logo
وهل كنا نعيش في المدينة الفاضلة؟!

وهل كنا نعيش في المدينة الفاضلة؟!

العرب اليوممنذ 5 ساعات

فى الأيام الأخيرة قرأت العديد من المقالات والعبارات التى تشير إلى معنى واحد وهو:
«إن العالم تغير بحيث إنه يركز على التجارة والأسواق، ولم يعد يعرف إلا لغة الأرقام، ونسى هذا العالم الحديث كل ما له صلة بالقيم الوطنية والسياسية والقومية والإرث الثقافى».
‎هذه هى الفكرة التى تتردد بكثرة على صفحات وسائل التواصل الاجتماعى، بل وبعض وسائل الإعلام التقليدى ويعتقد أصحاب هذه الأفكار أن النظريات السياسية الجميلة التى صاغت القضايا وصنعت التاريخ وشغلت النخب والمفكرين وحركة المجتمعات اختفت لصالح حياة البزنس والربح والخسارة والتجويع والبيع والشراء والحصار.
‎ويختم أصحاب هذه الرؤية بالقول إن الاتجاه الجديد الفاقد للقيم الإنسانية يلاقيه الذكاء الاصطناعى الذى ألغى الحس فى التفكير لصالح الغش والتزوير.
‎الكلام السابق لا يخص شخصا أو مجموعة أو حتى بلدا عربيا واحدا، ولكنه يسرى كالنار فى الهشيم، ويمكنك أن تسمعه على المصاطب وأنصار حزب الكنبة وبعض خطباء دور العبادة، وصولا إلى بعض الإعلاميين والسياسيين. وهذا الكلام يجد هوى شديدا لدى الناس العادية فى العديد من الشوارع العربية.
‎لكن وإذا دققنا النظر فى هذا الكلام فقد نجد مفاجآت تنسفه من أساسه.
‎ ترديد هذا الكلام الآن يعنى أننا قبل سنوات أو حتى عقود قليلة كنا نعيش فى المدينة الفاضلة على مستوى العالم. والسؤال: هل هذا صحيح؟!
‎بالطبع الإجابة هى: لا قاطعة، لكن المشكلة أن عددا كبيرا من الناس فى كل زمان ومكان يحبون البحث عن شماعة جاهزة، واعتقادات تسهل لهم ما لا يجهد عقولهم.
‎ولا يخفى على أحد أن بداية ترديد وانتشار هذا الكلام جاء مع عودة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للبيت الأبيض. وكأنه فى المرة الأولى ٢٠١٦ ــ ٢٠٢٠ كان يحلق بأجنحة فى عالم الملائكة الفردوسى!
‎وقد يقول البعض: ولكن نحن نقصد عصر ما قبل ترامب. والإجابة هى نفسها، فالذى جاء بعد ترامب كان جو بايدن الديمقراطى الذى فتح للعدوان الإسرائيلى كل خزائن المال وكل مخازن السلاح، وكل أنواع الفيتو فى الأمم المتحدة حتى يدك غزة تماما.
‎وكان هناك باراك أوباما، ورغم أنه كان معتدلا نسبيا مقارنة ببايدن وترامب، إلا أن جوهر سياسات بلاده لم يتغير. فلم يوقف تصدير السلاح لإسرائيل وتقديم كل أنواع الدعم. قبلهما كان جورج بوش الابن الذى دمر أفغانستان والعراق فى عهد «المحافظين الجدد» الأكثر صهيونية من إسرائيل. وقبل كل هؤلاء فإن كل رؤساء الولايات المتحدة انحازوا دوما لإسرائيل على حساب الحقوق العربية.
‎لا أريد فقط أن أدلل على صحة كلامى عبر استعراض سياسات الرؤساء الأمريكيين السابقين، ولكن ما لا يدركه كثيرون هو أن العالم يقوم بالأساس على منطق المصالح ومنطق القوة، بل وفى مرات كثيرة على منطق الغابة. قد تتحسن الأمور فى بعض الفترات القليلة نحو الهدوء والاستقرار، لكن هذا تغير فى الدرجة، وليس فى الجوهر.
‎وحتى لا نظلم ترامب، فإنه لم يكن هو من اخترع فكرة التهديد بفتح أبواب الجحيم على خصومه وأعدائه، بل إن ذلك يحدث منذ بدء الخليقة وأغلب الظن سوف يستمر إلى قيام الساعة.
‎من يتأمل تاريخ البشرية، ومن يقرأ ملحمة قصة الحضارة، لـ«ول ديورانت» ومن يقرأ «صعود وسقوط الامبراطوريات»، لبول كيندى، وغيرها من الكتب التى تناولت الصراعات الكبرى، عبر التاريخ سوف يكتشف بسهولة أن الإمبراطوريات الكبرى قامت بالأساس على منطق القوة الغاشمة وليست الناعمة، وآخر إمبراطورية كانت البريطانية التى وصفها البعض بأنها «لا تغرب عنها الشمس»، تأسست بالفتوحات العسكرية وبالاحتلال العسكرى المباشر، والأمر نفسه ينطبق على الإمبراطورية الفرنسية، فرغم أن نابليون بونابرت جاء بالمطبعة والعلماء، إلا أن عدته الأصلية كانت القوة العسكرية.
‎إسرائيل نفسها تم زرعها بالقوة الغاشمة منذ وعد بلفور عام ١٩١٧، مرورا بالنكبة عام ١٩٤٨ ونهاية بالعدوان المستمر منذ ٢٠٢٣.
‎كل الإمبراطوريات الكبرى تقوم على القوة الخشنة، ولكن بعضها يجمل ذلك ببعض القشور الإنسانية أو العلمية والدعاوى والتبريرات الأخلاقية.
‎وقد رأينا أن كل مساحيق التجميل سقطت عن وجه العديد من الحكومات الغربية التى بررت ودعمت العدوان الإسرائيلى الأخير.
‎الخلاصة، أننا لا نعيش فى «المدينة الفاضلة» بل فى عالم تحكمه بالاساس القوة الشاملة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترامب سيكون من الرائع إجراء محادثات بين روسيا وأوكرانيا...
ترامب سيكون من الرائع إجراء محادثات بين روسيا وأوكرانيا...

الوكيل

timeمنذ 3 ساعات

  • الوكيل

ترامب سيكون من الرائع إجراء محادثات بين روسيا وأوكرانيا...

01:02 ص ⏹ ⏵ تم الوكيل الإخباري- قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاثنين إنه "سيكون من الرائع" أن تجري روسيا وأوكرانيا محادثات لوقف إطلاق النار في الفاتيكان، قائلا إن ذلك سيضيف أهمية إضافية إلى الإجراءات. اضافة اعلان وأضاف ترامب أنه قال للرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مكالمته معه في وقت سابق اليوم "متى سننهي هذا الأمر يا فلاديمير"؟. وكان الرئيس الأميركي قال في وقت سابق الاثنين، إن مكالمته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاثنين، سارت على ما يرام، وإن موسكو وكييف "ستباشران فورا مفاوضات" لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات. وكتب ترامب في منشور على منصة تروث سوشيال عقب مكالمته مع بوتين التي استمرت ساعتين "ستبدأ المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا فورا". وبعد المكالمة قال بوتين، إن جهود إنهاء الحرب "تسير على الطريق الصحيح بشكل عام" مضيفا أن موسكو مستعدة للعمل مع أوكرانيا على اتفاق سلام محتمل.

البيت الأبيض: ترامب لم يهدد أبدا بالتخلي عن إسرائيل
البيت الأبيض: ترامب لم يهدد أبدا بالتخلي عن إسرائيل

الوكيل

timeمنذ 3 ساعات

  • الوكيل

البيت الأبيض: ترامب لم يهدد أبدا بالتخلي عن إسرائيل

البيت الأبيض: ترامب لم يهدد أبدا بالتخلي عن إسرائيل 12:29 ص ⏹ ⏵ تم الوكيل الإخباري- نقل موقع أكسيوس عن المتحدثة باسم البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يهدد أبدا بالتخلي عن إسرائيل. اضافة اعلان

جولة ترامب .. الرابحون والخاسرون
جولة ترامب .. الرابحون والخاسرون

عمون

timeمنذ 3 ساعات

  • عمون

جولة ترامب .. الرابحون والخاسرون

اسُتقبل الرئيس الاميركي بحرارة وحفاوة اكثر من تلك التي استقبل فيها في ولايته الاولى عندما زار السعودية ودول الخليج عام 2017، وهذه الحفاوة هي نتيجة طبيعية (لتحالف النفط والقوة) الذي ابتدأ بين واشنطن والسعودية واستكمل لاحقا بين واشنطن وبقية دول الخليج العربي، فلقد وضعت البذور الاولى لهذا التحالف عام 1945 في اللقاء التاريخي بين الملك عبدالعزيز آل سعود مع الرئيس الاميركي فرانكلين روزفلت المنتصر وقتذاك في الحرب العالمية الثانية في البحيرات المُرة في قناة السويس على ظهر المدمرة الاميركية «كوينسي»، في ذلك الوقت ل? تكن «اسرائيل» موجودة على الخارطة لا السياسية ولا الجغرافية. اعتقد ان ترامب في ولايته الاولى واليوم في ولايته الثانية يعيد من حيث يدري او لا يدري هذا التحالف التاريخي ولكن في ظروف مختلفة اصبحت فيها «اسرائيل» لاعبا رئيسيا في الشرق الاوسط، لاعباً تضخم حجمه وتحديدا في العقد الاخير وبعدما احكم اليمين المتطرف بزعامة نتنياهو سيطرته على دولة الاحتلال، ففي هذا العقد كبل اليمين الاسرائيلي وهو «الابن الضال» كبل «الاب الاميركي» العجوز العاجز والضعيف امامه على الرغم من ان «دولة الاحتلال» تعد وبالحسابات سواء المالية او العسكرية او الامنية او حتى الاخلاقية عبئا كبيرا على واشنطن. وبالعودة لجولة ترامب في المنطقة نجد ان اسرائيل ليست من بين الرابحين في هذه الجولة الترامبية ولكنها وبحكم العلاقات الاستراتيجية مع واشنطن لم تكن من الخاسرين مثلما هو حال الشعب الفلسطيني الذي وبمجرد دخول طائرة ترامب اجواء المنطقة اوعز نتنياهو لقادة جيشه النازي بزيادة القصف والتدمير في غزة بوتيرة غير مسبوقة وذلك لايصال رسالة لترامب مفادها انا لست (طوع يمينك) والدم الفلسطيني ليس محرما لدي ولن تستطيع ان تحرمه عليّ، والمقال كتب وترامب ومبعوثه للشرق الاوسط ستيف ويتكوف كانا قد غادرا المنطقة دون ادنى جهد باتجاه وقف?المجازر بحق الغزيين ولا حتى لساعة واحدة باستثناء تلك الساعة التى تمت خلالها عملية الافراج عن الرهينة الاميركي عيدان الكسندر. الاشقاء في الخليج كانوا هم هدف ترامب من هذه الجولة وبالتأكيد هم اكبر الرابحين وعقدوا صفقات ترليونية مع واشنطن في قطاعات استثمارية مهمة كالطاقة والذكاء الصناعي والتسليح العسكري وغيرها من القطاعات وهي لا تشكل خسارة لهم باي حال من الاحوال لانها ستعود عليهم بعوائد مالية مربحة بالاضافة الى نفوذ سياسي في العاصمة واشنطن ويمكن ان تم من اليوم التفكير الجدي لهذه الدول بتنظيم هذا النفوذ المالي ببنائه على اسس سياسية «لخدمة العرب ومصالحهم في ظل عالم يتصارع بصورة وحشية، يمكن له ان يكون اكثر قوة وباضعاف من اللوبي الصهيون? الذي مازال يهيمن على الجالس في المكتب البيضاوي. بكل تأكيد ان اكبر الرابحين هي تركيا وبالمعية معها هو احمد الشرع والنظام الجديد الذي يتأسس في سوريا، وهنا من المهم ان ننتبه الى التحول الكبير في شكل الشرق الاوسط الذي اخذ يشكله طرفان اقليميان رئيسيان وهما السعودية وتركيا في ظل وجود الرئيس ترامب الداعم لهما (ليس الشرق الاوسط الذي تحدث عنه نتنياهو بتبجح ولم ير النور)، ومن المهم التوقف هنا عند التحول الكبير في العلاقة بين الرياض وانقرة بعد سبع سنوات، ومن المهم ان ننتبه الى المفارقة الكبري في موضوع احمد الشرع شخصياً وتنظيمه السياسي وكيف كان احمد الشرع وبتسميته ?ابو محمد الجولاني» وزعيم جبهة النصرة ثم رئيس هيئة تحرير الشام والذي كان مطلوبا لواشنطن وبمكافأة مالية قدرها 10 ملايين دولار من قبل واشنطن الى شخص مهم يجلس مع دونالد ترامب لمدة عشرين دقيقة على هامش القمة الخليجية – الاميركية ويصفه ترامب بانه شخص لطيف ورجل قوي ووعده برفع العقوبات عن سوريا. بالنسبة لنا في الاردن لم نربح من هذه الجولة هذا صحيح ولكننا لم نخسر، غير ان الاهم لنا الآن هو «تحسس» واقعنا الجيوسياسي بعد هذه الجولة الترامبية والتى تستدعي منا استنهاض مصالحنا الوطنية العليا وعزيز وحدتنا الوطنية باتجاه ان تكون وحدتنا الوطنية هي القلعة المنيعة في وجه التهجير والوطن البديل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store