logo
هل يقود البنك المركزي اقتصاد الظل إلى النور؟

هل يقود البنك المركزي اقتصاد الظل إلى النور؟

الدستور٢٦-٠٧-٢٠٢٥
في خضم التحديات الاقتصادية المتراكمة، أعلن البنك المركزي الأردني أن حجم التسهيلات الائتمانية المقدمة للأفراد خلال عام 2024 تجاوز 14 مليار دينار أردني، موزعة على أكثر من 1.6 مليون قرض، منها 11.3 مليار دينار للذكور و2.7 مليار دينار للإناث. وعلى الرغم من أن هذه الأرقام قد تبدو في ظاهرها مؤشراً إيجابياً على تنشيط السيولة وتحفيز الاقتصاد، إلا أن تحليلها من منظور اقتصادي نقدي ومؤسسي يكشف عن أبعاد أعمق تتعلق بدور البنك المركزي في إعادة تشكيل المشهد المالي والاجتماعي في المملكة، خاصة في ما يتعلق بدمج الاقتصاد غير الرسمي ضمن الإطار النظامي.إن هذه التسهيلات، التي تتجاوز قيمتها حجم الموازنة العامة السنوي، تمثل أحد أكبر التدخلات غير المباشرة في النشاط الاقتصادي الأردني خلال العقدين الماضيين. ووفقًا للنظرية الكينزية، فإن زيادة الطلب على القروض يعكس ميلاً متزايداً لدى الأفراد للاقتراض بدافع الاستهلاك أو الاستثمار، وهو ما يحفز الطلب الكلي ويؤدي في المدى القصير إلى رفع معدلات النمو. غير أن التوسع الائتماني يحمل مخاطر كامنة إذا لم يُقرن برفع كفاءة استخدام القروض وتوجيهها نحو الأنشطة المنتجة، خاصة في اقتصاد يعاني من تشوهات هيكلية وسوق عمل يعاني من بطالة مزمنة.وعند النظر إلى الفجوة بين الجنسين، نجد أن 365 ألف قرض فقط من أصل 1.6 مليون منحت للنساء، وهو ما يمثل أقل من ربع عدد القروض، وأقل من خمس قيمتها. هذا التفاوت يكشف عن اختلالات في التمكين المالي بين الجنسين، ويُضعف من كفاءة النظام المالي في تحفيز النمو الشامل والمستدام. فوفقًا لاقتصاديات النوع الاجتماعي، فإن تعزيز وصول المرأة إلى التمويل لا يُعد مطلبًا عداليًا فقط، بل ضرورة اقتصادية تعزز الإنتاجية وترفع معدلات المشاركة في سوق العمل.لكن التحول النوعي الأكثر أهمية في عام 2024 لم يكن فقط في حجم التسهيلات، بل في البنية التحتية للمدفوعات المالية. فبحسب التقرير السنوي لنظام المدفوعات، أُجريت 84 ٪ من المعاملات المالية في الأردن عبر القنوات الإلكترونية، مقابل 16 ٪ فقط بالوسائل النقدية التقليدية، في طفرة غير مسبوقة في تاريخ الاقتصاد الوطني. وهذا التحول الرقمي ليس مجرد تحديث تقني، بل يعكس تغيراً جذرياً في سلوك الأفراد والمؤسسات، ويُترجم توجهًا واضحًا نحو ما تسميه الأدبيات الاقتصادية «الانتقال من اقتصاد الظل إلى الاقتصاد المنظم».المدفوعات الرقمية تضعف من فرص التهرب الضريبي، وتعزز الشفافية، وتقلل من فجوة المعلومات بين الحكومة والمواطن، وهو ما يُعد أحد أبرز مظاهر ضعف الحوكمة المالية في العالم النامي. ومن هنا، فإن دور البنك المركزي لا يقتصر على ضبط المعروض النقدي وسعر الفائدة، بل أصبح فاعلاً مركزياً في بناء اقتصاد رقمي متكامل، وتحقيق الشمول المالي بأبعاده الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية.ويُحسب للبنك المركزي بقيادة المحافظ الدكتور عادل الشركس، أن هذا التحول الرقمي جاء من خلال رؤية استراتيجية متماسكة، تمثلت في إطلاق الاستراتيجية الوطنية للمدفوعات الإلكترونية 2023–2025، وتطوير منظومة التوثيق الإلكتروني للقطاع المالي والمصرفي، في انسجام تام مع مستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي. هذه الاستراتيجية لم تكتف برقمنة القنوات المالية، بل عملت على أتمتة المعاملات، وتوسيع نطاق قبول المدفوعات الرقمية، والوصول إلى فئات لم تكن ضمن المنظومة المالية الرسمية.ورغم كل ما تقدم، فإن التوسع في التسهيلات، والتحول الرقمي، وارتفاع نسب الشمول المالي، يجب ألا يُنظر إليه كمنجز مكتمل، بل كمقدمة لمرحلة أكثر تعقيداً تتطلب ضبطاً دقيقاً للمخاطر، وضمانًا لعدالة توزيع التمويل، وتقييمًا دوريًا لأثر السياسات على الاقتصاد الحقيقي. فالتوسع في الائتمان بدون رفع موازٍ في إنتاجية الاقتصاد قد يقود إلى ضغوط تضخمية، أو تراكم ديون غير منتجة، خاصة في ظل معدلات الفائدة الحقيقية الموجبة.إن ما يحدث في الأردن اليوم ليس مجرد توسع في الإقراض أو رقمنة للخدمات، بل هو إعادة رسم للعلاقة بين المواطن والنظام المالي. البنك المركزي لا يقود فقط السياسة النقدية، بل يقود تحولًا بنيويًا من اقتصاد تقليدي قائم على النقد والتعاملات الورقية، إلى اقتصاد رقمي رسمي أكثر شفافية وكفاءة. والسؤال الذي يُطرح هنا ليس فقط هل نجح البنك المركزي في قيادة اقتصاد الظل إلى النور، بل: هل نحن كمجتمع واقتصاد ومؤسسات مستعدون لاحتضان هذا النور وتحويله إلى نمو عادل ومستدام؟
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ارتفاع أسعار الذهب في الأردن بالتسعيرة الثانية الثلاثاء
ارتفاع أسعار الذهب في الأردن بالتسعيرة الثانية الثلاثاء

سرايا الإخبارية

timeمنذ 2 ساعات

  • سرايا الإخبارية

ارتفاع أسعار الذهب في الأردن بالتسعيرة الثانية الثلاثاء

سرايا - أصدرت النقابة العامة لأصحاب محلات تجارة وصياغة الحلي والمجوهرات، الثلاثاء، التسعيرة الثانية لبيع الذهب في السوق المحلية، حيث ارتفعت الأسعار مقارنة مقارنة بالتسعيرة الأولى. وبلغ سعر بيع الذهب عيار 24 عند 78.700 دينار، وسعر الشراء 76.200 دينار. أما عيار 21 (الأكثر تداولًا)، بلغ سعر البيع 68.700 دينار، و سعر الشراء: 66.500 دينار وبلغ سعر بيع الذهب عيار 18 عند 61.100 دينار، وسعر الشراء 56.600 دينار. أما عيار 14 بلغ سعر البيع 46.400 دينار وسعر الشراء: 41.800 دينار. أسعار الليرات الذهبية: بلغ سعر بيع الليرة الرشادي عند 488.9 دينارًا، وسعر الشراء 465.5 دينارًا. أما الليرة الإنجليزية، بلغ سعر البيع 549.6 دينارًا، وسعر الشراء 532.0 دينارًا.

البنك المركزي .. مجابهة التحديات وتحقيق الانجازات
البنك المركزي .. مجابهة التحديات وتحقيق الانجازات

عمون

timeمنذ 3 ساعات

  • عمون

البنك المركزي .. مجابهة التحديات وتحقيق الانجازات

في بحر الأسبوع الماضي وخلال الجلسة الحوارية التي نظمها منتدى الاستراتيجيات الأردني تحت عنوان "اصلاح واستقرار ومنعة: ثلاثية الاقتصاد الوطني في عالم متغير"، قدم محافظ البنك المركزي عرضاً اقتصادياً ومالياً شمل مختلف جوانب الاقتصاد الوطني، وبين قدرة الاقتصاد الأردني على مواصلة تحقيق الانجازات رغم التحديات الجيوسياسية والظروف المعقدة في الاقليم. ولعل أبرز ما ينبغي الاشارة له في هذا المجال هو القدرة المؤسسية للبنك المركزي التي مكنته من التعاطي مع مختلف الظروف والتطورات بكفاءة وفاعلية ضمن اطار منظومة الاصلاح الشاملة، ومواصلة اتخاذ القرارات الملائمة والاستجابة لما يشهده عالم اليوم من تطورات تكنولوجية متسارعة. نجح البنك المركزي عبر اجراءاته الحصيفة وسياساته الحكيمة واجادة التعامل مع المتغيرات وابتكار الحلول في التوقيت الملائم في تحقيق الأهداف الاساسية الملقاة على عاتقه في مجال الحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي، حيث استطاع احتواء التضخم الى حوالي 2% خلال النصف الأول من العام الحالي، ما يعني الحفاظ على القوة الشرائية والمستوى المعيشي للمواطنين وتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني. كما أن الدينار الأردني أثبت قوته عبر الحفاظ على سعر الصرف مقابل العملات الأجنبية، يضاف لذلك مراكمة احتياطيات من العملات الأجنبية تكفي لتغطية مستوردات الاردن من السلع والخدمات لما يقارب ثمانية أشهر ونصف. كما أن اجراءات البنك المركزي انعكست على قوة ومتانة واستقرار الجهاز المصرفي، من حيث المستويات المريحة من السيولة القانونية والمستويات المرتفعة من كفاية رأس المال، وكذلك الاتفاع المتواصل في حجم الودائع الذي وصل نهاية شهر أيار الماضي الى 47.7 مليار دينار، وحجم التسهيلات التي ارتفعت لأكثر من 35 مليار دينار، كما انخفض معدل الدولرة الى حوالي 18%. يضاف لذلك رفع نسبة الاشتمال المالي في المملكة وتخفيض الفجوة الجندرية واحداث نقلة نوعية في أنظمة المدفوعات الرقمية. وأثر هذه الانجازات ليس حكراً على تثبيت اركان الاستقرار النقدي بل تمتد آثارها لمختلف القطاعات الاقتصادية حيث تعزز مرونة السياسات الاقتصادية وقدرتها على صياغة استجابات فعالة للتحديات، وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة. وفي هذا السياق لا بد من الاشارة أيضاً الى أن البنك المركزي انجز كامل مبادراته ضمن المرحلة الأولى من البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي 2023-2025، كما يعمل على بلورة مبادرات جديدة تدعم تحقيق أهداف الرؤية ضمن البرنامج التنفيذي الثاني الذي يجري الاعداد له للسنوات 2026-2029، لا سيما في مجالات الرقمنة، والتكنولوجيا المالية والابتكار، إلى جانب مواصلة تعزيز الاشتمال المالي. سياسات البنك المركزي ومبادراته وانجازاته استطاعت رفع منسوب الثقة في الاقتصاد الأردني وشكلت حافزاً لتشجيع الاستثمار ودعم بيئة اقتصادية تعزز النمو الاقتصادي وقاعدة لمزيد من النجاحات التي تساهم في توليد فرص العمل ورفع مستوى معيشة المواطنين ولكن لا زالت هناك حاجة لجهود اضافية في ميدان السياسات المالية والاقتصادية والقطاعية وتكاملها مع السياسة النقدية، وهناك ثقة راسخة بأن طموحات وتطلعات البنك المركزي لا تتوقف عند حدود فهو سيواصل سعيه الدؤوب لخدمة مسيرة التنمية الاقتصادية عبر مواكبة ما يشهده العالم من تطور سريع والتعامل معه بمهنية واحتراف.

ضرورات زيادة الإنفاق الرأسمالي
ضرورات زيادة الإنفاق الرأسمالي

عمون

timeمنذ 3 ساعات

  • عمون

ضرورات زيادة الإنفاق الرأسمالي

النفقات الرأسمالية تُعد إحدى محرّكات النمو الاقتصادي وتنشيط مختلف القطاعات وتوفير فرص العمل والارتقاء بمستوى الخدمات من خلال تنفيذ مشاريع تنموية وبُنى تحتية، وتتحدد الآثار الإيجابية بحجم الإنفاق الرأسمالي. في الموازنة العامة للدولة، يتوقف رصد مخصصات النفقات الرأسمالية على عدة عوامل، أهمها حجم الإنفاق الجاري الذي يستحوذ على غالبية الإيرادات، نظراً لارتفاع فاتورة رواتب العاملين والمتقاعدين المدنيين والعسكريين، وخدمة الدين العام من أقساط وفوائد، والحماية الاجتماعية، ودعم السلع، وغيرها. كما تؤثر العوامل الطارئة على حجم تلك النفقات، لجهة تحويل مخصصات مالية للإنفاق على متطلبات مستجدّة، للحد من تداعيات الظروف الإقليمية والعوامل الجيوسياسية العالمية على الاقتصاد الوطني، كما حدث إبان جائحة كورونا وتداعياتها، حيث اضطرت الحكومة إلى زيادة بنود الإنفاق على الرعاية الصحية، ودعم القطاعات الاقتصادية، وتوفير القَدْر الممكن من السيولة المحلية، وتخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين، وكذلك الانعكاسات السلبية لعدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة والعديد من البلدان العربية. وفقاً لبيانات الموازنة العامة، فقد ارتفعت النفقات الرأسمالية في الأردن خلال العام الحالي 2025 إلى 1.469 مليون دينار، بزيادة مقدارها 209 ملايين دينار، أو ما نسبته 16.5 ٪ عن مستواها المُعاد تصديره لعام 2024. شكّلت مخصصات مشاريع الوزارات والدوائر الحكومية نحو 44.5 ٪ من إجمالي النفقات الرأسمالية، في حين شكّلت مشاريع التنمية وتطوير البلديات ومشاريع اللامركزية 22 ٪، ومشاريع الجهاز العسكري وجهاز الأمن والسلامة 17 ٪، ومخصصات مشاريع التحديث الاقتصادي وخارطة تحديث القطاع العام حوالي 17 ٪ من هذه النفقات. العام المقبل، واستناداً إلى الأرقام التأشيرية للموازنة العامة، يُقدَّر أن تبلغ هذه النفقات حوالي 1563.2 مليون دينار. توصيات المنتدى الاقتصادي الأردني بزيادة نسبة النفقات الرأسمالية تدريجياً لتصل إلى 6 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030 مهمة كهدف استراتيجي لتحريك الوضع الاقتصادي وتشغيل العديد من القطاعات، على أن تكون هنالك آليات تضمن تسريع عمليات الإنفاق وتنفيذ المشاريع ضمن سلّم الأولويات التنموية، بدون أن يتم ترحيلها إلى أعوام لاحقة، ما ينعكس سلباً على بيئة الأعمال في المملكة وتراجع فرص العمل المطلوب استحداثها في مواجهة البطالة التي ما تزال على ارتفاع، رغم الجهود المبذولة لاحتوائها. السبيل الناجع لزيادة حجم الإنفاق الرأسمالي خلال السنوات المقبلة والمحافظة على مستوياته يُسنَد بالدرجة الأولى إلى استقطاب الاستثمارات في مختلف القطاعات، ما يعزز الإيرادات المحلية ويُحدث الاستقرار المطلوب في مجالات الإنفاق، مع أهمية الاستمرار بجهود ضبط الإنفاق الجاري بالقدر الممكن، ذلك أن بعض البنود لا يمكن المساس بها، كالرواتب وشبكة الأمان الاجتماعي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store