريعي جوهري في مجال السلامة الطرقية وتنظيم وسائل التنقل الحديثة. كيف ذلك؟ يندرج مشروع هذا المرسوم ضمن دينامية إصلاحية متواصلة تهدف إلى ملاءمة المنظومة القانونية المؤطرة لحركة السير مع التحولات التكنولوجية المتسارعة في مجال النقل الحضري وشبه الحضري، وهو ما يستدعي مراجعة دقيقة للأنظمة القانونية السابقة والعمل على تحيينها وتجديدها ، خصوصا تلك التي لم تعد تستوعب المستجدات التي فرضتها وسائط التنقل الحديثة، لاسيما المركبات الكهربائية والذكية. وينبني هذا المشروع، من حيث جوهره، على إرادة تشريعية واضحة في تحديث مضامين المرسوم رقم 2.10.421، المؤطر لمقتضيات مدونة السير (القانون رقم 52.05)، انسجاما مع متطلبات السلامة الطرقية وتبسيط الإجراءات الإدارية من جهة، ومع ضرورة تنظيم فضاء النقل الحضري الجديد الذي أفرزته الثورة الرقمية من جهة أخرى. إن القراءة المفاهيمية لمصطلحي 'مركبة التنقل الشخصي المحرك' ( Véhicule de Mobilité Personnelle Motorisée ) و'الدراجة بدواس مساعد' ( Vélo à Pédalage Assisté )، كما وردا في نص المشروع، تكشف عن وعي قانوني تشريعي باستحداث واقع تنقل بات يفرض نفسه على البنية المرورية فب المغرب دون أن يجد له إطارا قانونيا دقيقا يحدد طبيعته أو يضبط استخدامه. ف ــ ـ 'مركبة التنقل الشخصي المحرك' تقصد بها تلك الوسائل الحديثة الخفيفة الوزن التي تعمل بالطاقة الكهربائية أو بمحركات صغيرة، والتي غالبا ما تستخدم في التنقل الفردي داخل المدن، مثل السكوتر الكهربائي ( E-Trottinette )، واللوح الذكي المتحرك ( Hoverboard )، والدراجات الكهربائية ذات الدفع الذاتي ( Vélo à Assistance Électrique )، وهي جميعها مركبات لا تتطلب جهدا بشريا مباشرا، بل تشتغل بصورة آلية أو شبه آلية، وتتراوح سرعتها القصوى عادة بين 25 و45 كيلومترا في الساعة. أما 'الدراجة بدواس مساعد'، فهي مركبة تجمع بين الدفع العضلي والمحرك الكهربائي، لكن هذا الأخير لا يشتغل إلا في حالة تدوير الدواسات، ما يجعل الاعتماد على الجهد البشري أساسيا، ويمنحها طابعا مزدوجا يجمع بين الوسائل التقليدية والتكنولوجيا المعاصرة . ويكتسي إدراج هذين المفهومين في مدونة السير طابعا تأسيسيا، ليس فقط لأنه يسد فراغا تشريعيا حقيقيا، بل لأنه يساهم في بناء تصور قانوني شامل لمسؤولية مستعملي هذه المركبات، سواء من حيث تسجيلها وترخيصها، أو من حيث تحديد المسؤولية في حال وقوع حوادث مرورية، أو حتى من حيث فرض احترام المواصفات التقنية والسلامة التي يجب أن تتوفر فيها، من أنظمة كبح فعالة، وأجهزة إنارة، ومحددات سرعة قصوى، وكلها شروط تقنية تخول للسلطة الحكومية المكلفة بالنقل صلاحية ضبطها وتحيينها، مما يضمن مرونة تشريعية لا تستدعي التعديل القانوني المتكرر، بل تخضع لتكييف إداري مرن ومتدرج. ولعل من أبرز المقتضيات ذات الدلالة التشريعية الدقيقة في هذا المشروع، إلزامية تجهيز المركبات بأنظمة السياقة الذكية، مثل أدوات تجنب الاصطدام، وأنظمة المراقبة الذكية للسرعة، وهي خطوة تشريعية تحمل بعدا استباقيا، لأنها تنقل عبء السلامة من مجرد سلوك السائق إلى منظومة تكنولوجية مرافقة له، تلزم المصنعين والمستوردين باحترام معايير جودة محددة، وترفع من مستوى أمان المركبة ذاتها، لا فقط سلوك مستعملها. وهو ما يؤسس لمسؤولية قانونية جديدة ترتبط بالمصنع والموزع، لا بالمستعمل فقط . أما من جهة المساطر، فقد جاء المشروع بمبادرة نوعية لتبسيط إجراءات تسجيل وترخيص المركبات الجديدة، بما يضمن الانسيابية والسرعة، مع الإبقاء على ضوابط السلامة ومقتضيات التتبع القانوني، وهي خطوة ضرورية لتقليص البيروقراطية في وجه مستعملي وسائل النقل الحديثة، وتحقيق نجاعة مؤسساتية في التعامل مع المستجدات . وفي البعد الدستوري، يستند مشروع المرسوم إلى مقتضيات الفصل 92 من الدستور المغربي، الذي يخول للحكومة اتخاذ المراسيم التنظيمية في إطار تنفيذ القوانين، وهو ما يضفي على المشروع مشروعية قانونية صلبة، ويعززه الطابع التكميلي الذي يحتفظ به تجاه القانون رقم 52.05، حيث لا يتجاوزه ولا يلغيه، بل يطعمه ببعد تقني وتنفيذي لم يكن متوفرا من قبل، ويعكس رغبة السلطة التنفيذية في استثمار صلاحياتها التشريعية الفرعية لمواجهة واقع جديد. ورغم ما يحمله هذا المشروع من إيجابيات تشريعية، فإنه لا يخلو من تحديات محتملة، أولها يرتبط بالفراغات التنظيمية التي قد تنشأ نتيجة تعميم مفاهيم واسعة ك ـ ـ 'المركبة الذكية' دون تدقيق كاف في مكوناتها وأنواعها، وثانيها تحدي التنسيق المؤسساتي، خاصة بين وزارة النقل والوكالة الوطنية للسلامة الطرقية، من أجل ضمان تطبيق موحد وفعال لا تهدر فيه الجهود نتيجة تداخل الصلاحيات أو غياب الرؤية المشتركة. إن هذا التحول التشريعي، في مجمله، لا يعد فقط تحديثا لنص قانوني تقني، بل هو إشارة قوية إلى انخراط الدولة المغربية في مسار التحديث المؤسساتي الشامل، من خلال بناء منظومة قانونية قادرة على التفاعل مع التكنولوجيا، لا مقاومتها، وعلى استباق التحولات، لا الاكتفاء برد الفعل. كما يشكل المشروع نقطة ارتكاز نحو تنظيم عقلاني لوسائل التنقل الجديدة التي باتت تقتحم المجال الحضري بقوة، دون أن تكون مؤطرة بإطار قانوني واضح المعالم. وبالتالي ؛ فإن نجاحه لا يتوقف على حسن صياغته، بل على جودة تنفيذه، ومواكبة أجهزته الرقابية، وحسن تواصل الإدارة مع المواطن لفهم الالتزامات الجديدة المترتبة عن استعمال هذه الوسائل . فإذا كان القانون يضع الإطار، فإن الواقع يفرض التفاصيل، وما بينهما تقع مسؤولية الدولة، في إيجاد توازن دائم بين حرية التنقل، ومتطلبات الأمن والسلامة العامة. (.) مستشار قانوني وباحث في العلوم القانونية


بالواضح
٣٠-٠٤-٢٠٢٥
- بالواضح
جولة أبريل 2025 من الحوار الاجتماعي محطة حاسمة في تعزيز المكاسب الاجتماعية وبناء رؤية مشتركة
بقلم: ياسين كحلي (.) في سياق المساعي الوطنية الرامية إلى ترسيخ دعائم الحوار الاجتماعي كآلية استراتيجية لتحقيق التوازن المجتمعي، وتجسيدا للتوجيهات الملكية السامية التي جعلت من الحوار الاجتماعي ركيزة أساسية في النموذج التنموي الجديد، تأتي جولة أبريل 2025 للحوار الاجتماعي المركزي لتمثل منعطفا تاريخيا في مسار الإصلاحات الاجتماعية ببلادنا. وقد ترأسها رئيس الحكومة بمشاركة النقابات الأكثر تمثيلية والاتحاد العام لمقاولات المغرب والكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية بهدف تقييم المنجزات المحققة في إطار الحوار الاجتماعي، ومتابعة تنفيذ الالتزامات المتبادلة بين الأطراف المعنية، ووضع خطط للمرحلة المقبلة، مع التركيز على استكمال تنفيذ الاتفاقين الاجتماعيين الموقعين في 30 أبريل 2022 و29 أبريل من السنة الماضية. حيث حققت هذه الجولة حصيلة متميزة بفضل التعاون البناء بين الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين، مما أسفر عن تحسينات ملموسة في الدخل والقدرة الشرائية للشغيلة، وتعزيز الحماية الاجتماعية. فعلى مستوى القطاع العام، تم في يوليوز 2024 صرف الدفعة الأولى من الزيادة العامة في الأجور بقيمة 1000 درهم شهريا صافية، موزعة على مرحلتين، استفاد منها جميع موظفي الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العامة. كما شملت الإجراءات قطاعات حيوية مثل التربية الوطنية بتكلفة تجاوزت 17 مليار درهم، والتعليم العالي بغلاف مالي قدره ملياران درهم، وقطاع الصحة بتكلفة بلغت 3.5 مليار درهم. ومن المتوقع أن يرتفع المتوسط الشهري الصافي للأجور في القطاع العام إلى 10,100 درهم بحلول 2026، مقارنة بـ8,237 درهم في 2021، بينما ارتفع الحد الأدنى للأجور من 3000 درهم إلى 4500 درهم، بزيادة نسبتها %50، بتكلفة إجمالية تقدر بِـ45.7 مليار درهم. أما في القطاع الخاص، فقد شهد الحد الأدنى القانوني للأجر في النشاطات غير الفلاحية (SMIG) زيادة بنسبة %15، ليرتفع من 2638.05 درهم إلى 3046.77 درهم شهريا، بزيادة قدرها 408.72 درهم. وفي النشاطات الفلاحية (SMAG)، ارتفع الحد الأدنى للأجر بنسبة %20، من 1859.79 درهم إلى 2255.27 درهم، بزيادة شهرية تقدر بـ395.48 درهم. كما تم تخفيض شرط الاستفادة من معاش الشيخوخة من 3240 يوم اشتراك إلى 1320 يوما، مع تطبيق الأثر الرجعي على المتقاعدين منذ يناير 2023، مما وسع نطاق الحماية الاجتماعية ليشمل فئات جديدة. وفي إطار تحسين النظام الضريبي، أدت مراجعة الضريبة على الدخل بدءا من يناير 2025 إلى توفير ست مليارات درهم، ساهمت في زيادة دخل الشغيلة بأكثر من 400 درهم شهريا. كما التزمت الحكومة بمواصلة تحسين الدخل في القطاع العام عبر صرف دفعة ثانية من الزيادة بقيمة 500 درهم في يوليوزمن هذه السنة، وفي القطاع الخاص عبر رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة %5 في يناير وأبريل 2026، والعمل على توحيده تدريجيا بحلول سنة 2028. إلى جانب ذلك، تم الاتفاق على مواصلة النقاش حول النظام الأساسي لموظفي الجماعات الترابية، الذي يهم أكثر من 84,000 موظفا، مع عقد اجتماع جديد في 13 ماي 2025. كما التزمت الحكومة بمراجعة الأنظمة الأساسية لهيئات مهنية مثل المهندسين والمتصرفين والتقنيين ومفتشي الشغل، وإحداث لجان مختصة لإصلاح تشريعات العمل وتعديل مدونة الشغل بما يتوافق مع تطلعات الشركاء. وفي مجال إصلاح أنظمة التقاعد، تم تشكيل لجنة وطنية لوضع تصور توافقي للإصلاح، بناء على المبادئ المتفق عليها في الاتفاق الاجتماعي لأبريل 2024. كما أكدت الحكومة على أهمية الحوار القطاعي المنتظم، وأعلنت عن إصدار منشور لتعميمه على القطاعات المعنية، مع متابعة نتائج هذه الحوارات من قبل رئيس الحكومة. بهذه الخطوات، يؤكد المغرب التزامه الراسخ بترسيخ الحوار الاجتماعي كأداة فعالة لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، مع التركيز على تحسين ظروف العيش والعمل لكافة فئات الشغيلة، وتعزيز الثقة بين الأطراف الاجتماعية والاقتصادية. (.) مستشار قانوني وباحث في العلوم القانونية


بالواضح
١٥-٠٤-٢٠٢٥
- بالواضح
إعادة هندسة تدبير منازعات الدولة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وترشيد النفقات
بقلم: ياسين كحلي (.) تنظم وزارة الاقتصاد والمالية، عبر الوكالة القضائية للمملكة، يومي 15 و16 أبريل 2025 بالرباط، المناظرة الوطنية الأولى حول تدبير منازعات الدولة تحت شعار: 'تدبير منازعات الدولة والوقاية منها: مدخل لصون المشروعية واستقرار الاستثمار وترشيد النفقات'. وتأتي هذه المبادرة في سياق تزايد التحديات القانونية والمؤسساتية المرتبطة بتصاعد حجم المنازعات التي تواجهها الإدارة العمومية، حيث تشير التقارير الرسمية، لاسيما الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات والوكالة القضائية، إلى أن التكاليف الناتجة عن هذه النزاعات تتجاوز 2 مليار درهم سنويا، فضلا عن تأثيرها السلبي على المناخ الاستثماري واستنزاف المال العام. كيف يمكن تجاوز المقاربة التقليدية في تدبير منازعات الدولة، التي تركز على المعالجة اللاحقة، نحو مقاربة استباقية تدمج بين التوقع، والتنسيق المؤسساتي، والترشيد المالي، بما يحقق التوازن بين متطلبات المشروعية وضرورات التنمية؟ يكتسي الموضوع راهنية خاصة بعد دستور 2011، الذي وسع من مسؤولية الدولة القانونية، وكرس مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ما يفرض إعادة النظر في آليات تدبير المنازعات من زاوية استباقية تقوم على الحكامة القانونية والنجاعة المؤسساتية. وقد تفاقمت الإشكالات المرتبطة بالمنازعات نتيجة القصور في التنسيق بين المتدخلين، وتعدد الجهات المعنية، وغياب رؤية استراتيجية موحدة. وتبرز الإحصائيات أن %60 من أسباب النزاعات تعود لمخاطر قانونية ومالية كان من الممكن التنبؤ بها وتفاديها، بينما تظهر تقديرات أخرى أن تحسين جودة الصياغة القانونية والرقابة الإدارية قد يجنب الإدارة ما يفوق %40 من المنازعات القضائية. وترتكز المقاربة الجديدة المقترحة على أربع ركائز أساسية: وتأتي المناظرة المرتقبة لتكون فضاء للحوار بين صناع القرار والخبراء الوطنيين والدوليين من أجل بلورة تصور استراتيجي موحد، يتوخى ترشيد النفقات العمومية، وضمان نجاعة تنفيذ الأحكام القضائية، والتي لا يزال تعثر تنفيذها يشكل عائقا أمام حوالي %40 من المشاريع الكبرى. وستتناول الجلسات العامة والورشات الموضوعاتية مختلف أبعاد الإشكالية، انطلاقا من الجوانب العملية المرتبطة بتدبير الملفات القضائية، وصولا إلى الإطار القانوني والتنظيمي الواجب مراجعته، مع التركيز على المؤشرات الكمية والنوعية لقياس فعالية التدخلات المؤسساتية. وبالتالي؛ فإن تحسين تدبير منازعات الدولة لم يعد مجرد إجراء إداري أو تقني فحسب، بل أضحى يمثل رافعة حقيقية لتحقيق الأمن القانوني، وضمان استدامة السياسات العمومية، وتعزيز ثقة الفاعلين الاقتصاديين. فتبني مقاربة شمولية تستند إلى الحكامة، والشفافية، والوقاية، يعد شرطا حاسما لا محيد عنه لضمان توازن حقيقي بين متطلبات المشروعية القانونية وضرورات التنمية الاقتصادية، وذلك في انسجام تام مع التوجيهات الملكية السامية، ومع مضامين الفصل السادس من الدستور الذي يجعل من حماية المال العام مسؤولية جماعية تبدأ من الإدارة وتنتهي عند أجهزة الرقابة والمساءلة. مستشار قانوني وباحث في العلوم القانونية (.)