logo
هل يجعلنا الذكاء الاصطناعي "أكثر غباء"؟

هل يجعلنا الذكاء الاصطناعي "أكثر غباء"؟

BBC عربية١٠-٠٥-٢٠٢٥

تطبيقات الذكاء الاصطناعي ستحسن من حياة البشر من خلال تأدية مهام مملة أو شاقة تتطلب الكثير من الوقت والجهد، ومن ثم تمنحنا فرصة أكبر للاستمتاع بالحياة أو التفرغ لأشياء أخرى أكثر أهمية.
هذه هي وجهة نظر المتحمسين لما يعرف بتقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI) التي انتشرت بشكل مهول في الأعوام القليلة الماضية، ولا سيما وسط الشعبية الهائلة التي حظي بها روبوت الدردشة "تشات جي. بي. تي" الذي بلغ العدد الأسبوعي لمستخدميه النشطين في فبراير/شباط الماضي مليون مستخدم، وفق شركة "أوبن. إيه. آي" التي أطلقته في عام 2022.
على سبيل المثال، مهام مثل تلخيص الوثائق الطويلة أو صياغة رسائل إلكترونية روتينية أو ترجمة نصوص بسيطة أو كتابة سيرتك الذاتية بطريقة مهنية – كلها أشياء يستطيع الذكاء الاصطناعي التوليدي القيام بها في ثوان معدودات.
لكن هناك من يحذر من أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدلا من أن يطلق العنان لأدمغتنا للانخراط في أشياء أهم وأعمق، قد يجعلنا "أكثر غباء". فكيف يمكن أن يحدث ذلك؟ وهل نستطيع الاستفادة من إمكانياته الهائلة من دون أن يؤدي ذلك إلى أن نصبح أقل ذكاء وإبداعا؟
إضعاف مهارات التفكير النقدي
من بين أحدث الدراسات التي ربطت بين الاعتماد على الذكاء الاصطناعي التوليدي وانخفاض القدرات المعرفية والإدراكية للبشر دراسة أجرتها شركة مايكروسوفت بالتعاون مع باحثين من جامعة كارنيغي ميلون في وقت سابق من العام الحالي.
الدراسة، التي شملت 319 شخصا يعملون في مهن تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي على الأقل مرة واحدة في الأسبوع، وجدت أن هذه التقنية تغير طريقة التفكير النقدي لدى هؤلاء الأشخاص. فهي تقلل المجهود الذهني المطلوب لتنفيذ المهام، فيفرط المستخدمون في اعتمادهم على مخرجات الذكاء الاصطناعي، خصوصا عندما يثقون بها أكثر من اللازم. ويتحول المستخدمون من جامعين للمعلومات إلى متحققين من صحتها، من منفذين نشطين للمهام إلى مشرفين على مخرجات الذكاء الاصطناعي. وحددت الدراسة عدة أشياء قالت إنها تعرقل التفكير النقدي في المهام التي يساعد الذكاء الاصطناعي في تنفيذها، من بينها انخفاض الدافع للتفاعل بعمق مع المحتوى، وعدم امتلاك القدرة أو المعرفة الكافية لتقييم مخرجات الذكاء الاصطناعي بشكل فعال.
وهناك دراسة أخرى أجراها الدكتور مايكل غرليتش مدير معهد الاستشراف الاستراتيجي والاستدامة المؤسساتية بكلية التجارة السويسرية (إس.بي.إس) على 666 شخصا، وجدت أن ثمة صلة بين الاستخدام المستمر للذكاء الاصطناعي التوليدي وانخفاض القدرة على التفكير النقدي.
يقول البروفيسور غرليتش لـ"بي. بي. سي. عربي" إن البحث الذي أجراه أظهر أن أدوات الذكاء الاصطناعي "تشجع على التفريغ الإدراكي، أو بعبارة أخرى الاستعانة بمصدر خارجي هو الآلات للتفكير نيابة عنا. هذا ليس سلبيا في حد ذاته، ولكن إذا اعتدنا عليه، فإنه قد يقوض من قدرتنا على القيام بالتفكير المنطقي المعقد أو حل المشكلات أو التفكير النقدي".
التفكير النقدي لا يعني مجرد اكتشاف الأخطاء، بل هو عملية ذهنية معقدة تمكن الشخص من الحكم على معلومة ما بشكل منطقي وموضوعي من خلال فهم وتفسير الأدلة التي يجمعها عن طريق الملاحظة والقراءة والتجربة والنظر بعين الشك إلى الافتراضات القائمة وأخذ وجهات النظر المختلفة بعين الاعتبار. وللتفكير النقدي أهمية كبيرة في تعزيز اتخاذ القرارات وتحسين مهارات حل المشكلات وتقييم المعلومات وبناء الحجج القوية وزيادة الوعي بالذات والإبداع وتحسين مهارات اللغة والتعبير عن الأفكار.
يضيف غرليتش أن "عضلاتنا الذهنية، كتلك التي تستخدم في التفكير التحليلي، من الممكن أن يصيبها الوهن إذا لم تُدَرب بانتظام. ومع مرور الوقت، قد يؤدي اعتمادنا على الذكاء الاصطناعي إلى تقويض قدرتنا على التفكير النقدي، ولا سيما في المواقف المصيرية أو الغامضة التي لا يستطيع الذكاء الاصطناعي التعامل معها. لقد أظهرت دراستي أن الشباب والأشخاص محدودي التعليم بوجه خاص يميلون إلى الاستعانة بتلك التقنية للقيام بعملية التفكير، وهو ما أدى إلى انخفاض مهارات التفكير النقدي لديهم".
هل تحارب أدمغتنا على عدة جبهات؟
التحذير من الإفراط في استخدام روبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لما قد يكون له من تأثير سلبي محتمل على وظائفنا المعرفية والإدراكية يضاف إلى تحذيرات مماثلة من الإفراط في استخدام التقنيات الرقمية الحديثة خلال العقد الأخير.
على سبيل المثال، هناك دراسات تربط بين قضاء فترات طويلة أمام شاشات الهواتف الذكية وانخفاض الانتباه وضعف نمو الدماغ. وفي نهاية عام 2024، اختار قاموس أوكسفورد للغة الإنجليزية مصطلح "brain rot" أو "تعفن الدماغ" ليكون مصطلح العام. يشير المصطلح إلى "التدهور المفترض لحالة الشخص العقلية والفكرية، ولا سيما عندما يُنظر إليه على أنه نتيجة للاستهلاك المفرط للمواد (خاصة محتويات الإنترنت) التي تعد تافهة أو لا تشكل تحدياً للعقل"، وفق تعريف القاموس.
ربما يتساءل البعض عما إذا كان اعتمادنا على الذكاء الاصطناعي التوليدي أسوأ من اعتمادنا على محركات البحث على الإنترنت، أو الإفراط في مشاهدة المحتوى "التافه" على وسائل التواصل الاجتماعي.
يرى البروفيسور غرليتش أن "ما تفعله وسائل التواصل ومحركات البحث بالأساس هو تشتيت انتباهنا أو توجيهه، وعادة ما يؤدي ذلك إلى تفتيت تفكيرنا وإغراقنا بالمعلومات الضحلة. أما الذكاء الاصطناعي التوليدي فينتج لنا محتوى، ومن ثم يخطو خطوة إضافية، إذ يفكر بالنيابة عنا. إنه اختلاف صغير ولكن مهم للغاية. عندما نتوقف عن صياغة حججنا أو التحقق من صحة المعلومات بشكل مستقل، فإننا نخاطر ليس فقط بفقدان تركيزنا، ولكن أيضا باستقلالنا المعرفي".
ويضيف: "لذا، فإنه رغم أن الاتجاهين مثيران للقلق، فإن قدرة الذكاء الاصطناعي على محاكاة الفكر البشري قد تشكل تحدياً أعمق وأطول أمدا لكيفية بنائنا للمعرفة واتخاذنا للقرارات".
الوجه الآخر
قد يبدو الأمر بسيطا: اعتمادنا الزائد على الذكاء الاصطناعي وجعله يفكر بدلا من أن نفكر نحن ونستخدم وظائفنا الإدراكية والمعرفية سيؤدي إلى تقويض قدرتنا على التفكير المنطقي أو النقدي، ومن ثم يجعلنا أقل ذكاء أو "أكثر غباء" كما يحلو لبعضهم أن يقول.
لكنّ للصورة أبعادا أخرى. فالذكاء البشري مفهوم معقد يتأثر سلبيا أو إيجابيا بعوامل عديدة، منها الجينات الوراثية والتغذية والصحة البدنية والتعليم والتربية والتلوث، وهو ما يجعل من الصعب برأي بعض الخبراء النظر إلى تأثير عامل واحد بمعزل عن باقي العوامل.
كما أن هناك من يرى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي قد يغير الطريقة التي نفكر بها، ولكن ليس بالضرورة إلى الأسوأ.
يقول دكتور كارلوس زدنيك مدير مركز فلسفة الذكاء الاصطناعي بجامعة إيندهوفين في هولندا لـ بي. بي. سي. عربي إن من بين الآثار التي قد تترتب على ذلك هو "أن تفكيرنا، أو الطريقة التي نعبر بها عن تفكيرنا، على الأرجح سوف تتغير. ففي حين كنا في السابق نعبر عما نفكر فيه بالكلام أو الكتابة أو الرسم أو عزف الموسيقى مثلا، في المستقبل قد نعبر عنه بطرق تعتمد على التفاعل مع أدوات الذكاء الاصطناعي أو استخدامها لمساعدتنا على القيام بكافة تلك الأنشطة وغيرها. وبالطبع هذه ليست ظاهرة جديدة، ففان غوخ أظهر عبقريته بالطريقة التي كان يستخدم بها فرشاة الرسم، وروجر فيدرر بطريقة استخدامه لمضرب التنس...الجيل القادم من المفكرين ربما سيظهر مواهبه بالطريقة التي يستخدم بها الذكاء الاصطناعي".
كيف نستفيد من دون أن نصبح "أكثر غباء"؟
الدراسة التي أجرتها مايكروسوفت أظهرت أن الأشخاص الذين لديهم ثقة بالنفس كانوا أكثر نزوعا لاستخدام التفكير النقدي للتحقق من مخرجات الذكاء الاصطناعي. وخلصت إلى أن ثمة حاجة إلى أن تكون أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي مصممة بحيث تعزز التفكير النقدي لدى العاملين في مجالات تتطلب استخدام المعلومات.
وإلى أن يتحقق ذلك، يتعين على المستخدم التعاطي مع الذكاء الاصطناعي بطريقة تجعله يتفادى خطر أن يؤدي ذلك إلى إضعاف قدراته على اتخاذ القرارات وعلى مهاراته الإدراكية والمعرفية.
يقول البروفيسور غرليتش: "كلما تعاملنا مع الذكاء الاصطناعي التوليدي على أنه مساعد قائد الطائرة وليس طيارا آليا، كلما حافظنا على قدراتنا الإدراكية والمعرفية بل وعززناها".
ويضيف أنه ينبغي أن "نتعامل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي ليس بوصفه بديلا للتفكير، ولكن كشريك نتناقش معه، كشيء يتحدانا وينقح أفكارنا ويساعدنا على استكشاف وجهات نظر مختلفة. ولتفادي البلادة الفكرية، يجب أن نتفاعل بشكل واعٍ مع مخرجات الذكاء الاصطناعي، ونطرح أسئلة وننتقد الافتراضات ونتحقق من صحة المزاعم".
أما الدكتور زدنيك فيشدد على أهمية "محو الأمية" في مجال الذكاء الاصطناعي، ويشمل ذلك التعريف بما تعنيه تلك التقنية، وكيف تعمل، وما تستطيع وما لا تستطيع تحقيقه، ومتى ينبغي استخدامها، ومتى لا ينبغي استخدامها.
ويضيف: "أتوقع أن تنتشر تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد، ولذا من المهم أن يتم هذا النوع من محو الأمية مبكرا وعلى نطاق موسع. الأطفال ينبغي أن يتعلموه، والمعلمون ينبغي أن يدرسّوه. لا يجب أن نحظر على الأطفال استخدام الذكاء الاصطناعي، ولكن يجب أن نعلمهم كيف يستخدمونه بحكمة".
ويشير زدنيك كذلك إلى أهمية تحمل الحكومات مسؤولية إدارة تقنية الذكاء الاصطناعي "بما يحقق توازنا بين سلامة المجتمع من جهة، والنمو الاقتصادي والابتكار من جهة أخرى".
خلاصة القول: الذكاء الاصطناعي التوليدي مثله مثل أي تقنية أخرى يمكن أن تكون له منافع هائلة للأفراد والمجتمعات، ويمكن أن يعود علينا بالضرر، والأمر يتوقف إلى حد كبير على طريقة استخدامنا له. ومن خلال التوعية بإمكانياته وطريقة عمله ومواطن ضعفه، والتشجيع على التفاعل معه بشكل لا يلغي تفكيرنا، يمكننا استثمار إمكاناته الهائلة من دون أن نصبح أقل ذكاء.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

لماذا يستمر البعض في استخدام أجهزة كمبيوتر قديمة الطراز؟
لماذا يستمر البعض في استخدام أجهزة كمبيوتر قديمة الطراز؟

BBC عربية

timeمنذ يوم واحد

  • BBC عربية

لماذا يستمر البعض في استخدام أجهزة كمبيوتر قديمة الطراز؟

قد تستمر في الضغط على هذه المفاتيح، CTRL+ALT+DEL، للأبد. فمع تقدم التكنولوجيا، يقع البعض في فخ الاستمرار في استخدام برمجيات وأجهزة كمبيوتر عفا عليها الزمن. إليكم نظرة على عالم أجهزة ويندوز القديمة والغريبة. في وقت سابق من هذا العام، كنتُ في طريقي لإجراء فحص طبي في عيادة في مدينة نيويورك. وبينما كنت أصعد إلى الطابق الرابع عشر، لفتت انتباهي شاشة مدمجة في جانب المصعد. كانت تلك لمحةً من تاريخ الحوسبة. هناك، في مستشفىً فاخرٍ مليءٍ بأحدث الأجهزة، ظهرت رسالة خطأ من نظام تشغيلٍ صدر قبل ربع قرنٍ تقريباً. كان المصعد يعمل بنظام ويندوز إكس بي. يصادف هذا العام الذكرى الخمسين لتأسيس مايكروسوفت. قد لا تتمتع الشركة بالمكانة الثقافية التي كانت تتمتع بها عند تركيب مصعد المستشفى، ولكن بعد عقدين من محاولة اللحاق بالركب، عادت مايكروسوفت إلى الصدارة. كان عملاق التكنولوجيا أول أو ثاني أكثر الشركات قيمة على وجه الأرض لما يقرب من خمس سنوات. واليوم، تراهن مايكروسوفت على الذكاء الاصطناعي لنقلها إلى الجيل التالي من الحوسبة. ومع ضخها عشرات المليارات من الدولارات في أحدث التقنيات، يرى البعض أن أحد أهم مكونات تركة ميكروسوفت التي قد تبقى للأبد قد يكون الآثار التي خلفتها في المجتمع منذ زمن بعيد. منذ إطلاقها عام 1975، تغلغلت مايكروسوفت في البنية التحتية الرقمية بشكل كامل لدرجة أن جزءًا كبيرًا من عالمنا لا يزال يعتمد على برامج وأجهزة كمبيوتر ويندوز قديمة، بل عفا عليها الزمن أحيانًا، تعمل ببطء وتراكم عليها الغبار بعد فترة طويلة من تشغيلها. وبالنسبة لمن يستخدمون هذه الأجهزة، تُعد أشباح ماضي ويندوز سمة دائمة الحضور في حياتهم اليومية. وقال الأستاذ المشارك في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا في الولايات المتحدة لي فينسيل، الذي يدرس صيانة وإصلاح التقنيات القديمة: "بطريقة ما، يُعد ويندوز البنية التحتية المثالية. ويمكن القول أن هذا هو سبب ثراء بيل غيتس". وأضاف: "نظم التشغيل التي يطورونها موجودة في كل شيء حولنا، ووجود كل هذه النماذج القديمة بين أيدينا هو سر نجاح الشركة بشكل عام. هذا هو سر تميز مايكروسوفت. لطالما كان ويندوز هو الوسيلة الوحيدة لإنجاز الأعمال". يقول إلفيس مونتيرو، وهو فنيّ صراف آلي ميداني يعمل في نيوارك، في ولاية نيو جيرسي الأمريكية: "لا تزال العديد من أجهزة الصراف الآلي تعمل بأنظمة ويندوز القديمة، بما في ذلك ويندوز إكس بي وحتى ويندوز إن تي"، الذي أُطلق عام 1993. ويضيف مونتيرو: "يكمن التحدي في تحديث هذه الأجهزة في التكاليف الباهظة المرتبطة بتوافق الأجهزة، والامتثال للوائح التنظيمية، والحاجة إلى إعادة برمجة برامج الصراف الآلي الخاصة". أنهت مايكروسوفت الدعم الرسمي لنظام ويندوز إكس بي في 2014، لكن مونتيرو يقول إن العديد من أجهزة الصراف الآلي لا تزال تعتمد على هذه الأنظمة البدائية بفضل موثوقيتها واستقرارها وتكاملها مع البنية التحتية المصرفية. وهناك الكثير من التطبيقات المدهشة لمنتجات مايكروسوفت القديمة والتي تختبئ بين العناصر المكونة لحياتنا اليومية. ففي عام 2024، كان نظام التشغيل الويندوز وراء جدل واسع النطاق على الإنترنت في ألمانيا. بدأ ذلك بالإعلان عن وظيفة شاغرة لشركة السكك الحديد الألمانية (دويتشه بان). كان المنصب الشاغر هو مسؤول أنظمة تكنولوجيا المعلومات، مسؤول عن صيانة نظام عرض كابينة السائق في القطارات فائقة السرعة والقطارات الإقليمية. وكانت المشكلة في المؤهلات اللازمة لشغل هذه الوظيفة. كان من المتوقع أن يتمتع المتقدمون بخبرة في نظامي التشغيل ويندوز 3.11 ومايكروسوفت دوس، وهما نظامان صدرا قبل 32 و44 عاماً على الترتيب. وفي بعض مناطق ألمانيا، تعتمد وسائل النقل على نظم تشغيل تفوق في عمرها أعمار الكثير من الركاب. وقال متحدث باسم شركة السكك الحديدية الألمانية (دويتشه بان) إن هذا أمر متوقع. وأضاف: "قطاراتنا تتمتع بعمر خدمة طويل، وتصل مدة خدمتها إلى 30 سنة أو أكثر". "دويتشه بان تُحدث قطاراتها بانتظام، لكن نظم التشغيل التي تُلبي معايير السلامة وتُثبت كفاءتها يستمر تشغيلها"، بحسب المتحدث الذي أكد أن "نظام ويندوز 3.11 يستخدم حصرياً في عدد قليل من القطارات لتشغيل شاشات العرض فقط". ولا يقتصر الأمر على النقل العام الألماني فحسب. فعلى سبيل المثال، لا تبدأ قطارات مترو سان فرانسيسكو الخفيف (موني مترو) في سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة عملها صباحاً إلا بعد إدخال قرص مرن في جهاز الكمبيوتر الذي يُحمّل برنامج "DOS" على نظام التحكم الآلي في القطارات (ATCS) الخاص بالسكك الحديدية. وفي العام الماضي، أعلنت هيئة النقل المحلي في سان فرانسيسكو (SFMTA) عن خططها لإيقاف هذا النظام خلال العقد المقبل، لكن الأقراص المرنة لا تزال تعمل حتى اليوم. (لم تستجب هيئة النقل المحلي في سان فرانسيسكو لطلب التعليق). في غرفة شديدة الإضاءة في سان دييغو في كاليفورنيا الأمريكية، هناك اثنتين من أكبر الطابعات التي يمكن أن تراها في حياتك، وكل منهما متصلة بخوادم تعمل بنظام ويندوز 2000، وهو نظام تشغيل سُمي نسبةً إلى عام إصداره. وقال جون واتس، الذي يتولى الطباعة عالية الجودة ومعالجة الصور لمصوري الفنون الجميلة: "نسميهما مرساة القارب". الطابعتان من نوع "LightJets"، وهي آلات عملاقة تستخدم الضوء، بدلاً من الحبر في الطباعة على ورق فوتوغرافي بأحجام كبيرة، مضيفاً أن النتيجة تكون صورة بجودة لا مثيل لها. وبعد توقف إنتاجها منذ فترة طويلة، تعتمد طابعات LightJet القليلة المتبقية على أنظمة تشغيل ويندوز التي كانت متوفرة عند بيع هذه الطابعات. وقال واتس: "قبل فترة، بحثنا أمر ترقية أحد أجهزة الكمبيوتر (المشغلة لتلك الطابعات إلى (ويندوز فيستا) Windows Vista. وعندما محاولة حساب المبلغ اللازم لشراء تراخيص جديدة لجميع برمجيات، تبين أن التكلفة ستتراوح بين 50,000 و60,000 دولار أمريكي. لا أطيق أجهزة ويندوز، لكنني عالق بها". إنها مشكلة شائعة مع الأجهزة المتخصصة. سكوت كارلسون، نجار في لوس أنجلوس لديه خبرة بمنتجات مايكروسوفت بسبب تعامله مع آلات التحكم الرقمي بالكمبيوتر، وهي أدوات روبوتية تستخدم في تقطيع وتشكيل الخشب ومواد أخرى بتعليمات من الكمبيوتر. وقال كارلسون: "جهازنا العملاق يعمل بنظام ويندوز إكس بي لأنه أقدم. إنه مثل الدبابة"، لكن ما قاله عن الجهاز لا ينطبق على نظام التشغيل. وأضاف: "اضطررنا لنقل الكمبيوتر من أجل إعادة بنائه بالكامل قبل بضع سنوات لأن نظام إكس بي كان يظهر الكثير من الأخطاء"، مؤكداً أن الجهاز "أصبح شبه معطل". وبالنسبة لمستخدمي هذه التقنية القديمة، قد تكون الحياة شاقة. فعلى مدار أربع سنوات، كان الطبيب النفسي إريك زابريسكي يذهب إلى عمله في وزارة شؤون المحاربين القدامى الأمريكية ويبدأ يومه بانتظار تشغيل جهاز الكمبيوتر. وقال زابريسكي: "كنت أضطر للوصول إلى العيادة مبكراً لأن تسجيل الدخول إلى الكمبيوتر كان يستغرق أحياناً 15 دقيقة. بمجرد دخولك، تحرص على ألا يؤدي أي شيء مهما كان إلى خروجك. كنت أتمسك بالحياة بشدة بينما كانت وتيرة التشغيل بطيئة للغاية". عندما يتعلق الأمر بنظم تشغيل الكمبيوتر القديمة في الشركات والمؤسسات الكبرى، فإن السبب الرئيسي في استمرار استخدامها هو "تأجيل الصيانة". سكوت فورد، مطور برمجيات متخصص في تحديث النظم القديمة. وأضاف: "تُركز المؤسسات كل اهتمامها على إضافة ميزات جديدة بدلاً من استثمار تلك الموارد في تحسين أساسيات النظم الحالية"، مما يؤدي إلى تراكم الكثير من هذه الأجهزة والبرمجيات داخل هذه المؤسسات واستمرار العمل بها. تُدير معظم المرافق الطبية التابعة لوزارة شؤون المحاربين القدامى السجلات الصحية باستخدام مجموعة من الأدوات التي أطلقتها الحكومة الأمريكية عام 1997 وتُسمى نظام سجلات المرضى المحوسب (CPRS). إلا أن هذا النظام يعمل على نظام أقدم يُسمى VistA - وهو نظام تشغيل مختلف عن نظام ويندوز فيستا - والذي ظهر لأول مرة عام 1985، وكان مبنياً في الأصل على نظام التشغيل MS-DOS. تُجري وزارة شؤون المحاربين القدامى الآن محاولتها الرابعة لإصلاح هذا النظام بعد سلسلة من المحاولات المتقطعة التي استمرت قرابة 25 عاماً. وتهدف الخطة الحالية إلى استبداله بنظام سجلات صحية تستخدمه وزارة الدفاع الأمريكية بحلول عام 2031. وصرح بيت كاسبروفيتش، السكرتير الصحفي لوزارة شؤون المحاربين القدامى، قائلاً: "لا تزال وزارة شؤون المحاربين القدامى ملتزمة بتطبيق نظام فيدرالي حديث وقابل لتبادل البيانات (للسجلات الصحية الإلكترونية) لتحسين تقديم الرعاية الصحية والتأثير إيجاباً على رعاية المرضى". وأضاف أن النظام مُفعّل في ستة مواقع تابعة لوزارة شؤون المحاربين القدامى، وسيُنشر في 19 من أصل 170 منشأة بحلول عام 2026. وقال زابريسكي: "يعمل نظام CPRS، ولكن في بعض الأحيان يعمل نظام CPRS، ولكن في بعض الأحيان كان [استخدامه] تجربة محبطة للغاية". فبينما تعتمد أنظمة السجلات الصحية الحديثة على واجهات بسيطة تعمل بنظام الضغط على مفاتيح افتراضية، كان زابريسكي يُضطر إلى كتابة "c://" ومسار الملف الكامل لعرض مستند. وقال: "نظام CPRS نصي بالكامل، وجميع أحرفه كبيرة. ويبدو أشبه بمعالج نصوص من التسعينيات أثناء التشغيل كما يشبه استخدامه تعلم استخدام سيارة قديمة. وعليك أيضاً حفظ جميع هذه الأوامر، ودائماً ما تخطئ. فما يُفترض أن يستغرق دقيقة واحدة، قد ينتهي به المطاف إلى أن يستغرق نصف ساعة لأنك نسيت كتابة شرطة في مكان ما". يقول زابريسكي: "نظام CPRS نصي بالكامل، وجميع أحرفه كبيرة. يبدو النظام كمعالج نصوص من التسعينيات. يشبه تعلم استخدام سيارة قديمة. عليك حفظ جميع هذه الأوامر، ودائمًا ما تُواجه أخطاءً. شيء من المفترض أن يستغرق دقيقة واحدة، ينتهي به الأمر إلى أن يستغرق نصف ساعة لأنك نسيت كتابة (—) في مكان ما". يُعدّ هذا مثالاً رئيسياً على مشكلة نقل المعرفة التي تظهر مع تقادم التكنولوجيا، وفقاً لفينسل. يقول: "في كثير من الأحيان، عندما لا نُحدّث البنية التحتية ونحافظ على سلامتها، ينتهي بنا الأمر في وضع لا يوجد فيه سوى شخص واحد في ولاية أخرى يعرف كيفية الحفاظ على تشغيل النظام". وأضاف فينسيل أن المنشآت الحكومية، على وجه الخصوص، تتمسك أحياناً بالبرمجيات القديمة لأن بساطتها تُسهل الحفاظ على أمنها. وتابع: "لكن فرص الفشل واردة هنا، خاصةً مع ازدياد تعقيد الأنظمة المتصلة بالإنترنت وتوقف الشركات عن دعم البرمجيات القديمة. ويُشكل الأمن السيبراني مصدر قلق بالغ في هذا الصدد". في بعض الحالات، يعد تشغيل أجهزة الكمبيوتر القديمة عملاً نابعاً من الحب. ففي الولايات المتحدة، تقضي دين غريغار، مديرة مختبر الأدب الإلكتروني في جامعة ولاية واشنطن في فانكوفر أيامها في غرفة مليئة بأجهزة كمبيوتر قديمة (تعمل بكامل طاقتها) يعود تاريخها إلى عام 1977. وقالت غريغار: "بمجرد أن حصل الناس على هذه الأجهزة، بدأوا في إنتاج الفن"، وهي ملتزمة بالحفاظ عليها. وفي بدايات استخدام الكمبيوتر، كان الفنانون والكتاب مع برمجيات الكمبيوتر هم من يحددون معنى الفن ورواية القصص في العالم الرقمي الجديد. وغيرت عناوين مثل "حديقة النصر" لستيوارت مولثروب أو "ظهيرة مايكل جويس"، وهي قصة من عالم الخيال، متحدية تعريف الأدب، من خلال عرض القصص عبر روابط إلكترونية، مما أتاح نوعاً جديداً من الكتابة التي تُشبه "اختر مغامرتك الخاصة"، والتي أرست قواعد جديدة للعصر الرقمي، وفقاً لغريغار. ولم يقتصر اهتمام غريغار على الكتب الإلكترونية التجريبية التي صدرت في بدايات استخدام الكمبيوتر، ويجمع مختبرها كل شيء من ألعاب الفيديو إلى مجلات إنستغرام. وتقول غريغار: "أستخدم اختصاراً لشرح ما يميز هذا البرنامج: Pie. إنه برنامج تفاعلي وتجريبي. لا يمكنك فصله عن الكمبيوتر وطباعته أو تعليقه على الحائط". وهناك برمجيات محاكاة - "Emulators" – تتيح لك تشغيل بعض البرمجيات القديمة على أجهزة كمبيوتر جديدة، لكن غريغار تقول إن ميزات مهمة للنسخ القديمة تختفي أثناء هذه العملية. وأكدت: "إنها ببساطة تجربة مختلفة تماماً". يحتفظ مختبر غريغار للأدب الإلكتروني بـ61 جهاز كمبيوتر لعرض مئات الأعمال الإلكترونية وآلاف الملفات في المجموعة، والتي تحافظ عليها في حالة ممتازة. تبدو العديد من هذه الأجهزة وكأنها شُيّدت بالأمس، مع القليل من اصفرار العلب البلاستيكية التي قد تتوقعها من عصر الإلكترونيات ذات اللون البيج. الشيء الوحيد الذي ينقص مجموعة غريغار هو جهاز كمبيوتر يقرأ أقراصاً مرنة قياس خمس بوصات وربع. فرغم انتشارها على نطاق واسع، ينطوي العثور على أحد هذه الأجهزة على صعوبة بالغة. وقالت مديرة المختبر: "أبحث عنها على إيباي وكريغزلست، وأصدقائي يبحثون من أجلي، لكن دون جدوى. أبحث عنها منذ ست سنوات". إذا كان لديك أحد هذه الأجهزة القديمة، ولا يزال يعمل، فستسعد غريغار بسماع رأيك. وقال فورد إنه منذ البداية، كانت إحدى استراتيجيات الأعمال الرئيسية التي ميزت أبل عن غيرها هي ضرورة شراء أجهزة ماك في أغلب الأحيان لاستخدام برمجياتها. وأضاف فورد أن أبل أيضاً متشددة في التخلص من المنتجات القديمة. لكن مايكروسوفت اتبعت نهجاً يسمح للمؤسسات بالاستفادة من الأجهزة التي تمتلكها بالفعل، ويسعى للحصول على تراخيص البرمجيات. كما أنها تميل إلى توفير فترة زمنية طويلة جدا لتوفير الدعم لتلك الإصدارات". ومنح هذا النهج مايكروسوفت ميزة كبيرة في استقطاب عملاء من قطاع الأعمال. وأضاف فورد أن هذا أحد أسباب بقاء أجهزة ويندوز القديمة هذه لفترة طويلة، "مايكروسوفت مجرد شيء نَعْلق به".

الذكاء الاصطناعي القاتل: 4 أسئلة عن غزة
الذكاء الاصطناعي القاتل: 4 أسئلة عن غزة

العربي الجديد

timeمنذ يوم واحد

  • العربي الجديد

الذكاء الاصطناعي القاتل: 4 أسئلة عن غزة

للمرة الأولى، وبشكل واضح ومباشر، أقرت شركة مايكروسوفت الأميركية بأنها قدّمت خدمات متقدمة في الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية لجيش الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب الإبادة المستمرة في قطاع غزة ، كما ساعدت في جهود تعقّب وإيجاد الأسرى الإسرائيليين الموجودين في القطاع. لكن الشركة حرصت في بيانها، المنشور من دون توقيع على مدونتها الرسمية، على تأكيد أنها لم تجد أي دليل حتى الآن على استخدام منصتها السحابية أزور أو نماذجها في الذكاء الاصطناعي لـ"استهداف أو إيذاء سكان غزة". لكن هذا "النفي الحذر" للتورط في قتل الفلسطينيين بقي غامضاً وموضع تشكيك. فالاعتراف الرسمي من "مايكروسوفت" يأتي بعد أشهر من نشر تحقيق لوكالة أسوشييتد برس، كشف أن الجيش الإسرائيلي لجأ بشكل مكثف إلى أدوات ذكاء اصطناعي تجارية بعد عملية طوفان الأقصى. وفق التحقيق، استخدم الجيش منصة أزور التابعة لـ"مايكروسوفت" لتحليل كميات ضخمة من المعلومات الاستخبارية، تُجمع عبر تقنيات مراقبة جماعية، ثم تُترجم وتُفرز ويُعاد ربطها بأنظمة الاستهداف العسكرية. "مايكروسوفت" أوضحت أنها قدّمت خدمات الترجمة، الدعم التقني، وتخزين البيانات، بل منحت إسرائيل "وصولاً خاصاً" يتجاوز العقود التجارية الموقّعة، في إطار ما وصفته بـ"الدعم الطارئ المحدود" لإنقاذ "أكثر من 250 أسيراً إسرائيلياً". لكن بعيداً عن محاولة "مايكروسوفت" التملّص من دورها في قتل الفلسطينيين، نجيب هنا عن أربعة أسئلة أساسية حول استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي برمجيات الذكاء الاصطناعي في غزة، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 حتى اليوم، محوّلة القطاع إلى مختبر لتجارب الأسلحة والتقنيات الجديدة. 1. ما هي أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تستخدمها إسرائيل في غزة؟ تستخدم إسرائيل نظامين أساسيين: الأول "لافندر"، وهو قاعدة بيانات ضخمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتدّعي إسرائيل أنها تستخدمه لتحديد الأفراد المرتبطين بحركتَي حماس أو الجهاد الإسلامي، وقد حدّدت ما يقارب 37 ألف هدف بشري خلال أشهر قليلة، بحسب ادعائها. الثاني "غوسبل"، وهو أداة أخرى تركّز على تحديد الأهداف المادية مثل المباني والبنى التحتية، وتوفّر "قائمة أهداف يومية" تصل إلى مئة هدف تُعرض على المحللين للموافقة. كلا النظامين يعتمدان على تحليل كميات هائلة من البيانات، من اتصالات رقمية إلى أنماط سلوكية عبر الإنترنت، لتحديد الأهداف خلال وقت قياسي. كذلك يستخدم جيش الاحتلال مروحة واسعة أخرى من البرمجيات لأهداف مختلفة، بينها Where's Daddy الذي ساعد الاحتلال على استهداف آلاف الغزيين في بيوتهم ليلاً. كما استعان الجيش الإسرائيلي ببرمجية Fire Factory التي تقترح الهدف: أتمتة تخطيط وتوقيت الضربات الجوية، اقتراح كمية الذخيرة المطلوبة، نوع الطائرات التي تنفّذ الضربة، الوقت الأنسب لتنفيذها. وغالباً ما تقترح البرمجية استخدام القوة الأقصى خلال الضربة، ما أدى إلى سقوط آلاف الشهداء. وكما في باقي المدن الفلسطينية، يستخدم الاحتلال أيضاً برمجيات الذكاء الاصطناعي للمراقبة الجماعية، معتمداً على خدمات من شركات مثل مايكروسوفت، وبرنامجها "أزور". ويعمل هذا الأخير على تحليل المواد الصوتية والمرئية، الترجمة والتفريغ، تنظيم البيانات الضخمة لتغذية أنظمة الاستهداف بالذكاء الاصطناعي. 2. كيف يقرّر الذكاء الاصطناعي من هو "العدو"؟ وما مدى دقة هذه الأنظمة؟ تعتمد الأنظمة على خوارزميات معقدة تحلل البيانات الشخصية والاتصالات والنشاطات الرقمية. في حالة "لافندر"، تدّعي إسرائيل أن النظام يُميّز الأشخاص بناءً على "الروابط المرجّحة" مع الفصائل المسلحة، حتى وإن لم يكن هناك دليل قاطع. تُقدّر دقة النظام بنحو 90% بحسب الاحتلال، مما يعني أن هناك احتمال خطأ بنسبة 10%. وقد أقرّ جنود إسرائيليون بأن هامش الخطأ هذا يمكن أن "يكلّف مدنيين حياتهم، خاصة في حال كان الاستهداف يتم من دون مراجعة دقيقة لكل حالة". لكن بعد عام ونصف العام من الإبادة المستمرة، وسقوط أكثر من 52 ألف شهيد أغلبهم من المدنيين، وتدمير القطاع بشكل شبه كامل، يتبيّن أن الاحتلال يستخدم كل هذه البرمجيات بطريقة عشوائية، غير مبال بقتل المدنيين. كشف تحقيق لوكالة أسوشييتد برس (فبراير/ شباط 2025) تفاصيل حول كيفية قيام أنظمة الذكاء الاصطناعي باختيار الأهداف العسكرية، والأخطاء المحتملة التي قد تقع، سواء بسبب بيانات مغلوطة أو خوارزميات معيبة. وقد استند التحقيق إلى وثائق داخلية وبيانات ومقابلات حصرية مع مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين، وموظفين في الشركات المعنية. وقالت كبيرة علماء الذكاء الاصطناعي في AI Now Institute والمهندسة السابقة في OpenAI، هايدي خلعاف: "هذه أول مرة نحصل فيها على تأكيد مباشر أن نماذج ذكاء اصطناعي تجارية تُستخدم مباشرة في الحرب... التبعات هائلة على مستقبل دور التكنولوجيا في تمكين هذا النوع من الحروب غير الأخلاقية وغير القانونية". منظمات حقوقية، مثل هيومن رايتس ووتش، حذرت من أن استخدام الذكاء الاصطناعي بهذه الطريقة قد ينتهك قواعد القانون الدولي الإنساني، خصوصاً مبدأي التمييز والتناسب، إذ إن قرارات القتل تُتخذ بناءً على تحليل آلي، وقد لا يتم التأكد من هوية الهدف ولا ما إذا كان في محيطه مدنيون. وبحسب التقارير، سمح النظام العسكري بتنفيذ ضربات على منازل بالكامل رغم احتمال وجود مدنيين، تحت مبرر أن "النتائج العسكرية المتوقعة تفوق الأضرار الجانبية". 3. من يقف وراء هذه الأنظمة؟ وهل هناك دور للشركات الدولية؟ تشارك شركات تكنولوجيا إسرائيلية مثل Rafael وElbit في تطوير هذه الأدوات، إلى جانب التعاون مع شركات أميركية كبرى. ذكرت تقارير أن تقنيات "مايكروسوفت" وأدوات نمذجة من "أوبن إيه آي" استُخدمت في تحليل البيانات وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي. هذا التعاون يعكس التقاطع الخطير بين شركات التكنولوجيا الكبرى والمؤسسة العسكرية، ويثير مخاوف حول تصدير هذه الأنظمة وتجريبها في سياقات مدنية لاحقاً. وبحسب تحقيق "أسوشييتد برس"، ارتفع استخدام الجيش الإسرائيلي تقنيات الذكاء الاصطناعي التابعة لـ"مايكروسوفت" وOpenAI في مارس/ آذار 2024 إلى ما يقارب 200 ضعف مقارنةً بما كان عليه في الأسبوع الذي سبق هجوم 7 أكتوبر. كما تضاعفت كمية البيانات المُخزنة على خوادم "مايكروسوفت" بين تلك الفترة ويوليو/ تموز 2024 لتصل إلى أكثر من 13.6 بيتابايت، أي ما يعادل 350 مرة حجم البيانات المطلوبة لتخزين كل كتب مكتبة الكونغرس الأميركية. إعلام وحريات التحديثات الحية الإعلام والسلاح: صواريخ شركات التصنيع العسكري تنفجر وتكتب الأخبار 4. ما حجم تورّط مايكروسوفت؟ في خلفية هذه الحرب الذكية، تقف شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى -وفي طليعتها مايكروسوفت وOpenAI وغوغل وأمازون- مزودين رئيسيين للبنية التحتية الرقمية، بدءاً من الحوسبة السحابية، مروراً بالذكاء الاصطناعي، وصولاً إلى إدارة البيانات الضخمة. وفق التحقيق، "مايكروسوفت" وOpenAI من بين أبرز الداعمين لحملة إسرائيل الرقمية في الحرب، عبر تقنيات الترجمة، ومعالجة البيانات، وتحديد الأنماط داخل المستندات الاستخبارية. يستخدم الجيش الإسرائيلي برمجية أزور (مايكروسوفت)، على وجه الخصوص، لتحليل المكالمات الهاتفية، والرسائل الصوتية، والنصوص المترجمة والمفرّغة، بهدف ربط البيانات بأنظمة الاستهداف. يمكن للخدمة أيضاً تحديد الحوارات بين أفراد، وربطها بمواقع على الأرض. وكشفت وثائق داخلية عن عقد يمتد ثلاث سنوات بين "مايكروسوفت" ووزارة الدفاع الإسرائيلية، وُقِّع في عام 2021، بقيمة 133 مليون دولار، مما يجعل الجيش الإسرائيلي ثاني أكبر عميل عسكري عالمياً لـ"مايكروسوفت" بعد الولايات المتحدة. التصنيف الداخلي للشركة يضع الجيش الإسرائيلي ضمن فئة S500، وهي قائمة العملاء ذوي الأولوية القصوى عالمياً. ضمن فريق "مايكروسوفت" في إسرائيل تسعة موظفين على الأقل مكرّسون حصرياً لحساب جيش الاحتلال، من بينهم مسؤول تنفيذي خدم 14 عاماً في وحدة 8200 الإسرائيلية. كما يضم الفريق قائداً سابقاً لتكنولوجيا المعلومات في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. أما البيانات العسكرية فتُخزن في مزارع خوادم ضخمة خارج تل أبيب، تحيط بها أسوار عالية وأسلاك شائكة، وتُدار من داخل مقر "مايكروسوفت" في هرتسليا، إلى جانب مكتب آخر في الجنوب يحمل علم إسرائيل على واجهته.

مايكروسوفت: لا دليل على استخدام تقنياتنا ضد الفلسطينيين في غزة
مايكروسوفت: لا دليل على استخدام تقنياتنا ضد الفلسطينيين في غزة

العربي الجديد

timeمنذ 4 أيام

  • العربي الجديد

مايكروسوفت: لا دليل على استخدام تقنياتنا ضد الفلسطينيين في غزة

أصدرت شركة مايكروسوفت الأميركية بياناً فجر اليوم الجمعة ، تطرقت فيه إلى اتهامها بمساندة جيش الاحتلال في عدوانه المتواصل على الفلسطينيين في قطاع غزة، من خلال منتجاتها وخدماتها، خاصة منصة الحوسبة السحابية "أزور" Azure التي وثقت تقارير صحافية استقصائية استخدامها من قبل وحدات في القوات الجوية والبرية والبحرية الإسرائيلية، فضلاً عن مديرية الاستخبارات. وأفادت الشركة الأميركية العملاقة بأنها "أجرت مراجعة داخلية" و"تعاقدت مع شركة خارجية"، استجابة لـ"مخاوف الموظفين والعامّة بشأن تقارير صحافية تتعلق باستخدام الجيش الإسرائيلي لتقنيات أزور والذكاء الاصطناعي لاستهداف المدنيين أو إلحاق الضرر بهم في النزاع في غزة". وخلصت، "بناءً على مراجعات شملت مقابلات مع عشرات الموظفين وتقييم الوثائق"، إلى أنه "لا دليل على استخدام تقنيات أزور والذكاء الاصطناعي لاستهداف أو إلحاق الضرر بالأشخاص في النزاع بغزة". ومع ذلك، أقرّت "مايكروسوفت" بأنها تعمل مع دول وعملاء حول العالم، بما في ذلك وزارة الأمن الإسرائيلية التي "تزودها بالبرمجيات والخدمات المهنية وخدمات أزور السحابية وخدمات أزور للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الترجمة". وأشارت إلى أنه "كما هو الحال مع حكومات عدة حول العالم، تعمل أيضاً مع الحكومة الإسرائيلية لحماية فضائها الإلكتروني الوطني من التهديدات الخارجية". ووصفت علاقتها بوزارة الأمن الإسرائيلية بأنها "مبنية على أساس تجاري". وأضافت: "كما هو الحال مع جميع عملائنا، فإن استخدام الوزارة لتقنياتنا ملزم بشروط استخدام خدمات مايكروسوفت، بما في ذلك سياسة الاستخدام المقبول ومدونة قواعد السلوك الخاصة بالذكاء الاصطناعي". وأوضحت أنّ هذه الشروط "تُلزم العملاء بتطبيق ممارسات الذكاء الاصطناعي الأساسية المسؤولة - مثل الإشراف البشري وضوابط الوصول - ومنع استخدام خدماتنا السحابية وخدمات الذكاء الاصطناعي بأي طريقة تُلحق الضرر بالأفراد أو المؤسسات أو تؤثر على الأفراد بأي شكل من الأشكال المحظورة قانوناً". وأكدت أنها "لم تعثر على أي دليل على استخدام تقنيات أزور والذكاء الاصطناعي، أو أيٍّ من برامجها الأخرى، لإيذاء الناس"، أو "على عدم امتثال" وزارة الأمن الإسرائيلية "لشروط الخدمة أو مدونة قواعد السلوك الخاصة بالذكاء الاصطناعي". وأفادت بأنها "توفر أحياناً وصولاً خاصاً إلى تقنياتها يتجاوز بنود اتفاقياتها التجارية"، لذا "قدمت دعماً طارئاً محدوداً للحكومة الإسرائيلية في الأسابيع التي تلت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، للمساعدة في إنقاذ الرهائن". وزعمت تقديم "هذه المساعدة مع إشراف كبير وعلى نطاق محدود، بما في ذلك الموافقة على بعض الطلبات ورفض أخرى". وأضافت في بيانها: "نعتقد أن الشركة التزمت بمبادئها بعناية ودقة، للمساعدة في إنقاذ أرواح الرهائن مع احترام خصوصية المدنيين في غزة وحقوقهم الأخرى". ومع ذلك، أقرّت "مايكروسوفت" بأنها "لا تملك رؤية واضحة حول كيفية استخدام العملاء لبرامجها على خوادمهم أو أجهزتهم الأخرى. وهذا ينطبق عادةً على البرامج المُستخدمة محلياً". كما اعترفت بأنها "لا تملك رؤية واضحة لعمليات الحوسبة السحابية الحكومية" التابعة لوزارة الأمن الإسرائيلية، و"التي تُدعم من خلال عقود مع مُزوّدي خدمات سحابية غير مايكروسوفت". وختمت الشركة بيانها بالتأكيد أنها "لطالما دافعت عن الأمن السيبراني لدولة إسرائيل وسكانها". وأردفت: "وبالمثل، لطالما التزمنا تجاه دول وشعوب أخرى في جميع أنحاء الشرق الأوسط. يُوجّه التزامنا بحقوق الإنسان كيفية تعاملنا مع البيئات المُعقّدة وكيفية استخدام تقنياتنا. نتشاطر القلق العميق إزاء فقدان أرواح المدنيين في كلٍّ من إسرائيل وغزة، ودعمنا المساعدات الإنسانية في كلا المكانين. إنّ العمل الذي نقوم به في أنحاء العالم كافة مُستنيرٌ بالتزاماتنا في مجال حقوق الإنسان ومُنظّمٌ بموجبها. وبناءً على كل ما نعرفه حالياً، نعتقد أن مايكروسوفت وفت بهذه الالتزامات في إسرائيل وغزة". يأتي بيان "مايكروسوفت" بعد 19 شهراً على حرب الإبادة الإسرائيلية على الفلسطينيين في قطاع غزة حيث تجاوز عدد الشهداء الـ53 ألفاً، ووسط تقارير صحافية استقصائية حول مساهمتها في هذه الإبادة واعتراضات واحتجاجات من موظفيها. إعلام وحريات التحديثات الحية الاحتقان في مايكروسوفت يبلغ ذروته: موظفون يرفضون التورط في الإبادة كيف ساعدت مايكروسوفت جيش الاحتلال؟ كشفت وثائق داخلية مسربة أن اعتماد جيش الاحتلال على تقنية الحوسبة السحابية وأنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بالشركة ارتفع كثيراً خلال المرحلة الأشد وحشية من حرب الإبادة على القطاع. الوثائق المسربة التي كشفت عنها صحيفة ذا غارديان البريطانية بالتعاون مع مجلة 972+ الإسرائيلية وموقع لوكال كول الإخباري العبري، في يناير/كانون الثاني الماضي، سلطت الضوء على كيفية إدماج إسرائيل تقنيات "مايكروسوفت" في حرب الإبادة التي شنتها على الفلسطينيين في غزة، وكشفت كيفية تعميق الشركة الأميركية علاقتها بجيش الاحتلال بعد السابع من أكتوبر 2023، عبر تزويده بخدمات حوسبة وتخزين أكبر وإبرام صفقات لا تقل قيمتها عن عشرة ملايين دولار لتوفير آلاف الساعات من الدعم الفني. وأشارت إلى أن منتجات وخدمات الشركة الأميركية، خاصة منصة الحوسبة السحابية "أزور"، استخدمتها وحدات في القوات الجوية والبرية والبحرية الإسرائيلية، فضلاً عن مديرية الاستخبارات. بصفتها شريكاً موثوقاً به لوزارة الأمن الإسرائيلية، كلفت "مايكروسوفت" بشكل متكرر بالعمل في مشاريع حساسة وسرية للغاية. كما عمل موظفوها بشكل وثيق مع مديرية الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك قسم التجسس النخبوي الذي يحمل اسم الوحدة 8200. وكشف تحقيق لوكالة أسوشييتد برس، في فبراير/شباط الماضي، أن نماذج ذكاء اصطناعي من "مايكروسوفت" و"أوبن إيه آي" استُخدِمَت باعتبارها جزءاً من برنامج عسكري إسرائيلي لاختيار أهداف القصف خلال الحربين الأخيرتين في غزة ولبنان. كذلك تضمن التحقيق تفاصيل عن غارة جوية إسرائيلية "خاطئة" عام 2023 أصابت سيارة كانت تقل أفراداً من عائلة لبنانية، ما أدى إلى استشهاد ثلاث طفلات وجدتهن. وفقاً لـ"أسوشييتد برس"، فقد ارتفع استخدام الجيش الإسرائيلي لتقنيات الذكاء الاصطناعي التي توفرها شركتا "مايكروسوفت" و" أوبن إيه آي " في مارس/آذار 2024، بنحو 200 ضعف مقارنة بالفترة التي سبقت حرب إبادتها الجماعية بغزة. كذلك زادت كمية البيانات المخزنة من الجيش الإسرائيلي على خوادم "مايكروسوفت" إلى أكثر من 13.6 بيتابايت بين شهري مارس/آذار ويوليو/تموز 2024، أي ما يعادل الضعف مقارنة بالفترة السابقة. فيما ارتفعت نسبة استخدام هذه الخوادم من الجيش الإسرائيلي بنسبة قاربت الثلثين خلال الشهرين التاليين فقط لـ7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. احتجاجات الموظفين خلال احتفال بالذكرى الخمسين على تأسيس "مايكروسوفت"، في الأسبوع الأول من إبريل/نيسان الماضي، قاطعت الموظفتان ابتهال أبو السعد وفانيا أغراوال كلمة المدير التنفيذي لقطاع الذكاء الاصطناعي في الشركة مصطفى سليمان، احتجاجاً على التواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي. وطُردتا خلال أيام. وفي 20 مارس الماضي، واجه رئيس "مايكروسوفت" براد سميث، والرئيس التنفيذي السابق ستيف بالمر، هتافات منددة بالتعاون مع إسرائيل. سبق الهتافات في مارس تجمعٌ حاشدٌ أمام القاعة الكبرى في سياتل، موقع إقامة الفعالية، ضمّ موظفين حاليين وسابقين في "مايكروسوفت". وعلّق المتظاهرون لافتةً على جدار القاعة كُتب عليها: "مايكروسوفت تُموّل الإبادة الجماعية"، في إشارةٍ إلى تكثيف إسرائيل اعتمادها على تقنيات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية التي تُقدّمها الشركة منذ 7 أكتوبر 2023. وفي فبراير الماضي، طردت الشركة خمسة موظفين من اجتماع مع ناديلا بسبب احتجاجهم على العقود المبرمة مع دولة الاحتلال.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store