
سيباستيان فوجيلسانج يكتب: أوروبا تتحدى هيمنة شركات التكنولوجيا الأمريكيّة على الإنترنت
فكان بوسعك أن تنشر شيئا ما في برلين، فيعثر عليه شخص ما بالصدفة في بوسطن أو بلجراد في غضون ثوانٍ.
ولكن اليوم، مع استحواذ عدد قليل من الشركات المحتكرة للتكنولوجيا على الاهتمام، وخنق الإبداع، فُـقِـدَت روح التواصل هذه.
بالاستعانة بمنصاتها القوية، تسيطر شركات وسائط التواصل الاجتماعي العملاقة على حصة كبيرة من بنية العالم الرقمي الأساسية.
وتعمل شركات مثل 'ميتا بلاتفورمز' (التي تمتلك فيسبوك وإنستجرام) وشركة 'إكس'، وغيرها كحدائق مسورة، وتعمل خوارزمياتها على إثناء المستخدمين عن المغادرة بتأخير أولوية المنشورات التي تحتوي على روابط صادرة.
وتنتهي الحال بالناس عالقين في منصة واحدة، يتصفحون بلا تفكير ــ وهي نتيجة تتعارض تماما مع الرؤية المبكرة للإنترنت كشبكة من المواقع والمجتمعات المترابطة.
ينبغي لأوروبا أن تدرك هذا الأمر على حقيقته: تبعية جهازية تهدد سيادة القارة الرقمية.
ومثلما يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تقليص اعتماده على المزودين الخارجيين لأشباه الموصلات، والحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، يتعين عليه أن يفعل الشيء ذاته في التعامل مع وسائط التواصل الاجتماعي.
تستخلص المنصات المهيمنة القيمة من المستخدمين الأوروبيين عن طريق اجتذاب انتباههم وبيع بياناتهم، بينما تدفع القليل من الضرائب وتتحايل على الضوابط التنظيمية.
وتشكل بنيتها الأساسية المملوكة لها حياتنا على نحو متزايد، من الأخبار التي نراها إلى الطريقة التي نتحدث بها على الإنترنت.
في حين أعرب صُـنّـاع السياسة الأوروبيون لفترة طويلة عن قلقهم إزاء تركز قوة الشركات بين شركات التواصل الاجتماعي الكبرى، وتأثيرها الضخم على المجتمع والسياسة، فإن الانتخابات الرئاسية التي جرت العام الماضي في الولايات المتحدة يجب أن تدق أجراس الإنذار في مختلف أنحاء القارة.
استخدم ملياردير التكنولوجيا إيلون ماسك، المنصة 'إكس' كسلاح، وهي المنصة التي كانت تُعرف سابقا باسم 'تويتر' والتي استحوذ عليها في عام 2022، لمساعدة دونالد ترامب على الفوز في الانتخابات من خلال الترويج لمحتوى مؤيد له.
ومنذ ذلك الحين هَـدَّدَ بالتدخل في الانتخابات الأوروبية.
يتمثل أحد الحلول في الاستثمار في البدائل القائمة في الاتحاد الأوروبي.
ولكن مرة تلو الأخرى، يتذرع صناع السياسات بالعذر نفسه: لا توجد خيارات قابلة للتطبيق.
على نحو مماثل، تُـبدي الاستراتيجية الرقمية الدولية الجديدة في الاتحاد الأوروبي تشككها في قدرة الكتلة على فطام نفسها عن شركات التكنولوجيا الكبرى، وتدعو بدلا من ذلك إلى التعاون مع الولايات المتحدة لمعالجة تبعيتها.
لكن هذا الموقف يتجاهل ظهور مواقع تواصل اجتماعي في السنوات الأخيرة مبنية على بروتوكولات لا مركزية، بروتوكولات مفتوحة.
تختلف هذه المنصات الجديدة جوهريا، من حيث المبدأ والتصميم، عن المنصات الأمريكية العملاقة مثل 'إنستجرام' و'إكس'، فهي تعيد السيطرة إلى المستخدمين، وتقلل من تدابير حراسة البوابات، وتشجع الإبداع. 'أوروبا قادرة على المساعدة في إعادة الإنترنت إلى جذورها عن طريق تعزيز نظام بيئي يحكم عمل وسائط التواصل الاجتماعي'
لعل المثال الأفضل على ذلك هو بروتوكول 'أيه تي'، الذي يعمل كأساس لمنصة 'بلوسكي'، المنصة السريعة النمو التي جمعت ما يقرب من 36 مليون مستخدم.
صُمم بروتوكول 'أيه تي' لدعم التشغيل البيني، وهو يسمح للمستخدمين بامتلاك بياناتهم والتحكم في الخوارزميات التي تنظم خلاصاتهم.
وبوسع أي شخص أن يعمل على تطوير تطبيقات على نظام لامركزي ــ وهذا يعني أن أي شركة منفردة تعجز عن فرض هيمنتها ــ ويستطيع المستخدمون التنقل بسهولة بين المنصات، آخذين معهم متابعيهم ومحتواهم. وهذا يعني أنهم لن يضطروا أبدا إلى البدء من الصفر.
يساعد تكريس التعددية على هذا النحو في كسر سلطة شركات التكنولوجيا الكبرى الاحتكارية على وسائط التواصل الاجتماعي، التي خنقت الإبداع الأوروبي لعقود من الزمن.
وقد استخدمت الشركات التي تتخذ من أوروبا مقرا لها، بروتوكول 'أيه تي' بالفعل لإنشاء منصات مثل 'سكاي فيد' و'جراي سكاي'.
ويحاول آخرون حماية وبناء هذا النظام الإيكولوجي الاجتماعي بعيدا عن قبضة شركات التكنولوجيا الكبرى. إذ تعمل حملة 'فري فور فيدز' (Free Our Feeds) على ضمان استمرار إدارة البنية الأساسية التحتية بما يحقق المصلحة العامة.
وتُـعَـد حملة 'يوروسكاي' جهدا تطوعيا من قِـبَـل مجموعة من خبراء التكنولوجيا الأوروبيين، وأنا منهم، لإنشاء أدوات (مثل الإشراف على المحتوى المدمج المتوافق مع قوانين الاتحاد الأوروبي) والبنية الأساسية على بروتوكول 'أيه تي' الذي يساعد المطورين الأوروبيين على بناء وتوسيع نطاق المنصات القادرة على منافسة عمالقة وسائط التواصل الاجتماعي.
البروتوكولات المفتوحة ليست مشروعا طوباويا. فهي تستعد لقلب وضع وسائط التواصل الاجتماعي الراهن، وخلق عالم رقمي أكثر ديمقراطية.
لهذا السبب ينبغي لصناع السياسات الأوروبيين تصنيف أطر الشبكات الاجتماعية هذه على أنها بنية أساسية حرجة والاستثمار في تطويرها.
يجب أن تكون وسائط التواصل الاجتماعي في قلب أجندة السيادة الرقمية في أوروبا.
وسيساعد بناء المنصات في أوروبا التي تعتمد على إطار عمل مفتوح المصدر في حماية الخطاب الديمقراطي من التلاعب الأجنبي، وخلق قيمة اقتصادية للقارة، وضمان تحكم مستخدمي وسائط التواصل الاجتماعي الأوروبيين في الخوارزميات التي تشكل ما يرونه.
وبوسع البلدان خارج الاتحاد الأوروبي أيضا أن تستفيد من هذه الجهود لتحدي هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى.
لقد انحرف عالم الإنترنت عن مساره، إذ يتحكم قطاع التكنولوجيا الأمريكي إلى حد كبير في كيفية تطويره واستخدامه.
وأوروبا قادرة على المساعدة في إعادة الإنترنت إلى جذورها عن طريق تعزيز نظام بيئي يحكم عمل وسائط التواصل الاجتماعي استنادا إلى التعددية وليس الاستقطاب، لكنها تحتاج إلى قادة سياسيين راغبين في النضال من أجل بنية أساسية رقمية اجتماعية جديدة حقا.
بقلم: سيباستيان فوجيلسانج، مطور 'فلاشيز'، وهو تطبيق لمشاركة الصور والفيديو
المصدر: موقع 'بروجكت سنديكيت' : الإنترنتالاتحاد الأوروبىالولايات المتحدة الأمريكية
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المشهد العربي
منذ 21 دقائق
- المشهد العربي
تراجع ولاء عملاء تسلا بعد دعم ماسك لترامب
شهدت شركة "تسلا" انخفاضًا كبيرًا في ولاء عملائها بالولايات المتحدة، وذلك بعد أن أعلن الرئيس التنفيذي إيلون ماسك عن دعمه للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ووفقًا لبيانات صادرة عن "إس آند بي جلوبال موبيليتي"، وصل ولاء عملاء "تسلا" إلى ذروته في يونيو 2024، حيث اختار 73% من المالكين الذين كانوا ينوون شراء سيارة جديدة العودة إلى نفس العلامة التجارية. لكن المعدل بدأ في التراجع بشكل حاد بعد تأييد "ماسك" العلني، ليهبط إلى 49.9% في مارس 2025، وهو أدنى مستوى له منذ سنوات، ولأول مرة يصبح أقل من متوسط القطاع. وفي مايو الماضي، ارتفع معدل الولاء قليلًا ليصل إلى 57.4%، مما أعاد "تسلا" إلى ما فوق متوسط السوق، لكنه لا يزال أدنى من مستويات شركات مثل "فورد" و"شيفروليه"، ويقترب من مستوى "تويوتا". ووصف توم ليبي، المحلل في "إس آند بي"، هذا التراجع بأنه "غير مسبوق" لشركة كانت تتصدر القطاع في ولاء العملاء، مؤكدًا أنه لم يشهد "مثل هذا الانخفاض الحاد خلال فترة قصيرة".


نافذة على العالم
منذ 21 دقائق
- نافذة على العالم
أخبار العالم : الدول العربية المشمولة.. دخلت رسوم ترامب الجديدة حيز التنفيذ
نافذة على العالم - (CNN)-- فرض الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للتو موجة جديدة من الرسوم الجمركية على عشرات من شركاء أمريكا التجاريين، مما يُمثل تصعيدًا كبيرًا في التوترات التجارية المستمرة، وقد يُشكل أكبر تغيير في الاقتصاد العالمي منذ ما يقرب من قرن. وتأتي هذه السياسة التجارية الجديدة التاريخية بعد أشهر من البدايات الخاطئة لما يُسمى بفرض ترامب للرسوم الجمركية "المتبادلة"، ومفاوضات تجارية ثنائية لا حصر لها، أسفر بعضها عن اتفاقيات حالت دون فرض رسوم جمركية أعلى، وقد احتفى ترامب ومستشاروه الاقتصاديون بالرسوم الجمركية الأعلى بكثير التي دخلت حيز التنفيذ، مُشيرين، عن حق، إلى أنها جمعت أكثر من 100 مليار دولار من عائدات الضرائب دون أن تُؤدي إلى تضخم كارثي أو ركود، كما كان يخشى بعض الاقتصاديين. ما هي الرسوم الجمركية الجديدة؟ كانت سلع جميع الدول تقريبًا، قبل الخميس، خاضعة لرسوم جمركية لا تقل عن 10%، أما الآن، فتختلف الرسوم بشكل كبير من دولة لأخرى، إذ تُفرض أعلى الرسوم الجمركية على السلع الواردة من البرازيل (50%)، ولاوس (40%)، وميانمار (40%)، وسويسرا (39%)، والعراق (35%)، وصربيا (35%)، كما تواجه 21 دولة أخرى رسومًا جمركية تتجاوز 15%. ويشمل ذلك عدة دول تعتمد عليها الولايات المتحدة بشدة في استيراد مجموعة متنوعة من السلع، مثل فيتنام (20%)، والهند (25%)، وتايوان (20%)، وتايلاند (19%). الدول العربية المشمولة بأعلى النسب: سوريا 41% العراق 35% الجزائر 30% ليبيا 30% تونس 25% الأردن 15% باقي الدول العربية بنسبة 10% متى ستدخل هذه التعريفات حيز التنفيذ؟ من الناحية الفنية، هي سارية المفعول بالفعل، إلا ان الأمر التنفيذي الذي وقعه ترامب الأسبوع الماضي ينص بشكل أساسي على أن معظم البضائع التي تم تحميلها على السفن وفي طريقها إلى الولايات المتحدة قبل الساعة 12:01 صباح الخميس ستواجه أي معدلات تعريفة جمركية سابقة حتى 5 أكتوبر. ويشار إلى أن البضائع القادمة من الهند قد تخضع أيضًا لرسوم جمركية إضافية بنسبة 25%، وذلك نتيجةً للأمر التنفيذي الذي وقّعه ترامب، الأربعاء، والذي يهدف إلى معاقبة الهند على شراء النفط من روسيا. وتخضع بضائع 39 دولة، بالإضافة إلى أعضاء الاتحاد الأوروبي، لرسوم جمركية بنسبة 15%، وفقًا لقائمة نشرها البيت الأبيض الأسبوع الماضي.


نافذة على العالم
منذ 21 دقائق
- نافذة على العالم
أخبار العالم : ترامب محق.. أرقام صادمة تدخل خزينة أمريكا بسبب الرسوم الجمركية
نافذة على العالم - (CNN)-- لا يكاد يمر يوم دون أن يتباهى الرئيس دونالد ترامب بإيرادات الرسوم الجمركية القياسية التي جمعتها الحكومة الأمريكية منذ أن رفع الضرائب على جميع السلع المستوردة تقريبًا. وقال ترامب خلال عطلة نهاية الأسبوع، مشيرًا إلى إيرادات الرسوم الجمركية: "لدينا أموال طائلة، أموال أكثر بكثير مما شهدته البلاد في تاريخها". ترامب محق: فقد جمعت الحكومة الأمريكية ما يقرب من 30 مليار دولار من إيرادات الرسوم الجمركية الشهر الماضي، وفقًا لوزارة الخزانة. ويمثل ذلك زيادة بنسبة 242% في إيرادات الرسوم الجمركية مقارنة بشهر يوليو الماضي. منذ أبريل/نيسان، عندما بدأ الرئيس فرض تعريفات جمركية بنسبة 10% على جميع السلع تقريبا، من بين العديد من الرسوم الأكثر صرامة التي تلت ذلك، جمعت الحكومة ما مجموعه 100 مليار دولار من عائدات التعريفات الجمركية، أي ثلاثة أمثال المبلغ الذي تم جمعه خلال نفس الأشهر الأربعة في العام الماضي. إليكم نظرة في الرسم الباني أعلاه على حجم الإيرادات الجمركية الشهرية التي تجمعها حكومة الولايات المتحدة.