
محيطات الأرض بالكامل كانت خضراء يوما ما
في دراسة نشرتها دورية "نيتشر إيكولوجي آند إيفولوشن"، قدّم باحثون يابانيون حُجة دامغة على أن محيطات الأرض التي تبدو اليوم زرقاء، كانت في الماضي السحيق ذات لون أخضر.
ويعتقد الباحثون أن ذلك حصل في العصر الأريكي، وهو من العصور الجيولوجية السحيقة، حيث امتد من 4031 إلى 2500 مليون سنة مضت، وهي فترة خلت فيها أجواء الأرض ومحيطاتها من غاز الأكسجين، وظهرت فيها أيضًا أولى الكائنات الحية التي تُولّد الطاقة من ضوء الشمس، والتي استخدمت عملية التمثيل الضوئي اللاهوائي، مما جعلها قادرة على القيام بذلك في غياب الأكسجين.
المحيطات الزرقاء
ويقول البروفيسور سيدريك جون، أستاذ ورئيس قسم علوم البيانات للبيئة والاستدامة، جامعة كوين ماري في لندن، في تصريحاته الخاصة للجزيرة نت: "يعود سبب ظهور المحيط باللون الأزرق، في الوقت الحالي، إلى تفاعل ضوء الشمس مع الماء..
ويضيف جون أنه "من المعروف أن ضوء الشمس يحتوي على جميع الألوان، وعند وصوله إلى المحيط يمتص الماء الألوان المختلفة بشكل مختلف، على سبيل المثال، يمتص الماء الألوان الأحمر والبرتقالي والأصفر بسرعة أكبر، وعند الغوص في المحيط يتغلغل الضوء الأزرق في أعماق المحيط ويتشتت، وبالتالي فإن تشتت الضوء الأزرق الذي يعود إلى أعيننا هو ما يجعله أزرق".
ويقول المؤلف الرئيسي للدراسة تارو ماتسيو، الباحث من جامعة ناغويا في اليابان في تصريح خاص للجزيرة نت "منذ ظهور البكتيريا الزرقاء، ازدادت أكسدة بيئة سطح الأرض تدريجيا، بما فيها المحيطات".
اخضرار المحيطات
وكشفت عمليات المحاكاة الحاسوبية التي قام بها الباحثون في جامعة ناغويا، أن الأكسجين المُنبعث من عملية التمثيل الضوئي المبكرة أدى إلى تركيز عالٍ من جزيئات الحديد المؤكسد بما يكفي لتحويل مياه السطح إلى اللون الأخضر.
وجاء اكتشاف اخضرار المحيطات في الماضي السحيق، من خلال ملاحظة المياه المحيطة بجزيرة إيو جيما البركانية اليابانية، والتي تتميز بصبغة خضراء مرتبطة بنوع من الحديد المؤكسد، كما تزدهر الطحالب الخضراء المزرقة في المياه الخضراء المحيطة بالجزيرة.
وذكرت الدراسة أنه وقبل ظهور عملية البناء الضوئي والأكسجين، احتوت محيطات الأرض على الحديد المُذاب المُختزل (الحديد المُترسب في غياب الأكسجين)، حيث أدى الأكسجين المُنطلق من ظهور عملية البناء الضوئي في العصر الأريكي إلى تأكسد الحديد في مياه البحر.
ويقول جون في تصريح خاص للجزيرة نت "إن السبب الرئيسي الذي أدى الى أن تأخذ مياه المحيطات اللون الأخضر، يعود إلى وجود أشكال مختلفة من الحديد المؤكسد، إذ إن وجود مواد كيميائية مختلفة، مثل الحديد، يُغير طيف امتصاص الماء".
ويقول ماتسيو "بعد ظهور البكتيريا الزرقاء، وهي من أقدم الكائنات الحية على كوكب الأرض، وتتميز بقدرتها على إجراء التمثيل الضوئي، كما تلعب دورًا رئيسيًا في إنتاج الأكسجين في الغلاف الجوي وتحسين جودة المياه، بدأت المياه الضحلة بالتأكسد خلال العصر الأريكي، محولةً الحديد المؤين إلى هيدروكسيد الحديد، الذي ترسّب بعد ذلك".
وعندما يبقى هيدروكسيد الحديد عالقًا في المياه السطحية، فإنه يمتص كلًّا من الأطوال الموجية الزرقاء والحمراء (بواسطة هيدروكسيد الحديد والماء، على التوالي)، بينما يُشتّت الضوء الأخضر بكفاءة، ونتيجة لذلك، بدت المحيطات خضراء خلال هذه الفترة الانتقالية بين حالتي الاختزال والتأكسد.
هل يمكن أن يتغير لون المحيطات مجددًا؟
ويقول جون "إذا تغيرت التركيبة الكيميائية للمحيط، فسيتغير لونه أيضًا، لكن من غير المرجح أن يحدث هذا قريبًا"
ويعلق ماتسيو "وفقًا لدراسة نُشرت في دورية " نيتشر" عام 2023، يمكن أن يتغير لون المحيطات تدريجيًا على مدار فترات زمنية جيولوجية، بالإضافة إلى ذلك، قد تتكرر تفاعلات الأكسدة والاختزال استجابة للتغيرات البيئية، حيث إنه معروف أن ظواهر محلية مثل "المد الأزرق" تُحفزها عمليات الأكسدة والاختزال هذه.
علاوة على ذلك، تشير دراسة أخرى نُشرت في " نيتشر جيوساينس" إلى أن حالة أكسدة سطح الأرض قد تنخفض خلال الـ5 مليارات سنة القادمة بسبب زيادة الإشعاع الشمسي، مما قد يُحفز تفاعلات أكسدة واختزال واسعة النطاق -وبالتالي، تغيرات في لون المحيط – مرة أخرى.
ويقول البروفيسور سيدريك جون "إذا تغيرت التركيبة الكيميائية للمحيط، فسيتغير لونه أيضًا، لكن من غير المرجح أن يحدث هذا قريبًا، فالتركيب الكيميائي للمحيطات مستقر نسبيًا، لذا يتطلب حدوث بعض التغييرات المهمة".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
لأول مرة.. علماء يحولون الرصاص إلى ذهب لحظيًا
لطالما حَلَم الناس قديمًا -وربما في أيامنا الحالية أيضًا- بتحويل المعادن إلى ذهب، وهو الحلم الذي سعى "الخيميائيون" القدامى إلى تحقيقه، لكن محاولاتهم لم تكلل بالنجاح مطلقا. وانتقالًا من القرن الثاني عشر إلى القرن الحالي، تحديدا 7 مايو/أيار 2025، تمكن مجموعة من الباحثين في مختبر فيزياء الجسيمات "سيرن" بسويسرا من إنتاج عدد ضئيل من جزيئات الذهب باستخدام الرصاص، باستخدام "مصادم الهدرونات الكبير"، الأكبر في العالم. وتعد هذه التجربة الأولى من نوعها التي ترصد إنتاج الذهب وتحلله معمليًا، بحسب الدراسة التي نشرت في دورية "فيزيكال ريفيو سي". هل نحن بصدد تحويل المعادن إلى ذهب؟ يُصَرِّح الدكتور مصطفى بهران -الأستاذ الزائر في قسم الفيزياء بجامعة كارلتون الكندية- للجزيرة نت: "الهدف الرئيس من هذا العمل دراسة أنماط انبعاث البروتونات في هذه التصادمات من أجل تعزيز فهم الفيزياء الأساسية، ما قد يساعد في تطوير النظريات المتعلقة بالتفاعلات النووية وإنتاج الجسيمات". ويضيف بهران "البحث تقني تمامًا ولا توجد له تطبيقات مباشرة خارج المعرفة الفيزيائية، ولا يرتبط البحث كذلك بهدف إنتاج الذهب". جدير بالذكر أن الرصاص يحتوي على 82 بروتونًا، بينما يضم الذهب 79 بروتونًا، ومن أجل أن يتحول الرصاص إلى ذهب، ينبغي أن يفقد الرصاص 3 بروتونات، الأمر الذي يحتاج إلى طاقة شديدة القوة، وهو الدور الذي مارسه "مصادم الهدرونات الكبير". تصادمات من نوع مُخْتَلِف تعتمد طريقة عمل مصادم الهدرونات الكبير على توجيه أشعة تحوي الهدرونات (جسيمات تحت ذرية غالبًا ما تتكون من البروتونات أو النيوترونات التي تمتلك قدرًا هائلًا من الطاقة) بسرعة مقاربة لسرعة الضوء، وهو سبب تسمية هذه الآلة باسم "مسارع الجزيئات". ويُطلِق الجهاز حزمتي أشعة من هذا النوع حيث يعمل الباحثون على توجيههما -أي حزمتي الأشعة- باستخدام المجالات المغناطيسية إلى أن يكونا في اتجاه معاكس، الأمر الذي يؤدي إلى تصادم الجزيئات. يوضح بهران أن التصادم الحادث في هذه الدراسة "تصادمات طرفية، بمعنى أن النوى (جمع نواة) لا تصطدم مباشرة ببعضها بعضًا، وبدلًا من ذلك تتفاعل من خلال القوى الكهرومغناطيسية دون أن تتلامس، إن صح التعبير". ومرور هذه الأيونات بعضها بالقرب من بعض يُطلق قدرًا من الطاقة في صورة فوتونات، وتسبب هذه الفوتونات عالية الطاقة فقدان نواة ذرات الرصاص -المستخدمة في التجربة- لثلاثة بروتونات، مما يعني التَحَوّل إلى ذرات من الذهب. ذهب غير مستقر ما بين العامين 2015 و2018 رصد الباحثون كمية ذرات الذهب المتكونة جراء هذه التصادمات الطرفية، فقدروها بنحو 86 مليار ذرة من الذهب، أو ما يساوي نحو 29 تريليون من الغرام الواحد (1/29 تريليون غرام). واتسمت هذه الذرات بانعدام استقرارها، فقد رصد الباحثون بقاء ذرات الذهب مدة ميكروثانية واحدة قُبيل اصطدامها بمكونات مصادم الهدرونات، أو تكسرها إلى جزيئات أخرى. تتميز هذه الدراسة بأنها الأولى التي استطاعت رصد إنتاج ذرات الذهب وتحليلها معمليًا، نظرًا لوجود جهاز مخصص للكشف عن هذه الذرات ضئيلة الكم، بحسب بوليانا دمتريفا عالمة الفيزياء النووية الروسية. فهم أكبر لكوننا الكبير ويرى بهران هذه التجربة تمثل خطوة جديدة نحو فهم عالمنا بصورة أفضل من خلال الكشف عن مزيد من خبايا علم الفيزياء. إعلان ويضيف "استنادًا إلى هذا البحث يمكن استكشاف عدة اتجاهات محتملة مستقبلًا، منها تحسين النماذج النظرية لفهم انبعاث البروتون في هذه التصادمات، سواء بالأعمال النظرية الأساسية أو المحاكاة". ويوضح بهران أنه "يُمكن أيضًا إجراء مزيد من التجارب التي تتضمن تصادمات مماثلة باستخدام طاقات مختلفة أو أنواع مختلفة من النوى، لمعرفة كيفية تَغَيُر أنماط انبعاث البروتون، وقد يسهم البحث في تطور فهمنا للفيزياء الفلكية". الاستكشافات العلمية الكبرى تبدأ بأحلام بدأت محاولات تحويل المعادن مثل الرصاص والنحاس قديمًا، مارسها من أُطْلِق عليهم آنذاك الخيميائيون، والخيمياء تمثل نوعًا من العلوم الأولية التي اعتمدت على المزج بين التجريب والفلسفة، وظهرت هذه الممارسات مبكرًا في مصر القديمة واليونان، ثم الدولة الإسلامية، إلى أن وصلت إلى أوروبا وذاع صيتها في القرن الثاني عشر. وحاول الخيميائيون تحويل المعادن إلى ذهب عبر مزج عدد من المواد وتسخينها فيما يُشبه العمليات الكيميائية المتعارف عليها، مما يجعل الخيمياء تمثل خطوة أولى نحو علم الكيمياء. وحلَم الخيميائيون -إلى جوار إنتاج الذهب- بالوصول إلى حجر المعرفة (حجر الفيلسوف) الذي اعتقدوا أنه سيساعدهم في الكشف عن سر الشباب والصحة الأبديَّتيْن، وهو بالطبع ما لم يتمكنوا من تحقيقه.


جريدة الوطن
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- جريدة الوطن
ســـحـــابـــــة نجــمـــيــــــة ضـــــخـــمـــة
اكتشف فريق دولي من العلماء، بقيادة جامعة روتجرز في ولاية نيوجيرسي الأميركية، سحابة هيدروجينية جزيئية يُحتمل أن تكون مُشكّلة للنجوم، وهي واحدة من أكبر الهياكل المنفردة في السماء، ومن بين أقربها إلى الشمس، والأرض بالتبعية، على الإطلاق. وتقول الدكتورة بليكسلي بوركهارت، الأستاذة المشاركة في قسم الفيزياء والفلك بجامعة روتجرز والتي ساهمت في إعداد الدراسة، في تصريحاتها للجزيرة نت: «يفتح هذا الاكتشاف آفاقا جديدة لدراسة الكون في نطاق السحب الجزيئية، ولمزيد من الاستكشافات التي كنا غافلين عنها، كما يفتح نافذة جديدة على كيفية تشكل النجوم والكواكب، وكيف تتكوّن مجرتنا». أطلق العلماء على سحابة الهيدروجين الجزيئية المكتشفة اسم «إيوس»، ويتعلق بإلهة في الأساطير اليونانية القديمة تُجسّد الفجر. ووفقا لبيان جامعة روتجرز، فقد تم الكشف عن تلك الكرة هلالية الشكل، التي ظلت غير مرئية للعلماء لفترة طويلة، من خلال البحث عن مُكوّنها الرئيسي وهو الهيدروجين الجزيئي. وتقول الدكتورة بليكسلي بوركهارت في تصريحات خاصة للجزيرة نت: «ظلت سحابة إيوس مختبئة لفترة طويلة لأنها لا تظهر بالطريقة المعتادة التي يكتشف بها علماء الفلك السحب في الفضاء، حيث إنه في معظم الأحيان، يبحث العلماء عن غاز يُسمى أول أكسيد الكربون لرصد السحب المُشكّلة للنجوم». وتضيف «لكن سحابة إيوس مختلفة، فهي تتكون في الغالب من جزيئات هيدروجين لا تلمع بالطريقة المعتادة، وتحتوي على نسبة ضئيلة جدا من أول أكسيد الكربون، وبالتالي فإن هذا جعلها شبه غير مرئية للتلسكوبات التقليدية».


الجزيرة
٠٤-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
زلزال إسطنبول الكبير هل بات حدوثه مسألة وقت؟
رغم مرور الزلزال الأخير بقوة 6.2 درجات على مقياس ريختر الذي شهدته مدينة إسطنبول التركية -دون خسائر تذكر- إلا أنه أثار مخاوف من أن يكون مقدمة للزلزال الأكبر الذي يتحدث عنه الخبراء منذ فترة ليست بالقصيرة. وتحدثت الكثير من الدراسات عن "الوحش الزلزالي" النائم تحت إسطنبول تلك المدينة التي تتقاطع تحتها خطوط الصدع النشطة، وبات السؤال الذي يشغل الخبراء والمواطنين على حد سواء: هل كان الزلزال الأخير مجرد إنذار من باطن الأرض للتذكير بأن الأسوأ لم يأت بعد؟ صدع شمال الأناضول لا تستبعد عالمة الزلازل جوديث هوبارد من أن يلعب الزلزال الأخير دورا مساعدا في التسريع من وتيره استيقاظ هذا الوحش الزلزالي النائم، عبر تأثيره على الشق الشرقي للصدع الذي وقع فيه الزلزال الأخير. وفي تصريح للجزيرة نت تقول هوبارد وهي أستاذ مساعد زائر بجامعة كورنيل الأميركية "الفترة التي تلي أي زلزال متوسط أو قوي تكون حساسة، حيث تزداد خلالها احتمالات وقوع زلازل أخرى قريبة، منها ما قد يكون أقوى". ولم يصل العلم بعد إلى التحديد الدقيق لموعد حدوث مثل الأحداث الزلزالية، إلا أن المؤكد -حسب هوبارد- أن الشق الشرقي لصدع شمال الأناضول الذي وقع فيه الزلزال الأخير لا يزال يخزن طاقة زلزالية، ولم يشهد هزات كبيرة منذ زمن طويل، مما يجعل احتمالية انفجاره قائمة. ويمتد صدع شمال الأناضول لمسافة تتراوح بين 1200 و1500 كيلومتر عبر شمال تركيا، من منطقة كارليوفا في الشرق حتى بحر إيجه في الغرب، ويقع الشق الشرقي لهذا الصدع -الذي أشارت له هوبارد- في منطقة بحر مرمرة (جنوب إسطنبول) والذي يُعتبر من أكثر المناطق عرضة للزلازل المدمرة. ولم يشهد هذا الشق زلزالا كبيرا منذ زلزال إزميت عام 1999، مما يجعله منطقة "فجوة زلزالية" تُخزن فيها الطاقة التكتونية، وقد تكون مصدرا لزلزال مدمر مستقبليا. وأشارت الكثير من الدراسات لهذا السيناريو الكارثي، واختلفت التقديرات في النسبة المئوية لوقوع هذا الحدث، لكها اتفقت جميعا على شيء واحد، وهو أن "الاحتمال مرتفع بالفعل". وتقول هوبارد "رغم أن الزلزال الأخير يزيد هذه النسبة قليلا، إلا أن الفوالق الزلزالية لا تعمل وفق جدول زمني دقيق، وبالتالي فإن قرب وقوع الزلزال الكبير يظل احتمالا واردا، لكن موعد حدوثه يظل غير مؤكد". وتضيف "بمعنى آخر، نحن نقترب تدريجيا من الزلزال المنتظر، لكننا لا نعلم متى سيحدث بالضبط". احتمالان للزلازل وبعد مرور نحو عام من زلزال أزميت، وضعت دراسة نشرتها دورية"نيتشر" احتمالا بنسبة 50% لوقوع زلزال بقوة 7 درجات أو أكثر في إسطنبول بحلول عام 2030، وارتفعت هذه النسبة إلى 90% بحلول عام 2070. ووفق هذه الدراسة التي حملت عنوان "المخاطر الزلزالية في منطقة بحر مرمرة في أعقاب زلزال إزميت في 17 أغسطس/آب 1999" فإن الزلزال المدمر بقوة 7.4 درجات الذي ضرب مدينة إزميت، الواقعة على بعد 100 كيلومتر شرق إسطنبول، على امتداد صدع شمال الأناضول، كان جزءا من سلسلة زلازل بدأت منذ عام 1939، حيث تحركت الزلازل تدريجيا من الشرق إلى الغرب على طول الصدع، مما أدى إلى تمزق أكثر من 900 كيلومتر من طوله البالغ 1600 كيلومتر. وتقول الدراسة "رغم أن زلزال إزميت كان مدمرا، فإنه لم يفرغ التوتر الزلزالي المتراكم في الجزء الغربي من الصدع، وتحديدا تحت بحر مرمرة (جنوب إسطنبول) وهذا الجزء، المسمى (الشق المارماري) لم يشهد زلزالا كبيرا منذ عام 1766، مما يعني أن التوتر الزلزالي فيه مستمر في التراكم منذ أكثر من 250 عاما". وتشير أيضا إلى أن زلزال إزميت 1999 زاد من التوتر على الشق المارماري، مما يزيد من احتمال نسبته 50% لوقوع زلزال بقوة 7.0 درجات أو أكثر في إسطنبول بحلول عام 2030، مع ارتفاع هذه النسبة لـ90% بحلول 2070. سلسلة زلازل متتابعة وتكشف دراسة ثانية لباحثين ألمان، أجريت بعد 10 سنوات من الدراسة الأولى ونشرتها دورية"نيتشر جيوساينس" إلى أن الزلزال الكبير المدمر الذي يتوقعه العلماء قد لا يأتي دفعة واحدة، ولكن ربما يكون على شكل سلسلة زلازل متتابعة، كل منها يحمل دمارا جزئيا. واستخدم الباحثون بالدراسة التي حملت عنوان "تقلب معدل الانزلاق والتشوه الموزع في نظام صدع بحر مرمرة" نماذج جيوميكانيكية ثلاثية الأبعاد لتحليل حركة الصدع الرئيسي في بحر مرمرة، وهو الجزء الذي يقع مباشرة جنوب إسطنبول، والمعروف بكونه مركز الزلزال القادم المحتمل. ووجدوا أن معدل الانزلاق الزلزالي (السرعة التي تتراكم بها التوترات الأرضية على الصدع) أقل بكثير مما كان يُعتقد سابقا، حيث يتراوح بين 12.8 و17.8 مليمترا في السنة، مقارنة بتقديرات سابقة وصلت إلى 27.9 مليمترا كل سنة. وتقول الدراسة إن "هذا الانخفاض يشير إلى وجود تشققات داخلية وتوزيع غير منتظم للتوتر، مما يزيد احتمال وقوع زلازل متفرقة بدلا من زلزال واحد كبير". تراكم التوتر الزلزالي وأجريت دراسة ثالثة عام 2014، باستخدام 3 أجهزة لرصد الزلازل في قاع البحر لمدة 3 أشهر، بهدف فهم النشاط الزلزالي تحت الجزء الغربي من بحر مرمرة، وتحديدا تحت الصدع الرئيسي المعروف باسم "الصدع المرماري". وخلال هذه الدراسة المنشورة بدورية "إيرث & بلانتس آند سبيس" والتي حملت عنوان "النشاط الزلزالي البحري في غرب بحر مرمرة، كشفته مراقبة قاع المحيط " تم رصد سلسلة من الزلازل الصغيرة على أعماق تتراوح بين 13 و20 كيلومترا، مع وصول بعضها إلى عمق 25 كيلومترا، مما يشير إلى أن النشاط الزلزالي يمتد إلى الطبقات السفلى من القشرة الأرضية. وأظهرت البيانات أن الصدع يمتد بشكل شبه عمودي نحو الأسفل، مما يزيد من تعقيد سلوكه الزلزالي، كما أوضحت أن هذه الزلازل الصغيرة تتكرر كل 2- 3 سنوات، مما يدل على أن الصدع يقوم بتفريغ جزء من التوتر المتراكم بشكل دوري. ورغم أن هذه الزلازل الصغيرة تساعد في تفريغ بعض التوتر، فإنها لا تمنع حدوث زلزال كبير. بل على العكس، فإن النشاط الزلزالي المتكرر قد يكون مؤشرا على تراكم التوتر الذي قد يؤدي في النهاية إلى زلزال مدمر. ويتم تفريغ التوتر -الذي يمكن أن يؤدي إلى زلزال كبير- عبر عدد كبير جدا من الزلازل الصغيرة. فعلى سبيل المثال، يتطلب تفريغ التوتر المكافئ لزلزال بقوة 6 درجات حوالي 32 زلزالا بقوة 5 درجات، أو ألف زلزال بقوة 4 درجات، أو 32 ألف زلزال بقوة 3 درجات. وبالتالي، فإن الرسالة التي أرادت تلك الدراسة توصيلها أن "النشاط الزلزالي المتكرر يمكن أن يكون مؤشرا على تراكم التوتر الزلزالي، مما يزيد من احتمال وقوع زلزال كبير في المستقبل. لذلك، من المهم مراقبة هذا النشاط وفهمه بشكل جيد لاتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من المخاطر الزلزالية". وتقول هوبارد "في المناطق التي تشكل تهديدا زلزاليا، يمكن للأفراد أن يعملوا بشكل فردي أو جماعي لتقليل تعرضهم للمخاطر، من خلال تنفيذ إجراءات لتحسين سلامة أماكن سكنهم وعملهم، كما يمكنهم المطالبة بتغييرات واسعة النطاق على المستوى الحكومي، مثل تحديث قوانين البناء وطرق الإخلاء، ورغم أن هذه التغييرات لا يمكن أن تحدث بين عشية وضحاها، وأن تكلفتها مرتفعة نظرا لأن المباني الحالية قد لا تلتزم بالمعايير الزلزالية الحديثة، فإن التحسينات التدريجية على المدى الطويل يمكن أن تحدث فرقا كبيرا". وتختم "نظرا لأننا لا نعرف متى سيحدث الزلزال الكبير المقبل بالقرب من إسطنبول (أو في أي مكان آخر) فإن الطريق الوحيد الممكن هو البدء في هذه الأعمال الآن، فأي تحسينات تدريجية يمكن أن تسهم في تحسين النتائج عندما يضرب الزلزال في النهاية، سواء كان ذلك العام المقبل أو بعد 50 عاما".