
إسرائيل الأسطورة المقاتلة
شلومو ساند في مجلده الذي ترحّل عبره بين القديم والحديث، من مسيرة اليهود كتب عن قصة النبي موسى، التي تناولها كثير من المؤرخين ورجال الدين بمن فيهم اليهود. قال عنه سيغموند فرويد، وهو عالم نفس يهودي، إنه مصري الهوية وفرعوني التفكير. والفيلسوف اليهودي الهولندي، باروخ سبينوزا، تطاول في كتابه «رسالة في اللاهوت والسياسة» على التوراة ونسبها إلى شخص آخر عاش بعد موسى قروناً طويلة». يقفز شلومو ساند إلى حدث قريب، حيث يقتبس نصاً من خطاب ديفيد بن غوريون من إعلان استقلال إسرائيل: «في أرض إسرائيل وُلد الشعب العبري، وهنا تشكلت هويته الروحانية والدينية والسياسية، وهنا عاش حياة مستقلة. هنا خلق قيماً ثقافية سادت في نِطاق وطني وعالمي، وأعطت للدنيا كتاب الكتب».
ويستعرض المؤلف نصاً طويلاً كتبه المؤرخ جوزيبي فلافيو، في الحقبة الفولقارية، ويعتبره أول عمل تاريخي يتناول تفكيك بنية الوجود العبري ديناً وهوية. المؤرخ شلومو ساند يخلص إلى أن الأسطورة، التي يمتزج فيها الدين بالتاريخ وصيرورة الحياة، بكل ما فيها من جبال المعاناة الثقيلة، أنتجت عقلاً تملأه المخاوف والطموحات والإصرار العنيف، التي لا تزيلها أو تضعفها عاديات القرون الطويلة. ما تعيشه منطقتنا منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وصدور إعلان «وعد بلفور»، وتدفُّق الهجرات اليهودية إلى أرض فلسطين، التي وُضعت تحت الوصاية البريطانية، إلى قيام دولة إسرائيل سنة 1948، كل ذلك تجسيد سياسي وعسكري لعصارة مكثَّفة وُلِدت من رحم زمن قديم يتجدد، امتزجت فيه الأساطير الدينية بالمعاناة التي عاشها العبرانيون. أرض فلسطين التي زُرعت كبذور مقدسة في العقل والوجدان اليهودي، كأرض الميعاد التي وهبها الله لشعبه المختار، حملها اليهود معهم في شتاتهم في أصقاع الدنيا. «إن نسيتُك يا أورشليم تنسني يميني»، (المزمور 137)، عبارة صلاة رافقت كبار اليهود وصغارهم أينما كانوا عبر التاريخ. يهودا والسامرة هي الأرض الموعودة التي وهبها الله لشعب موسى، ولكنْ دونها قوم جبارون. ونحن نتابع عبر شلالات الأخبار المرئية تكدُّس جثث القتلى تحت ركام غزة، والمجاعة المرعبة والعطش والمرض، واعتداءات المستوطنين اليهود على البيوت والمزارع والمراعي في الضفة الغربية، والقصف الجوي الإسرائيلي الذي لا يتوقف على الجنوب اللبناني، وأصوات المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية، برئاسة بنيامين نتنياهو. كل ذلك يشدنا إلى قراءة ما كتبه المؤرخ اليهودي شلومو ساند مرات ومرات. شعب اخترع ذاته، وسكب على بذوره مياه الخوف والطموح والعنف.
لقد تحولت الأساطير إلى قوة فاعلة تتجسد على الأرض. في الحرب العربية – الإسرائيلية الأولى، سنة 1948، هزم الكيان الوليد خمس دول عربية، واستولى على مساحة أكثر مما منحها له قرار التقسيم الدولي، وفي حرب يونيو (حزيران) 1967، هزمت إسرائيل، في أيام قليلة، ثلاث دول عربية، واحتلت مساحات كبيرة من أراضيها. بدأ مسار آخر فوق خريطة الصراع الطويل: التطبيع مع الكيان الذي أعطاه العرب سنين طويلة عناوين ترفضه. بعد خروج مصر عبد الناصر من حلبة المواجهة، وغروب الشعارات القومية العربية، ارتفع صوت إيراني ثوري إسلامي معادٍ لإسرائيل، ومدَّ أذرعه في لبنان وفلسطين واليمن وسوريا. انتقلت المواجهة مع إسرائيل من الأنظمة السياسية إلى المنظمات ذات الآيديولوجيا الإسلامية، لكنها تلقت ضربات إسرائيلية عنيفة. حروب طويلة تغفو ثم تنفجر. ظلَّت القضية الفلسطينية حية، والشعب الفلسطيني يتشبث بحقه في إقامة دولته على أرضه. لكن إسرائيل ترفض ذلك، وترى أن الحل في مغادرة كل الفلسطينيين (transfer)، بمن فيهم مَن يحملون الجنسية الإسرائيلية، لكل ما تعتبره أرضها المقدسة الكاملة، التي وهبها الله لهم. الأساطير تحقق زمانها على الأرض، وكل ما كان حنيناً وحلماً، كبر واتسع بالقوة. في المقابل تبخرت الأحلام العربية، وتقاتَلَ العرب فيما بينهم، وتخلفت شعوبهم. شلومو ساند المؤرخ اليهودي، قرأ التكوين اليهودي، بعين على الماضي، وأخرى على الحاضر والآتي.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أخبار ليبيا
منذ 14 ساعات
- أخبار ليبيا
في الذكرى الأولى لاعتقاله تعسفياً: نعمان البوري يتحدث عن الظلم… ويجدد المطالبة بإنصافه وفقًا للقانون
في مثل هذا اليوم من العام الماضي، وتحديدًا في 15 يوليو 2024، تعرّض نعمان البوري، بصفته الرئيس السابق لمجلس إدارة مصرف السراي (ATIB)، للاعتقال في العاصمة طرابلس، حيث تم احتجازه في سجن بوسليم لمدة ثلاثة أيام، وهو معصوب العينين، جاءت هذه الحادثة بعد اختطاف أول كان قد تعرّض له في عام 2017، والذي انتهى بسلام بفضل جهود وتدخل كل من الشيخ هاشم بشر والسيد سيف خالد، اللذين كان لهما الفضل، بعد الله، في إنقاذه وتحريره آنذاك وفق تصريحه. وبين الحادثتين، مضت سنوات من الضغوط والاتهامات والقرارات الجائرة في حقه، والتي شكّلت محاولات لإسكاته ومنعه من إبداء رأيه المهني في سياسات نقدية أضرت بالشعب الليبي، وساهمت في انهيار الدينار من 1.400 د.ل/$ إلى واقع تعدد أسعار الصرف: كاش 9.000، وصك 15.000، وحرق صكوك بنسبة 40%، ما ساهم في نمو سوق المضاربة والسوق السوداء وفق قوله . وقد طالته حملات تشويه ممنهجة، رغم أنه كان مساهمًا فعال في المسار الاقتصادي الذي أدارته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL) بهدف توحيد مصرف ليبيا المركزي وتوحيد سعر الصرف، كانت محاولات بائسة وعبثية للنيل من سمعته، والاستمرار في العبث النقدي، إلا أن براءته من جميع التهم وُثّقت قضائيًا، وتم لاحقًا تبني جميع الحلول التي كان يطالب بها، مع اتخاذ إجراءات تصحيحية مثل 'توحيد وتعديل سعر الصرف'، و'توحيد المقاصة'، و'توحيد مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي'، رغم استمرار التجاذبات الناتجة عن غياب ميزانية موحدة حتى الآن بحسب قوله وفي تصريح له بمناسبة مرور عام على الحادثة الثانية، أشار البوري في تصريح ل الاقتصادية إلى أن التقارير المسيئة التي كانت تُهاجم ما كان يدعو إليه من إصلاحات نقدية، تم تبنيها فعليًا في عام 2021، أي بعد سبع سنوات من الانهيار الحر. وأضاف أن من كان يقف وراء تلك التقارير الكيدية والانتهاكات، سواء من المحرضين أو المنفذين، لم يعد لهم أي وجود أو تأثير يُذكر اليوم، سواء على المستوى الأمني أو النقدي، والحمد لله. وقال إن زوال هؤلاء الظالمين ومستغلي السلطة يحمل رسالة بليغة: 'الظلم لا يدوم، ولكل ظالم نهاية'، وأن من يتعسف في استخدام سلطاته لاضطهاد الآخرين، سينال جزاءه ولو بعد حين. كما تطرق البوري إلى قرار تعسفي صدر بحقه في عام 2023 من قبل محافظ مصرف ليبيا المركزي السابق، السيد الصديق الكبير، والذي بموجبه أُقيل مجلس إدارة المصرف الذي كان يرأسه، دون أي سند قانوني أو أساس يدعم الإجراء، ورغم إثبات البراءة له ولفريقه، أظهرت جميع التحقيقات عدم وجود أي مخالفة تُذكر، كما دعمت الأحكام القضائية اللاحقة صحة ما نُسب لمجلس الإدارة، وألغت القرار الصادر، إلا أن تنفيذ هذه الأحكام لا يزال معلقًا، ما يستدعي تدخل الجهات المعنية لإنصاف من وقع عليهم الظلم. وبخصوص حادثة اختطافه في عام 2024، أكد البوري أن الإفراج عنه لم يكن ليتحقق لولا التدخل الحاسم من قبل النائب العام، السيد الصديق الصور، وفريقه، بالإضافة إلى جهود السفارة السويسرية ووزارة الخارجية السويسرية، الذين كان لهم دور مشكور ومحوري في إنهاء احتجازه، والوقوف إلى جانب أسرته وذويه. وفي ختام تصريحه، قال البوري: 'في هذه الذكرى، أستذكر أن من حرّض على خطفي واحتجازي ظلمًا في 2017 و2024 لم يعد موجودًا اليوم؛ من قادوا حملات التشويه، ومن مارسوا الضغوط في مصرف السرايا والمصرف المركزي، وحتى العناصر التي نفّذت عملية الاختطاف، جميعهم اختفوا من المشهد، وهذه ليست مصادفة، بل رسالة واضحة: الظلم لا يدوم، ومهما طغى الظالم، سيكون عبرة لغيره، وأُجدد مناشدتي للسيد المحافظ ناجي عيسى ومجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي: أنصفونا عبر تنفيذ الأحكام كل ما نطالب به هو احترام القانون، آن الأوان لإنصاف مجلس الإدارة، وردّ الاعتبار لمن وقع عليه الظلم دون وجه حق 'العدالة لا تسقط بالتقادم، ومن يتغاضى عن الحق اليوم، سيحاسب غدًا.


ليبيا الأحرار
منذ 2 أيام
- ليبيا الأحرار
مخاتير طرابلس يرفضون المظاهر المسلحة ويطالبون بحكومة وحدة وطنية
أعلن مخاتير محلات بلديات طرابلس الكبرى رفضهم القاطع للمظاهر المسلحة والتحشيد العسكري في العاصمة، معبرين عن قلقهم البالغ من عودة الاضطرابات التي ترعب السكان. وطالب المخاتير في بيان مصور بضرورة تشكيل حكومة جديدة موحدة لإنهاء الانقسام وبناء مؤسسات الدولة، معربين عن قلقهم الشديد 'بشأن ما تمر به عاصمتنا طرابلس وضواحيها من عودة للاضطرابات والتحشيد والمظاهر المسلحة التي ترعب عامة الناس وسكان المدينة'. وأدان البيان بأشد العبارات استخدام السلاح لتحقيق مصالح ضيقة لا تخدم الوطن والمواطن، محذرا من أن استمرار هذا الوضع سيؤدي حتما إلى اتساع رقعة الصراع ليشمل مناطق ومدن مجاورة، مما سيخلف المزيد من إزهاق الأرواح وتدمير الممتلكات العامة والخاصة. وشدد مخاتير طرابلس الكبرى على أن الخلافات السياسية لا تحل بالحرب، بل بالحوار والتفاهم، مؤكدين أن 'الصلح خير' وأن من يظن نفسه رابحا في الحرب 'هو في الحقيقة خاسر أمام الله والتاريخ والشعب'، بحسب البيان. ودعا مخاتير طرابلس إلى تشكيل حكومة موحدة تتألف من كفاءات وطنية تمثل جميع المدن الليبية دون إقصاء أو تهميش، رافضين أن تكون السلطة حكرا على منطقة بعينها، مؤكدين أن بناء مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية لا يمكن أن يتحقق في ظل الانقسام الحالي، بل يتطلب وجود سلطة تنفيذية موحدة. كما حمل المخاتير المجتمع الدولي والبعثة الأممية مسؤولية ما وصفوه بـ 'تباطؤ العملية السياسية'، وطالبوهم باتخاذ خطوات جادة وحاسمة لدفع العملية السياسية إلى الأمام وتحقيق الاستقرار في البلاد. المصدر: بيان


أخبار ليبيا
منذ 2 أيام
- أخبار ليبيا
بيان عن مخاتير محلات بلديات طرابلس الكبرى بشأن المظاهر المسلحة والتحشيد العسكري بالعاصمة
أعلن مخاتير محلات بلديات طرابلس الكبرى رفضهم القاطع للمظاهر المسلحة والتحشيد العسكري في العاصمة، معبرين عن قلقهم البالغ من عودة الاضطرابات التي ترعب السكان. وطالب المخاتير في بيان مصور بضرورة تشكيل حكومة جديدة موحدة لإنهاء الانقسام وبناء مؤسسات الدولة، معربين عن قلقهم الشديد 'بشأن ما تمر به عاصمتنا طرابلس وضواحيها من عودة للاضطرابات والتحشيد والمظاهر المسلحة التي ترعب عامة الناس وسكان المدينة'. وأدان البيان بأشد العبارات استخدام السلاح لتحقيق مصالح ضيقة لا تخدم الوطن والمواطن، محذرا من أن استمرار هذا الوضع سيؤدي حتما إلى اتساع رقعة الصراع ليشمل مناطق ومدن مجاورة، مما سيخلف المزيد من إزهاق الأرواح وتدمير الممتلكات العامة والخاصة. وشدد مخاتير طرابلس الكبرى على أن الخلافات السياسية لا تحل بالحرب، بل بالحوار والتفاهم، مؤكدين أن 'الصلح خير' وأن من يظن نفسه رابحا في الحرب 'هو في الحقيقة خاسر أمام الله والتاريخ والشعب'، بحسب البيان. ودعا مخاتير طرابلس إلى تشكيل حكومة موحدة تتألف من كفاءات وطنية تمثل جميع المدن الليبية دون إقصاء أو تهميش، رافضين أن تكون السلطة حكرا على منطقة بعينها، مؤكدين أن بناء مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية لا يمكن أن يتحقق في ظل الانقسام الحالي، بل يتطلب وجود سلطة تنفيذية موحدة. كما حمل المخاتير المجتمع الدولي والبعثة الأممية مسؤولية ما وصفوه بـ 'تباطؤ العملية السياسية'، وطالبوهم باتخاذ خطوات جادة وحاسمة لدفع العملية السياسية إلى الأمام وتحقيق الاستقرار في البلاد.