
هل تحتاج بريطانيا لمراجعة تعاونها الاستخباراتي مع أميركا؟
قبل أيام انضم رئيس تحرير مجلة "ذا أتلانتيك" جيفري غولدبرغ خطأ إلى مراسلات سرية بشأن العمليات العسكرية الأميركية- البريطانية ضد الحوثيين في اليمن، وعند تفجر الفضيحة عقبت حكومة المملكة المتحدة بالقول إن "التعاون الاستخباراتي مع الولايات المتحدة متين ومستمر ولن يفسد وده خطأ".
اوضحت لندن بعد "حادثة أتلانتيك" أنها لا تتدخل في آلية تناقل الدول الأعضاء للمعلومات الاستخباراتية داخلياً، لكنها تعتمد من جانبها في هذا الشأن معايير شديدة الحرص وآليات تدقيق تعرض كل مسؤول بريطاني يتجاوزها إلى المساءلة القانونية، وفي الوقت ذاته تضمن سلامة التعاون مع الحلفاء أمنيا.
طمأنة مجلس العموم بشأن سلامة البريطانيين المشاركين في العمليات ضد الحوثيين، ومتانة التعاون الاستخباراتي مع الولايات المتحدة، جاءت في سياق رد وزير القوات المسلحة لوك بولارد على تساؤلات أعضاء اللجنة الخارجية في البرلمان، ولكن يبدو أن ذلك لم يكن كافياً لتهدئة قلق نواب ودبلوماسيين.
نقلت شبكة "سكاي نيوز" الإنجليزية عن زعيم حزب الديمقراطيين الليبراليين في البرلمان إيد ديفي، أنه يختلف مع الحكومة بشأن ثقتها المطلقة في تبادل المعلومات الاستخباراتية بين بريطانيا وأميركا، ودعا إلى مراجعة شاملة للآليات المتبعة في هذا الشأن، فلا يمكن "الوثوق بأن البيت الأبيض في عهد ترمب قادر على اتخاذ أبسط الخطوات للحفاظ على أمن معلوماته الاستخباراتي"، على حد تعبيره.
كذلك أعرب أربعة سفراء بريطانيين سابقين للشبكة ذاتها عن مخاوفهم إزاء التعاون الاستخباراتي مع الولايات المتحدة في ظل إدارة ترمب، وفيما قال السفير السابق ديفيد مانينغ إن بعض المعينين في إدارة البيت الأبيض لديهم "سجلات غريبة قد تخلق مشكلة على الصعيد الأمني"، لفتت السفيرة السابقة كارين بيرس إلى أهمية تبادل المعلومات الاستخباراتية على رغم الحاجة إلى مزيد من الحذر في أعلى مستويات العملية".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الخشية من تسرب المعلومات هو وجه واحد للدعوة إلى إعادة النظر بآلية التعاون الأمني بين بريطانيا وأميركا، أما الوجه الآخر فهو حاجة المملكة المتحدة إلى استقلالية أو اعتماد أكبر على الذات في هذا القطاع، وهو ما يبدو وفق مختصين وخبراء أمر بغاية الصعوبة ويرتبط بعقود طويلة من تحالف متشابك بين البلدين.
حادثة أخرى وقعت قبل فضيحة "ذا أتلانتيك" استدعت قلق بريطانيا إزاء التعاون الأمني مع أميركا، فقد أمر الرئيس دونالد ترمب الشهر الماضي بعدم مشاركة المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا سواء عبر وكالات الولايات المتحدة المعنية أو بواسطة دول أخرى في تحالف "العيون الخمس" الذي يجمع بلاده مع بريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا.
رد لندن على قرار ترمب حينها كان أيضا التأكيد على "التعاون الأمني الوثيق والقوي مع واشنطن"، ولكن أسئلة عديدة طرحت بشأن من يمتلك اليد الطولى في هذا التعاون، وهل تحتاج لندن إلى البحث عن علاقات أوسع عالميا في هذا الشأن؟
أشار خبراء أمنيين لصحيفة "بوليتيكو" إلى تراجع جمع الوكالات الأمنية في أميركا وبريطانيا للمعلومات عبر العامل البشري خلال العقود القليلة الماضية في مقابل الاستخدام الهائل للتقنية، وهو ما زاد من تشابك العلاقات الأمنية بين البلدين ووسع من آفاق تعاونهما على مستويات مختلفة وحقول عدة.
وربما تكون لأميركا أدوات أكثر فعالية في جمع المعلومات تقنياً، لكن بريطانيا لديها أصول مهمة تُفيد واشنطن في هذا المجال وأهمها مراكز التنصت في الخارج، وقد لفت مدير برنامج الأمن الدولي في معهد (RUSI) نيل ملفين، إلى "آيوس نيكولاوس" في قبرص كمثال على تلك المراكز وشدد في حديث مع "بوليتيكو" على أهميته الشديدة كمصدر للمعلومات بشأن شرق المتوسط وتحديداً في ما يخص إسرائيل.
مسؤول استخباراتي بريطاني سابق رفيع المستوى، أشار للصحيفة ذاتها إلى أن العمل الأمني بين البلدين وبين دول "العيون الخمس" بشكل عام متكامل إلى حد كبير، فتجد مثلاً أميركيين يعملون على معدات بريطانية والعكس صحيح، وعلى رغم ذلك اعتبر المسؤول قرار ترمب تعليق تبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا أمراً مقلقاً للغاية ويستحق الوقوف عنده، لكن بقية أعضاء "العيون الخمس" تجاهلوا ذلك.
مصادر "بوليتيكو" تقول إن هناك مقاومة كبيرة في الحكومة البريطانية العمالية لمناقشة حقيقة أن الثقة بالولايات المتحدة قد تلاشت، وفيما يأمل البعض باستعادتها يدعو البعض الآخر إلى الاستعداد للأسوأ، فلم يكن أحد يتوقع أن يصوت الأميركيون ضد أوكرانيا بما يتفق مع مواقف كوريا الشمالية والصين وروسيا وإيران.
من جهتها، نقلت صحيفة "الغارديان" قبل أيام عن دان لوماس، الأستاذ المساعد في جامعة "نوتنغهام" والمتخصص في مجال الاستخبارات، أن الولايات المتحدة متفوقة عالمياً من حيث قدراتها ونطاقها وموازنتها، والقلق من عدم وجود بدائل على الأقل في المدى المتوسط أمام لندن في العلاقة الاستخباراتية مع أميركا.
وأشار لوماس إلى إمكانية بحث لندن عن خيارات تعاون أوسع عالمياً في المجال الأمني، وقال إن المملكة المتحدة لديها علاقات ثنائية عديدة مع فرنسا ودول أخرى في هذا المجال، لكنه حذر من أن نطاق أي تغطية أو تعويض في هذا السياق لا يكافئ مع ما تقدمه الولايات المتحدة من معلومات استخباراتية هامة.
تشكل بريطانيا ثاني أكبر مساهم بعد أميركا بما تقدمه لـ "العيون الخمس" من نتاج مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية (جي سي أج كيو) والاستخبارات البريطانية الداخلية (أم أي 5) والخارجية (أم أي 6)، ثم تأتي بنسبة أقل بكثير كل من كندا وأستراليا، أما نيوزلندا فهي تقدم وفق تقارير مختصة معلومة واحدة مقابل 99 تحصل عليها.
بعد أقل من شهرين من تنصيب ترمب اقترح مسؤول كبير في البيت الأبيض طرد كندا من "العيون الخمس" بسبب الخلافات بين واشنطن وأتاوا، لم يجد المقترح آذانا أميركية صاغية حتى الآن ولكن هل يلغي ذلك إمكانية وقوعه غدا، وربما تأتي بعد كندا نيوزلندا التي اعترضت على خطط التحالف ضد الصين في عام 2021؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
منذ 3 ساعات
- الشرق السعودية
الصين تعطل إبرام اتفاق تجاري بين فيتنام والولايات المتحدة
في خضم نزاع تجاري متصاعد بين الولايات المتحدة والصين، تبدو فيتنام وكأنها تسير على حبل مشدود، في محاولة إرضاء إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتجنب فرض رسوم جمركية قد تصل إلى 46%، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز". وتعج أطراف مدينة هو تشي منه، جنوب فيتنام، بالمستودعات الضخمة التابعة لشركات صينية مثل Shein وAlibaba بحركة نشطة، ومئات العمال الذين يعبّئون مستحضرات التجميل والملابس والأحذية، بينما يواصل مسؤولو التوظيف إجراء مقابلات لتوظيف المزيد. وترى الصحيفة أن مثل هذه الأنشطة المدعومة بالأموال الصينية، وفرت آلاف الوظائف، وساهمت في جعل فيتنام وجهة مفضلة للشركات العالمية الباحثة عن بدائل للمصانع الصينية، غير أن هذا الاعتماد المتزايد على الصين بات يمثل العقبة الأكبر أمام فيتنام، التي تسعى إلى اتفاق تجاري مع واشنطن يحميها من رسوم جمركية مرتفعة. وبينما تحاول هانوي استغلال مهلة الـ90 يوماً التي منحتها واشنطن قبل فرض الرسوم الجديدة، تسابق الحكومة الفيتنامية الزمن للتوصل إلى اتفاق مع الأميركيين. وعقد الجانبان جولة ثانية من المحادثات في واشنطن الأسبوع الجاري، على أن تُستأنف المفاوضات الشهر المقبل، في المقابل، تطالب إدارة ترمب فيتنام باتخاذ خطوات حاسمة لمكافحة ظاهرة "إعادة التصدير"، وهي ممارسة تقوم من خلالها بعض الشركات بإعادة تصدير السلع الصينية، عبر فيتنام للالتفاف على الرسوم الأميركية. لكن إدارة ترمب تتوسع في تفسير هذه الظاهرة، إذ تعتبر أن مجرد اعتماد المصانع الفيتنامية على المكونات أو الاستثمارات الصينية يجعل من الصادرات الفيتنامية امتداداً للصين، وهو ما يتعارض مع مساعي الإدارة لفك ارتباط الاقتصاد الأميركي بالواردات الصينية. "مستعمرة صينية" وبالنسبة لفيتنام، يتمثل التحدي في إثبات أن ما تصدّره للولايات المتحدة هو بالفعل "صُنع في فيتنام"، وليس نتاجاً صينياً مغلفاً. وكشف تصريح أخير لمستشار التجارة البارز في إدارة ترمب، بيتر نافارو، حجم الضغوط على فيتنام، حين وصفها بأنها "مستعمرة صينية". وفي هذا السياق، يجد صانعو القرار الفيتناميون أنفسهم، في موقف لا يُحسدون عليه، فهم يحاولون اجتذاب الاستثمارات الأجنبية، لكنهم في الوقت ذاته يُحاسبون على قربهم الاقتصادي من الصين. وقال آدم سيتكوف، المدير التنفيذي لغرفة التجارة الأميركية في هانوي: "الأولوية بالنسبة لترمب هي أن تعالج فيتنام مشكلة إعادة التصدير، وأن يتم التوصل إلى اتفاق يُظهر أن فيتنام تتخذ خطوات جدية". وكانت فيتنام من أبرز المستفيدين من الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب على البضائع الصينية خلال ولايته الأولى، حيث قفز فائضها التجاري مع الولايات المتحدة من 38.3 مليار دولار في عام 2017 إلى 123.5 مليار دولار في عام 2024. وتسارعت إعادة ترتيب مسارات التجارة في أبريل الماضي، عندما كانت الصين تواجه رسوماً جمركية تصل إلى 145%. وفي ذلك الشهر، قفزت واردات فيتنام من الصين إلى 15 مليار دولار، بينما بلغت صادراتها إلى الولايات المتحدة 12 مليار دولار، وتوصلت بكين وواشنطن منذ ذلك الحين إلى اتفاق مؤقت لتخفيض هذه الرسوم. وفي استجابة لذلك، أنشأت فيتنام هذا الشهر فريقاً خاصاً للعمل على "مكافحة التهريب والغش التجاري بقوة"، ومنع تصدير البضائع التي تحمل علامة "صنع في فيتنام" مزيفة، كما عقدت وزارة المالية الفيتنامية اجتماعات مع هيئة الجمارك وحماية الحدود الأميركية لمناقشة التعاون وتبادل المعلومات. لكن رغم هذه الجهود، ترى إدارة ترمب أن الخطوات "غير كافية"، إذ قالت بريانكا كيشور، خبيرة اقتصادية في سنغافورة ومؤسسة شركة "آسيا ديكودد" الاستشارية: "أصبح من الصعب على فيتنام إقناع الحكومة الأميركية بأن ما يحدث ليس مجرد تحويل لمسار البضائع الصينية". وأضافت كيشور: "الصين هي أكبر مورد للسلع الوسيطة لفيتنام، لذا إذا كنت تدفع بصادراتك إلى الولايات المتحدة للارتفاع، فستشهد أيضا زيادة في الواردات من الصين". إخفاء المنشأ وتعتمد فيتنام وغيرها من الدول الآسيوية على الصين في الحصول على المواد المستخدمة في تصنيع المنتجات النهائية، لذا، ومع تحول الإنتاج من المصانع في الصين إلى مصانع في أماكن أخرى، فإن كثيراً من الارتفاع في صادرات الصين إلى جيرانها قد يكون في صورة مواد خام تُستخدم في المصانع. ومع ذلك، فإن بعض الواردات الفيتنامية من الصين هي بلا شك منتجات جاهزة تُشحن عبر فيتنام إلى دول أخرى مع إخفاء منشأها الصيني، وهو ما يُعد ممارسة غير قانونية على نطاق واسع. ووفقاً لأحد التقديرات، ارتفعت نسبة هذه الأنشطة إلى 16.5% من الصادرات إلى الولايات المتحدة، بعد فرض ترمب الرسوم الجمركية على الصين خلال ولايته الأولى، وكان جزء كبير من هذه الأنشطة مدفوعاً بشركات مملوكة للصينيين. ودفعت الرسوم الباهظة جداً على السلع الصينية الشهر الماضي المزيد من المصنعين إلى البحث عن خيارات في فيتنام، وبعد أن ألغى ترمب ثغرة كانت تتيح للأميركيين شراء السلع الرخيصة من الصين دون ضرائب، قدمت شركة Shein إرشادات ودعماً مالياً للمصانع لنقل عملياتها إلى فيتنام. وكان جزء كبير من هذا النشاط عبارة عن تحوّل مشروع في سلاسل التوريد، مع انتقال الشركات إلى التصنيع خارج الصين للاستفادة من الرسوم المنخفضة. وتقول الصحيفة إن إيقاف عمليات إعادة التصدير غير القانونية مسألة، وفصل سلاسل التوريد عن الصين مسألة أكثر تعقيداً بكثير، فمعظم ما يشتريه الأميركيون يحتوي على مواد خام مصدرها الصين، سواء كان البلاستيك في ألعاب أطفالهم، أو المطاط في أحذيتهم، أو الخيوط في قمصانهم. وفي هذا الصدد، قال تران نهو تونج، نائب رئيس رابطة النسيج والملابس الفيتنامية، إن "إخراج الصين من المعادلة سيكون مشكلة كبيرة، فالمصانع تستورد نحو 60% من الأقمشة التي تستخدمها من الصين. من دون الصين، لا يمكننا تصنيع المنتجات". وأضاف: "لن يكون لدى فيتنام مواد لإنتاج السلع النهائية. ومن دون الولايات المتحدة، لا يمكن لفيتنام تصدير هذه السلع. لذا فإن على الحكومة الفيتنامية أن تجد توازناً بين الصين وأميركا، وهذا صعب جداً عليها". ولمحاولة تسهيل التوصل إلى اتفاق مع إدارة ترمب، عرضت فيتنام زيادة مشترياتها من السلع الأميركية مثل المنتجات الزراعية والطائرات من شكرة "بوينج"، إلى جانب الحد من شحن السلع الصينية إلى الولايات المتحدة. لكن تدفق الاستثمارات والتوظيف من قبل الشركات الصينية لا يزال يعقّد المشهد، ففي إقليم لونج آن الجنوبي، حيث توجد العديد من مصانع الأحذية والمنسوجات، تواصل Shein حملة توظيف مكثفة. وتدعو حملة Shein إلى التقديم على وظائف تشمل تحميل البضائع وفرزها وتغليف منتجات مثل الحقائب والملابس والأحذية، برواتب تتراوح بين 385 و578 دولاراً شهرياً.


الاقتصادية
منذ 4 ساعات
- الاقتصادية
الدولار يتراجع بسرعة لكن هذه الوتيرة لا تدوم
هناك عديد من الأسباب الاقتصادية الجوهرية التي تدفع إلى النظرة السلبية طويلة الأجل للدولار الأمريكي، لكن موجة البيع والمشاعر السلبية التي تُثقل كاهل العملة الأمريكية حاليًا قد تكون مبالغًا فيها. فقد الدولار 5% من قيمته مقابل سلة من العملات الرئيسية منذ فرض الرئيس دونالد ترمب تعريفات جمركية في "يوم التحرير" في 2 أبريل، وانخفض بنسبة 10% منذ منتصف يناير، عندما كان في أقوى مستوياته منذ أكثر من عامين. لقد أضعفت حالة عدم اليقين الاقتصادي والسياسي الناجمة عن حرب ترمب التجارية وتطبيقها الفوضوي جاذبية الدولار، في حين إن سعي ترمب لتمزيق النظام الاقتصادي العالمي الذي دام 80 عامًا، وهجماته على رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، قد أثار قلق المستثمرين أيضًا. والأهم من ذلك، إذا أرادت إدارة ترمب إنعاش قطاع التصنيع الأمريكي، وخفض العجز التجاري، وإعادة التوازن إلى التجارة العالمية، فلا بد من أن يكون خفض سعر الصرف جزءًا من الخطة. قد لا يتضح بعض هذه القضايا قريبًا. تنتهي هدنة الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين في 9 يوليو، وقد لا تتم الموافقة على مشروع قانون ترمب لخفض الضرائب نهائيًا إلا مع عطلة 4 يوليو، وبحلول ذلك الوقت ستكون قضية سقف الدين محط اهتمام المستثمرين مجددًا. هذه هي الخلفية التي تدفع عديدا من المستثمرين الآن لإعادة تقييم تعرضهم للأصول المقومة بالدولار. ويشمل ذلك سندات الخزانة، خاصة السندات طويلة الأجل، التي تعاني وطأة المخاوف المتزايدة بشأن ديون واشنطن وعجزها. مع تعرّض العملة الاحتياطية العالمية وأصولها الاحتياطية لضغوط، ليس من المستغرب أن يكون أداء الأسهم الأمريكية أقل من أداء معظم نظيراتها العالمية هذا العام أيضًا. وهذا يُمثّل، في مجموعه، رياحًا معاكسة قوية للدولار، على الرغم من الدعم الأخير الناتج عن الانفراج التجاري الأمريكي - الصيني. لكن كما هي الحال غالبًا في الأسواق المالية، ربما يكون المتداولون والمستثمرون قد استبقوا الأحداث قليلًا. أظهر أحدث استطلاع عالمي لمديري صناديق الاستثمار أجراه بنك أوف أمريكا أن التعرض للدولار هذا الشهر كان الأدنى منذ مايو 2006، وهو أدنى مستوى له في 19 عامًا. ويُقلل 17% من المستثمرين المشاركين في الاستطلاع من وزن الدولار. وأظهر الاستطلاع نفسه أيضًا أن "انهيار الدولار الأمريكي بسبب إضراب المشترين الدوليين" يُعد الآن ثالث أكبر خطر على الأسواق العالمية، وفقًا للمستثمرين، بعد التضخم الذي أجبر الاحتياطي الفيدرالي على رفع أسعار الفائدة بفارق ضئيل. قد تكون عملية "إلغاء الدولرة" التي تستغرق سنوات جارية، لكن إضراب المشترين مستبعد للغاية، حتى في هذه الأوقات العصيبة وغير المستقرة. بينما قد يُعيد مستثمرو "الأموال الحقيقية"، مثل صناديق التقاعد والتأمين، وصناديق الثروة السيادية، ومديري الاحتياطيات، تخصيص رؤوس أموالهم على مدار عدة أشهر، يتحرك المضاربون وصناديق التحوط بسرعة أكبر. بل وأكثر من ذلك. تُظهر بيانات لجنة تداول العقود الآجلة للسلع أن صناديق التحوط تحتفظ بمركز قصير الأجل للدولار - وهو رهان فعلي على أن العملة ستضعف - بقيمة 17 مليار دولار، وهو أحد أكبر المراكز القصيرة منذ سنوات. يُعد التركيز على الين شديدًا بشكل خاص، حيث لم تكن الرهانات الصعودية على العملة اليابانية بهذا الحجم من قبل. مع تزايد الدعوات لبنك اليابان لإيقاف رفع أسعار الفائدة واستئناف شراء السندات لتحقيق الاستقرار في الطرف الطويل من المنحنى، قد يكون ارتفاع الين محدودًا من الآن فصاعدًا. من الغريب أن انخفاض قيمة الدولار خالف آخر التحولات المتشددة في توقعات أسعار الفائدة لدى الاحتياطي الفيدرالي. فأسواق العقود الآجلة لأسعار الفائدة الأمريكية بالكاد تتوقع الآن خفضين لأسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية هذا العام، ولن يُطبق الأول قبل أكتوبر. قارن ذلك بـ4 تخفيضات بدأت في يونيو، التي كان المتداولون يتوقعونها قبل شهرين فقط. وهناك أيضًا دلائل على أن الارتباط الوثيق والراسخ للدولار مع فروق العائد بين الولايات المتحدة ومنطقة اليورو قد انهار في الأسابيع الأخيرة. لكن التاريخ يشير إلى أن هذا الارتباط سيعود إلى طبيعته بسرعة كبيرة. سيكون الدولار وأسعار الصرف موضوعًا رئيسيًا للنقاش بين وزراء المالية ورؤساء البنوك المركزية في دول مجموعة السبع المجتمعين في كندا هذا الأسبوع. ولا شك أنهما سيُطرحان أيضًا في محادثات واشنطن الثنائية مع شركائها التجاريين الرئيسيين، خاصة في آسيا، في ظلّ صياغة صفقات تجارية. قد يكون اتجاه الدولار نحو الانخفاض على المدى الطويل. مع ذلك، قد تكون هناك حاجة إلى توقف مؤقت أو حتى تصحيح في المدى القريب.


صحيفة سبق
منذ 6 ساعات
- صحيفة سبق
أدنى مستوى منذ 2023.. الدولار يواصل الهبوط مع تصاعد تهديدات ترمب التجارية
واصل الدولار الأمريكي تراجعه الحاد ليصل إلى أدنى مستوياته منذ ديسمبر 2023، بعدما هدّد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب؛ بفرض رسومٍ جمركية جديدة على الاتحاد الأوروبي تصل إلى 50%؛ ما زاد من حالة القلق في الأسواق العالمية. هذا التصعيد المفاجئ في الخطاب التجاري أدّى إلى انخفاض مؤشر بلومبرغ للدولار بنسبة 0.6%، ليفقد بذلك أكثر من 7% منذ بداية العام، وسط تزايد الشكوك بشأن مستقبل الاقتصاد الأمريكي. التحركات الجديدة لترمب أعادت إلى الواجهة المخاوف من دخول الاقتصاد الأمريكي في ركودٍ، خاصة مع تنامي الضبابية السياسية والمالية. الدولار الذي طالما اعتُبر ملاذاً آمناً بات الآن يعاني فقدان الثقة، في ظل التوجّه المتصاعد لدى المستثمرين نحو عملاتٍ أكثر استقراراً، مثل الين الياباني والفرنك السويسري، فضلاً عن انتعاشٍ واضحٍ لليورو. القلق لم يقتصر على التجارة الأوروبية، إذ هدّد ترمب أيضاً شركة "أبل" بفرض ضريبة 25% ما لم تنقل عمليات تصنيع "آيفون" إلى الداخل الأمريكي؛ ما أدّى إلى تراجع أسهم الشركة. في ظل هذه الأجواء، تشير تقديرات "جيه بي مورجان" إلى أن الدولار دخل فعلياً في مرحلة ضعف قد تستمر لسنوات، مدفوعة بتراجع شهية المستثمرين العالميين على الأصول الأمريكية، وتصاعد الشكوك حول قدرة الإدارة الأمريكية على تمرير سياسات مالية فاعلة.