logo
أوروبا والقاموس الدبلوماسي

أوروبا والقاموس الدبلوماسي

العرب اليوم٠١-٠٤-٢٠٢٥

ما أطلقتْ عليه وسائلُ الإعلام الأميركية، والغربية عموماً، اسم «فضيحة سيغنال» وما كشفته من اختراقات أمنية على أعلى مستوى في الإدارة الأميركية، والضجة التي أثارتها وانعكاساتها السياسية والأمنية، سواء على المستوى الأمني الأميركي أو على مستوى التعاون الاستخباراتي الأمني مع الحلفاء الأوروبيين، ليس من السهل تجاوزها، أو التقليل من شأنها بالإدلاء بتصريحات، أو إصدار بيانات عبر ناطقين رسميين. الخرق تجاوز كل الخطوط الحمراء.
هناكَ خللٌ واضحٌ في الإدارة الأميركية الحالية ذو صلة بالسؤال حول مدى مهنية أفراد وشخصيات الدائرة الأولى المحيطة بالرئيس ترمب في البيت الأبيض. الرسائل المتبادلة عبر موقع إلكتروني غير مؤمّن، وممكن اختراقه، وغير رسمي، توضح مدى حجم وخطورة الخرق البروتوكولي المخالف للوائح المنظمة للاتصالات الرسمية. وبالتأكيد، تعيد الحادثة للأذهان ما حدث في انتخابات 2016 الرئاسية، حين أدان المرشح الجمهوري آنذاك دونالد ترمب منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون بتهمة الإهمال واللجوء إلى استخدام بريدها الإلكتروني الخاص في مراسلات رسمية، والتعهّد بسجنها في حالة نجاحه في الانتخابات.
الحكايةُ معروفة، وليست في حاجة إلى إعادة سرد، ويكفي التذكير بأنها السبب وراء هزيمة كلينتون في الانتخابات، كما يؤكد أغلب المعلقين والمحللين.
خطورةُ الخرق الأمني الأخير أدّى بالضرورة إلى استقطاب اهتمام أغلب المعلقين والسياسيين، على حساب مسألة أخرى وردت في الرسائل المتبادلة والمنشورة بين أعضاء الفريق الأميركي، متمثلة بوضوح في مشاعر المقت والازدراء التي أظهروها نحو حلفائهم الأوروبيين بوضوح، واعتبارهم كائنات طفيلية. الأمر الذي يفسّر، إلى حدّ بعيد، العديد من تصريحات وقرارات الرئيس ترمب، خاصة المتعلق منها بانتقاداته للحلفاء في حلف «الناتو»، وموقفه المخالف لأوروبا فيما يتعلق بالموقف من روسيا، والموقف من أوكرانيا، ودوافعه وراء فرض زيادة الرسوم الجمركية على الواردات الأوروبية إلى أميركا. وبات واضحاً أن أميركا وحلفاءها الأوروبيين يسيرون في اتجاهين متعاكسين الآن.
في إحدى الرسائل المتبادلة والمنشورة، يعلق نائب الرئيس جي دي فانس على الغارة بقوله إنه يكره إنقاذ الأوروبيين مرّة ثانية. ويضيف أن الغارات الأميركية على مواقع الحوثيين في اليمن مفيدة للأوروبيين وليس لأميركا. ويتلقى رداً من وزير الدفاع بيت هيغسيت يقول فيه إنّه يشاركه ازدراء الأوروبيين. وفي نفس السياق، يتدخل عضو آخر في الفريق ويقول صراحة إن على أوروبا تعويض أميركا عن العملية الجوّية.
إلا أن هذا لا ينفي حقيقة مهمة، وهي أن التطرق إلى التعويض المالي عن العملية يبدو نشازاً عالياً؛ لأن واشنطن، حسب آراء المعلقين، لم تتلقَّ طلباً من أوروبا للقيام بالعملية.
ورغم قِصر مدّة وجوده في البيت الأبيض، فإن الرئيس ترمب وأعضاء فريقه الاستشاري والوزاري يسيرون في خط معاكس بوضوح للخط الأوروبي، وبأجندة سياسية لا يصعب تبيّن اختلافها، ناجمة عن اتخاذ إدارة الرئيس ترمب طريقاً مخالفاً لما انتهجه رؤساء أميركا السابقون، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، في العلاقة بأوروبا.
في تصريح موثّق بالصوت والصورة، قال الرئيس ترمب بوضوح إنّه لا يتوقع من الحلفاء الأوروبيين نجدة أميركا في حالة تعرضها لاعتداء، وذكر فرنسا بالاسم، مضيفاً أن هناك بلدين آخرين يحجم عن ذكرهما. وفي نفس السياق، من الممكن التذكير بما قاله نائب الرئيس جي دي فانس إلى المؤتمرين في مؤتمر الأمن الأوروبي بميونيخ. وكذلك تصريحه مؤخراً في جزيرة غرينلاند ضد الدنمارك، مندداً بتقصيرها في الاهتمام بالجزيرة وبأهلها، وتأكيده أن أميركا قادرة على إحداث تغييرات إيجابية للجزيرة وللسكان كفيلة بجعل الحياة أفضل. وقد يؤخذ التصريح على أنه يتسق والأجندة الأميركية المعلنة للاستحواذ على الجزيرة، إلا أنّه، في ذات الوقت، يفصح عن عمق مشاعر الازدراء الأميركية نحو الحلفاء الأوروبيين، وانتهاز كل فرصة تتاح للنيل منهم، والحط من قدرهم.
ومن دون شك، يدرك الحلفاء الأوروبيون تلك المشاعر الأميركية، ويحاولون بالصمت أو بالدبلوماسية امتصاص ما يصدره المسؤولون الأميركيون من تصريحات عدائية من دون مواربة ضدهم، إلا أنّهم، واقعياً وفعلياً، عاجزون عن الرد، خشية من رد الفعل. ولذلك السبب، صاروا مؤخراً يرجعون بكثرة إلى استخدام القاموس الدبلوماسي، لاختيار أكثر مفرداته ليونة ومرونة إن اضطروا للرد.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الاستقلال في حياة الأمم والشعوب
الاستقلال في حياة الأمم والشعوب

السوسنة

timeمنذ 3 ساعات

  • السوسنة

الاستقلال في حياة الأمم والشعوب

الاستقلال في حياة الأمم والشعوب ليس مجرد مناسبة عادية، بل كلمة تحمل في طياتها سحرًا خاصًا يضيء تاريخ الشعوب. فهو الرابط الذي يربط الماضي بالحاضر لكل أمة تحترم نفسها وتقدّر تضحيات أبنائها وشهدائها. كلمة "الاستقلال" لها وقع السحر، فهي محطة تاريخية تذكرنا بنضال وكفاح الأجيال، وتأثيرها السحري ينبع من أنها تمثل ذكرى التضحيات الغالية التي قدمتها الشعوب عبر الزمن للوصول إلى هذه اللحظة العزيزة.كل الأمم والشعوب تحتفل بالاستقلال، ما عدا بريطانيا العظمى سابقًا، تلك الإمبراطورية التي "لا تغيب عنها الشمس" بسبب مستعمراتها الكثيرة. لكن بعد الحرب العالمية الثانية وعدوانها الثلاثي على مصر بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر، تراجع دورها لتصبح دولة كبرى من الدرجة الثالثة أو حتى الرابعة. فقد أنهكتها الحرب العالمية الثانية عسكريًا، وانهكها العدوان الثلاثي سياسيًا وعسكريًا.يحتفل وطننا العزيز اليوم بذكرى استقلاله كباقي الأمم والأوطان، لكن يبقى السؤال: هل حققنا الاستقلال بكافة مقوماته؟ وهل استفدنا من الماضي حتى لا يعود علم أجنبي يرفرف فوق سماء الوطن؟ وهل بنينا مؤسسات وطنية حقيقية تقف شامخة في وجه الاستعمار بكل أشكاله؟أم أن الحكومات المتعاقبة في وطننا باعت مؤسساتنا الوطنية، ودمرتها بدلًا من بناءها واستثمارها لمصلحة المستقبل والأجيال القادمة؟ ومن حقنا كشعب أن نواجه أنفسنا وحكوماتنا في هذه المناسبة، ونتساءل عن سداد الديون التي تم بها بيع أفضل مؤسسات الوطن وأراضيه، في حين أن الديون لم تنقص بل ازدادت. والحق يُقال إن ما تبقى لنا من مؤسسات وطنية هو الصحة والتعليم، واللذين للأسف يتعرضان لمحاولات ضرب وإفشال متعمدة. فهل نسأل في هذه المناسبة عن مستقبل الأجيال الشابة وما ينتظرهم في الغد؟بعد بيع مؤسسات الوطن، وكلنا يعلم أن القطاع الخاص مهما بلغت قوته ونجاحه، لا يمكن أن يكون بديلاً للقطاع العام، الذي يجب أن يمتلك اليد الطولى لأنه يمثل روح الدولة وحضورها، خصوصًا في العالم النامي الذي ننتمي إليه.وكيف يمكن أن يكون هناك استقلال مع وجود قواعد أجنبية في وطننا وفي باقي دول العالم النامي؟ فالاستقلال ليس مجرد كلمة في قاموسنا اللغوي، بل هو إرادة. ولا وجود لاستقلال سياسي دون استقلال اقتصادي، فهما مرتبطان ارتباطًا جدليًا، كل منهما يكمل الآخر ولا ينفصل عنه.الاستقلال السياسي في حياة الأمم والشعوب هو مرحلة مهمة من مراحل التاريخ، لكن يتبعها الاستقلال الاقتصادي. فهل وطننا وأمتنا مستقلين فعلاً؟ أي شعب يرى أن ماضيه أفضل من حاضره، عليه أن يعلم أن مستقبله مهدد بفقدان استقلاله وحتى وجوده.ويقول الزعيم جمال عبد الناصر:"الاستقلال ليس قطعة قماش تسمى علمًا، ولا نشيدًا من التراث يسمى وطنيًا، بل الاستقلال هو إرادة."فهل نحن اليوم مستقلون حقًا؟!

عيد الاستقلال: صفحات المجد في ذاكرة وطن
عيد الاستقلال: صفحات المجد في ذاكرة وطن

عمون

timeمنذ 4 ساعات

  • عمون

عيد الاستقلال: صفحات المجد في ذاكرة وطن

يُعد عيد الاستقلال الأردني، الذي يُصادف الخامس والعشرين من أيار/مايو عام 1946، لحظةً مفصلية في مسار تشكّل الدولة الأردنية الحديثة. ورغم بساطة الحدث في إعلان الاستقلال عن الانتداب البريطاني ـ إلا أن عمقه التاريخي، وتبعاته السياسية والاجتماعية، وما رافقه من تحولات مؤسسية، تجعله ظاهرة مركبة تستحق التأمل فهو ليس مجرد حدث تأسيسي، بل محطة مركزية لفهم منطق بناء الدولة، وتحولات الشرعية، وتبلور الهوية الوطنية الأردنية في سياق إقليمي متقلب. لا يمكن فهم استقلال الأردن دون استحضار السياق الدولي والإقليمي في أربعينيات القرن العشرين، حين كانت الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية تتفكك تدريجيًا تحت ضغط حركات التحرر الوطني، والتغيرات الجيوسياسية بعد الحرب العالمية الثانية. في هذا المناخ، سعى الأمير عبد الله بن الحسين، وريث المشروع القومي الهاشمي، إلى تحويل 'إمارة شرق الأردن' إلى كيان سياسي ذي سيادة. ونصت المادة (1) - الفقرة (2) من ميثاق الأمم المتحدة 'إنماء العلاقات الودية بين الأمم، على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسـاوي في الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكل منها الحق في تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام.' وكان مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها بمثابة نقطة ارتكاز قانونية لاستكمال مسار الاستقلال فبعد مفاوضات مضنية، اعترفت بريطانيا والأمم المتحدة بالأردن كدولة مستقلة في 25 أيار 1946، وأُعلن قيام المملكة الأردنية الهاشمية، مع تتويج عبد الله الأول ملكًا دستوريًا،وواصلت القيادات الهاشمية، بدءًا من الملك عبد الله الأول مرورًا بالملك الحسين بن طلال، وصولًا إلى جلالة الملك عبد الله الثاني في ترسيخ دعائم الدولة الأردنية الحديثة، وتعميق مفهوم السيادة الوطنية، وتعزيز الاستقلال بمضامين سياسية واقتصادية وثقافية. حيث شكل الخطاب الملكي أداة رمزية هامة ففي أحد خطابات جلالة الملك عبدالله الثاني الوطنية، قال جلالة الملك عبد الله الثاني: 'الاستقلال لم يكن نهاية الطريق، بل بدايته. فقد استلمنا راية البناء والتطوير، وواصلنا المسيرة بثقة وثبات، ونحن اليوم على عتبة مستقبل أكثر طموحًا.' يُظهر هذا الخطاب كيف تحوّل الاستقلال من ذكرى تاريخية إلى مشروع وطني مستمر، يستدعي كل عام لإعادة تثبيت مفاهيم المواطنة، والسيادة، والانتماء، ولتحفيز الأداء السياسي والاقتصادي وتشكل مظاهر الاحتفال بعيد الاستقلال امتدادًا للثقافة السياسية الوطنية، وتُسهم في تعزيز الانتماء وترسيخ مفاهيم المواطنة. وتشمل هذه المظاهر تنظيم العروض العسكرية، والفعاليات الثقافية، والخطابات الرسمية، والأنشطة الشبابية والتعليمية، التي تُبرز مكانة الاستقلال في صيانة الهوية الوطنية والتاريخية. إن عيد الاستقلال الأردني لا يُعد مجرد ذكرى وطنية يتم إحياؤها سنويًا، بل هو بنية رمزية ومؤسسية تؤطر مشروع الدولة الأردنية الحديثة، وتُجسد قدراتها على التحول من كيان ناشئ إلى دولة ذات سيادة واستقرار. لقد مثّل الاستقلال نقطة التقاء بين الإرادة السياسية الهاشمية والنضج الاجتماعي الوطني، في وقت كانت فيه معظم الكيانات السياسية في المنطقة تتأرجح بين التبعية والاضطراب، فإن تجربة الأردن ليست مجرد سردية وطنية، بل هي شهادة حيّة على قدرة الشعوب على النهوض، وصناعة مستقبلها بإرادة ووعي. فالأردن، الذي وُلد من رحم التاريخ، ما زال يمضي بثبات في طريق الإصلاح، والتنمية، وتعزيز الهوية الجامعة، ضمن رؤية متكاملة تجمع بين الأصالة والمعاصرة. ولا بد لنا ان نستشهد في هذه المناسبة احدى قصائد الشاعر حيدر محمود التي من أشهر قصائده الوطنية قصيدة 'يا أردن الأرض الحبيبة'، التي يقول فيها: 'يا أردن الأرض الحبيبة يا منبع المجد والعروبة"

ترامب – نتنياهو: هل عادت المياه إلى مجاريها؟
ترامب – نتنياهو: هل عادت المياه إلى مجاريها؟

العرب اليوم

timeمنذ 10 ساعات

  • العرب اليوم

ترامب – نتنياهو: هل عادت المياه إلى مجاريها؟

مرّت علينا أيّامٌ بدت فيها علاقة الرئيس دونالد ترامب مع نتنياهو مضطربةً وقلقة بفعل تجاهل الأخير لرغبة الرئيس في تحقيق إنجازٍ ولو جزئيّاً يتّصل بالحرب على غزّة، وإن لم يصل حدّ وقفها ولو مؤقّتاً، في إدخال المساعدات الإنسانية إليها. جرت مبالغاتٌ في تقدير مغزى بعض الوقائع التي حدثت دفعة واحدة، في الوقت الذي كان فيه الرئيس ترامب يتأهّب للقيام بزيارته التاريخية للسعوديّة وقطر والإمارات. أهمّها، وربّما الأكثر إثارةً، استثناء إسرائيل من الزيارة، مع أنّ هذا الاستثناء أُعلن مبكراً بسبب رغبة الرئيس ترامب في تركيز الثقل الإعلامي على زيارته للسعودية وأخواتها من دول الخليج، ولسببٍ آخر هو أنّه منذ أن عاد إلى البيت الأبيض لم تتوقّف اتّصالاته الهاتفية بنتنياهو، مع منحه ميزة أن يكون أوّل زعيم 'أجنبي' يلتقيه ترامب في البيت الأبيض، ولو أنّ ترامب استثنى إسرائيل بعد أن تكون وُضعت في برنامج الزيارة، لكان في الأمر ما يشير إلى أنّ الاستثناء عقاب، أما وقد تمّ بالطريقة التي أُعلنت، فالأمر لا يستحقّ ما بُنيَ عليه من دلالات. مرّت علينا أيّامٌ بدت فيها علاقة الرئيس دونالد ترامب مع نتنياهو مضطربةً وقلقة بفعل تجاهل الأخير لرغبة الرئيس في تحقيق إنجازٍ ولو جزئيّاً يتّصل بالحرب على غزّة مخالفة صارخة جرى أيضاً تضخيم حكاية الاتّفاق مع الحوثي الذي سبق الزيارة، وكأنّ ما حدث هو أكثر من كونه لقطةً استعراضيّةً تباهى فيها ترامب المعروف بولعه بالمبالغة في تقدير كلّ ما يفعل حتّى لو كان صغيراً هامشيّاً. أُقيم أيضاً وزنٌ كبيرٌ للاتّصالات الأميركية المباشرة مع 'حماس' في الدوحة، فوُصفت في إعلام المعارضة الإسرائيلية بأنّها صفعةٌ لنتنياهو وائتلافه، وأمّا المدلول الحقيقي لِما حدث فهو أنّ الجبل تمخّض فولد إفراجاً عن عيدان ألكساندر، دون أن يتجاوز الأمر هذا الحدّ. بمقتضى قانون الدلال الأميركي الدائم لإسرائيل، كلّ ما تقدّم على محدوديّته وهامشيّته بدا مخالفةً صارخةً لهذا القانون. بوسعنا القول إنّ الأمور عادت إلى مجاريها الطبيعية بين ترامب ونتنياهو، وهو ما تجلّى في آخر اتّصالٍ هاتفي بين الاثنين، بعد حادثة واشنطن، تجدّد فيه أهمّ ما يسعى إليه رئيس الوزراء في أصعب فترة صراع بينه وبين معارضيه، وهو أن تكون أميركا إلى جانبه، وما يعنيه الآن وقبل كلّ شيء أن يتجدّد دعمها وتبنّيها لأهداف حربه. بعد إتمام صفقة عيدان ألكساندر، وهي ذات حجم لا يستحقّ المتاجرة به، قال المبعوث الأميركي لشؤون الأسرى آدم بوهلر، صاحب مأثرة الاتّصال المباشر مع 'حماس'، إنّ أميركا تؤيّد وتدعم حرب نتنياهو على غزّة، خصوصاً في مرحلتها الحاليّة، وجدّد مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف تأكيد المشترَك مع نتنياهو، وهو ربط إنهاء الحرب على غزّة بخلوّها التامّ من السلاح. وأخيراً في الاتّصال الهاتفي الذي تمّ بالأمس بين نتنياهو وترامب، جرى تأكيد المؤكّد دون خروجٍ عن المسار الأساسي لعلاقة البيت الأبيض وترامب بالذات، ليس بدولة إسرائيل وإنّما بحكومتها وعلى رأسها بنيامين نتنياهو. منذ بدء الحرب على غزّة، وعبر كلّ مراحلها كانت تظهر على نحوٍ يوميٍّ اعتراضات للإدارة الأميركية على سلوك نتنياهو لغة وتكتيكات مختلفة منذ بدء الحرب على غزّة، وعبر كلّ مراحلها مع أنّها في مجال القتل والتدمير والإبادة مرحلةٌ واحدة، كانت تظهر على نحوٍ يوميٍّ اعتراضات للإدارة الأميركية على سلوك نتنياهو، وكانت النتيجة دائماً تراجع الاعتراضات في الواقع من خلال مواصلة تقديم الدعم المغدَق للحرب ومستلزماتها، مع تغطيتها سياسيّاً بسلسلة فيتوهات غير مسبوقة العدد في التاريخ، وكان ذلك كما هو الآن مقترناً بدور الوسيط الذي كان عديم الفاعلية في أمر وقف الحرب، لكنّه كثير الكلام عن أهميّة وقفها. يتكرّر الآن ما كان في عهد الإدارة الديمقراطية، لكن بلغةٍ مختلفةٍ وتكتيكاتٍ مختلفةٍ أيضاً، إلّا أنّ الجديد فيه هو شخصيّة الرئيس ترامب وطريقته في العمل، فما دام رئيس البيت الأبيض الحالي ومعاونوه ومبعوثوه متّفقين مع نتنياهو في الأهداف، فكلّ ما يُثار عن خلافاتٍ هو غبار لا يمسّ جوهر العلاقة والمشترَك الأساسي فيها. أن نعرف الحقيقة مهما كانت صعبة هو الشرط المبدئي والأساسي لمواجهتها، وما زال أمامنا نحن العرب طريقاً طويلاً في التعامل مع أميركا بما يخدم موقفنا المشترك بشأن الوضع العامّ في الشرق الأوسط وجذره القضيّة الفلسطينية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store