logo
تقرير "رجعت بالكفن"... شهادة طفل فقد أمَّه في مذبحة المساعدات المشبوهة برفح

تقرير "رجعت بالكفن"... شهادة طفل فقد أمَّه في مذبحة المساعدات المشبوهة برفح

فلسطين أون لاينمنذ يوم واحد

غزة/ نبيل سنونو:
في عتمة الليل، كانت تمشي بثقل الجوع، تقود اثنين من أبنائها نحو منطقة العلم غرب رفح، وكل ما تفكر به: "والله يما لاجبلكوا كيلو طحين".
أمسكت الأم بيدي ابنيها وهمست: "طملوا روسكم"، بينما كان جنود الاحتلال يمارسون هوايتهم في إطلاق النار المباشر عشوائيا تجاه الجوعى. فجأة، صرخت ابنتها: "يما". سقط جسد الأم، رصاصة استقرت في جبينها.
هذا المشهد، لن ينساه الطفل أحمد زيدان الذي كان مع أخته وأمه يحاولون يوم الثلاثاء تحت وطأة المجاعة وحرب الإبادة الجماعية في غزة، الحصول على طرد غذائي مما تسمى "مؤسسة غزة الإنسانية" التي أنشأتها سلطات الاحتلال بدعم أمريكي لأغراض عسكرية وأمنية تحت ستار إنساني، كما تؤكد المنظمات الدولية المعنية.
في ذلك اليوم، ارتكبت قوات الاحتلال، مجزرة جديدة قرب مركز "المساعدات الأمريكي – الإسرائيلي" في محافظة رفح، أسفرت عن استشهاد 27 مدنيا مُجوّعا، وإصابة أكثر من 90 آخرين بجراح متفاوتة، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي.
وارتفعت حصيلة الضحايا المُجوَّعين إلى 102 شهيدا و490 مصابا خلال ثمانية أيام فقط. وبذلك، يحول الاحتلال مراكز توزيع "المساعدات الأمريكية - الإسرائيلية" إلى مصائد موت جماعي وأفخاخ دموية.
ووجد الطفل أحمد نفسه ضحية للجوع وتهديد الحياة، على مدار حرب الإبادة الجماعية المستمرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. ومنذ الثاني من مارس/آذار الماضي، تمنع قوات الاحتلال دخول المساعدات الإنسانية لغزة.
"بقول للشباب ميروحوش"
"أنا وأختي ضلينا فوقها.. لو قمنا بنموت.. بيطخوا علينا مباشر.. ضلينا هيك لحد ما طلع النهار"، بدموع وقلب مكسور، يصف أحمد، المكلوم باستشهاد أمه، هذه الفاجعة، بينما لا تزال مصائب حرب الإبادة، تعصف به وبإخوته.
على مدار ستة أيام، كان أحمد يخرج مع والدته وأخته كل مساء من السابعة حتى الفجر، إلى منطقة العلم، على أمل الحصول على ما تُسمى "كوبونة" مساعدات.
"كل يوم بنمشي ٢ كيلو.. وبنضل نركض وهم بيطخطخوا علينا مباشر.. مش في السما.. مباشر"، يتابع شهادته في في مقاطع فيديو انتشرت كالنار في الهشيم بمواقع التواصل.
يصف مشهدا يوميا يتكرر: "بيوقفونا (الاحتلال) على جنب الحيط.. بـ(السلاح) الجوي والكواد كابتر والزنانات والقناصات.. الإصابات والشهداء بالمئات.. مدنيين، مش عساكر".
"الاحتلال والأمريكان بيكذبوا.. بيقولوا عليكم الأمان تاخدوا الكوبونة.. بس ما بناخدها.. بيذلوا فينا وبيقتلونا.. من المغرب للفجر وهم بيرموا علينا قنابل صوت وغاز وبيطخوا علينا كل دقيقة".
قبل استشهادها، كانت الأم تهمس بحبها المعتاد: "والله يما لاجبلكوا كيلو طحين".. لكنها لم تصل.
"الرصاصة إجت في جبينها.. أختي صرخت.. وضلينا فوقها.. لو تحركنا كنا استشهدنا، وأخيرا شردنا بالذل والمعاناة"، يواصل حديثه.
بقي الطفل وأخته بجوار جثمان والدتهما لفترة، عجزت خلالها حتى اللجنة الدولية للصليب الأحمر من انتشال جثمانها تحت النار الكثيف.
"إحنا مدنيين، مش عساكر.. حاملين شنط شخصية مش سلاح"، يدحض بذلك مزاعم جيش الاحتلال.
ويؤكد أنه لو حصل على حقه في الغذاء، لما أجبره الجوع على سلك هذه الطريقة الخطرة للحصول على طرد غذائي مغمس بالدم.
أحمد فقد أخاه أيضا في هذه الحرب: "أنا عندي ٨ إخوة.. واحد فيهم استشهد".
أما إخوته الأصغر، فما زالوا يرفضون تصديق استشهاد والدتهم: "بنقولهم هيها.. بيقولوا لا مش ماما.. ماما رايحة تجيب طحين".
يلخص أحمد سنة ونصف من الحرب والجوع بكلمات موجعة: "٣ شهور المعبر مسكر.. ما دقنا حبة خبز أو طحين.. ولما أمي قالت بدي أجبلكم كيس طحين.. رجعت بالكفن الأبيض".
ويتابع: "غزة ماتت من الجوع.. نفسي يوم آكل لقمة منيحة.. لقمتنا مغمسة بدم أمي".
ويختم بنداء: "بقول للشباب ميروحوش.. ملعونة هاي الكوبونة.. يا بتيجي باحترام يا بلاش... أمي راحت.. وقبلها أخويا.. ومش ضامنين أرواحنا"، مردفا بأسى: "بدنا نعيش بكرامة.. بدون إهانة.. لأننا بنشوف الذل والموت مية مرة كل يوم".
بجوار جثمانه أمه، صرخ أحمد كثيرا، لكن الأمل في داخله انطفأ.
ومع استمرار "مسرحية المساعدات" الإسرائيلية - الأمريكية بعيدا عن مؤسسات الأمم المتحدة، يبقى المجوعون، عرضة للقتل بالنيران والجوع في آن واحد.
المصدر / فلسطين أون لاين

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تقرير سجى.. طفولة مسروقة وأمومة مبكرة تحت النار
تقرير سجى.. طفولة مسروقة وأمومة مبكرة تحت النار

فلسطين أون لاين

timeمنذ 10 ساعات

  • فلسطين أون لاين

تقرير سجى.. طفولة مسروقة وأمومة مبكرة تحت النار

غزة / علي البطة: في خيمة صغيرة نصبت في أحد شوارع غزة المدمّرة، تقف سجى "أ" 17 عامًا، وهي تجهّز وجبة الغداء على نار قطع خشبية وقطع بلاستيكية. رغم أن ملامحها لا تزال تحمل آثار الطفولة، إلا أن عينيها تعكسان وجعًا أكبر من سنوات عمرها. سجى، الحامل في شهرها السابع، لم تكن تتخيل أن طفولتها ستنتهي بهذه السرعة، وأن أحلامها الدراسية ستتبدد تحت وقع القصف والنزوح والفقد. في صباح السابع من أكتوبر 2023، كانت سجى تستعد لتقديم امتحانها المدرسي كأي فتاة في عمرها. لم تكن تعلم أن هذا اليوم سيشكّل نقطة تحوّل في حياتها. خلال أيام قليلة، اضطرت للنزوح من منزل عائلتها في حي الأمل ببيت لاهيا بعد تصاعد غارات الاحتلال الإسرائيلي، واستقرت مع أسرتها مؤقتا في مدرسة الفاخورة بمخيم جباليا. لكن حتى المدرسة التي لجؤوا إليها لم تكن آمنة. فبعد يومين فقط من مغادرتهم المنزل، تعرّض منزلهم للقصف "لو بقينا هناك، لما كنا أحياء الآن"، تقول سجى وهي تسترجع تفاصيل تلك اللحظات. نزحوا دون متاع، بلا ثياب ولا طعام كافٍ، معتمدين على مساعدات محدودة. لاحقًا، وبعد إنذارات إسرائيلية جديدة طالبت السكان بإخلاء الشمال، بدأت رحلة نزوح جديدة. سجى وشقيقها محمد (22 عامًا) توجها مشيا إلى دير البلح، وسط قطاع غزة، بينما بقي بقية أفراد الأسرة في جباليا بسبب عجزهم عن الحركة. أقاما في مدرسة إعدادية وسط ظروف صعبة، لكن ضيق الحال وشعور محمد بالمسؤولية دفعاه للعودة إلى الشمال رغم توسلات الأسرة. ذهب ولم يعد مرت أيام طويلة من الانتظار المؤلم، والبحث المحموم. عائلة سجى لجأت إلى المستشفيات، وإلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وسألت كل من قد يعرف شيئا.. لكن دون جدوى. بعد أسبوعين من الغياب، أكّد الصليب الأحمر استشهاد محمد، الشاب الذي كان يعيل الأسرة، بعد أن غاب أثره طويلا "غيابه خلّف فراغا لا يُحتمل. لم نعد كما كنا"، تقول سجى والدمعة تسبق كلماتها. في يونيو 2024، وبعد أشهر من الحزن، تقدم ابن عمها لخطبتها، لتتزوج في أجواء خالية من الفرح: لا زغاريد، لا حلوى، ولا فستان أبيض "كنت أبكي يوم زفافي. لم يكن هذا هو الحلم الذي رسمته لنفسي"، تقول سجى. جهزت نفسها بطقمين للصلاة، وعباءة بسيطة، ودبلة من مهر متواضع لم يتجاوز 500 دينار. لم تجد مكانًا لتقيم فيه مع زوجها، فتبرع أحد الجيران بمخزن صغير أُعدّ سكنًا مؤقتا. ومع بداية الحياة الجديدة، تنقلت سجى من "عروس صغيرة" إلى "ربة منزل مسؤولة" في خيمة بلا خصوصية. الحرب حرمتها من كل خصوصية، وجعلتها تعيش حياة بدائية، مليئة بالقهر والصمت والحرمان. مع بداية أكتوبر، اكتشفت سجى أنها حامل. كانت الفرحة ممزوجة بدموع لم تجف منذ زواجها، لا سيما بعد أشهر من الضغوط النفسية. اليوم، ينتظر الجنين أن يرى النور في خيمة تحت القصف، بينما سجى تترقب موعد الولادة برهبة كبيرة، تخشى الألم، والمصير المجهول. رغم أنها لا تزال في مقتبل العمر، إلا أن سجى اضطرت لترك أحلامها الأكاديمية.. كانت تطمح لأن تصبح قابلة تساعد النساء، وأن تكمل دراستها الجامعية، لكن الحرب أطفأت هذا النور "لم أعد أفكر كطالبة، بل كأم تخشى على طفلها من الجوع والبرد"، تضيف. عادت سجى وزوجها إلى بيت لاهيا ضمن قوافل العائدين سيرا على الأقدام. الطريق كان مرهقا، مشبعا برائحة الموت، وأجساد تتحلل في العراء. وصلت إلى منزل زوجها في العطاطرة، حيث وجدت نفسها تعيش داخل بناء غير مكتمل، تنام على فراش بسيط خلف ستارة من قماش، وتحلم فقط بشقة "مبلطة ومدهونة". ومع عودة الحرب مجددا، اضطر الزوجان للنزوح مرة أخرى، هذه المرة إلى خيمة في منطقة أبو خضرة، وسط شارع عام. حياة بلا خصوصية، بلا مرافق، بلا أمل. ومع ذلك، لا تزال سجى تقاوم، تتمسك بشيء من الحياة لطفلها القادم، وتحلم ببيت صغير يمنحها بعض الأمان، ومكانا تستطيع فيه أن تستعيد شيئا من نفسها التي سرقتها الحرب. تختصر حكاية سجى معاناة آلاف النساء والفتيات في غزة، حيث يتحول الزواج إلى ملاذ من الفقر لا من الحب، وتُسرق الطفولة تحت وطأة النزوح والحصار. إنها قصة واحدة من بين آلاف القصص التي تروي وجع الحياة تحت الحرب، ونداء عاجل من أجل إنقاذ ما تبقى من أحلام جيل ينمو في خيام الموت واليأس. المصدر / فلسطين أون لاين

تقرير "رجعت بالكفن"... شهادة طفل فقد أمَّه في مذبحة المساعدات المشبوهة برفح
تقرير "رجعت بالكفن"... شهادة طفل فقد أمَّه في مذبحة المساعدات المشبوهة برفح

فلسطين أون لاين

timeمنذ يوم واحد

  • فلسطين أون لاين

تقرير "رجعت بالكفن"... شهادة طفل فقد أمَّه في مذبحة المساعدات المشبوهة برفح

غزة/ نبيل سنونو: في عتمة الليل، كانت تمشي بثقل الجوع، تقود اثنين من أبنائها نحو منطقة العلم غرب رفح، وكل ما تفكر به: "والله يما لاجبلكوا كيلو طحين". أمسكت الأم بيدي ابنيها وهمست: "طملوا روسكم"، بينما كان جنود الاحتلال يمارسون هوايتهم في إطلاق النار المباشر عشوائيا تجاه الجوعى. فجأة، صرخت ابنتها: "يما". سقط جسد الأم، رصاصة استقرت في جبينها. هذا المشهد، لن ينساه الطفل أحمد زيدان الذي كان مع أخته وأمه يحاولون يوم الثلاثاء تحت وطأة المجاعة وحرب الإبادة الجماعية في غزة، الحصول على طرد غذائي مما تسمى "مؤسسة غزة الإنسانية" التي أنشأتها سلطات الاحتلال بدعم أمريكي لأغراض عسكرية وأمنية تحت ستار إنساني، كما تؤكد المنظمات الدولية المعنية. في ذلك اليوم، ارتكبت قوات الاحتلال، مجزرة جديدة قرب مركز "المساعدات الأمريكي – الإسرائيلي" في محافظة رفح، أسفرت عن استشهاد 27 مدنيا مُجوّعا، وإصابة أكثر من 90 آخرين بجراح متفاوتة، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي. وارتفعت حصيلة الضحايا المُجوَّعين إلى 102 شهيدا و490 مصابا خلال ثمانية أيام فقط. وبذلك، يحول الاحتلال مراكز توزيع "المساعدات الأمريكية - الإسرائيلية" إلى مصائد موت جماعي وأفخاخ دموية. ووجد الطفل أحمد نفسه ضحية للجوع وتهديد الحياة، على مدار حرب الإبادة الجماعية المستمرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. ومنذ الثاني من مارس/آذار الماضي، تمنع قوات الاحتلال دخول المساعدات الإنسانية لغزة. "بقول للشباب ميروحوش" "أنا وأختي ضلينا فوقها.. لو قمنا بنموت.. بيطخوا علينا مباشر.. ضلينا هيك لحد ما طلع النهار"، بدموع وقلب مكسور، يصف أحمد، المكلوم باستشهاد أمه، هذه الفاجعة، بينما لا تزال مصائب حرب الإبادة، تعصف به وبإخوته. على مدار ستة أيام، كان أحمد يخرج مع والدته وأخته كل مساء من السابعة حتى الفجر، إلى منطقة العلم، على أمل الحصول على ما تُسمى "كوبونة" مساعدات. "كل يوم بنمشي ٢ كيلو.. وبنضل نركض وهم بيطخطخوا علينا مباشر.. مش في السما.. مباشر"، يتابع شهادته في في مقاطع فيديو انتشرت كالنار في الهشيم بمواقع التواصل. يصف مشهدا يوميا يتكرر: "بيوقفونا (الاحتلال) على جنب الحيط.. بـ(السلاح) الجوي والكواد كابتر والزنانات والقناصات.. الإصابات والشهداء بالمئات.. مدنيين، مش عساكر". "الاحتلال والأمريكان بيكذبوا.. بيقولوا عليكم الأمان تاخدوا الكوبونة.. بس ما بناخدها.. بيذلوا فينا وبيقتلونا.. من المغرب للفجر وهم بيرموا علينا قنابل صوت وغاز وبيطخوا علينا كل دقيقة". قبل استشهادها، كانت الأم تهمس بحبها المعتاد: "والله يما لاجبلكوا كيلو طحين".. لكنها لم تصل. "الرصاصة إجت في جبينها.. أختي صرخت.. وضلينا فوقها.. لو تحركنا كنا استشهدنا، وأخيرا شردنا بالذل والمعاناة"، يواصل حديثه. بقي الطفل وأخته بجوار جثمان والدتهما لفترة، عجزت خلالها حتى اللجنة الدولية للصليب الأحمر من انتشال جثمانها تحت النار الكثيف. "إحنا مدنيين، مش عساكر.. حاملين شنط شخصية مش سلاح"، يدحض بذلك مزاعم جيش الاحتلال. ويؤكد أنه لو حصل على حقه في الغذاء، لما أجبره الجوع على سلك هذه الطريقة الخطرة للحصول على طرد غذائي مغمس بالدم. أحمد فقد أخاه أيضا في هذه الحرب: "أنا عندي ٨ إخوة.. واحد فيهم استشهد". أما إخوته الأصغر، فما زالوا يرفضون تصديق استشهاد والدتهم: "بنقولهم هيها.. بيقولوا لا مش ماما.. ماما رايحة تجيب طحين". يلخص أحمد سنة ونصف من الحرب والجوع بكلمات موجعة: "٣ شهور المعبر مسكر.. ما دقنا حبة خبز أو طحين.. ولما أمي قالت بدي أجبلكم كيس طحين.. رجعت بالكفن الأبيض". ويتابع: "غزة ماتت من الجوع.. نفسي يوم آكل لقمة منيحة.. لقمتنا مغمسة بدم أمي". ويختم بنداء: "بقول للشباب ميروحوش.. ملعونة هاي الكوبونة.. يا بتيجي باحترام يا بلاش... أمي راحت.. وقبلها أخويا.. ومش ضامنين أرواحنا"، مردفا بأسى: "بدنا نعيش بكرامة.. بدون إهانة.. لأننا بنشوف الذل والموت مية مرة كل يوم". بجوار جثمانه أمه، صرخ أحمد كثيرا، لكن الأمل في داخله انطفأ. ومع استمرار "مسرحية المساعدات" الإسرائيلية - الأمريكية بعيدا عن مؤسسات الأمم المتحدة، يبقى المجوعون، عرضة للقتل بالنيران والجوع في آن واحد. المصدر / فلسطين أون لاين

"روح الروح".. "ليا" تسبق العيد إلى السَّماء
"روح الروح".. "ليا" تسبق العيد إلى السَّماء

فلسطين أون لاين

timeمنذ 3 أيام

  • فلسطين أون لاين

"روح الروح".. "ليا" تسبق العيد إلى السَّماء

غزة/ نبيل سنونو كانت تحتضن أمها وتضحك، قبل ساعتين فقط من الفاجعة. "ليوش"، كما اعتادوا أن ينادوها، "دلوعة البيت" و"روح الروح" عند الكل، "نامت" في لحظة واحدة إلى الأبد. انطفأت شموع الفرح التي كانت تشعلها ببراءتها. غادرت سريعا حتى قبل أن تحتفل معهم بعيد الأضحى الذي انتظرته طويلا لترتدي فستانا زاهيا تحيي به الأمل في أفراد عائلتها. في 23 مايو/أيار، كانت ليا الجعبري (عامان ونصف العام) في جلسة عائلية بسيطة بعد منتصف الليل ببيت جدها الشهيد (والد أمها) بمدينة غزة. لحظة فرح خاطفة، نسفها الموت، بفعل صاروخ من طائرة حربية إسرائيلية. "الصاروخ دخل فجأة، ما حسّينا فيه.. حضنت ليا، خفت يصيرلها إشي، صرت أتشاهد ولما انفجر قمت وأنا شايلة ليا بحضني"، تقول والدتها لصحيفة "فلسطين"، وهي تمسك بكلماتها الهاربة من حضن الوجع. نظرت إليها وهي تمني نفسها بأن طفلتها "نائمة"، شاحت "أم ليا" بنظرها إلى شقيقتها وأطفالها محاولة إفاقتهم، لكنهم لم يفعلوا، وانصدمت بالحقيقة: "خلص استشهدوا". "مشيت ببنتي، أخذوها مني.. لحقتهم أشوف وين ماخدينها.. وصلنا المستشفى وتفرقنا.. ما كنت حاسة بإصابتي، كنت خايفة عليها، بنتي وحيدتي، من ريحة أبوها.. بس هي مشتاقاله وراحت عنده. سعيد (والدها) مبسوط بحبيبته، الله يرحمهم ويجمعنا فيهم بالجنة"، كأنما تواسي والدة ليا ذاتها بتلك الكلمات. سريعا، غادرت ليا عالما لم تر فيه سوى حرب إبادة جماعية كانت إحدى ضحاياها، لتلحق بوالدها سعيد الذي استشهد قبل 19 شهرا. وفي مجزرة سابقة، استشهد جدها (والد أمها) وأحد أخوالها، وأصيب خالها الأكبر وبترت قدماه. ثم جاءت المجزرة الأخيرة. واستشهدت ليا، وأصيبت أمها، واستشهد آخرون. نجت الأم من المجزرة بأعجوبة، لكنها لا تزال تئن تحت وطأة كلمات طفلتها، وذكريات المواقف معها. قبل يوم من استشهادها، خطفت ليا نظر والدتها التي تمعنت بجمالها وقالت في سرها: "ليا حليانة، يا عمري، كبرت.. ربنا يحفظها". رائحة العيد.. وفستان مؤجل تعلقت ليا بأبيها بشدة رغم أنه استشهد قبل أن تتجاوز العام الأول من عمرها، ومازحت أمها أخيرا: "أنا بدعيله، وأنت لا". وقبل أيام من استشهادها، كانت أكثر الكلمات التي ترددها: "حبيبي سعيد، بدي أروح عند بابا". "كانت تزور المقبرة، تبوس صورته، وإذا سألناها وين بابا؟ تقول: في الجنة"، والحديث هذه المرة لعمها عاصم الجعبري. عاصم الذي أطلق على ليا لقب "روح الروح"، لا يزال هو أيضا أسير حزنه على طفولتها. يقول لـ "فلسطين أون لاين": استشهد سعيد، والد ليا، بعد 20 يوما من ذكرى ميلادها الأولى، وكان قد احتفل به كأنه لا يريد أن يفوته الوداع. ومن يوم استشهاده، صارت ليا كل العائلة. جدتها كانت تناديها: "أم سعيد الحلوة"، وكانت إذا زارت أهل والدها تحضر لهم حلوى وتقول: "هذا من بابا سعيد". يذكر عم الطفلة كيف كانت رغم صغر سنها في منتهى الوعي والفطنة: "قبل المجزرة، كانت تلعب مع بنت عمتها كنزي، وتشاجرت معها على "بكلة"، ثم جاءت تبكي. أعطيتها 20 شيقلا وقلت لها: روحي اشتري بكلة وبراد جكارة فيها، راحت اشترت لتر براد، رجعت والكل شرب، حكتلها كنزي ما بدنا نشربها، لكن ليا قالت: حرام وشربتها". وفي محطات النزوح القسري التي عايشتها ليا منذ بداية الحرب، حيث كانت تقطن شرق حي الشجاعية، تبوأت الطفلة مكانة في نفوس كل من قابلوها. "ليا صارت نجمة المدرسة (التي نزحت فيها)، كل ما تطلع على الساحة، النساء والرجال يركضوا يلاعبوها. كانت روحها خفيفة، جميلة، ولسانها ينقط كلاما أكبر من عمرها. سبحان الله، الكل كان يحبها"، يقول عمها. عند استشهادها، وصلت الجدة إلى مجمع الشفاء الطبي (أو ما تبقى منه بعد أن دمره الاحتــلال)، وقالت وهي ترى ليا بلا نفس: "والله يا تاتا، لسه بكرا بدي أروح أشتريلك فستان العيد.. سبتينا ورحتي عند أبوكي، يا حبيبتي..". ليا، حبيبة عائلتها، الابنة الوحيدة، الذكية، التي أطفأت وحدها ظلاما طويلا بعد رحيل أبيها، قررت أن تضيء الطريق إليه. مشت على الخطى، وغفت في حضن أمها، ثم صحا فيها الحنين، ونهضت إلى السماء. المصدر / فلسطين أون لاين

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store