
لا حج إلا بتصريح
على المسلمِ أن لا يُصغِي إلى من يجرِّئه على الحج بلا تصريح، وأن يحذر من تحمُّل الإثمِ المترتّبِ على مخالفة الأنظمة التي قُرِّرت لرعاية المصالحِ العُليا، وأن يحذر من التّهاون بما أمر الله به من طاعة ولي الأمر، كما في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)..
التصور الصحيح للأمور فرعٌ عن معرفة أبعادها، وصعوباتها ونتائجها، وما سبق فيها من التجارب بجميع أشكالها، والحكم عليها يحتاج إلى هذا التصور بالإضافة إلى كون من يُصدره مؤهّلا شرعاً ونظاماً للحكم في ذلك الأمر، والمملكة العربية السعودية هي وحدها المنوط بها صلاحية الحكم فيما يتعلق بمتطلبات الحج، وما يضمن سلامة الحجاج وتنظيم الحج، ولا يوجد من يشاركها هذا الاختصاص، كما أنه لا يوجد عند غير المسؤولين فيها تصوُّرٌ كافٍ للأعباء التنظيمية التي يشكّلها تأمين الحجاج وتفويجهم، وضمان سلامتهم حتى يؤدوا مناسكهم، ومعلومٌ أن توافد الأعداد الكثيفة من الحجاج عبر المطارات العالمية من مستجدّات العصر؛ إذ لم يسبق أن أمكن السفر من مشارق الأرض ومغاربها بهذا الشكل، وما استجدّ هذا إلا في ظلِّ توحيد المملكة العربية السعوديّة، وقد واكبت ترتيباتها وتخطيطاتها هذه المسؤولية الكبيرةَ، فلم تزل تُطوِّر الأساليب وتسخّر الإمكانات والموارد الماديّة والبشريّة في سبيل تأمين الحجاج وتنظيم شعيرة الحج، ومن ذلك ربط الحج بالتصريح، بحيث يرتبط كل حاجٍّ بحملةٍ مسؤولةٍ عن سكنه وتنقله بتصريحٍ من الدولة؛ ليجري الحج على وتيرةٍ منظّمةٍ، ويضمن الحاجُّ أمانَ نفسه، وعدمَ تسبيبه لربكةٍ تؤدّي إلى تأذّيه وتأذي إخوانه من الحجاج، ولي مع ضرورة الحج بتصريحٍ وقفات:
الأولى: الله سبحانه وتعالى لمّا فرض علينا الحج قرنه بشرط الاستطاعة، فقال: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)، وهذا الشّرطُ معلومٌ من أدلةٍ شرعيّة أخرى تدلُّ -على وجه العموم- على ربط التكليف بالاستطاعة كقوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا)، لكن من لطف الله تعالى بعباده أن نصَّ عليها في آية الحج؛ لما يحتاج إليه الحج من جهودٍ متنوعةٍ تتعلق بالأبدان والأموال، ومفارقة الأهل والأوطان، والاحتشاد في أمكنةٍ معينةٍ، ومن أكبر ما يهمُّ الحجاجَ سابقاً السلامةُ من قطاع الطّرق المتعرضين للقوافل المسافرة من بلدٍ إلى آخر؛ لنهب المسافرين، أو جباية الضرائب الباهظة منهم، وهذه الإشكاليّة لم يعد يخاف منها حجاج الداخل ولا حجاج الخارج بحمد الله تعالى، فبفضل الله تعالى ثم بقيام دولتنا المباركة المملكة العربية السعودية كان خوف الحاج من عدوان اللصوص معدوماً، لكن الإنسانَ في هذه الحياة لا يخلو من حاجةٍ إلى التدابير الأمنيّة، وتبقى الإشكالية في احتشاد الأعداد الكبيرة جداً في رقعةٍ أرضيةٍ محدودةٍ في نفس التوقيت، وهذا ما لا يمكن تحصيل الأمن فيه مع الفوضى والعشوائية والإخلال بالتنظيم، وخطر الفوضى سيظل محتاجاً إلى المكافحة وصبِّ الجهود في تحييده، وخطورته أشدُّ من خطورة قطاع الطُّرق في الأزمنة القديمة؛ لأن اللصوص إنما يقعون على قافلةٍ معينةٍ فيسلبونها، والفوضى لو فُتح لها الباب لكانت خطراً داهماً على الحجاج في المناسك، بحيث يتسع الخرقُ، ويعمُّ الضرر، ومن هذا المنطلق كانت مكافحتها الشغل الشاغل للمسؤولين عن الحج في المملكة العربية السعودية، بارك الله في جهودهم، وجزاهم خير الجزاء.
الثانية: الحاجُّ يشدُّ رحالَه إلى الأراضي المقدَّسةِ ليتطهّر من ذنوبه، وكونه يخالف أنظمة الحج إثمٌ كبيرٌ، وظلم ٌعظيمٌ، وهو في هذا ظالمٌ لنفسِه التي غرّرَ بأمنها وسلامتها، وظالمٌ لكل حاجٍّ سيدخل المشاعرَ المقدسةَ؛ لأن أيَّ حاجٍّ من الحجاج يمكن أن يكون هو المتضرّر من سوء نتائج حضور المخالفين، وظالمٌ لهذه الشعيرة العظيمةِ المبنيةِ على السكينة والوقار والتّراحُم، فهو كما قيل: (جاء يكحّلها فأعماها)، وشرط الحجِّ المبرورِ المكفّرِ للذنوب نقاؤه من الفسوق، كما يدل عليه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»، متفق عليه، ولا شكّ أن التسبب في إرباك الحجِّ وتعريض الحجاج للخطر فسوقٌ، وإمعانٌ في الاستهتار بحقوق الله وحقوق عباده.
الثالثة: تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي في مثل هذه الأوقات أقوالٌ شاذةٌ تجرّئ الناسَ على محاولةِ الحجِّ بلا تصريحٍ، بحجة أنه لم يكن معهوداً، وهم يجهلون أو يتجاهلونَ أن الاستطاعة أمرٌ نسبيٌّ يخضع لمتغيرات الأزمان والأحوال، ومتطلّباتِ الاحتياجات الأمنية والمعيشيةِ، وقد ذكر العلماء أنها القدرة علي الوصول مع الأمن على النَّفس والمال، ولا يمكن أن تتشابه إجراءاتُ الأمن وقواعد السلامة والأمور التنظيمية في عصرنا مع نظائرها في العصور السالفة، فعلى المسلمِ أن لا يُصغِي إلى من يجرِّئه على الحج بلا تصريح، وأن يحذر من تحمُّل الإثمِ المترتّبِ على مخالفة الأنظمة التي قُرِّرت لرعاية المصالحِ العُليا، وأن يحذر من التّهاون بما أمر الله به من طاعة ولي الأمر، كما في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، وأن يُدركَ أن هذا التنظيمَ وأمثالَه إنما اتّخذ على ضوء دراساتٍ شرعيةٍ وأمنيّةٍ أدت إلى إقراره؛ تأميناً للحجاج وإعانةً لهم على أداء مناسكهم في طمأنينةٍ وسكينةٍ.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مباشر
منذ 17 دقائق
- مباشر
مدبولي يستقبل رئيس مجلس الشورى السعودي ويؤكد أهمية تفعيل المجلس التنسيقي المشترك
القاهرة - مباشر: استقبل الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، مساء اليوم الثلاثاء، بمقر الحكومة بالعاصمة الإدارية الجديدة، الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد آل الشيخ، رئيس مجلس الشورى بالمملكة العربية السعودية؛ لبحث عدد من القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك. وجاء ذلك بحضور المستشار محمود فوزي، وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، والسفير صالح بن عيد الحصيني، سفير خادم الحرمين الشريفين لدى مصر، وعددٍ من أعضاء مجلس الشورى بالمملكة العربية السعودية، وفقا لبيان صحفي. وفي مُستهل اللقاء أعرب رئيس الوزراء عن سعادته باستقبال رئيس مجلس الشورى السعودي والوفد المرافق له، مثمنًا العلاقات التاريخية الوثيقة على مستوى الشعبين والقيادة السياسية في البلدين. كما أشاد الدكتور مصطفى مدبولي بالجهود المبذولة والحرص على تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وذلك من خلال توقيع اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات بين البلدين، بالإضافة إلى تشكيل المجلس الأعلى التنسيقي المشترك، معربًا عن تطلعه لعقد اجتماعات المجلس خلال الفترة المقبلة. وأشار رئيس الوزراء، إلى استقبال وفد رجال الأعمال السعودي مؤخرًا، مؤكدًا على الترحيب بالتعاون الثنائي والاستثمارات السعودية في مصر. وأعرب رئيس الوزراء عن تقديره لدور المملكة العربية السعودية على المستوى الإقليمي والداعم للقضايا العربية. كما أعرب الدكتور مصطفى مدبولي، عن تطلعه لنجاح زيارة رئيس مجلس الشورى السعودي إلى مصر وأن تسهم في دعم العلاقات الثنائية بين البلدين. وخلال اللقاء، أشاد رئيس مجلس الشورى السعودي، بالجهود التي تقوم بها الحكومة المصرية لتحقيق التنمية الشاملة ودعم العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، مؤكدًا عمق العلاقات بين الجانبين، واهتمام مجلس الشورى السعودي بدعم العلاقات الثنائية. كما أشار الدكتور عبدالله بن محمد ال الشيخ إلى الجهود التي يبذلها الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، لتحقيق نهضة شاملة في المملكة ودعم العلاقات مع الدول العربية، ومن بينها مصر. وطلب رئيس الوزراء نقل تحياته لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، مشيدًا بما تشهده المملكة من تطوير ونهضة شاملة في مختلف المجالات، معربًا عن خالص تمنياته بكل التوفيق والرقي والنهضة للمملكة العربية السعودية الشقيقة. وفي نهاية اللقاء، أكد الدكتور مصطفى مدبولي أن الحكومة المصرية تتطلع لتفعيل المجلس الأعلى التنسيقي المشترك خلال الفترة المقبلة بما يدعم العلاقات الثنائية في كافة المجالات.


عكاظ
منذ 27 دقائق
- عكاظ
آل الشيخ يلتقي رئيس مجلس الوزراء المصري
تابعوا عكاظ على التقى رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، في القاهرة اليوم، دولة رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، وذلك في إطار زيارته الرسمية على رأس وفد من المجلس إلى جمهورية مصر العربية؛ تلبيةً لدعوة رسمية تلقاها من رئيس مجلس النواب المستشار الدكتور حنفي جبالي. ورحب رئيس مجلس الوزراء المصري في بداية اللقاء برئيس مجلس الشورى، مشيداً بالعلاقات المتينة التي تجمع البلدين والشعبين الشقيقين، مثمناً جهود المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في دعم القضايا العربية، مشيداً بما تشهده المملكة من نمو وازدهار متسع في المجالات كافة. من جهته قدم رئيس مجلس الشورى شكره وتقديره لرئيس مجلس الوزراء على حفاوة الاستقبال، مؤكداً عمق العلاقات المتينة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، مستعرضاً ما تشهده المملكة من تقدم ونمو بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وما أنجزته رؤية المملكة 2030 من تقدم في المجالات كافة. واستُعرضت خلال اللقاء العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، وآفاق التعاون المشترك وسبل تعزيزها وتطويرها بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين، إضافة إلى بحث عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك. أخبار ذات صلة حضر اللقاء الوفد الرسمي المرافق لرئيس مجلس الشورى أعضاء المجلس سعد بن صليب العتيبي، وعجلان بن عبدالعزيز العجلان، وعبدالله بن أحمد آل طاوي، والدكتورة آمال بنت يحيى الشيخ، والدكتورة غادة بنت طلعت الهذلي، وسفير خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية مصر العربية صالح بن عيد الحصيني. وحضره من الجانب المصري عدد من كبار المسؤولين في مجلس الوزراء المصري.


عكاظ
منذ ساعة واحدة
- عكاظ
بتوجيه خالد الفيصل.. نائب أمير مكة يتفقد المشاعر المقدسة للتأكد من جاهزيتها لموسم الحج
بتوجيه من مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد بن فيصل بن عبدالعزيز، تفقد نائب أمير المنطقة الأمير سعود بن مشعل بن عبدالعزيز، اليوم، يرافقه عددٌ من مسؤولي الجهات ذات العلاقة المشاعر المقدسة للوقوف على جاهزيتها لموسم حج 1446هـ. واستهل جولته بزيارة نقطة الفرز بمركز الشميسي, واستمع إلى شرح عن دور القوات الخاصة لأمن الطرق في المركز والإجراءات الأمنية المطبقة لتسهيل دخول الحجاج لمكة المكرمة وآلية ضبط المخالفين ومنعهم من الدخول ويضم (16) مسارًا مزودة بأحدث التقنيات الذكية، وتحتوي على مكاتب إدارية لأمن الطرق، ومبنى مخصص لـ(10) جهات حكومية، ومساكن للعاملين، وتسهم النقطة في تسهيل حركة المركبات، والتيسير على القادمين إلى مكة المكرمة خلال المواسم. وزار مركز العمليات الأمنية الموحد (911) بالعاصمة المقدسة، واستمع إلى شرح من قائد المركز الوطني للعمليات الأمنية العقيد عمر بن عيضة الطلحي، حول مهمات المركز ودوره في تقديم الخدمات الأمنية والإنسانية للمواطنين والمقيمين والزوار. واطّلع على سير العمل في المركز الذي يضم 47 غرفة عمليات، وآلية استقبال البلاغات وتصنيفها وتحويلها للجهات المختصة في وقت قياسي، باستخدام أحدث الوسائل التقنية، ضمن منصة موحدة تعزز سرعة الاستجابة وكفاءة التنسيق بين الجهات، بما يضمن أمن وسلامة ضيوف الرحمن. وتابع آلية استقبال المكالمات الواردة من الحجاج بعدة لغات على مدى الساعة، واطلع على غرفة المتابعة الأمنية التي تبث مباشرة من محافظات المنطقة والمشاعر المقدسة، إلى جانب تفقده قاعة إدارة الأزمات والكوارث ودورها في التعامل مع الحالات الطارئة خلال موسم الحج. وفي مشعر عرفات، اطلع نائب أمير منطقة مكة المكرمة على عدد من المشاريع التي تنفذها شركة «كدانة» استعدادًا لموسم الحج، شملت مشروع تخفيف أثر الإجهاد الحراري في محيط مسجد نمرة، على مساحة تُقدّر بـ(85) ألف متر مربع، ويهدف إلى توفير بيئة أكثر راحة وأمانًا للحجاج يوم عرفة، من خلال زراعة أكثر من (2,000) شجرة، وإنشاء (320) مظلة، وتركيب (350) مروحة رذاذ، مع تجهيز بنية تحتية كاملة لشبكات المياه والكهرباء. أخبار ذات صلة ووقف على مشروع تظليل المسارات في مشعر عرفات، المنفذ على مساحة 60 ألف متر مربع، ويهدف إلى تلطيف الأجواء وتوفير سُبل الراحة للحجاج. وفي مشعر مزدلفة، تفقد نائب أمير المنطقة، مشروع مسار المشاعر للمشاة الذي يمتد على مساحة (170) ألف متر مربع، بأرضيات مطاطية وزراعة (20) ألف شجرة، ويسهم في تعزيز جودة الخدمات ورفع مستوى السلامة لراحة الحجاج. واطلع على مشروع مراكز الانطلاق للمساعدات الأولية، الذي يضم 71 موقعًا موزعًا على مسارات المشاة في منى ومزدلفة وعرفات، لتقديم الإسعافات الأولية والدعم اللوجستي العاجل للحجاج. واختتم سموه جولته التفقدية بالوقوف على مشروع إنشاء مستشفى الطوارئ في مشعر منى، الذي يقام على مساحة (5,300) متر مربع، ويضم أكثر من (180) سريرًا، ما يعزز الطاقة الاستيعابية للرعاية الصحية الطارئة في المشاعر المقدسة خلال موسم الحج.