
الجسد.. هل يتذكر ويخزن الصدمات حتى وإن حاولنا نسيانها؟
عمان - "ذاكرة الجسد"؛ ليس عنوانا لرواية الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي فحسب، فمن كان يقرأ صفحاتها يتأثر بمصير بطلها خالد، الذي كان يرسم بيده اليسرى بعد أن فقد اليمنى في الحرب، لكنه لم يفقد الإحساس بها، وكانت ذراعه المبتورة تؤلمه أحيانا وتشتاق إلى السلاح، وإلى الريشة، وإلى لمسة امرأة رحلت، لم يكن يعلم أن الجسد، حتى وإن صمت، فإنه لا ينسى ويتذكر."كل شيء يترك أثرا"؛ هكذا بدأت المرشدة النفسية والتربوية رائدة الكيلاني حديثها عما يعرف في علم النفس بـ"ذاكرة الجسد"، تقول: "الجراح النفسية لا تستقر في الروح فقط، بل تسكن العضلات، وتختبئ في نبض القلب، وتربك حركة المعدة، فلا غرابة أن يشتكي البعض من آلام متكررة في الظهر أو الصدر أو البطن، ثم تبين الفحوصات أنهم سليمون تماما، لأن الجسد ببساطة يتذكر ما نحاول نحن نسيانه".أبحاث نفسية وجسدية عديدة تؤكد أن للجسد "ذاكرة" حقيقية، وأن الصدمة لا تختفي، بل تترك بصمات دقيقة في الجسد، وفي حركة الكتفين، وفي نمط التنفس، وفي ضربات القلب، وأحيانا في مرض عضوي لا يوجد تفسير طبي واضح له، ففكرة أن "الجسد يتذكر" ليست مجرد تعبير أدبي، بل حقيقة موثقة في علم النفس والعلوم العصبية.ورسخ هذا المفهوم الطبيب النفسي الشهير د. بيسيل فان دير كولك في كتابه المعروف The Body Keeps the Score (2014)، الذي يستند إلى أكثر من (30 عاما) من البحث السريري في علاج الصدمة النفسية.ويؤكد الكتاب أن التجارب الصادمة لا تخزن فقط في الذاكرة العقلية، بل تنطبع أيضا في الجهاز العصبي والعضلات ووظائف الجسم الحيوية، وهو ما يفسر الأعراض الجسدية التي يعاني منها كثيرون من دون سبب عضوي واضح.أبحاث أخرى منشورة في مجلات علمية مرموقة، مثل Journal of Traumatic Stress، دعمت هذه المعلومات، وبينت أن تقنيات العلاج الجسدي (Somatic Experiencing) بمعنى الخبرة الجسدية، تظهر فعالية واضحة في مساعدة المرضى على التخلص من آثار الصدمة المخزنة جسديا وتحرير الجسد منها ومن التوترات المحبوسة في الجسم.كما دعمت نظريات البروفيسور أنطونيو دامازيو، أستاذ علم الأعصاب في جامعة جنوب كاليفورنيا، هذا التوجه، من خلال أبحاثه حول الترابط بين العاطفة والوظائف الجسدية، خاصة في كتابه "Descartes Error".وبالإضافة إلى ذلك، تؤكد نظرية "الذاكرة الضمنية" في علم النفس المعرفي، أن كثيرا من التجارب المؤلمة تخزن في الدماغ والجسم من دون وعي إدراكي، وتظهر لاحقا في شكل استجابات جسدية، مثل شد العضلات، الأرق، أو ضيق التنفس.ومن الأعراض الجسدية المزمنة التي يعاني منها من يختزن الغضب والصدمات والتوتر في جسده، حسب الكيلاني، القولون العصبي، الشد العضلي، الأرق، واضطرابات التنفس، التي ترتبط بشكل مباشر بتجارب نفسية غير معالجة. فتقول الكيلاني "حين يخزن الإنسان خوفه، غضبه، أو ألمه، فإن الجسد يحتفظ به بطريقة أو بأخرى، وهنا تبدأ المعاناة الصامتة".ناديا (34 عاما)، واحدة من الحالات التي تجسد هذه الحقيقة، إذ ظلت لأعوام تعاني من آلام مزمنة في المعدة وضيق في التنفس ونوبات صداع متكررة، رغم أنها سليمة تماما بحسب تقارير أطبائها.لكن جلسات العلاج النفسي كشفت أن خلف هذه الأوجاع يقف تاريخ طويل من الإهمال العاطفي في طفولتها، وخوف مزمن من الغضب والرفض. تقول "كنت أحبس دموعي حتى لا تقلق أمي، وكنت أبتسم كثيرا حتى لا أزعج أحدا، فمسؤولية أمي كبيرة وفقدي كبير لوالدي الذي توفي وأنا صغيرة".ومن هنا، وبحسب ناديا، علمت أن "ذاكرة الجسد" تتجلى لديها، كونها نظاما دفاعيا بديلا، حسب طبيبها النفسي. وتؤكد "فعندما فشل عقلي في معالجة صدمتي بوفاة والدي أو حتى في كبت عاطفتي، قام الجسد بدور الحارس الصامت، يخزن كل ما لم يقل، وكل ما لم يسمح له أن يشعر أو يفهم".الدراسات النفسية المعاصرة، ومنها ما نشر في مجلة "Psychological Trauma"، تؤكد وجود علاقة وثيقة بين الصدمة النفسية والتغيرات في كيمياء الجسم ووظائفه الحيوية. فالأشخاص الذين تعرضوا لصدمات في الطفولة، على سبيل المثال، هم أكثر عرضة لأمراض القلب، مشاكل المناعة، واضطرابات الجهاز الهضمي في مراحل لاحقة من حياتهم.المرشدة النفسية والتربوية رائدة الكيلاني، تؤكد أن الجسد يمكن له أن يتحرر من هذه الأعباء، وأولى الخطوات "الاعتراف"؛ فعندما لا يوجد تفسير عضوي للألم، يجب أن يسأل الفرد نفسه ما الذي لم أسمح لنفسي بالشعور به؟ من الذي خذلني؟ ما الذكرى التي أهرب منها؟ فالفهم هو أول الطريق نحو التحرر من الألم.وتوضح أن العلاج النفسي لا يقتصر على الكلام فقط، تحديدا بهذه الحالات، إذ إن هناك تقنيات متخصصة تتعامل مع الجسد بوصفه شريكا في الشفاء، كالعلاج الحركي الجسدي (Somatic Therapy) الذي يساعد الشخص على التعرف على التوترات المخزنة في جسده، والتفاعل معها بالحركة والتنفس، وعلاج الوعي الجسدي (Mindfulness-based therapies) الذي يستخدم التركيز الواعي والتنفس لاستكشاف العلاقة بين الفكر والإحساس الجسدي.أيضا؛ العلاج بالرسم والكتابة أو الفن التعبيري، وذلك لتفريغ الذكريات المؤلمة بطريقة آمنة وغير مباشرة.وتؤكد الكيلاني أن هدف العلاج ليس محو الذاكرة، بل تغيير علاقة الفرد بذكرياته، موضحة "نحن لا ننسى، لكننا نتعلم كيف نحمل الذكرى من دون أن تثقلنا، وكيف نصغي للجسد من دون أن نخافه".وفي النهاية، ذاكرة الجسد ليست لعنة، بل دعوة صادقة لإعادة التواصل مع الذات، مع المشاعر المكبوتة، ومع الحكايات التي لم ترو، وهي طريقة للجسد بتذكيرنا أن علينا أن نعيش ونحن متصالحون معه وألا ننسلخ عنه.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرأي
منذ 8 ساعات
- الرأي
»صحة غزة«: إبادة تطال مئات الآلاف وانهيار صحي شامل
انهيار شبكات المياه والصرف الصحي في القطاع الاحتلال يفرج عن 10 أسرى فلسطينيين قالت وزارة الصحة بغزة، في التقرير الإحصائي اليومي لشهداء وجرحى العدوان الإسرائيلي، أمس الثلاثاء، إن مستشفيات قطاع غزة استقبلت خلال الـ 24 ساعة الماضية 100 شهيد، منهم 11 شهيداً جرى انتشالهم، و513 إصابة. وأشارت إلى أن ما وصل إلى المستشفيات من ضحايا المساعدات، بلغ 31 شهيدًا، 388 إصابة، ليرتفع إجمالي ضحايا «لقمة العيش» ممن وصلوا المستشفيات إلى 1838 شهيدًا، وأكثر من 13,409 إصابة. وبينت الصحة إنه ما زال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم. ووصل مشافي قطاع غزة، مع استمرار حرب الإبادة والتجويع الإسرائيلية أمس، 100 شهيد و513 إصابة، جراء استمرار العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة. وسجلت مستشفيات قطاع غزة، خلال الساعات الـ 24 الماضية، 6 حالات وفاة، من بينهم طفل، نتيجة المجاعة وسوء التغذية، ليرتفع العدد الإجمالي إلى 227 حالة وفاة، من ضمنهم 103 أطفال.وارتفعت حصيلة العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، منذ الـ 7 من أكتوبر 2023 إلى 61 ألفًا و599 شهيدا بالإضافة إلى 154 ألفًا و88 جريحا بإصابات متفاوتة. فيما بلغت حصيلة الشهداء والإصابات منذ 18 آذار 2025 (خرق الاحتلال للتهدئة) 9,989 شهيدًا إلى جانب 41,534 إصابة، وفق تقرير الصحة. وارتكب الجيش الإسرائيلي أمس الثلاثاء، مجزرة جديدة، إذ استشهد وأصيب عشرات النازحين في قصف استهدف منزلين في حي الزيتون جنوب مدينة غزة، وخيام نازحين في منطقة المواصي بخانيونس. كما أفادت تقارير باستشهاد وإصابة عدد من الفلسطينيين إثر قصف ثلاثة منازل قرب الكلية الجامعية في حي تل الهوى جنوب غربي المدينة. وكذلك، طالت الغارات الإسرائيلية حي الأمل والكتيبة شمالي خانيونس، فيما قصفت المدفعية وسط المدينة ومخيم النصيرات، ونفذت قوات الاحتلال عمليات نسف لمبانٍ سكنية في المناطق الشرقية لمدينة غزة. في موازاة ذلك، حذر برنامج الغذاء العالمي من أن الجوع وسوء التغذية في القطاع وصلا إلى أعلى مستوياتهما، مشيرا إلى أن أكثر من ثلث السكان لا يأكلون لأيام، ونحو نصف مليون شخص يواجهون خطر المجاعة. وفي تصريح رسمي صادم، كشف منير البرش، مدير عام وزارة الصحة في غزة، عن أرقام مفزعة تعكس حجم الكارثة الصحية والإنسانية التي يتعرض لها سكان القطاع منذ بدء العدوان الإسرائيلي في 7 تشرين الأول 2023. وصف البرش الوضع بأنه لم يعد مجرد أزمة إنسانية، بل جريمة مكتملة الأركان ضد الحق في الحياة، وسط مجاعة وأمراض تهدد حياة مئات الآلاف، بالإضافة إلى انهيار شبه كامل لمنظومة الصحة في القطاع. وبلغ عدد الشهداء الفلسطينيين منذ بداية العدوان 61,499 شخصا، بينهم 18,430 طفلا و9,300 سيدة، منهم 8,505 أمهات. كما تم إبادة 2,613 عائلة بشكل كامل، وفقدت 5,943 عائلة فردا واحدا على الأقل. ووثق البرش إصابة 153,575 فلسطينيا، بينهم 18,000 بحاجة إلى تأهيل عاجل، بالإضافة إلى 4,800 حالة بتر أطراف، بينها 718 طفلاً. وبلغ عدد الشهداء من الكوادر الطبية 1,590، بينهم 157 طبيبًا، واستُهدفت 183 سيارة إسعاف. ويعمل في غزة 15 مستشفى فقط من أصل 38، منها 4 مستشفيات مركزية، فيما بلغت نسبة إشغال الأسرّة في المستشفيات 200%. كما تعمل 67 مركز رعاية أولية فقط من أصل 157، ولا يوجد سوى 40 غرفة عمليات من أصل 110. ويواجه القطاع نقصا حادا في الأدوية والمستلزمات الطبية، مع تحذيرات متكررة من انهيار شامل للمنظومة الصحية يعرض حياة آلاف المرضى للخطر، خصوصًا المصابين بأمراض مزمنة. كما يعاني القطاع من شح في الوقود اللازم لتشغيل المستشفيات. وسُجلت 28,000 حالة سوء تغذية خلال 2025، فيما قُتل 1,750 فلسطينيًا من منتظري المساعدات منذ أيار الماضي. توفي 103 أطفال جراء سوء التغذية والتجويع، ويعاني 500 رضيع في المستشفيات من هذه الحالة. بلغت حالات الإجهاض بسبب الجوع نحو 3,120 حالة. ويوجد 300,000 مريض مزمن يواجهون خطر الموت بسبب نقص الأدوية، توفي منهم 6,758. ويُقدّر أن 41% من مرضى الكلى و52% من مرضى الأمراض المزمنة يموتون بسبب نقص الأدوية.كما توفي 1,000 مريض قلب، وهناك 16,000 مريض ينتظرون العلاج بالخارج، منهم 633 توفوا قبل الموافقة على علاجهم. بلغت نسبة إشغال الأسرة في بعض المستشفيات 300%، الأمر الذي اضطر الطواقم الطبية لوضع المصابين في الممرات والأرضيات بسبب النقص الحاد في الأسرّة والإمكانات. وتم تسجيل 71,338 حالة التهاب كبدي و167,000 حالة إسهال مزمن، بالإضافة إلى 1,116 حالة حمى شوكية و64 حالة من متلازمة «غيلان باريه» النادرة، مع 3 وفيات. وحذرت الأمم المتحدة وبرنامج الأغذية العالمي من أن ثلث سكان غزة لم يتناولوا طعامًا لأيام، مع حاجة القطاع لمئات الشاحنات من المساعدات يوميًا لوقف المجاعة. وتعيش 288,000 أسرة بدون مأوى، وأكثر من مليوني مدني يعانون نزوحا قسريا وسط ظروف إنسانية مأساوية، تفتقر للمياه النظيفة والصرف الصحي والمسكن الملائم. وهذه الأرقام والتفاصيل تؤكد حجم الكارثة التي تواجهها غزة، والتي تندرج في إطار إبادة جماعية متواصلة بدعم دولي، وسط صمت دولي وتجاهل لمعاناة السكان المدنيين. ووفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن المساعدات التي دخلت خلال 15 يوماً لم تتجاوز 1334 شاحنة، أي ما يعادل 14% فقط من الاحتياجات الفعلية، في وقت يحتاج فيه القطاع إلى أكثر من 600 شاحنة يومياً لتلبية الحد الأدنى من احتياجات 2.4 مليون إنسان، وسط انهيار شبه كامل للبنية التحتية بفعل الحرب المستمرة. هذا وأفرجت سلطات الاحتلال أمس الثلاثاء، عن 10 أسرى فلسطينيين من قطاع غزة، اعتقلوا خلال حرب الإبادة الجماعية المتواصلة من 7 تشرين الأول 2023. واستقبل مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح، الأسرى حيث يخضعون للفحوصات الطبية اللازمة جراء ما تعرضوا له من ظروف اعتقال قاسية. وتصنف سلطات الاحتلال نحو 1747 أسيرا من غزة كـ«مقاتلين غير شرعيين»، وهو توصيف خطير يُستخدم لتجريدهم من الحماية القانونية الدولية، ويُتيح احتجازهم في معسكرات عسكرية مغلقة لا تخضع لأي رقابة. وتؤكد إفادات الأسرى المحررين وجود انتهاكات جسيمة، تشمل التعذيب الجسدي والنفسي والإهمال الطبي المتعمد والحبس الانفرادي والحرمان من الغذاء والرعاية الصحية، في إطار سياسة عقابية ممنهجة تشرف عليها جهات عليا في حكومة الاحتلال، وفي مقدمتها وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير. وتعد هذه الممارسات، حسب خبراء في القانون الدولي، انتهاكات صريحة لمعاهدة جنيف الرابعة، وقد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في ظل صمت دولي مطبق وتواطؤ غربي واضح. واستُشهد في سجون الاحتلال منذ السابع من تشرين الأول 75 أسيرًا ممن تم الكشف عن هوياتهم والإعلان عنهم، من بينهم 46 شهيدًا من معتقلي غزة، بالإضافة إلى العشرات من معتقلي غزة الذين استُشهدوا في السجون والمعسكرات ولم يُفصح الاحتلال عن هوياتهم وظروف استشهادهم، وهم رهن الإخفاء القسري، إلى جانب العشرات الذين تعرّضوا لعمليات إعدام ميدانية. وقدّمت طبيبة الأطفال الأمريكية وعضو مجلس إدارة «أطباء بلا حدود» في الولايات المتحدة، أقصى دوراني، شهادة مؤثرة بعد عودتها من مهمة إنسانية في قطاع غزة، وصفت خلالها ما يجري بأنه «إبادة جماعية تتعمد إسرائيل فيها استخدام القسوة والشر». وفي مدونة «بشر من نيويورك»، وثّقت دوراني مشاهداتها خلال شهرين قضتهما في غزة، حيث فرض الجيش الإسرائيلي، إلى جانب القصف اليومي، حرب تجويع خانقة طالت الجميع، بما في ذلك الطواقم الطبية. وقالت الطبيبة إن جيش الاحتلال فرض قيوداً صارمة حتى على العاملين في المجال الإنساني، إذ سمح لها بإحضار كمية محدودة من الطعام لا تتجاوز سبعة أرطال. وتساءلت: «أنا طبيبة إنسانية، لماذا يُفرض حد حتى للطعام؟ لقد عملت في أماكن كثيرة تعاني الجوع الشديد، لكن في غزة، إسرائيل تتعمد كل هذه القسوة والشر». وأضافت: «مكثت شهرين في غزة، ولا أجد طريقة لوصف هول ما يحدث. أقول هذا كطبيبة في وحدة العناية المركزة للأطفال، ترى الأطفال يموتون كجزء من عملها». وتحدثت دوراني عن معاناة الأطباء والممرضين العاملين معها، قائلة: «يحاولون علاج المرضى وهم جائعون ومرهقون، بعضهم يعيش في خيام، ومنهم من فقد خمسة عشر أو عشرين فرداً من عائلته». ونقلت مشاهد من المستشفى حيث يتلقى العلاج أطفال مشوهون، بأطراف مفقودة أو بحروق من الدرجة الثالثة، مشيرة إلى أن الأدوية المسكّنة غالباً ما تكون غير متوفرة، «لكن الأطفال لا يصرخون بسبب الألم، بل يصرخون: أنا جائع! أنا جائع!». وأضافت بحزن:«أكره التركيز فقط على الأطفال، لأنه لا ينبغي لأحد أن يتضور جوعاً، لكن الأطفال يطاردونك بطريقة مختلفة». وعند انتهاء مهمتها، شعرت دوراني بحزن عميق ورغبة في البقاء، ووصفت التجربة بأنها «شعور لم أختبره منذ ما يقرب من عشرين عاماً من الانتدابات الإنسانية». وأردفت: «كنت أشعر بالخجل كأمريكية وكإنسانة، لأننا لم نتمكن من إيقاف هذه الإبادة الجماعية». واستذكرت لحظة مغادرتها جنوب غزة، قائلة: «كل ما رأيته من نافذة الحافلة كان رفح وقد تحولت إلى ركام، وعلى الجانب الآخر كانت إسرائيل تنعم بالحياة». وتابعت: «عند الخروج من البوابة، كان أول ما رأيته مجموعة من الجنود الإسرائيليين يجلسون إلى طاولة يتناولون الغداء… لم أشعر بالغثيان في حياتي كما شعرت حين رأيت تلك الطاولة المليئة بالطعام».


الغد
منذ 11 ساعات
- الغد
كيف حاول نتنياهو طمس معالم تجويع غزة؟
اضافة اعلان عواصم-ظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكاميرا ممسكا بورقة، وخلفه شاشة تعرض صور 3 أطفال غزيين أنهكهم الجوع تحت الحصار.وفي كلمته المصورة أول من أمس، تناول نتنياهو هذه الصور واحدة تلو الأخرى، محاولا قلب المعنى وإنكار واقع المجاعة الذي توثقه تقارير وشهادات فلسطينية ودولية.لم يكن هذا الخطاب استثناء، بل امتداد لحملة متصاعدة في الكيان المحتل تهدف إلى نفي وتكذيب كل رواية تربط الحصار بالمجاعة في غزة.الصور التي وسمها نتنياهو بكلمة "Fake" وتعني "زائف"، تختزن وراءها مآسي حقيقية لأسر فقد أطفالها الوزن والقوة بفعل الجوع، لكن نتنياهو نسب معاناتهم إلى أمراض وراثية، مستندا إلى معلومات تعمد الاحتلال تضليلها.الا أن الحقيقة غير ذلك، فأحد الاطفال وهو أسامة الرقب الذي استهل نتنياهو حديثه به، وهو يقرأ من ورقة أمامه، بالقول إن هذا الطفل كان يعاني من مشاكل صحية جينية صعبت حصوله على المواد المغذية، وهو ما جعله بزعمه نحيلا بهذا الشكل النحيل والهزيل الذي بدا في الصورة، لكن التدقيق في الأمر نسف هذه الرواية، إذ أظهر البحث في حالة الطفل وجود توثيق طبي صادر عن وزارة الصحة الفلسطينية بتاريخ 23 نيسان (أبريل) الماضي، يؤكد أن أسامة لم يكن يعاني من أي مرض وراثي كما ادعى نتنياهو، وأن تدهور حالته الصحية جاء نتيجة نقص الغذاء وفقدان العناصر الأساسية خلال الحرب، وفق إفادة الطبيب أحمد الفرا الذي أشرف على متابعته.ولتعزيز هذه الحقيقة، عرضت والدة أسامة في مقطع فيديو صورا قديمة لولدها عبر هاتفها لطفلها وهو في صحة جيدة، قبل أن تتدهور حالته، إثر منع دخول المواد الغذائية إلى القطاع المحاصر.وفي 12 حزيران (يونيو) الماضي، جرى إجلاء أسامة إلى مستشفى في إيطاليا لتلقي العلاج، بعدما تحول جسده إلى هيكل عظمي بسبب سوء التغذية الحاد الناتج عن استمرار الحرب وإغلاق المعابر، وقد أظهرت صور موثقة نشرها ناشطون الهبوط الحاد في وزنه والضعف الشديد في بدنه.نتنياهو يهاجم طفلا شهيداوفي نفس كلمته المصورة، زعم نتنياهو أن طفلا آخر يدعى عبد القادر الفيومي كان يعاني من مشاكل عصبية جينية أدت إلى ضعف العضلات وفقدان الوزن، معتبرا أن ذلك -وليس التجويع- هو السبب الرئيسي لوضعه الصحي.غير أن البحث كشف تناقض هذه الرواية؛ إذ أكدت مصادر في المستشفى المعمداني بغزة أن الطفل توفي في 25 تموز (يوليو) الماضي، جراء الجوع وسوء التغذية، في ظل انقطاع الغذاء والرعاية الطبية عن غزة المحاصرة.محمد المطوقواستمرارا لمزاعمه عرض نتنياهو صورة للطفل محمد المطوق، مدعيا أنه يعاني من مشكلة وراثية، مشيرا بيده إلى الصورة التي تظهره وإلى والدته، قائلا "هذه والدته بصحة جيدة، ومزاعم حماس كاذبة، وأفكر في رفع دعوى على نيويورك تايمز، لأن هذا جنوني" على حد تعبيره.ودلت التحقيقات وملف الطفل محمد المطوق في العيادات الخارجية التابعة لمستشفى الرنتيسي للأطفال، التابعة لوزارة الصحة في غزة، أن الطفل كان ولد بتاريخ 23 كانون الأول (ديسمبر) 2023، وعانى من آثار نقص أكسجين عند الولادة، مما سبب له ضمورا دماغيا وقصورا في القدرات الحركية، احتاج معه إلى تغذية خاصة، لكن حالته تطورت إلى سوء تغذية حاد أثناء الحرب.وفي تصريحات خاصة أكدت والدة الطفل هداية المطوق أن ابنها البالغ من العمر عاما و7 أشهر "ولد ولم يكن يعاني من سوء التغذية المهدد لحياته"، رغم معاناته بسبب نقص الأكسجين.كما ظهرت والدته، في مقطع فيديو عبر "إنستغرام" قالت فيه إن طفلها "كان يمارس حياته مثل أي طفل طبيعي، قبل معاناته من سوء تغذية حاد".وأكدت أن وزنه انخفض من 9 إلى 6 كيلوغرامات بسبب الحرب والمجاعة، لافتة إلى أنها تعيش في خيمة مؤقتة بدون خدمات أساسية.صور مضللةلم يكتف نتنياهو باتهام الغزيين بفبركة مشاهد الجوع، بل مضى ليزعم خلال كلمته أن إسرائيل سمحت مؤخرا بدخول أطنان من المساعدات الإنسانية عبر معبر كرم أبو سالم، وأن هذه المساعدات ما زالت مكدسة على الجانب الغزي من المعبر ولم توزع، مستشهدا بصورة قال إنها حديثة.غير أن التحقق أظهر أن الصورة التي عرضها نشرت في كانون الأول (ديسمبر) 2024، أي قبل أشهر من ذروة كارثة التجويع الممنهجة في غزة، مما ينفي ادعاءه بأنها التقطت في سياق الأحداث الحالية.وفي سياق الحديث عن تكدس المساعدات، كانت دولة الاحتلال أطلقت حملة إعلامية منسقة، ليس لإغاثة الجوعى، بل لتغيير حقيقة المأساة، وتوجيه أصابع الاتهام نحو منظمات الإغاثة والأمم المتحدة، وحركة حماس بسرقة المساعدات الإنسانية وتخزينها في الأنفاق.وفي حين كانت السردية للكيان المحتل المضللة تتنقل من منصة إلى أخرى، الا أن "الأونروا" أكدت أنه لم يسمح لها بإدخال أي مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة منذ الثاني من آذار (مارس) الماضي، بسبب الحصار الإسرائيلي المشدد.وقالت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، "بينما تتهمنا إسرائيل بالتقصير، تفرض علينا قيودا مشددة تعيق قدرتنا على إيصال الغذاء والدواء والإمدادات الصحية، رغم أننا أكبر وكالة أممية عاملة على الأرض في غزة".-(وكالات)


الغد
منذ 11 ساعات
- الغد
الإبادة الصحية بغزة.. أرقام صادمة تكشف حجم الكارثة
اضافة اعلان غزة - يواجه القطاع الصحي في غزة انهيارا كبيرا جراء الإبادة الصهيونية التي عطلت قدرته على إنقاذ الأرواح مع إغلاق مستشفيات وتقليص خدمات أُخرى واستهداف سيارات الإسعاف ونفاد الأدوية الأساسية، ما ترك مئات الآلاف من المرضى أمام خطر العزلة والموت.ومنذ بدء الإبادة الجماعية في 7 تشرين الأول(أكتوبر) 2023، تعمد الجيش الصهيوني استهداف القطاع الصحي ومكوناته بالقصف والحصار والتضييق ومنع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية واستهداف الكوادر الطبية بالإعدام والاعتقال.وفي أروقة المستشفيات القليلة التي ما تزال تعمل، تعجّ الأسرة بالمصابين، فيما يرقد أعداد من المرضى على الأرض في الممرات الضيقة، وأما الأطباء فيعملون منهكين جائعين وتحت ضغط يفوق طاقتهم، بلا أجهزة كافية وبلا أدوية منقذة للحياة.سيارات الإسعاف التي نجت من القصف تتحرك بين الأنقاض لنقل الجرحى، لكنها كثيرًا ما تعود محملة بجثث لم يتح لها الوصول إلى العلاج في الوقت المناسب، وسط ضجيج المولدات التي تحاول الإبقاء على ما تبقى من أقسام العناية المركزة قيد التشغيل.مدير عام وزارة الصحة بغزة، منير البرش، كشف عن أرقام صادمة تجسد حجم الإبادة الصحية التي يتعرض لها الفلسطينيون في القطاع، منذ بدء حرب الإبادة الجماعية.وأعلن في منشور على منصة "فيس بوك"، أن ما يجري يتجاوز كونه أزمة إنسانية، وأنه يشكل جريمة مكتملة الأركان ضد الحق في الحياة، وسط مجاعة وأمراض تهدد حياة مئات الآلاف، وانهيار شبه كامل للمنظومة الصحية.ومنذ 7 أكتوبر 2023 يرتكب الاحتلال - بدعم أميركي - إبادة جماعية في غزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.ومنذ ذلك التاريخ، أبادت تل أبيب 61 ألفا و499 فلسطينيا من بينهم 18 ألفا و430 طفلاً و9 آلاف و300 سيدة بينهن 8 آلاف و505 من الأمهات.إلى جانب ذلك، فقد أباد الاحتلال ألفين و613 عائلة بالكامل، فيما فقدت أكثر من 5 آلاف و943 عائلة أكثر من فرد، وفق البرش.وأشار إلى أن الإبادة خلفت 153 ألف و575 جريحا، بينهم 18 ألفا بحاجة لتأهيل عاجل. إضافة إلى 4800 حالة بتر أطراف، بينهم 718 طفلا.المنظومة الصحيةأظهرت البيانات، التي نشرها البرش، استشهاد ألف و590 من الكوادر الصحية، بينهم 157 طبيبا، فيما استهدف الاحتلال منذ بدء الإبادة 183 سيارة إسعاف.وأوضح أن معدل إشغال المستشفيات وصل إلى 200 بالمائة، فيما لا يعمل سوى 15 مستشفى من أصل 38 في قطاع غزة، بينها 4 مستشفيات مركزية فقط.وذكر أن 67 مركز رعاية أولية يعمل فقط من أصل 157، أما غرف العمليات، فلم يتبق سوى 40 من أصل 110.ولأكثر من مرة، حذرت مؤسسات حقوقية وصحية من تدهور كبير في الأوضاع الإنسانية للفلسطينيين خاصة المرضى والجرحى جراء العجز الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية.كما أنذرت وزارة الصحة بغزة عبر بيانات سابقة، من أن استمرار هذا العجز "يهدد بانهيار كامل للمنظومة الصحية، ويعرض حياة آلاف المرضى، خصوصا المصابين بأمراض مزمنة وخطيرة، لخطر الموت المحقق".وإلى جانب العجز الدوائي، فإن القطاع الصحي بغزة يواجه نقصا مستمرا في الوقود اللازم لتشغيل المستشفيات.المجاعة والأمراضوسُجلت 28 ألف حالة سوء تغذية منذ بداية العام 2025، فيما استشهد ألف و750 فلسطينيا من منتظري المساعدات منذ 27 أيار(مايو) الماضي، وفق البيانات المنشورة.وأوضح أن 101 طفل توفوا منذ 7 أكتوبر 2023، جراء الإصابة بسوء التغذية الناجمة عن التجويع؛ فيما أعلنت وزارة الصحة أمس ارتفاع حصيلة الوفيات الأطفال جراء المجاعة إلى 103.وأشار البرش إلى وجود 500 رضيع في المستشفيات بسبب سوء التغذية، فيما بلغت حالات الإجهاض بسبب الجوع نحو 3 آلاف و120 حالة، وفق البيانات المنشورة.وذكر أن 300 ألف مريض مزمن مهددون بسبب نقص الدواء، لافتا إلى وفاة 6 آلاف و758 حالة من بينهم.وبيّن أن 41 بالمائة من مرضى الكلى يموتون بسبب نقص العلاج، و52 بالمائة جراء فقدان أدوية الأمراض المزمنة.وقال إن ألف مريض قلب توفوا للسبب ذاته، فيما يقف 16 ألف مريض على قائمة انتظار للعلاج بالخارج، فيما توفي منهم 633 شخصا قبل حصولهم على الموافقة.وفي 2 أغسطس/ آب الحالي قالت وزارة الصحة إن نسب إشغال الأسرة بلغت مستويات قياسية، إذ وصلت إلى 300 بالمائة في "المستشفى الأهلي العربي"، و240 بالمائة في "مستشفى الشفاء" و210 بالمائة في "مستشفى الرنتيسي" وجميعهم بمدينة غزة.كما بلغت نسبة الإشغال 180 بالمائة في "مستشفى ناصر" بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.وأوضحت أن الطواقم الطبية "باتت مجبرة على فرش الممرات والأرضيات لاستقبال المصابين، بسبب النقص الحاد في الأسرة والإمكانات الطبية".ويعيش قطاع غزة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه، حيث يتداخل التجويع الممنهج مع إبادة جماعية ترتكبها إسرائيل منذ 22 شهرا.الوضع الوبائيوحول الوضع الوبائي، أظهرت بيانات البرش تسجيل 71 ألفا و338 إصابة بالتهاب الكبد الوبائي، و167 ألف حالة إسهال مزمن.وذكر أن 1116 حالة حمى شوكية سجلت منذ بداية العام، و64 إصابة بمتلازمة "غيلان باريه" النادرة، بينها 3 وفيات.ومؤخرا، حذر برنامج الأغذية العالمي من أن "ثلث سكان غزة لم يأكلوا منذ عدة أيام"، واصفا الوضع الإنساني بأنه "غير مسبوق في مستويات الجوع واليأس"، فيما أكدت الأمم المتحدة أن غزة بحاجة إلى مئات شاحنات المساعدات يوميا لإنهاء المجاعة التي تعانيها جراء الحصار والإبادة الجماعية.وحسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإن 288 ألف أسرة بلا مأوى، فيما تعرض أكثر من مليوني مدني لنزوح قسري، ويعيش هؤلاء أوضاعا مأساوية في خيام ومدارس وعند أقاربهم وفي الشوارع، دون مياه نظيفة أو صرف صحي أو مكان آدمي للعيش.-(وكالات)