
الصين تطرق أبواب شرق ليبيا لترسيخ نفوذها في شمال أفريقيا
وتعتزم الصين، بحسب تقارير محلية وغربية، ضخ نحو 50 مليار دولار من أجل تحويل مطار طبرق العسكري من مركز مقيد إلى محطة شحن مدنية وعسكرية مشتركة وتوسيع ميناء المدينة، في وقت تنتظر فيه الحكومة في بكين موافقة قائد "الجيش الوطني الليبي" المشير خليفة حفتر من أجل البدء في خطوات فعلية لتنفيذ هذه المشاريع التي بدأت تثير حفيظة القوى الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً في ظل التباعد الذي طفا على السطح هذه الأيام بين حكومة شرق ليبيا برئاسة أسامة حماد المدعومة من البرلمان و"الجيش الوطني" والقوى الأوروبية، ومعلوم أن الأولى طردت وزراء أوروبيين فور وصولهم إلى شرق البلاد.
بحث عن نفوذ
وعلى رغم أن الصين كرست استثمارات ضخمة في دول مثل تونس بشمال أفريقيا، فإن شرق ليبيا يوفر لها امتيازات أخرى على غرار استثمارات في مجال النفط حيث تخطط بكين إلى إنشاء مصفاة نفط تكون قادرة على تكرير أكثر من 500 ألف برميل من النفط يومياً.
وتستغل الصين مساعي يبذلها حفتر من أجل إعادة إعمار شرق ليبيا للدفع بمشاريع ضخمة لتطوير البنى التحتية المدنية والعسكرية.
وعد المتخصص في مجال العلوم السياسية والعلاقات الدولية إلياس الباروني أن "ليبيا تمثل موقعاً استراتيجياً مهماً على مستوى البحر الأبيض المتوسط ومنطقة عبور محتملة تربط بين آسيا وأفريقيا، من هنا تسعى الصين إلى أن تكون ليبيا ضمن الاستراتيجية الأوسع التي تطمح إليها، والتي تعرف بالتموضع الجيو اقتصادي، أي الاستفادة من الجغرافيا الاقتصادية لتحقيق مصالح البلدين".
تسعى الصين إلى استغلال مشاريع إعادة الإعمار شرق ليبيا، والتي تقودها حكومة مدعومة من حفتر (أ ف ب)
وأوضح الباروني أن "الصين ستعمل من هنا على أن يكون لها موطئ قدم في هذه المنطقة لا سيما في ظل التنافس القوي بين القوى الإقليمية على ليبيا، وتسعى السلطات في شرق ليبيا أو غربها إلى استغلال الفرصة التي تمثلها محاولات إعادة الإعمار في شرق البلاد وتنمية الموانئ والمطارات وبقية البنى التحتية وهي مجالات تحتاج إلى شركات كبرى"، وشدد على أن "الصين تريد أن تكون سباقة نحو ليبيا لضخ استثمارات وتعزيز وجودها في المنطقة التي تعتبر أقل فوضى ومنافسة من قبل القوى الغربية، لا سيما أن بكين تحاول الاستفادة من الانقسام السياسي لإبرام بعض العقود والصفقات وهو ما تقوم به في شرق البلاد، والصين سال لعابها من أجل إيجاد موطئ قدم في المنطقة، والتعامل مع سلطات الشرق يعتبر خارج إطار التعامل مع حكومة طرابلس"، ولفت المتحدث نفسه إلى أن "الغرب الليبي مرتبط باتفاقات مع القوى الأوروبية وتركيا والولايات المتحدة ما يقلل فرص الصين في الوجود هناك، وما جعلها تلجأ إلى الشرق في محاولة لترسيخ نفوذها في شمال أفريقيا في ظل وجود أسباب تعطيها زخماً في ذلك، أهمها الموقع الاستراتيجي لليبيا التي تملك ساحلاً طويلاً على البحر الأبيض المتوسط وحلقة وصل بين الغرب والشرق والجنوب والشمال، أي بين أوروبا وأفريقيا وآسيا والولايات المتحدة، وأيضاً هناك فراغ يحصل على الجانب الجيوسياسي نتيجة الصراع المستمر في ليبيا وعدم وجود حكومة موحدة، ما يعطي الصين بيئة خصبة حتى تتمكن من ترسيخ موطئ قدم لها من خلال إقامة تحالفات معينة وكسب ورقة ضغط ضد الغرب"، واستنتج أن "دخول الصين إلى شرق ليبيا ليس عبثاً بل خطوة مدروسة ضمن مخطط استراتيجي للبحث عن نفوذ في شمال أفريقيا".
مخاوف مشروعة
وسبق أن كشف موقع "سينوساج" المحلي في الصين عن "محادثات" بين السلطات وقادة شرق ليبيا، مشيراً إلى أن "الصين تبذل جهداً من أجل إعادة تشكيل سلاسل التوريد وطرق التجارة والتحالفات السياسية بمنطقة البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا، وشرق ليبيا يمثل محوراً ومركزاً حاسماً للتجارة الصينية - الأفريقية، والصينية - الأوروبية".
يثير طموح الصين لتحديث البنى التحتية في شرق ليبيا من خلال تحويل مدينة طبرق إلى مركز للشحن والتجارة وغيرهما (رويترز)
وقال الباحث السياسي الإيطالي دانييلي روفينيتي إن "اهتمام الصين المتزايد بشرق ليبيا يعكس استراتيجيتها الأوسع تجاه شمال القارة الأفريقية، ولا سيما الاستثمار في البنية التحتية لمرحلة ما بعد الصراع، الوصول إلى الموانئ الاستراتيجية، وبناء النفوذ من خلال علاقات براغماتية مع مراكز القوى المحلية، ويوفر شرق ليبيا فرصة منخفضة الكلفة وعالية التأثير لتوسيع حضور الصين في البحر الأبيض المتوسط"، وأوضح روفينيتي في تصريح خاص أن "خطوة الصين قد تواجه مقاومة من طرابلس وغرب ليبيا اللتين تعززان علاقاتهما مع شركائهما الغربيين، ويمكن اعتبار أي تحالف صيني واضح مع معقل حفتر بمثابة تعميق للتشرذم السياسي في ليبيا"، وأشار إلى أن "وجود بكين على الساحل الشرقي الليبي يثير، بالفعل، مخاوف مشروعة لدى القوى الغربية، فإذا سيطرت الصين على البنية التحتية ذات الاستخدام المزدوج العسكري والمدني أو مراكز الخدمات اللوجيستية، فقد يشكل ذلك تحدياً للجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي والعمق الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي في شمال أفريقيا".
تعاون لا نفوذ
ورهان الصين على شرق ليبيا لم يأتِ من فراغ إذ تهدف بكين إلى تعزيز صادراتها النفطية إلى أوروبا من خلال طبرق ومدن ليبية أخرى، مستفيدة من سعي الأوروبيين إلى تقليص الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية إثر الهجوم الذي شنته موسكو على أوكرانيا في عام 2022.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر الباحث السياسي الصيني نادر رونغ أن بلاده "تدعم ليبيا في كل المجالات وهناك صداقة تقليدية بين البلدين، ومنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية منذ أكثر من 47 عاماً تبادل البلدان الدعم والصداقة، وكذلك الصين تولي اهتماماً بالغاً لتعزيز علاقاتها مع هذا البلد والعمل معها لتوريث الصداقة التقليدية وزيادة الثقة السياسية المتبادلة"، وأضاف رونغ لـ"اندبندنت عربية" أن "الصين تسعى إلى تعزيز التعاون في شتى المجالات من خلال تبادل الزيارات الدبلوماسية، والصين لديها دعم ثابت لاستقلال ليبيا ووحدة أراضيها ويتم ضخ استثمارات ضخمة في هذا السياق، وهناك استعدادات من بكين لاستكشاف تعاون أكبر وتعزيز التعاون في مجال البنى التحتية، والجانب الليبي وعد بتقديم بيئة استثمارية وتجارية عادلة من دون امتيازات للشركات الصينية"، وأبرز أن "بكين لا تسعى إلى تعزيز نفوذها بل تعزيز التعاون مع ليبيا من أجل الكسب المشترك، والجانب الليبي يولي اهتماماً بالغاً في دفع العملية السياسية في ليبيا وإعادة الإعمار، والشركات الصينية لم تغادر ليبيا في أحلك فتراتها، بل تم تعزيز التعاون في الطاقة المتجددة والبنى التحتية وغيرهما".
منافسة مع روسيا
التساؤلات الملحة في الوقت الراهن، والتي تشغل حيزاً مهماً من اهتمام القوى الغربية، تتمحور حول الموقف الروسي من التمدد الصيني في شرق ليبيا الذي يعد منطقة نفوذ خالصة لموسكو، حيث وثقت، منذ سنوات، تحالفها مع حفتر الذي يسيطر على المنطقة.
ولم تعلق موسكو على الفور على هذه الخطط الصينية كما سلطات شرق ليبيا، لكن دانييلي روفينيتي قال "في حين رسخت روسيا وجودها في شرق ليبيا عبر (فاغنر) والعلاقات الدفاعية، فقد تتسامح بهدوء مع الدور الاقتصادي للصين، في الوقت الحالي، لكن قد تنشأ منافسة على النفوذ والسيطرة على الأصول الرئيسة إذا توسعت بصمة الصين إلى أبعد من اللازم"، وأضاف "بالنسبة إلى الصين، لا تقتصر ليبيا على إعادة الإعمار، فهي توفر بوابة إلى منطقة الساحل ووسط أفريقيا، وتكمل الطرق البحرية وتربط مبادرة الحزام والطريق بالممرات القارية، ويمكن لميناء طبرق أو غيره في ليبيا أن يرسخ هذه الرؤية".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سعورس
منذ ساعة واحدة
- سعورس
«أوبك»: 18.5 % نمو طلب النفط عام 2050
تؤكد التقارير والدراسات الموضوعية، نمو الطلب على النفط لعقود طويلة قادمة، في ظل تزايد عدد السكان وحجم الاقتصاد العالمي. وفي أحدث تقرير لها رفعت "أوبك" توقعاتها لزيادة الطلب بنسبة 18.5 % إلى 122.9 مليون برميل يوميًا عام 2050. وقال الأمين العام للمنظمة هيثم الغيص:" لا تلوح في الأفق ذروة للطلب على النفط"، مجددًا رفض "أوبك" لتوقعات غير واقعية ببلوغ ذروة استخدام النفط قبل عام 2030. ووفق التقرير، تساهم الهند بأكبر حصة في زيادة الطلب على النفط على المدى الطويل، ليصل إلى 13.7 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2050. كما يتوقع ارتفاع طلب دول "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" تدريجيًا إلى 46.6 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2030. وتقدر"أوبك" الحاجة إلى استثمارات بقيمة 18.2 تريليون دولار؛ لتلبية الطلب على النفط حتى عام 2050، محذرة من أن نقص الاستثمار؛ قد يُهدد أمن الإمدادات واستقرار السوق في المستقبل.

سعورس
منذ ساعة واحدة
- سعورس
مرحلة جديدة تنهي 47 عاماً من الصراع.. أردوغان: لجنة برلمانية لبحث نزع سلاح «العمال الكردستاني»
وأكد أردوغان خلال كلمة ألقاها في أنقرة أن التطورات الإقليمية، خاصة في سوريا والعراق ، أسهمت في تقليص خطر الإرهاب بشكل كبير، ومهدت الأرضية لإجراءات جديدة تركز على الحل السياسي ونزع السلاح، قائلاً:" لقد قاتلنا الإرهاب، لكننا أيضاً اقتربنا من إخوتنا الأكراد، وأثبتنا أننا نبحث عن مصلحة تركيا ومصلحتهم على حد سواء". وفي سياق حديثه، استعرض الرئيس التركي الكلفة البشرية والاقتصادية الباهظة التي تحملتها بلاده نتيجة الصراع المسلح مع" العمال الكردستاني"، مشيراً إلى أن "الإرهاب كلّف تركيا تريليوني دولار على مدار السنوات الماضية، وأودى بحياة 10 آلاف من رجال الأمن و50 ألف مدني". وأضاف: "هذه التضحيات لن تذهب سدى، وها نحن نصل إلى نهاية طريق طويل من المعاناة". وجاء تصريح الرئيس التركي بعد يوم من خطوة رمزية قام بها 30 مقاتلاً من حزب العمال الكردستاني، حيث أحرقوا أسلحتهم أمام أحد الكهوف القريبة من مدينة السليمانية شمال العراق ، في مشهد وصف بأنه "مراسم وداع" لصراع امتد لأكثر من أربعة عقود. تأتي هذه الخطوة في إطار مبادرة أطلقها الحزب في مايو الماضي، أعلن خلالها حل نفسه وإنهاء العمل العسكري ضد الدولة التركية، وذلك بعد دعوة علنية من زعيم الحزب المسجون عبد الله أوجلان، الذي يقضي حكماً بالسجن المؤبد في تركيا منذ عام 1999. ويُنظر إلى هذا التطور باعتباره تحولاً إستراتيجياً في العلاقة بين أنقرة والحركة الكردية المسلحة، خصوصاً أن حزب العمال الكردستاني كان مصنفاً من قبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية. ويرى مراقبون أن تشكيل لجنة برلمانية رسمية يعكس رغبة الحكومة التركية في الانتقال من المعالجة الأمنية إلى المعالجة التشريعية والسياسية للقضية الكردية، وهو ما قد يفتح الباب أمام مفاوضات أكثر شمولاً في المستقبل. ولم تصدر حتى الآن ردود فعل رسمية من الأطراف الدولية أو الإقليمية حيال إعلان الحزب نزع سلاحه، غير أن مراقبين يتوقعون أن تسهم هذه الخطوة في تهدئة الأوضاع الأمنية جنوب تركيا وعلى حدودها مع العراق وسوريا ، إضافة إلى أنها قد تعيد رسم أولويات التعامل مع الملف الكردي في ضوء التغيرات الجيوسياسية في المنطقة.


البلاد السعودية
منذ 2 ساعات
- البلاد السعودية
مرحلة جديدة تنهي 47 عاماً من الصراع.. أردوغان: لجنة برلمانية لبحث نزع سلاح «العمال الكردستاني»
البلاد (إسطنبول) في تحرك لافت على صعيد الملف الكردي، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس (السبت)، تشكيل لجنة برلمانية مختصة لبحث المتطلبات القانونية لعملية نزع سلاح حزب العمال الكردستاني، في ما وصفه بـ'المرحلة الأخيرة من 47 عاماً من الإرهاب'. وأكد أردوغان خلال كلمة ألقاها في أنقرة أن التطورات الإقليمية، خاصة في سوريا والعراق، أسهمت في تقليص خطر الإرهاب بشكل كبير، ومهدت الأرضية لإجراءات جديدة تركز على الحل السياسي ونزع السلاح، قائلاً:' لقد قاتلنا الإرهاب، لكننا أيضاً اقتربنا من إخوتنا الأكراد، وأثبتنا أننا نبحث عن مصلحة تركيا ومصلحتهم على حد سواء'. وفي سياق حديثه، استعرض الرئيس التركي الكلفة البشرية والاقتصادية الباهظة التي تحملتها بلاده نتيجة الصراع المسلح مع' العمال الكردستاني'، مشيراً إلى أن 'الإرهاب كلّف تركيا تريليوني دولار على مدار السنوات الماضية، وأودى بحياة 10 آلاف من رجال الأمن و50 ألف مدني'. وأضاف: 'هذه التضحيات لن تذهب سدى، وها نحن نصل إلى نهاية طريق طويل من المعاناة'. وجاء تصريح الرئيس التركي بعد يوم من خطوة رمزية قام بها 30 مقاتلاً من حزب العمال الكردستاني، حيث أحرقوا أسلحتهم أمام أحد الكهوف القريبة من مدينة السليمانية شمال العراق، في مشهد وصف بأنه 'مراسم وداع' لصراع امتد لأكثر من أربعة عقود. تأتي هذه الخطوة في إطار مبادرة أطلقها الحزب في مايو الماضي، أعلن خلالها حل نفسه وإنهاء العمل العسكري ضد الدولة التركية، وذلك بعد دعوة علنية من زعيم الحزب المسجون عبد الله أوجلان، الذي يقضي حكماً بالسجن المؤبد في تركيا منذ عام 1999. ويُنظر إلى هذا التطور باعتباره تحولاً إستراتيجياً في العلاقة بين أنقرة والحركة الكردية المسلحة، خصوصاً أن حزب العمال الكردستاني كان مصنفاً من قبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية. ويرى مراقبون أن تشكيل لجنة برلمانية رسمية يعكس رغبة الحكومة التركية في الانتقال من المعالجة الأمنية إلى المعالجة التشريعية والسياسية للقضية الكردية، وهو ما قد يفتح الباب أمام مفاوضات أكثر شمولاً في المستقبل. ولم تصدر حتى الآن ردود فعل رسمية من الأطراف الدولية أو الإقليمية حيال إعلان الحزب نزع سلاحه، غير أن مراقبين يتوقعون أن تسهم هذه الخطوة في تهدئة الأوضاع الأمنية جنوب تركيا وعلى حدودها مع العراق وسوريا، إضافة إلى أنها قد تعيد رسم أولويات التعامل مع الملف الكردي في ضوء التغيرات الجيوسياسية في المنطقة.