
مساعدات غزة... «مسرحية» للنهب المفتوح
ويعاني قطاع غزة من فوضى حقيقية لم تنجح كل محاولات حكومة «حماس» في القضاء عليها؛ بفعل الاستهداف المتكرر لعناصرها من قِبل إسرائيل، وكان آخرها مساء الاثنين، محاولات التجمع الوطني للعشائر والقبائل والعائلات الفلسطينية تأمين بعض المساعدات، التي دخلت من معبر زيكيم، شمال غربي القطاع، قبل أن يقدم الجيش الإسرائيلي على قصف إحدى مجموعات التأمين؛ ما أدى إلى مقتل 5 منهم وإصابة 13 بجروح متفاوتة، لحظة دخول شاحنات المساعدات؛ الأمر الذي سمح لقطاع الطرق وبعض العصابات المسلحة بالدخول فوراً ونهب تلك الشاحنات.
فلسطينيون يكافحون للحصول على الغذاء من مطبخ خيري في مدينة غزة الاثنين (رويترز)
ولم تنجح الشاحنات التي دخلت من مصر بالوصول إلى الأماكن المخصصة لها، بما في تلك المخصصة للجالية المصرية أو الجالية المسيحية بغزة، وذلك بفعل سرقتها ونهبها.
ويمكن القول بوضوح ومن المعاينة على الأرض، فإن جميع المساعدات بما فيها تلك التي تم إسقاطها جواً تعرَّضت للنهب والسرقة، عدا جزء بسيط جداً منها استطاع بعض المواطنين ممن يبحثون عن سد رمق أبنائهم في الحصول عليها بصعوبة بالغة، بعد أن دخلوا في عراك كبير مع بعض اللصوص.
الشاب الغزي، جميل حسنة، من سكان حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، وعلى مدار 4 أيام كان يقطع مسافة نحو 3 كيلومترات حتى وصل إلى منطقة شمال غربي السودانية، إلى الجزء الشمالي الغربي من قطاع غزة؛ من أجل محاولة الحصول على كيس (شوال) من الدقيق (الطحين) يصل وزنه إلى 25 كيلوغراماً، إلا أنه لم ينجح في أي منها بالحصول عليه سوى مرة واحدة، وفي تلك المرة تكاثر عليه بعض اللصوص واعتدوا عليه بالضرب المبرح قبل أن يأخذوا منه ما بحوزته، بعد معاناة لساعات طويلة كان ينتظر فيها الحصول على الدقيق لعائلته.
فلسطينيون نجحوا في الحصول على أكياس دقيق (طحين) برفح الاثنين (أ.ف.ب)
يقول حسنة لـ«الشرق الأوسط»، إنه نجا بأعجوبة من موت محقق في تلك اللحظة، بعد أن كان نجا قبلها بأيام من قذيفة مدفعية أطلقتها دبابة إسرائيلية تجاه مجموعة من الشبان كان يبعد عنهم نحو 20 متراً، بعد أن سقطت في وسطهم وحولتهم أشلاءً أثناء انتظارهم شاحنات المساعدات.
ويشير حسنة، إلى أن هناك الكثير من المواطنين ممن يحتاجون فعلاً إلى المساعدات يتوجهون، لكنهم لا يستطيعون الحصول عليها، لأن هناك عصابات مسلحة بأسلحة مختلفة، منها نارية وأخرى بيضاء، وهناك لصوص عبارة عن مجموعات من أصدقاء وغيرهم يتكاثرون أيضاً ويحملون أسلحة بيضاء وينهبون ما يستطيعون، وهناك عصابات بالأساس يقف خلفها التجار ويدفعون لهم مبالغ مالية مقابل الحصول على المواد الغذائية المدخلة؛ بهدف بيعها في الأسواق بأسعار باهظة الثمن.
في غالبية أسواق قطاع غزة، ما أن تدخل شاحنات المساعدات ويتم نهبها، حتى يتم عرض ما يُنهب منها بأسعار باهظة الثمن، لا يكاد الموظف الحكومي أو في القطاع الخاص من أصحاب الرواتب متوسطة المدى، أن يستطيع شراءها بسبب غلائها من جانب، وعدم توفر السيولة النقدية من جانب آخر والتي في حاجة إلى أن تحصل عليها في ظل إغلاق البنوك، إلى دفع عمولة وصلت إلى 48 في المائة. (أي كل 100 دولار في التطبيق البنكي تحولها إلكترونياً لحساب التاجر، تحصل مقابلها 52 دولاراً نقداً منها).
طاقم طائرة نقل عسكرية أردنية يستعدون لإسقاط رزم مساعدات فوق غزة الاثنين (رويترز)
يقول الموظف في السلطة الفلسطينية، أحمد المغربي، من سكان حي الصبرة جنوب مدينة غزة: «مش عارفين شو نعمل بحياتنا، الحرامية واللصوص بتحكمون فينا... بأكلنا وبفلوسنا وبكل جزء بحياتنا، ومشان هيك الهجرة أفضل حل».
ويشير المغربي إلى أن عصابات اللصوص، التي تقف بشكل أساسي خلفها أيادٍ خفية من تجار وغيرهم، تقوم بسرقة المساعدات ونهبها، وتشعر وكأن لديها تنسيقاً مع إسرائيل للوصول للمساعدات قبل المواطنين؛ لأنها تتدفق لأماكن نقاط دخولها وتعرف طرق وصولها قبل معرفة السكان بذلك. وفق قوله.
يضيف المغربي: «هذه الحقيقة المُرّة تسيطر على حياتنا في غزة، ونحن نشعر بذلك ونراه بأنفسنا، فالظروف قاهرة جداً، والحياة مرة وصعبة، ولم تعد تحتمل في ظل تحكم هؤلاء اللصوص في كل مناحي الحياة... ما رأينا مساعدات من أي دولة وصلتنا، فقط اللصوص ومن يقف خلفهم هم المستفيدون من ذلك، وعلى العالم أن يتوقف حتى يجد طريقة حقيقية لتأمين هذه المساعدات وتوزيعها بشكل عادل عبر المؤسسات الأممية والدولية، كما كان في وقف إطلاق النار السابق وفي المرحلة التي سبقتها».
امرأة وأطفال يتفرجون على محتويات صندوق من رزم المساعدات التي تم إسقاطها جواً فوق مدينة غزة الاثنين (رويترز)
ويرى كثيرون من سكان قطاع غزة، كما ترى منظمات أممية، أنه من دون التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، فإن من الصعب حماية هذه المساعدات ووصولها إلى مستحقيها.
وشهدت غزة في الأيام القليلة الماضية، عمليات إسقاط جوي للمساعدات الإنسانية، من قِبل بعض الدول العربية، إلا أن الكثير منها سقط بشكل أساسي في مناطق يوجد بها الجيش الإسرائيلي، كما جرى في بعض مناطق جنوب خان يونس، وكذلك في شرق مدينة غزة، في حين سقطت أخرى بمناطق يوجد بها غزيون، إلا أن غالبيتها تعرضت للسرقة وعُرضت في الأسواق للبيع بأسعار باهظة الثمن.
وبلغ سعر كيلو السكر نحو 130 دولاراً بعدما كان في الأيام الماضية ما بين 150 و170 دولاراً، في حين تراوحت أسعار المعلبات الغذائية من اللحوم والمطبوخات الجاهزة التي تحتاج فقط إلى تسخينها، ما بين 44 و60 دولاراً، وهي أسعار تنطبق على غالبية ما يتوفر من بضائع المساعدات.
محتويات صندوق من رزم المساعدات التي تم إسقاطها جواً فوق مدينة غزة (رويترز)
ويوضح برنامج الأغذية العالمي أنه خلال يوم الاثنين دخلت 55 شاحنة إلى قطاع غزة، وتم الاستيلاء عليها من قِبل حشود الفلسطينيين قبل وصولها، مؤكداً أنه لم يحصل أي تغير على الأرض في قطاع غزة، ولم يتم السماح باستخدام طرق بديلة لإدخال المساعدات.
ولا يكتفي اللصوص والعصابات وغيرهم بسرقة المواد الغذائية، بل يعملون على سرقة الحليب و«البامبرز» (حفاضات الأطفال) المفقودين بشكل أساسي لدى وزارة الصحة والسكان، ويبيعونه بالأسواق بأسعار باهظة الثمن، حيث وصل ثمن علبة الحليب الواحدة 69 دولاراً، في حين وصل سعر حبة البامبرز الواحدة 4 دولارات.
ووصفت المواطنة نسرين العاصي، من سكان بلدة بيت لاهيا والنازحة إلى غرب مدينة غزة، قضية إدخال المساعدات بأنها مجرد «مسرحية» تريد من خلالها إسرائيل أن تظهر أمام المجتمع الدولي بأنها تسمح بإدخال هذه المساعدات، لتخفيف المجاعة بغزة، وهي بالأساس تعمل على إدارة هذه المجاعة، بما يحقق أهدافها في الفوضى القائمة حالياً والتي هي تقف خلفها من خلال ترك المجال لعصابات اللصوص بالسيطرة على كل شيء، في وقت يتم فيه استهداف عناصر التأمين من جانب، ومن جانب آخر ترفض أن يتم تأمين الشاحنات وتفرض على السائقين التوقف في الشوارع العامة بما يسمح بنهبها. وفق قولها.
ويؤكد المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، أن الغالبية العظمى من الشاحنات تتعرض للنهب والسرقة وبشكل ممنهج، كما أن المساعدات التي يتم إسقاطها لا تتجاوز حمولتها يومياً نصف شاحنة مساعدات، وسقط بعضها في مناطق مصنفة حمراء. وقال: «إن ما يجري في قطاع غزة، يُعدّ نموذجاً واضحاً وممنهجاً على أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى بوعي إلى نشر الفوضى وهندسة المجاعة، ويمنع عمداً وصول المساعدات إلى مستودعاتها أو مستحقيها، بما يشكّل جريمة متعمدة ومستمرة بحق المدنيين المحاصرين».

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الحدث
منذ 2 ساعات
- الحدث
"تيسلا" مُلزمة بدفع 242 مليون دولار تعويضًا في حادث فلوريدا المميت
قضت هيئة محلفين في ولاية فلوريدا، أمس الجمعة، بإلزام شركة تيسلا بدفع تعويضات قدرها 242 مليون دولار ، وذلك بعد تحميلها مسؤولية جزئية عن حادث سيارة مميت وقع في عام 2019. أسفر الحادث عن وفاة نايبل بينافيديس ليون وإصابة صديقها ديلون أنغولو. وفقًا للمحامي دارن جيفري روسو، الشريك في مكتب المحاماة الممثل لعائلتي الضحيتين، فإن الحادث وقع في منطقة كي لارغو، ونتج عن انحراف سيارة تيسلا، التي كان يقودها جورج مكغي، واصطدامها بسيارة شيفروليه. أرجع الادعاء سبب الحادث إلى خلل في نظام "القيادة الذاتية" الخاص بتيسلا. أقرت هيئة المحلفين تعويضات بلغت 200 مليون دولار كعقوبة ، و 129 مليون دولار كتعويضات مالية للعائلتين. ومع ذلك، تم تخفيض المبلغ الإجمالي بعد تحميل "تيسلا" ثلث المسؤولية فقط عن الحادث، ليصل إجمالي التعويض إلى 242 مليون دولار. وصف روسو الحكم بأنه "عادلاً ومنصفًا". من جانبها، أعلنت شركة "تيسلا" عزمها استئناف الحكم. أكدت الشركة في بيان لها أن السائق كان مسرعًا وقد عطل خاصية القيادة الذاتية عندما ضغط على دواسة السرعة أثناء انشغاله بالبحث عن هاتفه. وأضاف البيان أن الحادث لم يكن بالإمكان تجنبه، سواء في عام 2019 أو حتى اليوم، وأنه لا علاقة له بتقنية القيادة الذاتية.


Independent عربية
منذ 2 ساعات
- Independent عربية
مصائر السوريات... خطف مجهول وعودة مبهمة
لم تبدأ قصة خطف السيدات السوريات في شهري مارس (آذار) وأبريل (نيسان) الماضيين وما تلاهما، لكنهما الشهران اللذان فتحا عيون الوكالات الدولية والمنظمات الإنسانية والحقوقية على الملف، الحقيقة أن القصة بدأت قبل ذلك بكثير، أي منذ سقوط النظام أواخر العام الماضي ودخول البلد في مرحلة من الفوضى، وعلى رغم أن وكالات دولية كوكالة "رويترز" وثقت خطف ما بين 30 إلى 40 سيدة سورية من الطائفة العلوية في مرحلة معينة، لكن ذلك لا يعني أن هذا الرقم هو الدقيق أو النهائي، فهي راعت توقيتاً زمنياً محدداً في بحثها يتضمن مرحلة زمنية نسبية قصيرة إلى حد ما، كما أنها ومعها منظمات أخرى اصطدمت بعقبات مشابهة للتي تعرض إليها موقع "اندبندنت عربية" خلال بحثه في هذا الموضوع، وعلى رأس تلك العقبات عدم تعاون الأجهزة الأمنية وإخفاء السجلات وتمييع الموضوع في الغالب، إضافة إلى خشية أسر الضحايا من الحديث خوفاً على سلامة بناتهن ونسائهن، فكان هذان العاملان بمثابة مطب صناعي ضخم يواجه أية آلية بحث مستقلة. وعلى رغم اطلاع "اندبندنت عربية" على شهادات بعض ذوي الضحايا والاستماع إليهم، إلا أن شيئاً من الحيرة والارتباك والحذر كان يسود المشهد، الجميع يتأمل عودة المفقودات وعدم إثارة حفيظة خاطفيهن اللذين هددوا غير مرة بتصفيتهن في حال انتشار تفاصيل القصص تلك على فضاءات التواصل الاجتماعي، بعض العائلات استجابت لتلك المطالب وقلة لم تستجب، كما أنه من الصعب الاطلاع على سجلات كاميرات المراقبة التي توضح آخر مكان كن فيه قبل الاختفاء. سبي وتجارة... أيهما أقرب؟ الجرائم الواقعة على العرض في بيئة محافظة كالبيئة السورية تتطلب حذراً شديداً في التعامل معها، ومقاربتها من الزاوية الأقل ضرراً نفسياً ومعنوياً للأسرة بأكملها. نورهان .ح شابة تبلغ من العمر 24 سنة، اختطفت خلال يونيو (حزيران) الماضي من مدينة حمص. الشابة والدة لطفلين، أحدهما يبلغ الرابعة والآخر ما زال رضيعاً، كانت في طريقها إلى سوق المدينة قبل أن تعترض طريقها سيارة جيب نوع "توسان"، وأدخلها ملثمون بقوة السلاح إلى داخل المركبة ثم اقتادوها بعيداً. ظلت نورهان أسيرة لـ20 يوماً تتعرض خلالها لتعذيب نفسي وجسدي قاس للغاية كما قال عمها لـ"اندبندنت عربية"، خلال عملية الخطف سئلت الفتاة عن مذهبها الديني، قبل أن تقاد نحو وجهة لا تعرفها معصوبة العينين لتوضع في قبو يفتقد لأدنى مقومات الحياة. وكانت نورهان كثيراً ما تتوقف خلال حديثها بسبب البكاء حينما تستذكر كمية الإهانات والضرب والتحرش الذي تعرضت له، كما حاول الخاطفون إجبارها على توقيع ورقة زواج من أحدهم وكانت تأبى باستمرار، فتتعرض لضرب يجعلها في نهاية المطاف فاقدة للوعي. وبالمعنى التقني لعملية الخطف تلك، كانت تتشابك خيوط ما بين التجارة والسبي في آن، وعلى أحد الأمرين أن يتحقق، وقد تحققت نية التجارة حين أفرج عنها في مقابل 12 ألف دولار أميركي. الشابة اليوم تتعالج عضوياً من آلام تناسلية وبنيوية ومن أوجاع نفسية، ضمن خطة علاج طبي مركب لا يبدو أن الزمن سيكون كفيلاً جداً بمحوه في القريب العاجل. إذلال متعمد الناشط الحقوقي فضل الله حمادة قال إن "جل المختطفات ينتمين إلى الأقليات، العلويات بالدرجة الأولى، ومن ثم الدرزيات في مرحلة لاحقة"، مؤكداً أن "أعدادهن لا يمكن أن تكون مؤكدة نظراً إلى أن عشرات وأكثر من الحالات لم يجر إعلانها أو تداولها لأسباب معروفة ما بين مجتمعية وارتيابية من الجهة الخاطفة". ويرى أن "هذا الانتقام منهجي ومكرس، ويستهدف فتيات ذنبهن الانتماء إلى طائفة الرئيس المخلوع (بشار الأسد)، وذلك ما يتوافق مع مقتل آلاف العلويين ضمن حالات تصفيات ميدانية وجرائم حرب من دون أن يكونوا تورطوا فعلياً في الحرب السابقة". وتابع حمادة "هذه الطائفة مستهدفة لأسباب عقائدية بالدرجة الأولى، حالها حال أقليات أخرى، ينظر إليها بوجه التكفير، والهدف الأساس من اختطاف أو اعتقال أو سبي نسائهن، يأتي محمولاً على رمزية كبرى تحاكي الإذلال المتعمد، ليقود بالتالي نحو إجبار وتركيع الأقليات، فنحن رصدنا أن معظم المختطفات - المحررات منهن - خضعن لأساليب تعذيب وحشية وألفاظ نابية تصفهن بالخنازير والقردة والكفرة". ضحية وليست سبية ما زاد الطين بلة هو تأكيد "لجنة تقصي أحداث الساحل" في تقريرها قبل أيام أنها لم تتلق نداءات حول خطف فتيات علويات خلال الإطار الزمني لعملها المستمر من مارس (آذار) الماضي وحتى يوليو (تموز) الجاري، وهي الفترة التي عرفت الكم الأكبر من حالات التغييب القسري، في وقت لا تريد فيه وزارة الداخلية الإجابة عن أسئلة من هذا النوع، ومعها المسؤولون المحليون الذين يتحاشون الخوض فيه لحساسيته وخصوصيته. يقول المهندس نادر عز الذي فقد ابنته في أحداث الساحل في مدينة بانياس، مستغرباً توصيف بعض ما حصل بـ"الأعمال الفردية"، معتبراً أنه "سياسة كلية ممنهجة ترقى إلى حد التهديد الوجودي لطائفة تمثل نحو 15 في المئة من النسيج السوري الكامل". وفي إحدى لحظات حديثه التي تبدو غريبة ومفهومة في آن، كان عليه أن يقول "الحمد لله أن ابنتي شهيدة وليست سبية، أجرها عند الله حيث يلتقي الخصوم". "ابحثوا عن عشيقها" في منطقة قريبة من بانياس، في إحدى قراها واسمها بارمايا، وفي تلك المرحلة الزمنية التالية للمجازر، خرجت فتاة ذات 29 سنة تدعى مروى من قريتها باتجاه طرطوس لاستكمال بعض الأوراق الرسمية، لكن الاتصال انقطع معها عند الثالثة بعد الظهر. ظلت العائلة تبحث بلا جدوى، إلى أن وصلتها رسالة عبر تطبيق "واتساب" من رقم ابنتهم، قال مجهول فيها "انسوا الفتاة ولا تجعلوا أحداً يتدخل وإلا أرسلناها لكم قطعاً"، وفق شقيق مروى لـ"اندبندنت عربية" الذي توجه على الإثر مع أبيه مباشرة إلى مركز الشرطة ليقدم بلاغاً بفقدان ابنته، فكان الرد باهتاً، إذ قال لهما المسؤول هناك "لسنا هنا لنتابع هذه القضايا السخيفة، ابحثوها عن عشيقها الذي هربت معه"، وبذلك لم يفتح محضر ولم يصل الأهل إلى نتيجة حتى اليوم على رغم مرور بضعة أشهر. تلك الأشهر حملت في أيام متعددة تواصلاً متأخراً من الخاطفين مع عائلة مروى، مما يدحض استسهال الشرطة، فطالبوا بفدية كبيرة يجب إيصالها إلى تركيا، وبالفعل أرسلت الفدية على أربع دفعات، لكن الخاطفين اختفوا من جديد، ومروى اختفت أيضاً. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) العودة المجهولة كان الوصول إلى المحررات أسهل نسبياً من الاستعلام عن اللاتي ما زلن مختطفات حتى اليوم، على رغم أن إجراء حديث طبيعي معهن ما زال يتسم بالصعوبة، كحال الأختين ميرنا وزهرة (21 و16 سنة)، اللتين خطفتا في جبلة في مايو (أيار) الماضي بواسطة سيارة مغلقة لا تحمل لوحات. أيضاً كعادة أسلوب الخطف اعترضت السيارة طريقهما، نزل منها ثلاثة رجال مسلحين ملثمين، سألوا الفتاتين إلى أين ينتميان وما هي طائفتهما، قبل اقتيادهما بالقوة على مرأى الناس من دون أن يجرؤ أحد على التدخل، عصبت أعينهما، وسارت بهما السيارة نحو أربع ساعات بحسب تقديرات الأخت الكبرى ميرنا، قبل أن تودعا في مستودع يحوي أقفاصاً مبعثرة وصناديق ذخيرة فارغة. خلال رحلة الطريق تلك تعرضت الفتاتان لتعنيف جسدي ولفظي ولمسات غير أخلاقية، وكانتا تنتعان على الدوام بـ"الكفرة "و"الفلول" و"أيتام الأسد" وما إلى ذلك، حتى أن أحد الخاطفين قال لهما "في رقابكم دماء مئات من إخوتنا 'المجاهدين' وستدفعون الثمن". كانت ميرنا بحسب كلامها تفترض السيناريو الأسوأ في كل لحظة، تتخيل بيعهن كسبايا، أو استعبادهن جنسياً، أو قتلهن، لكن كل ما كان يشغلها هو أختها المراهقة وكيف ستتمكن من حمايتها مهما كان ثمن التضحية التي سيتوجب تقديمها لدرء الخطر عن الصغيرة. تقول ميرنا "كنت أفكر بكل ما يمكن أن يحصل، أن يجري بيعنا كبشر، أو كأعضاء، كنت قرأت كثيراً عن مصير الإيزيديات وما حل بهن، كان خوفي يتنامى، في اليوم الأول الذي أودعنا فيه المستودع لم يدخل علينا أحد، أما في بقية الأيام فحصل معنا ما لم أتخيل يوماً أن يمكن لبشر فعله بآخر". بعد 45 يوماً بالتمام أعيدت الفتاتان، رميتا في منتصف الليل في الساحة هناك، منقبتان وخائفتان، حتى الآن لا أحد يدري كيف حصل ذلك ولماذا، والفتاتان وعائلتهما نفسهما تتكتمان على الموضوع بصورة كاملة، ويقولون إن "قضاء الله نفذ" ولا يريدون استفزاز أحد من جديد ولو بمعلومة أو كلمة، مكتفين بصمت مطبق لم يطلعوا أحداً عليه حتى من المقربين أو الجوار أو الشرطة نفسها، مما يرجح دخول وسطاء سريين على خط المفاوضات وتبادل أموال وأشياء يمكن أن تكون لعبت دوراً في العودة الغريبة للفتاتين اللتين ما زالتا تعانيان آثاراً نفسية شديدة. منظمة العفو الدولية تطلق استغاثة في اليومين الماضيين أطلقت "منظمة العفو الدولية" نداء عاجلاً للحكومة السورية لتسريع جهود منع أعمال العنف القائم على النوع الاجتماعي، إضافة إلى إجراء تحقيقات متسارعة في شأن حالات خطف الفتيات والسيدات العلويات ومحاسبة مرتكبي جرائم الاختطاف. وأكدت المنظمة أنها تلقت في الأشهر الماضية تقارير موثقة حول خطف فتيات تتراوح أعمارهن بين ثلاث سنوات و40 سنة، في اللاذقية وطرطوس وبانياس وجبلة وحمص وحماه. ومن بين حالات الخطف تلك، وثقت المنظمة عمليات غالبها جرى في وضح النهار، ومن خلال المتابعة تمكنا من رصد حالات وقعت في أشد الأماكن ازدحاماً ضمن أحياء حمص وطرطوس واللاذقية. وقالت أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، "وعدت السلطات السورية مراراً وتكراراً ببناء سوريا من أجل جميع السوريين، ولكنها تخفق في منع حالات خطف النساء والفتيات، والإيذاء البدني، والزواج القسري، والاتجار المحتمل بالأشخاص، وتتقاعس عن التحقيق بصورة فعالة وملاحقة المسؤولين عن هذه الحالات. وخلفت هذه الموجة من عمليات الخطف أثراً كبيراً لدى المجتمع العلوي الذي عصفت به المجازر من قبل، إذ تخشى النساء والفتيات الخروج من منازلهن أو السير بمفردهن". وأكدت المنظمة أنه "من بين ثماني حالات موثقة في الأقل، تجاهلت السلطات أربع حالات أو لم تعترف بها أساساً، وفي عموم الحالات لم تطلع الشرطة أسر الضحايا على سير مجريات التحقيق، وفي حالتين في الأقل جرى تحميل الأهل المسؤولية في الحفاظ على بناتهن، متهمين إياهم بالمسؤولية عن الخطف". وتتحدث المنظمة باستفاضة عن حالات طلب الفدية التي جرت في الآونة الأخيرة، وأشير في تقارير صحافية إلى أن المبالغ كانت تتراوح ما بين كونها زهيدة لتصل إلى 100 ألف دولار، وتضيف المنظمة أنه "في حالات مرصودة أجبرت الضحية على الزواج من خاطفها". وقالت ناشطة تابعة للمنظمة، تحفظت على ذكر اسمها بعدما زارت المنطقة الساحلية في سوريا أخيراً، "كل النساء يعشن في حالة تأهب كامل، لا نستطيع أن نستقل سيارة أجرة وحدنا، أو نمشى وحدنا، أو نفعل أي شيء من دون الشعور بالخوف. وعلى رغم أنني لست علوية، وأفراد أسرتي تشككوا في البداية في حالات الاختطاف، طلبوا مني ألا أذهب إلى أي مكان بمفردي وأن أتوخى شديد الحذر". الدروز أيضاً على رغم أن الأمر كان مرتبطاً حصراً بفتيات الطائفة العلوية خلال الأشهر السبعة الأولى من سقوط النظام، لكن معارك السويداء أواسط يوليو (تموز) الجاري غيرت في صورة المعادلة المرتبطة بالخطف، فمع دخول القوات الحكومية يومي الـ15 والـ16 من يوليو إلى المدينة، ومن ثم انسحابها واندلاع معركة ائتلاف العشائر في مواجهة القوات الدرزية، بدأ فصل جديد في المدينة، فصل جعل السويداء مع معظم قراها منكوبة أو شبه منكوبة بصورة كاملة، ورافق ذلك مقتل أكثر من 1400 شخص بحسب توثيقات المرصد السوري لحقوق الإنساني، وهجرة عشرات آلاف من السكان، إضافة إلى هجرة ديموغرافية للبدو من المدينة وريفها، وحين انقشع غبار المعارك اتضح أن نحو 80 فتاة وامرأة من السويداء خطفن نحو مصير مجهول. حاول موقع "اندبندنت عربية" التواصل مع مرجعيات شعبية ودينية في المحافظة الجنوبية، لكن لا أحد يملك تبريراً أو جواباً فعلياً حول مصير تلك الفتيات في محافظة تسودها الأعراف والتقاليد الاجتماعية والبيئة المحافظة بأضعاف مما هي عليه في الساحل. ويشعر السائل أن أهل المدينة لا يريدون الإجابة أكثر من أنهم يملكونها ويخفونها، القضية هناك ترتبط بمفهوم العرض بصورة موسعة للغاية. لا يخفي ناشطو السويداء اتهامهم لمسلحي العشائر والمتحالفين معهم بالتورط في عمليات الخطف، محملين مسؤولية كبيرة لوزيرة الشؤون الاجتماعية والعملية هند قبوات. ويعتقد الناشطون أنه يجب منح فرصة لعمليات التفاوض والتحرير، فالملف لم يغلق حتى الآن، مشيرين إلى أن الخاطف والمختطف معروفان. وعلى رغم أن خطف سيدات الدروز كان نتيجة وجودهن في مناطق قتال شديد وفوضى مخيفة، لكن ذلك لا يعني أنهن لن يكن – افتراضاً - هدفاً مستقبلياً في عمليات مشابهة، خصوصاً بعد ما حصل من مهاجمة وضرب للطلاب الدروز في الجامعات، والتصفيات الميدانية لشبابهم في أحياء متفرقة، كان آخرها مقتل شابين في دمشق يملكان متجراً صغيراً على خلفية طائفية، إلا أن الأكيد في كل ذلك هو أن حالات اختطاف العلويات مستمرة حتى الساعة في المناطق التي تسكنها تلك الطائفة ولا يحميها أحد فيها، فتصبح لقمة سائغة لأية مجموعة خارجة عن القانون تبحث عن ثأر أو انتقام.


صدى الالكترونية
منذ 3 ساعات
- صدى الالكترونية
هيئة محلفين تُغرم تسلا 242 مليون دولار بسبب حادث مميت
قضت هيئة محلفين في فلوريدا، بتغريم شركة تسلا مئات ملايين الدولارات في قضية حادث مميت وقع عام 2019 وحمّل المدعون مسؤوليته جزئياً لتقنية 'القيادة الذاتية' للشركة. وذكرت الهيئة أن نظام تسلا مسؤول جزئياً عن حادث وقع في كي لارغو وأدى إلى مقتل نايبل بينافيديس ليون وإصابة صديقها ديلون أنغولو، وفقاً للمحامي دارن جيفري روسو، الشريك في مكتب المحاماة الذي يمثل عائلتي أنغولو وليون. كما أقرت تعويضاً عقابياً قدره 200 مليون دولار، وتعويضاً مالياً قدره 59 مليون دولار لعائلة ليون وآخر قدره 70 مليون دولار لعائلة أنغولو، حسب وثائق للمحكمة. ونظرا إلى أن هيئة المحلفين حملت ثلث المسؤولية لتسلا، خفضت التعويضات المالية، وفقاً لروسو، ليبلغ إجمالي التعويض المترتب على تسلا 242 مليون دولار. وقال روسو إن 'العدالة تحققت'، مضيفاً: 'لقد استمعت هيئة المحلفين إلى كل الأدلة وخرجت بحكم عادل ومنصف لعملائنا'. فيما أعلن وكيل تسلا القانوني أن الشركة ستستأنف القرار. وجاء في بيان للفريق القانوني لتسلا أن 'الحكم الصادر اليوم خاطئ ولا يؤدي إلا إلى تقويض سلامة قطاع السيارات ويعرض للخطر جهود التطوير وتطبيق تكنولوجيا إنقاذ الأرواح التي تبذلها تسلا وقطاع صناعة السيارات برمته'.