
تنامي التضامن الفني الغربي مع فلسطين: مشهد يناقض صمت نظرائهم العرب
من مهرجان روسكيلد إلى جورج عبد الله: رمزية تتجاوز الكلمات
الناشطة السويدية
غريتا ثونبرغ
الصورة
الناشطة السويدية غريتا ثونبرغ
الناشطة السويدية غريتا ثونبرغ، وُلِدت في 3 يناير/ كانون الثاني 2003، في مدينة استوكهولم السويدية، أسست حركة "جمعة من أجل المستقبل"، ناشطة مدافعة عن الحقوق البيئية والتغيرات المناخية، وانضمت في يونيو 2025 إلى سفينة أسطول الحرية بهدف كسر الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة.
فجّرت لحظة مؤثرة في مهرجان روسكيلد الموسيقي بالدنمارك عندما صعدت إلى المسرح خلال حفل فرقة إم أو للتعبير عن دعمها لفلسطين. هذه الإيماءة البسيطة تلقفها كثر، أبرزهم المناضل اللبناني جورج عبد الله، الذي وصف ثونبرغ ومشاركتها بسفينة كسر حصار غزة، عقب خروجه بعد عقود من السجن الفرنسي ووصوله إلى بيروت، بأنها "نموذج يُحتذى به للشباب العربي"، في دلالة على عمق تأثير مثل هذه المبادرات الرمزية.
ولم تعد مواقف التضامن الفني تقتصر على مبادرات فردية، بل تحوّلت إلى مواقف جماعية تتبناها فرق وفنانون أعلنوا أن دعمهم لفلسطين ولقطاع غزة ليس "تسييساً للفن"، بل "واجب أخلاقي ضد الظلم وجرائم الحرب".
الأوبرا والعلم الفلسطيني: رمزية في قلب المؤسسات
في
بريطانيا
، شكّل ختام عرض أوبرا "التروفاتوري" للموسيقار فيردي في دار الأوبرا الملكية في لندن لحظة لافتة عندما رفع أحد الممثلين علم فلسطين على الخشبة. ورغم محاولة أحد الحضور انتزاع العلم، أصرّ الفنان على موقفه، ما أثار جدلاً واسعاً داخل الأوساط الفنية، خصوصاً بعد وصف إدارة الأوبرا المشهد بأنه "غير لائق"، بدعوى الحياد. لكن الردود على هذا التوصيف جاءت حاسمة، إذ اعتبر كثيرون أن ما حدث لا يندرج في خانة "الدعاية السياسية" بل ضمن الحق في التعبير ضد الإبادة المستمرة.
ذلك بالطبع إلى جانب اعتراف المستوى الأكاديمي في دولة الاحتلال بتوسع المقاطعة الأكاديمية الغربية على المستويات الجامعية والبحثية، بما في ذلك نشر مواد في مجلات علمية والامتناع عن التعاون مع جامعاتها. ويضاف إليه تنامي تعبير كثيرين عن ضرورة سحب أي استثمارات في مؤسسات أكاديمية تابعة لتل أبيب تساهم في دعم وتأييد الإبادة الجماعية وهندسة التجويع والتطهير العرقي بحق الفلسطينيين.
في حديث مع "العربي الجديد"، رأى الكاتب والباحث الدنماركي جون غراوسغورد أن ذلك يذكّر ببدايات تشكل جبهة عالمية ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا سابقاً. وشدد غراوسغورد على أن "العرب عليهم دور في هذا المجال، بشكل مشابه للدور الذي لعبته دول الجوار الأفريقي التي حاصرت نظام الفصل العنصري السابق في جنوب أفريقيا، لا ترك إخوتهم الفلسطينيين وحدهم، وسط دعم أميركي وغربي لدولة الاحتلال الإسرائيلي".
سينما ودراما
التحديثات الحية
حمار 7 أكتوبر... صديق الغزيين بينما تخلّى عنهم العالم
"على الجانب الصحيح من التاريخ"
وكانت فرق موسيقية معروفة مثل "ماسيف أتاك" و"نيكاب" و"فونتينز دي سي" قد أعلنت رفضها للعدوان الإسرائيلي على غزة، كما دعت إلى التحرك بشكل واسع. وقالت "ماسيف أتاك" لصحيفة ذا غارديان أخيراً: "نشهد إبادة جماعية تُبثّ يومياً، ولا يمكننا الصمت. هذه دعوة إلى كل الفنانين: لا تخافوا على وظائفكم، بل قفوا على الجانب الصحيح من التاريخ".
أما الموسيقي البريطاني براين إينو، فقد شارك في مهرجان روسيكلد الدنماركي هذا العام بفتح منصته لعدد من الناشطين المؤيدين لفلسطين، في خطوة جريئة تعرضت لاحقاً لحملة انتقادات سياسية في الدنمارك.
الموقف واضح: أكثر من 1000 موسيقي دنماركي يتحركون
وفي خطوة غير مسبوقة، نشر أكثر من 1000 موسيقي دنماركي بياناً في صحيفة إنفورماسيون، الخميس، طالبوا فيه الحكومة بالاعتراف بدولة فلسطين، ووقف تصدير مكونات الأسلحة لإسرائيل، واستقبال الجرحى من غزة للعلاج في المستشفيات الدنماركية. وجاء في البيان: "ندين الإبادة الجماعية التي تبثها إسرائيل على الهواء مباشرة، ونطالب الحكومة بالتحرك بما يتماشى مع القانون الدولي. لا يمكننا أن نظل صامتين، ولا أن نكون شركاء في الجريمة باسم المصالح أو التحالفات".
وعبّرت الفنانتان الشقيقتان نايا روزا كوبل وبيلي كوبل، اللتان كانتا من بين الموقعين، عن خيبة أملهما من موقف الحكومة الدنماركية، وقالتا: "نريد موقفاً فعلياً، لا شعارات. لا يمكن أن تخضع القيم الإنسانية لمعادلات الربح والخسارة".
قمع ناعم وتضامن صاخب مع غزة
لم تمر مشاركة الناشطين المناصرين لفلسطين في مهرجان روسيكلد دون ردات فعل، فشنّت وسائل إعلام دنماركية، إلى جانب سياسيين من اليمين ويسار الوسط، هجوماً على المنظمين واعتبرت التعبير عن الموقف "راديكالياً"، فيما فسره فنانون بأنه "تهديد مبطّن لإسكات الأصوات الحرة". هذا الهجوم على المهرجان رفضته إدارة ومنظمو "روسكيلد" هذا العام.
وتساءلت بيلي كوبل في تعليقها على الحملة: "ما نطلبه ليس ترفاً سياسياً. نحن فقط نطالب بوقف قتل الأطفال. كيف يكون هذا تطرفاً؟".
بين يقظة فنية غربية وصمت عربي مستمر
وإذا كان جورج عبد الله بعد أكثر من أربعة عقود من السجن قد خرج معبراً عن الأسى من المواقف العربية، الشعبية والرسمية، تجاه ما يحصل من جرائم حرب في غزة، فإنه في موازاة هذا الحراك الغربي المتصاعد، يعمّ صمت شبه كامل الأوساط الفنية والثقافية في العالم العربي، وهو ما يثير استغراباً متزايداً بين النشطاء العرب في المهجر.
وكتب الناشط إلياس سعيد على وسائل التواصل: "بدلاً من الاكتفاء بمديح الهولنديين والدنماركيين، لماذا لا يقرع الناس بمبادرة من الفنانين العرب الأواني من نوافذهم وشرفاتهم كما يفعل أولئك الذين نمتدحهم في الغرب؟". أسئلة مشابهة تتكرر في الفضاء الرقمي حول غياب موقف جماعي للفنانين العرب، بينما يتقدم نظراؤهم الأوروبيون واجهة التضامن دون خوف من العقاب أو الإقصاء.
واختصرت الفنانة الدنماركية نايا روزا كوبل بعبارة جوهر الموقف الذي يسري على الحالة الفنية العربية أيضاً: "مهنتنا ليست فوق الإبادة الجماعية. ليست فوق صرخات الأطفال. وسنواصل استخدام منصتنا المتاحة مهما كان الثمن".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ يوم واحد
- العربي الجديد
تنامي التضامن الفني الغربي مع فلسطين: مشهد يناقض صمت نظرائهم العرب
في تحوّل يعكس اتساع رقعة التضامن الغربي مع نضال الشعب الفلسطيني، وقّع أكثر من 1000 موسيقي دنماركي، الخميس الماضي، على عريضة تطالب الحكومة باتخاذ موقف عملي ضد جرائم الحرب والإبادة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. وفيما يواصل الاحتلال استخدام التجويع أداة حرب في تحدٍ سافر للمواثيق الدولية، تتعالى في الغرب أصوات فنية وثقافية وأكاديمية تطالب بردّ حازم، لتكشف عن مفارقة صارخة بين هذه اليقظة الأخلاقية الغربية وصمت عربي مستمر. من مهرجان روسكيلد إلى جورج عبد الله: رمزية تتجاوز الكلمات الناشطة السويدية غريتا ثونبرغ الصورة الناشطة السويدية غريتا ثونبرغ الناشطة السويدية غريتا ثونبرغ، وُلِدت في 3 يناير/ كانون الثاني 2003، في مدينة استوكهولم السويدية، أسست حركة "جمعة من أجل المستقبل"، ناشطة مدافعة عن الحقوق البيئية والتغيرات المناخية، وانضمت في يونيو 2025 إلى سفينة أسطول الحرية بهدف كسر الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة. فجّرت لحظة مؤثرة في مهرجان روسكيلد الموسيقي بالدنمارك عندما صعدت إلى المسرح خلال حفل فرقة إم أو للتعبير عن دعمها لفلسطين. هذه الإيماءة البسيطة تلقفها كثر، أبرزهم المناضل اللبناني جورج عبد الله، الذي وصف ثونبرغ ومشاركتها بسفينة كسر حصار غزة، عقب خروجه بعد عقود من السجن الفرنسي ووصوله إلى بيروت، بأنها "نموذج يُحتذى به للشباب العربي"، في دلالة على عمق تأثير مثل هذه المبادرات الرمزية. ولم تعد مواقف التضامن الفني تقتصر على مبادرات فردية، بل تحوّلت إلى مواقف جماعية تتبناها فرق وفنانون أعلنوا أن دعمهم لفلسطين ولقطاع غزة ليس "تسييساً للفن"، بل "واجب أخلاقي ضد الظلم وجرائم الحرب". الأوبرا والعلم الفلسطيني: رمزية في قلب المؤسسات في بريطانيا ، شكّل ختام عرض أوبرا "التروفاتوري" للموسيقار فيردي في دار الأوبرا الملكية في لندن لحظة لافتة عندما رفع أحد الممثلين علم فلسطين على الخشبة. ورغم محاولة أحد الحضور انتزاع العلم، أصرّ الفنان على موقفه، ما أثار جدلاً واسعاً داخل الأوساط الفنية، خصوصاً بعد وصف إدارة الأوبرا المشهد بأنه "غير لائق"، بدعوى الحياد. لكن الردود على هذا التوصيف جاءت حاسمة، إذ اعتبر كثيرون أن ما حدث لا يندرج في خانة "الدعاية السياسية" بل ضمن الحق في التعبير ضد الإبادة المستمرة. ذلك بالطبع إلى جانب اعتراف المستوى الأكاديمي في دولة الاحتلال بتوسع المقاطعة الأكاديمية الغربية على المستويات الجامعية والبحثية، بما في ذلك نشر مواد في مجلات علمية والامتناع عن التعاون مع جامعاتها. ويضاف إليه تنامي تعبير كثيرين عن ضرورة سحب أي استثمارات في مؤسسات أكاديمية تابعة لتل أبيب تساهم في دعم وتأييد الإبادة الجماعية وهندسة التجويع والتطهير العرقي بحق الفلسطينيين. في حديث مع "العربي الجديد"، رأى الكاتب والباحث الدنماركي جون غراوسغورد أن ذلك يذكّر ببدايات تشكل جبهة عالمية ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا سابقاً. وشدد غراوسغورد على أن "العرب عليهم دور في هذا المجال، بشكل مشابه للدور الذي لعبته دول الجوار الأفريقي التي حاصرت نظام الفصل العنصري السابق في جنوب أفريقيا، لا ترك إخوتهم الفلسطينيين وحدهم، وسط دعم أميركي وغربي لدولة الاحتلال الإسرائيلي". سينما ودراما التحديثات الحية حمار 7 أكتوبر... صديق الغزيين بينما تخلّى عنهم العالم "على الجانب الصحيح من التاريخ" وكانت فرق موسيقية معروفة مثل "ماسيف أتاك" و"نيكاب" و"فونتينز دي سي" قد أعلنت رفضها للعدوان الإسرائيلي على غزة، كما دعت إلى التحرك بشكل واسع. وقالت "ماسيف أتاك" لصحيفة ذا غارديان أخيراً: "نشهد إبادة جماعية تُبثّ يومياً، ولا يمكننا الصمت. هذه دعوة إلى كل الفنانين: لا تخافوا على وظائفكم، بل قفوا على الجانب الصحيح من التاريخ". أما الموسيقي البريطاني براين إينو، فقد شارك في مهرجان روسيكلد الدنماركي هذا العام بفتح منصته لعدد من الناشطين المؤيدين لفلسطين، في خطوة جريئة تعرضت لاحقاً لحملة انتقادات سياسية في الدنمارك. الموقف واضح: أكثر من 1000 موسيقي دنماركي يتحركون وفي خطوة غير مسبوقة، نشر أكثر من 1000 موسيقي دنماركي بياناً في صحيفة إنفورماسيون، الخميس، طالبوا فيه الحكومة بالاعتراف بدولة فلسطين، ووقف تصدير مكونات الأسلحة لإسرائيل، واستقبال الجرحى من غزة للعلاج في المستشفيات الدنماركية. وجاء في البيان: "ندين الإبادة الجماعية التي تبثها إسرائيل على الهواء مباشرة، ونطالب الحكومة بالتحرك بما يتماشى مع القانون الدولي. لا يمكننا أن نظل صامتين، ولا أن نكون شركاء في الجريمة باسم المصالح أو التحالفات". وعبّرت الفنانتان الشقيقتان نايا روزا كوبل وبيلي كوبل، اللتان كانتا من بين الموقعين، عن خيبة أملهما من موقف الحكومة الدنماركية، وقالتا: "نريد موقفاً فعلياً، لا شعارات. لا يمكن أن تخضع القيم الإنسانية لمعادلات الربح والخسارة". قمع ناعم وتضامن صاخب مع غزة لم تمر مشاركة الناشطين المناصرين لفلسطين في مهرجان روسيكلد دون ردات فعل، فشنّت وسائل إعلام دنماركية، إلى جانب سياسيين من اليمين ويسار الوسط، هجوماً على المنظمين واعتبرت التعبير عن الموقف "راديكالياً"، فيما فسره فنانون بأنه "تهديد مبطّن لإسكات الأصوات الحرة". هذا الهجوم على المهرجان رفضته إدارة ومنظمو "روسكيلد" هذا العام. وتساءلت بيلي كوبل في تعليقها على الحملة: "ما نطلبه ليس ترفاً سياسياً. نحن فقط نطالب بوقف قتل الأطفال. كيف يكون هذا تطرفاً؟". بين يقظة فنية غربية وصمت عربي مستمر وإذا كان جورج عبد الله بعد أكثر من أربعة عقود من السجن قد خرج معبراً عن الأسى من المواقف العربية، الشعبية والرسمية، تجاه ما يحصل من جرائم حرب في غزة، فإنه في موازاة هذا الحراك الغربي المتصاعد، يعمّ صمت شبه كامل الأوساط الفنية والثقافية في العالم العربي، وهو ما يثير استغراباً متزايداً بين النشطاء العرب في المهجر. وكتب الناشط إلياس سعيد على وسائل التواصل: "بدلاً من الاكتفاء بمديح الهولنديين والدنماركيين، لماذا لا يقرع الناس بمبادرة من الفنانين العرب الأواني من نوافذهم وشرفاتهم كما يفعل أولئك الذين نمتدحهم في الغرب؟". أسئلة مشابهة تتكرر في الفضاء الرقمي حول غياب موقف جماعي للفنانين العرب، بينما يتقدم نظراؤهم الأوروبيون واجهة التضامن دون خوف من العقاب أو الإقصاء. واختصرت الفنانة الدنماركية نايا روزا كوبل بعبارة جوهر الموقف الذي يسري على الحالة الفنية العربية أيضاً: "مهنتنا ليست فوق الإبادة الجماعية. ليست فوق صرخات الأطفال. وسنواصل استخدام منصتنا المتاحة مهما كان الثمن".


العربي الجديد
منذ يوم واحد
- العربي الجديد
ستارمر يستدعي حكومته لاجتماع طارئ بشأن غزة
يستدعي رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر حكومته من عطلتها الصيفية لعقد اجتماع طارئ بشأن غزة هذا الأسبوع، في الوقت الذي دعا فيه العديد من نواب البرلمان من مختلف الأحزاب إلى أن يقوم رئيس الوزراء خلال محادثاته مع دونالد ترامب في اسكتلندا، اليوم الاثنين، بحثّه على اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل، تُمثل منعطفاً حاسماً في المساعدة على حل الصراع. في الوقت نفسه، يستعد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي لحضور مؤتمر للأمم المتحدة حول حل الدولتين في نيويورك هذا الأسبوع، والذي سيناقش سبل الاعتراف الرسمي بدولة فلسطينية، مع أن المملكة المتحدة لم تعلن موافقتها حتى الآن على الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال المؤتمر. وتتعرض الحكومة البريطانية لضغوط متزايدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وسط تزايد الرعب الدولي إزاء الوضع على الأرض في غزة والضفة الغربية، وتصاعد الحراك الشعبي المتضامن مع الشعب الفلسطيني، وحملات مقاطعة إسرائيل. ودعا أكثر من ثلث النواب في البرلمان، برسالة مشتركة عابرة للأحزاب، رئيس الحكومة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، من بينهم وزراء في الحكومة. ونقلت صحيفة "ذا غارديان" عن مصادر حكومية أن الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية مسألة "متى، وليس ما إذا"، فيما قالوا إن الحكومة ستحدد خطواتها التالية للمساعدة في حل الوضع في الشرق الأوسط في الأيام المقبلة، لكنهم قدموا تفاصيل شحيحة، وهو ما قد يؤدي إلى تأجيج المزيد من الانتقادات لستارمر بشأن رده. وأصروا على أن رئيس الوزراء كان "واضحاً" في قلقه إزاء المشاهد في غزة، وأنه "مذعور" من صور الجوع واليأس ومعاناة الأطفال والرضع، حيث دعا حكومته إلى وستمنستر. رصد التحديثات الحية "بوليتيكو": خلاف بين ستارمر ووزارة الخارجية بشأن الاعتراف بفلسطين وتعمل بريطانيا مع الأردن على إنزال المساعدات جواً إلى غزة وإجلاء الأطفال المحتاجين إلى مساعدة طبية، مع نشر مخططين عسكريين لتقديم المزيد من الدعم، في الوقت الذي حذّرت فيه وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) من أن هذه الجهود تُعدّ "تشتيتاً" لن يُعالج مشكلة المجاعة المتفاقمة في القطاع كما ينبغي، وقد تُلحق الضرر بالمدنيين في بعض الحالات. وخلال محادثاته مع ترامب في ملعب تيرنبيري للغولف في أيرشاير، من المتوقع أن يضغط ستارمر على الرئيس الأميركي لاستخدام نفوذه على الحكومة الإسرائيلية للضغط من أجل استئناف المفاوضات حول وقف إطلاق النار، وإجراء صفقة تبادل بين إسرائيل وحركة حماس بعدما انسحبت إسرائيل منها.


القدس العربي
منذ 2 أيام
- القدس العربي
جريمة في فيينا… هل توفي موزارت مقتولا؟
كيف تتطور الإشاعات بين الناس وعبر الأجيال وتتحول إلى حقائق تاريخية يعتبرها الكثيرون أحداثا غيرت التاريخ؟ وهل للأعمال الأدبية أو السينمائية دور في هذا؟ قد يجد القارئ هذا شيئا غريبا، ولكننا سنأخذ مثلا بسيطا، فإذا سألنا أحد هواة السينما أو التاريخ عن كيفية وفاة الموسيقار النمساوي موزارت عام 1791، فإن الجواب المعتاد، أنه قتل على يد منافسه الموسيقار الإيطالي سالييري الذي كان يخطط لسرقة آخر أعماله. إن انتشار هذا الرأي ولفترة طويلة حوله إلى حادثة تاريخية في الذاكرة الشعبية. ولكن هذا الرأي في الحقيقة عديم العلاقة بالتاريخ، لأنه من اختلاق فيلم شهير بعنوان «أماديوس» (1984) نال ثماني جوائز للأوسكار، أي أن هذا الادعاء كان مختلقا تماما من قبل القائمين على الفيلم، حيث قاموا بخدعة معروفة في عالمي الأدب والسينما، لترويج عملهم، على الرغم من تصريحهم بأن فيلمهم لم يكن قائما على أي حقيقة تاريخية. ولكنهم بالتأكيد نجحوا في جذب اهتمام كبير، وعدد غفير من المشاهدين والمعجبين. وبدأت الخدعة باستخدام اسم شهير في مجال بالغ الأهمية في الثقافة العامة، فاختاروا اسم «أماديوس»، الذي أشار إلى الموسيقار العالمي موزارت، حيث كان اسمه الكامل وولفغانغ أماديوس موزارت، وبذلك جذبوا المشاهدين بسهولة، ثم تصويره على شكل الفتى العبقري الذي يتمرد على المجتمع والسلطة في إنتاجه الموسيقي وتصرفاته الشخصية مثيرين بذلك إعجاب المشاهدين. وبعد ذلك تصويره كضحية لاضطهاد المسؤولين، وبهذه الطريقة ينجح المؤلف في كسب تعاطف الجمهور. ولتقوية التأثير على المشاهد، كانت السلطة المضطَهِدة موسيقار البلاط الامبراطوري الكبير في السن والقبيح المنظر الإيطالي سالييري، الذي لم يجد اضطهاده كافيا، فيتنكر ويزوره في منزله أثناء مرضه طالبا منه لحنا جنائزيا مقابل مبلغ كبير من المال، إذ كان يعرف تماما أن هذا العمل سوف يرهق موزارت، المنهار صحيا أصلا، حتى الموت. ولكن موت الموسيقار ليس كل ما يريده سالييري، حيث أراد سرقة اللحن كي يدعي أنه مؤلفه ويعزفه أثناء جنازة موزارت. يوافق موزارت وينكب على العمل كالمجنون ويتوفى بسبب الإرهاق ومرضه، ولكن سالييري يفشل في سرقة مخطوطة اللحن. وبذلك يزداد وقع الفيلم على المشاهد، إذ تضمنت النهاية جريمة قتل لعبقري بائس على يد رجل السلطة الثري الذي يفشل لحسن الحظ في محاولته للسرقة. وانطلت الخدعة على أغلب المشاهدين، وأصبح مقتل موزارت المزعوم حقيقة تاريخية. ولكن التاريخ يقص حكاية مختلفة تماما، فلم تكن هنالك جريمة قتل أو صراع قاس بين الرجلين، بل إن القواسم المشتركة بينهما فاقت المتناقضات بينهما بكثير. ولكن من كان سالييري؟ إنه الإيطالي أنتونيو سالييري (1750 – 1825) أشهر موسيقيي عصره في أوروبا، لاسيما في مجال الأوبرا. وكان مغرما بالموسيقى منذ طفولته، على الرغم من اعتراض والده، ومع ذلك كرس نفسه للموسيقى وبرع فيها. وكان قد جلب إلى القصر الإمبراطوري في فيينا في سن الخامسة عشر، حيث رعاه الإمبراطور النمساوي وأصبح عام 1774 مدير الأوبرا الإيطالية في فيينا، ثم موسيقار البلاط الإمبراطوري عام 1788 ما سمح له بالهيمنة على فن الأوبرا في الإمبراطورية النمساوية (الإمبراطورية الرومانية المقدسة) من خلال كون العاصمة فيينا مركز الموسيقى في القارة الأوروبية. وكان أيضا أشهر مدرس للموسيقى والغناء في أوروبا، حيث تتلمذ على يديه بعض أشهر موسيقيي الجيل التالي له مثل، بتهوفن، وشوبرت، وليست، وبرليوز. ولجميع هذه الأسباب حافظ سالييري على مستوى بارز من الناحيتين المالية والاجتماعية. وقد عرف باهتمامه بعمله واتزان شخصيته وعلاقاته الشخصية بالكثير من المحيطين به، بالإضافة إلى ذكائه. وعرفت موسيقاه كونها تقليدية وتفتقر إلى التجديد. أما موزارت (1756 – 1791)، فكان عبقري الموسيقى في عصره، حيث أدهش العالم ببراعته الموسيقية منذ طفولته، حيث قام بأول عرض له أمام الجمهور في سن الخامسة، وألف أول سيمفونية في سن الثامنة. وكان المحفز الأول له والده الموسيقي، الذي علمه مبادئ هذا الفن. وحقق موزارت ثمانمئة عمل في جميع أنواع الموسيقى المعروفة في عهده، وعرفت موسيقاه بكونها جديدة ومثيرة في نمطها. وعلى الرغم من كل هذا وإجادته لعدة لغات، حسب ظن بعض الخبراء، فإنه كان يجد صعوبة دائمة في العثور على عمل، ما جعله يواجه مشاكل مالية دائمية. وقد يكون السبب عدم قابليته على التعامل مع الآخرين، لاسيما أصحاب العمل والأرستقراطيين. وعلى الرغم من كونه سليط اللسان بعض الشيء، فإنه لم يكن المهرج الذي ظهر في الفيلم، ولم يضحك بهذه الطريقة البلهاء. نعود إلى خلافهما المزعوم. لم يكن هنالك خلاف بين موزارت وسالييري، بل كان هناك احترام متبادل ومنافسة لطيفة. وكانا في تواصل مستمر تطور أحيانا إلى تعاون، إذ أنهما تعاونا في تأليف إحدى القطع الموسيقية في إحدى المرات، كما قام سالييري بعزف مقطوعات موسيقية لموزارت. ومن المعروف أن موزارت شعر بسعادة عارمة عندما اكتشف حضور سالييري تمارين أوبرا «الناي السحري» التي تعد إحدى أشهر أعماله. وكان سالييري، أحد القلائل الذين حضروا جنازة موزارت وقام بتدريس ابنه الموسيقى بعد ذلك. إذا كان نوع من الجفاء ظاهرا في بعض الأحيان، فقد كان ذلك من جانب موزارت، الذي اعتبر نفسه الأعظم في تاريخ البشرية، ولم يكن التواضع من شيمه. وكتب ذات مرة إلى والده شاكيا من سالييري الإيطالي، متهما إياه بأنه حجر عثرة في محاولاته للحصول على وظيفة مرموقة في القصر الإمبراطوري، كما استشاط غضبا عندما عُيّن سالييري مدرسا لإحدى الأميرات على الرغم من أن سالييري كان المدرس الأشهر. ولكن قد يكون هذا محاولة من موزارت لتعليل فشله في الحصول على عمل. وقد يكشف هذا عن جانب سيئ من شخصية موزارت، إذ عرف عنه حقده الخفي تجاه جميع الموسيقيين المنافسين، لاسيما الإيطاليين، لأنهم كانوا الأبرز في عصره على الرغم من أنه لم يظهر هذا أمام سالييري، ففي رسالة له إلى والده وصف الموسيقي الإيطالي الشهير مزيوكلمنتي بأن موسيقاه عديمة القيمة، وأنه محتال مثل جميع الإيطاليين. ومن الممكن القول إن هذا الأتجاه المعادي للإيطاليين ربما شجعه قرار سياسي من الإمبراطور النمساوي، فالقائمون على الموسيقى في تلك الفترة في فيينا كانوا من الإيطاليين، ولكن الإمبراطور جوزيف الثاني، قرر دعم الثقافة الألمانية، حيث أسس المسرح الوطني على أسس ألمانية، ما يعني دعم الموسيقيين الذين يتكلمون الألمانية، وجعل الأوبرا ألمانية اللغة. ومن المرجح أن هذا خلق عداء بين تجمع للموسيقيين الألمان تجاه الموسيقيين الإيطاليين في فيينا، على الرغم من أن الإمبراطور لم يتخل عن سالييري. ومما هو جدير بالذكر أن سالييري كان أقرب الموسيقيين الإيطاليين إلى النمط الألماني في العمل الموسيقى، كما أنه قضى معظم حياته في فيينا، إلا أنه لم يستطع أن يتقن اللغة الألمانية أبدا. وفي نهاية المطاف أصيب سالييري بانهيار عصبي وحتى الخرف، وكانت نهايته بائسة بعد حياة مليئة بالمجد. ويقال إنه أقر بقتله موزارت في تلك الفترة، ولكن هناك شكوكا حول حقيقة هذا الإقرار، لاسيما أنه كان في حالة انهيار وأنه نفى الحكاية برمتها قبل ذلك. ركز الفيلم على الموسيقى الجنائزية، التي لحنها موزارت. ومن المعروف أن سالييري قام بتلحين قطعة موسيقية جنائزية كذلك. ولكنه خصصها لتعزف في جنازته فقط، بينما كانت الموسيقى الجنائزية التي لحنها موزارت، أحد أشهر القطع الموسيقية في العالم. ولم تكن هذه القطعة لجنازته هو حيث كلفه أحد النبلاء بتأليفها مقابل أجر مالي، إلا انه لم يكملها بسبب وفاته المفاجئة، فأكملها تلميذه سوسماير. الغريب في الأمر أن شهرة «موزارت» ازدادت بعد وفاته بشكل هائل، ويعد اليوم أحد أعظم من ألف الموسيقى، ولا ينافسه سوى الألماني بتهوفن. ولعل موزارت كان الأكثر موهبة بين الاثنين، ولكن بتهوفن كان الأكثر ثورية في عمله. أما «سالييري»، فقد تلاشت شهرته وطواه النسيان حتى عرض فيلم «أماديوس» حيث أعاد الفيلم الاهتمام بموسيقاه وقامت المدينة الإيطالية التي ولد فيها بتنظيم مهرجان أسبوعي تكريما له، وأقيم له مهرجان موسيقي كبير في فيينا هذه السنة بمناسبة مرور مئتي عام على وفاته. كانت وفاة «موزارت» في سن الخامسة والثلاثين صدمة مفاجئة في عالم الموسيقى الأوروبية، واختلق أحدهم حكاية مصرعه على يد سالييري. ويقال إن زوجة موزارت كانت أول من ذكر ذلك، على الرغم من عدم قدرة المؤرخين إثبات ذلك، لاسيما أن شقيقته وأقرب أصدقائه لم يذكروا شيئا من هذا القبيل. وقد يكون من اختلق هذه الأشاعة الكاذبة تجمع الألمان المضاد للموسيقيين الإيطاليين. وانتشرت هذه الإشاعة في الأوساط الموسيقية حتى سمع بها سالييري نفسه، ما اُثار انزعاجه بوضوح. ويذكر المؤرخون أن الموسيقار الأيطالي روسيني، ذكر هذه الإشاعة بنفسه لسالييري ضاحكا عام 1822. ولكن المؤرخين أكدوا أن موزارت لم يتعرض للقتل، بل توفي بسبب عمله المتواصل وسوء الرعاية الصحية في زمنه. وكان من الممكن أن ينسى الجميع هذه الإشاعة مثل غيرها من الإشاعات. ولكن الشاعر الروسي أليكساندر بوشكين ألف مسرحية شعرية عن هذه الحكاية الخيالية عام 1830 وتبعه الملحن الألماني ألبرت لورتسنغ، الذي ألف أغنية عنها عام 1832. ومما زاد الطين بلة، قيام الموسيقار الروسي نيكولاي ريمسكي كورساكوف، بتلحين أوبرا عن حادثة القتل المزعومة عام 1897. واستمر الأمر في التطور، حيث قام الكاتب المسرحي البريطاني بيتر شافر بتأليف مسرحية مقتبسة بعض الشيء من مسرحية بوشكين، عرضت في لندن عام 1979 ثم اقتبس منها فيلم «أماديوس» الشهير لتتطور حكاية مقتل موزارت إلى اعتقاد شعبي شائع وكأنه حقيقة تاريخية. باحث ومؤرخ من العراق