logo
سوريا بين النموذج السعودي وتحديات ثلاثة

سوريا بين النموذج السعودي وتحديات ثلاثة

Independent عربيةمنذ يوم واحد

كل المراحل الانتقالية التي تمر بها الدول هشة ومضطربة إلى حد ما، وهو ما تمر به سوريا اليوم من مشكلات اقتصادية وحياتية يعانيها الناس، فهناك مشكلات أمنية وتعديات طائفية، ومجموعات مسلحة غير منضبطة، وجماعات تجوب الشوارع والأسواق والمدارس والجامعات لتفرض مفهومها الخاص لأسلمة الدولة السورية التي تتنوع فيها الطوائف والأديان والقوميات.
تريد تلك المجموعات "أفغنة" سوريا وجرها نحو الاحتراب الداخلي، وعلى رغم قول الرئيس أحمد الشرع إن "سوريا ليست أفغانستان ولن تكون"، لكن أفرادها يفرضون أنفسهم أوصياء على الناس في سوريا اليوم ويريدون أن يفرضوا مظاهر وشكليات ما يجب أن يكون عليه المسلم، بحسب فهمهم وتفسيرهم للدين، من فرض لبس البراقع الأفغانية على النساء، وفرض تربية اللحى على الرجال وهكذا.
إن قوى إقليمية محيطة بسوريا تتربص بها وتتابع تطورات الأوضاع فيها، وأخرى قلقة عليها وترجو لها الخير والسلام، فوسّعت إسرائيل رقعة احتلالها وصولاً إلى أطراف ريف دمشق الجنوبية الغربية مما اضطر الحكومة الانتقالية إلى تهدئة الجبهة معها بفتح قنوات اتصال مباشر بغية وقف التدهور وتوسع احتلالها، فسوريا المنهكة والمدمرة ليست في وارد الدخول في حرب مع عدو دموي شرس مدجج بأحدث الأسلحة الغربية.
ولا تخفي تركيا طموحها بادعاءاتها تبعية شمال سوريا لها، من إدلب غربا مروراً بحلب والقامشلي والحسكة شرقاً، وهذا الطموح يتفق عليه الإسلاميون والقوميون الأتراك، ويذكر أن الحكم القائم الآن في سوريا يرتبط بتركيا ارتباطاً وثيقاً لا غرابة فيه، فهي التي رعت وحمت وسلحت ودربت "هيئة تحرير الشام" التي قادت الفصل الأخير من إسقاط نظام بشار الأسد الهارب، وبالتالي فهي ترى أن لها استحقاقات على سوريا الحالية تنفيذها، وهنا مربط الفرس.
وكانت إيران أكبر الخاسرين من سقوط نظام بشار الأسد وهربه، فقد استثمرت فيه المليارات وقدمت من أجل الدفاع عنه سيولاً من دماء الشعب السوري لبقائه جاثماً على صدورهم طوال نصف قرن من الزمان، وكانت سوريا أثناء حكم الأسد قلب المشروع الإيراني لفرسنة بلاد الشام والعراق وتشيعهما الولايتي، وبسقوط الأسد تقطعت خطوط إمداد حزبها في لبنان، "حزب الله"، بعد تلقيه ضربات إسرائيلية قاصمة.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إيران لن تهدأ بخروج سوريا من قبضتها فهي تشددها على العراق اليوم، باعتراف مسؤوليه علناً بعد تركهم كراسي المسؤولية، وهي ستتمسك بعراق طائفي يكون رأس حربة ضد سوريا الجديدة، إما لاستعادة السيطرة عليها، وهذا من المستحيل، أو لتخريب الوضع هناك كي لا تنتقل عدواه إلى العراق.
ولإيران خبرة طويلة في التخريب، فلديها خلاياها النائمة مع فلول نظام الأسد، ولديها وقود من المتطرفين السنّة الجدد الذين سيسهلون مهمتها بإشعال سوريا وإجهاض مشاريع تعافيها، وهؤلاء هم أخطر سلاح لا ينتزعه من يد إيران سوى الحكومة الانتقالية الحالية، فعليها أن تسارع إلى ضبط دواعش الشوارع، وعليها استنساخ النموذج الخليجي - السعودي بسحب البساط من تحت أقدام إيران وحرق الورقة الطائفية التي تتلاعب بها وتتباكى باسمها حماية للطوائف، وبالذات الشيعة في سوريا.
كان شعار الدفاع عن الشيعة ولا يزال حصان طروادة الإيراني في المنطقة العربية، لكن النموذج الخليجي - السعودي بسنّ القوانين الوطنية ومساواة المواطنين أمام هذه القوانين، ومحاسبة التلفظ بخطاب التمييز والكراهية، أشعر الشعب بوحدة داخلية وصلابة قانونية تدافع عن حقوقه، بغض النظر عن مذهبه ودينه وطائفته، فانبرى الناس في السعودية اليوم، الشيعة قبل غيرهم، للدفاع عن وطنهم ورفض المتاجرة بمذاهبهم لحساب أي طرف خارجي آخر.
لقد قدمت دول الخليج العربية أوراقاً مهمة لسوريا الجديدة كي تضمد جراحها وتتعافى وتزدهر، وهي على استعداد لتقديم المزيد منها، لكن ذلك لن يتأتى في ظل فوضى السلاح والوقوع في فخ ما تنشده إيران وإسرائيل معاً، وهو الانشقاقات الداخلية على أسس طائفية ثم العودة لدولاب الحرب الأهلية الطاحنة، ولن تأمن سوريا جانب إيران وإسرائيل من دون العمل على مدنية القوانين ومساواة المواطنين ونزع السلاح المنفلت بأيدي المتطرفين والمقاتلين الأجانب، لتعزيز مركزية الدولة وطمأنة المستثمرين وصلابة الأمن والتعايش الاجتماعي لعودة المهجرين.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مسؤول إيراني: تهديد ترمب بتدمير المنشآت النووية "خط أحمر واضح"
مسؤول إيراني: تهديد ترمب بتدمير المنشآت النووية "خط أحمر واضح"

Independent عربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • Independent عربية

مسؤول إيراني: تهديد ترمب بتدمير المنشآت النووية "خط أحمر واضح"

نقلت وكالة فارس الإيرانية شبه الرسمية للأنباء عن مسؤول إيراني قوله أمس الجمعة إن تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتدمير المنشآت النووية الإيرانية "خط أحمر واضح" وستكون له عواقب وخيمة. ونقلت الوكالة عن المسؤول الذي لم تكشف اسمه قوله "إذا كانت الولايات المتحدة تسعى إلى حل دبلوماسي، فعليها التخلي عن لغة التهديدات والعقوبات"، مضيفاً أن مثل هذه التهديدات "عداء صريح ضد المصالح الوطنية الإيرانية". وقال ترمب للصحافيين في البيت الأبيض أمس الجمعة إنه يعتقد أن الولايات المتحدة قريبة من التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي. وكان الرئيس الأميركي أشار للصحافيين في البيت الأبيض يوم الأربعاء "أريده (الاتفاق النووي) قوياً جداً بحيث يمكننا إدخال مفتشين، ويكون بإمكاننا أن نأخذ ما نريد، ونفجر ما نريد، ولكن من دون أن يقتل أحد. يمكننا تفجير مختبر، ولكن لن يكون هناك أحد داخله، على عكس تفجير المختبر مع وجود الجميع داخله". وهدد ترمب مراراً بقصف المنشآت النووية الإيرانية إذا فشلت الدبلوماسية في حل الخلاف المستمر منذ عقود بشأن برنامج طهران النووي. عدم امتثال إيران قال دبلوماسيون إن القوى الغربية تستعد للضغط على مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في اجتماعه الفصلي المقبل لإعلان عدم امتثال إيران لالتزاماتها المتعلقة بمنع الانتشار النووي لأول مرة منذ ما يقرب من 20 عاماً، وهي خطوة من المرجح أن تثير غضب طهران. من المرجح أن تعقد هذه الخطوة المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران، الهادفة إلى فرض قيود جديدة على برنامج طهران النووي الذي يتطور بسرعة. اقترحت واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون بريطانيا وفرنسا وألمانيا، المعروفون باسم الترويكا الأوروبية، قرارات سابقة اعتمدها مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المؤلف من 35 دولة، تدعو إيران إلى اتخاذ خطوات سريعة، مثل تقديم تفسير لآثار اليورانيوم التي عثرت عليها الوكالة في مواقع غير معلنة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وتستعد الوكالة لإرسال تقاريرها الفصلية عن إيران إلى الدول الأعضاء قبل الاجتماع القادم لمجلسها، الذي يبدأ في التاسع من يونيو (حزيران). وسيكون أحد هذه التقارير "شاملاً" ومطولاً ويتناول مسائل من بينها تعاون إيران، وفقاً للطلب الوارد بقرار مجلس المحافظين الصادر في نوفمبر (تشرين الثاني). ويتوقع دبلوماسيون أن يشتمل التقرير على إدانات. وقال مسؤول أوروبي "نتوقع أن يكون التقرير الشامل صارماً، لكن لا توجد أي شكوك بشأن عدم وفاء إيران بالتزاماتها المتعلقة بمنع الانتشار". ويقول ثلاثة دبلوماسيين إن الولايات المتحدة ستعد، بمجرد صدور هذا التقرير، مشروع قرار يعلن انتهاك إيران لما يسمى بالتزاماتها المتعلقة بالضمانات. وقال رابع إن القوى الغربية تعد مشروع قرار من دون الخوض في التفاصيل. وأضاف الدبلوماسيون أن النص سيناقش مع الدول الأعضاء في مجلس المحافظين خلال الأيام المقبلة قبل أن تقدمه القوى الغربية الأربع رسمياً إلى المجلس خلال الاجتماع الفصلي، مثلما حدث مع القرارات السابقة. برنامج أسلحة نووية سري كانت آخر مرة اتخذ فيها مجلس المحافظين خطوة الإعلان رسمياً عن انتهاك إيران لالتزاماتها بموجب اتفاق الضمانات الشاملة في سبتمبر (أيلول) 2005، وذلك في خضم مواجهة دبلوماسية نتجت عن اكتشاف أنشطة نووية سرية في إيران. وتعتقد الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية في الوقت الحالي أن إيران كان لديها برنامج أسلحة نووية سري ومنسق أوقفته عام 2003. وتنفي إيران امتلاكها أي برنامج أسلحة على الإطلاق وتؤكد أنها تستخدم التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية فقط. وأحال قرار منفصل أصدره مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فبراير (شباط) 2006 مسألة عدم امتثال إيران إلى مجلس الأمن الدولي، الذي فرض لاحقاً عقوبات على طهران. وقال الدبلوماسيون إنه لم يتحدد بعد متى ستسعى القوى الغربية إلى إحالة الأمر إلى مجلس الأمن، ولم يتضح أيضاً الإجراء الذي يمكن أن يتخذه مجلس الأمن ضد إيران، إن وجد. ومن المرجح أن يؤثر أي قرار بشكل فوري على محادثات طهران مع الولايات المتحدة وعلى أي خطوات نووية أخرى تقرر إيران اتخاذها على أرض الواقع. وقال مسؤول إيراني كبير لـ "رويترز" إن طهران سترد على أي قرار "بتوسيع نطاق العمل النووي بناء على (مضمون) هذا القرار". ووافق مجلس محافظي الوكالة على جميع القرارات التي اقترحتها القوى الغربية بشأن إيران في الآونة الأخيرة، ولا شك في أن هذا القرار سيقرّ أيضاً. لكن السؤال الوحيد يكمن في حجم الأغلبية التي ستؤيده. وروسيا والصين هما الدولتان الوحيدتان اللتان عارضتا باستمرار مثل هذه القرارات. وتشعر إيران بالاستياء من القرارات والانتقادات الأخرى الموجهة إليها من مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما يدفعها لاتخاذ خطوات مثل تسريع برنامج تخصيب اليورانيوم وتوسيعه أو منع كبار مفتشي الوكالة من دخول البلاد. وتخصب إيران اليورانيوم بالفعل إلى درجة نقاء تصل إلى 60 في المئة، ويمكن رفع هذه النسبة بسهولة إلى ما يقارب 90 في المئة، وهي الدرجة اللازمة لصنع الأسلحة. ويظهر معيار الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران لديها كمية من المواد عند هذا المستوى تكفي لصنع ستة أسلحة نووية إذا واصلت تخصيبها.

بول بيّا... رجل الكاميرون القوي طامح لولاية رئاسية ثامنة
بول بيّا... رجل الكاميرون القوي طامح لولاية رئاسية ثامنة

الشرق الأوسط

timeمنذ 3 ساعات

  • الشرق الأوسط

بول بيّا... رجل الكاميرون القوي طامح لولاية رئاسية ثامنة

وسط أجواء مشحونة سياسياً يطمح الرئيس الكاميروني بول بيّا، البالغ من العمر 92 سنة، لولاية رئاسية ثامنة مستفيداً من تعديل دستوري سابق ألغى تحديد عدد الفترات الرئاسية، ليصبح بذلك من أطول الرؤساء حكماً في العالم. بيّا الذي تربّع على «عرش» السلطة في الكاميرون عام 1982، لا يزال بالنسبة لكثيرين حوله شخصية غامضة؛ ذلك أن «الشاب الهادئ» الذي كان يعتبر بين أقرانه «متواضعاً لا طمع لديه بالحكم»، هيمن على موقع الرئاسة 43 سنة، وما زال يطمح للمزيد، ساعياً إلى تبديد الأزمات السياسية والاقتصادية التي هزّت وتهز الكاميرون، وعلى رأسها «الأزمة الأنجلوفونية». يرى مراقبون أن بول بيّا كان دائماً ما يتقدّم خلف قناع كي يراقِب من دون أن يُراقَب! وبالفعل، الرجل قليل الظهور إعلامياً، ويكتفي بمخاطبة شعبه ثلاث مرات في السنة تقريباً. وهذا الغموض الممتزج بشخصية تبدو صارمة منح بيّا ألقاباً عدة منها: «الأسد»، و«أبو الهول»، و«اللغز» و«مارادونا السياسة الكاميرونية» و«أبو الأمة». وفي مطلق الأحوال، لعل وضع الكاميرون المعقّد أسهم في دعم بقاء بيّا؛ إذ إن البلاد تضم مجموعات إثنية ولغوية عدة، وهناك استقطاب حاد طرفاه الجنوب المسيحي والشمال المسلم، ناهيك بالخلافات بين المناطق الناطقة بالفرنسية وتلك الناطقة بالإنجليزية. هذا المشهد جعل من تشكيل جبهة معارضة موحّدة أمراً صعباً. والواقع، أن مسيرة بول بيّا اتسمت بتحولات سياسية كبرى. وبينما يعود إليه الفضل في إتاحة التعددية الحزبية، وتحسين علاقات الكاميرون مع دول العالم، فإن وعوده بالتغيير والديمقراطية سرعان ما تحولت إلى اتهامات بالاستبداد وتفاقم الأزمات الداخلية... لا سيما وسط سبع سنوات من حرب أهلية بقيادة انفصاليين ناطقين بالإنجليزية. ويضاف إلى ما سبق، سجنه معارضيه، ومنهم موريس كامتو، منافسه الأقوى في الانتخابات الرئاسية لعام 2018 الذي سُجن لمدة 9 أشهر من دون تُهم قبل أن يفرج عنه بضغوط دولية. وُلد بول بيّا يوم 13 فبراير (شباط) 1933 في قرية مفوميكا آ الصغيرة الواقعة في غابات حوض الكونغو، بجنوب الكاميرون، لعائلة كاثوليكية من إثنية «البيتي/ بولو». لكنه دائماً ما يشدد في تصريحاته على أنه «كاميروني قبل أن أكون من قبيلة البيتي». عائلته كانت تطمح إلى أن يصبح بول كاهناً؛ لذا أرسلته إلى مدرسة «القديس يوسف» الدينية في بلدو أكونو. ويومذاك كان فتًى مجتهداً لكنه هزيل البنية، حتى إنه غالباً ما احتاج الحماية من أخيه الأكبر أو أبناء عمومته. ولقد نقلت تقارير صحافية عن أخته قولها في وصف شخصيته: «يظن البعض أن بول بارد. هذا غير صحيح؛ فهو يمكن أن يكون دافئاً واجتماعياً... كما يعرف كيف يكون متحفظاً وصامتاً». لم يمكث بيّا طويلاً في المدرسة الدينية؛ إذ سرعان ما غادرها ليكمل تعليمه الثانوي في مدرسة «ليسيه الجنرال لوكليرك» في العاصمة ياوندي. ولكن رغم ذلك تركت المدرسة الدينية تأثيراً في شخصيته. ووفقاً لما نُقل عن أحد زملائه هناك، فإن «أولئك الذين لم يصبحوا كهنة، خرجوا بتحوّل نفسي جعلهم رجالاً مستقيمين وهادئين». في عام 1952، ذهب بيّا إلى فرنسا لدراسة القانون العام والعلوم السياسية، وهناك التقى بزوجته الأولى جيني-إيرين التي تُوفيت عام 1992. وحملته قدراته العلمية إلى ثلاثة معاهد متميزة في باريس هي: «ليسيه لوي-لو-غران»، ثم معهد باريس للعلوم السياسية «سيانس بو»، ثم المعهد العالي للإدارة «إينا». وخلال تلك الفترة كان بيّا يتخصّص في العلوم السياسية، مع أن أساتذته رأوا أنه وإن كان تلميذاً مجتهداً، فهو «متواضع وقليل الطموح» و«غير مهتم بلعبة السياسة». ولكن كما تأثرت شخصية بيّا بالمدرسة الدينية، لعبت فرنسا دوراً مهماً في تشكيل شخصيته. وعام 1994، تزوّج بيّا من شانتال التي أصبحت السيدة الأولى للكاميرون. بعد استقلال الكاميرون في عام 1960، بدأ بيّا مسيرته في سلك الخدمة المدنية؛ إذ شغل مناصب عدة، بينها مدير ديوان وزير التعليم الوطني (1964)، وأمين عام وزارة التعليم الوطني (1965). غير أن صعوده السياسي الحقيقي بدأ فعلياً مع تعيينه مديراً للديوان المدني الرئاسي عام 1967. وحينذاك، تولى بول بيّا ملفات حساسة للرئيس الاستقلالي أحمدو أهيدجو؛ ما جعله يحظى بثقته، لا سيما مع وصف مقرّبين له في تلك الفترة بأنه «خادم مطيع وإداري بارع». وتوالت بعد ذلك الترقيات والمناصب؛ إذ عُيّن أميناً عاماً للرئاسة عام 1968، ثم وزير دولة في 1970. وفي عام 1975، عيّنه الرئيس أهيدجو رئيساً للحكومة، وقال معلقاً إنه اختار «الشخص الأكثر اتزاناً» في فريقه، ثم يوم 29 يونيو (حزيران) 1979، عُيّن بيّا خليفة دستورياً لأهيدجو. في حينه، نُظر لبيّا باعتباره شخصية شابة متزنة ومتواضعة وغير سياسية... وأيضاً غير طامحة للسلطة. كل هذا تبخّر في ما بعد؛ إذ إن صمت بيّا كان يخفي شخصية أخرى لم يفطن لها ويشكك فيها إلا جيرمين، زوجة سلفه الرئيس أحمدو أهيدجو. ولقد صدق حدس جيرمين بعد سنوات؛ فيوم 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 1982، استقال أهيدجو بشكل مفاجئ، ليحكم بيّا البلاد. كما سبقت الإشارة، بدأ بيّا حكمه حليفاً للرئيس أهيدجو الذي بقي رئيساً للحزب الحاكم «الاتحاد الوطني الكاميروني». وشكّل بيّا الحكومة في عامَي 1982 و1983 بالتشاور مع أهيدجو، إلا أنه سرعان ما اتجه لتعيين حلفاء له في مواجهة الرئيس السابق، متخذاً مسلكاً مستقلاً أدهش الجميع، ودفع إلى محاولتَي انقلاب في عامَي 1983 و1984 من أنصار أهيدجو لاستعادة السلطة، لكن تمكن بيّا من قمعهما. باختصار، «انقلب التلميذ على أستاذه» وداعمه السياسي؛ فيوم 18 يونيو 1983، أجرى بيّا تعديلاً وزارياً من دون إبلاغ أهيدجو؛ ما أغضب الأخير الذي دعا وزراء الشمال إلى قصره، طالباً منهم الاستقالة. وفي 22 أغسطس (آب) من العام ذاته أعلن بيّا اعتقال أشخاص على صلة بأهيدجو بتهمة «التآمر على الدولة». ويوم 6 أبريل (نيسان) 1984، وقعت محاولة انقلاب هزت ياوندي وأسفرت عن مئات القتلى، لكنها لم تفلح في إزاحة بيّا الذي أعلن يومذاك «تحقيق النصر الكامل». كان أهيدجو غادر عام 1983، وصدر بحقه حكم بالإعدام غيابياً من محكمة عسكرية، خُفّف إلى السجن المؤبد. لكنه تُوفي عام 1989 إثر أزمة قلبية، ودُفن في السنغال، ولا يزال جثمانه هناك، بسبب رفض بيّا نقله إلى الكاميرون. مراقبون يرون أن تلك الفترة دفعت بيّا نحو «جنون الارتياب»، ليبدأ منذ ذلك الحين بسط سيطرته على الشمال المسلم، ويشدّد سيطرته على الأجهزة الأمنية، ويعزّز قبضته على السلطة عبر ملء المناصب الحكومية والعسكرية بعناصر من مجموعته الإثنية. لقد عانت الكاميرون من أزمة اقتصادية حادة في الثمانينات والتسعينات، نتيجة لانخفاض أسعار السلع الأساسية؛ ما دفع الحكومة إلى تنفيذ برامج تقشفية، لم تفلح في معالجة الأزمة. ويُذكر أنه منذ الاستقلال اتبع أهيدجو سياسة اقتصادية تعتمد على «خطط خمسية تبسط فيها الدولة يدها على الاقتصاد». ومكّن هذا النظام الكاميرون من اجتياز أزمة النفط عام 1973 بشكل أفضل من جيرانها. لكن بحلول منتصف الثمانينات شهدت أسعار الكاكاو والبن والقطن والنفط تراجعاً كبيراً. وعام 1987، نشر بيّا كتابه «الليبرالية الجماعية»، وفيه دعا إلى التعددية السياسية والاقتصاد الحر. وكان يقول إن «الليبرالية الجماعية هي السبيل لتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية». وفي حينه، حظي بدعم البرلمان الذي صفق له في 20 يونيو من العام نفسه عندما تباهى: «لن نذهب إلى صندوق النقد الدولي». ولكن على الرغم من بدء برنامج التغيير لم تظهر النتائج، وانهارت وعود بيّا، ودخلت البلاد برنامجاً تابعاً لصندوق النقد الدولي في سبتمبر (أيلول) 1988؛ ما عدّه معارضوه «أول إخفاق حقيقي» لبيّا. مع بداية التسعينات، وفي موجة من التحوّل الديمقراطي في أفريقيا، تعرّض بيّا لضغوط طالبته بفتح المجال السياسي، فاضطرّ لإجراء تغييرات محدودة سمح عبرها بتعدّدية حزبية دفعت بأول انتخابات تعدّدية عام 1992، وفاز فيها بـ40 في المائة من الأصوات، لكن شابتها «تهمٌ واسعة بالتزوير». وفي وجه الانتقادات الدولية والاضطرابات الداخلية، أحكم بيّا قبضته، معتمداً على انقسام المعارضة والجهاز الأمني الواسع، بل بدا أن حكم بيّا لن ينتهي. وفي 2008، دفع لتعديل الدستور لإلغاء تحديد عدد الولايات الرئاسية. ورغم الاحتجاجات العنيفة في عدة مدن كاميرونية، جرى تمرير التعديل الذي فتح الطريق أمام ترشحه إلى ما لا نهاية، ليفوز في انتخابات 2011 و2018 وسط انقسام المعارضة وسَجن بعض قادتها. لم يمنع تباطؤ النمو الاقتصادي ولا الصراع الداخلي - خاصة في المناطق الناطقة بالإنجليزية - بيّا من تعزيز سلطته. وفي عام 2016 اندلعت احتجاجات في المناطق الناطقة بالإنجليزية بسبب تهميشها من قبل الحكومة المركزية. وتحولت هذه الاحتجاجات إلى مواجهات مسلحة بين الجيش والمتمردين المطالبين بالاستقلال؛ ما أسفر عن آلاف القتلى ومئات الآلاف من النازحين. وكان رد بيّا الدائم: «يستحيل السماح بتقسيم الكاميرون تحت أي ظرف». ومع أن الحكومة وُوجهت بانتقادات دولية بسبب قمعها للمعارضة، نجح بيّا في تشديد قبضته مقابل فشل سياساته عبر أربعة عقود في تحسين أوضاع البلاد التي صنفتها «منظمة الشفافية الدولية» عامَي 1998 و1999 بأنها «أكثر دول العالم فساداً». وبحسب تقديرات عالمية، يعيش نحو 23 في المائة من سكان الكاميرون راهناً تحت خط الفقر. من جهة أخرى، انتشرت تساؤلات بشأن صحة بيّا العام الماضي، وبالأخص بعد غيابه المتكرّر عن مناسبات رسمية، فأصدرت الحكومة في العام الماضي أمراً يحظر مناقشة صحة الرئيس في وسائل الإعلام، باعتبارها مسألة «أمن قومي».يبقى القول إنه مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقبلة، يبدو أن بيّا سيحكم البلاد لفترة أخرى تمتد حتى 2032؛ أي إلى حين بلوغه الـ99 من العمر. وهذا تحدٍّ يزيد التساؤلات حول مستقبل الكاميرون، لا سيما أن الشمال المسلم الذي أعطى البلاد أول رؤسائها،

واشنطن تعتزم إقرار زيادة كبيرة في مبيعات الأسلحة إلى تايوان
واشنطن تعتزم إقرار زيادة كبيرة في مبيعات الأسلحة إلى تايوان

Independent عربية

timeمنذ 9 ساعات

  • Independent عربية

واشنطن تعتزم إقرار زيادة كبيرة في مبيعات الأسلحة إلى تايوان

قال مسؤولان أميركيان إن الولايات المتحدة تعتزم زيادة مبيعات الأسلحة إلى تايوان إلى مستوى يتجاوز ما كانت عليه خلال فترة ولاية الرئيس دونالد ترمب الأولى، في إطار جهود لردع الصين التي تكثف الضغط العسكري على الجزيرة التي تتمتع بحكم ديمقراطي. وإذا زادت مبيعات الأسلحة الأميركية إلى تايوان، فمن الممكن أن يحد ذلك من المخاوف في شأن مدى التزام ترمب تجاه الجزيرة. ومن شأن ذلك أن يضفي توتراً جديداً على العلاقات الأميركية-الصينية المضطربة بالفعل. وعبّر المسؤولان اللذان طلبا عدم الكشف عن هويتهما، عن توقعهما أن تتجاوز الموافقات الأميركية على مبيعات الأسلحة إلى تايبيه على مدى الأعوام الأربعة المقبلة تلك التي جرت خلال ولاية ترمب الأولى، فيما قال أحد المسؤولين إن إخطارات مبيعات الأسلحة إلى تايوان قد "تتجاوز بسهولة" تلك الفترة السابقة. وأضافا أن واشنطن تضغط على أعضاء أحزاب المعارضة في تايوان كي لا يعارضوا جهود الحكومة لزيادة الإنفاق الدفاعي إلى ثلاثة في المئة من الناتج الاقتصادي للجزيرة. كانت إدارة ترمب خلال ولايته الأولى قد وافقت على مبيعات أسلحة لتايوان بقيمة حوالى 18.3 مليار دولار، مقارنة بنحو 8.4 مليار دولار خلال فترة ولاية الرئيس السابق جو بايدن، وفقاً لإحصاءات نشرتها وكالة "رويترز". وتعتبر الولايات المتحدة أهم داعم دولي ومورد للأسلحة لتايوان على رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية بينها وبين تايبيه. ومع ذلك، يشعر كثير في تايوان، التي تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها، بالقلق حيال ألا يكون ترمب ملتزماً تجاه الجزيرة مثل الرؤساء الأميركيين الذين سبقوه. وخلال حملته الانتخابية، اقترح ترمب أن تدفع تايوان مقابل حمايتها، واتهم الجزيرة أيضاً بسرقة نشاط أشباه الموصلات الأميركية، مما تسبب في إثارة القلق في تايبيه. وتعهدت الصين بضم تايوان بالقوة إذا لزم الأمر، فيما ترفض حكومة تايبيه ادعاءات بكين بالسيادة، مؤكدة أن شعب الجزيرة وحده هو من له الحق في تقرير مستقبله. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وقال المسؤولون الأميركيون إن مسؤولي الإدارة وترمب نفسه ملتزمون "بتعزيز الردع الصارم" لتايوان. وقال مسؤول أميركي "هذا هو موقف الرئيس، هذا هو موقفنا جميعاً"، مضيفاً أنهم يعملون بصورة وثيقة مع تايوان حول حزمة مشتريات الأسلحة التي سيتم إطلاقها عندما تحصل تايوان على التمويل المحلي. وأفاد المكتب الرئاسي التايواني وكالة "رويترز" بأن الحكومة عازمة على تعزيز قدراتها الدفاعية الذاتية، مشيراً إلى مقترحاتها لزيادة الإنفاق الدفاعي. وقال المتحدث باسم المكتب الرئاسي ون لي، إن "تايوان تهدف إلى تعزيز الردع العسكري مع مواصلة تعميق تعاونها الأمني مع الولايات المتحدة". وامتنعت وزارة الدفاع التايوانية عن التعليق على أي مبيعات أسلحة جديدة، لكنها أكدت تصريحات سابقة لوزير الدفاع في الجزيرة ولينغتون كو في شأن أهمية "التضامن والتعاون بين الحلفاء الديمقراطيين".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store