
في الأردن.. الأشعة السينية تُنطق شظايا زجاجية بأسرار الحضارات القديمة
القطع الأثرية ليست مجرد بقايا من الماضي، بل هي شواهد حية تروي قصصا لم تُسرد بعد عن حياة الشعوب وصناعاتهم وشبكاتهم التجارية والاقتصادية، وهذا ما كشفت عنه الدراسة المنشورة بدورية "جورنال أوف أركيلوجيكال ساينس"، والتي تناولت شظايا زجاجية مُكتشفة في موقع خربة الذريح الأثري بالأردن.
وخربة الذريح موقع أثري يقع في محافظة الطفيلة جنوبي الأردن شمال مدينة البتراء بنحو 70 كم، وكان يقع على طريق التجارة "طريق الملوك" بين البتراء وبصرى، وعُثر في هذا الموقع على مجموعة كبيرة من الآثار التي تعود إلى الحضارات النبطية والرومانية والبيزنطية والإسلامية، وكان من بين ما عثر عليه بعض الشظايا الزجاجية.
وخلال الدراسة التي أجريت بالتعاون بين باحثين من جامعة اليرموك الأردنية وباحثين من مؤسسات عدة في بريطانيا وفرنسا، تم توظيف تقنية "التحليل المجهري بالمسبار الإلكتروني المشتت للطول الموجي"، لتحليل 64 عينة زجاجية مختلفة الألوان والأشكال، ليصار إلى الكشف عن مجموعة من النتائج.
وكان أبرز تلك النتائج أن معظم العينات (57) كانت من نوع الزجاج المصنوع باستخدام الصودا أو ما يعرف بكربونات الصوديوم، المستوردة من مصر. كذلك ظهرت أدلة على إعادة تدوير الزجاج خاصة من نوع "أبولونيا"، وهو زجاج بيزنطي يعود إلى الفترة من القرن الرابع حتى الثامن الميلادي، وتظهر إعادة التدوير من خلال وجود بعض المكونات مثل "الأنتيمون" و"المنغنيز" في بعض القطع التي استخدمت لإزالة الألوان أو لتلوين الزجاج.
كيف تتحدث الأشعة السينية؟
وتعتمد تقنية "التحليل المجهري بالمسبار الإلكتروني" المستخدمة بالدراسة على قذف الإلكترونات على سطح العينة، مما يسبب انبعاث الأشعة السينية المميزة للعناصر الموجودة في العينة، وهذه الأشعة تُحلل بدقة بناء على الطول الموجي الخاص بها لتبوح بالعناصر الكيميائية المكونة للزجاج، مثل الصوديوم والسيليكا والكالسيوم، مما يساعد على تحديد مصدر الزجاج وتقنيات تصنيعه.
وتتميز التقنية بتحليل التركيب الكيميائي بدقة تصل إلى مستويات منخفضة جدا تصل إلى جزء من الألف، ولا تسبب أي إتلاف للعينة، ويمكن استخدامها لتحليل عينات صغيرة أو نادرة، وأخيرا تتيح تحليل أجزاء محددة أو مناطق صغيرة من العينة بدقة.
ويقول الدكتور إيان فريستون، من معهد الآثار بجامعة لندن والباحث المشارك بالدراسة، في تصريحات خاصة للجزيرة نت، "كشفت لنا تقنية التحليل المجهري بالمسبار الإلكتروني أنه على الرغم من انتشار إعادة التدوير، فإنه لم يكن لها تأثير كبير على جودة الزجاج المستخدم في خربة الذريح، وكانت التغيرات في التركيب الكيميائي الناتجة عن عملية إعادة التدوير صغيرة جدا، لكنها كانت مميزة بعض الشيء، وتمكنا من تحديدها".
ويوضح أن "إعادة تدوير الزجاج كانت جانبا مهما من الاقتصاد خلال العصر الروماني وما بعده في العصر البيزنطي. فمع ضعف الإمبراطورية الرومانية، تأثرت التجارة والإنتاج الزراعي والصناعي، وانخفضت إيرادات الدولة، وتراجعت القدرة على دعم الفخامة التي كانت تتمتع بها الطبقات الثرية، وهذا التراجع الاقتصادي أدى إلى انخفاض في الصيانة والبناء، وجعل القصور الرومانية الكبرى عرضة للتدهور والهجر، وعندما كانت تُهجر كان يتم تجريدها من المواد المفيدة مثل الزجاج والمعادن والطوب والبلاط، وكان بائعون متجولون يجمعون الزجاج المكسور مقابل أعواد الكبريت، ثم يبيعون هذا الزجاج المكسور إلى الحرفيين الذين يعيدون إذابته ونفخه لتشكيل أوعية جديدة، وكانت هناك عائلات تعتاش من جمع المواد القابلة للتدوير وبيعها".
هيمنة الزجاج المصري
وبينما تم تأريخ الزجاج المعاد تدويره بأنه ينتمي إلى الحقبة البيزنطية التي كانت أكثر انغلاقا واعتمادا على الموارد المحلية، فإن هناك أنواعا أخرى من الزجاج عثر عليها، كالزجاج المصري والزجاج المنتج في بلاد الشام، بما يُشير إلى نشاط تجاري واسع النطاق بين هذه المناطق خلال العصور الرومانية والإسلامية المبكرة.
وعلى الرغم من توفر مصادر محلية لإنتاج الزجاج في بلاد الشام خلال الفترة الإسلامية المبكرة، فإن الزجاج المصري استمر في الهيمنة على السوق، وهو ما يرجعه فريستون إلى الميزات الفنية والتجارية التي كان يوفرها الزجاج المصري.
ويقول "كان صانعو الزجاج المصريون قريبين من مصدر الصودا (منطقة وادي النطرون)، وهي مادة تجعل الزجاج أسهل في الذوبان وأقل صلابة، ومن ثم أسهل في العمل، بينما كان زجاج بلاد الشام في تلك الفترة يحتوي على نسبة أقل من الصودا وكان أصعب في التشكيل، مما دفع الحرفيين إلى تفضيل الزجاج المصري متى كان متاحا".
ويضيف أن "الزجاج المكتشف في خربة الذريح يعتمد على التركيبة الأساسية نفسها التي نستخدمها اليوم في صناعة الزجاج، وهي زجاج (الصودا-الجير-السيليكا)".
ويوضح أنه "مع ذلك، كانت المواد الخام المستخدمة في ذلك الوقت أقل نقاء مما هي عليه اليوم، مما جعل كل قطعة زجاج تحمل بصمة كيميائية فريدة تشير إلى المكان الذي صُنعت فيه".
كذلك يبين أنه رغم تنوع المصادر، فإن تقنيات التصنيع كانت متشابهة بغض النظر عن مكان الإنتاج، مما يشير إلى "وجود انتشار واسع لطرق موحدة لصناعة الزجاج في العصور القديمة".
إعادة صياغة الفهم
وبذلك، فإن شظايا الزجاج المكتشفة أسهمت في إعادة صياغة الفهم للعلاقات التجارية والصناعية في العصور القديمة، فدراسة التركيب الكيميائي للزجاج وتقنيات التصنيع أوضحت مدى التعقيد والدقة في اقتصاد الزجاج في تلك العصور، سواء من خلال إعادة التدوير أو التجارة عبر المسافات الطويلة.
وكشفت بوضوح عن وجود نشاط تجاري مكثف بين مصر والشام خلال العصر الروماني والحقبة الإسلامية المبكرة، بدليل العثور على الزجاج المصري وزجاج بلاد الشام في الموقع نفسه، بينما كانت الحقبة البيزنطية تعتمد أكثر على الموارد المحلية، مما يعكس انغلاق الاقتصاد في ذلك العصر.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الوطن
منذ 5 أيام
- جريدة الوطن
كائنــــــــــات موصلة للكهرباء
اكتشف فريق دولي من العلماء بقيادة باحثين من جامعة ولاية أوريغون الأميركية، نوعًا من البكتيريا، يعمل كسلك كهربائي، مما قد يُمهّد الطريق لعصر جديد من الأجهزة الإلكترونية الحيوية، المستخدمة في الطب والصناعة وسلامة الأغذية. يأتي هذا الاكتشاف في سياق جهود العلماء في اكتشاف الأنواع الحية الموصلة للكهرباء ومنها البكتيريا التي يمكنها نقل الإلكترونات وتوليد الكهرباء والتي تسمى بكتيريا الكابلات. وتُوسّع الدراسة فهمنا للتنوع الجيني والشكليّ لبكتيريا الكابلات التي تمتلك «أيضا» فريدا يعتمد على التوصيل بعيد المدى، وتقدّم وصفًا شكليًا وجينوميًا مُفصّلًا لنوع جديد أطلق عليه تسمية «سي إيه. اليكتروتريكس ياكونينيز». ويقول جيسبر فان ديك، الباحث في الجيولوجيا الحيوية: «إن بكتيريا الكابلات، هي عبارة عن كائنات دقيقة خيطية تُشكل سلاسل طويلة متعددة الخلايا قادرة على نقل الإلكترونات لمسافات تصل إلى سنتيمترات».


أخبار قطر
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- أخبار قطر
مخاطر كبيرة تنتظر الجزيرة البركانية الإسبانية
تكافح جزيرة إسبانية صغيرة في المحيط الأطلسي بعد أيام من ثوران بركان ، مما أدى إلى إجلاء آلاف الأشخاص ، وتحذر السلطات من أن المزيد من مخاطر الانفجار تنتظرها. فيما يلي نظرة على الثوران البركاني في لا بالما وعواقبه: أين حدث انفجار البركان؟ ووقع ثوران البركان بعد ظهر يوم الأحد في لا بالما ، وهي واحدة من ثماني جزر بركانية في أرخبيل جزر الكناري بإسبانيا ، والتي تمتد على طول الساحل الشمالي الغربي لإفريقيا. يعد هذا ثوران بركاني ثانٍ خلال 50 عامًا للجزيرة التي يبلغ عدد سكانها 85000 نسمة. تم تسجيل زلزال بقوة 4.2 درجة قبل ثوران البركان. تصاعدت أعمدة ضخمة من الدخان الأسود والأبيض من سلسلة جبال كومبر فيجا البركانية بعد أسبوع من آلاف الزلازل الصغيرة. تتدفق الآن أنهار لا يمكن وقفها من الحمم البركانية المنصهرة ، بعضها يصل ارتفاع بعضها إلى 6 أمتار (20 قدمًا) ، إلى أسفل نحو المحيط ، وتبتلع كل شيء في طريقها. جزر الكناري هي بقعة بركانية ساخنة تحظى بشعبية لدى السياح الأوروبيين بسبب مناخها المعتدل طوال العام. جبل تيد ، على جزيرة تينيريفي القريبة ، هو واحد من أطول البراكين في العالم وأعلى جبل في إسبانيا. يعيش الناس في لا بالما في الغالب من الزراعة. ما سبب الانفجار؟ كان العلماء يراقبون عن كثب تراكم الصهارة الجوفية في لا بالما لمدة أسبوع قبل ثوران البركان ، واكتشفوا أكثر من 20000 زلزال – معظمها أصغر من أن نشعر به. يُعرف ذلك باسم 'سرب الزلزال' ويمكن أن يشير إلى اقتراب ثوران البركان. قبل ثلاثة أيام من اندلاع البركان ، أفاد معهد جزر الكناري للبراكين أن 11 مليون متر مكعب (388 مليون قدم مكعب) من الصخور المنصهرة قد تم دفعها إلى كومبر فيجا. بعد الزلزال الذي بلغت قوته 4.2 درجة ، تسبب شرخان في إطلاق صهارة حمراء زاهية في الهواء. تدفقت الحمم البركانية في الجداول أسفل المنحدر الجبلي. ما مدى سوء الضرر؟ تعني المراقبة العلمية الدقيقة أن السلطات كانت قادرة على إجلاء الناس بسرعة عندما ثار البركان ولم يتم الإبلاغ عن أي إصابات. لكن الأضرار التي لحقت بالممتلكات والبنية التحتية والأراضي الزراعية كانت كبيرة. دمر الانفجار حتى الآن حوالي 190 منزلاً وأجبر 6000 شخص على الإجلاء. وقد دفنت الصخور المنصهرة أيضًا بساتين الموز وكروم العنب ومحاصيل الأفوكادو والبابايا. فقد فقدت بعض شبكات الري ، وتلوثت المياه الجوفية ، وأغلقت الطرق. تتجه الآن أنهار الحمم البركانية نحو الساحل الأكثر اكتظاظًا بالسكان بالجزيرة والمحيط الأطلسي ، حيث يمكن أن تسبب مشاكل جديدة. ما هي المخاطر الآن؟ تقول السلطات إن السكان يواجهون مجموعة من المخاطر في الأيام والأسابيع المقبلة. عندما تصل الحمم البركانية إلى المحيط الأطلسي ، يمكن أن تسبب انفجارات وتنتج سحبًا من الغازات السامة. قام العلماء الذين يراقبون الحمم بقياسها بأكثر من 1000 درجة مئوية (أكثر من 1800 درجة فهرنهايت). في آخر ثوران بركان للجزيرة في عام 1971 ، توفي شخص بعد استنشاق الغاز المنبعث عندما اصطدمت الحمم بالمياه. استمرت الزلازل على الجزيرة ، مما أثار قلق السكان. افتتح شق جديد في وقت متأخر من يوم الاثنين بعد ما قال معهد جزر الكناري للبراكين إنه زلزال بقوة 3.8 درجة ، وبدأ في إطلاق المزيد من الحمم البركانية. يقول العلماء إن المزيد من فتحات الحمم البركانية الجديدة والشقوق قد تظهر ، مما يعرض مناطق جديدة للخطر. قال معهد علم البراكين إن البركان ينتج ما بين 8000 و 10500 طن من ثاني أكسيد الكبريت يوميًا. ثاني أكسيد الكبريت كريه الرائحة ويهيج الجلد والعينين والأنف والحنجرة. كما يمكن أن يسبب المطر الحمضي وتلوث الهواء. كما نتج عن الثوران رماد بركاني يمكن أن يسبب مشاكل في الجهاز التنفسي. وقالت السلطات في لا بالما للناس في المناطق الواسعة التي يتساقط فيها الرماد أن يبقوا في منازلهم مع إغلاق أبوابهم ونوافذهم. إلى متى سيستمر الانفجار؟ يقول العلماء إن تدفقات الحمم البركانية في لا بالما يمكن أن تستمر لأسابيع أو حتى شهور. استمر آخر ثوران للبركان في الجزيرة عام 1971 لما يزيد قليلاً عن ثلاثة أسابيع. حدث آخر ثوران بركاني في جميع جزر الكناري تحت الماء قبالة ساحل جزيرة إل هييرو في عام 2011. واستمر الانفجار لمدة خمسة أشهر.


جريدة الوطن
٠٧-٠٥-٢٠٢٥
- جريدة الوطن
القـيــادة السـيـئة تـزيـــد التلوث
ذكرت دراسة نشرتها مجلة «الغلاف الجوي» الصادرة عن الاتحاد الجيوفيزيائي الأميركي أن القيادة السيئة للسيارات وكثرة استخدام المكابح دليل ليس فقط على ضعف مهارات القيادة، وإنما تسبب أيضا تلوث الهواء. وتوضح الدراسة أن تآكل قرص الفرامل الناتج عن القيادة المتقطعة والضغط المتكرر على بدال المكبح يعتبر سببا رئيسيا لتواجد الجسيمات المعدنية الملوثة للهواء داخل المدن، والتي يمكن أن تضر صحة الإنسان، وفقا لباحثين من الأكاديمية الصينية للعلوم وجامعة الصين لعلوم الأرض في مدينة ووهان الصينية. يقول العلماء إن الخطر المحتمل الذي تشكله جسيمات معدن الأنتيمون (الإثمد) يؤكد ضرورة معرفة مصدر هذه الجسيمات «للتعامل معها بشكل فعال»، حيث قالوا إن بحثهم هو الأول الذي يستخدم «بصمات النظائر الفريدة» لهذا المعدن لتتبعه في تلوث الهواء بالمناطق الحضرية. يأتي ذلك في حين تزايد اهتمام العلماء برصد المصادر الأخرى لتلوث الهواء نتيجة استخدام السيارات بعيدا عن العوادم الغازية، ومنها الجسيمات الناتجة عن تآكل الإطارات وتآكل أقراص المكابح والتي يمكن أن تؤدي إلى أثار صحية ضارة، من السيارات الكهربائية، التي غالبا ما يتم تسويقها على أنها خالية من الانبعاثات والعوادم.