logo
الإعلام الرقمي.. وثقافة حقوق الإنسان

الإعلام الرقمي.. وثقافة حقوق الإنسان

صحيفة الخليجمنذ يوم واحد

فتحت التكنولوجيا الحديثة واتساع شبكة الإنترنت، فرصاً مذهلة أمام الإعلام، مع ولوج جزء كبير من سكان العالم إلى الإنترنت، حيث تشير إحصائيات حديثة (2025) إلى أن هناك 5.56 مليار مستخدم للإنترنت حول العالم، وذلك بنسبة 67.9% من سكان الأرض، بينما بلغ عدد مستعملي شبكات التواصل الاجتماعي، حوالي 5.24 مليار شخص، أي ما يناهز 63.9% من ساكنة دول العالم.
وقد شكّل ظهور الإعلام الرقمي ثورة حقيقية في مجال الصحافة، حيث أصبح يستأثر باهتمام كبير في الحياة اليومية للمجتمعات، بعدما ظهرت قنوات ومواقع متعددة، بالإضافة إلى شبكات التواصل الاجتماعي، التي انتشرت عبر العالم كالنار في الهشيم. وقدمت معلومات مكثفة حول عدد من المواضيع، وانتقادات للسياسات، كما تزايد تأثيرها في الرأي العام.
هناك ترابط وثيق بين الإعلام وحقوق الإنسان، مثلما هناك ترابط بين حقوق الإنسان بالديمقراطية والتنمية، ويمكن للإعلام الرقمي بإمكاناته المذهلة على مستوى التأثير وتشكيل الرأي العام بصور تتجاوز الحدود، أن يساهم بشكل ملحوظ في ترسيخ وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان، إلى جانب قنوات أخرى كالأسرة والمدرسة وهيئات المجتمع المدني.
يستأثر الإعلام الرقمي بكثير من الإمكانيات التي تعزز حضوره داخل المجتمعات، فأساليبه وتأثيراته المتطورة تجاوزت إمكانيات قنوات الإعلام التقليدي على مستوى التوثيق بالصورة والصوت والفيديو، ما جعله يفرض نمطاً إعلامياً جديداً مبنياً على قوالب وتطبيقات لا تخلو من جمالية، علاوة عن كونه يتيح التفاعل مع الجمهور، وتكسيره لحواجز الحدود الجغرافية والسياسية بين الدول والمجتمعات، ودوره في تشكيل توجّهات الرأي العام على المستويين الوطني والدولي، وترسيخ تواصل إعلامي يدعم التفاعل والنقاش المفتوحين إزاء عدد من القضايا والمواضيع. وهو ما يجعله مؤهلاً للمساهمة بشكل فعال في ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان والمرافعة بشأن قضاياها، خصوصاً وأن هذا الإعلام ينطوي على فرص جمّة تدعم أدواره في هذا الشأن، على عدة مستويات، نوجزها في إمكانية نشر المعلومات المتعلقة بحقوق الإنسان بسبل سهلة (عبر اليوتوب، البودكاست، الفيسبوك..)، وتبسيط المفاهيم والرسائل الحقوقية من خلال تطبيقات رقمية، وكذا التوثيق بالصوت والصورة للانتهاكات، بالإضافة إلى القيام بتحقيقات وتسليط الضوء على قضايا لا تستأثر باهتمام الإعلام التقليدي، ثم تمكين المستضعفين والمهمشين والمظلومين من منبر ناجع للمرافعة، وصدّ المعلومات الزائفة التي قد تؤثر سلباً في حقوق الإنسان.
وعموماً، يمكن للإعلام الرقمي أن يدعم حقوق الإنسان، على المستوى الأفقي، من خلال ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان والوعي بها (حرية التعبير، وحرية الصحافة، والعدالة، والمواطنة، والمساواة..) كما هو متعارف عليها عالمياً، والمساهمة في التنشئة الاجتماعية في هذا الصدد، بما يعزز الثقة بالنفس وتجاوز عقد الخوف في مواجهة التعسفات التي تمارسها بعض الدول، وفتح نقاشات بنّاءة بصدد مواضيع تنصبّ على تناول الحقوق والحريات، ثم الترويج لكتب ومقالات وتقارير وتشريعات وطنية واتفاقيات دولية ذات صلة بالموضوع، والتعريف بمنظمات وهيئات محلية ودولية تعنى بهذا الشأن.
وعلى المستوى العمودي، يمكن لهذا الصنف من الإعلام أن يساهم في فضح الانتهاكات التي تطال حقوق الإنسان عبر العالم، وتسليط الضوء على معاناة بعض الفئات المجتمعية، كذوي الاحتياجات الخاصة والمهاجرين والأقليات واللاجئين، والمرافعة بشأن عدد من القضايا والانتظارات التي تهم المواطن أمام صانعي القرار. بالإضافة إلى إطلاق حملات تضامنية مع فئات متضررة، وحثّ الدول لأجل المصادقة على مختلف الاتفاقيات الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان.
إن انخراط الإعلام في كسب هذه الرهانات يظل متوقفاً على مجموعة من الشروط والمرتكزات التي تضمن حرية واستقلالية وتعددية الإعلام، وحماية الإعلاميين، وهي شروط ذاتية، تتركز في الالتزام بالمسؤولية، واستحضار الضمير الصحفي، وتوخّي الموضوعية في تناول القضايا الحقوقية، وتلافي الانتقائية في تناولها تبعاً لمردوديتها المادية، وأخرى موضوعية تتمحور حول وجود مناخ من الديمقراطية والحرية، وكذا التفاعل الإيجابي لصانعي القرار مع ما يطرحه هذا الإعلام من قضايا مرتبطة بحقوق الإنسان، ووجود تشريعات وسياسات عمومية تدعم حرية الإعلام والولوج إلى المعلومات.
ورغم كل هذه الفرص، فهناك الكثير من التحديات التي تحيط بهذه المهام النبيلة للإعلام الرقمي، وهي تتلخص بدورها في إمكانية نشر الأخبار الزائفة والمضللة، وممارسة القذف والسبّ وإطلاق الخطابات العنصرية والعنيفة، وانتهاك الحياة الخاصة للأفراد، بل وارتكاب السرقات الأدبية، ونشر محتويات مسيئة للأفراد ولقيم المجتمع ولحرياتهم وحقوقهم، بالإضافة إلى مخاطر التسييس وازدواجية المقاربات، ناهيك عن الافتقار لمقومات العمل الصحفي الاحترافي، والجهل بالقانون، وتوظيف تقنيات الفوتوشوب والذكاء الاصطناعي من دون ضوابط أخلاقية أو قانونية، بالإضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بالتضييقات السياسية التي يمكن أن تتأرجح بين الاعتقال، وحجب المواقع، ووقف التمويل، ثم اختراق المواقع، وعدم مواكبة النصوص القانونية للتطور الرقمي المتسارع، وتشجيع التساهل مع المواقع التي تنشر الإشاعات والتفاهات.
لقد فتح الإعلام الرقمي نافذة مهمة لتعزيز وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان في عالم متشابك، غير أن بلورة رسالة إعلامية حقوقية نبيلة تدعم هذا الرهان، تظل مشروطة بتوظيفه بصورة مسؤولة تستحضر ضوابط العمل الصحفي الاحترافي بشكل عام من جهة، ومبادئ حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دولياً من جهة أخرى.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ماسك يعبر عن ندمه مما نشره من انتقادات وتهديدات للرئيس ترامب
ماسك يعبر عن ندمه مما نشره من انتقادات وتهديدات للرئيس ترامب

سكاي نيوز عربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • سكاي نيوز عربية

ماسك يعبر عن ندمه مما نشره من انتقادات وتهديدات للرئيس ترامب

أبوظبي - سكاي نيوز عربية ثمّن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اعتذار إيلون ماسك، وأشاد بما وصفه بـ"التصرف اللطيف". وكان ماسك قد اتصل بترامب قبل أن يعلن تراجعه عن منشوراته ضده، معبرا عن ندمه على ما نشره من انتقادات وتهديدات.

هل ينتهي "تنمر" التجارة العالمية؟ لاغارد تحذر من بكين
هل ينتهي "تنمر" التجارة العالمية؟ لاغارد تحذر من بكين

سكاي نيوز عربية

timeمنذ 6 ساعات

  • سكاي نيوز عربية

هل ينتهي "تنمر" التجارة العالمية؟ لاغارد تحذر من بكين

هذه التصريحات تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات التجارية الدولية تقلبات حادة، وتتزايد فيه الدعوات الحمائية ، مما يضع أسس الازدهار العالمي على المحك. فهل تحمل هذه التحذيرات في طياتها رؤية لمرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي؟ وهل تدرك القوى الكبرى أن السياسات القسرية ليست طريقاً مستداماً لحل التوترات التجارية التي تؤثر على الجميع؟ الدعوة لحلول تعاونية تجاوزت رئيسة البنك المركزي الأوروبي ، مجرد التحذير من تداعيات "السياسات القسرية" في التجارة العالمية، لتؤكد أن مثل هذا النهج لا يقدم أي ميزة مستدامة على المدى الطويل. وقد أبرزت لاغارد، التي تحمل خلفية واسعة في مجال التجارة الدولية بعد توليها منصب وزيرة التجارة الفرنسية في بدايات مسيرتها، أن السياسات التجارية القسرية ليست حلاً مستداماً للتوترات التجارية الراهنة، بحسب تقرير نشرته وكالة "بلومبرغ" واطلعت عليه سكاي نيوز عربية. هذه التصريحات، تزامنت مع التوصل إلى اتفاق مبدئي بين الولايات المتحدة والصين ، يهدف إلى تخفيف حدة التوترات التجارية التي تصاعدت بشكل غير مسبوق، مدفوعة بشكل أساسي بالتعريفات الجمركية المتقلبة التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وشددت لاغارد على أن الحمائية، حتى لو ادعت معالجة الاختلالات، فإنها لا تنجح في حل أسبابها الجذرية، بل تعمل على تقويض أسس الازدهار العالمي. وأشارت إلى أن هذا الخطر أصبح أكبر من أي وقت مضى، خاصة مع الاندماج العميق للدول عبر سلاسل التوريد العالمية، في ظل تراجع التوافق الجيوسياسي الذي كان يميز الحقبة الماضية. وحذرت صراحة من أن " السياسات التجارية القسرية من المرجح أن تثير أعمالاً انتقامية وتؤدي إلى نتائج مدمرة للطرفين. وأوضح التقرير أنه على الرغم من أنها لم تذكر اسم ترامب بشكل مباشر في خطابها، إلا أن لاغارد، التي قادت صندوق النقد الدولي خلال معظم فترة ولايته الأولى، لمحت إلى المخاطر المحتملة لعودته إلى البيت الأبيض، بما في ذلك فرض رسوم جمركية على أوروبا. وكانت قد صرحت مؤخراً بأن مثل هذه الرسوم الجمركية ستغير التجارة إلى الأبد. ودعت لاغارد إلى تبني حلول تعاونية للحفاظ على الازدهار، حتى في مواجهة التحديات الجيوسياسية، مؤكدة على مسؤولية كل من الدول ذات الفائض والعجز في المساهمة بفعالية. وفي سياق متصل، سلطت مفاوضات التجارة الأخيرة بين الولايات المتحدة والصين في لندن الضوء على الدور المتنامي لضوابط التصدير في حروب التجارة الحديثة. فالوصول إلى المعادن النادرة أو الرقائق الدقيقة يمكن أن يمنح اقتصاداً ميزة تنافسية كبيرة، بحسب تقرير الوكالة الأميركية. وأشارت لاغارد إلى أن الصين تسيطر على جزء كبير من الإمدادات العالمية للمواد الخام الحيوية في صناعات متقدمة مثل السيارات الكهربائية، الليزر، والهواتف المحمولة. وفي هذا الصدد، أكدت أن "درجة معينة من تقليل المخاطر ستبقى قائمة"، وذلك بسبب اعتبارات الأمن القومي والدروس المستفادة من جائحة كورونا، مشددة على أن "قليلاً من الدول مستعدة للبقاء معتمدة على الآخرين في الصناعات الاستراتيجية". في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال الخبير الاقتصادي علي حمودي: "السؤال الأهم هو متى ينتهي عصر (تنمر) التجارة العالمية والتوجه نحو نظام أكثر عدالة واستدامة؟، فقد شهدت التجارة العالمية على مدى العقود الماضية تحولات جذرية، لكنها لم تخلُ من ممارسات (تنمر) من قبل بعض القوى الكبرى خاصة الولايات المتحدة والصين، مما أثر سلباً على الدول النامية والاقتصادات الصغيرة". وتحدث حمودي عن مظاهر "التنمر" في التجارة العالمية وفقاً لمايلي: الحمائية المقنعة: تتجلى في فرض تعريفات جمركية غير معلنة، أو وضع معايير صارمة للمنتجات المستوردة يصعب على الدول النامية تلبيتها. شروط الإقراض المجحفة: تفرضها بعض الدول الكبرى أو المؤسسات المالية الدولية على الدول النامية، مما يزيد من ديونها ويقيد خياراتها الاقتصادية. الاستغلال غير العادل للموارد: حيث تستفيد الشركات الكبرى من ضعف القوانين البيئية والعمالية في الدول النامية لاستغلال الموارد الطبيعية والعمالة الرخيصة. الحروب التجارية: تشنها الدول الكبرى ضد بعضها البعض، مما يؤثر سلباً على سلاسل الإمداد العالمية ويضر بالاقتصادات الأصغر. الضغط السياسي: تستخدمه بعض الدول الكبرى للتأثير على قرارات الدول الأخرى في مجال التجارة والاستثمار. وأوضح أن "استمرار ممارسات التنمر في التجارة العالمية له آثار سلبية على النمو الاقتصادي العالمي حيث يعيق التنمية في الدول النامية ويقلل من فرص التجارة والاستثمار المتبادل، وكذلك على الاستقرار السياسي حيث يؤدي إلى تفاقم الفوارق الاجتماعية والاقتصادية وزيادة التوترات بين الدول، فضلاً عن تأثيره على البيئة حيث يشجع على استغلال الموارد الطبيعية بشكل غير مستدام". متى يمكن أن نتوقع نهاية هذا العصر؟ الخبير الاقتصادي حمودي يجيب على هذا التساؤل بقوله: "لا يمكن تحديد موعد دقيق لنهاية عصر (تنمر) التجارة العالمية، لكن هناك عدة عوامل يمكن أن تساهم في تسريع هذه العملية وهي: صعود قوى اقتصادية جديدة: يمكن لصعود قوى اقتصادية جديدة، مثل الهند أن يغير موازين القوى في التجارة العالمية ويقلل من هيمنة القوى الكبرى التقليدية. تزايد الوعي بأهمية التجارة العادلة: يتزايد الوعي لدى المستهلكين والشركات بأهمية التجارة العادلة والمستدامة، مما يشجع على تبني ممارسات تجارية أكثر مسؤولية. تعزيز التعاون الدولي: يمكن لتعزيز التعاون الدولي، من خلال منظمات مثل منظمة التجارة العالمية والأمم المتحدة، أن يساهم في وضع قواعد أكثر عدالة للتجارة العالمية وفرضها على جميع الأطراف. تطوير التكنولوجيا: يمكن لتطوير التكنولوجيا، مثل الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين، أن يساهم في زيادة الشفافية في سلاسل الإمداد وتسهيل تتبع المنتجات ومراقبة ظروف إنتاجها. وأشار إلى أن الشروط اللازمة لبناء نظام تجاري أكثر عدالة واستدامة تتجلى في: قواعد تجارية عادلة: يجب أن تكون القواعد التجارية عادلة وشفافة، وتراعي مصالح جميع الدول، وخاصةً النامية. آليات إنفاذ قوية: يجب أن تكون هناك آليات قوية لإنفاذ القواعد التجارية ومعاقبة المخالفين. دعم الدول النامية: يجب على الدول المتقدمة تقديم الدعم المالي والفني للدول النامية لمساعدتها على الاندماج في النظام التجاري العالمي بشكل فعال. التركيز على الاستدامة: يجب أن تكون التجارة العالمية مستدامة بيئياً واجتماعياً، وأن تراعي حقوق العمال وتحمي البيئة. تعزيز الشفافية: يجب زيادة الشفافية في سلاسل الإمداد وتسهيل تتبع المنتجات ومراقبة ظروف إنتاجها. واختتم حمودي بقوله: "إن نهاية عصر (تنمر) التجارة العالمية ليست حتمية، ولكنها ممكنة إذا عملت جميع الأطراف معاً لبناء نظام تجاري أكثر عدالة واستدامة. يتطلب ذلك تغييراً في العقليات والممارسات التجارية، وتعزيز التعاون الدولي، وتبني تقنيات جديدة تزيد من الشفافية وتسهل تتبع المنتجات ومراقبة ظروف إنتاجها. إن بناء هذا النظام الجديد ليس فقط ضرورياً لتحقيق النمو الاقتصادي العالمي المستدام، بل هو أيضاً ضروري لتحقيق السلام والاستقرار في العالم". بدوره، قال الخبير الاقتصادي حسين القمزي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاتي نيوز عربية": "تحذير لاغارد يُنذر بمفترق طرق في التجارة العالمية ويُعدّ تحذيرها من بكين أكثر من مجرد نقد دبلوماسي، بل هو إشارة اقتصادية في الوقت المناسب إلى أن النظام التجاري العالمي يقف عند منعطف خطير. تُبرز تصريحاتها، الصادرة من داخل الإطار الرمزي للبنك المركزي الصيني ، قلقاً متزايداً لدى محافظي البنوك المركزية والمؤسسات متعددة الجنسيات والمستثمرين العالميين على حد سواء: من أن التجارة تُستخدَم كسلاح بشكل متزايد، وأن هذه الاستراتيجية بدأت تؤثر في الاقتصاد العالمي ". وأوضح القمزي أنه منذ يناير 2025، تصاعدت عدة بؤر توتر وفقاً لمايلي: أعادت الولايات المتحدة إحياء تهديداتها بفرض رسوم جمركية على المركبات الكهربائية الصينية والمعادن الأساسية. يُنهي الاتحاد الأوروبي، تحت ضغط سياسي من دول أعضاء رئيسية، التحقيقات في الدعم الصيني ويُعدّ تدابير مضادة، لا سيما في قطاع التكنولوجيا الخضراء. قامت الصين، بدورها، بتقييد صادرات المدخلات الاستراتيجية، مثل الغاليوم والجرافيت، وهي مواد حيوية للصناعات الغربية. وتمثل هذه الإجراءات الانتقامية المتبادلة السياسات القسرية التي أشارت إليها لاغارد بالضبط، وقد بدأت البيانات تعكس حجم الضرر. وقد رُفعت توقعات منظمة التجارة العالمية لنمو حجم التجارة العالمية في عام 2025 إلى 1.7 بالمئة"، مشيرةً إلى "التشرذم المستمر والتشوهات الناجمة عن السياسات". كما يتعثر الإنفاق الرأسمالي في مشاريع التصنيع العابرة للحدود، حيث تعيد الشركات متعددة الجنسيات النظر في استراتيجيات سلسلة التوريد طويلة الأجل في ظل عدم القدرة على التنبؤ باللوائح التنظيمية، وفقاً للقمزي. وأضاف الخبير الاقتصادي القمزي: "من منظور اقتصاديات الأعمال، قد تُحقق التدابير التجارية القسرية مكاسب سياسية قصيرة الأجل، لكنها تُؤدي إلى انعدام كفاءة السوق على المدى الطويل. فهي تُقوّض الثقة، وتزيد من تكاليف المعاملات، وتُعطّل القدرة على التنبؤ اللازمة للاستثمار. يتكيف القطاع الخاص بالفعل: تنويع سلاسل التوريد بعيداً عن المناطق المتقلبة سياسياً (ما يسمى باستراتيجية "الصين +1")، والاستثمار في التكتلات التجارية الإقليمية مثل الاتفاقية الشاملة والتقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ (CPTPP) أو منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية". ويرى أن خطاب لاغارد يدعو العالم ليس فقط إلى رفض التنمر الاقتصادي، ولكن أيضاً إلى إعادة تصور هيكل التجارة العالمية. حيث تتوافق رؤيتها مع الإدراك الأوسع لما بعد الوباء بأن التجارة المفتوحة يجب أن تكون مرنة وقائمة على القواعد وشاملة. وأضاف: "ولتحقيق ذلك، يجب أن تتحول القيادة الاقتصادية العالمية من المواجهة إلى التنسيق. وإلا، فإن التكلفة الاقتصادية للإكراه - تباطؤ النمو، وسوء تخصيص رأس المال، وتعميق الانقسامات الجيوسياسية - ستفوق بكثير أي ميزة استراتيجية".

بن غفير وسموتريتش.. أول الغيث
بن غفير وسموتريتش.. أول الغيث

صحيفة الخليج

timeمنذ 7 ساعات

  • صحيفة الخليج

بن غفير وسموتريتش.. أول الغيث

بدأت الدول الغربية تدرك مخاطر التطرف الإسرائيلي، وآثار حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، وما يشكله ذلك من انتهاك صريح للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، وتهديد للأمن والسلام في المنطقة والعالم. فبعد قرار الدول الأوروبية الشهر الماضي مراجعة اتفاق الشراكة مع إسرائيل، على خلفية حظر دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، ومواصلة حربها ضد القطاع، أعلنت ثلاث دول أوروبية هي أيرلندا وإسبانيا والنرويج اعترافها ب«دولة فلسطينية مستقلة»، كما دعت أيرلندا والنرويج وسلوفينيا وإسبانيا إلى منح فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة والاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وجددت التزامها بحل الدولتين. ورغم أن هذه الخطوات «أخلاقية» أكثر مما هي قانونية إلزامية، إذ تؤكد مشروعية قيام دولة فلسطينية، وهو اعتراف بأن العناصر التي تقوم عليها الدولة الفلسطينية متوفرة، لكن الوصول إلى هذا الهدف يحتاج إلى موافقة مجلس الأمن، حيث من المنتظر أن تمارس الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) لعرقلة هذا القرار. مهما يكن، لقد بدأت الدول الغربية تعي مخاطر السياسة الإسرائيلية، وتتخذ خطوات تدريجية باتجاه تصحيح سياساتها التقليدية المؤيدة لإسرائيل، من خلال إجراءات سياسية واقتصادية عقابية ضدها، وكان آخرها قرار بريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا والنرويج فرض عقوبات على وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بسبب تصريحات «متطرفة وغير إنسانية» بشأن الوضع في غزة، و«دورهما في تأجيج العنف ضد الفلسطينيين»، وقالت الدول الخمس في بيان مشترك «نعّبر عن فزعنا جراء معاناة المدنيين الشديدة، ونؤكد التزامنا بحل الدولتين». من جهته قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد ليهي: «اتخذنا إجراءات لمحاسبة بن غفير وسموتريتش لتحريضهما على العنف المتطرف». ووصف تصريحات الوزيرين بأنها «وحشية ومقززة وتمثل تطرفاً خطيراً». وتشمل العقوبات على الوزيرين تجميد أصولهما المالية داخل الدول الخمس، إضافة إلى حظر دخولهما أراضيها. بن غفير، المصّر على تطرفه بانتهاك المقدسات الإسلامية، قام أمس بخطوة استفزازية جديدة، من خلال قيادة عملية اقتحام للمسجد الأقصى بحماية مشددة من قوات الاحتلال. وقال بن غفير رداً على فرض العقوبات عليه: «العقوبات لن تخيفني، وسأواصل العمل على منع دخول المساعدات إلى غزة»، أما سموتريتش فقال: «الرد على القرار سيكون عملياً»، وأكد خلال افتتاح مستوطنة جديدة في الضفة الغربية المحتلة «العقوبات وسام شرف لإحباط قيام دولة فلسطينية». وقال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، إن الحكومة ستعقد اجتماعاً خاصاً مطلع الأسبوع المقبل «لتحديد ردنا على القرار غير المقبول»، في حين استنكرت الولايات المتحدة العقوبات، واعتبرها وزير الخارجية ماركو روبيو بأنها «غير مقبولة»، ودعا إلى إلغائها ! يذكر أن سموتريتش له تاريخ حافل بالتطرف والتحريض، وكان قد أدين عام 2007 بتهمة العنصرية، كما كان يحتفظ في منزله بصورة باروخ غولشتاين الذي قتل 29 مصلياً فلسطينياً في الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل 1994. وسبق له أن أعلن الشهر الماضي بأن «غزة ستدمر بالكامل»، ودعا إلى «ضرورة ترحيل الفلسطينيين بأعداد كبيرة إلى دولة ثالثة»، وأنه «لن يسمح بدخول حبة قمح واحدة إلى القطاع». فيما دعا بن غفير أكثر من مرة إلى«تشجيع الهجرة لسكان غزة، وإدخال المساعدات يعتبر خطأً جسيماً». لعل التحرك الغربي في مواجهة حرب الإبادة يكون أول الغيث من أجل التخلي عن ازدواجية المعايير، وتصويب البوصلة باتجاه تصحيح خطأ تاريخي لمصلحة الحق والعدالة والقانون الدولي الإنساني.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store