
ثقافة : قصة السينما.. أول فيلم مصري يشارك في مهرجان دولى
نافذة على العالم - دخلت السينما المصرية مرحلة جديدة مع مدرسة ستوديو مصر، الذى أنتج فيلم "وداد" أول فيلم مصرى يشارك فى مهرجان دولي، فما الذى يقوله كتاب "قصة السينما" لـ سعد الدين توفيق، والصادر فى سنة 1969.
مدرسة ستوديو مصر
جاءت بعد ذلك أهم مرحلة من مراحل تطوّر الفيلم، وهى مرحلة "ستوديو مصر"، من سنة 1936 إلى سنة 1944، وكان هذا الاستوديو بمثابة مدرسة جديدة فى السينما المصرية، نقلت الفيلم المصرى خطوات واسعة إلى الأمام، إذ كان أول استوديو سينمائى مجهز تجهيزًا كاملًا.
وقبل إنشائه، أوفدت الشركة المالكة له، وهى شركة مصر للتمثيل والسينما، عددًا من الشبان لدراسة السينما فى أوروبا، وهم: أحمد بدرخان وموريس كسّاب لدراسة الإخراج فى فرنسا، ومحمد عبد العظيم وحسن مراد لدراسة التصوير فى ألمانيا. كما استعانت بعدد من الخبراء الأجانب للإشراف على إدارة العمل فى الاستوديو.
بوستر الفيلم
وكان أول فيلم صُوّر فى ستوديو مصر هو فيلم "وداد"، الذى قامت ببطولته أم كلثوم. وكتب قصة الفيلم وحواره الشاعر أحمد رامي، وأعدَّ السيناريو أحمد بدرخان، وكان من المفترض أن يتولى بدرخان إخراج الفيلم أيضًا، إلا أن الخبراء الأجانب الذين كانوا يشرفون على الإدارة الفنية لستوديو مصر وقفوا فى وجه هذا المخرج المصرى الشاب، إذ كانوا يدركون أنه إذا أُتيحت للفنانين المصريين الشبان فرصة إظهار كفاءتهم، فإن ذلك سيهدد بقاءهم، ولن تستمر سيطرتهم على ستوديو مصر طويلًا.
وهكذا انتهت مؤامرتهم بسحب فيلم "وداد" من بدرخان، وإسناد إخراجه إلى الخبير الألمانى فريتز كرامب، الذى أخرجه بمساعدة جمال مدكور.
وكشف هذا الفيلم، بعد عرضه، عن حقيقة مهمّة: أن فريتز كرامب ليس مخرجًا. فقد جاءت مشاهد الفيلم بطيئة ومملّة، كما أن حركة الكاميرا كانت بدائية، وكانت معظم المشاهد تبدو جامدة، كما لو كانت تُؤدّى على خشبة مسرح، وتقوم الكاميرا بنقلها كما هي، دون أى تدخل فني. بل إن أم كلثوم ظهرت فى إحدى أغنيات الفيلم واقفة أمام ستار، ولم تتحرك هي، ولم تتحرك الكاميرا من مكانها طوال الأغنية!
كان أجمل ما فى الفيلم هو صوت أم كلثوم وظهورها على الشاشة لأول مرة، وفيما عدا ذلك، لم تكن للفيلم قيمة فنية تُذكر، بل لعل الأصح أن نسجل أن المستوى الفنى للفيلم، من ناحيتى الإخراج والتصوير، كان ضعيفًا إلى أقصى حد، ولا يمكن مقارنته بأى فيلم أجنبى عُرض فى بلادنا خلال تلك الفترة. ولم تكن هناك فائدة حقيقية من وجود هذا "المخرج" الأجنبي.
وقد أسند المخرج الأدوار الرئيسية فى الفيلم إلى عدد من ممثلى المسرح المعروفين، مثل أحمد علام، ومختار عثمان، وفتوح نشاطي، ومنسى فهمي، ومحمود المليجي، وظهرت فى الفيلم ممثلة جديدة هى كوكا.
فيلم وداد
وقصة الفيلم "تاريخية"، جرت أحداثها فى أيام المماليك، وبطلها باهر (أحمد علام)، وهو تاجر ثرى يعيش فى بيت فاخر، أثمن ما فيه جارية جميلة الصوت تُدعى وداد (أم كلثوم). وكان باهر يحب وداد ويعيش معها فى سعادة، إلى أن وقع ذات يوم حادث: فقد هاجم اللصوص القافلة التى كانت تحمل السلع التى اشتراها ونهبوها. ولم يستطع باهر أن يسدد الديون التى كان قد اقترضها من بعض زملائه، فاضطر إلى إغلاق متجره. ثم طلبت منه وداد أن يبيعها فى سوق الجوارى كى يسدّد بثمنها بعض ديونه.
وبعد بيعها، ظل باهر حزينًا كسير الفؤاد لفقد حبيبته. وانتقلت وداد من سوق الجوارى إلى بيت رجل ثرى عجوز (منسى فهمي)، لكنها ظلّت وفية لحبيبها باهر. وعندما أحسّ هذا الرجل العجوز بأن ساعته قد دنت إثر مرض طويل، قرّر أن يعتق وداد، فعادت إلى حبيبها باهر، الذى كان قد استعاد متجره، وعاشا سعيدين من جديد.
وكان فيلم "وداد" هو أول فيلم مصرى يُعرض فى مهرجان دولى للسينما، وهو مهرجان البندقية سنة 1936، وقد حقق الفيلم نجاحًا تجاريًا كبيرًا، شجّع أم كلثوم على الظهور فى سلسلة من الأفلام الناجحة، منها "نشيد الأمل" و"دنانير"، وقد أخرجهما أحمد بدرخان. وبرز بدرخان فى هذه المرحلة، وقدم للشاشة مجموعة من الأفلام المتقنة، مثل "حياة الظلام"، المأخوذ عن قصة محمود كامل المحامي.
وكان بدرخان هو أول فنان مصرى يؤلف كتابًا عن السينما. وكتابه "فن السينما" هو أول مرجع باللغة العربية يشرح لهواة السينما والقراء عمومًا كيف يُصنع الفيلم، ومراحل تطوره من القصة إلى السيناريو، إلى الإخراج والتصوير ثم المونتاج، وكان أحمد بدرخان أول مصرى يدرس السينما فى باريس.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بوابة الفجر
منذ 7 ساعات
- بوابة الفجر
محمد الموجي.. مهندس الألحان الذي غيّر وجه الموسيقى العربية
في مثل هذا التوقيت من كل عام، يستحضر الوسط الفني والجمهور العربي ذكرى رحيل أحد أعظم الملحنين في تاريخ الموسيقى العربية، الموسيقار محمد الموجي، الذي رحل عن عالمنا في 1 يوليو عام 1995. ورغم مرور 29 عامًا على وفاته، لا تزال ألحانه حيّة، تملأ الفضاءات بالمشاعر وتُرددها الأجيال، فقد كان بحق "مهندس الألحان" وصاحب البصمة الذهبية في مسيرة عمالقة الطرب. نشأة موسيقار من طراز خاص وُلد محمد أمين محمد الموجي في 4 مارس عام 1923 بمدينة بيلا بمحافظة كفر الشيخ. نشأ في أسرة متذوقة للفن، وكان والده يعزف على العود والكمان، مما جعله يكتشف شغفه بالموسيقى منذ الصغر، ليبدأ تعلم العزف على العود في سن مبكرة. ورغم أنه التحق بكلية الزراعة وحصل على الدبلوم عام 1944، إلا أن شغفه بالموسيقى كان أقوى، فعمل في البداية في وظائف زراعية، قبل أن يلتحق بفرق موسيقية صغيرة ويبدأ رحلته الفنية من بوابة الغناء، التي لم تحقق له ما أراد، فتحول إلى التلحين، وهو القرار الذي غيّر مسيرة الموسيقى العربية. البدايات الفنية والانطلاقة الحقيقية في عام 1951، قُبل محمد الموجي كملحن في الإذاعة المصرية، بعد أن رُفض كمطرب، وكانت تلك نقطة تحول حقيقية، كانت انطلاقته القوية من خلال التعاون مع عبد الحليم حافظ في أولى أغنياته "صافيني مرة"، التي شكلت بداية صعود "العندليب" وصعود الموجي كأحد أبرز ملحني الجيل. محمد الموجي وعبد الحليم حافظ.. ثنائي غيّر الطرب شكّل محمد الموجي مع عبد الحليم حافظ ثنائيًا فنيًا استثنائيًا، حيث لحّن له ما يزيد عن 88 أغنية، أبرزها: "حُبك نار"، "قارئة الفنجان"، "أنا من تراب"، و"اسبقني يا قلبي"، وكان لحن "قارئة الفنجان" الذي غناه عبد الحليم عام 1976 آخر تعاون بينهما قبل وفاة العندليب، واعتُبر تتويجًا لمسيرة طويلة من النجاح المشترك. تعاون مع الكبار من أم كلثوم لفايزة أحمد لم يقتصر إبداع محمد الموجي على عبد الحليم، بل امتد ليشمل عمالقة الطرب، على رأسهم أم كلثوم، التي لحن لها أعمالًا خالدة مثل "للصبر حدود"، و"اسأل روحك"، و"حانة الأقدار". كما قدّم ألحانًا خالدة للمطربة فايزة أحمد مثل "أنا قلبي إليك ميال"، و"تمر حنة"، إلى جانب ألحانه لنجوم آخرين مثل شادية، وردة الجزائرية، نجاة الصغيرة، سميرة سعيد، وغيرهم من رموز الغناء في مصر والعالم العربي. بصمة لا تُنسى في الأغنية الوطنية كان لمحمد الموجي دور كبير في الأغنية الوطنية، إذ لحن عددًا من الأعمال الخالدة التي عبّرت عن روح مصر وقضاياها، مثل "يا صوت بلدنا" و"أنشودة الجلاء". وكانت ألحانه الوطنية تحمل دومًا مزيجًا من الحماس والشجن، بتوقيع موسيقي خاص لا يُخطئه المستمع. أسلوبه الفني.. هندسة اللحن وروح الشرق تميّز أسلوب محمد الموجي بالمزج بين المقامات الشرقية الأصيلة والتقنيات الغربية الحديثة، وابتكار فواصل موسيقية غير مسبوقة، لم يكن الموجي مجرد ملحن تقليدي، بل كان يجيد التعبير عن الكلمات بألحان نابضة بالحياة، تبكي، وتفرح، وتُشعل الحنين في آنٍ واحد، مما جعله يُلقب عن جدارة بـ "مهندس الألحان". رحيله واحتفاء لا ينتهي في الأول من يوليو عام 1995، رحل الموسيقار محمد الموجي عن عالمنا عن عمر ناهز 72 عامًا، بعد أن قدّم للموسيقى العربية أكثر من 1800 لحن، ورغم رحيله الجسدي، لا يزال صوته حاضرًا في كل نغمة، وأثره باقيًا في ذاكرة كل من عشقوا الطرب العربي الأصيل. وتُحيي وسائل الإعلام ووزارة الثقافة المصرية ذكراه سنويًا، من خلال التقارير والبرامج، وتُعرض أعماله في المناسبات الفنية، لتُذكر الأجيال الجديدة بإرث موسيقي لا يُقدّر بثمن.


الدستور
منذ 13 ساعات
- الدستور
في ذكرى رحيله.. محمد الموجي "صانع النجوم" الذي غنى معه الجميع
30 عامًا مرت على رحيل الموسيقار محمد الموجي، الذي غاب عن عالمنا في 1 يوليو 1995، تاركًا خلفه إرثًا موسيقيًّا لا يقدَّر بثمن، فلم يكن الموجي مجرد ملحن، بل كان مهندس الألحان الحديثة وصانع نجومية الأصوات الذهبية، من عبد الحليم إلى أم كلثوم، ومن شادية إلى فايزة أحمد، وصولًا إلى وردة ونجاة الصغيرة وغيرهم. "للصبر حدود".. بصمة خالدة مع أم كلثوم رغم قلة عدد الأعمال التي جمعتهما، ترك الموجي مع كوكب الشرق أم كلثوم أثرًا خالدًا، ومن أشهر تلك الأغنيات: "للصبر حدود" (1963) و"اسأل روحك" (1970)، وكلاهما من كلمات عبد الوهاب محمد، إلى جانب "حانة الأقدار" و"أوقدوا الشموس" من كلمات طاهر أبو فاشا، كما لحّن لها أغانٍ وطنية شهيرة مثل "يا صوت بلدنا" و"يإسلام ع الأمة" و"أنشودة الجلاء" و"محلاك يا مصري"، لتبقى هذه الأعمال شاهدة على جرأته الفنية وروحه المتجددة. علاقة استثنائية مع العندليب وشكلت علاقة الموجي بعبد الحليم حافظ حجر زاوية في مسيرة الاثنين معًا، فقد تعاون الاثنان في أكثر من 50 أغنية، عاطفية ووطنية ودينية، صنعت تاريخًا من الإبداع والخلود. كان أول تعاون بينهما في أغنية "صافيني مرة"، التي كانت بوابة شهرة حليم، وتوالت بعدها الروائع مثل "حبك نار"، "أحبك"، "جبار"، "يا مالكًا قلبي"، "كامل الأوصاف"، وصولًا إلى آخر قصائد حليم "قارئة الفنجان" و"رسالة من تحت الماء" من كلمات نزار قباني. كما لحن له أعمالًا وطنية مؤثرة، منها "بستان الاشتراكية"، "لفي البلاد يا صبية"، و"النجمة مالت ع القمر"، لتؤكد العلاقة بينهما كيف يمكن للّحن أن يكون شريكًا في صياغة الوعي الجمعي للأمة. فايزة أحمد.. رفيقة الشجن استطاع الموجي أن يبرز طاقات فايزة أحمد الصوتية في مجموعة من الأغاني العاطفية الدافئة، ومن أشهر ما قدّما معًا: "أنا قلبي إليك ميّال"، "ياما القمر ع الباب"، "بيت العز"، "حيران"، و"قلبي عليك يا خي"، وقد تعاون في أغلبها مع الشاعر مرسي جميل عزيز، فيما قدّم لها أيضًا "تمر حنة"، "م الباب للشباك"، و"إلهي يحرسك من العين"، وغيرها من الأعمال التي حفرت في الوجدان العربي. وردة الجزائرية.. قصة حب موسيقية لم تكن وردة بحاجة إلى أكثر من أغنية واحدة لتقع في شباك ألحان الموجي، فكانت البداية مع "يا قلبي يا عصفور" و"أمل الليالي"، ثم جاءت روائع مثل "أحبها"، "مستحيل"، "أهلا يا حب"، "لازم نفترق"، وغيرها من الأغاني التي جعلت من وردة رمزًا للرومانسية والأداء القوي، كما قدّم لها أعمالًا دينية مميزة، مثل "سبحان الله"، "قلب الأم"، "سجدوا الملائكة"، و"نداء البداية"، في تنوع يثبت قدرة الموجي الفائقة على استكشاف جميع الألوان الغنائية. شادية.. خفة ظل ممزوجة بالعذوبة أبدع الموجي مع شادية في باقة من الأغاني التي غلب عليها الطابع المرح والعاطفي، مثل "شباكنا ستايره حرير"، "بوست القمر"، "غاب القمر يا بن عمي"، و"أصالحك بإيه"، وجميعا ما زالت تتردد في المناسبات. ألحان لكبار المطربين ولم تقتصر مسيرة الموجي على الأصوات الكبيرة وحدها، بل امتدت لتشمل طيفًا واسعًا من النجوم؛ كمحرم فؤاد "رمش عينه"، عزيزة جلال "هو الحب لعبة"، نجاة الصغيرة "عيون القلب"، "حبيبي لولا السهر"، ميادة الحناوي "جبت قلب منين"، "يا غائب لا يغيب"، و"زي الربيع"، سميرة سعيد "أنا ليك"، "شط البحر"، عفاف راضي "يهديك يرضيك"، صباح "الحلو ليه تقلان قوي"، "الدوامة"، و"زي العسل"، طلال مداح "ضايع في المحبة"، "لي طلب"، علي الحجار موسيقى "عمر بن عبد العزيز"، وغيرهم من الأصوات التي اكتشفها أو دعمها، مثل محمد قنديل، كمال حسني، ابتسام لطفي، ماهر العطار وغيرهم.


نافذة على العالم
منذ 13 ساعات
- نافذة على العالم
ثقافة : قصة السينما.. أول فيلم مصري يشارك في مهرجان دولى
الثلاثاء 1 يوليو 2025 08:30 صباحاً نافذة على العالم - دخلت السينما المصرية مرحلة جديدة مع مدرسة ستوديو مصر، الذى أنتج فيلم "وداد" أول فيلم مصرى يشارك فى مهرجان دولي، فما الذى يقوله كتاب "قصة السينما" لـ سعد الدين توفيق، والصادر فى سنة 1969. مدرسة ستوديو مصر جاءت بعد ذلك أهم مرحلة من مراحل تطوّر الفيلم، وهى مرحلة "ستوديو مصر"، من سنة 1936 إلى سنة 1944، وكان هذا الاستوديو بمثابة مدرسة جديدة فى السينما المصرية، نقلت الفيلم المصرى خطوات واسعة إلى الأمام، إذ كان أول استوديو سينمائى مجهز تجهيزًا كاملًا. وقبل إنشائه، أوفدت الشركة المالكة له، وهى شركة مصر للتمثيل والسينما، عددًا من الشبان لدراسة السينما فى أوروبا، وهم: أحمد بدرخان وموريس كسّاب لدراسة الإخراج فى فرنسا، ومحمد عبد العظيم وحسن مراد لدراسة التصوير فى ألمانيا. كما استعانت بعدد من الخبراء الأجانب للإشراف على إدارة العمل فى الاستوديو. بوستر الفيلم وكان أول فيلم صُوّر فى ستوديو مصر هو فيلم "وداد"، الذى قامت ببطولته أم كلثوم. وكتب قصة الفيلم وحواره الشاعر أحمد رامي، وأعدَّ السيناريو أحمد بدرخان، وكان من المفترض أن يتولى بدرخان إخراج الفيلم أيضًا، إلا أن الخبراء الأجانب الذين كانوا يشرفون على الإدارة الفنية لستوديو مصر وقفوا فى وجه هذا المخرج المصرى الشاب، إذ كانوا يدركون أنه إذا أُتيحت للفنانين المصريين الشبان فرصة إظهار كفاءتهم، فإن ذلك سيهدد بقاءهم، ولن تستمر سيطرتهم على ستوديو مصر طويلًا. وهكذا انتهت مؤامرتهم بسحب فيلم "وداد" من بدرخان، وإسناد إخراجه إلى الخبير الألمانى فريتز كرامب، الذى أخرجه بمساعدة جمال مدكور. وكشف هذا الفيلم، بعد عرضه، عن حقيقة مهمّة: أن فريتز كرامب ليس مخرجًا. فقد جاءت مشاهد الفيلم بطيئة ومملّة، كما أن حركة الكاميرا كانت بدائية، وكانت معظم المشاهد تبدو جامدة، كما لو كانت تُؤدّى على خشبة مسرح، وتقوم الكاميرا بنقلها كما هي، دون أى تدخل فني. بل إن أم كلثوم ظهرت فى إحدى أغنيات الفيلم واقفة أمام ستار، ولم تتحرك هي، ولم تتحرك الكاميرا من مكانها طوال الأغنية! كان أجمل ما فى الفيلم هو صوت أم كلثوم وظهورها على الشاشة لأول مرة، وفيما عدا ذلك، لم تكن للفيلم قيمة فنية تُذكر، بل لعل الأصح أن نسجل أن المستوى الفنى للفيلم، من ناحيتى الإخراج والتصوير، كان ضعيفًا إلى أقصى حد، ولا يمكن مقارنته بأى فيلم أجنبى عُرض فى بلادنا خلال تلك الفترة. ولم تكن هناك فائدة حقيقية من وجود هذا "المخرج" الأجنبي. وقد أسند المخرج الأدوار الرئيسية فى الفيلم إلى عدد من ممثلى المسرح المعروفين، مثل أحمد علام، ومختار عثمان، وفتوح نشاطي، ومنسى فهمي، ومحمود المليجي، وظهرت فى الفيلم ممثلة جديدة هى كوكا. فيلم وداد وقصة الفيلم "تاريخية"، جرت أحداثها فى أيام المماليك، وبطلها باهر (أحمد علام)، وهو تاجر ثرى يعيش فى بيت فاخر، أثمن ما فيه جارية جميلة الصوت تُدعى وداد (أم كلثوم). وكان باهر يحب وداد ويعيش معها فى سعادة، إلى أن وقع ذات يوم حادث: فقد هاجم اللصوص القافلة التى كانت تحمل السلع التى اشتراها ونهبوها. ولم يستطع باهر أن يسدد الديون التى كان قد اقترضها من بعض زملائه، فاضطر إلى إغلاق متجره. ثم طلبت منه وداد أن يبيعها فى سوق الجوارى كى يسدّد بثمنها بعض ديونه. وبعد بيعها، ظل باهر حزينًا كسير الفؤاد لفقد حبيبته. وانتقلت وداد من سوق الجوارى إلى بيت رجل ثرى عجوز (منسى فهمي)، لكنها ظلّت وفية لحبيبها باهر. وعندما أحسّ هذا الرجل العجوز بأن ساعته قد دنت إثر مرض طويل، قرّر أن يعتق وداد، فعادت إلى حبيبها باهر، الذى كان قد استعاد متجره، وعاشا سعيدين من جديد. وكان فيلم "وداد" هو أول فيلم مصرى يُعرض فى مهرجان دولى للسينما، وهو مهرجان البندقية سنة 1936، وقد حقق الفيلم نجاحًا تجاريًا كبيرًا، شجّع أم كلثوم على الظهور فى سلسلة من الأفلام الناجحة، منها "نشيد الأمل" و"دنانير"، وقد أخرجهما أحمد بدرخان. وبرز بدرخان فى هذه المرحلة، وقدم للشاشة مجموعة من الأفلام المتقنة، مثل "حياة الظلام"، المأخوذ عن قصة محمود كامل المحامي. وكان بدرخان هو أول فنان مصرى يؤلف كتابًا عن السينما. وكتابه "فن السينما" هو أول مرجع باللغة العربية يشرح لهواة السينما والقراء عمومًا كيف يُصنع الفيلم، ومراحل تطوره من القصة إلى السيناريو، إلى الإخراج والتصوير ثم المونتاج، وكان أحمد بدرخان أول مصرى يدرس السينما فى باريس.