الجيل الجديد من أبناء "جيش لحد"...مؤثرين رقميين يخاطبون اللبنانيين
بالتوازي مع الحرب الأخيرة في لبنان بين "حزب الله" وإسرائيل، عاد اسم "جيش لبنان الجنوبي" إلى الواجهة من بوابة مواقع التواصل الاجتماعي. وبعد ربع قرن على انتهاء دور "جيش لحد" بانسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب العام 2000، بدأ جيل أبنائهم يظهر تدريجياً، لا كعسكريين أو متقاعدين، بل كمؤثرين رقميين، يعيدون سرد روايتهم ويتقدمون بواجهة إعلامية خفيفة.
ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ومع تبدل قواعد الاشتباك في المنطقة، كثف الإعلام الإسرائيلي حضوره في ملف "اللبنانيين الفارين"، معيداً تفعيل رموز "جيش لحد" بصيغ جديدة، فيما تولى الجيل الثاني منهم، مهمة الاشتباك في الحيز الشعبي الرقمي اللبناني، من خلال محتوى يومي يجمع بين الحياة الخاصة، والهوية اللبنانية، والنظرة المهادنة لإسرائيل.
تشجيع على التطبيع؟
مثال على ذلك، حساب مريم يونس، ابنة ضابط سابق في "جيش لحد"، وهي شابة تقدم نفسها باعتبارها "ناشطة سلام" بين لبنان وإسرائيل. تظهر يومياً في مقاطع "ريلز" مصورة من تل أبيب، تتحدث فيها عن الحرب وتفاصيلها، كما تعبّر عن امتنانها لوجود ملاجئ وصفارات إنذار تحمي السكان في إسرائيل، وتتحدث عن إسرائيل ولبنان، وعن حياتها اليومية.
View this post on Instagram
ولا تكتفي يونس بذلك، بل تتعمد إدخال عناصر من الثقافة والعادات اللبنانية في خطابها، مشيرة إلى الأكل والحلو، وتستعرض مظاهر اجتماعية تقول إنها تعبّر عن جذورها الأصلية، مؤكدة أن اللبنانيين هناك يحافظون على هويتهم اللبنانية رغم وجودهم في إسرائيل ويتزاوجون من بعضهم البعض.
وتحاول يونس، كما غيرها من أبناء "جيش لحد"، اللعب على العواطف وتمرير رسائل سياسية مغلفة بخطاب وجداني وإنساني. واحدة من أبرز هذه الرسائل، حديثها المتكرر عن حرمانها من جدتها وجدها بسبب وجودها في إسرائيل، ومحاولتها إيجاد "بدائل عاطفية" عن أفراد عائلتها الذين حرمت من لقائهم نتيجة "الوضع السياسي". وأظهرت في بعض الفيديوهات لبنانيين مسنين مقيمين في إسرائيل، وتقدمهم على أنهم بمثابة جدتها وجدها، في محاولة لبناء مشهد وجداني يحرك مشاعر المتلقين، ويتجاوز المقاربات السياسية الصلبة.
لكن خلف هذه اللغة الناعمة، تروج يونس لرؤية متصالحة تماماً مع إسرائيل، وتمرر خطابات رمادية تتجاوز فكرة الاحتلال والانقسام والعداوة. هي لا تتبنى مباشرة الرواية الإسرائيلية، لكنها تتجنب كلياً الاعتراف بالواقع السياسي للصراع، وتتحدث عن الطرفين كضحايا متساوين، ما يندرج ضمن سياسة تطبيع الشعور، لا فقط تطبيع العلاقات.
متنفس لهم
بهذا الشكل، وجد الجيل الجديد من أبناء "جيش لحد" في مواقع التواصل الاجتماعي منصة مثالية للظهور، والانخراط التدريجي في لاوعي المجتمع اللبناني. لم يعودوا ينتظرون دعوات من القنوات العبرية، بل صاروا هم أصحاب المنصات والمحتوى، ويملكون أدوات الخطاب، وشروط الوصول إلى جمهور لبناني شاب يتعرف إليهم اليوم بعيداً من الخلفية التاريخية الصِّدامية.
يحاول هذا الجيل كسر جدار الرفض الشعبي الذي لازم آباءهم في لبنان، من خلال الاستناد إلى أدوات التواصل الحديثة لاختراق المزاج العام، بلغة جديدة، وبصورة شخصية، خفيفة، وعاطفية. صحيح أن الظهور الإعلامي للعناصر السابقين في "جيش لحد" لم يكن غائباً في العقود الأخيرة، لكنه بقي محصوراً ضمن قنوات إسرائيلية رسمية أو تقارير تسلط الضوء على أزمة الهوية والمعيشة التي يواجهها هؤلاء. أما اليوم، فالمعادلة تغيرت: باتوا في قلب "الفور يو" و"الترند"، يتحدثون بلسان لبناني، لا كمشكلة إسرائيلية، بل كرسالة موجهة بدقة إلى الداخل اللبناني.
تاريخ "جيش لحد"
وتعود قصة بقايا تلك العائلات إلى العام 1976، في بدايات الحرب الأهلية اللبنانية، حين تشكلت ميليشيا محلية عرفت باسم "جيش لبنان الجنوبي"، بقيادة الضابط المنشق عن الجيش اللبناني سعد حداد، قبل أن يتسلم قيادتها لاحقاً أنطوان لحد. نشأ التشكيل المسلح برعاية مباشرة من إسرائيل، التي أرادت منه أن يكون درعاً واقياً لحدودها الشمالية لها من هجمات "منظمة التحرير الفلسطينية"، التي اصطفت معها ميليشيات يسارية وعروبية وإسلامية، ولاحقاً من "حزب الله".
وتكوّن "جيش لبنان الجنوبي" في معظمه من مسيحيين مارونيين من أبناء القرى الحدودية الجنوبية، الذين انشقوا عن وحدات بالجيش اللبناني. وتم تسليحهم وتدريبهم وتمويلهم من قبل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. وكان الجيش بمثابة اليد اللبنانية لإسرائيل في الجنوب، شارك في معارك ضد "منظمة التحرير" والفصائل اللبنانية الحليفة لها، خلال مراحل الحرب الأهلية الممتدة بين العامين 1975 و1990، وظل نشطاً حتى انسحاب إسرائيل من لبنان العام 2000.
خلال تلك الفترة، لم يقتصر الدعم الإسرائيلي لـ"جيش لحد" على الجوانب العسكرية، بل شمل أيضاً خدمات طبية ومساعدات اقتصادية، لتأمين مقومات البقاء في القرى الواقعة ضمن ما كان يعرف بـ"الشريط الحدودي المحتل". وحين انسحب الجيش الإسرائيلي في أيار/مايو 2000، اصطحب معه الآلاف من عناصر "جيش لحد" وعائلاتهم، قُدّر عددهم آنذاك بين 6500 و7000 شخص. لكن هذا الرقم انخفض لاحقاً إلى النصف تقريباً، بعدما عاد بعضهم إلى لبنان في السنوات التالية، وخضعوا لمحاكمات قضائية أصدرت في معظمها أحكاماً مخففة بالسجن، فيما هاجر آخرون إلى دول غربية مثل كندا وفرنسا وأستراليا.
أما من بقي منهم في إسرائيل، فواجه صعوبة في الاندماج، حيث رفض فلسطينيو الداخل استقبالهم في قراهم وبلداتهم أو تأمين مساكن لهم، فاضطروا إلى الاستقرار في بلدات إسرائيلية حدودية مثل المطلة، ونهاريا، وصفد، وكريات شمونة. ومن هناك، بدأت محاولات بناء هوية هجينة، تسعى إلى الجمع بين الانتماء اللبناني السابق، والحياة الإسرائيلية في الواقع.
واليوم، يحاول أبناؤهم إعادة طرح سردية جديدة تقول: "نحن لبنانيون"، مع الحفاظ الكامل على إسرائيل كإطار حياة يومي، لا كعدو تاريخي. يسعون إلى إعادة تعريف انتمائهم، بعيداً من السَّيَر العسكرية لآبائهم، لكن ضمن مناخ لا يعترف بالعداوة، بل يروج لفكرة "التواصل والانفتاح".
وفي خلفية هذا الحضور الرقمي المفاجئ، يظهر توظيف سياسي وإعلامي إسرائيلي واضح، هدفه إعادة تعويم "اللبناني الآخر" الذي يناهض سردية المقاومة، لكن هذه المرة ليس عبر المنابر التقليدية السياسية أو العسكرية، بل من خلال جيل رقمي جديد، أكثر مرونة وأقل صِداماً، يعرف كيف يخاطب العواطف الجماعية ويتسلل إلى المساحات الرمادية من الذاكرة اللبنانية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صوت لبنان
منذ 19 دقائق
- صوت لبنان
لبنان لا يريد أن يتسلم 'شعلة النار'
جاء في 'الراي الكويتية': وفي اليوم الثاني على انتهاءِ الحرب الإسرائيلية – الإيرانية بـ «نفيرِ سلامٍ» مُباغِتٍ دقّه الرئيسُ الأميركي دونالد ترامب وأسكتتْ «موجاتُه الصوتية» أعتى المواجهات التي استعرت على مدى 12 يوماً، بقي لبنان تحت تأثير هذا التحوّل الذي لم تكتمل بعد الصورةُ في ما خص «علبة أسراره» ولا أفقه لجهةِ كيفية «تصفيحِ» وقْفِ النار باتفاقٍ يراعي مسبّباتِ الانفجار الذي كاد يودي بالمنطقة والتي يَختصرها «مثلث» النووي الإيراني، بالستي طهران وأذرعها في الإقليم. وفي الوقت الذي كان «محوُ» المنشآتِ النووية الإيرانية يعلو بصوت ترامب في قمة «الناتو» حيث استحضَر هيروشيما وناغازاكي كـ «مقياس» لتأثير الضربات الأميركية على منشآت فوردو وناتانز وأصفهان، فإنّ التقاطُعَ بين الولايات المتحدة وإسرائيل على هذه «النتيجة التدميرية» وعلى إعادة قدرات إيران النووية سنوات إلى الوراء، وصولاً إلى إقرار طهران بأن منشآتها النووية «تضرّرت بشدة»، عَكَسَ منحى لتثبيت مرتكزاتِ وقْف النار التي شكلت «السُلَّمَ» الذي أنْزل أطراف الحرب عن حافة معركة «وبعدي الطوفان» التي لم تَخْفَ في بيروت علاماتُ «الذعر» من إمكان اندلاعها وزج البلاد في… فوهتها. وفيما طغى على اليوم الثاني من وقْف النار ملفُ النووي ورسْم واشنطن خطاً أحمر حول عودة طهران إلى التخصيب أو امتلاك سلاح نووي، مع محاولة ترامب نسْف صدقية التقارير عن نقل اليورانيوم المخصب من فوردو، فإنّ لبنان بدا معنياً أكثر بانكفاء الحديث عن البندين اللذين يُفترض أنهما متلازمين، أي البالستي والأذرع، رغم الحديث الأميركي عن اتجاهٍ لاستئناف المفاوضات مع طهران الأسبوع المقبل، وسط رَصْدٍ لِما إذا كانت الولايات المتحدة ستلتزم بأولوياتِ إسرائيل في هذا الإطار وتوظّف «العقيدة الجديدة» التي ظهّرتها بإرساء معادلة «التفاوض بالقوة الساحقة» على الطاولة لاستدراج اتفاقٍ بشروطها وبالمَوازين التي عبّرتْ عنها ضربةُ «مطرقة منتصف الليل» واستعادت معها «بلاد العم سام» قوة الردع ومن بعيد. ولم يكن ممكناً، أمس استشراف تداعياتِ ما يَشي بأنه أكثر من فكِّ اشتباكٍ موْضعي جعلتْ واشنطن نفسها «عرّابته» وأقل من اتفاقٍ ذات مفاعيل دائمة، أقله حتى الساعة، في ظل تدقيقٍ حثيث بمعطياتٍ، ستكشف الأيام المقبلة دقّتها، حول أن إيران لن تتخلّى عن حقِّها عن برنامجها النووي لأغراض سِلمية ولا عن زيادة «تخصيب» أذرعها في المنطقة، وذلك على قاعدة أن ما شهدتْه حرب الأيام الـ 12 عمّق مبرراتِ رَفْع قدراتها الدفاعية المتعددة الطبيعة والطبقات، وأنها ربما تستفيد من ملامح استعجالٍ أميركي على إطفاء الصراع ما لم يعقبه إظهار حزمٍ في المفاوضات حيال النووي والبالستي والوكلاء. «حزب الله» ولم يكن عابراً البيان الذي أصدره «حزب الله» وهنأ فيه إيران بتحقيقها «نصراً مؤزراً» في حربها مع إٍسرائيل، معتبراً أن ما حصل ما هو إلا «بداية مرحلة تاريخية جديدة في مواجهة الهيمنة الأميركية والعربدة الصهيونية في المنطقة». وإذ رأى أن «الردّ البطولي المباشر وجّه رسالة حاسمة للإدارة الأميركية وللكيان الصهيوني ولكل الطغاة والمستكبرين، أن زمن الاستعلاء والتجبّر على شعوب المنطقة قد ولّى إلى غير رجعة»، مؤكداً وقوفه «الحاسم والثابت إلى جانب الجمهورية الإسلامية قيادةً وشعباً»، نقلت قناة «الحدث» عن مصدر قريب من الحزب «ان أنظارَ إسرائيل ستعود إلى لبنان بعد وقف الحرب مع إيران» وأن عودة نشاطها «سيكون بالضغط السياسي والعسكري». وبحسب المصدر «فإن ملف السلاح شمال الليطاني سيكون عنوان البحث الإسرائيلي»، موضحاً «ان جزءاً من مخازن سلاح الحزب معروف لدى إسرائيل ويمكن ضربه بأي لحظة، فيما مخازن السلاح النوعي غير معروفة لإسرائيل وتتواجد شمال الليطاني»، ولافتاً إلى «أن إسرائيل تمارس اليوم جهداً استخباراتياً كبيراً لمعرفة أماكن المخازن النوعية وتدميرها، وجهودها منصبّة على كشف المنصات والمسيَّرات التي مازال يملكها الحزب». عون وألغرين في هذا الوقت، ومع بدء العد التنازلي لعودة الموفد الأميركي الى سوريا توماس باراك إلى بيروت بعد نحو أسبوعين لإكمال ما بدأه لجهة حض اللبنانيين على بت قضية نزع سلاح «حزب الله» على قاعدة سحْبه من أي تلازمٍ مع مصير الملف الإيراني، وسط خشيةٍ من أن تستعيد إسرائيل نمط التصعيد مع لبنان بحال لم «يُمنح» باراك ما يكفي لتأكيد وضع مسألة السلاح على سكة التنفيذ، أبلغ رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، المستشار الأول لدى وزارة الدفاع البريطانية لشؤون الشرق الأوسط الادميرال إدوارد ألغرين «ان استمرار إسرائيل في احتلالها التلال الخمس ومحيطها لايزال يعرقل استكمال انتشار الجيش اللبناني حتى الحدود». وأوضح أنه «حيثما حلّ الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني تم تطبيق قرار الدولة بحصرية السلاح في يد القوات الأمنية النظامية وحدها، مع إزالة كل المظاهر المسلحة»، مشدداً على «أن استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على البلدات الجنوبية وامتدادها أحيانا الى مناطق لبنانية أخرى في الجبل والضاحية الجنوبية من بيروت يُبْقي التوتر قائماً ويحول دون تطبيق ما تم الاتفاق عليه في نوفمبر الماضي من إجراءات تحفظ سيادة لبنان وامنه واستقراره». ولفت عون إلى «أن لبنان يعتبر أن التمديد للقوات الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل) عامل أساسي لحفظ الاستقرار والأمان على الحدود اللبنانية الجنوبية، ولذا يعلق آمالاً كبيرة على دعم الدول الأعضاء في مجلس الأمن ومنها بريطانيا كي يتم التمديد في موعده (نهاية آب) من دون أي عراقيل»، مؤكداً «ان وجود«اليونيفيل»في منطقة جنوب الليطاني يساعد كثيراً في تطبيق القرار 1701».

المدن
منذ 2 ساعات
- المدن
بوشيكيان بعد أمين سلام: القضاء يتجرأ على السياسيين مجددًا؟
استدعى القضاء اللبنانيّ وزير الصناعة السابق والنائب الحالي جورج بوشيكيان إلى التحقيق بصفة "شاهد". هي المرة الأولى التي يُطلب فيها للاستماع إلى أقواله. لم يمثل، متذرعًا بتعرضه لوعكة صحية منعته من حضور الجلسة التي حُدد تاريخها في الخامس والعشرين من حزيران الجاري. "الحصانة السياسية" تحوم شُبهات حول دور بوشيكيان حين كان وزيرًا للصناعة، في ملفٍ فتح في الأشهر الماضية لدى شعبة المعلومات بإشراف القضاء اللبنانيّ، حول تعرض مجموعة من الصناعيين للإبتزاز المالي من قبل الوزارة. عمليًا، تحرك القضاء اللبناني، فأوقف المدعي العام التمييزي جمال الحجار مجموعة من الموظفين داخل الوزارة، وأرجأ جلسة بوشيكيان للأسبوع المقبل، بانتظار أن تتحسن صحته الجسدية ليتمكن من حضور جلسة الاستماع إليه. وللتذكير، فإن الاستماع إليه بصفة شاهد يعود لسبب أساسي وهو أنه نائب حالياً، ما يعني أن الحجار قد يحتاج إلى المطالبة برفع الحصانة عنه ليتمكن من ملاحقته في حال أثبتت التهم المنسوبة إليه. تُعيدنا هذه القضية إلى ملف وزير الاقتصاد السابق أمين سلام، وإن كانت بفوارق عديدة. كان يطمح سلام أن يصبح رئيسًا لحكومة لبنان، وأن يصبح الزعيم السني الأول لطائفة كان يملؤها الفراغ بعد غياب الحريرية السياسية. كان سلام مدعومًا من التيار الوطني الحر، تولى الوزارة، وحوّلها من مقرّ رسمي إلى جمعية عائلية، فاحت رائحة الفساد فيها سريعًا. ربما لأنه لم يتعلم من بعض الساسة الطُرق السرية لدفن الفساد لفترات أطول. استجوب أمام القضاء اللبناني عدة مرات، وفي المرة الأخيرة استدرج إلى شعبة المعلومات بأمر من القضاء اللبناني. حلّ ضيفًا هناك لأكثر من 4 ساعات متواصلة، استجوب فيها لمدة لم تتخط الـ15 دقيقة، قبل أن يبلّغ بأن الحجار أعطى إشارة بتوقيفه. ونقل إلى مديرية قوى الأمن الداخلي، هناك بالقرب من الغرفة التي جهزت سابقًا لحاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة. سلام تجرّد من الدعم السياسي الذي حظي به سابقًا، عجز عن إخراج شقيقه كريم من السجن، وعجز عن حماية نفسه أيضًا. وبالعودة إلى بوشيكيان، فهو نائب حالي، يحظى بدعم سياسي من حزب الله وتيار المردة، ومقرب من رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، وكان يحظى بدعم من التيار الوطني الحر وحزب الطاشناق، قبل أن يسحب الأخير تغطيته له إثر تمرده على قراراته. بذلك، تصوب الأعين على أداء الحجار في هذا الملف. ففي حال أثبتت التهم المنسوبة إليه، هل سيطلب رفع الحصانة عنه لملاحقته؟ هل سيكون مصيره شبيهًا بمصير سلامة وسلام؟ أم سيقفل ملفه وكأن شيئًا لم يكن؟ وهل سيثبت الحجار أن عهده سيكون مختلفًا؟ نموذج سلامة ثمة رائحة عفن داخل مؤسسات الدولة اللبنانية ووزاراتها، لا تحتاج لكثير من البراهين لتأكيدها. الفساد يستشري هناك، بسبب غياب الأجهزة الرقابية وعجز القضاء اللبناني عن ملاحقة كل من يحظى بدعم سياسي وطائفي. منذ سنوات، حين بدأ القضاء الأوروبي ملاحقة سلامة، تفتّحت ملفاته داخل القضاء اللبناني على مضض، لم يعد بإمكان أي أحد إخفاء فضائح سلامة أو تجميلها. آنذاك، استدعت النيابة العامة التمييزية سلامة، وتركته في سبيله. كان لا يزال حاكمًا لمصرف لبنان المركزي، ورجلًا مدلّلًا داخل قصر عدل بيروت، كان يتشارك تدخين السيجار مع القضاة، وفي مرة لدى سؤال أحد القضاة الذي حقق مع سلامة، لماذا لم يتم توقيفه حتى اليوم على الرغم من كل الأدلة والتحقيقات التي قدمها القضاء الأوروبي للقضاء اللبناني؟ كان جوابه واضحًا "لا نريد أن نخرب البلد، توقيف سلامة سيؤدي إلى تحليق الدولار أكثر". وعليه، ترك القضاء سلامة، لكن الدولار حلّق كثيرًا ولم يتم ضبطه، فيما "حرص" القاضي على مصلحة المواطنين كان وهمًا، وحجة ركيكة. إذ لم يكن القضاء قادرًا على توقيف سلامة لعلةٍ وحيدة: الحصانة والدعم من السلطة السياسية. بعد انتهاء ولاية سلامة، تقلّصت مناعة الحاكم السياسيّة، وصار عبئًا على الجميع، تمامًا كعبارة الشاعر محمود درويش "تُنسى كأنك لم تكن..". هذا ما يحصل في كل المناصب الرسمية في لبنان. يُنسى المرء، فتُفتح الملفات على مصراعيها، وتبدأ المحاسبة. ثمة تساؤلات كثيرة تطرح دائمًا حول قدرة القضاء اللبناني على ملاحقة كل الفاسدين سياسيين أو موظفين كبار. ولِمَ تُحصر الملاحقة بمن جُردوا من الغطاء السياسي وحدهم؟ دفن الملفات لا ينفي مصدر قضائي لـ"المدن" وجود تدخلات سياسية تمارس على بعض القضاة لمنعهم من استكمال التحقيقات، فيطلب منهم عدم توقيف شخصية معينة. وبمنظوره فإن المشكلة هي في منع وصول ملفات الفساد إلى القضاء اللبناني، إذ أن القضاة لا يتحركون إلا لحظة انفجار أي قضية فساد. حينها، لا يمكنهم التغاضي عنها أو تجاهلها، ويصبحون مجبرين على متابعتها، خصوصًا في حال تحريكها أمام الرأي العام. ويؤكد أن ملاحقة أي موظف أو وزير أو نائب بعد انتهاء ولايته هو أمر يحصل في كل بلدان العالم. فعندها يتمكن القضاء بالتحرك براحة أكبر". من جهة أخرى، ملفات كثيرة فتحت داخل القضاء اللبناني بعد أن أحدثت ضجيجًا في الرأي العام وانطفأت داخل أروقة قصور العدل، ولم تعرف الأسباب. ربما، يعود ذلك لأن المتورطين هم من أصحاب النفوذ. عسى أن يتغيّر الحال حين نتمكن من تعديل القوانين بما يحرر القضاء من التدخل السياسي ومن نفوذ السلطة. هل مع قضية أمين سلام، ثم راهنًا مع قضية بوشيكيان سيبدأ التحول المنتظر في مسار العدالة ومكافحة الفساد وابتداء زمن الإصلاح؟

القناة الثالثة والعشرون
منذ 2 ساعات
- القناة الثالثة والعشرون
'الحزب' ينعى عنصراً من عناصره
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب... انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب... أعلن حزب الله في بيان أنه 'بمزيد من الفخر والإعتزاز، تزف المقاومة الإسلامية الشهيد المجاهد علي محمد قاروط من بلدة ميس الجبل في جنوب لبنان، والذي ارتقى شهيدا على طريق القدس متأثرا بجروحه'. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News