
ترامب يحرق 'السّجّادة النّوويّة' بـ25 دقيقة
«أساس ميديا»
صبرت إيران كثيراً، وصبر شعبها راغباً أو مرغماً، لحياكة سجّادة البرنامج النووي، قبل أن يعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تدميره خلال 25 دقيقة فقط، في عمليّة 'مطرقة منتصف الليل'.
خلافاً لما هو شائع، لم تقصف الولايات المتّحدة أيّ مفاعل نووي إيراني، بل قصفت مواقع التخصيب. والفرق بين الاثنين جوهريّ لخيارات الحرب والسلام، ولمسار التفاوض المقبل بعد أن يهدأ غبار الضربات.
لدى إيران مفاعل نوويّ وحيد لتوليد الكهرباء، هو بوشهر، الذي ليس محلّ جدل في الملفّ النووي الشائك لأنّه لا يستخدم سوى وقود اليورانيوم المنخفض التخصيب الذي يأتي من روسيا، وليس له أيّ ارتباط جدّيّ بالمنشآت المثيرة للجدل لتخصيب اليورانيوم في فوردو ونطنز وأصفهان.
مكمن الخلاف في هذه المنشآت أنّها تنتج يورانيوم عالي التخصيب (HEU)، أي يورانيوم مخصّباً بنسبٍ تراوح بين 20% و60% أو أكثر، في حين أنّ مفاعلات توليد الكهرباء لا تحتاج إلّا إلى يورانيوم منخفض التخصيب (LEU)، أي مخصّب بنسبة تراوح بين 3% و5%.
تقوم السرديّة الإيرانية على أنّ لها الحقّ في امتلاك الدورة الكاملة للوقود النووي ما دامت لا تستخدمها لإنتاج سلاح نوويّ، وتبرّر التخصيب بنسبة 20% في مفاعل طهران البحثيّ بحاجتها إليه في إنتاج النظائر الطبّيّة لعلاج أمراض السرطان. لكن حتّى اليوم لم تقدّم إيران سبباً مقنعاً لبناء هذا العدد من أجهزة الطرد المركزي، والتمسّك بالتخصيب إلى مستوى 60%، إذا لم تكن نواياها غير سلميّة.
حتّى مفاعل بوشهر السلميّ لا تحتاج إيران إلى الوقود المخصّب له، لأنّ وقوده يأتي من روسيا تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرّية. بل إنّ الوقود المستنفد فيه يعود إلى روسيا لضمان عدم استخدامه في إنتاج البلوتونيوم محلّيّاً.
بين بوشهر وبراكة
لكن لو أنّ الغاية سلميّة حقّاً لكان بالإمكان المقارنة بين النموذجين الإيراني والإماراتي. في إيران، بدأ بناء مفاعل بوشهر في عهد الشاه، وكان من المفترض أن يكتمل في النصف الأوّل من الثمانينيات، إلّا أنّ الثورة الخمينيّة أخّرت المشروع أربعين عاماً، وهو الآن يقتصر على مفاعل وحيد بقدرة 1,000 ميغاواط من الكهرباء، أي أقلّ من طاقة 'كهرباء لبنان'! بينما مشروع 'براكة' في أبوظبي يضمّ أربعة مفاعلات، كلّ منها بطاقة 1,400 ميغاواط، أي أنّ طاقته تفوق بوشهر بخمسة أضعاف ونصف الضعف، وما من جدل دوليّ حوله، بل إنّه من أنجح النماذج الدولية في كفاية التشغيل والسلامة.
مشكلة البرنامج النووي في إيران أنّه عنصر من منظومة الاستثمارات الاستراتيجيّة لفرض النفوذ والتوسّع في المنطقة عبر الأذرع الأمنيّة والعسكريّة. وفي النهاية، ضيّعت إيران نصف قرنٍ من تاريخها لحماية هذا البرنامج الذي يُفترض أنّ وظيفته حمايتها، وتحمّلت من أجله عقوداً من العقوبات والمواجهات مع المجتمع الدولي، ومئات مليارات الدولارات من الأموال المجمّدة وفرص الاستثمار والنموّ الضائعة، ووجدت نفسها في النهاية في وضع اقتصاديّ مزرٍ، فيما تعوم على أحد أكبر احتياطات النفط وثاني أكبر احتياط للغاز في العالم.
مأزق الحكم فيها اليوم، بعد قصف منشآت التخصيب، أنّه لم يعد يمتلك سرديّة مقنعة لجدوى هذا الاستثمار استراتيجيّاً وعسكريّاً وسياسيّاً. فثمّة أسئلة ستُطرح في النقاش الداخلي عاجلاً أم آجلاً: ماذا جنت إيران من هذا الاستثمار في تخصيب اليورانيوم؟ هل يستحقّ الأمر أن تتحمّل بعضاً من أعلى معدّلات التضخّم والبطالة بين الشباب؟ هل يستحقّ الأمر أن تكون إيران دولة منبوذة وأن تضطرّ إلى بيع نفطها بحسم 20%؟ هل يستحقّ أن يكون جواز السفر الإيراني مثيراً للريبة في كلّ مطارات العالم؟
كانت لدى إيران فرصٌ كثيرةٌ 'لتسييل' هذا الاستثمار الاستراتيجي بأثمان كبيرة، آخِرتها في مفاوضات جنيف عام 2022 مع إدارة جو بايدن. لكنّ الحكم المحافظ فيها ظنّ أنّ قليلاً من الصبر يمكن أن يحقّق ثمناً أكبر، كمن يحيك السجّادة على مدى أربعين عاماً ثمّ يصبّر نفسه سنة أخرى أو سنتين، فإذا بالسجّادة تحترق قبل بيعها.
ربّما يكون من المبالغة القول إنّ إيران لم يعد لديها ما تفاوض عليه بعد الضربات الأميركية والإسرائيلية. ثمّة جدلٌ في الداخل الأميركي في احتمال أن تكون الغارات الأميركية قد دمّرت منشآت التخصيب تماماً. لكن على افتراض أنّ التدمير تمّ فعلاً، يبقى سؤالٌ كبيرٌ عن وقود اليورانيوم العالي التخصيب الذي أنتجته إيران منذ أن قام ترامب بتمزيق الاتّفاق النووي السابق عام 2018.
أين وقود اليورانيوم العالي التّخصيب؟
في الاتّفاق السابق الذي وقّعته طهران مع إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما عام 2015، المعروف باسم JCPOA ، تمّ الاتفاق على وضع سقفٍ لتخصيب اليورانيوم عند 3.67%، والتخلّص من كامل مخزون إيران من وقود اليورانيوم العالي التخصيب (20% فأكثر). وقد تمّ ذلك فعليّاً عبر نقله إلى روسيا مقابل الحصول على يورانيوم خام، بالإضافة إلى وضع سقف لما يمكن لإيران امتلاكه من وقود اليورانيوم المنخفض التخصيب عند 300 كيلوغرام، وإعادة تصميم مفاعل آراك لإنتاج الماء الثقيل لضمان منع إنتاج البلوتونيوم.
في الصور الجوّية المتداولة في اليومين الماضيَين، يبدو أنّ الأميركيين أعطوا الإيرانيين فرصة لنقل مخزونات اليورانيوم المخصّب، وهذا ما يفسّر عدم حدوث إشعاعات نووية. وهذا يعني أنّ قصّة التخصيب انتهت حتّى إشعار آخر، لكنّ وقود اليورانيوم العالي التخصيب ما زال موجوداً ويصلح أن يكون مادّة للبيع أو المساومة. والسؤال هنا ليس سؤالاً تقنيّاً أو اقتصاديّاً، بل هو سؤالٌ عمّا يريده نظام الحكم في إيران لنفسه ولموقعه في الإقليم، وعن تقديره لفرص النجاة إذا ما جنح إلى عقدِ صفقة كبيرة بعدما أُثخِنت هيبته وقدرته الردعيّة بالجراح.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


IM Lebanon
منذ 3 ساعات
- IM Lebanon
ترامب: مؤتمر صحافي مهم لهيغسيث عن قصف نووي إيران
أعلن الرئيس الاميركي دونالد ترامب، أن وزير الدفاع بيت هيغسيث سيعقد مؤتمرًا صحافيًا بشأن التقارير حول عدم تدمير النووي الإيراني. وأضاف ترامب: 'مؤتمر هيغسيث سيكون مثيرًا للاهتمام ولا يمكن دحضه'، مشددًا على أن 'الأخبار حول عدم تدميرنا للنووي الإيراني كاذبة وحرفت الحقائق تمامًا'. وتابع: 'مؤتمر هيغسيث سيكون من أجل كرامة الطيارين الأميركيين'، مشيرًا إلى أن 'طيارينا الاستثنائيين مستاؤون للغاية من التقارير المسربة الكاذبة'.


بيروت نيوز
منذ 3 ساعات
- بيروت نيوز
منشآت إيران النووية الرئيسية دُمّرت
قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية 'سي آي إيه' جون راتكليف، إن 'مجموعة من المعلومات الاستخباراتية الموثوقة تشير إلى أن برنامج إيران النووي تضرّر بشدة من جرّاء الضربات الأميركية الأخيرة'. وأضاف راتكليف في بيان: 'يشمل ذلك معلومات استخباراتية جديدة من مصدر موثوق ودقيق، تفيد أن العديد من المنشآت النووية الإيرانية الرئيسية دُمرت، وأنه سيتعيّن إعادة بنائها على مدار سنوات'. وتابع البيان: 'تواصل وكالة الاستخبارات المركزية جمع معلومات إضافية من مصادر موثوقة، لإبقاء صانعي القرار المعنيين وهيئات الرقابة على اطلاع كامل'. وختم راتكليف البيان قائلاً: 'سنقدم أيضاً، عندما يكون ذلك ممكناً، تحديثات ومعلومات للجمهور الأميركي، نظراً للأهمية الوطنية لهذه المسألة وفي كل محاولة لتوفير الشفافية'. وكانت تقارير صحفية أميركية أثارت ضجة في الولايات المتحدة، عندما نقلت تقييماً استخباراتياً أولياً أشار إلى أن المكونات الأساسية للبرنامج النووي لطهران لم تدمّر، بما في ذلك مخزون اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزي.


بيروت نيوز
منذ 3 ساعات
- بيروت نيوز
ترامب خدع إيران واسرائيل معًا وتحكم أميركي بدوائر النفوذ
رأى رئيس 'المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع' عبد الهادي محفوظ، في بيان، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب نجح في وقف النار بين اسرائيل وايران، بعد أن ختمت طهران الحرب بضربة عسكرية لقاعدة العديد في قطر، استوعبتها واشنطن بديبلوماسية، وبعد ضربة عسكرية صاروخية ايرانية واسعة استهدفت أكثر من منطقة في اسرائيل سبقت وقف إطلاق النار تلبية لحسابات ايرانية تحت عنوان أن 'الكلمة الأخيرة' في الحرب هي لها'. وقال: 'لا شك أن الرابح الفعلي في هذه الحرب ليست اسرائيل ولا ايران، إنما الولايات المتحدة الأميركية وحسابات رئيسها دونالد ترامب الذي كرّس نوعا من 'التوازن النسبي' بين اسرائيل وايران، دفعهما إلى 'تنازلات مقبولة'. فلا اسرائيل أنجزت 'تغيير خريطة الشرق الأوسط' وتمكنت أن تهيمن على دول محيطة لأربعمئة مليون مسلم. ولا ايران احتفظت بـ'الهلال الشيعي' بعد سقوط سوريا وإنهاك 'الأذرع الايرانية' في الخارج. أما كلام رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو عن أن اسرائيل تحوّلت إلى 'دولة عظمى' بفعل هذه الحرب فهو 'مبالغة عظمى'. فإذا كانت المعارضة الاسرائيلية قد ساندته بقوة خلال هذه الحرب، فإنها الآن ستعود إلى طرح الأسئلة الصعبة عليه من حيث الإنجازات التي حققها ومن حيث كون ايران تحتفظ بالأسلحة البالستية وبكونها ستمضي في تخصيب اليورانيوم وفي حقها بامتلاك المعرفة النووية للاستخدام السلمي لها'. أضاف: 'بالتأكيد تخرج ايران أكثر تماسكا من هذه الحرب خصوصا بعد اكتشافها للخلل الناجم عن الإختراق الاسرائيلي لها في عدد كبير من العملاء بأدوار عسكرية وصلت إلى بناء قواعد تجسسية ومحطات لإطلاق طائرات مسيّرة استهدفت علماء نوويين وقواعد لإطلاق الصواريخ. وقد تبيّن خلال الحرب أن هناك تقاسما وظيفيا بين الإتجاهين الإصلاحي والمحافظ، بحيث أن الشأن السياسي تًركت المهام فيه للإصلاحيين ولرئيس الجمهورية مسعود بزشكيان ولوزير خارجيته عباس عراقجي، فيما الشأن العسكري تولاه الحرس الثوري. أما 'القرارات النهائية' فكانت للمرجع الأعلى الإمام خامنئي'. تابع: 'الواضح في هذه الحرب، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب نجح في خداع كل من ايران واسرائيل على السواء. فهو ورّط نتنياهو في الحرب تحت عنوان 'الحؤول دون التخصيب النووي وامتلاك ايران لقنبلة نووية' وخداع ايران في 'وقف التفاوض' بعد أن كان الطرفان الأميركي والايراني قد توصّلا في عمان إلى 'ورقة تفاهم' تسبق لقاء يوم الأحد المحدد للتوقيع النهائي وحيث كانت اسرائيل قد شنّت حربها على ايران بعد 'تفاهم' عليها بين نتنياهو وترامب'. وسأل: 'إلى ماذا كان يرمي الرئيس الأميركي دونالد ترامب من كل ذلك؟ في العمق لا يوافق الرئيس الأميركي على دور لليمين الديني اليهودي برئاسة نتنياهو في الاقليم والمنطقة يرمي إلى التوسّع الجغرافي والهيمنة السياسية. فهو يريد أن تكون الولايات المتحدة الأميركية 'الفاعل الرئيسي' وأن تلبّي الدولة العبرية ما ترمي إليه السياسة الأميركية من ضمن رؤية أميركية تًوزع الأدوار لدول المنطقة بما فيها ايران. فقد اكتشفت الإدارة الأميركية أن مطالب اسرائيل وايران كبيرة في 'مجال النفوذ'. من هنا شجّعت على الحرب بين الاثنتين كسرا لهذا النفوذ وحتى تكون واشنطن متحكّمة بالنتائج و'صفقات' ما يحسب له ترامب البراغماتي ورجل المفاجآت'. وقال: 'في نهاية الأمر لا ربح فعليا لاسرائيل ولا خسارة لايران ولا العكس. وإنما دمار في الدولتين وتراجع في دوائر النفوذ. وتداعيات مرتقبة في أكثر من مكان في المنطقة ومزيد من التحكّم الأميركي'. ختم: 'المهم أن لبنان في ظل السياسات العقلانية للرئيس العماد جوزاف عون نجح في ترجيح الولاء للدولة على الولاءات الطائفية ما يعطي لبنان 'أوراقا إضافية' في التفاوض خصوصا وأن المنحى العام الأميركي هو توفير الإستقرار في 'الدائرة الأوسطية' ولبنان أساسي في هذا الاستقرار'.