
الطريق إلى دمشق يمر من باريس
لكن تطورات الأحداث أخذت هذا الاتفاق إلى مناطق سياسية وعرة، وكانت الضربة الأولى له الاتفاق بعد الإعلان الدستوري في 19 مارس، وبعد ساعات من الإعلان الدستوري شنت الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية هجوماً على هذا الإعلان واعتبرت أنه «مماثل لسياسات حزب البعث السابقة»، ويفتقر إلى معايير التنوع الوطني السوري، ويخلو من بصمة أبناء سورية من الأكراد والعرب والسريان والآشوريين وغيرهم من المكونات.
كان هذا الإعلان الضربة الأولى في مسار التفاهم بين دمشق وشمال شرق سورية، والنقطة الفاصلة في مسار التفاوض، إذ بدت قسد «الإدارة الذاتية» أكثر حذراً وأكثر براغماتية في التعامل مع دمشق، والأكثر من ذلك أن ما يقال إنه تيار ضد مظلوم عبدي بدأ يحمّل عبدي المندفع إلى دمشق مسؤولية هذا الاتفاق، وهذا بدوره أضعف عبدي داخل الدوائر الكردية الصغيرة.
بعد أيام وفي نهاية شهر مارس، أعلن الرئيس الشرع تشكيل الحكومة السورية الجديدة وخلت من أي منصب للإدارة الذاتية، في خطوة جعلت مظلوم عبدي ضعيفاً في تبريره للتفاهم مع دمشق وزادت من الفجوة بين دمشق والإدارة الذاتية، وبدت الساحة الكردية أكثر تخوفاً من مواقف دمشق وأكثر قلقاً على مكتسبات الكرد، على الرغم من أن قيادة دمشق القديمة لا تمتلك ذات الرؤية الإقصائية للكرد وهي تتعامل بشكل سياسي لا قومجي مع المسألة الكردية، لكن هذا دفع الكرد وبدعم من الزعيم مسعود برزاني إلى توحيد الموقف الكردي، وبالفعل للمرة الأولى منذ العام 2011 يلتقي المجلس الوطني الكردي المقرب من الحزب الديمقراطي الكردستاني (أربيل)، مع حزب الاتحاد الديموقراطي في سورية الذي يدير إلى حد كبير مناطق شمال شرق سورية، وتشكل تحالف أو اندماج كردي على مستوى واسع في جبهة يمكن أن تسمى جبهة مواجهة دمشق سياسياً، وهذا أضاف خطوة تباعد جديدة بين الطرفين نتيجة غياب التفاهم والحوار على الرغم من تشكيل لجان مشتركة بين الطرفين، إلا أن هذه اللجان سرعان ما اختفت دون معرفة الأسباب.
أمام هذا المشهد المعقد وضيق الأفق بالتوصل إلى تفاهمات نهائية وذوبان اتفاق 10 مارس من الناحية العملية، دخل المبعوث الأمريكي توم براك على خط الأزمة وظهر بتصريحات عالية المستوى لدفع «قسد» إلى الاندماج في الحكومة السورية، بقوله على الأكراد أن ينسوا الفيدرالية، فبدأ الوسيط مزعجاً لـ«قسد»، إلى درجة أن البعض قال إن الوسيط الأمريكي يوبخ «قسد» ويدعم دمشق. وعلى الرغم من ذلك انصاعت «قسد» للوسيط الأمريكي وعقدت جولة مفاوضات في 9 يوليو، كانت ضربة أخرى للعلاقة بين دمشق و«قسد»، لم تخرج بأية نتيجة، بل خرج المبعوث الأمريكي غاضباً من سلوك «قسد» ومطالبها المتكررة باللامركزية السياسية وفي أدنى حد اللامركزية الإدارية، هنا تعثر الطريق من القامشلي إلى دمشق وبدت الأمور خارج السيطرة ولا بد من تغيير المسار، فكانت باريس هي الطريق إلى دمشق.
• حوار جديد بين الطرفين
اتجه وزير الخارجية السورية إلى العاصمة الفرنسية نهاية الشهر الماضي من أجل وضع اللمسات لحوار جديد بين القيادة السورية (دمشق) و«قسد» على أن يبحث في جوهر الخلافات المتمثلة بدمج قوات «قسد» والحديث عن إدارة الموارد الاقتصادية والحوكمة والدخول في حديث اللامركزية الإدارية، ونتيجة لأن الراعي الفرنسي أكثر ميولاً إلى «قسد»، قرر حضور الراعي الأمريكي والفرنسي معاً ومنح المزيد من الوقت للطرفين اللذين ما زالا على ضفتين متباعدتين، لكن طريق باريس بكل تأكيد زاد من التباعد بين الطرفين وأصبحت سورية في مربع خارجي، أصبحت القضية خارج الجغرافية السورية، وهذا ما اعتاد عليه السوريون طوال عقد ونصف من الحرب التي رفعت من مستوى الاحتياج إلى الخارج.
كان يمكن أن يقدم كل طرف قليلاً من التنازلات برعاية «سورية- سورية»، إذ اعتقدت «قسد» أن باريس قد تكون أكثر حرصاً من دمشق على حماية المكتسبات الكردية.
طالما كانت المسألة شاغلة للعراقيين والسوريين على حد سواء، تعامل صدام حسين مع هذا الملف ببراغماتية تارة وبعنف تارة أخرى لكنها كانت القضية الأكثر حضوراً على مائدة القصر الجمهوري في بغداد، ولأن بغداد «القومية» كانت تتجاهل هذه القضية انفجرت بشدة بعد الغزو الأمريكي للعراق وتأسيس إقليم كردستان العراق، وحتى هذه اللحظة تعض بغداد الأصابع على هذه المكافأة الأمريكية لما للعلاقة المتوترة بين بغداد والإقليم على المستوى السيادي والاقتصادي.
في سورية، اعتمد حافظ الأسد سياسة الإنكار التام للقضية الكردية، الأسد الذي يعتقد أنه من أصول كردية، كان يرى سورية عربية بالكامل، وأن الحالة الكردية حالة غريبة على المجتمع السوري.
• وحدة سورية الشعار العريض للحكومة الجديدة
لم تعتمد حكومة الشرع أي أساس عرقي في المقاربة مع شمال شرق سورية، وكان هذا واضحاً في الإعلان الدستوري الذي اعتبر الشعب الكردي مكوناً أصيلاً من النسيج السوري، على عكس الحقبة البعثية التي طمست أية معالم كردية، وحتى الحقوق الثقافية الكردية حاضرة في الإعلان الدستوري، إلا أن العقدة في المكاسب السياسية والحوكمة التي تريد «قسد» تعميمها على كل سورية، وهي اللامركزية السياسية، وهو نموذج يصيب دمشق بالجنون مجرد سماعه على الإعلام، ذلك أن وحدة سورية هي الشعار العريض للحكومة السورية الجديدة.
هذا التباعد المتزايد بين الطرفين في ظل الأحداث التي تمر بها سورية بدءاً من أحداث السويداء وتداعياتها على الأوضاع السياسية والأمنية، إلى تباطؤ رفع العقوبات ووطأة الوضع الاقتصادي وهشاشة الدولة من الناحية الأمنية، له تداعيات خطيرة على مستقبل سورية، لذلك لا بد من إيجاد آليات سياسية أكثر فاعلية، ونوع من المساومة (التنازلات)، حتى تعبر سورية إلى ضفة لا حرب فيها ولا خصام، دون ذلك ما من شيء يدعو للتفاؤل على هذا المسار ما دامت المواقف على حالها دون مقاربة وطنية صادقة وعادلة.
أخبار ذات صلة
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
منذ ساعة واحدة
- الشرق السعودية
ميانمار تسعى للتقارب مع واشنطن بعقد مع مجموعة ضغط أميركية
وقعت شركة ضغط في واشنطن اتفاقاً بقيمة ثلاثة ملايين دولار في العام مع وزارة الإعلام في ميانمار لمساعدة الدولة التي يحكمها الجيش منذ فترة طويلة على إعادة بناء العلاقات مع الولايات المتحدة. ووفقاً للوثائق المقدمة بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب الأميركي، وقعت مجموعة DCI الاتفاقية مع الوزارة في 31 يوليو، وهو اليوم الذي نقل فيه جيش ميانمار السلطة "شكلياً" إلى حكومة مؤقتة بقيادة مدنية قبل انتخابات مزمعة. واستولى جيش ميانمار تحت قيادة القائد العسكري مين أونج هلاينج على السلطة في انقلاب عام 2021، وفي ذلك العام قال عضو بجماعة ضغط إسرائيلية كندية اختارته ميانمار لتمثيلها في واشنطن وعواصم أخرى إنه أوقف عمله لأن العقوبات الأميركية على قادة الجيش عرقلت حصوله على راتبه. ولم تستجب وزارة الخزانة الأميركية أو مجموعة DCI أو وزارة الخارجية الأمريكية أو سفارة ميانمار في واشنطن بعد لطلبات للتعليق بعد سؤالها عن مدى تأثير العقوبات الأميركية على الاتفاق بين وزارة إعلام ميانمار ومجموعة دي.سي.آي. ولا يبشر تشكيل حكومة مؤقتة بأي تغيير في الوضع الراهن في ميانمار، حيث يحتفظ مين أونج هلاينج بجميع مقاليد السلطة الرئيسية بكونه القائم بأعمال الرئيس مع احتفاظه بمنصبه قائدا للقوات المسلحة. وبدا حريصاً على التواصل مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعد عزلة لسنوات. وعندما هدد ترمب بفرض رسوم جمركية جديدة على صادرات ميانمار إلى الولايات المتحدة في إطار حربه التجارية العالمية، فعل ذلك عبر رسالة موقعة موجهة شخصياً إلى مين أونج هلاينج. ورد الجنرال بإغداق الثناء على ترمب وعلى "قيادته القوية" بينما طالب بتخفيض الرسوم ورفع العقوبات. وقال إنه مستعد لإرسال فريق تفاوض إلى واشنطن، إذا لزم الأمر. ووفقاً للوثائق المقدمة بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، فإن مجموعة دي.سي آي "ستقدم خدمات الشؤون العامة إلى (العميل) فيما يتعلق بإعادة بناء العلاقات بين جمهورية اتحاد ميانمار والولايات المتحدة، مع التركيز على التجارة والموارد الطبيعية والإغاثة الإنسانية". وسيعد التواصل مع المجلس العسكري انحرافاً حاداً لسياسة الولايات المتحدة، نظراً للعقوبات الأميركية المفروضة على القادة العسكريين وأعمال العنف ضد أقلية الروهينجا، والتي تصفها واشنطن بـ"بالإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية". وذكرت رويترز الأسبوع الماضي، أن الإدارة الأميركية استمعت إلى مقترحات بشأن سبل تحويل إمدادات ميانمار الهائلة من المعادن الأرضية النادرة بعيداً عن الصين، لكن لم يحسم شيئاً وسط عقبات لوجستية وجيوسياسية كبيرة. وتأمين إمدادات ما يطلق عليها المعادن الأرضية النادرة الثقيلة، المستخدمة في الأسلحة عالية التقنية، هو محور تركيز رئيسي للإدارة الأميركية في منافستها مع الصين، التي تعالج ما يقرب من 90 بالمئة من المعادن النادرة عالمياً.


الشرق الأوسط
منذ 4 ساعات
- الشرق الأوسط
«حزب الله» يناور بـ«الميثاقية» لحماية سلاحه
أقرّت الحكومة اللبنانية، أمس، «أهداف» ورقة الموفد الأميركي توماس براك، ووافقت على إنهاء الوجود المسلّح على كامل الأراضي اللبنانية، بما فيه «حزب الله»، رغم انسحاب الوزراء الشيعة من الجلسة، ولكن من دون أن ينسحبوا من الحكومة. وناور «حزب الله» بنقاشات حول «ميثاقية» مقررات الجلسة، وقالت كتلته النيابية إن «التسرُّع المريب وغير المنطقي للحكومة اللبنانيّة ورئيسها، بتبنّي المطالب الأميركيّة، مخالفةٌ ميثاقيّة واضحة»، لكن وزير الإعلام بول مرقص رأى أن انسحابهم «لا يطرح مسألة ميثاقية». ويقصد بـ«الميثاقية» العرف السياسي السائد لبنانياً بضرورة مشاركة المكونات الطائفية الأساسية في قرارات السلطة التنفيذية. وهنّأ براك الرئيس اللبناني جوزيف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام، على «اتخاذ القرار التاريخي والجريء والصحيح، هذا الأسبوع، ببدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، والقرار 1701، واتفاق الطائف»، معتبراً أن مقررات الحكومة «أطلقت حلّ (أمة واحدة، جيش واحد) للبنان». وقال وزير الإعلام اللبناني، خلال تلاوته مقررات مجلس الوزراء، إن المجلس «وافق على الأهداف الواردة في مقدمة الورقة الأميركية بشأن تثبيت اتفاق وقف الأعمال العدائية، وذلك في ضوء التعديلات اللبنانية». وأضاف: «حاولنا ثني الوزراء الشيعة عن الخروج من الجلسة عبر صيغ متعددة، وكان هناك حرص من قبل رئيس الجمهورية على استمرار مشاركتهم، لكنهم ارتأوا الخروج كي لا يتخذ القرار بحضورهم». وسُجلت ليلاً مظاهرات مؤيدة لـ«حزب الله» في ضاحيةً بيروت الجنوبية وبعض أحياء بيروت رفضاً للقرار الحكومي، وسط انتشار كثيف للجيش اللبناني.


الشرق الأوسط
منذ 4 ساعات
- الشرق الأوسط
5 قتلى و10 جرحى بغارة إسرائيلية على شرق لبنان
قتل 5 أشخاص وأصيب 10 آخرون، الخميس، جرّاء غارة إسرائيلية استهدفت سيارة على طريق رئيسي في شرق لبنان، وفق ما أحصت وزارة الصحة. وأوردت الوزارة أن «غارة العدو الإسرائيلي على طريق المصنع أدّت، في حصيلة أولية، إلى سقوط 5 شهداء وإصابة 10 أشخاص بجروح». وذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية، أن الغارة استهدفت سيارة على طريق المصنع، المنطقة التي تضم المعبر الحدودي الرئيسي مع سوريا. وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام»، في وقت سابق اليوم، بمقتل شخص في غارة إسرائيلية على بلدة كفردان قضاء بعلبك في محافظة البقاع. وكانت وسائل إعلام لبنانية قد ذكرت أن إسرائيل استهدفت بصاروخ سيارة في كفردان. ويسري في لبنان منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، اتفاق لوقف إطلاق النار بعد نزاع امتد أكثر من عام بين إسرائيل و«حزب الله»، تحوّل إلى مواجهة مفتوحة ابتداءً من سبتمبر (أيلول). ورغم ذلك، تشنّ الدولة العبرية باستمرار غارات في مناطق لبنانية عدة، خصوصاً في الجنوب، تقول غالباً إنها تستهدف عناصر في الحزب أو مواقع له. ونصّ وقف إطلاق النار على انسحاب «حزب الله» من المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني (على مسافة نحو 30 كيلومتراً من الحدود مع إسرائيل في جنوب لبنان) وتفكيك بناه العسكرية فيها، مقابل تعزيز انتشار الجيش وقوة الأمم المتحدة لحفظ السلام (يونيفيل). كما نصّ على انسحاب القوات الإسرائيلية من مناطق تقدمت إليها خلال الحرب، لكن إسرائيل أبقت على وجودها في 5 مرتفعات استراتيجية، يطالبها لبنان بالانسحاب منها.