
"الآباء المؤسسون" شخصيات رائدة مهّدت لنهضة أميركا
"الآباء المؤسسون" في أميركا هم شخصيات مؤثرة كان لها دور محوري في الثورة الأميركية على المستعمر البريطاني، وفي تأسيس حكومة الولايات المتحدة الجديدة. وكان لهؤلاء الرجال، إلى جانب آخرين، دورٌ أساسي في إعلان الاستقلال (1776)، وصياغة الدستور (1787)، ووضع اللبنات التأسيسية للدولة الجديدة.
وهؤلاء "الآباء المؤسسون" هم جورج واشنطن (القائد الأعلى للجيش القاري وأول رئيس للبلاد) وجون آدامز (الرئيس الثاني) وتوماس جيفرسون (الرئيس الثالث) وجيمس مادسن (الرئيس الرابع) وبنجامين فرانكلين (دبلوماسي ومخترع) وألكسندر هاملتون (أول وزير خزانة) وجون جاي (أول رئيس قضاة بالمحكمة العليا).
خلفيات التسمية
يُطلق على هؤلاء اسم "الآباء المؤسسون" لأن حياتهم وأعمالهم أرست الأسس الذي بُنيت عليها الولايات المتحدة الأميركية مؤسساتيا واقتصاديا وعسكريا وتنظيميا، إذ شارك بعضهم في التوقيع على إعلان الاستقلال وأسهم آخرون في صياغة الدستور، وشغلوا مناصب قيادية في الحكومة وفي الحياة السياسية والاقتصادية والفكرية في أميركا.
وينحدر "الآباء المؤسسون" من خلفيات جغرافية واجتماعية متباينة، لكنهم يشتركون في أمور أخرى كثيرة بينها الشغف بالدراسة، إذ درس جلهم القانون وتشبعوا بالفلسفة والفكر، كما درسوا اللاتينية واليونانية، وكانت لهم طموحات عالية في الحياة والسياسة وكانوا ذوي روح وطنية قوية.
وصاغ مصطلح "الآباء المؤسسون" الرئيس الأميركي الـ29 وارن هاردينغ عام 1916، وبدأ استخدامُه منذ ذلك الحين للإشارة إلى الجيل الأول من القادة السياسيين والعسكريين ورجال الدولة والاقتصاد والقانون الذين مهدوا للنهضة الأميركية.
واستعمل هاردينغ تسمية "الآباء المؤسسون" في خطاب ألقاه عام 1916 أمام المؤتمر الوطني الجمهوري، وقال فيه إنهم رجال قادوا الثورة الأميركية و"كرسوا الجمهورية الجديدة للحرية والعدالة". وفي ما يلي تعريف بهؤلاء "الآباء المؤسين":
جورج واشنطن
ولد جورج واشنطن في 22 فبراير/شباط 1732 في أسرة تمتهن الزراعة بولاية فرجينيا ولم يحظ على غرار إخوته بفرصة التعلم في الخارج. مارس النشاط الزراعي في ماونت فيرنون، وهي ضيعة عائلية أصبحت مزارا سياحيا بارزا غير بعيد عن العاصمة واشنطن.
في عام 1752 انضم إلى جيش التحرير وعرف بشجاعته وروحه القيادية، وفي العام نفسه دخل مجلس النواب في ولاية فرجينيا، وبحلول عام 1774 كان واحدا من الشخصيات الرائدة الداعمة لقضية التحرر.
وفي 1775 تولى قيادة قوات جيش التحرير، وحقق سلسلة من الانتصارات على بريطانيا، وقاد جيشه لتحقيق الاستقلال في 4 يوليو/تموز 1776، واستمر في جهوده لإقرار النظام الفدرالي بين الولايات الأميركية، حتى تكللت بالنجاح بعقد مؤتمر دستوري في فيلادلفيا عام 1787 توج بصياغة الدستور الأميركي.
وبعد دخول الدستور حيز التنفيذ عام 1789، اختارت الهيئة الانتخابية بالإجماع جورج واشنطن رئيسا للولايات المتحدة، وأدى القسم الدستوري في 30 أبريل/نيسان 1789، ثم حكم أميركا فترتين متتاليتين من 1789 إلى 1797.
عمل واشنطن على تحييد أميركا وعدم إقحامها في الصراع الدائر بين بريطانيا وفرنسا وحافظ على تماسك الجيش الأميركي. وتحت قيادته ارتفع عدد الولايات المتحدة من 11 إلى 16 بانضمام نورث كارولينا (1789) ورود آيلاند (1790) وفيرمونت (1791) وكنتاكي (1792) وتينيسي (1796).
عمل واشنطن أثناء رئاسته على إقرار العديد من السياسات والمؤسسات للحكومة الأميركية، مثل تشكيل الحكومة الفدرالية وتفعيل بنود الدستور الأميركي، وإنشاء السلطة التنفيذية والقضائية والتشريعية.
توفي جورج واشنطن في 14 سبتمبر/أيلول 1799 بعد عامين على تقاعده ودفن في المقبرة العائلية في ضيعة ماونت فرنون.
جون آدامز
وُلِد جون آدامز يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول 1735 في برينتري بولاية ماساتشوستس، وقضى طفولته في مزرعة العائلة. درس القانون في جامعة هارفارد.
وبعد التخرج أسس مكتبه الخاص للمحاماة، وتزوج أبيجيل سميث عام 1764، وعلى مدار الأعوام الـ50 التالية أنجبا 4 أطفال، وسافرا حول العالم.
في أكتوبر/تشرين الأول 1770، اكتسب آدامز شهرة واسعة بعد دفاعه عن جنود بريطانيين متهمين بمذبحة بوسطن. وبعد 4 سنوات حضر المؤتمر القاري الأول مندوبا عن ماساتشوستس، وسرعان ما برز زعيما للكتلة المؤيدة للاستقلال في الكونغرس. وفي عام 1776 أصبح عضوا في لجنة إعداد إعلان الاستقلال.
في عام 1778، أرسل الكونغرس آدامز إلى فرنسا وهولندا للمساعدة في تأمين الدعم للمجهود الحربي، وأسهم في التفاوض على معاهدة باريس، التي أنهت الحرب تمهيدا للاعتراف باستقلال "الأمة الجديدة"، وفي تلك الفترة عاد إلى موطنه ماساتشوستس ووضع دستور الولاية، وهو أقدم دستور ولاية في البلاد.
من عام 1781 إلى عام 1788، شغل آدامز مناصب دبلوماسية متنوعة. وفي عام 1789 انتخب نائبا للرئيس وأمضى 8 سنوات في هذا المنصب. وبعد أن أعلن جورج واشنطن نيته التقاعد عام 1796، تم انتخاب آدامز رئيسا ثانيا لأميركا، وفي عهده سُنت تشريعات استهدفت المهاجرين والمعارضين السياسيين، لكنه على الصعيد الخارجي تمكن من تجنيب بلاده الحرب مع فرنسا.
بعد انتهاء ولايتيه عاد آدامز إلى منزله في ماساتشوستس، وعلى مدى 25 عاما بقي على تواصل مستمر مع أصدقائه وعائلته. وفي الانتخابات الرئاسية عام 1824 فاز ابنه الأكبر جون كوينسي آدامز.
توفي آدامز في 4 يوليو/تموز 1826، أي في الذكرى الـ50 لإعلان استقلال الولايات المتحدة.
توماس جيفرسون
وُلِد توماس جيفرسون في فرجينيا يوم 13 أبريل/نيسان 1743، وكان الثالث من بين 10 أبناء. كان في سن الـ14 عندما توفي والده وترك له 5 آلاف فدان. درس القانون وعمل محاميا وتولى قضايا النزاعات على الأراضي.
عام 1769 تولى جيفرسون مقعده في برلمان ولاية فرجينيا وكشفت احتجاجاته ضد الاستعمار البريطاني عن روحه الوطنية وتوجهه لخيار المقاومة، وعندما اندلعت الحرب عام 1775 زادت أهمية دور جيفرسون، فانضم إلى الكونغرس القاري الثاني. بحلول يونيو/تموز 1775، ومع احتدام الحرب، لجأ الكونغرس إلى جيفرسون، الذي كان يبلغ من العمر 33 عاما آنذاك، لكتابة بيان "أكثر جرأة".
وفي غضون 17 يوما، صاغ إعلان الاستقلال الذي اعتُمد في 4 يوليو/تموز 1776، وكان مصدرا لحشد المستعمرات، وتوحيد الثورة من أجل "أمة جديدة".
واجه جيفرسون، بصفته حاكما لولاية فرجينيا من عام 1779 إلى عام 1781، الغارات البريطانية، وبعد الحرب تولى مهام رئيسية، وعندما كان سفيرا لأميركا في فرنسا من عام 1785 إلى عام 1789، عزز موقف بلاده على الساحة الدولية.
وعام 1789 أصبح جيفرسون وزير الخارجية في عهد الرئيس جورج واشنطن، ودعم الولايات والمزارعين، وأصبح نائبا للرئيس في عهد جون آدامز عام 1797، وعارض قوانين "الأعداء الأجانب" و"التحريض على الفتنة".
تولى جيفرسون رئاسة الولايات المتحدة خلفا لجون آدامز عام 1801 ومن أبرز القرارات التي اتخذها نقل العاصمة الفدرالية من مكانها المؤقت في فيلادلفيا إلى واشنطن.
وعام 1803 اشترى أراضي ولاية لويزيانا من نابليون مقابل 15 مليون دولار، مما ضاعف مساحة أميركا، وفي عام 1807 أخفق حظره التجاري مع بريطانيا وفرنسا، بهدف تجنب الحروب النابليونية، مما أضر بالتجار وشكّل اختبارا حقيقيا لسلطاته.
تقاعد جيفرسون عام 1809 من العمل السياسي وتفرغ للكتابة وتقديم المشورة لخلفائه بشأن الحروب والتوسع. وفي عام 1819 أسس جامعة فرجينيا.
توفي جيفرسون في 4 يوليو/تموز 1826، عن عمر ناهز 83 عاما، في الذكرى الـ50 لإعلان الاستقلال، وهو اليوم نفسه الذي توفي فيه جون آدامز. واختار أن تُكتب على شاهد قبره أن من إنجازاته إعلان الاستقلال والحرية الدينية وجامعة فرجينيا، متجاهلا رئاسته للجمهورية.
جيمس ماديسون
ولد جيمس ماديسون في 16 مارس/آذار 1751 في ولاية فرجينيا، ودرس مبكرا اللاتينية واليونانية والرياضيات والتاريخ القديم قبل أن يتخصص في القانون بكلية نيوجيرسي (برينستون حاليا)، وأثناء الثورة انتُخب لعضوية برلمان فرجينيا عام 1776، وساعد في صياغة دستور الولاية ودافع عن الحرية الدينية.
في عام 1780 انضم للكونغرس القاري، ومع نهاية الحرب عام 1783 اقتنع ماديسون بأن البلاد في حاجة إلى حكومة قوية، وكان له دور محوري عام 1787 عندما اجتمع المندوبون في فيلادلفيا لإعادة تشكيل الجمهورية وصياغة دستور قائم على فصل السلطات.
بصفته عضوا في الكونغرس الفدرالي الأول، صاغ التعديلات بنفسه، بناء على مقترحات مندوبي الولايات وقناعاته الشخصية، وكانت النتيجة وثيقة الحقوق الأساسية: 10 تعديلات تُكرّس حرية التعبير والدين والصحافة والإجراءات القانونية الواجبة، وغيرها.
وإضافة إلى كونه من أكبر مُنظّري الدستور، وهناك من يعتبره "أب الدستور الأميركي"، لعب مادسن دورا أساسيا في تحويل المبادئ الدستورية إلى إجراءات حكومية فعالة، وصاغ خطاب تنصيب جورج واشنطن أمام الكونغرس عام 1789، وكان ذلك بمثابة أرضية تُمهّد الطريق للجمهورية الجديدة.
في عام 1809 أصبح جيمس ماديسون الرئيس الرابع للولايات المتحدة، وشهدت السنوات الأولى من رئاسته تقليص حجم الجيش، وضبط الميزانية وتجنب الحرب، لكن العدوان البريطاني في البحار بالاستيلاء على السفن الأميركية، وتسليح مقاومة الأهالي على الحدود، أثر بقوة على سياسته الخارجية.
في 18 يونيو/حزيران 1812، طلب ماديسون من الكونغرس إعلان الحرب على بريطانيا، التي زحفت قواتها إلى واشنطن وأحرقت مبنى الكابيتول والبيت الأبيض ، وفرّ هو وحكومته من المدينة، ثم استعادت القوات الأميركية المبادرة فيما بعد.
بعد تركه منصبه عام 1817 عاد ماديسون إلى موطنه في مزرعة العائلة بمدينة مونبلييه بولاية فرجينيا، وبقي على تواصل مع رجال الدولة الأصغر سنا، وأشرف على تنظيم مذكراته السياسية للأجيال القادمة. توفي في 28 يونيو/حزيران 1836، عن عمر ناهز 85 عاما.
بنجامين فرنكلين
ولد بنجامين فرنكلين يوم 17 يناير/كانون الثاني 1706 في بوسطن بولاية ماساتشوستس، توقف عن التعليم الرسمي في سن العاشرة، لكنه اتجه لمطالعة كتب التاريخ والرياضيات والفلسفة، فاكتسب روحا نقدية منحته القدرة على تحدي الحقائق القديمة وتخيل أنظمة جديدة.
في الـ12 من عمره بدأ تعلم مهنة الطباعة على يد أخيه الأكبر جيمس، وفي عام 1823 هرب إلى فيلادلفيا، وفي عام 1724 سافر إلى لندن وعمل في المطابع وصقل مهاراته، وبحلول عام 1726 عاد إلى فيلادلفيا وأنشأ مطبعته الخاصة. في عام 1729 اشترى صحيفة "بنسلفانيا غازيت" وحوّلها إلى أكثر الصحف تأثيرا في البلاد.
استهواه العلم أيضا وأجرى في عام 1752 تجربة الطائرة الورقية، واهتم بالبرق والتيار الكهربائي ودرس أنماط الطقس، ولم يكن مجرد طابع وعالم، بل أصبح رجل دولة أيضا، إذ خدم في برلمان بنسلفانيا وأدار إمبراطورية تجارية متنامية.
كانت اختراعات فرنكلين عملية وغايتها المنفعة لا الربح، ومن بينها "موقد فرنكلين"، وهو مدفأة معدنية مصممة لتدفئة المنازل بكفاءة أعلى، ومانع الصواعق، وهو وسيلة للحماية ضد حرائق العواصف، كما ابتكر نظارات ثنائية البؤرة لتخفيف شيخوخة العين وعداد مسافات لتحسين طرق البريد.
كانت المنفعة العامة هي دافعه الأساسي، ففي عام 1731 أسس أول مكتبة عامة في فيلادلفيا، وفي عام 1736 أسس إحدى أوائل فرق الإطفاء التطوعية في البلاد.
وفي العام الموالي عيّن مديرا لبريد فيلادلفيا ثم أصبح مديرا عاما مساعدا لبريد المستعمرات عام 1753. وفي عهده توسعت الخدمة البريدية، مما أدى إلى تسريع الاتصالات عبر المحيط الأطلسي.
بحلول عام 1757 كان فرنكلين في لندن ممثلا لولاية بنسلفانيا ومستعمرات أخرى، وبقي هناك حتى عام 1775 يضغط من أجل استقلال أميركا. دعّم "عريضة غصن الزيتون" في محاولة أخيرة لتجنب الحرب، وعندما رفضها الملك جورج الثالث، عاد فرنكلين إلى وطنه.
انضم للمؤتمر (الكونغرس) القاري الثاني، وعُيّن عضوا في لجنة صياغة إعلان الاستقلال. وفي العام نفسه أرسله الكونغرس إلى فرنسا وهناك حصل لبلاده على قروض حيوية ودعم عسكري وتحالفات، مما قلب موازين الحرب ضد بريطانيا.
وبعد الحرب بقي فرنكلين في فرنسا للمساعدة في التفاوض على معاهدة باريس عام 1783، والتي أقرت السلام مع بريطانيا ورسخ اتفاقيات تجارية وعزز مبادئ حسن النية مع أقدم حليف لأميركا.
من عام 1785 إلى عام 1788 شغل منصب رئيس المجلس التنفيذي الأعلى لولاية بنسلفانيا (وهو بمثابة حاكم الولاية)، وفي عام 1787 كان فرنكلين أكبر المندوبين سنا في المؤتمر الدستوري، واقترح هيئة تشريعية ثنائية المجلس لموازنة سلطات الولايات الكبيرة والصغيرة.
اعتزل فرنكلين الحياة العامة عام 1788 وركز اهتمامه على الكتابة والعلم والتأمل. توفي في 17 أبريل/نيسان 1790 وفي وصيته ترك ألف جنيه إسترليني لبوسطن وفيلادلفيا لاستثمارها مدة 200 عام. وبحلول عام 1990، تضاعفت تلك الأموال لملايين الدولارات، وتم استعمالها في تمويل المنح الدراسية والمكتبات والتدريب المهني.
ألكسندر هاملتون
وُلِد ألكسندر هاملتون يوم 11 يناير/كانون الثاني 1755 (وقيل 1757) في جزيرة نيفيس بالكاريبي. في سن الـ13، أصبح يتيما بعد وفاة والدته، وقبل ذلك اختفى أبوه ولم يظهر له أثر.
إعلان
وجد هاملتون عملا في شركة تجارية، وفي عام 1772 أبحر إلى نيويورك حيث التحق بكلية كينغز (سميت جامعة كولومبيا فيما بعد) ودرس القانون وتشبع بفلسفة التنوير والفكر الثوري.
مع تصاعد التوترات مع المستعمر البريطاني برز هاملتون صوتا للمقاومة، وفي عام 1775 وهو في سن الـ20 فقط، انضم إلى المقاومة المسلحة في نيويورك، وسرعان ما ترقى إلى رتبة قائد وحدة مدفعية.
وفي عام 1777، عُيّن مساعدا عسكريا لجورج واشنطن، برتبة مقدم، واستقال من منصبه عام 1781 وانضم إلى المقاومة الميدانية، وخرج من الثورة مؤمنا بضرورة وجود حكومة مركزية قوية.
عاد هاملتون إلى الحياة المدنية وتزوج عام 1780 من إليزابيث شويلر، التي تنحدر من إحدى أكثر عائلات نيويورك نفوذا. أصبح محاميا وانتُخب لعضوية كونغرس الكونفدرالية عام 1782، وفي المؤتمر الدستوري عام 1787، الذي عُقد في فيلادلفيا، أسهم في سلسلة من المقالات التي دافعت عن الدستور المقترح.
تم تعيينه أول وزير للخزانة عام 1789 وأسهم في تحقيق الاستقرار في الاقتصاد الأميركي الناشئ، وفق خطة طموحة تقضي بتحمل الحكومة الفدرالية ديون الولايات وإنشاء بنك وطني وفرض تعريفات جمركية وقائية لدعم الصناعة الأميركية.
استقال من منصبه عام 1795 وترك وراءه نظاما ماليا راسخا وحزبا جديدا هو: الفدراليون. ورغم مغادرة الحكومة ظل هاملتون مؤثرا في السياسة الوطنية. ففي عام 1798 عُيّن لواء في فترة ما قبل الحرب مع فرنسا، ونظّم الجيش الناشئ بدقة متناهية.
وأثناء الانتخابات الرئاسية عام 1800، أقنع هاملتون الفدراليين في مجلس النواب بدعم توماس جيفرسون في مواجهة المرشح آرون بور. وبلغ الخلاف مع بور ذروته في 11 يوليو/تموز 1804 في مبارزة شهيرة بين الرجلين على ضفاف نهر هدسون في ويهاوكين بولاية نيوجرسي أصيب فيها هاملتون بجروح قاتلة وتوفي إثرها عن عمر ناهز 49 عاما.
ويُعرف هاملتون بدوره في تأسيس النظام المالي الأميركي، وصورته مطبوعة على ورقة العملة الأميركية من فئة 10 دولارات.
جون جاي
وُلد جون جاي في 12 ديسمبر/كانون الأول عام 1745 في مدينة نيويورك، وكان السادس بين 10 أبناء. تربى في كنف عائلة ميسورة، والتحق بكلية كينغز (سميت جامعة كولومبيا فيما بعد) في نيويورك قبل ممارسة مهنة المحاماة.
أثناء أحداث الثورة الأميركية، اتبع جاي نهجا معتدلا وأصبح شخصية فدرالية بارزة في الأيام الأولى للجمهورية الأميركية، وكان حليفا سياسيا وثيقا لجورج واشنطن، أول رئيس أميركي، ولألكسندر هاملتون، أول وزير خزانة أميركي.
شارك جاي، إلى جانب بنجامين فرنكلين وجون آدامز، في المفاوضات على معاهدة باريس عام 1783 التي أنهت الصراع بين بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، كما شارك في المفاوضات على معاهدة مع بريطانيا عام 1794 حسمت بعض القضايا العالقة التي خلّفتها الثورة.
بموجب بنود الاتحاد، شغل جاي منصب وزير الخارجية بين عامي 1784 و1789، ثم أصبح أول رئيس قضاة للمحكمة العليا، وهو المنصب الذي شغله حتى عام 1795. أيّد جاي حكومة فدرالية قوية، وكتب بعضا من أوراق الفدراليين إلى جانب ألكسندر هاملتون وجيمس ماديسون دعما للدستور الجديد.
أصبح حاكما لنيويورك في عام 1795، ونظم جمعية نيويورك لتحرير العبيد، وساعد في تمرير قانون التحرير التدريجي عام 1799، والذي أدى في النهاية إلى إنهاء العبودية في نيويورك عام 1827.
غادر جاي منصب حاكم نيويورك عام 1801 وتقاعد في مزرعته في بيدفورد بنيويورك، حيث عاش حياة بسيطة، متأملا في تجارب الخدمة العامة، وظل ناشطا سياسيا مناصرا للوحدة الوطنية. توفي في 17 مايو/أيار 1829 عن عمر ناهز 83 عاما.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 32 دقائق
- الجزيرة
ترامب بين الغموض والتأرجح ومعضلة تكلفة مهاجمة إيران
واشنطن- شهدت الساعات الـ24 الماضية تحولا حادا من الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى نهج أكثر تشددا تجاه إيران ، إذ أشارت تقارير إلى موافقته على خطط تنفيذ هجوم عليها، لكنه لم يتخذ قرارا نهائيا بعد. وأكدت تقارير أنه وافق على هذه الخطط ليلة الثلاثاء الماضي، لكنه لم يتخذ قرارا نهائيا بشأن ما إذا كان سيضرب إيران وينضم رسميا إلى الهجمات الإسرائيلية، انتظارا -ربما- لموافقة طهران على التخلي عن برنامجها النووي. ودرس ترامب توجيه ضربة على منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض على بعد 150 كيلومترا جنوب غرب العاصمة طهران، ولم تشن إسرائيل أي ضربات عليها منذ أن بدأت قصف أهداف نووية وعسكرية إيرانية يوم الجمعة الماضي. تحوّل دراماتيكي غير أن الرئيس الأميركي يريد التأكد من أن الهجوم المحتمل ضروري، ولن يجر بلاده إلى حرب طويلة الأمد في الشرق الأوسط، ومن أنه سيحقق بالفعل هدف تدمير برنامج إيران النووي. ومثّل موقفه تحولا دراماتيكيا، حيث أشار أمس الأول إلى ضرورة "الاستسلام غير المشروط" من إيران، وهو ما قابله المرشد الأعلى علي خامنئي بالرفض الصارم، وقال إن "الشعب الإيراني لن يستسلم". وتؤكد تصريحات ترامب الأخيرة والمتقلبة تحوله بعيدا عن العناصر الانعزالية الممثلة لتيار حركة " ماغا" في الحزب الجمهوري التي هيمنت على إدارته منذ تخلصه من الجمهوريين التقليديين في مجلس الأمن القومي قبل شهرين. كما أنه في الوقت ذاته يدرك عدم دعم غالبية الأميركيين للتدخل العسكري في المواجهة الجارية بين إسرائيل وإيران. وكشف استطلاع رأي أجرته مؤسسة "يو غوف" (YouGov) موافقة 16% فقط من الأميركيين على التدخل العسكري، ورفض 60%، في حين عبر 24% عن عدم تأكدهم. واجتمع ترامب 3 مرات بأكبر مساعديه للتشاور حول الخطوات التالية في إطار المواجهة مع طهران. وتضم هذه الدائرة المقربة منه، التي تتداول بشأن السياسة الإيرانية، عددا صغير جدا من المسؤولين جمع بينهم التشدد باستثناء نائبه جيه دي فانس. من أعضاء المجموعة تبرز أسماء مثل كبيرة موظفي البيت الأبيض سوزي وايلز، ووزير الخارجية ماركو روبيو ، ومبعوث الشرق الأوسط ستيف ويتكوف ، ووزير الدفاع بيت هيغسيث ، ومدير وكالة المخابرات المركزية جون راتكليف. في حين أن مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد، التي تشارك دائما في دائرة صنع القرار المقربة من ترامب، غابت عن الاجتماعات الأخيرة حول إسرائيل وإيران. نهج متغير وبعدما بدأ ترامب متحفظا على فكرة التدخل العسكري، أشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى كيفية تغير نهجه تجاه الحرب الإسرائيلية الإيرانية مع اندلاعها. وقالت "عندما استيقظ صباح الجمعة، كانت قناته التلفزيونية المفضلة، فوكس نيوز، تبث صورا للقصف الإسرائيلي، وهو ما صورته على أنه عبقرية عسكرية إسرائيلية. ولم يستطع ترامب مقاومة المطالبة بإرجاع بعض الفضل له في هذا النجاح المبدئي". وأضافت الصحيفة "وفي تصريحات صحفية، بدأ ترامب في التلميح إلى أنه لعب دورا وراء الكواليس في الحرب أكبر مما يدركه الناس. ثم تطور موقفه ليقول لمقربين منه إنه يميل الآن نحو تصعيد موقف واشنطن بما يتماشى مع طلب إسرائيل السابق بأن تقدم الولايات المتحدة قنابل قوية لكسر التحصينات لتدمير منشأة فوردو النووية". في الوقت ذاته، يستمر الانقسام بين الجمهوريين في الكونغرس حول مستوى المشاركة التي يجب أن تتبعها الولايات المتحدة في الصراع، من العمل جنبا إلى جنب مع إسرائيل لتدمير منشأة فوردو، إلى إجبار إيران على المشاركة في المفاوضات الدبلوماسية. لكن هناك إجماع جمهوري إلى حد كبير على ضرورة دعم واشنطن لإسرائيل فيما يعتبرونه "حقها في الدفاع عن نفسها". جادل بعض الجمهوريين في مجلس الشيوخ بأن الولايات المتحدة يجب أن تنضم إلى الضربات الإسرائيلية على إيران لمساعدتها على تدمير المواقع النووية المحصنة وخاصة منشأة فوردو، بحجة أن إسرائيل تفتقر إلى القدرة على القيام بذلك بمفردها. ومع ذلك، جادل آخرون بأن تل أبيب قد يكون لديها خطط بديلة لمهاجمة فوردو، بينما اقترح آخرون أن واشنطن يجب أن تتراجع وتركز على الدبلوماسية ما لم يتعرض مواطنون أميركيون أو مصالح واشنطن لهجوم مباشر. تكلفة باهظة أشارت تقارير إلى أن رد الفعل الإيراني على أي هجمات أميركية سيكون كبيرا، وقد يؤدي لمواجهة بحرية ضخمة بينهما وإغلاق مضيق هرمز. في الوقت ذاته، ترى الدوائر الجمهورية المرتبطة بتيار "ماغا"، أن تكلفة خوض معارك خارجية لا يوجد لها ما يبررها في الحالة الإيرانية. وفقا لدراسة أجراها مشروع تكلفة الحرب بجامعة براون عام 2021، كلّفت حربا أفغانستان والعراق الخزينة الأميركية نحو 3 تريليونات دولار، كما أن لها تكلفة بشرية أميركية مرتفعة، فقد انتحر أكثر من 30 ألف عسكري أثناء خدمتهم، أو بعد تقاعدهم في حروب ما بعد 11 سبتمبر اعتبارا من يونيو/حزيران 2021، وهو ما يزيد بكثير على 7057 عسكريا لقوا حتفهم في الفترة نفسها. في حديث للجزيرة نت، قال بيتر روف، المحلل السياسي الجمهوري، والمحرر المساهم في مجلة نيوزويك، "إن التحالف الذي أوصل ترامب إلى منصبه هو الذي يعارض إلى حد كبير التدخل العسكري للولايات المتحدة في الخارج. إنهم يعتقدون، مع بعض المبررات، أن تكاليف الحروب المطولة في أفغانستان والعراق تفوق بكثير أي فوائد حققتها". وأضاف أنهم يعارضون التدخل العسكري ضد إيران لهذه الأسباب نفسها، وهي أن التدخل سيكون مكلفا، وسوف يصرف الانتباه عن التهديد الذي تشكله الصين. كما يعتقدون أنه "لا ينبغي أن يموت أي صبي أو فتاة أميركية في حرب ليست معركتنا". غير أن روف عاد وقال "في الوقت نفسه، ترى تيارات أخرى من تحالف ترامب أن العلاقة الخاصة القائمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل تجعل معركتهم معركتنا وحمايتهم التزاما أميركيا. ليس من الواضح إلى أي جانب سينحاز الرئيس. وليس من الواضح على الإطلاق إلى أي اتجاه سيميل ترامب إذا حان الوقت الذي يجب عليه فيه أن يقرر ويختار بين الاثنين".


الجزيرة
منذ 34 دقائق
- الجزيرة
واشنطن تفرض إجراءات جديدة لكشف "العدائيين" من الطلاب الأجانب
كشفت برقية داخلية لوزارة الخارجية الأميركية أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمرت أمس الأربعاء باستئناف إصدار تأشيرات للطلاب الأجانب، لكنها ستشدد بشكل كبير من تدقيقها على وسائل التواصل الاجتماعي في محاولة لرصد من يحتمل أنهم معادون للولايات المتحدة. وأفادت رويترز أنها اطلعت على البرقية التي أُرسلت إلى البعثات الأميركية أمس الأربعاء وجاء فيها أن مسؤولي قنصليات واشنطن مطالبون الآن بإجراء "تدقيق شامل ودقيق" لجميع المتقدمين من الطلاب والزائرين لبرامج التبادل لتحديد أولئك الذين "يحملون مواقف عدائية تجاه مواطنينا أو ثقافتنا أو حكومتنا أو مؤسساتنا أو مبادئنا التأسيسية". وأمرت إدارة ترامب بعثاتها في الخارج في 27 مايو/أيار الماضي، بالتوقف عن تحديد مواعيد جديدة لطالبي تأشيرات الطلاب وبرامج التبادل قائلة إن وزارة الخارجية ستوسع نطاق التدقيق في وسائل التواصل الاجتماعي للطلاب الأجانب. ووجهت البرقية المسؤولين بالبحث عن "طالبي التأشيرات الذين لديهم تاريخ من النشاط السياسي، خاصة عندما يرتبط بالعنف أو بالآراء وبعض الأنشطة الموضحة، ويجب أن تضعوا في الاعتبار احتمال استمرارهم في مثل هذا النشاط في الولايات المتحدة". كما منحت البرقية موظفي القنصليات السلطة لأن يطلبوا من المتقدمين جعل جميع حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي مفتوحة. وتأتي هذه الخطوة في أعقاب إجراءات تدقيق صارمة اتخذتها الإدارة الأميركية الشهر الماضي مع طالبي التأشيرات الذين يريدون الذهاب إلى جامعة هارفارد لأي غرض، وقالت برقية منفصلة لوزارة الخارجية الأميركية إن ذلك بمثابة برنامج تجريبي لتدقيق أوسع نطاقا. وذكرت البرقية أن عملية التدقيق الجديدة يجب أن تشمل مراجعة النشاط الكامل لمقدم الطلب على الإنترنت وليس فقط على وسائل التواصل الاجتماعي. وحثت المسؤولين على استخدام أي "محركات بحث مناسبة أو غيرها من الموارد على الإنترنت". وخلال عملية التدقيق، تطلب التوجيهات من المسؤولين البحث عن أي معلومات يحتمل أن تؤخذ ضد مقدم الطلب. وتقول البرقية "على سبيل المثال، أثناء البحث على الإنترنت قد تكتشفون على وسائل التواصل الاجتماعي أن مقدم الطلب يؤيد حماس أو أنشطتها"، مضيفة أن ذلك قد يكون سببا لرفض طلب الحصول على التأشيرة. وقال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إنه ألغى تأشيرات المئات وربما الآلاف بمن فيهم طلاب لأنهم شاركوا في أنشطة وصفها بأنها تتعارض مع أولويات السياسة الخارجية الأميركية. وتشمل هذه الأنشطة دعم الفلسطينيين وانتقاد أفعال إسرائيل في الحرب على غزة. ويقول منتقدو ترامب إن تصرفات الإدارة الأميركية تمثل هجوما على حق حرية التعبير المكفول بموجب التعديل الأول للدستور الأميركي. ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تصاعدت الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية المختلفة العام الماضي ومن ضمنها هارفارد، للمطالبة بوقف الحرب ووقف الدعم الأميركي الممتد لإسرائيل، لتتحول إلى ما يشبه الانتفاضة العارمة الرافضة لحرب الإبادة الإسرائيلية، وهو ما أثار حفيظة الإدارة الأميركية.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
كيف تتخطى الصين التحدي التكنولوجي بالمناورة بين إيرباص وبوينغ؟
دخلت أميركا والصين في أبريل/نيسان الماضي هدنة، إثر جولة مفاوضات لإنهاء الحرب الاقتصادية، إلا أن كلا الطرفين يلوح، بين فترة وأخرى، بإمكانية الضغط بما لديه من أوراق، ليحصل على المزيد من التنازلات وإنهاء الجولة لصالحه، أو على الأقل تقليل خسائره. واستضافت لندن جولة المفاوضات، والتي انتهت حسبما نشر أخيرًا بوسائل الإعلام باتفاق مبدئي، وفق تغريدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب. وأشار ترامب إلى أن الاتفاق ينتظر توقيعه، وتوقيع الرئيس الصيني، كما أن الاتفاق يسمح لأميركا بفرض 55% رسوما جمركية على الواردات من الصين، في حين يسمح للأخيرة بـ 10% فقط. وحسب الاتفاق ترفع أميركا بعض القيود عن الصادرات الحساسة وتسمح للطلاب الصينيين بالدراسة في الجامعات الأميركية، وتعود الصين إلى تصدير المواد النادرة لأميركا. ولما كانت المصالح مثل المصائب تجمع أهلها، جمع الصين والاتحاد الأوروبي خندق واحد في مواجهة سياسات ترامب، سواء الرسوم الجمركية، أم أجندة ترامب بضرورة دفع الاتحاد الأوروبي فاتورة الخدمات الدفاعية الأميركية. وإذا كان ترامب، يضغط بمساحة السوق الواسعة، وإمكانية إغلاقها في وجه السلع الصينية، وكذلك ورقة التفوق التكنولوجي وحجب التكنولوجيا عن الصين، بل وتجفيف منابعها الخاصة بالصين، بالعزم على إلغاء تأشيرات الطلاب الصينيين الذين يدرسون بجامعات أميركا، فإن الصين ليست خالية الوفاض، ولديها من أوراق الضغط ما يجعل أميركا تعيد النظر في ما تتخذه من إجراءات تحاول أن تقلص بها مصالح الصين. ولدى الصين من المعادن النادرة التي لا يمكن لأميركا أن تستغني عنها، وقد اتخذت الصين قرارات مؤقتة بحجب هذه المواد، وأخيرًا أعلن مسؤولون صينيون، أنهم يدرسون إبرام صفقة مع شركة إيرباص، هي الأكبر في تاريخ الطيران باستيراد عدد يتراوح بين 200 و500 طائرة. وكانت الصين إبان تصعيد الحرب التجارية مع أميركا أخرّت استلام صفقة طائرات مع شركة بوينغ الأميركية، الأمر الذي يحتاج إلى مزيد من التحليل، وهو وإن كان يمثل ورقة في يد الصين، لتغازل بها الاتحاد الأوروبي وأميركا، وقتما تريد، إلا أنه في النهاية نقطة ضعف للصين، فهي لا تمتلك ميزة إنتاج الطائرات المدنية، ولا تزال خياراتها محصورة في الاستيراد من أميركا أو الاتحاد الأوروبي، على الرغم من تخطي الصين العديد من خطوات تكنولوجيا التصنيع. العجز التكنولوجي في عام 2023 بدأت الصين تسيير رحلات داخلية بإنتاجها الطائرات المدنية، ومع ذلك لا تستطيع الاستغناء عن وارداتها من الطائرات من أميركا والاتحاد الأوروبي، فالإنتاج الصيني من الطائرات المدنية، يعتمد بنسبة كبيرة على مكونات مستوردة من أميركا والاتحاد الأوروبي تصل إلى 60% من إجمالي مكونات الطائرة. ومن هنا وجدنا حرص الصين على استمرار العلاقة مع أميركا، في ضوء ما أعلنه ترامب من اتفاق مبدئي، تم التوصل إليه عبر جولة مفاوضات لندن، فالصين قبلت بعلاقة غير متكافئة في الرسوم الجمركية، مقابل أمرين مهمين، كلاهما يتعلق بالتكنولوجيا؛ وهما رفع القيود الأميركية على الصادرات الحساسة، والسماح للطلاب الصينيين بالدراسة في الجامعات الأميركية. ولا شك أن قبول الصين بهذه الشروط، التي قد يراها بعضهم مجحفة، إلا أنها لجأت إلى ذلك من باب الاضطرار، فليس أمامها خيار آخر، ولن تستطيع الصين أن تناور في مجال التكنولوجيا، حتى تستكمل مواضع التفوق التكنولوجي، الذي يمكّنها من الاستغناء عن أميركا والغرب ككل. وهنا لابد، أن نشير إلى نقطة مهمة، من خلال تاريخ التجربة الصينية، وكيف انتقلت بشكل كبير لأن تكون ثانيَ أكبر قوة اقتصادية في العالم، وهي اعتمادها على ما يعرف بالهندسة العكسية، التي سمحت لها بتصنيع العديد من الآلات، بل وتطويرها، والخروج بمنتجات صينية من الآلات، مكّنتها مِن أنْ تنافس المنتجات الأميركية والأوروبية، وإن كان ذلك محصورًا في السيارات وخطوط إنتاج العدد والآلات، وبعض المنتجات الإلكترونية. وقد يكون قبول الصين الاتفاق المبدئي الأخير الذي أعلن عنه ترامب في 11 يونيو/حزيران الحالي، في إطار توسيع تصنيع الطائرات المدنية وغيرها من السلع المماثلة. فإذا كانت الصين تستورد 60% من مكونات الطائرات المدنية محلية الصنع الآن، فقد تصل إلى نسبة تصنيع محلي لكامل إنتاج الطائرة في غضون 5 سنوات، وبما لا يزيد عن 10 سنوات في أقصى تقدير. وإلى أن يتحقق ذلك ستظل التكنولوجيا، أحد مكامن الضعف في الموقف الصيني، وإحدى أوراق الضغط الأميركية، وسيكون الصراع بين القوى الاقتصادية الكبرى خلال الفترة القادمة، تكنولوجيًا بامتياز، وقد رأينا كيف تم تفعيل التكنولوجيا في الحرب الروسية الأوكرانية، عبر تطوير أوكرانيا لاستخدام المسيرات لضرب روسيا من الداخل، وهي نفس التكنولوجيا التي اعتمدت عليها بنسبة كبيرة دولة الكيان الصهيوني في توجيه ضربات موجعة لإيران فجر الجمعة 13 يونيو/حزيران الماضي. مناورة تحويل التجارة قبول الصين بهذه النسبة المرتفعة للرسوم المفروضة على صادراتها إلى أميركا خلال الفترة المقبلة، سيؤدي بلا شك إلى تراجع قيمة التجارة بينهما، وهو ما يهدف إليه ترامب بما اتخذه من إجراءات خلال الفترة الماضية. وحسب البيانات الرسمية الأميركية، تراجعت واردات السلع الأميركية في الصين في أبريل/نيسان 2025 إلى 25.3 مليار دولار مقارنة بـ 41.6 مليار دولار في يناير/كانون الثاني من نفس العام، وهو ما يعني أن الإجراءات الخاصة برفع الرسوم الجمركية قد نتج عنها تراجع قيمة الواردات الأميركية من الصين. وفي حال أنهت الصين دراسة قرار اعتماد واردات الطائرات المدنية من الاتحاد الأوروبي، عبر شركة إيرباص، بديلا لاستيرادها نفس الطائرات من شركة بوينغ الأميركية، فإن ذلك يعني أن الصين فعلت ما يعرف بتحويل التجارة، لتقوية موقفها في علاقات ندية مع أميركا. ولا شك في أنه إذا اتخذت الصين مثل هذا القرار، فسوف تتضرر أميركا كثيرا، حيث يؤكد الخبراء، أن صفقة تتضمن استيراد 500 طائرة، تعد صفقة غير مسبوقة في تاريخ التجارة الخاصة بالطائرات. وتبدو الأمور مختلفة هذه المرة، فكل من الصين والاتحاد الأوروبي يشعران أن أميركا شريك لا يُطمئن، بسبب طبيعة ارتباط السياسات الأميركية بشخص الرئيس. جدير بالذكر، أن قيمة التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي والصين بنهاية 2024 بلغت 730 مليار يورو (844.5 مليار دولار)، بفائض تجاري لصالح الصين بنحو 304 مليارات يورو (351.68 مليار دولار)، في حين بلغت قيمة التبادل التجاري بين أميركا والصين بنهاية 2024 نحو 581 مليار دولار، بفائض تجاري لصالح الصين أيضا بلغ 295 مليار دولار، وبذلك نجد أن قيمة التبادل التجاري للصين مع الاتحاد الأوروبي أكبر منها مع أميركا.