logo
"روح الروح".. "ليا" تسبق العيد إلى السَّماء

"روح الروح".. "ليا" تسبق العيد إلى السَّماء

غزة/ نبيل سنونو
كانت تحتضن أمها وتضحك، قبل ساعتين فقط من الفاجعة. "ليوش"، كما اعتادوا أن ينادوها، "دلوعة البيت" و"روح الروح" عند الكل، "نامت" في لحظة واحدة إلى الأبد.
انطفأت شموع الفرح التي كانت تشعلها ببراءتها. غادرت سريعا حتى قبل أن تحتفل معهم بعيد الأضحى الذي انتظرته طويلا لترتدي فستانا زاهيا تحيي به الأمل في أفراد عائلتها.
في 23 مايو/أيار، كانت ليا الجعبري (عامان ونصف العام) في جلسة عائلية بسيطة بعد منتصف الليل ببيت جدها الشهيد (والد أمها) بمدينة غزة. لحظة فرح خاطفة، نسفها الموت، بفعل صاروخ من طائرة حربية إسرائيلية.
"الصاروخ دخل فجأة، ما حسّينا فيه.. حضنت ليا، خفت يصيرلها إشي، صرت أتشاهد ولما انفجر قمت وأنا شايلة ليا بحضني"، تقول والدتها لصحيفة "فلسطين"، وهي تمسك بكلماتها الهاربة من حضن الوجع.
نظرت إليها وهي تمني نفسها بأن طفلتها "نائمة"، شاحت "أم ليا" بنظرها إلى شقيقتها وأطفالها محاولة إفاقتهم، لكنهم لم يفعلوا، وانصدمت بالحقيقة: "خلص استشهدوا".
"مشيت ببنتي، أخذوها مني.. لحقتهم أشوف وين ماخدينها.. وصلنا المستشفى وتفرقنا.. ما كنت حاسة بإصابتي، كنت خايفة عليها، بنتي وحيدتي، من ريحة أبوها.. بس هي مشتاقاله وراحت عنده. سعيد (والدها) مبسوط بحبيبته، الله يرحمهم ويجمعنا فيهم بالجنة"، كأنما تواسي والدة ليا ذاتها بتلك الكلمات.
سريعا، غادرت ليا عالما لم تر فيه سوى حرب إبادة جماعية كانت إحدى ضحاياها، لتلحق بوالدها سعيد الذي استشهد قبل 19 شهرا.
وفي مجزرة سابقة، استشهد جدها (والد أمها) وأحد أخوالها، وأصيب خالها الأكبر وبترت قدماه. ثم جاءت المجزرة الأخيرة. واستشهدت ليا، وأصيبت أمها، واستشهد آخرون.
نجت الأم من المجزرة بأعجوبة، لكنها لا تزال تئن تحت وطأة كلمات طفلتها، وذكريات المواقف معها. قبل يوم من استشهادها، خطفت ليا نظر والدتها التي تمعنت بجمالها وقالت في سرها: "ليا حليانة، يا عمري، كبرت.. ربنا يحفظها".
رائحة العيد.. وفستان مؤجل
تعلقت ليا بأبيها بشدة رغم أنه استشهد قبل أن تتجاوز العام الأول من عمرها، ومازحت أمها أخيرا: "أنا بدعيله، وأنت لا". وقبل أيام من استشهادها، كانت أكثر الكلمات التي ترددها: "حبيبي سعيد، بدي أروح عند بابا".
"كانت تزور المقبرة، تبوس صورته، وإذا سألناها وين بابا؟ تقول: في الجنة"، والحديث هذه المرة لعمها عاصم الجعبري.
عاصم الذي أطلق على ليا لقب "روح الروح"، لا يزال هو أيضا أسير حزنه على طفولتها. يقول لـ "فلسطين أون لاين": استشهد سعيد، والد ليا، بعد 20 يوما من ذكرى ميلادها الأولى، وكان قد احتفل به كأنه لا يريد أن يفوته الوداع.
ومن يوم استشهاده، صارت ليا كل العائلة. جدتها كانت تناديها: "أم سعيد الحلوة"، وكانت إذا زارت أهل والدها تحضر لهم حلوى وتقول: "هذا من بابا سعيد".
يذكر عم الطفلة كيف كانت رغم صغر سنها في منتهى الوعي والفطنة: "قبل المجزرة، كانت تلعب مع بنت عمتها كنزي، وتشاجرت معها على "بكلة"، ثم جاءت تبكي. أعطيتها 20 شيقلا وقلت لها: روحي اشتري بكلة وبراد جكارة فيها، راحت اشترت لتر براد، رجعت والكل شرب، حكتلها كنزي ما بدنا نشربها، لكن ليا قالت: حرام وشربتها".
وفي محطات النزوح القسري التي عايشتها ليا منذ بداية الحرب، حيث كانت تقطن شرق حي الشجاعية، تبوأت الطفلة مكانة في نفوس كل من قابلوها.
"ليا صارت نجمة المدرسة (التي نزحت فيها)، كل ما تطلع على الساحة، النساء والرجال يركضوا يلاعبوها. كانت روحها خفيفة، جميلة، ولسانها ينقط كلاما أكبر من عمرها. سبحان الله، الكل كان يحبها"، يقول عمها.
عند استشهادها، وصلت الجدة إلى مجمع الشفاء الطبي (أو ما تبقى منه بعد أن دمره الاحتــلال)، وقالت وهي ترى ليا بلا نفس: "والله يا تاتا، لسه بكرا بدي أروح أشتريلك فستان العيد.. سبتينا ورحتي عند أبوكي، يا حبيبتي..".
ليا، حبيبة عائلتها، الابنة الوحيدة، الذكية، التي أطفأت وحدها ظلاما طويلا بعد رحيل أبيها، قررت أن تضيء الطريق إليه. مشت على الخطى، وغفت في حضن أمها، ثم صحا فيها الحنين، ونهضت إلى السماء.
المصدر / فلسطين أون لاين

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أبو العردات يهنئ بحلول عيد الأضحى المبارك
أبو العردات يهنئ بحلول عيد الأضحى المبارك

شبكة أنباء شفا

timeمنذ 3 ساعات

  • شبكة أنباء شفا

أبو العردات يهنئ بحلول عيد الأضحى المبارك

شفا – د. وسيم وني ، تقدم فتحي أبو العردات أمين سر قيادة حركة 'فتح' وفصائل 'م.ت.ف' في لبنان باسمه وباسم قيادة حركة 'فتح' وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، بأحر وأطيب التهاني والتبريكات إلى عموم أبناء شعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات وللشعب اللبناني الشقيق بحلول 'عيد الأضحى المبارك'، آملا أن يعيد الله علينا هذه المناسبة العظيمة، وقد زال الظلم والعدوان والإحتلال، وتوقفت حرب الإبادة الهمجية التي يرتكبها العدو الصهيوني المجرم ضد شعبنا، وأن يتوقف العدوان المستمر على الشعب اللبناني الشقيق كي ينعم الشعبان الفلسطيني واللبناني بالأمن والإستقرار والسلام. وقال أبو العردات ، وبهذه المناسبة المباركة اتوجه بالتهاني والتبريكات إلى جميع الأخوات والاخوة قيادات وكوادر ومناضلي حركة 'فتح' والفصائل والقوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية، وأُسر وعوائل الشهداء والأسرى والجرحى. ودعا ابو العردات ، الله أن يعيد على شعبنا هذه المناسبة، وقد تحرر من الاحتلال الصهيوني الغاصب، وتحققت آماله الوطنية بالعودة والحرية والسيادة والاستقلال الوطني وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وبهذه المناسبة المباركة دعا ابو العردات أبناء شعبنا الفلسطيني في لبنان أن تقتصر الإحتفالات بالأضحى المبارك على إقامة الشعائر الدينية وتعظيمها وزيارة مقابر الشهداء وتلاوة الفاتحة عن ارواحهم الطاهرة ووضع أكاليل الزهور على أضرحتهم تخليدا لذكراهم العطرة. واختتم حديثه بالقول، المجد والخلود لشهدائنا الأبرار، الشفاء العاجل للجرحى والمصابين والحرية لأسرانا ومعتقلينا البواسل.

الشاعران مراد السوداني ومحمد شريم يبحثان تعزيز التعاون بين اتحاد الكتاب ومنبر أدباء بلاد الشام
الشاعران مراد السوداني ومحمد شريم يبحثان تعزيز التعاون بين اتحاد الكتاب ومنبر أدباء بلاد الشام

معا الاخبارية

timeمنذ 10 ساعات

  • معا الاخبارية

الشاعران مراد السوداني ومحمد شريم يبحثان تعزيز التعاون بين اتحاد الكتاب ومنبر أدباء بلاد الشام

رام الله - معا- قام المنسق العام لمنبر أدباء بلاد الشام رئيس مجلس إدارة جمعية "منبر أدباء بلاد الشام في فلسطين" الشاعر محمد شريم الأربعاء بزيارة لمقر الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين في مدينة رام الله، حيث قدم الشاعر شريم للأمين العام للاتحاد الشاعر مراد السوداني التهنئة بمناسبة قرب عيد الأضحى المبارك، داعياً الله أن يحفظ شعبنا وأمتنا وخاصة في غزة الجريحة وأن يفرج عنها ما هي فيه من صنوف الابتلاء وجبروت الاحتلال الذي لم يرحم من عسفه البشر ولا الحجر. وقد عقد الشاعران مراد السوداني ومحمد شريم الذي يشغل أيضاً مهمة عضو المجلس الإداري للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين اجتماعاً بحضور عضو الأمانة العامة للاتحاد الشاعر جمعة الرفاعي، حيث تناول الحديث سبل ترسيخ العلاقة بين الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين الإطار النقابي الجامع للأدباء الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها وجمعية منبر أدباء بلاد الشام في فلسطين مؤكدين على أهمية إقامة عدد من الأنشطة المشتركة، وبضمن ذلك إقامة لقاء ثقافي في محافظة بيت لحم في أقرب وقت ممكن. وتم الاتفاق على استمرارية التواصل بهذا الشأن لوضع ما تفق عليه حيز التنفيذ.

على غزة.. اكسروا الأقلام وجـفـفـوا الـصـحـف...!
على غزة.. اكسروا الأقلام وجـفـفـوا الـصـحـف...!

قدس نت

timeمنذ 18 ساعات

  • قدس نت

على غزة.. اكسروا الأقلام وجـفـفـوا الـصـحـف...!

بقلم: أكرم عطا الله بقلم أكرم عطا الله :- لم تعد لا الكتابة ولا الحديث ولا الصراخ ولا شيء قادراً على إنقاذ هذه المدينة المنكوبة التي تتوالى منها أكثر القصص الإنسانية وجعاً، فالأدب العالمي الذي قرأناه منذ مئات السنين لم يكن يتصور أن كل الجرعة التراجيدية المحشو بها شديدة التواضع أمام ما تجسد في غزة ليَجُبَّ كل ما سبق من مآسٍ إنسانية. حزن لم تعد تتسع له غزة ويفيض عن زمانها لتتشح عقودها القادمة بلون السواد وأعيادها القادمة وأيامها ولياليها القادمة، فقد قتلت إسرائيل عشرات الآلاف لكنها تركت ندوباً غائرة على أرواح ملايين تبقوا ولن يشفوا مما حدث. فالجريمة أكبر من حرب وأكبر من قتل وموت بل سحق فصل كامل من فصول الإنسانية، هكذا فعلت إسرائيل التي لا يمكن لذاكرتنا أن تنسى ما حدث. حاولت طوال الحرب تجنب الصور شديدة الفظاعة، لا لشيء سوى المحافظة على بعض التوازن العقلي في حرب كان كل حدث فيها يكفي لغيبوبة العقل، وكي أحافظ على المقال بأقل عاطفة ممكنة. لكن بين فترة وأخرى تنهار مصداتي العاطفية فقد كانت صورة واحدة كفيلة بأن تفتح سدود الدموع في المقل لطفل فقد يديه وذراعيه يتلوى وجعاً ويتحرك متقلباً بشكل عشوائي، هكذا سيمضي هذا الطفل عمره حتى يكبر حاملاً كل وجع التاريخ بلا يدين تمسحان دمعة عندما يتأمل ما تبقى من جسد استقوت عليه القوة الغاشمة يوماً وهي تبحث عن نصر على شعب أعزل لم يكن يملك غير قيادة جاهلة. أتابع مع الأهل ما يجري في غزة، أسأل عن التفاصيل لكن من لم يعش المأساة لا يمكن أن يفهمها أو يكتبها أو يرويها. فالحكاية ليست نصاً بل روح وعرق ودموع وآلام وعاطفة لا يعرفها سوى من وضعته اللحظة تحت سماء مدججة بالطائرات وجنازير الدبابات ومجاعة شديدة القسوة. يا إلهي ما الذي يحدث وكيف يحدث كل هذا، وكيف لعالم تسيل فيه تريليونات من الدولارات كما الماء والدم في غزة لا يستطيع توفير كسرة خبز لطفل جائع ؟ أصعب ما يمكن سماعه أن تقول امرأة إن زوجها لم يعد يحتمل مطالباتها له بشربة ماء ....! ما هذا ؟ ألهذه الدرجة يصل الوجع والانهيار الإنساني ؟ ألهذه الدرجة علينا أن نستمر في الكتابة كأن ما يدور مجرد فيلم تلفزيوني سيعود الممثلون الذين أدوا دور البؤساء في رواية «فيكتور هوغو» لتغيير ملابسهم والعودة لحياتهم ؟ ما يحدث موجع وحقيقي يهز القلوب والضمائر ولا يكتب على الورق بل يرفع كل الأقلام ويصيبها بالسكتة، ويحرق كل الصحف التي لم تتمكن رغم بلاغتها من وصف أو وقف كارثة. تسقط كل الأفكار التي لا تحمي طفلاً وكل السياسات وكل الأيديولوجيات وكل المجتمعات التي تعيش عاديات يومياتها، أرأيتم كذب الأمة ومن حاولوا طويلاً العيش في أوهام مصطلح كان يجب أن تباد غزة حتى ينكشف عريه وعري أمتين واحدة قومية والأخرى دينية، فلا الدول العربية تمكنت من حماية طفل ولا الدول الإسلامية حمت شرف امرأة فأي عيد يمر وغزة تحت سكين الجزار بلا رحمة. العيد في غزة طوابير من الحزن نحو مقابر الأحبة الذين التهمتهم الحرب التي التهمت غزة وحولتها إلى مقبرة كبيرة، سيظل الغزيون يدلقون حزنهم فيها إلى يوم الدين، إنه كابوسها الطويل الذي يمتد لأجيال قادمة لن تنجو من وجعه الذي ستبقى الذاكرة تنبض به لأن تراب غزة انعجن مع الدم، وشاطئ غزة سيظل يبكي للفجيعة التي خلفتها شهادته على التاريخ وهو يرى أمامه كل هذا الظلم والقهر، قالت أختي في غزة أمس وأنا أحاول جمع ما يكفي من لغة مواساة الوجع الذي تعيشه «لم يعد لدينا مشكلة مع الحرب يمكن أن نحتمل لكن الجوع أكثر إيلاماً، لو دخلت المساعدات واستمرت الحرب يمكن أن يكون الأمر محتملاً». هكذا تعبر الفجيعة عن نفسها بصورها التي تستنسخها يوميات غزة المكلومة. فقد كان سؤال الغزيين على امتداد الحرب «متى تتوقف الحرب» ليتواضع السؤال فلتستمر الحرب ولكن متى تنتهي المجاعة ؟ فالحرب تقتل بطلقة أو بصاروخ أو شظية مرة واحدة بلا ألم، لكن الجوع يقتل كل لحظة وكل ثانية، يلسع الجسد ويكسر النفس. وهكذا أصيبت غزة بالانكسار؛ رجالها ونساؤها وأطفالها الذين سيشبون حاملين هذا الانكسار. غزة موجوعة وتنزف بحدة للعيد الثالث وللثكل العاشر وللمأساة المائة وللانكسار الألف كما تاريخها الحزين، ولا حل قريباً فالشقيق والصديق ينصرفون لحياتهم وواشنطن تقف بالمرصاد الثقيل في مجلس الأمن لمن يحاول وقف إبادتها، ولا أمل بعد كل تلك الشهور الطويلة، فقد انهار المجتمع الفلسطيني هناك ولم يبقَ شيء يوقف هذه المأساة. جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store