logo
كمال داود: "لماذا يجب أن نخون... أحياناً"

كمال داود: "لماذا يجب أن نخون... أحياناً"

العربي الجديدمنذ 9 ساعات
ما زال كمال داود يثير الجدل في الجزائر بما ينشره، سواء تعلّق الأمر بالشأن الجزائري أو معلّقاً على أزمات العالم العربي، خصوصاً الحرب في غزّة. نشر أخيراً كتاباً يحمل العنوان أعلاه، والغريب في الأمر إشكاليتان تستدعيان قراءة محفّزات نشر مثل هذا العنوان من كاتب هو أصلاً في الجزائر غارق إلى أذنيه في تهم بالخيانة. أولاهما أنّ ناشر كتابه، دار Gallimard، هي نفسها التي نشرت كتابه الأوّل "الحوريات" المثير للجدل، والمتابَع بسببه أمام المحاكم في فرنسا والجزائر. والإشكالية الثانية إثارته كلمة "الخيانة"، وهي في السّياق الجزائري الفرنسي تحمل دلالاتٍ غاية في العمق في الذاكرة الجزائرية، بسبب آلاف "الحركى" الخونة، الّذين خدموا في الجيش الفرنسي في أثناء الحرب التّحريرية الجزائرية (1954 - 1962)، وهي دلالة تعمّق من حالة زادها عمقاً ذلك العنوان.
لا يدّعي صاحب هذه المقالة أنه قرأ الكتاب، لعدم توافر إمكانية للحصول عليه، لا ورقياً ولا إلكترونياً، وإنما تعرف على مضامينه من بعضهم في وسائل التّواصل الاجتماعي، وبسبب بعض التّعليقات.
يكتب كمال داود من موقع الخادم لسيّده (الفرنسي) لينال إعجابه
بدايةً، يجب التّركيز في مفردة "الخيانة" وأبعادها الدلالية اللغوية أوّلاً، ثمّ نفسياً، وفي سياق تاريخي في بلد تقريباً دفع كلّ بيت وكلّ عائلة فيه ثمناً غالياً لاستعادة استقلال البلاد، إذ ينشر كمال داود، الذي عاش في الجزائر، ويعرف تلك الدلالة وذلك السياق، وعلى خلفية ملفّ الذاكرة الشائك في العلاقات المتوتّرة بين الجزائر وفرنسا، ينشر بالرغم من ذلك كلّه كتاباً يضع في غلافه تلك الكلمة، ويرفقها باستفهام يُستفاد منه في حالته "وجوب الخيانة"، تماماً مثل فعل آلاف "الحركى" في أثناء الثورة التحريرية، وبعدها (وما يزالون)، لتبرير توجّههم نحو التعاون مع فرنسا ضدّ بلادهم، وضدّ مسار الثورة التحريرية.
ما دفع كمال داود إلى وضع "الخيانة" في عنوان كتابه أسباب منها التّغطية على كلّ الفضائح التي ترافقت مع نشر روايته "الحوريات"، ثمّ الربط بين تلك الرواية وكتاباته العجيبة التّي رفضها حتى الفرنسيون أنفسهم، على غرار مقالته عن أحداث كولون الألمانية، التّي اعتُدي فيها في أعياد ميلاد 2016 على سيّدات ألمانيات، كان داود السبّاق إلى اتّهام شباب مغاربيين بتلك الاعتداءات، بالرّغم من غياب أيّ أدلّة، وبعنوان مثير للجدل أشار فيه إلى تهمة زائفة تتمثّل في الكبت الجنسي لدى شباب بلاده، إلى درجة أنّ الشرطة الألمانية بعد التحقيق برّأت المغاربيين، ودفعت مفكّرين فرنسيين إلى الردّ عليه عبر بيان نشرته صحيفة لوموند.
وعلى المستوى النفسي، هناك أكثر من مستوى يمكن الكتابة فيه بشأن كمال داود، الذي يتصرّف من منطلق الخادم ذاته لسيّده لينال الإعجاب، ودليل هذا أنّه ينظر في سياق ما يعجب الفرنسيين، فيكتُب فيه مقالاته الأسبوعية في "لوبوان" مرّة عن الفلسطينيين الذين يصفهم إرهابيين، وبأنّ العنف متأصّل في العرب، سواء تعرّضوا للظُّلم أم لا فهم (وفق كلامه) يتصرّفون بصلافة وهدفهم التّرويع، ومرّات أخرى (وهذا أمر طبيعي فيه) لا يتوقّف عن توجيه العبارات المهينة إلى الجزائريين بوصفهم متطرّفين، رجعيين، سلوكاتهم تتضمّن التوجّه العنفي خصوصاً ضدّ المرأة، التي يقول إن الجزائريين يحطُّون من قدرها ويكرهونها، إضافة إلى إهدار حقوق الطفل، بل يكتب، في مقالات كثيرة، إن الجزائريين يحملون في جيناتهم الرجعية العنف وإرادة التأخّر، وأن الحضارة لا تليق بهم.
أما السياق التاريخي، فهو بارعٌ في محاولة اللّعب على وتر الذّاكرة التي يقول عنها مثل الفرنسيين اليمينيين إنها ريع يتلاعب به السياسيون الجزائريون لابتزاز فرنسا، كما حاول استغلال المأساة الوطنية (العشرية السوداء التي عاشت الجزائر في أثنائها، في تسعينيّات القرن الماضي، أزمةً أمنيةً أودت بحياة عشرات آلاف من الجزائريين)، بالكتابة عن قصّة فتاة كانت ضحيّةً في تلك الفترة، وملفّها النفسي عند طبيبة نفسية يعرفها كمال داود (زوجته الثانية). وبالرغم من رفض الفتاة طلب تحويل مأساتها روايةً، استغلّ سرّية الملفّ، ونقل يوميات المأساة مع تعديلات لم تخفَ على صاحبتها التي رفعت قضيةً أمام المحاكم في فرنسا وفي الجزائر ضدّ الكاتب، وقد يؤدّي ذلك إلى استعادة الجائزة الأدبية منه.
بالإشارة إلى السياق التاريخي لكلمة "الخيانة"، أثار داود كثيراً من الانتقادات بسبب عنوان كتابه أخيراً، الذي هو إعادة نشر لمجموعة مقالات كان قد نشرها، وبعضها لا يشير إلى الحرب التحريرية، ولكن بسبب محاولته نيل إعجاب الفرنسيين، وربما الفوز بجوائز أخرى، وعلى خلفية إشكالية الذاكرة بين فرنسا والجزائر، أورد "الخيانة"، وهي تحمل مضامين مغروسة في وجدان الجزائريين، إضافة إلى أنها تليق بملفّه وملفّ الكاتب بوعلام صنصال، وكلاهما للعلم لم يصبحا مواطنَين فرنسيَّين إلا منذ أكثر من عام وقرابة العام، على التوالي.
الإشكالية الأخرى حقيقةً، أنّ لدى فرنسا قرابة الألفين من رعاياها مسجونون عبر العالم بتهم مختلفة، ولكن الوحيد الذي تركّز فيه هو صنصال، وما لا يفهمه كمال داود سياق الانخراط في كتابات وتصريحات ومواقف ضدّ الجزائر، وفيما يتوافق مع الموقف الرسمي للدولة الفرنسية في فترة توتّر، بل العجيب تزامن نشر كتابه وفيه كلمة "الخيانة"، إضافة إلى انخراطه في نداءاتٍ لعفو رئاسي جزائري عن صنصال في ذكرى استقلال الجزائر، وكأنّ ذلك الاستقلال جاء من دون تضحيات، وأنّ الاستقلال مجرّد رفض الجزائريين البقاء تحت الاستيطان الفرنسي، في حين أنّ ثقل الذاكرة مفصلي وحيوي للجزائريين، خصوصاً عندما تحين ذكرى انطلاق الثورة التحريرية (الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني من كلّ عام) أو ذكرى الاستقلال (في 5 يوليو/ تموز من كلّ عام)، وهما احتفالان يبكي فيهما الجزائريون قوافل من الشهداء يبلغ عددهم، وفق الشهادات والوثائق التّاريخية (1830 – 1962)، زهاء 10 إلى 12 مليون جزائري، كما سبق الإشارة إليها في أكثر من مقالة في "العربي الجديد".
يعرف داود وصنصال أنّ التّعامل مع عدوّ الأمس، والعمالة له اليوم، لن تكون نتائجهما إلا وخيمةً
في مقدّمة المقالة، تمّت الإشارة إلى محفّز خفي يكون الوقت قد حان للكتابة عنه، أن فرنسا تضغط حتماً ليكون صنصال، على غرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، صاحب جائزة نوبل للأداب، وداود يُكثر من الضغط بكتاباته، ليس دفاعاً عن هذا التوجّه الفرنسي، بل هو أيضاً يتحفّز لنيل ترشيحٍ يترافق (وفق زعمه) مع كلّ التحامل الجزائري عليه وعلى صاحبه لتتشابه الجائزة، إن جرى ترشيحهما فعلاً، ونالها أحدهما، تلك الجائزة التي نالها ألبير كامو المولود في الجزائر، ولكنّه الخائن للجزائر بسبب موقفه من التعذيب والجرائم الاستعمارية التي كانت فرنسا تقترفها، وكان زميلاه هنري علاق وجان بول سارتر ممّن ندّدوا بها وعادوها بسببها كامو، اليساري والإنساني زعماً.
نحن، بشأن كمال داود مع حالة تستدعي دراسةً، ليست أدبيةً فقط بالرغم من أهميتها، لأنّه صاحب قلم له مستوى، وهذا لا نشكّك فيه، بل تستدعي تحليلاً نفسياً، ذلك أنّ حالته في المواقف ضدّ بلاده لا يمكن إيجاد تفسير لها إلا في وجدان المريض نفسياً، أو فيمن يحبّ أن يعيش دور الذليل للفرنسي ولو على حساب قومه، ومنهم عائلته، بل منهم أمّه وأبوه، لأنهما جزائريان.
في هذا الشأن، كانت وكالة الأنباء الجزائرية مصيبةً في تناولها حالة صنصال في أحد تعليقاتها، وهي لائقة بداود أيضاً، إذ ذكرت إن صنصال ولد جزائرياً وعاش إلى أن بلغ قرابة 75 عاماً جزائرياً، فكيف لفرنسا أن تقيم الدنيا ولا تقعدها من أجل شخصٍ لم تجنّسه إلا منذ قرابة العام فقط؟
هناك، في حالتي داود وصنصال، أكثر من شريط وثائقي (عرضتها قنوات فرنسية) عن مآسي الخونة أو "الحركى"، الذين رحّلتهم فرنسا قبل يوليو/ تموز 1962 إلى المدن الفرنسية، والذين لتشكرهم على خدماتهم النبيلة لأمّهم فرنسا وضعتهم في مخيّمات، وفي أراضٍ جرداء محاطين بسياجٍ أعواماً، ومعهم أبناؤهم الذين لا ذنب لهم. أما بعضهم فيتذكّرون معاملة فرنسا لهم، ولعلّ داود وصنصال يعيان دروس تلك المعاملة، ويعرفان (وأمثالهما) أنّ التّعامل مع عدوّ الأمس، والعمالة له اليوم ضدّ الوطن، لن تكون نتائجهما إلا وخيمةً، على الأقلّ على مستوى القيم والنفس وفي ما يخص الأهل والأقارب.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

كمال داود: "لماذا يجب أن نخون... أحياناً"
كمال داود: "لماذا يجب أن نخون... أحياناً"

العربي الجديد

timeمنذ 9 ساعات

  • العربي الجديد

كمال داود: "لماذا يجب أن نخون... أحياناً"

ما زال كمال داود يثير الجدل في الجزائر بما ينشره، سواء تعلّق الأمر بالشأن الجزائري أو معلّقاً على أزمات العالم العربي، خصوصاً الحرب في غزّة. نشر أخيراً كتاباً يحمل العنوان أعلاه، والغريب في الأمر إشكاليتان تستدعيان قراءة محفّزات نشر مثل هذا العنوان من كاتب هو أصلاً في الجزائر غارق إلى أذنيه في تهم بالخيانة. أولاهما أنّ ناشر كتابه، دار Gallimard، هي نفسها التي نشرت كتابه الأوّل "الحوريات" المثير للجدل، والمتابَع بسببه أمام المحاكم في فرنسا والجزائر. والإشكالية الثانية إثارته كلمة "الخيانة"، وهي في السّياق الجزائري الفرنسي تحمل دلالاتٍ غاية في العمق في الذاكرة الجزائرية، بسبب آلاف "الحركى" الخونة، الّذين خدموا في الجيش الفرنسي في أثناء الحرب التّحريرية الجزائرية (1954 - 1962)، وهي دلالة تعمّق من حالة زادها عمقاً ذلك العنوان. لا يدّعي صاحب هذه المقالة أنه قرأ الكتاب، لعدم توافر إمكانية للحصول عليه، لا ورقياً ولا إلكترونياً، وإنما تعرف على مضامينه من بعضهم في وسائل التّواصل الاجتماعي، وبسبب بعض التّعليقات. يكتب كمال داود من موقع الخادم لسيّده (الفرنسي) لينال إعجابه بدايةً، يجب التّركيز في مفردة "الخيانة" وأبعادها الدلالية اللغوية أوّلاً، ثمّ نفسياً، وفي سياق تاريخي في بلد تقريباً دفع كلّ بيت وكلّ عائلة فيه ثمناً غالياً لاستعادة استقلال البلاد، إذ ينشر كمال داود، الذي عاش في الجزائر، ويعرف تلك الدلالة وذلك السياق، وعلى خلفية ملفّ الذاكرة الشائك في العلاقات المتوتّرة بين الجزائر وفرنسا، ينشر بالرغم من ذلك كلّه كتاباً يضع في غلافه تلك الكلمة، ويرفقها باستفهام يُستفاد منه في حالته "وجوب الخيانة"، تماماً مثل فعل آلاف "الحركى" في أثناء الثورة التحريرية، وبعدها (وما يزالون)، لتبرير توجّههم نحو التعاون مع فرنسا ضدّ بلادهم، وضدّ مسار الثورة التحريرية. ما دفع كمال داود إلى وضع "الخيانة" في عنوان كتابه أسباب منها التّغطية على كلّ الفضائح التي ترافقت مع نشر روايته "الحوريات"، ثمّ الربط بين تلك الرواية وكتاباته العجيبة التّي رفضها حتى الفرنسيون أنفسهم، على غرار مقالته عن أحداث كولون الألمانية، التّي اعتُدي فيها في أعياد ميلاد 2016 على سيّدات ألمانيات، كان داود السبّاق إلى اتّهام شباب مغاربيين بتلك الاعتداءات، بالرّغم من غياب أيّ أدلّة، وبعنوان مثير للجدل أشار فيه إلى تهمة زائفة تتمثّل في الكبت الجنسي لدى شباب بلاده، إلى درجة أنّ الشرطة الألمانية بعد التحقيق برّأت المغاربيين، ودفعت مفكّرين فرنسيين إلى الردّ عليه عبر بيان نشرته صحيفة لوموند. وعلى المستوى النفسي، هناك أكثر من مستوى يمكن الكتابة فيه بشأن كمال داود، الذي يتصرّف من منطلق الخادم ذاته لسيّده لينال الإعجاب، ودليل هذا أنّه ينظر في سياق ما يعجب الفرنسيين، فيكتُب فيه مقالاته الأسبوعية في "لوبوان" مرّة عن الفلسطينيين الذين يصفهم إرهابيين، وبأنّ العنف متأصّل في العرب، سواء تعرّضوا للظُّلم أم لا فهم (وفق كلامه) يتصرّفون بصلافة وهدفهم التّرويع، ومرّات أخرى (وهذا أمر طبيعي فيه) لا يتوقّف عن توجيه العبارات المهينة إلى الجزائريين بوصفهم متطرّفين، رجعيين، سلوكاتهم تتضمّن التوجّه العنفي خصوصاً ضدّ المرأة، التي يقول إن الجزائريين يحطُّون من قدرها ويكرهونها، إضافة إلى إهدار حقوق الطفل، بل يكتب، في مقالات كثيرة، إن الجزائريين يحملون في جيناتهم الرجعية العنف وإرادة التأخّر، وأن الحضارة لا تليق بهم. أما السياق التاريخي، فهو بارعٌ في محاولة اللّعب على وتر الذّاكرة التي يقول عنها مثل الفرنسيين اليمينيين إنها ريع يتلاعب به السياسيون الجزائريون لابتزاز فرنسا، كما حاول استغلال المأساة الوطنية (العشرية السوداء التي عاشت الجزائر في أثنائها، في تسعينيّات القرن الماضي، أزمةً أمنيةً أودت بحياة عشرات آلاف من الجزائريين)، بالكتابة عن قصّة فتاة كانت ضحيّةً في تلك الفترة، وملفّها النفسي عند طبيبة نفسية يعرفها كمال داود (زوجته الثانية). وبالرغم من رفض الفتاة طلب تحويل مأساتها روايةً، استغلّ سرّية الملفّ، ونقل يوميات المأساة مع تعديلات لم تخفَ على صاحبتها التي رفعت قضيةً أمام المحاكم في فرنسا وفي الجزائر ضدّ الكاتب، وقد يؤدّي ذلك إلى استعادة الجائزة الأدبية منه. بالإشارة إلى السياق التاريخي لكلمة "الخيانة"، أثار داود كثيراً من الانتقادات بسبب عنوان كتابه أخيراً، الذي هو إعادة نشر لمجموعة مقالات كان قد نشرها، وبعضها لا يشير إلى الحرب التحريرية، ولكن بسبب محاولته نيل إعجاب الفرنسيين، وربما الفوز بجوائز أخرى، وعلى خلفية إشكالية الذاكرة بين فرنسا والجزائر، أورد "الخيانة"، وهي تحمل مضامين مغروسة في وجدان الجزائريين، إضافة إلى أنها تليق بملفّه وملفّ الكاتب بوعلام صنصال، وكلاهما للعلم لم يصبحا مواطنَين فرنسيَّين إلا منذ أكثر من عام وقرابة العام، على التوالي. الإشكالية الأخرى حقيقةً، أنّ لدى فرنسا قرابة الألفين من رعاياها مسجونون عبر العالم بتهم مختلفة، ولكن الوحيد الذي تركّز فيه هو صنصال، وما لا يفهمه كمال داود سياق الانخراط في كتابات وتصريحات ومواقف ضدّ الجزائر، وفيما يتوافق مع الموقف الرسمي للدولة الفرنسية في فترة توتّر، بل العجيب تزامن نشر كتابه وفيه كلمة "الخيانة"، إضافة إلى انخراطه في نداءاتٍ لعفو رئاسي جزائري عن صنصال في ذكرى استقلال الجزائر، وكأنّ ذلك الاستقلال جاء من دون تضحيات، وأنّ الاستقلال مجرّد رفض الجزائريين البقاء تحت الاستيطان الفرنسي، في حين أنّ ثقل الذاكرة مفصلي وحيوي للجزائريين، خصوصاً عندما تحين ذكرى انطلاق الثورة التحريرية (الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني من كلّ عام) أو ذكرى الاستقلال (في 5 يوليو/ تموز من كلّ عام)، وهما احتفالان يبكي فيهما الجزائريون قوافل من الشهداء يبلغ عددهم، وفق الشهادات والوثائق التّاريخية (1830 – 1962)، زهاء 10 إلى 12 مليون جزائري، كما سبق الإشارة إليها في أكثر من مقالة في "العربي الجديد". يعرف داود وصنصال أنّ التّعامل مع عدوّ الأمس، والعمالة له اليوم، لن تكون نتائجهما إلا وخيمةً في مقدّمة المقالة، تمّت الإشارة إلى محفّز خفي يكون الوقت قد حان للكتابة عنه، أن فرنسا تضغط حتماً ليكون صنصال، على غرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، صاحب جائزة نوبل للأداب، وداود يُكثر من الضغط بكتاباته، ليس دفاعاً عن هذا التوجّه الفرنسي، بل هو أيضاً يتحفّز لنيل ترشيحٍ يترافق (وفق زعمه) مع كلّ التحامل الجزائري عليه وعلى صاحبه لتتشابه الجائزة، إن جرى ترشيحهما فعلاً، ونالها أحدهما، تلك الجائزة التي نالها ألبير كامو المولود في الجزائر، ولكنّه الخائن للجزائر بسبب موقفه من التعذيب والجرائم الاستعمارية التي كانت فرنسا تقترفها، وكان زميلاه هنري علاق وجان بول سارتر ممّن ندّدوا بها وعادوها بسببها كامو، اليساري والإنساني زعماً. نحن، بشأن كمال داود مع حالة تستدعي دراسةً، ليست أدبيةً فقط بالرغم من أهميتها، لأنّه صاحب قلم له مستوى، وهذا لا نشكّك فيه، بل تستدعي تحليلاً نفسياً، ذلك أنّ حالته في المواقف ضدّ بلاده لا يمكن إيجاد تفسير لها إلا في وجدان المريض نفسياً، أو فيمن يحبّ أن يعيش دور الذليل للفرنسي ولو على حساب قومه، ومنهم عائلته، بل منهم أمّه وأبوه، لأنهما جزائريان. في هذا الشأن، كانت وكالة الأنباء الجزائرية مصيبةً في تناولها حالة صنصال في أحد تعليقاتها، وهي لائقة بداود أيضاً، إذ ذكرت إن صنصال ولد جزائرياً وعاش إلى أن بلغ قرابة 75 عاماً جزائرياً، فكيف لفرنسا أن تقيم الدنيا ولا تقعدها من أجل شخصٍ لم تجنّسه إلا منذ قرابة العام فقط؟ هناك، في حالتي داود وصنصال، أكثر من شريط وثائقي (عرضتها قنوات فرنسية) عن مآسي الخونة أو "الحركى"، الذين رحّلتهم فرنسا قبل يوليو/ تموز 1962 إلى المدن الفرنسية، والذين لتشكرهم على خدماتهم النبيلة لأمّهم فرنسا وضعتهم في مخيّمات، وفي أراضٍ جرداء محاطين بسياجٍ أعواماً، ومعهم أبناؤهم الذين لا ذنب لهم. أما بعضهم فيتذكّرون معاملة فرنسا لهم، ولعلّ داود وصنصال يعيان دروس تلك المعاملة، ويعرفان (وأمثالهما) أنّ التّعامل مع عدوّ الأمس، والعمالة له اليوم ضدّ الوطن، لن تكون نتائجهما إلا وخيمةً، على الأقلّ على مستوى القيم والنفس وفي ما يخص الأهل والأقارب.

"سياسة ترامب غير الواضحة تجاه الصين"- لوموند
"سياسة ترامب غير الواضحة تجاه الصين"- لوموند

BBC عربية

timeمنذ 4 أيام

  • BBC عربية

"سياسة ترامب غير الواضحة تجاه الصين"- لوموند

في جولة عرض الصحف، نسلط الضوء على افتتاحيات ومقالات من أبرز الصحف العالمية التي تناولت "تأرجح" سياسة ترامب تجاه الصين وتأثيرها على العلاقات التجارية، مع تسليط الضوء على قضية حقوق الملكية الفكرية بين البلدين. كما يستعرض مقال آخر ظاهرة اجتماعية في إيطاليا، حيث باتت الكلاب تحتل مكانة الأطفال في قلوب الكثيرين. ذكرت صحيفة لوموند الفرنسية في افتتاحيتها أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "يفتقر إلى استراتيجية واضحة في تعامله مع الصين، خاصة في قضايا التجارة، وهو ما أدى إلى إرباك شركاء واشنطن ومكّن بكين من تحقيق مكاسب". تشير الافتتاحية إلى أن ترامب يتأرجح بين فرض عقوبات تجارية على بكين وتوجيه تصريحات ودّية لنظيره شي جين بينغ، مستمراً في التنقل بين استراتيجيات متضاربة. وتسلط الصحيفة الضوء على مثالين يُبرزان "الارتباك" في سياسة ترامب، حيث وافق على اتفاق يسمح لشركة نفيديا بتصدير رقائق H20 إلى الصين مقابل دفع 15 في المئة من الأرباح لخزينة الولايات المتحدة، ويشمل الاتفاق أيضاً شركة (أدفانس مايكرو ديفايس). وتلفت الصحيفة إلى أن موافقة ترامب على هذا التصرف خففت الضغط على الصين وأثارت قلق "المتشددين" في واشنطن من احتمال تراجعه عن حظر تصدير رقاقات أكثر تقدماً، ما قد يشكل "تهديداً" للأمن القومي الأمريكي. ذكرت لوموند أن التنازل الثاني الذي أُعلن يوم الإثنين تمثل في تأجيل جديد لمحادثات التجارة مع الصين لمدة 90 يوماً. وترى الصحيفة أن هذه التحركات تهدف بوضوح إلى تليين الموقف تجاه الرئيس الصيني، في إطار سعي ترامب لعقد قمة ثنائية يأمل أن تُفضي إلى اتفاق تجاري طالما رغب في تحقيقه. ترى الافتتاحية أن جوهر المشكلة يكمن في أن سياسة البيت الأبيض تجاه الصين تفتقر إلى الوضوح الكامل، مشيرة إلى أن لدى شركاء الولايات المتحدة، في أوروبا وآسيا ومناطق أخرى، مبررات مشروعة للتساؤل عما إذا كانت إدارة ترامب تمتلك بالفعل استراتيجية مدروسة. وتتساءل الافتتاحية ما إذا كان الرئيس الجمهوري "يتخذ قراراته بشكل ارتجالي، مدفوعاً بمزاجه الشخصي ومصالحه التجارية، وتأثير رجال الأعمال الذين يزورون المكتب البيضاوي". "الصين تحتج على تقليد دمى لابوبو، يا للمفارقة" تتحدث افتتاحية صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن "الصين المعروفة منذ زمن طويل بأنها عاصمة التزييف في العالم"، أصبحت تولي احتراماً جديداً لحقوق الملكية الفكرية. وترى الصحيفة أنه من الصعب تحديد أيهما أكثر طرافة حول الصعود السريع لألعاب "لابوبو" ذات المظهر الغريب للدمى نفسها أم حقيقة أنها ولّدت نسخاً مقلدة قد تكون أحياناً شائعة مثل الأصلية. توضح الصحيفة أن لعبة لابوبو، وهي دمية تشبه الأقزام "الوحشية" وتتمتع بشعبية كبيرة، ابتكرها الفنان كاسينغ لونغ المولود في هونغ كونغ وتُباع عبر شركة الألعاب الصينية العملاقة "بوب مارت". "أصبحت هذه اللعبة مرغوبة إلى حد أن مجموعة من اللصوص الملثمين في لوس أنجلوس سرقوا ألعاباً بقيمة 7,000 دولار الأسبوع الماضي. وقد بلغت مبيعات هذه الألعاب أكثر من 400 مليون دولار خلال العام الماضي"، بحسب الافتتاحية. وتشير الصحيفة إلى أنه لحماية هذا الابتكار المربح، شنّت الصين حملة صارمة ضد الدمى المعروفة باسم "لابوبو"، حيث صادرت السلطات الجمركية ما يقرب من 49,000 لعبة مقلدة خلال الأسابيع الماضية. ورفعت الشركة المصنعة دعوى قضائية ضد متاجر (سيفين إلفين) وسبعة من فروعها في كاليفورنيا، متهمة إياها ببيع نسخ مقلّدة. ويعد جوهر المشكلة وفق ما تراه واشنطن بوست بأن الشركات الصينية مثل (بوب مارت) تحصل على حماية قانونية قوية ضد انتهاكات حقوق النشر والملكية الفكرية في الولايات المتحدة، بينما الشركات الأمريكية لا تحظى بنفس الحماية في الصين. تُبرز الافتتاحية تصنيف الصين في مؤشر الملكية الفكرية الدولي لعام 2024، حيث جاءت في المرتبة 24 من بين 55 دولة. هذا الترتيب يعكس فجوة كبيرة بينها وبين الولايات المتحدة التي تصدرت المؤشر، مما يسلط الضوء على التحديات التي تواجهها الصين في حماية حقوق الملكية الفكرية. "تظل الصين مركزاً رئيسياً للسلع المزيفة التي تدخل الأسواق الأمريكية: حيث كانت الصين وهونغ كونغ مصدر أكثر من 93 في المئة من إجمالي قيمة السلع المزيفة والمقرصنة التي صادرتها الجمارك الأمريكية وحماية الحدود في السنة المالية 2024"، وفق ما جاء في الصحيفة . وتذكر الافتتاحية أن "سرقة الملكية الفكرية من الصين تكلف الاقتصاد الأمريكي ما يصل إلى 600 مليار دولار سنوياً". وتختم الافتتاحية بالإشارة إلى أن الملفات المطروحة للنقاش تشمل قضايا عدة، من مكافحة المخدرات إلى تطبيق قوانين الهجرة، مع تأكيد على أهمية أن تحظى حماية الملكية الفكرية بالأولوية في هذه المحادثات. مشددة على أن المنتجات الأمريكية تستحق نفس مستوى الحماية في الصين الذي تحظى به ألعاب لابوبو هنا، وفق ما جاء في الصحيفة. "كيف أصبحت الكلاب بديلاً للأطفال في إيطاليا؟" كتبت الكاتبة إيمي كاظمين مقالاً تبرز فيه انخفاض معدل الولادات في إيطاليا. وبسبب قلة الأطفال والأحفاد الذين يعتنون بهم، يُكرس الإيطاليون مزيداً من مشاعرهم ومواردهم المالية لرعاية أعداد متزايدة من الحيوانات المدللة، مع ميل واضح نحو الكلاب، وفق المقال. وتشير إلى أن حوالي 40 في المئة من الأسر الإيطالية تمتلك حيواناً أليفاً واحداً على الأقل، وهي نسبة رسمية لا تزال أقل بكثير مقارنة بالمملكة المتحدة والولايات المتحدة، حيث تبلغ النسبة 60 و66 في المئة على التوالي. وتنقل الكاتبة عن أحد العاملين في مجال رعاية الحيوانات، والذي يشرف أيضاً على حضانة نهارية للكلاب في وسط روما، أن حب الإيطاليين للكلاب ليس بالأمر الجديد، لكن في السنوات العشر الأخيرة باتت الكلاب والقطط تُعامَل كأفراد من الأسرة. ويقول: "نحن أمام ثقافة جديدة تُعلي من مكانة الحيوانات الأليفة، حيث بات الناس يقدمون لمرافقيهم ذوي الفراء ما كانوا يخصصونه سابقاً لأطفالهم". وبحسب المقال، تمتد مظاهر هذه الرعاية لتشمل خدمات حضانة نهارية للحيوانات مع التوصيل والاستلام، بالإضافة إلى مختبرات متخصصة في علم الأمراض، وحتى تنظيم جنازات رسمية للحيوانات الأليفة. وتبرز في هذا السياق مشاريع جديدة تهدف إلى تلبية احتياجات دورة حياة الحيوانات الأليفة بالكامل. وتضيف كاظمين أنه في السابق كانت الكلاب تُطعم من بقايا الطعام، أما اليوم فأصبح أصحابها أكثر انتقائية وحرصاً في ما يُقدّم لها. وتشير إلى أنه في عام 2022، أنفق الإيطاليون نحو 6.8 مليار يورو على رعاية الحيوانات الأليفة، بحسب تقديرات شركة "نوميسما" الاستشارية الإيطالية. وتختتم الكاتبة مقالها بالإشارة إلى أن كثيراً من الإيطاليين باتوا يعتبرون الكلاب رفقاء أوفياء يفوقون البشر في الإخلاص. كما نقلت عن أحد العاملين في المطار قوله: "الكلب لن يخونك".

لوموند: تنديد دولي واسع بالمخطط الإسرائيلي في غزة.. لكن المواقف العربية ضعيفة مقارنة بالتداعيات المتوقعة
لوموند: تنديد دولي واسع بالمخطط الإسرائيلي في غزة.. لكن المواقف العربية ضعيفة مقارنة بالتداعيات المتوقعة

القدس العربي

time٠٩-٠٨-٢٠٢٥

  • القدس العربي

لوموند: تنديد دولي واسع بالمخطط الإسرائيلي في غزة.. لكن المواقف العربية ضعيفة مقارنة بالتداعيات المتوقعة

باريس- 'القدس العربي': تحت عنوان 'من أوروبا إلى الدول العربية تنديد شبه إجماعي بالمخطط الإسرائيلي في غزة'، قالت صحيفة 'لوموند' الفرنسية إن المجتمع الدولي، بينما يدين إسرائيل ويؤيد في الوقت نفسه خطة القضاء على حركة 'حماس'، فإنه يبدو عاجزًا عن ثني رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن خطته. وحدها ألمانيا، التي كانت حتى الآن من أبرز الداعمين لإسرائيل إلى جانب الولايات المتحدة، أعلنت تعليق صادرات الأسلحة 'حتى إشعار آخر'. وزير الخارجية الفرنسي: (الخطة) لن تؤدي إلا إلى تفاقم وضع كارثي بالفعل، من دون أن تحقق إطلاق سراح الرهائن أو نزع سلاح 'حماس' أو استسلامها فقد أثار قرار الحكومة الإسرائيلية، يوم الجمعة، احتلال قطاع غزة عسكريًا موجة من الاستنكارات. فبينما كان الهجوم الإسرائيلي على القطاع الفلسطيني، الذي جاء في أعقاب هجمات حركة 'حماس' في 7 أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، قد أحدث انقسامًا عميقًا بين الدول الغربية والعربية، فإن تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تبدو وكأنها تؤسس لنوع من الإجماع في إدانة التصعيد العسكري، حتى مع تأييد مشروع تحييد 'حماس'. ربما كانت ردّة الفعل الألمانية الأبرز، إذ أعلن المستشار المحافظ فريدريش ميرتس تعليق جميع صادرات الأسلحة التي يمكن استخدامها في النزاع 'حتى إشعار آخر'. وبما أن برلين كانت قد رفعت أمن إسرائيل إلى مرتبة 'مبدأ من مبادئ الدولة' (Staatsräson) استنادًا إلى ذكرى المحرقة، فإن هذا القرار يمثل تراجعًا سياسيًا واضحًا على المستويين الداخلي والأوروبي. وتُعد ألمانيا ثاني أكبر مورّد للأسلحة لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، إذ صدّرت معدات عسكرية بقيمة 485 مليون يورو منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، وفق وزارة الاقتصاد في 3 يونيو/حزيران. مع ذلك، تراجعت هذه الصادرات تحت ضغط الرأي العام، إذ بلغت حوالي 28 مليون يورو في الربع الأول من 2025، مقارنة بـ80 مليون يورو في الفترة السابقة. ورفضت الوزارة التعليق على صادرات الأسلحة بعد 6 مايو، تاريخ وصول ميرتس إلى السلطة. 'حكومة نتنياهو تخسر أوروبا' داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD)، الشريك في الائتلاف الحاكم، يطالب بعض الأعضاء بالمزيد. فقد صرّح أيديس أحمدوفيتش، المتحدث باسم الكتلة البرلمانية للشؤون الخارجية، لمجلة 'دير شبيغل': 'لا يمكن أن تكون هذه سوى خطوة أولى، ويجب أن تتبعها خطوات أخرى'. وقد يسهم هذا التحول في إعادة رسم التوازنات الدبلوماسية داخل الاتحاد الأوروبي، الذي ظل حتى الآن مشلولًا بسبب انقساماته الداخلية. ورغم أن الأمر لا ينبئ بإلغاء اتفاقية الشراكة بين الاتحاد وإسرائيل، فإن إجراءات، خصوصًا تجارية، قد تُتخذ بالأغلبية المؤهلة، ما يوسع مجال العمل، تضيف 'لوموند'. وقال وزير الخارجية الهولندي كاسبار فِلدكامب لموقع 'أكسيوس' الأمريكي: 'حكومة نتنياهو تخسر أوروبا، بالكامل'. أما رئيس المجلس الأوروبي، البرتغالي أنطونيو كوستا، فاعتبر أن القرار الإسرائيلي 'يجب أن تكون له عواقب على العلاقات بين الاتحاد وإسرائيل'، مندّدًا بمشروع 'يقوّض المبادئ الأساسية للقانون الدولي'. من جهتها، حافظت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على موقفها، مجددة الدعوة إلى 'وقف فوري لإطلاق النار' من دون التهديد بفرض عقوبات. ورأى نتنياهو أن الحظر الألماني على الأسلحة 'يكافئ إرهاب حماس'، وهو الموقف نفسه الذي أبداه تجاه فرنسا عندما أعلن قصر الإليزيه، في 24 يوليو/تموز، اعتزامه الاعتراف الكامل بدولة فلسطين في سبتمبر/أيلول، خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة. في 8 أغسطس/آب الجاري، دان وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو 'بشدة' الخطة الإسرائيلية، معتبرًا أنها 'لن تؤدي إلا إلى تفاقم وضع كارثي بالفعل، من دون أن تحقق إطلاق سراح الرهائن أو نزع سلاح 'حماس' أو استسلامها'. ونقلت 'لوموند' عن مصدر دبلوماسي فرنسي قوله: 'إنها أخبار سيئة للغاية. لا نرى منطقًا عسكريًا في هذه العمليات'. أما المملكة المتحدة، فكانت من أوائل الدول التي تفاعلت، ووصفت هذه الهجمة الجديدة بأنها 'خطأ' لن يؤدي إلا إلى 'مزيد من المجازر'. في العالم العربي، حيث تحرص الحكومات عادة على مراعاة الرأي العام الموالي للفلسطينيين، اقتصرت المواقف الرسمية على إدانات مبدئية، وهي ضعيفة مقارنة بالتداعيات المتوقعة لاحتلال عسكري لقطاع غزة. فقد دانت السعودية 'بأشد العبارات' القرار الإسرائيلي، واستخدمت مصر نفس التعبير، بينما عبّر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عن 'رفضه القاطع' للخطة الإسرائيلية. فالقاهرة وعمّان تتأثران بشكل خاص بالأحداث، فهما الدولتان الحدوديتان مع غزة (مصر) والضفة الغربية (الأردن)، وتخشَيان تهجيرًا قسريًا للفلسطينيين إلى أراضيهما، توضّح 'لوموند'، مشيرةً إلى أن المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، التي سُمِح بها عند بدء الهجوم الإسرائيلي في أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، لم يعد مسموحًا بها. كما تم حظر نشاط جماعة 'الإخوان المسلمين'، التي تُعد 'حماس' جناحها الفلسطيني ولها حضور اجتماعي قوي. وفي نص صدر في 22 يوليو/تموز، اتهمت 'حماس' الدول العربية بـ'التخلي عن الشعب الفلسطيني الذي يموت جوعًا'، ودعتها إلى تكثيف الدعم. بعد أسبوع، وخلال مؤتمر في الأمم المتحدة، دعت 17 دولة عربية 'حماس' إلى تسليم أسلحتها إلى السلطة الفلسطينية من أجل التوصل إلى 'حل عادل وسلمي ودائم للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس تنفيذ حل الدولتين'. ترتبط مصر والأردن باتفاقيات سلام مع إسرائيل (وقعت عامي 1979 و1994 على التوالي) تضمن لهما المساعدات الأمريكية، ولم يشككا يومًا في صلاحيتها. وفي 7 أغسطس/آب، وقعت القاهرة وتل أبيب اتفاقًا ضخمًا بقيمة 30 مليار يورو لتصدير الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى مصر حتى عام 2040. أما الإمارات العربية المتحدة، التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل عام 2020، فقد وقعت عقودًا مع الصناعة العسكرية الإسرائيلية، إذ اشترت شركة إماراتية حكومية في يناير/كانون الثاني 30% من أسهم مورد للأسلحة. رئيس المجلس الأوروبي: يجب أن تكون للمخطط عواقب على العلاقات بين الاتحاد وإسرائيل في لبنان، – تتابع 'لوموند' – لم يعلّق 'حزب الله'، الذي عادة ما يسارع إلى التنديد بـ'اعتداءات العدو الصهيوني'، لانشغاله بالضغوط التي تُمارَس عليه للتخلي عن ترسانته الخاصة. أما إيران فلم تذكر 'حماس'، لكنها ندّدت بخطة تهدف إلى 'إجبار السكان على النزوح'. وفي اليمن، كان الحوثيون – آخر بقايا 'محور المقاومة' – الوحيدين الذين حشدوا الشارع للتظاهر دعمًا للفصيل الفلسطيني المسلح. ومن المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعًا طارئًا، هذا السبت 9 أغسطس/آب، بناءً على طلب جميع أعضائه، باستثناء بنما والولايات المتحدة. وبالرغم من الاستنكارات شبه الإجماعية، فإن الموقف الأمريكي المنفرد ينبئ بمأزق دبلوماسي جديد وعجز المجتمع الدولي عن ثني إسرائيل عن التصعيد العسكري المعلن.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store