logo
الاقتصاد الأسود يمول الجماعات المسلحة بشرق أفريقيا

الاقتصاد الأسود يمول الجماعات المسلحة بشرق أفريقيا

الجزيرةمنذ يوم واحد
يمثل الاقتصاد غير المنظم أو ما يطلق عليه "الاقتصاد الأسود" في شرق أفريقيا ظاهرة معقدة ومتعددة الأوجه، ويلعب دورا مؤثرا وحيويا في ديناميكيات الصراعات المسلحة بالمنطقة، إذ يوفر موارد مالية وهياكل اقتصادية تمول الجماعات المسلحة والإرهابية الناشطة، مما يساهم في إضعاف سلطة الدولة، ويديم عدم الاستقرار مع كل ما يرتبط به من تداعيات.
ويعرّف رئيس المنتدى الاستشاري للحكومة الفدرالية للاقتصاد الموازي مايكل شابير الاقتصاد الأسود بأنه مجموعة من أنشطة كسب المال غير المشروعة التي تحدث بشكل أساسي "خارج السجلات"، بعيدا عن أنظار ووعي المنظمين وصانعي السياسات والمسؤولين وجباة الضرائب والإحصائيين.
ورغم غياب أرقام دقيقة للحجم الكلي لهذا الاقتصاد في شرق أفريقيا فإن التقديرات تشير إليه باعتباره جزءا من التدفقات المالية غير المشروعة الكبيرة التي تسري في عروق الهياكل الاقتصادية الخفية، في حين يتجه قسم منها مغادرا إلى خارج القارة.
مصادر تمويل للجماعات الإرهابية والإجرامية
بالنظر إلى الاستغلال غير المشروع للموارد في أفريقيا كأحد الأنشطة المتفرعة عن هذا الاقتصاد فقد كررت تقارير رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي بشأن مكافحة الإرهاب التأكيد على دور هذا النشاط كمصدر تمويل رئيسي للجماعات الإرهابية في أفريقيا.
وأشار تقرير قُدّم إلى الدورة 1040 لمجلس السلم والأمن الأفريقيين إلى أن الجماعات المسلحة في أفريقيا تموّل عملياتها من خلال الاستغلال غير المشروع للموارد، والابتزاز، والصيد الجائر، من بين أساليب أخرى.
وعلى مستوى دولي فقد اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارات عدة، منها 2195 و2462 و2482، والتي أقرت بأن الاستغلال غير المشروع للموارد الطبيعية مصدر تمويل للجماعات المسلحة والإرهابية وكذلك للشبكات الإجرامية.
ويذهب تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن قيمة الاستخراج والتهريب غير القانونيين لبعض الموارد في شرق الكونغو الديمقراطية تتراوح بين 0.7 و1.3 مليار دولار سنويا، حيث يقدر الخبراء أن ما بين 10% و30% من هذه التجارة غير المشروعة تذهب إلى شبكات الجريمة المنظمة العابرة للحدود المتمركزة شرق الكونغو الديمقراطية.
في المقابل، تمكن الأرباح التي تجنيها الجماعات المسلحة المتمركزة في الكونغو الديمقراطية من هذه الأنشطة من تأمين تكلفة المعيشة الأساسية لما لا يقل عن 8 آلاف مقاتل مسلح سنويا وتمويل ما لا يقل عن 25 جماعة مسلحة، حيث تستطيع الجماعات المهزومة أو المجردة من السلاح الاستفادة من هذه المداخيل لإعادة بناء نفسها والظهور باستمرار وزعزعة استقرار المنطقة.
الفحم شريان حياة "الشباب"
ويصف تقرير منشور عام 2018 على "فير بلانيت" -وهي منظمة غير ربحية تعنى بحقوق الإنسان والعدالة البيئية- الفحم بأنه "شريان الحياة لحركة الشباب" الصومالية التي أنشأت نظاما ضريبيا صارما على كل مراحل الدورة الاقتصادية للفحم، بما يتضمن ضرائب إنتاج على منتجي الفحم ورسوم نقاط تفتيش على الناقلين ورسوم موانئ وضرائب تصدير.
وتشير أرقام نشرتها منظمة "غريدا" -وهي منظمة بيئية- إلى أنه في أوائل العقد الأول من القرن الـ21 حققت الحركة ما بين 8 ملايين و18 مليون دولار سنويا من ضرائبها على حركة الفحم عند حاجز واحد فقط.
وفي تقدير نشرته "غريدا" عام 2013 تخمن أن إجمالي حجم صادرات الفحم غير المشروعة من الصومال تراوح بين 360 و384 مليون دولار سنويا.
وتقدر تقارير أممية القيمة الإجمالية لهذه التجارة عام 2018 بما بين 120 مليونا و150 مليون دولار سنويا، ويبلغ العائد السنوي للشباب منها نحو 7.5 ملايين إلى 10 ملايين دولار.
ولا يقتصر هذا الاستغلال غير المشروع على المعادن والفحم فقط، حيث تُستغل الأخشاب وموارد الغابات والفوسفات والغاز الطبيعي وصيد الأسماك أيضا بشكل غير قانوني في مناطق أفريقية مختلفة -بما في ذلك القرن الأفريقي – لتمويل الجماعات المسلحة.
الاتجار بمنتجات الحياة البرية وتهريب البشر
كما يشكل الاتجار غير المشروع بمنتجات الحياة البرية -بما في ذلك العاج- مصدر دخل مهما آخر للجماعات المسلحة، وتذهب تقديرات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (يو إن أو دي سي) إلى أن هذه التجارة وحدها تدر نحو 400 مليون دولار سنويا في جميع أنحاء أفريقيا.
ويربط تقرير صادر عن "منظمة تعاون رؤساء الشرطة في شرق أفريقيا" بين الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين والمجموعات الإرهابية في شرق أفريقيا، إذ تفرض هذه المجموعات رسوما على المتاجرين والمهربين مقابل المرور الآمن في الأراضي الواقعة تحت سيطرتها.
كما يتطرق التقرير إلى جوانب أخرى تستفيد بها المجموعات المسلحة من هذه الأنشطة غير الشرعية، إذ يخدم الاتجار بالبشر أغراضا إستراتيجية، كزيادة عدد الأعضاء من خلال التجنيد القسري ومكافأة المقاتلين بالوصول إلى الضحايا، إلى جانب استغلالها شبكات التهريب لتسهيل حركة المقاتلين وتزوير الوثائق، مما يسهل لها سبل القيام بأنشطة غير قانونية مختلفة.
ورغم عدم توفر أرقام دقيقة للمكاسب المتأتية من هذه الأنشطة فإن النظر في المداخيل المقدرة في مناطق أخرى يصلح للإضاءة على مقدار الاستفادة منها، حيث قدرت أرباح عصابات التهريب في ليبيا وحدها عام 2015 بما بين 255 مليونا و300 مليون دولار، في حين تشير التقارير إلى أن الأرباح السنوية لعصابات التهريب في اليمن وحده تقدّر بملايين الدولارات.
تهريب المخدرات
يدرج تقرير صادر عن الشرطة الدولية "الإنتربول" الاتجار بالمخدرات كمصدر للإيرادات للجماعات المسلحة في شرق أفريقيا، مشيرا إلى أن تنزانيا تشكل جزءا من طريق رئيسي لإعادة شحن الهيروين الداخل إلى المنطقة، وأن كينيا لا تزال نقطة عبور للهيروين من أفغانستان إلى أوروبا كوجهة نهائية، وذلك بشكل رئيس عبر ميناء مومباسا.
وتربح المجموعات المسلحة في شرق أفريقيا من هذه التجارة الرائجة مستغلة هشاشة الحدود وصعوبة سيطرة القوى الأمنية عليها للتحكم في طرق التهريب وحراسة الشحنات مقابل رسوم أو نسبة من الأرباح.
ويشير تقرير للخارجية الأميركية إلى مشاركة حركة الشباب في تجارة الهيروين عبر إعادة بيعه إلى الجماعات الإجرامية، كما شارك بعض أعضاء الجماعات المسلحة من دارفور في تهريب المخدرات إلى ليبيا من خلال توفير ممر آمن لقوافل المخدرات.
ورغم أن المصادر تفتقر إلى أرقام دقيقة عن أرباح هذه التجارة غير الشرعية نتيجة للسرية التي تغلفها فإن تقريرا شاركت "الإنتربول" في إعداده يقيم التمويل السنوي لـ7 من المجموعات المسلحة والمتطرفة في أفريقيا -من بينها الشباب وبوكو حرام- بما يقارب مليارا إلى 1.39 مليار دولار سنويا من كل المصادر، معتبرا أن أهمها "تهريب وضرائب المخدرات".
تهريب المواد التموينية والوقود
تعد شبكات تهريب الوقود والمواد التموينية والسلع الاستهلاكية العابرة للحدود من مصادر الدخل الرئيسية للجماعات المسلحة في شرق أفريقيا، حيث تستفيد هذه الجماعات من هشاشة الحدود والطلب المتزايد على السلع المدعومة في بلدان تفتقر إلى مثل هذه الأشكال من الدعم، أو من تهريبها إلى مناطق النزاع حيث تتصاعد أسعارها بفعل الندرة.
وتفرض الجماعات المسلحة أشكالا متعددة من الرسوم على الشاحنات والبضائع العابرة للمناطق التي تسيطر عليها مقابل السماح بمرورها أو توفير الحماية، وعلى سبيل المثال تحقق نقاط التفتيش التي تنشئها حركة الشباب في الصومال عشرات ملايين الدولارات سنويا من الضرائب المفروضة على نقل الوقود والسكر والمواد الغذائية، وغيرها.
ويلاحظ مقال منشور على موقع "المبادرة الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للدول" استمرار تدفق الشاحنات من الوقود من أوغندا إلى معابر غير رسمية تديرها الجماعات المسلحة في شرق الكونغو الديمقراطية حتى بعد قرارات المنع الرسمية.
بالمقابل، تعيد الجماعات المذكورة ونظيرات لها في جنوب السودان بيع شحنات الوقود المهربة بأسعار أعلى في الأسواق الداخلية أو تشرف على عمليات التوزيع داخل مناطق سيطرتها، مما يرفع من أرباحها.
وتوضح تقارير الأمم المتحدة خلال عام 2011 تحقيق حركة الشباب ما بين 400 ألف و800 ألف دولار سنويا من الضرائب على شحنات السكر المتجهة إلى كينيا فقط، وأوصلت التقديرات في تقارير لاحقة هذه الأرقام إلى ما بين 12 مليونا و18 مليون دولار سنويا.
وتقدّر بعض التقارير خسائر الحكومات في شرق أفريقيا من الضرائب المفقودة من كل عمليات التهريب غير المشروعة بما يشمل الوقود وغيره بنحو 1.6 مليار دولار سنويا، ويعد جزء كبير منها أرباحا مباشرة للجماعات المسلحة وشبكات الجريمة المنظمة.
تداعيات على الدولة والمجتمع
تمثل مصادر الدخل التي يوفرها الاقتصاد الأسود سببا رئيسيا في ازدهار الجماعات المسلحة بشرق أفريقيا التي تعد بدورها عاملا مهما في الهشاشة التي تعانيها دول المنطقة، في رجع صدى لعنوان تقرير صادر عن المعهد الدولي للسلام في نيويورك أطلق عليه "شرقي أفريقيا.. الأمن وإرث الهشاشة".
قدرة هذه الجماعات على الاستمرار والتكيف تكرس وجودها كأنظمة حكم بديلة في مناطق سيطرتها عبر أدوات "حوكمة قسرية" خاصة بها تتضمن الضرائب والسيطرة على طرق التجارة، مما يضعف العلاقة بين المجتمعات المحلية والدولة في تلك المناطق ويزيد نزيف شرعية الأخيرة ويرسخ لغيابها والاعتراف المحلي بسلطة الأمر الواقع.
وتربط التقارير الحقوقية الأنشطة الإجرامية في الاقتصاد الأسود بانتهاكات جسيمة ومستمرة لحقوق الإنسان.
وفي هذا السياق، تستخدم التجارة غير المشروعة بالمعادن في شرق الكونغو الديمقراطية لتمويل الجماعات المسلحة التي تمارس وبشكل منهجي جرائم، كاغتصاب النساء والأطفال والتعذيب وعمالة الأطفال في المناجم، كما يُستخدم الاتجار بالبشر لنشر الرعب، حيث يُجبر الضحايا على ارتكاب أعمال إرهابية أو القتال.
وتعد تجارة السلاح جزءا خطيرا من "النشاطات التجارية" غير المشروعة للجماعات المسلحة في المنطقة، حيث توفر القنوات لانتشار واسع النطاق للأسلحة النارية، مما يغذي الصراعات الموجودة ويزيد درجات خطورتها، كما أنه يؤدي إلى زيادة أرباح جماعات الجريمة المنظمة، مما ينعكس سلبا على أمن مجتمعات المنطقة واستقرارها.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الحسن الثاني وبن بلّة والغنوشي وآخرون.. حوارات صحفية بنكهة تاريخية
الحسن الثاني وبن بلّة والغنوشي وآخرون.. حوارات صحفية بنكهة تاريخية

الجزيرة

timeمنذ 4 ساعات

  • الجزيرة

الحسن الثاني وبن بلّة والغنوشي وآخرون.. حوارات صحفية بنكهة تاريخية

صدر في المغرب مؤخرا باللغة الفرنسية كتاب يحمل توقيع الإعلامي المخضرم حميد برادة (مواليد عام 1939) ويضم في نحو 700 صفحة مختارات من سلسلة حوارات أجراها بين عامي 1977 و2012 مع شخصيات سياسية وثقافية بارزة من بلدان المغرب العربي وأفريقيا ومناطق أخرى. وكانت هذه الحوارات قد نشرت في مجلة "جون أفريك" التي تصدر في فرنسا وتعنى بشؤون القارة الأفريقية ومن المستجوبين فيها الرئيس السنغالي الراحل ليوبول سيدار سينغور (1977) والرئيس الجزائري الراحل أحمد بن بلّة (1990) والملك المغربي الراحل الحسن الثاني (1985) والمعارض التونسي البارز راشد الغنوشي (1990) وسيدة تونس الأولى الراحلة وسيلة بورقيبة (1982). كما يتضمن الكتاب حوارات مع أعلام فكر وأدب وتاريخ من المنطقة المغاربية، بينهم المؤرخ الجزائري محمد حربي (1977)، والمؤرخ المغربي عبد الله العروي (1980)، والكاتب الجزائري جمال الدين بن الشيخ (1990)، والكاتبة الجزائرية آسيا جبار (2008) وهي أول وجه أدبي عربي يتم انتخابه لعضوية الأكاديمية الفرنسية. ومن الشخصيات الدولية التي حاورها حميد برادة وزيرا خارجية فرنسا السابقان ميشال جوبير (1979) وهوبير فيدرين (1995)، ورئيس الوزراء الفرنسي السابق بيير ميسمر (1993). وتكمن أهمية تلك الحوارات في مكانة الشخصيات المستجوبة في المجالات السياسية والأكاديمية والأدبية والإعلامية وفي قيمة المنبر الذي نشرت فيه آنذاك، وهو مجلة "جون أفريك" التي تأسست عام 1961 على يد الإعلامي التونسي البشير بن يحمد (1928-2021) وأصبحت على مر العقود منبرا مرجعيا في صناعة الرأي العام في القارة الأفريقية وذا تأثير كبير، خاصة في صفوف النخب الحاكمة ودوائر اتخاذ القرار. حوار مع الملك وأجريت معظم تلك الحوارات في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي عندما كانت الصحافة المكتوبة لا تزال لم تفقد بعد إشعاعها وبريقها أمام البث التلفزيوني الذي تعاظم لاحقا مستفيدا من فورة الإرسال عبر الأقمار الاصطناعية قبل الثورة التكنولوجية التي نعيشها حاليا. كما تنبع قيمة تلك الحوارات من مكانة الصحفي حميد برادة الذي كان معارضا بارزا في بداية الستينيات في إطار الحركة الطلابية، وبسبب المضايقات الأمنية فر إلى الجزائر وحُكم عليه غيابيا بالإعدام، إلى جانب المهدي بن بركة، عام 1963 بتهمة "الخيانة العظمى"، فاختار المنفى بفرنسا عام 1965، وهناك أكمل دراساته العليا وامتهن الصحافة وأصبح رئيسا لتحرير المجلة بين عامي 1974 و1985. وبعد نحو 20 عاما على حكم الإعدام الصادر في حقه، سيكون حميد برادة في حضرة الحسن الثاني في صيف عام 1985 بصفته أول وآخر صحفي مغربي يجري حوارا مع الملك الراحل وكان موضوعه الرئيسي هو ملف الصحراء بعد مرور 10 سنوات على "المسيرة الخضراء". وفي تلك المقابلة، أدلى الملك الحسن الثاني بتصريح شكّل لحظتها سبقا صحفيا كبيرا، إذ اعترف لأول مرة بأنه لو فشلت "المسيرة الخضراء" التي أطلقها سنة 1975 لاسترجاع إقليم الصحراء من الاستعمار الإسباني، لكان قرر مغادرة المغرب وتسليم السلطة لمجلس الوصاية إلى حين بلوغ ولي العهد سن الرشد، حسب كتاب حميد برادة. ولم يكتف حميد برادة بتلك المقابلة "الحقيقية"، بل عاد عام 2009، أي بعد 10 سنوات على رحيل الحسن الثاني، إلى إجراء حوار "خيالي" مع العاهل الراحل حيث لعب دور "المحاوِر" و"المحاوَر" وأطلق العنان لخياله لطرح ما شاء من أسئلة ولاستنباط ما قد يجول بذهن الملك الراحل لو كان يتابع ما يجري في المغرب بعد رحيله. وتكتسي جل المقابلات المنشورة في هذا الكتاب قيمة تاريخية بالنظر إلى سياقها السياسي في كل بلد، وعلى سبيل المثال فإن الحوار مع أحمد بن بلّة عام 1990 تم في وقت كان فيه الضيف بصدد العودة إلى الجزائر بعد نحو 10 سنوات في المنفى وبعد أن أمضى قبل ذلك 15 عاما في السجن ببلاده بعد الإطاحة به في انقلاب عسكري عام 1965. وفي السنة نفسها (1990) أجرى حميد برادة مقابلتين مطولتين مع المعارض الإسلامي التونسي راشد الغنوشي، واختار لإحداهما عنوانا تنبؤيا هو "ماذا لو كنت في السلطة؟" وفيها عبّر الغنوشي عن مواقف جريئة وصريحة في كثير من القضايا السياسية والأخلاقية والشرعية الحساسة، وكان لتلك المقابلة صدى واسع، خاصة في أوساط الحركة الإسلامية في المنطقة. وقبل ذلك بسنوات كان للصحفي المغربي موعد في تونس مع سيدة البلاد الأولى وسيلة بورقيبة، وذلك في مقابلة هي الأولى من نوعها في المنطقة العربية لزوجة رئيس دولة لا يزال في منصبه. وكانت منطلق تلك المقابلة -التي أجريت في يوليو/تموز 1982- هو الشأن الفلسطيني إذ كانت وسيلة بورقيبة على تواصل مباشر مع قيادات المقاومة الفلسطينية التي كانت لحظتها على وشك الخروج من لبنان والتوجه إلى تونس عقب الغزو الإسرائيلي لبلاد الأرز في العام نفسه. وفي تلك المقابلة، تطرقت وسيلة بورقيبة لقضايا أخرى تهم الشأن الداخلي، وأكدت أنها كانت تضطلع فعليا بدور واضح في تسيير الشأن العام في البلاد، وانتقدت حينها قصور الدستور آنذاك عن تدبير انتقال السلطة في البلاد بشكل واضح، وذلك قبل أن تتم الإطاحة بالرئيس الحبيب بورقيبة في "انقلاب طبي" عام 1987. الصحافة مسودة التاريخ ويلمس القارئ في تلك الحوارات (عددها 45) أن للصحفي حميد برادة أسلوبا خاصا في استجواب ضيوفه واستدراجهم أحيانا إلى قضايا شائكة بطريقة سلسة تكاد توحي أن هناك تواطؤا بين الصحفي وضيوفه، وكل ذلك على خلفية إعداد جيد ومعرفة دقيقة بالضيف وبحيثيات كل القضايا المطروحة. وتجلت تلك المهارات خاصة في محاورة رجال السياسة، حيث يبدو حميد برادة وكأنه يتحرك في ملعبه وهو يستجوب معارضين بارزين، مثل عبد الرحمان اليوسفي الذي كان على وشك قيادة حكومة التناوب عام 1998، والمعارض المغربي الفقيه البصري الذي كان يستعد عام 1995 للعودة إلى المملكة بعد سنوات طويلة من المعارضة في الخارج. وإلى جانب تلك المقابلات، تضمن الكتاب مقالات تحمل توقيع الصحفي المغربي وتطرقت إلى أحداث ساخنة في المنطقة، بينها مقال في عام 1978 عن قضية الرئيس الجزائري أحمد بن بلّة الذي كان مسجونا من دون أن تتم محاكمته أو إدانته، ومقال عن قرار الملك الحسن عام 1981 اعتقال القيادي الاشتراكي البارز عبد الرحيم بوعبيد على خلفية رفضه مبدأ إجراء الاستفتاء في الصحراء. وتعتبر تلك الحوارات والمقالات تجسيدا لمقولة سائرة في مجال الإعلام مفادها أن "الصحافة هي المسودة الأولى للتاريخ"، إذ يشعر القارئ وكأنه يقلب صفحات من تاريخ البلدان التي ينحدر منها المتحدثون في تلك المقابلات ويفهم تفاصيل وسياق كثير من الأحداث التي لا تزال تداعياتها مستمرة إلى الآن.

"رايتس ووتش" تتهم جيش مالي ومجموعة فاغنر بتنفيذ عشرات الإعدامات
"رايتس ووتش" تتهم جيش مالي ومجموعة فاغنر بتنفيذ عشرات الإعدامات

الجزيرة

timeمنذ 16 ساعات

  • الجزيرة

"رايتس ووتش" تتهم جيش مالي ومجموعة فاغنر بتنفيذ عشرات الإعدامات

وجهت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الثلاثاء، اتهامات للقوات المسلحة المالية وحليفتها مجموعة فاغنر شبه العسكرية الروسية، الخاصة بتنفيذ "عشرات الإعدامات الميدانية والإخفاءات القسرية" بحق رجال من عرقية الفولاني منذ بداية 2025. وقالت المنظمة، إن قوات الجيش المالي ومقاتلي فاغنر يتهمان مجتمع الفولاني بالتعاون مع الجماعات الإسلامية المسلحة التي تسعى إلى السيطرة على أجزاء من البلاد. ودعت "هيومن رايتس ووتش" الاتحاد الأفريقي إلى تعزيز انخراطه في مالي لحماية المدنيين من الانتهاكات من جميع أطراف النزاع، بالمساعدة في التحقيقات والضغط من أجل ملاحقات قضائية عادلة. وأكدت أن الجيش المالي ومجموعة فاغنر أعدما "ما لا يقل عن 12 رجلا من الفولاني، وأخفوا قسرا ما لا يقل عن 81 آخرين منذ يناير/كانون الثاني 2025″، وذلك في إطار عمليات "مكافحة التمرد في عدة مناطق ضد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بالقاعدة". وقالت إيلاريا أليغروتزي، الباحثة الأولى في شؤون الساحل لدى "هيومن رايتس ووتش" إن "القيادة العسكرية في مالي مسؤولة في نهاية المطاف عن الإعدامات والإخفاءات القسرية التي ارتكبها الجيش ومقاتلو فاغنر". وأضافت أليغروتزي، "ينبغي أن تتوقف هذه الانتهاكات فورا وأن يُكشف عن مصير المحتجزين، وأن تُجرى تحقيقات ومحاسبة المتورطين". وشددت أليغروتزي على أن "المسؤولين الماليين والروس ينبغي أن يدركوا أنهم قد يُحاسبون على الجرائم التي يرتكبها جنودهم ومقاتلوهم"، سواء تحت ضغط الاتحاد الأفريقي أو تدخل المحكمة الجنائية الدولية فإن أولئك المرتبطين بهذه الفظائع قد يواجهون "المحاكمة مستقبلا". وأجرت المنظمة مقابلات مع 29 شخصا بين فبراير/شباط ومايو/أيار 2025، منهم 16 شاهد عيان و7 من القادة المجتمعيين والنشطاء وصحفيون وممثلون عن منظمات دولية. وفي العاشر من يونيو/حزيران، وجهت المنظمة رسالة إلى وزارتي العدل والدفاع في مالي لعرض نتائجها وطرح أسئلة، لكنها لم تتلقّ أي رد. كما حصلت على تقارير موثوقة أكدتها منظمة الأمم المتحدة ، تفيد أن الجيش ومقاتلي فاغنر أعدموا نحو 65 راعيا وتاجرا من الفولاني في قرية سيبابوغو، بمنطقة كايس، في أبريل/نيسان، بعد أن اقتادوهم نحو معسكر للجيش.

هل يعطل انقسام الفرقاء السياسيين تحرك "الرباعية" للسلام في السودان؟
هل يعطل انقسام الفرقاء السياسيين تحرك "الرباعية" للسلام في السودان؟

الجزيرة

timeمنذ 19 ساعات

  • الجزيرة

هل يعطل انقسام الفرقاء السياسيين تحرك "الرباعية" للسلام في السودان؟

الخرطوم- قبل أسبوع من لقاء مرتقب في واشنطن للمجموعة الرباعية المعنية بالأزمة في السودان (أميركا و السعودية و مصر و الإمارات) لإقرار خطة للسلام في البلاد، انقسمت مواقف الفرقاء السودانيين، بعدما باتت جهود المجموعة هي التحرك الفاعل الوحيد لوقف الحرب في بلادهم. ويعتقد مراقبون أن أسلوب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض السلام يمكن أن يؤدي إلى وقف القتال في السودان بين الجيش السوداني و قوات الدعم السريع ، المستمر منذ منتصف أبريل/نيسان 2023، لكن السلام لا يصنعه سوى السودانيين عبر توافق وطني يخاطب جذور الأزمة ويقرّ رؤية سياسية لليوم التالي للحرب. وتأتي تحركات المجموعة الرباعية منذ أوائل يونيو/حزيران الماضي بعد توقف منبر جدة الذي ترعاه السعودية والولايات المتحدة منذ نهاية 2023، بعد توقيع وثيقتين لم تتم ترجمتهما على الأرض لغياب آليات تنفيذهما. سيناريو الحل كذلك انهارت مساعي الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، بعد فشلها في جمع رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان ونائبه السابق في المجلس وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) في جيبوتي مقر المنظمة الأفريقية في يناير/كانون الثاني 2024. وخلال زيارته الأخيرة للدوحة قبل 4 أيام، قال المبعوث الرئاسي الأميركي للشرق الأوسط وأفريقيا، مسعد بولس، إن الصراع في السودان لن يُحسم عسكريا، مؤكدا أن الطريق الوحيد لإنهاء الحرب هو الحوار والتسوية الشاملة. وقال بولس في تصريح لقناة الجزيرة، عقب اجتماعه مع مسؤولين قطريين، إن أميركا، بدعم من الرئيس ترامب ووزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ، تضطلع بدور مهم مع الشركاء في المجموعة الرباعية الخاصة والتعاون مع قطر و بريطانيا ، و"سيكون هناك حل إيجابي سلمي للنزاع في السودان قريبا". وعن السيناريو المتوقع تبنّيه من المجموعة الرباعية في السودان، يقول الكاتب ورئيس تحرير جريدة "الأحداث" عادل الباز إن المجموعة تتجه لتبنّي خريطة طريق طبخها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى الذي يُنتج بحوثًا إستراتيجية تهمّ صُنّاع القرار الأميركي. ويوضح للجزيرة نت أن المعهد أصدر تقريرا في 2 يوليو/تموز الجاري يقترح دمج مساري منبر جدة والمجموعة الرباعية عبر صيغة تجمع الشرعية المحلية بالضغط الدولي. ووضع التقرير 4 توصيات أمام المجموعة الرباعية هي: إعلان سياسي مشترك: حيث تصدر الرباعية و الاتحاد الأفريقي وهيئة "إيغاد" إعلانًا رسميا يعتبر منبر جدة المظلة الوحيدة لحل النزاع. بنية إدارية موحّدة: تتضمن إنشاء أمانة تنفيذية في جدة تشمل الرباعية، و الأمم المتحدة ، والاتحاد الأفريقي، وممثلين عن المجتمع المدني السوداني. شرعية قانونية ملزمة: بتحويل "إعلان جدة" إلى اتفاق سياسي ملزم عبر قرار من مجلس الأمن ، وإشراك المبعوث الأممي للسودان رمطان لعمامرة في التنسيق والتخطيط. دمج المجتمع المدني: ويعني الإشراك الحقيقي لممثلي القبائل والأقليات والمنظمات، لمنع عسكرة العملية السياسية أو اختطافها من قبل وكلاء خارجيين. ويرى الكاتب الباز أن تنفيذ السيناريو يتطلب توافقا بين المجموعة الرباعية، بالإضافة إلى قطر وبريطانيا، على تسوية ملزمة بإشراف دولي صارم على تنفيذ وقف إطلاق النار تحت تهديد بعقوبات شاملة (مالية، وعسكرية، وسياسية)، وبالمحاكم الدولية لمن يرفض تلك التسوية، ومن ثم رفع الجزرة وربط التسوية ببرنامج إعادة إعمار بضمانات دولية ووعود بشطب ديون السودان كما حدث في اتفاق دايتون بشأن البوسنة عام 1994. وحسب الباز، فإن مشروع التسوية يواجه تحديات أبرزها عدم تطابق مواقف الرباعية وشركائها، كما أن فرض وقف إطلاق النار على أساس الوضع الميداني الحالي يعني عمليا تقسيم البلاد، وأي عودة لقوات الدعم السريع للمشهد السياسي والعسكري لن تكون مقبولة من الشعب، والحل في أن يترك العالم الخارجي السودان وشأنه. ورغم تعويل بعض القوى والكتل السياسية على مساعي المجموعة الرباعية لجلب السلام إلى بلادهم، غير أن قوى أخرى تعدّه تدخلًا سلبيا. ودعا القيادي في التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة "صمود"، خالد عمر يوسف، لاغتنام ما وصفها "بالفرصة التاريخية" لتحقيق السلام في السودان، محذرًا من محاولات قوى منتفعة من استمرار الحرب لإطالة أمد الكارثة الإنسانية التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عامين. ورأى يوسف، في منشور له، أن هذا الحراك يسعى لتنسيق دولي يضم دولًا مؤثرة إقليميا ودوليا، وذلك من شأنه توحيد الضغوط لإنهاء الصراع، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن العامل الخارجي وحده لا يكفي، وأن السلام العادل والمستدام لن يتحقق إلا بإرادة السودانيين أنفسهم. من جهته، توقع رئيس تحالف التراضي الوطني وزعيم حزب الأمة مبارك الفاضل المهدي نجاح أميركا بجهودها لوقف الحرب في السودان عبر لقاء المجموعة الرباعية بواشنطن الثلاثاء المقبل. وتوقع المهدي، في منشور على منصة " إكس"، أن يصدر عن لقاء واشنطن قرار ملزم بوقف الحرب، غير قابل للرفض من طرفي النزاع، إلى جانب مناقشة وثيقة لتسوية نهائية للأزمة، سيُدعى كل من البرهان وحميدتي للتوقيع عليها، كما ستتبع ذلك ترتيبات سياسية تتعلق بمستقبل الحكم في السودان. وفي المقابل، يعتقد رئيس تحالف قوى الحراك الوطني، التجاني السيسي، أن "هناك إطارًا جديدًا، عبر رباعية جديدة، يُطبخ على نار لاهبة، وقطعًا لا يتسق مع مصالح البلاد، ويحاول الانتقاص من الانتصارات التي حققها الشعب السوداني بدماء شهدائه". وتساءل السيسي في تغريدة على منصة "إكس" قائلا: "لمصلحة من يتم تعقيد الأزمة السودانية وإطالة أمد الحرب؟". الحوار السوداني وانتقد الأمين العام لتنسيقية القوى الوطنية، محمد سيد أحمد الجاكومي، ما وصفه بتجاهل الآلية الرباعية لمناقشة الأزمة السودانية للحكومة السودانية وللإرادة الشعبية. ويقول الجاكومي، للجزيرة نت، إن مثل هذه الاجتماعات التي تعقد خلف أبواب مغلقة تمثل تدخلا سافرا في الشأن الداخلي، وتسهم بتعميق الصراع، وتعهد بمناهضة أي محاولات لفرض أي حلول خارجية. أما المدير العام السابق لمركز دراسات السلام في جامعة الخرطوم ، منزول العسل، فيرى أن التحرك الجديد للمجموعة الرباعية هذه المرة سيكون جادًّا وربما الأخير لوقف الحرب في السودان، وسيشهد ضغطا على الحكومة والدعم السريع في سبيل ذلك، خاصة على الأول بعد تشكل رأي عام على تعنته. ويعتقد العسل، في حديثه للجزيرة نت، أن الحلول المفروضة من الخارج لن تنجح بحل الأزمة السياسية في البلاد حتى لو أوقفت الحرب، مبينا أن الحل المستدام يكون عبر حوار سوداني بين القوى المساندة للجيش والموالية للدعم السريع. كذلك فإن الموقف الصفري الذي تتبناه أطراف تساند الجيش عن قتل آخر جندي في الدعم السريع، أو تمسك تحالف "صمود" بإقصاء الإسلاميين لن يحقق سلاما واستقرارا في البلاد، حسب قوله.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store