خطة ترامب الأوكرانية تثير استنفار أوروبا.. وخطة من 3 نقاط
تنعقد قمة أوروبية جديدة، الأحد المقبل، بعد قمتين دعت إليهما باريس، الأسبوع الماضي، لبحث تداعيات خطة ترامب بشأن أوكرانيا على أمن القارة.
القمة الجديدة التي دعا إليها رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر هذه المرة، تهدف إلى "الدفع قدماً بالعمل الأوروبي بشأن أوكرانيا، ولإظهار دعمنا الجماعي الثابت لضمان سلام عادل ودائم، واتفاق يضمن سيادة أوكرانيا وأمنها في المستقبل" بحسب بيان صدر عن مكتبه.
تأتي الدعوة إلى القمة الجديدة بعد أقل من 24 ساعة من زيارة أجراها رئيس الوزراء البريطاني إلى واشنطن ولقاء جمعه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وهي تشي بالأجواء التي أحاطت بلقاء ستارمر مع ترامب، ودفعت بريطانيا إلى اختيار معسكرها في هذا التحدي الجديد في إطار البيت الأوروبي.
قبل إعلان لندن عن القمة الأوروبية، كانت التساؤلات كبيرة في فرنسا عما إذا كانت لفتة الرئيس إيمانويل ماكرون لجمع الأوروبيين ستحظى بمتابعة ودعم أوسع من إطار دول التكتل الـ27، أما بعد لقاء ترامب-ستارمر فيمكن لدول الاتحاد الأوروبي تنفس الصعداء لأن الخيار البريطاني هو الانضمام إلى محاولات أوروبا كقارة وليس كتكتل سياسي فقط إيجاد مقعد لها على طاولة الكبار، مشتركة بالتالي مع دولتين من خارج الاتحاد الأوروبي تدعمان هذا التوجه هما النرويج وكندا.
وكان ماكرون قد سبق ستارمر إلى واشنطن للقاء ترامب في محاولة لتدارك موقع أوروبا وحفظ مصالحها في اتفاق مرتقب مع روسيا وعد به ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
خطة من 3 نقاط
إذ ذهب الرئيس الفرنسي إلى المكتب البيضاوي وبحوزته خطة مؤلفة من ثلاث نقاط: أولاً، مفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا؛ ثانياً مفاوضات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا؛ وثالثاً مفاوضات مع الأوروبيين لنشر قوات حفظ سلام في أوكرانيا بضمانات أميركية. لكن النقطة الثالثة لم ينجح ماكرون في انتزاع تصريح علني من ترامب بشأنها، فبينما طلب الأوروبيون "اتفاقاً للسلام في أوكرانيا من دون استسلام" على لسان ماكرون، أشار الرئيس الأميركي إلى أن الفكرة تروق له، وأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيوافق على نشر هذه القوات مستقبلاً في أوكرانيا، لكنه تهرب من الإجابة حول الضمانات الأمنية التي من الممكن أن تقدمها واشنطن للقوات الأوروبية.
وهكذا، خلف مظهر الصداقة والمجاملات وإيماءات المودة، غادر الرئيس الفرنسي البيت الأبيض من دون الحصول على تعهد واضح من ترامب بحماية القوات التي أعلن الأوروبيون استعدادهم لنشرها في أوكرانيا بمجرد التوصل إلى السلام، وهو الأمر ذاته الذي حصل مع ستارمر عندما أبدى ترامب تودداً كبيراً له وغزلاً بهلجته الإنجليزية تماماً مثلما فعل مع الرئيس الفرنسي من دون تقديم أي التزامات.
وإن كان من إيجابيات يجب أن تذكر من لقاء ماكرون وستارمر مع ترامب، فهو إظهار موقف أوروبي موحد للدفاع عن قضية وعن صداقة كانت تجمع الولايات المتحدة مع القارة قبل أن يكشف الرئيس الأميركي عن رغبته في إعادة تعريف هذه الصداقة. فهو أثار استياء الأوروبيين عندما ألقى بالمسؤولية على أوكرانيا في حرب بدأتها روسيا، وعندما أغفل مدى الدعم الأوروبي لكييف من أجل تضخيم الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة وهو ما أجاب عليه ماكرون خلال المؤتمر الصحافي وصحح معلومات نظيره الأميركي أمام المايكروفونات.
تراجع ضمني
وأكثر من ذلك، كشفت مصادر دبلوماسية فرنسية أن فريق ترامب كان قد أبلغ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي بأن زيارته إلى واشنطن قد ألغيت، قبل أن يتدخل ماكرون ويقنع ترامب بأن أوكرانيا يجب أن تكون على طاولة أي مفاوضات بناء على اتصال أجراه زيلنسكي مع نظيره الفرنسي قبل سفره إلى واشنطن.
ومن هنا يمكن فهم التراجع الضمني للرئيس ترامب عن وصف زيلنسكي بـ"الديكتاتور" أثناء إجابته على أسئلة الصحافيين مع ستارمر.
ولأن ترامب رئيس لا يمكن توقع أفعاله، تشير الدعوة البريطانية لعقد قمة أوروبية، ومن بعدها قمة في بروكسل دعي إليها زيلنسكي، إلى أن ستارمر وماكرون خرجا بانطباع واحد من لقاء ترامب، وهو أن الخطر الوشيك لا يقف على أبواب أوكرانيا فقط وإنما على أبواب الأوروبيين أنفسهم، فالرئيس الأميركي يبدي تناسقاً كبيراً في تبني مواقف روسيا ورواية بوتين حول هذه الحرب، وهذا شكل صدمة قاسية أخرجت الأوروبيين من حالة إنكار استمرت طويلاً في حاجتهم إلى استقلال أكبر في مجالي الأمن والدفاع بدل الاعتماد على أميركا.
"إعادة ترامب إلى رشده"
يرى كثيرون في أوروبا أن ماكرون وستارمر فشلا في "إعادة ترامب إلى رشده"، ومن هنا ستشهد الفترة المقبلة قمماً أوروبية متواصلة، مع توجه دول القارة إلى خيارات أكثر وضوحاً سيكون على رأسها الدخول في ترتيبات المعركة الأوكرانية مع موسكو، لأن التخلي عن كييف لروسيا سوف يكلف الأوروبيين أكثر من دعمهم لها اليوم في عالم تتراجع فيه الديمقراطية الليبرالية بشكل يؤثر على الأسس الدستورية لأوروبا. ولهذا السبب كان رد ستارمر حازماً على نائب الرئيس الأميركي جي ديفانس، عندما ذكره بتاريخ بريطانيا والديمقراطية وحرية التعبير في المملكة المتحدة.
هذا الكابوس الذي أصبح يأتي للأوروبيين كل ليلة يتحملون هم وحدهم المسؤولية عنه، لأنهم وبرغم إلحاح فرنسي قاده الرئيس ماكرون لسنوات من أجل تحقيق وحدة سياسية أكبر وقدرات دفاعية أقوى وموحدة مستقلة عن الولايات المتحدة، إلا أنهم لم يفعلوا شيئاً وظلوا مصدقين أن التغيير التاريخي الذي بدأه ترامب الآن في حدود العالم، من خلال اتجاهه لصفقة مع موسكو على حساب أوكرانيا ووحدة أراضيها، وإعلانه عن رغبته في تهجير الفلسطينيين من غزة وشراء القطاع، أو حتى رغبته في شراء جزيرة غرينلاند، لن يتعدى الوعود الانتخابية التي يقدمها زعماء أوروبا أنفسهم وينكرونها عند استلام السلطة، متناسين أنهم يصفون ترامب بالرئيس الجامع الذي لا يمكن توقع أفعاله، لدرجة أن حالهم اليوم أصبح مثل صورة مثيرة للشفقة لمزرعة ترى ثعلباً يدخل إليها على حد وصف وزير الخارجية الألماني الأسبق يوشكا فيشر في مقال له نشرته صحيفة "لوموند" قبل أيام.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

العربية
منذ ساعة واحدة
- العربية
ترامب: أدعو مجلس الشيوخ لإرسال قانون الموازنة إلى مكتبي في أقرب وقت
ترامب: أدعو مجلس الشيوخ لإرسال قانون الموازنة إلى مكتبي في أقرب وقت. ترامب: حان الوقت لمجلس الشيوخ من أجل إقرار قانون الموازنة التاريخي. ترامب: مشروع الموازنة يتضمن تخفيضات ضريبية هائلة. ترامب مشيدا بموافقة مجلس النواب على قانون الموازنة: أهم تشريع في تاريخ بلدنا.


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
شي يحض على «تعزيز التضامن والتعاون» بين فرنسا والصين
دعا الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى «تعزيز التضامن والتعاون» بين الصين وفرنسا، وأكد لنظيره إيمانويل ماكرون، استعداده للعمل «يداً بيد مع أوروبا»، حسبما نقل عنه الإعلام الرسمي الصيني، اليوم (الخميس). وقال شي لماكرون في اتصال هاتفي، إن على الصين وفرنسا «تعزيز التضامن والتعاون»، مضيفاً أن بكين «مستعدة للعمل يداً بيد مع أوروبا للتعامل مع التحديات العالمية»، حسبما ذكرت شبكة البث الرسمية «سي سي تي في».


العربية
منذ ساعة واحدة
- العربية
انخفضت سندات الحكومة الأميركية مع تفاقم المخاوف بشأن مشروع قانون ترامب الضريبي
شهدت الأسواق الأميركية اضطراباً ملحوظاً، الأربعاء، مع تراجع السندات الحكومية والأسهم، وسط تصاعد المخاوف من تداعيات مشروع قانون الضرائب الجديد الذي يدفع به الرئيس السابق دونالد ترامب، والذي يُتوقع أن يضيف تريليونات الدولارات إلى الدين العام الأميركي. وفي خطوة أثارت قلق المستثمرين، ارتفع العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 30 عاماً بمقدار 11 نقطة أساس ليصل إلى 5.096%، وهو أعلى مستوى له منذ أواخر عام 2023، قبل أن يتجاوز 5.12% عقب تمرير مشروع القانون في مجلس النواب بفارق صوت واحد فقط. كما هبط مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 1.6%، في وقت أظهرت فيه الأسواق عزوفاً واضحاً عن الأصول طويلة الأجل، بعد مزاد خزانة أميركي بقيمة 16 مليار دولار لسندات الـ20 عاماً، والذي جاء دون التوقعات رغم تقديم عائد مغرٍ بنسبة 5%، الأعلى منذ إعادة طرح هذا الأجل في 2020. قانون جميل بثمن باهظ مشروع القانون، الذي وصفه ترامب بـ"القانون الكبير والجميل"، يهدف إلى تمديد التخفيضات الضريبية التي أُقرت في ولايته الأولى عام 2017. إلا أن محللين مستقلين حذروا من أن هذه الخطوة قد تضيف ما لا يقل عن 3 تريليونات دولار إلى الدين الأميركي خلال العقد المقبل، بحسب ما ذكرته صحيفة "فاينانشال تايمز"، واطلعت عليه "العربية Business". وفي كواليس السياسة، خاض رئيس مجلس النواب مايك جونسون مفاوضات شاقة مع أجنحة الحزب الجمهوري المختلفة لضمان تمرير المشروع، فيما استدعت الإدارة الأميركية أعضاء "تكتل الحرية" اليميني المتشدد إلى البيت الأبيض للاستماع إلى مخاوفهم، بحضور مدير المجلس الاقتصادي الوطني كيفن هاسيت. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، إن "الاجتماع كان مثمراً وساهم في دفع الأمور بالاتجاه الصحيح". تحذيرات وكالات التصنيف.. والأسواق تترقب تأتي هذه التطورات بعد أيام فقط من قيام وكالة "موديز" بخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، محذّرة من تنامي العجز المالي والدين العام. وفي أوروبا، لم تكن الصورة أكثر إشراقاً، إذ ارتفعت عوائد السندات طويلة الأجل، حيث صعد العائد على السندات الألمانية لأجل 30 عاماً إلى 3.18%، بينما بلغ العائد على السندات البريطانية من نفس الأجل 5.56%. كما تراجعت مؤشرات الأسهم الأوروبية، حيث انخفض مؤشر "ستوكس يوروب 600" بنسبة 0.9%، وتراجع مؤشر "داكس" الألماني بنسبة 0.8%. الأسواق تستفيق على وقع الأزمة يوم الأربعاء، باعت الولايات المتحدة سندات خزانة أميركية لأجل 20 عاماً بقيمة 16 مليار دولار أميركي في مزادها بفائدة 5%، وهو أعلى سعر فائدة لسندات العشرين عاماً في المزاد منذ إعادة العمل بفترة الاستحقاق في عام 2020. اشترى المتعاملون الرئيسيون - وهم البنوك المُلزمة بشراء أي سندات لم يستحوذ عليها مستثمرون آخرون - 16.9% من العرض، مقارنةً بمتوسط 15.1%، وفقاً لسوق بي إم أو كابيتال ماركتس. وقال رئيس استراتيجية أسعار الفائدة العالمية في "جي بي مورغان"، جاي باري، إن "سوق الأسهم بدأت أخيراً تدرك حجم الأزمة المالية التي تواجه سوق السندات الأميركية". وكانت قطاعات المال والعقارات والرعاية الصحية من بين الأسوأ أداءً في مؤشر "ستاندرد آند بورز"، حيث سجل أكثر من 95% من أسهمه تراجعاً. وزاد من حدة التراجع إعلان شركة "أوبن إيه آي"، المطورة لـ"تشات جي بي تي"، عن استحواذها على شركة الأجهزة الناشئة "آي أو" التي أسسها كبير المصممين السابق في "أبل"، جوني آيف، في صفقة بلغت 6.4 مليار دولار، ما أثار قلق المستثمرين بشأن مستقبل الهواتف الذكية. وتراجعت أسهم "أبل" بنسبة 2.3%، فيما هبطت أسهم "أمازون"، و"نفيديا"، و"مايكروسوفت" بأكثر من 1%، ليدفع ذلك مؤشر "ناسداك" التكنولوجي إلى التراجع بنسبة 1.4%. الخطوات التالية صوّت مجلس النواب، الذي يُسيطر عليه الجمهوريّون، قبيل الساعة السابعة صباحاً في واشنطن بأغلبية 215 صوتاً مقابل 214 صوتاً، للموافقة على التشريع الذي يتكوّن من أكثر من ألف صفحة، والذي سيُخفّض الضرائب، ويُخفّض الإنفاق الاجتماعي، ويُزيد الدين الفيدراليّ. سيحال الآن إلى مجلس الشيوخ، حيث يتمتع الجمهوريّون بأغلبية ضئيلة. كان هذا التشريع المُترامي الأطراف، الذي وصفه ترامب بـ"مشروع القانون الكبير والجميل"، محور معركة شرسة بين المشرعين الجمهوريين في الأيام الأخيرة. وقال رئيس مجلس النواب الأميركي، قبل دقائق من إقرار التشريع: "هذا القانون الضخم والجميل هو أهم تشريع أقره أي حزب على الإطلاق، لا سيما في ظل أغلبية ضئيلة كهذه"، مشيداً به باعتباره "نقطة تحول في التاريخ الأميركي". لكن حكيم جيفريز، زعيم الأقلية في مجلس النواب، قال إن مشروع القانون سيحرم ما لا يقل عن 13.7 مليون شخص من تأمينهم الصحي، "مما سيحرم الأطفال والأميركيين ذوي الإعاقة والمحاربين القدامى وكبار السن من لقمة العيش" بسبب تخفيضات قسائم الطعام. وقال: "إنه مشروع قانون ضخم وقبيح. إنه هجوم على الاقتصاد... لسن أكبر إعفاءات ضريبية للمليارديرات في تاريخ أميركا". يُمثل إقرار مجلس النواب لمشروع القانون انتصاراً سياسياً كبيراً لترامب، الذي تراجعت شعبيته بعد أسابيع من اضطرابات السوق الناجمة عن حربه التجارية.