
وقفتان رفضاً للإبادة ودعماً للأسرى بسجون الاحتلال
الضفة الغربية
، تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، وتأكيدًا على دعمهم للأسرى الفلسطينيين في
سجون الاحتلال
، وفي مقدمتهم القيادي البارز مروان البرغوثي المعتقل منذ عام 2002 والمحكوم بخمس مؤبدات، حيث رفع المشاركون لافتات وصورًا للبرغوثي ورددوا هتافات ضد ما وصفوه بـ"الصمت العربي والإسلامي والدولي" إزاء حرب الإبادة في غزة، مطالبين بإنهاء سياسة التجويع بحق الأسرى، وفق ما أفادت وكالة "الأناضول".
ففي رام الله، التي تشهد فعاليات يومية منذ 30 يومًا، رفع المشاركون شعارات تندد بما وصفوه بـ"الصمت العربي والإسلامي والدولي" تجاه حرب الإبادة في غزة، مرددين هتافات تطالب بإنهاء سياسة التجويع بحق الأسرى. ومن بين الشعارات التي رُفعت: "وين العرب والعروبة.. هدموا غزة طوبة طوبة"، و"القانون الدولي شريك في الإبادة والتجويع". كما صدحت الهتافات بالتضامن مع مروان البرغوثي، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، المعتقل منذ عام 2002 والمحكوم بالسجن المؤبد خمس مرات.
وفي مدينة طوباس، نُظمت وقفة دعت إليها مؤسسات الأسرى وحركة "فتح"، دعمًا وإسنادًا للأسرى وعلى رأسهم الأسير القائد مروان البرغوثي، حيث رفع المشاركون صوره. وتأتي هذه الوقفات بعد أيام من اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قسم العزل الفردي في سجن "ريمون"، حيث يُحتجز البرغوثي، وتهديده له في مشهد اعتبره فلسطينيون "استفزازيًا"، خاصة وأن الأسير بدا بجسد هزيل ومعاناة صحية ظاهرة، وفق ما أظهر مقطع مصور بثته قناة عبرية خاصة.
أخبار
التحديثات الحية
سموتريتش يقر بناء 3401 وحدة استيطانية لفصل رام الله عن بيت لحم
ومنذ تولي بن غفير مهامه وزيرًا للأمن القومي نهاية عام 2022، شهدت أوضاع الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل تدهورًا ملحوظًا، حيث لوحظ انخفاض كبير في أوزانهم نتيجة السياسات التي فرضها داخل السجون. ووفق معطيات سابقة نشرها نادي الأسير، بلغ عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل 10 آلاف و800 حتى مطلع أغسطس/ آب الجاري، بينهم 49 أسيرة و450 طفلًا، و2378 معتقلًا يُصنَّفون "مقاتلين غير شرعيين". وأوضح النادي أن هذا العدد لا يشمل المعتقلين في معسكرات تابعة للجيش الإسرائيلي، ومن بينهم أسرى من لبنان وسورية.
ميدانياً، شهدت قرية تياسير شرق طوباس حالة من التوتر عقب اقتحام قوات الاحتلال مساء الأحد، حيث انتشرت القوات الراجلة في وسط القرية بعد دخول عدة آليات عسكرية، دون أن تسجل مداهمات للمنازل أو اعتقالات، وفق ما أفادت به مصادر محلية. واعتبر الأهالي أن هذه التحركات تندرج في إطار سياسة التضييق المستمرة على القرى والبلدات في الضفة الغربية.
وفي جنين، اعتقلت قوات الاحتلال الشاب عبد علي زكارنة من بلدة قباطية بعد مداهمة منزله وتفتيشه، فيما تمركزت الآليات العسكرية بالقرب من دوار البلدية. كما واصلت قوات الاحتلال تحركاتها الاستفزازية في شوارع المدينة ومحيط مخيمها، في سياق الحملة العسكرية التي تشنها منذ 21 يناير/ كانون الثاني الماضي، والتي أسفرت عن سقوط شهداء وجرحى وتخريب واسع في البنية التحتية.
وبموازاة حرب الإبادة في غزة، قتل جيش الاحتلال والمستوطنون في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ما لا يقل عن 1015 فلسطينيًا على الأقل، وأصابوا نحو 7 آلاف، إضافة إلى اعتقال أكثر من 18 ألفًا و500، وفق معطيات فلسطينية. وترتكب إسرائيل، بدعم أميركي، إبادة جماعية في غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها. وقد خلّفت هذه الإبادة 61 ألفًا و944 شهيداً و155 ألفًا و886 مصابًا من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، فضلًا عن أكثر من 9 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح 251 شخصًا، بينهم 108 أطفال.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ ساعة واحدة
- العربي الجديد
"نزع سلاح غزّة" المشروع الفلسطيني في الضفة الغربية
لا يحاول أحد تجميل مواقفه اليوم، أو حتى تقديمها في قوالب أقل حدّة. خلاصة ما يريده الرئيس محمود عبّاس وحلفاؤه: الإقرار من كلّ فصيل وفرد فلسطيني أنه قد أخطأ برفض نهج الاستسلام التاريخي، وبإصراره على حمل السلاح ضدّ إسرائيل ودعم المقاومة. يريد عبّاس و"العقلانيون" من كلّ فلسطيني لم يوافقهم على المسار التفاوضي، وعلى سياسات التنسيق الأمني مع إسرائيل، الإقرار بأن كلّ مراحل الكفاح المسلّح ضدّ إسرائيل كانت خطأً كبيراً، وبأن من قال "لا" لإسرائيل ولمقاربات عبّاس للصراع معها هو المسؤول اليوم عن إبادة الفلسطينيين في غزّة، وبأن نهج التنسيق الأمني مع إسرائيل والاستسلام بالتقسيط كان الطريق الوحيد الآمن للفلسطينيين. وسلطة رام الله هنا ليست طرفاً ناشزاً لا يمثّل إلا نفسه عندما تطلب ذلك، بل هي تمثّل قسماً واسعاً من الفلسطينيين في الضفة الغربية، ومن يرتبط بها في الشتات والداخل، سواء ارتباطاً عضوياً بعد التحوّلات الهائلة التي أنتجتها إعادة هندسة مجتمع الضفة الغربية في الثلاثين سنة الماضية، أو امتداداتها بعد التهامها منظّمة التحرير واتساع شبكة المتحالفين مع نهج الاستسلام التاريخي في مواقعهم المختلفة. يتطوّع هؤلاء مجتمعين، بموجب هذا الطرح الجديد، بوضع سلاح المقاومة، وما يختزنه من مضامين رمزية وفعلية، في مقدّمة أولويات البحث المشترك مع الأطراف الدولية، وبربط الاعتراف بحقّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، والاعتراف بدولة فلسطين بشرط نزع السلاح. سلاح المقاومة هو الذي فضح سذاجة طروحات من ربط وجوده بإرادة إسرائيلية أو بأنظمة عميلة لم يولد هذا الفعل السياسي من فراغ، بل نتج ردّة فعل على النجاح الذي حققّه النموذج الغزّي ورهاناته بإيلام إسرائيل وزعزعة أمنها الوجودي بسلاح وقدرات محلّية الصنع. وهو ما وضع هذه الشرائح في المجتمع الفلسطيني في "7 أكتوبر" (2023) أمام استحقاق واضح: إما التواطؤ مع الإرادة الإسرائيلية والتعلّق بفرص الخلاص الفردي لهذه الفئات وتعظيم مكاسبها أو الانحياز إلى القيم الأصيلة للمشروع الوطني الفلسطيني التي لم تمثّل عملية طوفان الأقصى إلا استمراراً لها. سلاح المقاومة بمعناه الرمزي والفعلي هو الذي فضح سذاجة طروحات من ربط وجوده بإرادة إسرائيلية أو بأنظمة عميلة، ظنّاً منه أن هذا سينجيه من مصير العبودية والإذلال اليومي من إسرائيل. وفضح نخباً عربيةً واسعةً ارتدّت إلى مواقعها الطبقية بعد هزيمة "الربيع العربي"، واندمجت في مشاريع ورؤية الأنظمة السلطوية والمعادية لمصالح شعوبها، وتماهت بشكل كامل مع النظام العالمي المفرط في إمبرياليته منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وما روّجه من خطاباتٍ وسياساتٍ معاديةٍ للاشتراكية، لتجد اليوم أن نتيجة كلّ خياراتها في الثلاثين سنة الماضية هو الإذلال اليومي الذي تعيشه اليوم. عندما أطلق محمّد الضيف خطابه في بداية "الطوفان"، وطالب كلّ الساحات بالتحرّك، كان يُعبّر عن عمل ورؤية من منظور غزّي، نابع من أفق السجين الحرّ في سجنه، فهذا نداء خرج من غزّة التي هي أكبر مدينة فلسطينية وتجمّع للاجئين الفلسطينيين، احتوت على التركيبة الاجتماعية الأنسب لقيادة مشروع التحرير، والظروف الموضوعية اللازمة لتكوين عقدٍ اجتماعيٍّ بين الأطراف الفاعلة في هذا الحيّز الجغرافي وكتلته الديمغرافية، سمحت له بأن يحظى بدعم شرائح عدّة تشكّلت وربطت ارتقاءها الاجتماعي بمقاومة الاحتلال وبنمط اقتصادي تحت الحصار، بقي ناظمه الرئيس على عيوبه منسجماً مع تصوّرات القوى السياسية التي ترى الصراع مع إسرائيل وهزيمة مشروعها المدخل الوحيد لمستقبل أفضل لكلّ من يعيش في هذه المنطقة. هذه التركيبة المختلفة عن الضفة الغربية والمدن الفلسطينية الصغرى الموزّعة فيها، التي لم تخلخل النكبة بُناها الاجتماعية التقليدية، ما جعلها تحتفظ ببُنى متواصلة أكثر محافظةً، ربط جزء منها نفسه عضوياً بإسرائيل. وانخرطت في خيارات جعلتها تهادن أحياناً، وتتحالف، في أحيان أخرى، مع مشاريع الهندسة الاجتماعية والاقتصادية التي صعّبت على الفصائل الفلسطينية من كسب أرضية اجتماعية واسعة، منفصلة عن البنى التقليدية لترسيخ مشروعها فيها. "الطوفان" كان قفزةً كبيرةً نحو مواجهة بدأت بالتدحرج، ووصلت بعد التخاذل والخيانة إلى تحقيق الحلم الصهيوني يمكننا الآن، بأثر رجعي، أن ندّعي أن هذا السجين لم يكن يمتلك فهماً حقيقياً لمدى فردانية التركيبة الاجتماعية التي امتلكها في غزّة، التي سمحت له بأن يفكّر ويقدم على خطوة مثل "طوفان الأقصى". وبأنها تختلف بسبب سياق تطوّرها عن التركيبة الاجتماعيّة للجماهير وممثليها في الأطر السياسية والمنظمات والهيئات في الضفة الغربية، بعد ثلاثين عاماً تحت حكم السلطة الفلسطينية المتحالفة مع النُّخب المرتبطة عضوياً بإسرائيل. هذه الجماهير لا يكفيها نداء وخطاب لكي تنخرط في معركة مع إسرائيل، وبأن الانتماء الأيديولوجي أو الوازع الديني والوطني لا يكفي بحدّ ذاته لدفع الجماهير إلى خيارات متناقضة مع مصالحها الطبقية المباشرة، ويجعلها تقبل الدخول في حربٍ مفتوحةٍ مع إسرائيل. اعتقدت هذه القيادة في غزّة أن "طوفان الأقصى" ليس إلا المرحلة الموضوعية التالية لـ"انتفاضة 2021"، غير آخذة بالاعتبار أن النُّخب والجماهير في الضفة والداخل، التي ثارت في انتفاضة الشيخ جرّاح من أجل هدفٍ سياسي محدّد، وفي إطار زمني، وأفق مرئي، مثل وقف الاستيطان في القدس أو الاقتحامات للمسجد الأقصى، هي غير قادرة حتى على تخيّل أو استيعاب أن يطلب منها أن تدخل في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، مثل ما طلبه بيان محمد الضيف من الفلسطينيين. فمنذ تلك اللحظة، وحتى بدء حرب الإبادة، وحديث الجميع في الضفة والداخل، يتمحور عن الهلع من "الكلفة الباهظة" التي ستدفعها غزّة بعد "طوفان الأقصى"، من دون أيّ نية للانخراط في جهد فعلي لتقليل هذه الكلفة، ورغم علم الجميع بأن تكلفة المقاومة والانخراط أقلّ من كلفة الهزيمة الشاملة المقبلة، ومشروع التهجير الذي ينتظر على الأبواب. هل هذه النُّخب ومن يرتبط بها اقتصادياً واجتماعياً عميان ولا يستطيعون رؤية خطوات المشروع الصهيوني المقبل؟... لا، التواطؤ منذ البداية على التسامح وقبول هذا النموذج الاقتصادي والاجتماعي القائم في الضفة المليء بالتناقضات، والمعتمد بشكل رئيس على الشراكة مع المستوطنين هو ما أوصل إلى هذا الواقع اليوم، الذي يعكس قبولاً مسبقاً من المشاركين فيه منذ البداية، بحقيقة أن وجودهم مؤقت، وأن المستقبل للمستوطنين. والهلع الذي أصابهم، خوفٌ من أن تتعثّر عملية ترتيب جهوزية هؤلاء لنقل أموالهم خارج فلسطين وقبول مشاريع التهجير. فما هو المعنى الحقيقي لشراكة مع مستوطن، هدفه بحكم الاسم والتعريف طردك من أرضك والاستيطان فيها؟ إلا إذا كنت تتأمّل إعادة إنتاج "روابط القرى" كي تمنح نفسك بعض الوقت لتجميع أرباح آنية وتحويلها إلى الخارج؟ عامان ونحن نرى أمامنا هذه المكوّنات العابرة للطبقات والتقسيمات المناطقية في الضفة وهي ترتّب أوضاعها القانونية في دول أخرى، والحصول على جنسياتٍ أجنبية، استعداداً للهروب الكبير. أصحاب معامل، وشركات، ورؤوس أموال، إلى جانب قيادات سلطة "أوسلو" ومنظّمات المجتمع المدني، وكلّ من يستطيع أن يؤمّن وجوده المادي خارج الضفة الغربية يقوم بذلك بالتوازي مع الصراخ لنزع السلاح، والوقوف صفّاً واحداً إمّا بالدعم المباشر لتحرّكات أجهزة التنسيق الأمني ضدّ جيوب العمل الحزبي المقاوم في نابلس وجنين وطولكرم، أو بالتواطؤ الكامل بالصمت عن اعتقال آلاف الحزبيين في الضفة الغربية كلّ يوم. تمترس الكلّ اليوم حول عنوان نزع السلاح يعني ضمنياً الاعتراف لإسرائيل بأننا لا نستحق أن نكون أحراراً تمترس هذا الكلّ اليوم حول عنوان "نزع السلاح" يعني ضمنياً الاعتراف لإسرائيل بأننا لا نستحقّ أن نكون أحراراً. هو طلبٌ يعرف كلّ من يتشبّث به أن هدفه أن تحصل إسرائيل على ما لم تحصل عليه بكلّ وحشية جيشها، وهو اعتراف بقتل الروح الفلسطينية التوّاقة إلى الحرية، والقبول بأن الخيار الحتمي الوحيد أمام الفلسطينيين الموت أو التهجير. كان "الطوفان" قفزةً كبيرةً نحو مواجهة بدأت بالتدحرج، ووصلت بعد التخاذل والخيانة إلى تحقيق الحلم الصهيوني الذي تملّك كلّ رؤساء وزراء إسرائيل "أن تُمسَح غزّة" أو "يبتلعها البحر". وما عملية ترسيخ مطلب نزع السلاح، سواء بمعناه الرمزي أو الفعلي، وتحويله المشروع الرئيس للفلسطينيين، إلا استمرارٌ لهذه النُّخب في أداء دورها الحقيقي في نهج الاستسلام التاريخي الذي بدأت به، وتصفية ما تبقّى من الوجود الفلسطيني، الذي مثّل بمشروعه الوطني والعربي والأممي حلماً حقيقياً وأملاً لشعوبنا بالانتصار على وحشية الإمبريالية وسطوتها وأدواتها، وهؤلاء اتخذوا قرارهم، منذ فترة طويلة، أنهم ليسوا على جانبنا من الصراع، بل هم بكلّ تأكيد يسعون أن يكونوا في الجانب الآخر منه.


العربي الجديد
منذ ساعة واحدة
- العربي الجديد
كمال داود: "لماذا يجب أن نخون... أحياناً"
ما زال كمال داود يثير الجدل في الجزائر بما ينشره، سواء تعلّق الأمر بالشأن الجزائري أو معلّقاً على أزمات العالم العربي، خصوصاً الحرب في غزّة. نشر أخيراً كتاباً يحمل العنوان أعلاه، والغريب في الأمر إشكاليتان تستدعيان قراءة محفّزات نشر مثل هذا العنوان من كاتب هو أصلاً في الجزائر غارق إلى أذنيه في تهم بالخيانة. أولاهما أنّ ناشر كتابه، دار Gallimard، هي نفسها التي نشرت كتابه الأوّل "الحوريات" المثير للجدل، والمتابَع بسببه أمام المحاكم في فرنسا والجزائر. والإشكالية الثانية إثارته كلمة "الخيانة"، وهي في السّياق الجزائري الفرنسي تحمل دلالاتٍ غاية في العمق في الذاكرة الجزائرية، بسبب آلاف "الحركى" الخونة، الّذين خدموا في الجيش الفرنسي في أثناء الحرب التّحريرية الجزائرية (1954 - 1962)، وهي دلالة تعمّق من حالة زادها عمقاً ذلك العنوان. لا يدّعي صاحب هذه المقالة أنه قرأ الكتاب، لعدم توافر إمكانية للحصول عليه، لا ورقياً ولا إلكترونياً، وإنما تعرف على مضامينه من بعضهم في وسائل التّواصل الاجتماعي، وبسبب بعض التّعليقات. يكتب كمال داود من موقع الخادم لسيّده (الفرنسي) لينال إعجابه بدايةً، يجب التّركيز في مفردة "الخيانة" وأبعادها الدلالية اللغوية أوّلاً، ثمّ نفسياً، وفي سياق تاريخي في بلد تقريباً دفع كلّ بيت وكلّ عائلة فيه ثمناً غالياً لاستعادة استقلال البلاد، إذ ينشر كمال داود، الذي عاش في الجزائر، ويعرف تلك الدلالة وذلك السياق، وعلى خلفية ملفّ الذاكرة الشائك في العلاقات المتوتّرة بين الجزائر وفرنسا، ينشر بالرغم من ذلك كلّه كتاباً يضع في غلافه تلك الكلمة، ويرفقها باستفهام يُستفاد منه في حالته "وجوب الخيانة"، تماماً مثل فعل آلاف "الحركى" في أثناء الثورة التحريرية، وبعدها (وما يزالون)، لتبرير توجّههم نحو التعاون مع فرنسا ضدّ بلادهم، وضدّ مسار الثورة التحريرية. ما دفع كمال داود إلى وضع "الخيانة" في عنوان كتابه أسباب منها التّغطية على كلّ الفضائح التي ترافقت مع نشر روايته "الحوريات"، ثمّ الربط بين تلك الرواية وكتاباته العجيبة التّي رفضها حتى الفرنسيون أنفسهم، على غرار مقالته عن أحداث كولون الألمانية، التّي اعتُدي فيها في أعياد ميلاد 2016 على سيّدات ألمانيات، كان داود السبّاق إلى اتّهام شباب مغاربيين بتلك الاعتداءات، بالرّغم من غياب أيّ أدلّة، وبعنوان مثير للجدل أشار فيه إلى تهمة زائفة تتمثّل في الكبت الجنسي لدى شباب بلاده، إلى درجة أنّ الشرطة الألمانية بعد التحقيق برّأت المغاربيين، ودفعت مفكّرين فرنسيين إلى الردّ عليه عبر بيان نشرته صحيفة لوموند. وعلى المستوى النفسي، هناك أكثر من مستوى يمكن الكتابة فيه بشأن كمال داود، الذي يتصرّف من منطلق الخادم ذاته لسيّده لينال الإعجاب، ودليل هذا أنّه ينظر في سياق ما يعجب الفرنسيين، فيكتُب فيه مقالاته الأسبوعية في "لوبوان" مرّة عن الفلسطينيين الذين يصفهم إرهابيين، وبأنّ العنف متأصّل في العرب، سواء تعرّضوا للظُّلم أم لا فهم (وفق كلامه) يتصرّفون بصلافة وهدفهم التّرويع، ومرّات أخرى (وهذا أمر طبيعي فيه) لا يتوقّف عن توجيه العبارات المهينة إلى الجزائريين بوصفهم متطرّفين، رجعيين، سلوكاتهم تتضمّن التوجّه العنفي خصوصاً ضدّ المرأة، التي يقول إن الجزائريين يحطُّون من قدرها ويكرهونها، إضافة إلى إهدار حقوق الطفل، بل يكتب، في مقالات كثيرة، إن الجزائريين يحملون في جيناتهم الرجعية العنف وإرادة التأخّر، وأن الحضارة لا تليق بهم. أما السياق التاريخي، فهو بارعٌ في محاولة اللّعب على وتر الذّاكرة التي يقول عنها مثل الفرنسيين اليمينيين إنها ريع يتلاعب به السياسيون الجزائريون لابتزاز فرنسا، كما حاول استغلال المأساة الوطنية (العشرية السوداء التي عاشت الجزائر في أثنائها، في تسعينيّات القرن الماضي، أزمةً أمنيةً أودت بحياة عشرات آلاف من الجزائريين)، بالكتابة عن قصّة فتاة كانت ضحيّةً في تلك الفترة، وملفّها النفسي عند طبيبة نفسية يعرفها كمال داود (زوجته الثانية). وبالرغم من رفض الفتاة طلب تحويل مأساتها روايةً، استغلّ سرّية الملفّ، ونقل يوميات المأساة مع تعديلات لم تخفَ على صاحبتها التي رفعت قضيةً أمام المحاكم في فرنسا وفي الجزائر ضدّ الكاتب، وقد يؤدّي ذلك إلى استعادة الجائزة الأدبية منه. بالإشارة إلى السياق التاريخي لكلمة "الخيانة"، أثار داود كثيراً من الانتقادات بسبب عنوان كتابه أخيراً، الذي هو إعادة نشر لمجموعة مقالات كان قد نشرها، وبعضها لا يشير إلى الحرب التحريرية، ولكن بسبب محاولته نيل إعجاب الفرنسيين، وربما الفوز بجوائز أخرى، وعلى خلفية إشكالية الذاكرة بين فرنسا والجزائر، أورد "الخيانة"، وهي تحمل مضامين مغروسة في وجدان الجزائريين، إضافة إلى أنها تليق بملفّه وملفّ الكاتب بوعلام صنصال، وكلاهما للعلم لم يصبحا مواطنَين فرنسيَّين إلا منذ أكثر من عام وقرابة العام، على التوالي. الإشكالية الأخرى حقيقةً، أنّ لدى فرنسا قرابة الألفين من رعاياها مسجونون عبر العالم بتهم مختلفة، ولكن الوحيد الذي تركّز فيه هو صنصال، وما لا يفهمه كمال داود سياق الانخراط في كتابات وتصريحات ومواقف ضدّ الجزائر، وفيما يتوافق مع الموقف الرسمي للدولة الفرنسية في فترة توتّر، بل العجيب تزامن نشر كتابه وفيه كلمة "الخيانة"، إضافة إلى انخراطه في نداءاتٍ لعفو رئاسي جزائري عن صنصال في ذكرى استقلال الجزائر، وكأنّ ذلك الاستقلال جاء من دون تضحيات، وأنّ الاستقلال مجرّد رفض الجزائريين البقاء تحت الاستيطان الفرنسي، في حين أنّ ثقل الذاكرة مفصلي وحيوي للجزائريين، خصوصاً عندما تحين ذكرى انطلاق الثورة التحريرية (الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني من كلّ عام) أو ذكرى الاستقلال (في 5 يوليو/ تموز من كلّ عام)، وهما احتفالان يبكي فيهما الجزائريون قوافل من الشهداء يبلغ عددهم، وفق الشهادات والوثائق التّاريخية (1830 – 1962)، زهاء 10 إلى 12 مليون جزائري، كما سبق الإشارة إليها في أكثر من مقالة في "العربي الجديد". يعرف داود وصنصال أنّ التّعامل مع عدوّ الأمس، والعمالة له اليوم، لن تكون نتائجهما إلا وخيمةً في مقدّمة المقالة، تمّت الإشارة إلى محفّز خفي يكون الوقت قد حان للكتابة عنه، أن فرنسا تضغط حتماً ليكون صنصال، على غرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، صاحب جائزة نوبل للأداب، وداود يُكثر من الضغط بكتاباته، ليس دفاعاً عن هذا التوجّه الفرنسي، بل هو أيضاً يتحفّز لنيل ترشيحٍ يترافق (وفق زعمه) مع كلّ التحامل الجزائري عليه وعلى صاحبه لتتشابه الجائزة، إن جرى ترشيحهما فعلاً، ونالها أحدهما، تلك الجائزة التي نالها ألبير كامو المولود في الجزائر، ولكنّه الخائن للجزائر بسبب موقفه من التعذيب والجرائم الاستعمارية التي كانت فرنسا تقترفها، وكان زميلاه هنري علاق وجان بول سارتر ممّن ندّدوا بها وعادوها بسببها كامو، اليساري والإنساني زعماً. نحن، بشأن كمال داود مع حالة تستدعي دراسةً، ليست أدبيةً فقط بالرغم من أهميتها، لأنّه صاحب قلم له مستوى، وهذا لا نشكّك فيه، بل تستدعي تحليلاً نفسياً، ذلك أنّ حالته في المواقف ضدّ بلاده لا يمكن إيجاد تفسير لها إلا في وجدان المريض نفسياً، أو فيمن يحبّ أن يعيش دور الذليل للفرنسي ولو على حساب قومه، ومنهم عائلته، بل منهم أمّه وأبوه، لأنهما جزائريان. في هذا الشأن، كانت وكالة الأنباء الجزائرية مصيبةً في تناولها حالة صنصال في أحد تعليقاتها، وهي لائقة بداود أيضاً، إذ ذكرت إن صنصال ولد جزائرياً وعاش إلى أن بلغ قرابة 75 عاماً جزائرياً، فكيف لفرنسا أن تقيم الدنيا ولا تقعدها من أجل شخصٍ لم تجنّسه إلا منذ قرابة العام فقط؟ هناك، في حالتي داود وصنصال، أكثر من شريط وثائقي (عرضتها قنوات فرنسية) عن مآسي الخونة أو "الحركى"، الذين رحّلتهم فرنسا قبل يوليو/ تموز 1962 إلى المدن الفرنسية، والذين لتشكرهم على خدماتهم النبيلة لأمّهم فرنسا وضعتهم في مخيّمات، وفي أراضٍ جرداء محاطين بسياجٍ أعواماً، ومعهم أبناؤهم الذين لا ذنب لهم. أما بعضهم فيتذكّرون معاملة فرنسا لهم، ولعلّ داود وصنصال يعيان دروس تلك المعاملة، ويعرفان (وأمثالهما) أنّ التّعامل مع عدوّ الأمس، والعمالة له اليوم ضدّ الوطن، لن تكون نتائجهما إلا وخيمةً، على الأقلّ على مستوى القيم والنفس وفي ما يخص الأهل والأقارب.


العربي الجديد
منذ ساعة واحدة
- العربي الجديد
الموقف الألماني يتقدّم... ويُعطّل قوة الاتحاد الأوروبي الأخلاقية
يمكن النظر إلى إعلان المستشار الألماني فريدريش ميرتس، وقف بلاده (حتى إشعار آخر) تصدير المعدّات العسكرية (التي يمكن استخدامها في قطاع غزّة) إلى إسرائيل، تحوّلاً إيجابياً لافتاً في موقف الدولة الأكثر نفوذاً وتأثيراً في الاتحاد الأوروبي. بِنظر بعضهم، ليس القرار عادياً، وسيكون له ما بعده، لأنه يصدر عن ألمانيا، ولأنها تُعدُّ ثاني مُصدِّر للأسلحة إلى إسرائيل بعد الولايات المتحدة. وعلى مدار أكثر من 22 شهراً، أصرّت ألمانيا على الوقوف إلى جانب حكومة اليمين الإسرائيلي، ودعمتها بالسلاح والدبلوماسية، رغم الفظائع في غزّة وفرض الوقائع بالضفة، وكانت صوتاً نشازاً أمام الإجماع الأوروبي في نظرته إلى ما يجري في عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة. حتى إن الخطوة الرمزية من بريطانيا وفرنسا، وغيرهما من الدول الأوروبية، بشأن النيّة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ترى فيها ألمانيا "خطوةً أحاديةَ الجانب". سبّبت المعايير المزدوجة لدى أغلبية الدول الغربية في استمرار الإبادة الجماعية، إلا أن المواقف تثبت اليوم أن الدول ذات الماضي الاستعماري في منطقتنا تتفوّق أخلاقياً على ألمانيا، التي امتنعت عن التوقيع على بيان 25 دولة غربية، في مقدّمتها بريطانيا، لمطالبة إسرائيل بالرفع الفوري للقيود التي تفرضها على تدفّق المساعدات إلى قطاع غزّة، والتشديد على رفض أيّ إجراء لإحداث تغيير ديمغرافي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كان الصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي على حقّ، عندما كتب في صحيفة هآرتس أن "الاعتراف بفلسطين جاء بديلاً من الخطوة الحقيقية التي لا بدّ من اتخاذها الآن، وهي فرض عقوبات لوقف الإبادة". الاعتراف بالدولة الفلسطينية وحده خطوة مبتورة، بل خطيرة على الفلسطينيين، لأن اليمين الإسرائيلي يتّخذها ذريعة لمضاعفة وحشيته جاءت المأساة في غزّة كاشفةً فاضحةً لمدى التواطؤ المروّع في السياسة الدولية لدرجة أن المرء لم يعد في حاجة إلى معرفة ما يدور في الغرف المغلقة، ولا إلى فهم معمّق لدهاليز السياسة، ليكتشف خلفيات التصريحات والقرارات. وعليه، تبدو خطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية (على أهميتها الرمزية) محاولةً من الدول الأوروبية لامتصاص غضب جماهيرها في المقام الأول. الاعتراف وحده خطوة مبتورة، بل خطيرة على الفلسطينيين، لأن اليمين الإسرائيلي المتطرّف يتّخذ منها ذريعةً لمضاعفة وحشيته قتلاً وتجويعاً وتهجيراً وهدماً لمقوّمات الحياة في قطاع غزّة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية المحتلّة، والمغزى من الاعتراف بالدولة لن يتحقّق إلا بردع إسرائيل عن القيام بما يمنع تجسيدها في الأرض، وفي مقدّمة ذلك منع تهجير الفلسطينيين من أراضيهم وزرع مستوطنين مكانهم. بالعودة إلى الموقف الألماني، ختم وزير الخارجية يوهان فاديبول زيارته أخيراً إسرائيل بقوله: "بالنسبة إلى ألمانيا، الاعتراف بالدولة الفلسطينية يفترض أن يكون في نهاية العملية التفاوضية، لكن يجب أن تبدأ هذه العملية الآن، ألمانيا لن تحيد عن هذا الهدف، وستضطر إلى الردّ على الخطوات الأحادية". الاستنتاج الأرجح أن الخطوات الأحادية التي يهدّد الوزير بالردّ عليها هي الاعتراف بالدولة، لأن حكومات إسرائيل المتعاقبة ومستوطنيها يفرضون خطوات أحادية الجانب على الأرض طوال سنوات الصراع، ومنذ أن تولّت حكومة إسرائيل الحالية مهامها، تشهد الضفة الغربية تطهيراً عرقياً مكتمل الأركان، ولم تتّخذ ألمانيا موقفاً جدّياً. تكشف تصريحات أخرى لوزير خارجية ألمانيا مدى الفصام في السياسية الخارجية لبلدٍ يدّعي أنه في حالة قطيعة مع ماضيه، عندما يقول: "إسرائيل معرّضة لخطر العزلة وألمانيا تسعى جاهدةً لمنع ذلك"، ما يهتم به الوزير المفترض أن ينتمي إلى قيم العدالة بصفته رجل قانون، هو عدم تعرّض إسرائيل للعزلة، أمّا ارتكابها إبادةً جماعيةً بحقّ شعب آخر، فهذا ليس من اهتمامات وزير خارجية ألمانيا. يتابع الوزير لدى زيارته قرية الطيبة (شرقي رام الله)، للوقوف على آثار اعتداءات إرهابية متكرّرة تعرّضت لها كنيستها ومنازلها على أيدي المستوطنين في الأسابيع الماضية، بقوله: "إن هذه الاعتداءات، ليست أعمالاً أحاديةً، وهي جرائم بحقّ المواطنين ترقى إلى الإرهاب، ويجب أن تتابع وتُوقف (...) التقارير بأن بعض عناصر الجيش وقفوا متفرّجين أو حتى دعموا هذه الأفعال هي تقارير مروّعة"، وهنا يستخفّ الوزير بالعقول عندما حاول عبثاً توجيه أصابع الاتهام إلى "عناصر" في الجيش، وليس إلى حكومة إسرائيل والمؤسّسة العسكرية الإسرائيلية بوصفهما المسؤولتَين عن إرهاب المستوطنين. هؤلاء "العناصر" محكومون بمبدأ الطاعة ينفّذون أوامر قادتهم، ولا يمكن إنكار هذه الحقيقة. تاريخياً، لم يمر قرار أوروبي ضاغط على إسرائيل من دون موافقة ألمانيا سيكون التاريخ قاسياً مع من ارتكب أو دعم الإبادة الجماعية، وحريٌّ بألمانيا أن تتوقّف عن تعطيل كلّ القرارات الهادفة إلى الضغط على إسرائيل في مؤسّسات الاتحاد الأوروبي، وهي قرارات كانت ستساهم في وقف الإبادة منذ زمن، أو أنها ستمنع على الأقل استخدام تجويع المدنيين سلاحاً، لو أنها خرجت إلى حيّز التنفيذ في الوقت المناسب، إذ إن مؤسّسات الاتحاد الأوروبي تتخذ القرارات بإجماع الدول الأعضاء، وعادة ما تمرّ القرارات إذا ما كانت قائمةً على توافقات في الدول المركزية في الاتحاد، ولا يمكن صدور قرار لا توافق عليه ألمانيا، وهو ما أدّى إلى شلّ المؤسّسات الأوروبية عن القيام بدور فاعل يتعلّق بإسرائيل. استثمر الاتحاد الأوروبي في قوته الأخلاقية لبناء سردية لدى الرأي العام الأوروبي والدولي لرفض احتلال أراضي الغير على خلفية الصراع العسكري الدائر في أوكرانيا، اليوم تنهار هذه السردية تماماً، ولن يكون بالإمكان ترميمها في المدى المنظور على الأقلّ، إلا إذا انحازت أوروبا، وفي مقدّمتها ألمانيا، إلى قيم العدالة الدولية التي طالما تفاخرت بها، وفي ذلك حماية لمصالحها ولمصالح الآخرين.