
بلاد الشام.. بين التقسيم الطائفي ومشروع "إسرائيل الكبرى"
تعيش منطقة بلاد الشام، الممتدة من سوريا ولبنان إلى فلسطين والأردن، واحدة من أعقد مراحلها التاريخية منذ انهيار الدولة العثمانية ورسم حدود "سايكس – بيكو". فبعد أكثر من قرن على إنشاء الكيانات الحديثة، عادت النقاشات حول "الهويات الفرعية" والطائفية والانتماءات الإثنية لتتصدر المشهد، بالتوازي مع أزمات سياسية واقتصادية وأمنية غير مسبوقة.
وفي الآونة الأخيرة، برزت إشارات مقلقة من اجتماعات سياسية وأمنية جرت في الأردن، تزامنت مع تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول الذهاب إلى "إسرائيل الكبرى". هذه التطورات أعادت فتح النقاش حول مصير المنطقة: هل نحن أمام إعادة إنتاج سايكس – بيكو جديدة ولكن هذه المرة على أسس طائفية وإثنية؟
الإشارات المٌقلقة التي تكاد أن تتحول إلى الوقائع هي نقل سكان الضفة إلى جنوب سوريا وتوطينهم هناك، بعد معلومات عن وعد إسرائيلي لسكان الجنوب السوري بإنشاء جيش لهم وفتح طريقهم إلى "الكيان الصهيوني" للعمل فيه بعد فصلهم عن دولة سوريا الحالية. ويحصل هذا بعدما فجرت "ميليشيات" أحمد الشرع الوضع مع العلويين في الساحل والدروز في الجنوب.
تاريخ التجزئة في بلاد الشام
منذ انهيار السلطنة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، شكّلت بلاد الشام مسرحًا لمشاريع تقسيم متعددة. سايكس – بيكو عام 1916 كان أول تجسيد لمحاولة القوى الكبرى تفكيك المنطقة إلى كيانات متباينة، لتسهيل السيطرة عليها. لاحقًا، جاءت إقامة "الوطن القومي اليهودي" في فلسطين، بدعم بريطاني، كخطوة محورية في هذا المسار.
لكن التجزئة لم تقف عند الحدود السياسية، بل أخذت أشكالًا طائفية وعرقية. فرنسا خلال انتدابها على سوريا ولبنان لعبت بمهارة على وتر الطائفية، فأنشأت "دولة العلويين" و"دولة جبل الدروز" و"دولة لبنان الكبير" ذات الغالبية المسيحية المارونية. ورغم اندماج بعض هذه الكيانات لاحقًا، إلا أن البذور الطائفية بقيت حيّة.
منذ ذلك الحين، تحوّلت الطائفية والإثنية إلى أدوات فعّالة للتدخل الخارجي، تُستخدم كلما احتاجت القوى الكبرى إلى إعادة هندسة المنطقة بما يخدم مصالحها.
اجتماعات الأردن والبوادر المقلقة
الاجتماعات الأخيرة في الأردن – والتي ضمّت أطرافًا عربية وغربية وإسرائيلية بشكل مباشر أو غير مباشر – أعادت المخاوف من أن المنطقة مقبلة على مرحلة "إعادة رسم الخرائط". ورغم التكتّم على التفاصيل، إلا أن تسريبات وتقارير إعلامية تحدثت عن بحث "مستقبل سوريا"، و"الوضع في لبنان"، و"الضمانات الأمنية لإسرائيل".
في هذا السياق، تتقاطع مصالح عدة أطراف:
ـ الولايات المتحدة: تسعى إلى تثبيت النفوذ شرق الفرات عبر دعم الكيانات الكردية، ومنع عودة سوريا كدولة مركزية قوية.
ـ إسرائيل: ترى أن تفتيت الدول المحيطة بها هو الضمانة الأفضل لأمنها الاستراتيجي. وجوهر هذا التفتيت نقل سكان الضفة إلى جنوب سوريا وإعادة احتلال غزة وتهجير الفلسطينيين الغزاويين إلى صحراء سيناء في مصر.
ـ الأردن: يخشى من انعكاسات أي تقسيم أو إعادة توطين للاجئين الفلسطينيين على تركيبته الديموغرافية.
ـ بعض القوى الإقليمية: تستثمر في المكونات الطائفية والعرقية لتعزيز نفوذها (تركيا عبر التركمان والسُنة، والسعودية عبر العشائر الُسنية... إلخ).
هذه الاجتماعات ليست معزولة؛ بل تأتي في لحظة إقليمية حرجة: انهيار اقتصادي في لبنان، اندلاع انقسامات طائفية في سوريا، مأزق فلسطيني داخلي وحرب إسرائيلية على غزة، وتصاعد التوتر الإيراني–الإسرائيلي.
نتنياهو ومشروع "إسرائيل الكبرى"
في هذا السياق، فإن تصريحات نتنياهو الأخيرة حول "إسرائيل الكبرى" ليست مجرد دعاية انتخابية، بل تعكس رؤية أيديولوجية قديمة داخل العقل الإسرائيلي اليميني والتوراتي. هذه الرؤية تنطلق من مفهوم "إسرائيل من النيل إلى الفرات"، وإن كان تحقيقها الكامل يبدو مستحيلًا، إلا أن جوهرها يقوم على الآتي:
ـ ضمان تفوق استراتيجي دائم لإسرائيل.
ـ منع قيام أي دولة عربية قوية أو موحّدة على حدودها.
ـ استثمار التناقضات الطائفية والإثنية لإبقاء المنطقة في حالة صراع دائم.
ـ توسيع النفوذ الإسرائيلي اقتصاديًا وأمنيًا، وربط دول الجوار بشبكة مصالح تجعلها عاجزة عن مواجهتها.
إسرائيل تدرك أن اللحظة الراهنة مثالية: دول عربية مفككة، وقيادات مشغولة بأزماتها الداخلية، وصعود هويات ما دون الدولة. وبالتالي، فإن "إسرائيل الكبرى" لم تعد مجرد حلم جغرافي، بل شبكة هيمنة تمتد عبر الاقتصاد، الأمن، والتحالفات السرية والعلنية.
مسارات التقسيم الطائفي والإثني
إذا نظرنا إلى الواقع الميداني في بلاد الشام، نجد أن ملامح التقسيم باتت قائمة بالفعل، حتى لو لم تُرسم رسميًا على الخرائط:
1 ـ سوريا: مقسمة فعليًا إلى ثلاث مناطق نفوذ: منطقة نفوذ أحمد الشرع، منطقة المعارضة في الشمال الغربي (مدعومة من تركيا)، ومنطقة الأكراد شرق الفرات (مدعومة أميركيًا). هذا الانقسام الطائفي–الإثني (علويون، سنة، دروز،وأكراد) يبدو مرشحًا للاستدامة.
2 ـ لبنان: يعيش في ظل نظام طائفي هش، يترنح تحت ضغط الانهيار الاقتصادي والانقسام السياسي. سيناريو "الكانتونات الطائفية" يطرح بقوة كلما تعمقت الأزمات.
3 ـ الأردن: يواجه تحديًا وجوديًا مرتبطًا بالهوية: هل يبقى دولة وطنية أم يتحول إلى "وطن بديل" للفلسطينيين إذا ما فُرض حل إقليمي؟
4 ـ فلسطين: الانقسام بين غزة والضفة، وتوسع الاستيطان، يشكلان أرضية لمشروع إسرائيلي يقوم على تفتيت الشعب الفلسطيني ذاته.
بهذا المعنى، التقسيم ليس مستقبلًا محتملًا فحسب، بل هو حاضر يتعمق يومًا بعد يوم.
الدوافع الدولية والإقليمية
لماذا يعود مشروع التقسيم الآن؟ ثمة دوافع متعددة:
ـ إدارة الفوضى: القوى الكبرى تفضّل التعامل مع كيانات ضعيفة وهشّة يسهل التحكم بها بدلاً من دول قوية.
ـ النفط والغاز: اكتشافات شرق المتوسط خلقت شهية لإعادة رسم الحدود البحرية والبرية بما يضمن حصة أكبر للحلفاء.
ـ المسألة الديموغرافية: توطين اللاجئين الفلسطينيين والسوريين ضمن كيانات جديدة قد يحلّ "مشكلة اللاجئين" على حساب إعادة تشكيل الخرائط.
ـ مواجهة إيران: بعض القوى ترى أن تقسيم المنطقة إلى كيانات صغيرة قد يساعد في مواجهة طهران ويُضعف نفوذها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


القناة الثالثة والعشرون
منذ 2 ساعات
- القناة الثالثة والعشرون
"إسرائيل نحو الجحيم".. إقرأوا آخر تقرير في تل أبيب عن نتنياهو
وجهت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية انتقاداً لاذعاً لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي يصر على تنفيذ خطة احتلال غزة. وقالت الصحيفة إن أمر الخطة يأتي وسط معارضة داخلية إسرائيلية لهذا الأمر، بالإضافة إلى ارتفاع حاد في الخطر على الأسرى الإسرائيليين، وتآكل خطير في قدرات قوات الاحتياط. وأشار التقرير إلى أن "الولايات المتحدة تُعارض خطة احتلال غزة، فيما يُعمّق الحزب الديمقراطي المشاعر المعادية لإسرائيل"، وأضاف: "ألمانيا، أهم مُصدّر للأسلحة لإسرائيل، تدرس فرض حظر عليها؛ أما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فكعادته، يلتزم الصمت، مُصرّحًا بأن النية ليست احتلال القطاع، بل إزالة حماس فقط، رغم توضيحات النائب العام والمدعي العسكري بأن الخطوة ستُحمّل الاحتلال، وفقًا للقانون الدولي، مسؤوليات جسيمة تُعادل حكومة عسكرية ومسؤولية عما يزيد عن مليوني نسمة، أمنية وسياسية واقتصادية". وأضاف: "رغم أن الحكومات الإسرائيلية تصرفت لسنوات طويلة بحذر وحكمة، مُدركةً حدود سلطتها، لكن يبدو من وجهة نظر نتنياهو أن الطوفان انتهى، ولتذهب الدولة للجحيم، ومن أجل بقائه السياسي، يُبدي استعداده للتضحية بجوهر الأمن القومي للدولة، بما فيه دعم الولايات المتحدة، والحفاظ على حرية عمل الجيش، إضافة لما تبقى من الدعم الدولي بعد هجوم السابع من تشرين الأول 2023". وتابع: "في الأشهر التي ستمرّ حتى يحقق نتنياهو أهدافه السياسية، سيصبح الاحتلال بمثابة جحيم العالم، وستحطّم معاداته أرقامها القياسية، وستصبح العقوبات ضده هي القاعدة، وسيُجري خبراء القانون الدولي تحقيقاً جاداً فيما إذا كان هناك أي أساس لادعاءات جرائم الحرب، بل وحتى لشبهات أخطر، لأن كل هذه الأمور تُشكل ضررًا جسيمًا وطويل الأمد على الإسرائيليين وعلى الدولة، حتى بعد مغادرة نتنياهو لمنصبه". وختم: "مع هذه الكلفة العالية المُدمرة، والأثمان الباهظة على الساحة الدولية، يأمل نتنياهو اجتياز الدورة الشتوية للكنيست، وإنهاء أيام الحكومة، بينما يواصل تقويض سمعة الدولة عالميًا، والإضرار بالاقتصاد، والجمهور، وقضايا أعباء الخدمات، والرهائن، وكل ما يتعلق بما بُني هنا بجهد كبير، لأن توقع أن يُوقف حراس البوابة وحدهم الكارثة التي تطرق أبواب الدولة، المتمثلة باستمرار نزيف حرب غزة، أمرٌ غير واقعي، بل يجب على الجمهور وقطاع الأعمال دراسة البدائل، حتى تأتي الانتخابات التي ستزيل من حكومة نتنياهو السادسة". (عربي21) انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


صدى البلد
منذ 3 ساعات
- صدى البلد
تقارير عبرية: تحطم طائرة استطلاع إسرائيلية في غزة
تحطمت طائرة استطلاع إسرائيلية صباح اليوم، السبت، في حي الرمال بمدينة غزة، خلال مهمة عملياتية لجيش الاحتلال، وذلك نتيجة خلل فني، بحسب ما أوردته هيئة البث العبرية. وأوضحت القناة أن الطائرة من طراز سكاي لارك 3، وهي من إنتاج شركة «إلبيت سيستمز» الإسرائيلية، وتستخدم عادة في مهام الاستطلاع وجمع المعلومات الاستخبارية. يأتي الحادث في وقت يسرع فيه جيش الاحتلال استعداداته لتنفيذ خطة لاحتلال مدينة غزة، بعد أن صدقت الحكومة الإسرائيلية الأسبوع الماضي على مقترح رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإعادة احتلال القطاع كاملاً، وهو القرار الذي أثار موجة انتقادات دولية واحتجاجات داخلية. ووفق مصادر عبرية، دفع جيش الاحتلال بتعزيزات إضافية نحو حي الزيتون جنوب غزة، فيما من المقرر أن يزور رئيس الأركان إيال زامير قيادة المنطقة الجنوبية غداً الأحد، للتصديق على خطط العملية البرية. كما أشارت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية إلى أن الجيش تلقى أوامر بالتحضير لاجتياح ما تبقى من مدينة غزة، مع احتمال استدعاء ما بين 80 و100 ألف جندي احتياط. ومن غير المتوقع بدء الهجوم البري قبل سبتمبر المقبل، حيث تواصل القوات الإسرائيلية أنشطتها الروتينية مع إدخال تعديلات محتملة في جدول العمليات. وأكدت مصادر عسكرية أن خطط الاحتلال تأخذ بعين الاعتبار تقليص المخاطر التي قد تهدد الأسرى الإسرائيليين المحتجزين داخل غزة، في وقت يواصل فيه الجيش هجماته المكثفة منذ 22 شهراً، والتي وصفتها منظمات حقوقية بـ«الإبادة الجماعية» بحق سكان القطاع.


المنار
منذ 3 ساعات
- المنار
دعوات إلى اضراب عام في الكيان الإسرائيلي الأحد احتجاجاً على استمرار الحرب في غزة
تشهد مناطق عديدة في الأراضي المحتلة، الأحد، احتجاجات واسعة النطاق تنظمها عائلات قتلى الحرب وعائلات الرهائن المحتجزين في غزة، في إطار ما تصفه وسائل إعلام عبرية بـ'إضراب الشعب'، الذي يأتي ضمن ما يسمى 'أسبوع الاحتجاجات'. ووفقًا لتقرير نشره موقع 'واينت' العبري، السبت، تنطلق فعاليات ما يسمى 'الإضراب الكبير من القاعدة إلى القمة'، بعد إعلان عشرات الشركات الخاصة، والمجالس المحلية، والجامعات، والهيئات الاقتصادية، السماح لموظفيها بالمشاركة في النشاطات الاحتجاجية، وسط 'موجة تأييد آخذة بالاتساع'، بحسب التقرير. وأوضح المصدر أن الفعاليات ستستمر طوال اليوم، ابتداءً من الساعة 6:29 صباحًا، في إشارة إلى توقيت بدء عملية السابع من أكتوبر التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في مستوطنات غلاف غزة. كما من المقرر أن تعقد عائلات الرهائن والقتلى مؤتمرًا صحافيًا، إلى جانب تنظيم تظاهرات واعتصامات في عشرات المفترقات بمناطق مختلفة، إضافة إلى احتجاجات أمام منازل أعضاء الكنيست المنتمين للائتلاف الحكومي. وفي السياق، كان رهائن إسرائيليون أفرج عنهم من غزة، وعائلات رهائن آخرين ما زالوا محتجزين، قد نظموا، الجمعة، وقفة احتجاجية أمام منزل وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس في 'كفار أحيم' جنوبي الأراضي المحتلة. وطالب المحتجون حكومة بنيامين نتنياهو والوزير كاتس بالانضمام إليهم ودعم التوصل إلى صفقة شاملة تقضي بالإفراج عن جميع الأسرى مقابل إنهاء الحرب على قطاع غزة. المصدر: عرب 48