
الأوروبيون الأوائل أكلوا أدمغة أعدائهم احتفالا بالنصر
أظهرت حفريات مكتشفة في أحد الكهوف في بولندا أن الأوروبيين الأوائل الذين عاشوا في أوروبا خلال العصور القديمة كانوا يمارسون سلوك أكل لحوم البشر، وفي بعض الحالات كانوا يتناولون أدمغة أعدائهم [احتفالاً بالنصر]، خلال الحروب التي نشبت بين تلك الجماعات قبل نحو 18 ألف عام مضت.
النتائج المنشورة في مجلة "ساينتفيك ريبورتس" Scientific Reports سلطت الضوء على عادات مرتبطة بدفن الموتى وطقوس خاصة مارستها تلك الجماعات البشرية التي عاشت إبان الحقبة "الماجدلينية" خلال عصور ما قبل التاريخ في المنطقة المعروفة اليوم ببولندا، وقد اعتمدت في حياتها على الصيد وجمع الثمار.
وكانت بحوث سابقة أشارت أيضاً إلى أن المجتمعات البشرية القديمة لجأت إلى أكل لحوم البشر، ولكن كان الدافع وراء هذه الممارسة إما طقوس [دينية أو اجتماعية]، أو للضرورة بسبب شح الموارد الغذائية والجوع الناجم عنها.
ولكن في الدراسة الأخيرة وجد الباحثون، على عشرات العظام المأخوذة من كهف "مازيتسكا"Maszycka قرب مدينة كراكوف في بولندا، دلائل توضح أن تلك الجماعات مارست عادة أكل لحوم البشر وذلك في سلسلة عمليات حفر أنجزوها خلال القرنين الـ 19 والـ 20 واستمرت حتى ستينيات القرن الـ 20.
ولما كانت معظم العظام متكسرة أو متشظية عند اكتشافها لم يكن معروفاً أنها تعود لأصل بشري، والآن ومن طريق تحليل علامات التقطيع الموجودة على 53 عظمة باستخدام تقنيات الفحص المجهري الثلاثي الأبعاد، يمكن للعلماء أن يؤكدوا أن الجماعات البشرية التي مارست هذا السلوك قد لجأت إلى "أكل لحوم البشر كمصدر للغذاء".
ويؤكد التحليل المجهري الثلاثي الأبعاد أن الجثث قد اُستخدمت بعد فترة قصيرة من الوفاة من دون أن يُتاح لها الوقت الكافي لتبدأ عملية التحلل الطبيعي.
كذلك يقول الباحثون إن نتائج التحليل تكشف عن تطابق بين العلامات الموجودة على حفريات العظام البشرية من جهة وبين العلامات الموجودة على عظام حيوانات عمدت تلك الجماعات إلى تقطيعها واستهلاكها من جهة أخرى، ويبدو أن بعض العظام الحفرية قد فُتحت لاستخراج نخاعها الغني بالمواد المغذية وتناوله كمصدر غذائي.
وتبين علامات التقطيع الموجودة على الجماجم أن تلك الجماعات القديمة كانت تسلخ فروة الرأس واللحم للوصول إلى الدماغ، علماً أنه عضو غني بالعناصر الغذائية، وتشير العلامات والكسور المصنوعة عن عمد والموجودة على العظام إلى "استخراج الأنسجة العضلية والدماغ والنخاع" من الجثث، وبناء عليه يقول الباحثون إن "التقطيع المدروس للجثث يدل على استهلاك شامل للبقايا مع التركيز على الأجزاء الأكثر غنى بالعناصر الغذائية والاستفادة منها".
علامات تقطيع وضربات على بقايا عظام مأخوذة من كهف "مازيتسكا" (أنطونيو رودريغيز هيدالغو)
وفي هذا الصدد تحدث الباحث المشارك في الدراسة من "جامعة روفيرا إي فيرجيلي" الإسبانية، فرانسيسك مارغينيداس، فقال "إن مكان وتكرار علامات التقطيع والكسور المتعمدة في الهيكل العظمي تظهر بوضوح استخدام الجثث كمصدر للغذاء، مما يستبعد فرضية التعامل مع الجثث لأغراض جنائزية [مثل الدفن] من دون استهلاكها كطعام".
وكذلك تبين أن العظام البشرية التي عثر عليها كانت موجودة جنباً إلى جنب مع عظام حيوانات في الموقع نفسه، مما يشير إلى استهلاك البشر والحيوانات كطعام.
ونظراً إلى أن جميع العظام يعود تاريخها للفترة الزمنية نفسها تقريباً، يظن الباحثون أن الحيوانات والبشر ربما قُتلوا في الحدث عينه، وكان ذلك على الأرجح خلال فترة حرب.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت بالميرا سالادي، وهي باحثة مشاركة أيضاً في الدراسة، "إن أكل لحوم البشر سلوك وثقته [البحوث والدراسات] خلال حقب مختلفة من التطور البشري، وفي فترات ما قبل التاريخ ربما كانت هذه الممارسة استجابة إلى ضرورات البقاء على قيد الحياة [المجاعات ونقص الموارد الغذائية] وجزءاً من ممارسات طقسية دينية أو اجتماعية، أو حتى نتيجة أحداث عنيفة خاضتها المجموعات ضد بعضها بعضاً".
ويقول الباحثون إن التوسع الديموغرافي الذي أعقب ذروة العصر الجليدي الأخير منذ نحو 20 ألف عام مضت ربما عزز التنافس على الموارد الغذائية مما أدى بدوره إلى نشوب مواجهات عنيفة بين مختلف الجماعات البشرية الباكرة، ويعتقدون أن صراعاً على هذه الشاكلة ربما قاد في بعض الحالات إلى أكل لحوم البشر في خضم الحروب.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
"الصحة العالمية" تتبنى اتفاقا تاريخيا لمكافحة الجوائح
أقرت جمعية الصحة العالمية اليوم الثلاثاء في جنيف اتفاقاً دولياً تاريخياً في شأن الوقاية من الجوائح والتأهب والاستجابة لها بعد ثلاث سنوات من المفاوضات الشاقة، لكن غياب الولايات المتحدة ألقى بظلال الشك على جدوى المعاهدة. وقال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبرييسوس في بيان، "هذا الاتفاق انتصار للصحة العامة والعلوم والعمل المتعدد الأطراف. وسيسمح لنا، على نحو جماعي، بحماية العالم بصورة أفضل من تهديدات مقبلة بجوائح". وأقر في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية، بأن "اليوم يوم كبير... تاريخي". فحوى الاتفاق لمواجهة الجوائح يهدف الاتفاق إلى التأهب بصورة أفضل للجوائح المقبلة وتعزيز سبل مكافحتها، وأعد في ضوء الفشل الجماعي في التعامل مع جائحة "كوفيد-19" التي أودت بحياة ملايين وقوضت الاقتصاد العالمي. وينص الاتفاق الذي أنجزت النسخة النهائية منه بالتوافق في الـ16 من أبريل (نيسان)، على آلية تنسيق عالمية على نحو أبكر وأكثر فعالية في آن للوقاية والرصد والاستجابة لأي أخطار قد تؤدي إلى جائحة. ويهدف الاتفاق إلى ضمان توفر الأدوية والعلاجات واللقاحات عالمياً عند ظهور جائحة جديدة، ويتطلب مشاركة الشركات المصنعة لتخصيص 20 في المئة من لقاحاتها وأدويتها واختباراتها لمنظمة الصحة العالمية أثناء الجائحة، لضمان حصول البلدان الأكثر فقراً على تلك الأشياء، إذ شكت هذه الدول منذ هذه المسألة خلال أزمة كورونا عندما احتكرت الدول الثرية اللقاحات وفحوص التشخيص. ويعزز الاتفاق أيضاً الترصد المتعدد القطاعات، ونهج "صحة واحدة" على صعيد البشر والحيوانات والبيئة. ويقيم خصوصاً آلية "لإتاحة مسببات المرض وتشارك المنافع"، من شأنها أن "تتيح تشاركاً سريعاً جداً ومنهجياً للمعلومات الخاصة ببروز مسببات للمرض قد تؤدي إلى تفشي جائحة"، بحسب ما أوضحت السفيرة الفرنسية للصحة آن-كلير أمبرو، التي شاركت في إدارة المفاوضات الخاصة بالاتفاق في شأن الوقاية من الجوائح والتأهب والاستجابة لها. وما زال ينبغي التفاوض على التفاصيل الدقيقة للآلية، على أمل اختتام المفاوضات في هذا الخصوص بحلول الجمعية المقبلة في مايو (أيار) 2026. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) اتفاق من دون الولايات المتحدة اعتمد القرار الخاص بالاتفاق في جلسة مساء أمس الإثنين لإحدى لجنتي الجمعية بـ124 صوتاً مؤيداً، ولم تصوت أية دولة ضده، في حين امتنعت دول مثل إسرائيل وإيران وروسيا وإيطاليا وبولندا عن التصويت. وكانت المفاوضات الآيلة إلى النسخة النهائية من النص شاقة وعلى وشك الانهيار أحياناً، لا سيما في ظل الاقتطاعات المالية الشديدة التي تواجهها المنظمة بعد قرار الولايات المتحدة الانسحاب منها وإحجامها عن دفع اشتراكات عامي 2024 و2025. وبناء على ذلك، لن تكون الولايات المتحدة، التي أنفقت مليارات الدولارات على تطوير لقاح خلال جائحة كورونا ملزمة بالاتفاق، ولن تواجه الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية عقوبات في حال عدم تطبيق البنود. ورحب بعض خبراء الصحة بالمعاهدة باعتبارها خطوة نحو مزيد من العدالة في الصحة العالمية، بعد أن عانت الدول الأكثر فقراً نقص اللقاحات وأدوات التشخيص أثناء جائحة "كوفيد-19". وقال آخرون إن الاتفاق لم يلب الطموحات الأولية، وأنه من دون أطر تنفيذية قوية فإنه ربما يفشل في تحقيق أهدافه في حال حدوث جائحة مستقبلية.


Independent عربية
منذ 12 ساعات
- Independent عربية
ترمب يلمح إلى أن تشخيص إصابة بايدن بالسرطان كان معروفا منذ مدة
ألمح الرئيس الأميركي دونالد ترمب الإثنين إلى أن تشخيص إصابة سلفه جو بايدن بالسرطان كان معروفاً منذ مدة وأن المحيطين بالرئيس السابق تستروا على وضعه الصحي، قائلاً إنه "متفاجئ" لعدم إبلاغ الجمهور بهذا الأمر قبل الآن. وقال ترمب للصحافيين "أنا متفاجئ من عدم إبلاغ الجمهور منذ فترة طويلة". وشدد الملياردير الجمهوري على أن بلوغ المرحلة الخطرة من سرطان البروستات التي أعلن عنها مكتب بايدن الأحد يستغرق في العادة "وقتاً طويلاً". وكان ترمب قال إنه "حزين" إزاء الأنباء عن تشخيص إصابة سلفه بايدن بنوع "عدواني" من سرطان البروستات. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وجاء في منشور لترمب على منصته "تروث سوشيال" "ميلانيا وأنا حزينان لسماع نبأ التشخيص الطبي الأخير لجو بايدن. نتقدم بأحر وأفضل التمنيات لجيل والعائلة، ونتمنى لجو تعافياً سريعاً وناجحاً"، علماً أنه سبق أن سخر مراراً من قدرات بايدن الإدراكية. وأعلن مكتب بايدن، في بيان الأحد، إنه تم تشخيص إصابته "بشكل عدواني" من سرطان البروستات. وجاء في البيان، أن تشخيص بايدن (82 سنة) تأكد الجمعة، بعد أن عانى من مشكلات في المسالك البولية، وأنه وأسرته يستكشفون الخيارات العلاجية مع الأطباء. وسرطان البروستات هو الأكثر شيوعاً لدى الرجال ويمثل 15 في المئة من مجمل أنواع الأمراض السرطانية التي تصيبهم.


Independent عربية
منذ 18 ساعات
- Independent عربية
الصين رائدة في سباق اتصالات الجيل الخامس والسادس
حينما أسس رن تشنغ فاي "هواوي" في عام 1987، لم تحز شركة الاتصالات تلك سوى على بضعة آلاف من الدولارات في البنك، ووضعت نصب أعينها التركيز على الهندسة العكسية للتكنولوجيا الأجنبية المتطورة. [الهندسة العكسية هي عملية تحليل منتج (سواء كان جهازاً أو برنامجاً) لفهم مكوناته الداخلية وطريقة عمله، بهدف تقليده أو تحسينه أو إنتاج نسخة مشابهة له، من دون توفر التصاميم الأصلية]. ومع حلول عام 1994، توصلت "هواوي" إلى إنتاج أجهزة الربط بين المكالمات التليفونية، إضافة إلى المعدات والبرامج الرقمية التي تشكل الأساس للاتصالات الحديثة. وحينذاك، عقد اجتماع بين رن والسكرتير العام للحزب الشيوعي الصيني، جيانغ زيمين. وأشار المدير الرئيس لـ"هواوي" إلى أن منتجات شركته تندرج ضمن "الأمن الوطني"، معتبراً أن البلد "الذي لا يمتلك معداته الخاصة في ربط الاتصالات الهاتفية يشبه الوطن الذي ليس لديه جيش"، وعلق جيانغ "أحسنت قولاً". منذ تلك اللحظة، انعقدت شراكة بين الحكومة والشركة لتولي مهمة ضمان أمن الصين في الاتصالات. وإبان أواخر عقد التسيعينيات من القرن الـ20 والعقد الأول من القرن الحالي، لم تتعمق الولايات المتحدة في التفكير بهيمنتها على قطاع الاتصالات. ولم تنافس ريادتها في ذلك القطاع، وتبنى العالم كله الابتكارات الأميركية فيه، بما في ذلك تقنيات الأجيال الثاني والثالث والرابع لشبكات الاتصال، وأركن إلى مأمونية استخدامها. وتربعت الولايات المتحدة بثقة ورضا عن الذات على تلك القمة، ومحضت ثقتها إلى قدرة السوق الحرة على إبقائها في ذلك الموقع. وفي المقابل، اعتنت الصين بتأهيل نفسها للتوصل إلى منافسة أميركا. وضخت بكين موارد ضخمة لمصلحة "هواوي" وشركات صينية مشابهة أخرى، مما وضعها في موقع المنافسة مع الشركات الأجنبية. وتبدى مدى النجاح الكبير لتلك الجهود مع حلول عام 2012، في انتشار المعدات الصينية لربط الاتصالات في الأرياف الأميركية، وشملت تغطيتها القواعد التي تستضيف الأسلحة النووية الأميركية. وبالنيجة، مكن ذلك الأمر الحكومة الصينية من ممارسة رقابة مستمرة على المستويات الأشد حساسية في القدرات والعمليات العسكرية الأميركية. وربما لم تنل "هواوي" مستويات رفيعة من الأرباح في أعمالها، لكن تلك الشركة مثلت قبضة استخبارية قوية بالنسبة إلى بكين. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وعلى رغم أن الولايات المتحدة شرعت في التصدي لتلك الجهود وصولاً إلى حظر "هواوي" في الشبكات الأميركية عام 2016، إلا أن ذلك لم يوقف تصاعد نجاح تلك الشركة التي باتت الآن المقدم الأول في العالم لشبكات الاتصال من الجيل الخامس، اختصاراً "5 جي" 5G، إضافة إلى كونها لاعباً مهيمناً في صناعة معدات الاتصالات. وكذلك تتأهب الشركة نفسها لتسنم موقع القيادة في الجيل المقبل لشبكات الاتصال، أي الـ"6 جي" 6G. وبصورة محقة بعض الشيء، يدين منافسو "هواوي" تلك الشركة بأنها تحقق هيمنتها عبر سرقة الملكية الفكرية، والدعم الحكومي الكبير، وحقيقة أن السوق الصينية مغلقة في وجه شركات الاتصالات الأجنبية. وضمن ذلك السياق، قضت "هواوي" على مجموعة من خصومها. وفي الأعوام الـ15 الأخيرة، أخرج بعض منافسيها، على غرار "سيسكو" و"موتورولا"، من سوق معدات الاتصالات. وكذلك أجبرت شركات أخرى من وزن "لوسنت" الأميركية، و"آلكاتل" الفرنسية، و"سيمينز" الألمانية، على التراجع أو الاندماج مع شركات أضخم منها، كي تستطيع الاستمرار في المنافسة. وفي عام 2009، أشهرت شركة "نورتل" الكندية إفلاسها. واليوم، لا يقدر على منافسة "هواوي" من الشركات غير الصينية سوى "إريكسون" السويدية، و"نوكيا" الفنلندية. وتشكل الولايات المتحدة أكبر أسواقهما، وتعتمد شركات الاتصالات في الولايات المتحدة على خدمات كليهما. ولا يقتصر أمر تلك المعطيات على أن الشركات الغربية خسرت ببساطة حصتها في السوق، إذ تحمل شبكات "هواوي" بيانات قيمة يجبرها قانون الاستخبارات الصيني على تقديمها إلى الحكومة حينما تطلبها. إمكان الوصول إلى هذه البيانات في أية لحظة أمر لا يقدر بثمن بالنسبة إلى بكين. وحاضراً، في حقبة الذكاء الاصطناعي، باتت مجموعات البيانات التي تملكها "هواوي" محملة بوظيفة أخرى تتمثل بتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي. ولقد نشرت "هواوي" خدماتها المسماة "المدينة الذكية" في أكثر من 200 مدينة تتوزع على 40 دولة تمتد من سنغافورة إلى إسبانيا. وتشمل تلك الخدمات كاميرات المراقبة في الشوارع، وبيانات معيارية عن الكهرباء والغاز والماء، وتحليلات للسوشيال ميديا. ومن المستطاع تغذية النماذج الصينية للذكاء الاصطناعي بتلك المجموعات من البيانات، إضافة إلى إتاحتها للجيش ووكالات الاستخبارات الصينية. ويؤول ذلك، بالتالي، إلى إعطاء بكين موقع القيادة في الاتصالات، إضافة إلى جعلها لاعباً مهيمناً في مجال استخدام الذكاء الاصطناعي لمصلحة الأمن الوطني والسلامة العامة. وفي خضم عملية الاختراق الإلكتروني "إعصار الملح" أخيراً التي استهدفت الشركات الأميركية الرئيسة في الاتصالات، تبين مدى تصميم الصين على امتلاك نفاذ إلى شبكات الولايات المتحدة وبأية وسيلة تقتضيها الضرورة. اتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترمب في ولايته الأولى، ثم الرئيس جو بايدن من بعده، خطوات لإبطاء صعود الصين إلى هذا الموقع المهيمن. وسعت الإدارتان، على وجه الخصوص، إلى معالجة ميزة الكلفة التي تتمتع بها هواوي وشركات صينية أخرى مقارنة بنظيراتها الغربية. وعلى رغم ذلك، تستمر "هواوي" في توسيع نطاق وصولها العالمي. ومن شأن بكين أن تكسب تفوقاً أكبر في مجال الاتصالات إذا أدت التوترات الدولية والحروب التجارية إلى تقويض التعاون بين الدول الغربية. وفي ولايته الثانية، يتوجب على ترمب مضاعفة جهود التنافسية، من خلال تعزيز البرامج الفعالة، واتخاذ قرارات صعبة في شأن كيفية تخصيص نطاق الموجات غير المرئية التي تحمل الإشارات اللاسلكية مثل بيانات الراديو والتلفزيون والهاتف عبر الهواء، والمعروفة باسم "الطيف الترددي"، والعمل مع الحلفاء لتمويل البحوث والتطوير ونشر التكنولوجيا في الخارج. وإذا لم يحصل ذلك، فإن الصين ستمضي قدماً في ريادتها في شبكات الاتصال الجيل الخامس وتنتقل بسلاسة إلى شبكات الجيل السادس، مما يكرس هيمنتها على الاتصالات العالمية، ويضعها في موقع يمكنها من تهديد أمن العمليات العسكرية والاستخبارية الأميركية والحليفة التي تعتمد على هذه الشبكات العالمية. تعثرات مبكرة في القرن الـ20، أدت الاستثمارات الحكومية الأميركية إلى تكوين الإنترنت، والشبكات العالية السرعة، ونظام تحديد المواقع على الأرض ("جي بي إس"). وكذلك أسهمت الابتكارات التكنولوجية الأميركية في تشكيل بنية الاتصالات العالمية. وحملت شبكات الجيل الثاني الرسائل النصية، وقدمت شبكات الجيل الثالث الاتصال المتنقل بالإنترنت، ومنح الجيل الرابع للهاتف القدرة على إجراء اتصال بالفيديو وإنشاء متاجر التطبيقات. ما عدا دعمها أعمال البحث والتطوير، نأت واشنطن بنفسها، وتركت السوق ينمو بحرية. وعلى نقيض ذلك، تعاطت حكومة الصين وجيشها مع الشركات الريادية في الاتصالات باعتبارها من أبطال الوطن، ومكنت لصعود تلك الشركات معتبرة أن نجاجها يدعم الأهداف الاستراتيجية لبكين. ووثقت تقارير أن "هواوي" تلقت 75 مليار دولار من الدعم الحكومي بين عامي 2008 و2018 مما مكنها من اكتساب حصة في السوق العالمي للاتصالات عبر تقديم أسعار أدنى من كلفة الإنتاج. وفي أواخر تسعينيات القرن الـ20، امتلك مقدمو الخليوي الغربيون نحو 90 في المئة من السوق العالمية لأجهزة ربط الاتصالات. ومع حلول عام 2025، تدنت حصة شركتا "إريكسون" و"نوكيا" معاً، على رغم شرائهما شركات متعثرة كثيرة، إلى 40 في المئة من السوق العالمية، وفي المقابل تبلغ حصة الشركات الصينية هي الأخرى 40 في المئة. واليوم، يسحب البساط من تحت الولايات المتحدة وأوروبا اللتان تستضيفان المقار الرئيسة لـ"إريكسون" و"نوكيا"، فيما تستمر الصين في الاقتطاع من مبيعاتهما عبر دعم توظيفات "هواوي" حول العالم. وعلى رغم العمل على إبطاء الهيمنة العالمية للشركة الأخيرة في مجال شبكات الجيل الخامس عبر عقوبات وضوابط تصدير تقودها الولايات المتحدة، إلا أن ابتكارات أميركا وشركائها لم تصل إلى مستوى تهديد القدرة التنافسية لمنتجات "هواوي"، ونظراً إلى أن موازنة هواوي للبحث والتطوير تزيد على ضعف موازنة ثاني أكبر منافسيها الغربيين، فمن غير المرجح أن تفقد الشركة ميزتها الابتكارية. وحينما لاحظت الحاجة إلى تأمين قطاع الاتصالات، حظرت إدارة ترمب الأولى منتجات "هواوي" وشركات صينية أخرى، في الشبكات الأميركية، واتخذت خطوات لاستبدال أجهزة ربط الاتصالات الصينية الموضوعة قيد الاستخدام بالفعل. وبدأت الولايات المتحدة أيضاً بتشجيع حلفائها، والأبرز بينهم هي المملكة المتحدة، على إزالة أجهزة "هواوي" لربط الاتصالات من شبكاتها، والانتقال إلى العمل مع الشركات الموثوقة. وواصلت إدارة بايدن تلك الاستراتيجية. وفي المقابل، كثيراً ما عرف الحزبان كلاهما [الجمهوري والديمقراطي] على مدار سنوات طويلة، أنه ليس من المجدي الاكتفاء بحظر التكنولوجيا الصينية. وربما تحتاج الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى تطوير بديل فعال من حيث الكلفة، ويستطيع التنافس مع المنتجات الصينية التي تتلقى دعماً حكومياً ضارياً. وبغية تحقيق تلك الغاية، دفعت إدارة بايدن بوكالتين حكومتين محوريتين، هما "البنك الأميركي للتصدير والاستيراد" و"الوكالة الأميركية للتعاون الاقتصادي العالمي"، لتمويل انتقال كوستاريكا من شبكة "هواوي" للجيل الرابع إلى شبكة موثوقة من الجيل الخامس، والتعاون مع بنك الاستثمار الفنلندي لتمويل نشر واسع النطاق لتقنية الجيل الخامس من نوكيا في الهند. خفض التكاليف ليس من المستطاع تغيير أهداف واشنطن، ويعني ذلك أنها تحتاج إلى منافسة الصين على نطاق أشمل، وتقليص فجوة الأسعار بين التقنيات الأميركية والصينية، وتشجيع التبني العالمي الواسع للأنظمة الموثوقة. وتتمثل الطريقة المفضية إلى ذلك بتقديم حوافز للابتكار التكنولوجي والتمويل المشترك مع البلدان التي تسعى إلى حسم الاختيار بين التقنيات الصينية وغير الصينية. وبالتالي، يتوجب على إدارة ترمب البدء بتحسين استعمال برنامج أرساه "قانون الرقائق والعلوم" (اختصاراً "تشيبس") لعام 2022، ويقدم منحاً مجموعها 1.5 مليار دولار على امتداد 10 أعوام. وركزت المنح الأولى على تمويل مبادرة لاختبار التفاعل التشغيلي المتبادل بين التقنيات بهدف التوصل إلى التكامل بين المعدات التكنولوجية والبرمجيات الرقمية التي يملكها مختلف مقدمي خدمات الخليوي. وأعطى البرنامج 140 مليون دولار إلى جامعات وشركات أميركية وأجنبية منخرطة في تلك المبادرة، إضافة إلى 420 مليون دولار توفرت بصورة منح، في مايو (أيار) 2024. وشكلت تلك الجهود نقطة انطلاق جيدة، لكن الجولات المستقبلية من المنح يجب أن تتحرك بسرعة أكبر بكثير مع التركيز على مشاريع التسويق التجاري للتقنيات الجديدة، وإعطاء شركات البرامج الرقمية الاميركية حوافز للدخول إلى السوق العالمية. وعلى وجه الخصوص، يجب توجيه رؤوس أموال إلى تعزيز تقنيات حوسبة السحاب في البنية التحتية للشبكات. ويعني ذلك، تقديم الدعم إلى التقنيات التي تصنع نسخاً افتراضية عن المعدات المتخصصة. وسيؤتي ذلك أكله في الصناعة الأميركية التي تتفوق في مجال تطوير البرمجيات الرقمية. حظر التكنولوجيا الصينية وحده لا يكفي وتعتمد تطبيقات الذكاء الاصطناعي على الشبكات العالية السرعة، وفي المقابل إن الولايات المتحدة متأخرة عن الصين في مجال البنية التحتية. واليوم، تشمل تغطية شبكات "5 جي" 40 في المئة من مستخدمي الخليوي في الولايات المتحدة، فيما تصل النسبة نفسها إلى 88 بالمئة في الصين. وحين دخلت شبكات الجيل الخامس في الخدمة للمرة الأولى، بنت الصين 600 ألف محطة أساسية لخدمتها، فيما استغرق إرساء 100 ألف محطة مماثلة في الولايات المتحدة نحو السنتين. وفيما تخفق الولايات المتحدة في منافسة الصين بمضمار التبني والانتشار الواسع، فإن بمقدورها أن تتفوق عليها في مجال الكفاءة والفاعلية. وعبر دمج الذكاء الاصطناعي في عمليات شبكات الاتصالات، قد تتمكن الشركات الأميركية من زيادة سرعات النقل عبر الشبكات ورفع مستوى سعتها، مما يفضي إلى تحسين كفاءتها الإجمالية. وبالتالي، يجب توجيه الموجة التالية من منح قانون "تشيبس" إلى تحفيز عمليات البحث والتطوير، ودعم المشاريع الطليعية في ذلك المجال. وثمة طريقة مهمة أخرى لخفض التكاليف على الشركات الأميركية تأتي من سياسة الضرائب، ومثلاً تستطيع واشنطن الاستثمار في البنية التحتية الرقمية عبر تسريع عملية تبخيس القيمة، وهي أداة مالية تمكن الشركات من إجراء خفض سريع على الأصول الجديدة، وبالتالي، خفض العبء الضريبي عليها وتحرير التمويلات الاستثمارية فيها. وفي عام 2017، تضمن "قانون الوظائف وخفض الضرائب" تلك الرؤية عبر نص فيه، لكنه وضع ليكون قيد التطبيق لفترة موقتة، وقد استنفدت تلك المدة الزمنية بالفعل. والآن، يلزم الأمر أن يمدد الكونغرس هذه الأنواع من الحوافز الضريبية لتشمل فئات أوسع من معدات البنية التحتية الرقمية بغية رفع التمويل المشترك بين القطاعين العام والخاص إلى أقصى الحدود. لنتكاتف معاً حتى إذا نفذت الولايات المتحدة تلك الإصلاحات، ستستمر كلفة التقنيات غير الصينية في زعزعة جهود الولايات المتحدة بتجنب الشركات الصينية. ويتمثل البديل في تقديم التكنولوجية المتقدمة بأسعار تنافسية. وبالتالي، يلزم الولايات المتحدة أن تتعاون مع شركائها في تمويل البنية التحتية الرقمية. وثمة تاريخ من النجاح لذلك النموذج من التعاون تمثل في "مشروع كابل ميكرونيزيا الشرقية" الذي أطلق عام 2022، وحظي بتمويل مشترك من أستراليا واليابان والولايات المتحدة فاق مقداره 90 مليون دولار. ويعمل ذلك الكابل على تعزيز بنية تحتية للاتصالات تتمتع بالمأمونية والاستدامة والمرونة، وتربط بين بلدان جزر المحيط الهادئ. ويندرج الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية ضمن قائمة الشركاء المحتملين في حملة تمويل لشبكات الجيل الخامس تقودها الولايات المتحدة، ويستطيع أولئك الشركاء تقديم الخبرة العملية والقدرات التجارية. وهنالك لاعبان من الوزن الثقيل في ذلك المجال، هما "إريكسون" و"نوكيا"، استطاعا ترسيخ أقدامهما في الأسواق الأميركية، لكنهما يحتاجان إلى مزيد من الدعم لعمليات البحث والتطوير كي يستطيعان الاستمرار في المنافسة عالمياً مع "هواوي". وتملك اليابان وكوريا الجنوبية شركات أصغر من الشركتين الآنفتي الذكر، تستطيع أيضاً الدخول في المنافسة العالمية إذا قدم الدعم الكافي لها. ومن شأن التوصل إلى صفقة مع واشنطن تغطي مجالي التمويل والبحث والتطوير في تبني دول أخرى للتكنولوجيا الغربية، أن يساعد أولئك الشركاء في تخفيف تأخرهم النسبي عن الشركات الصينية. تحكم الصين بالشبكات الرقمية العالمية يعطيها القدرة على رقابتها وفق رغباتها وتعمل الصين على رفع مستوى تمويل تلك المشاريع، ويجب على الولايات المتحدة وشركائها فعل أمر مماثل. ويشكل "بنك التصدير والاستيراد"، وهي وكالة إقراض حكومية، المؤسسة الأمثل التي تستطيع واشنطن اللجوء إليها في ذلك المجال. ولا يزال ذلك البنك بحاجة إلى مزيد من المرونة كي يخاطر في الإقدام على منح تمويل تنافسي لمشاريع الـ"5 جي"، فيما تبدو جهوده الجارية بالفعل واعدة تماماً. وفي عام 2023، وافقت إدارة البنك على معاملات تتعلق بشبكات الجيل الخامس، تتضمن سلعاً وخدمات تشكل الولايات المتحدة المنبع لأقل من 51 في المئة منها، مع اشتراط أن يقدم المصدر خطة عن توسيع الوظائف في الولايات المتحدة. وبالفعل، أعطيت الموافقة على تقديم 313 مليون دولار كدعم لإرساء شبكات الجيل الخامس في الهند، ضمن اتفاق على تمويل مشترك مع وكالة فنلندية لتصدير القروض. ومع زيادة حالات تعاون من هذا الطراز، ستتوصل واشنطن إلى أن تبرهن للعالم على أن الولايات المتحدة وشركاءها مصممون على منح بدائل مؤثرة عما تبيعه الشركات الصينية المدعومة من الدولة. وثمة دور يستطيع القطاع الخاص تأديته أيضاً، وفي وقت مبكر من العام الحالي، أعلنت "غوغل" وحكومة تشيلي إطلاق مشروع "كابل هامبولدت" الذي يمتد على قعر البحر ويربط تشيلي مع أستراليا عبر بولونيزيا الفرنسية. ومن شأن جهود منسقة بين الولايات المتحدة وشركائها التوصل إلى ضم القطاع الخاص إلى استراتيجيتها، مما يؤدي إلى تحفيز استثمارات مماثلة بغية المحافظة على ربط مناطق نائية في العالم بالتكنولوجيا الغربية، بدل الاعتماد على شركات ربما تكون تحت سيطرة بكين. الانتقال إلى الاتصالات اللاسلكية أخيراً، ينبغي على واشنطن إصلاح سياستها المتعلقة بالطيف الترددي. ويعد الـطيف وهو عبارة عن نطاق موجات الطاقة غير المرئية المستخدمة لنقل المعلومات (مثل التلفزيون والواي فاي) عبر الهواء، مورداً محدوداً. تعد وزارة الدفاع أكبر مالك للطيف الترددي في الولايات المتحدة، وهي لا تعلن مقدار الطيف الذي تحتاج إليه وموعد استخدامه. ويعد الطيف الترددي حيوياً لجميع أنواع نقل البيانات، سواء تعلق الأمر بالبث التدفقي للأفلام أو استعمال المسيرات في مراقبة البنية التحتية. وبعبارة أخرى، ليست الحكومة وحدها من يحتاج إليه. وفي المقابل وبعكس الصين، ليس هناك تعاون بين القطاعين العام والخاص في الولايات المتحدة. وبدلاً من تعاونهما، يتنافس القطاعان العام والخاص على امتلاك القدرة على النفاذ إلى الأسواق المختلفة. ويؤدي ذلك إلى لجم التقنيات الأميركية، بالمقارنة مع منافساتها الصينية. وضمن ذلك الإطار، تجني الصين مكاسب تستند إليها في طموحاتها للسيطرة على الشبكات العالمية واغتنام منافع عسكرية واستراتيجة من تلك السيطرة. وحاضراً، تحتاج واشنطن إلى حسم خيارات صعبة كي تتيح جزءاً من الطيف الترددي الذي يملكه البنتاغون للاستخدام التجاري، مع استمرارها في ضمان احتفاظها بمقدرات عسكرية واستخبارية. وسيترتب على ذلك مكاسب وازنة، وستصبح الشركات الأميركية في موقع أفضل في مجال تطوير الجيل المقبل من تقنيات الخليوي، مما يطلق أيضاً دائرة خيرة وسخية في الابتكار. وستلتحق شركات في بلدان أخرى بذلك الركب، ضمن جهودها لصنع واختبار المعدات والمنتجات والتقنيات المتعلقة بالطيف الترددي الجديد. في بعض الحالات، قد يتعذر على وزارة الدفاع الأميركية توفير مزيد من الطيف الترددي للقطاع الخاص. لكن حتى في هذه الحالات، هناك حلول ممكنة. ينبغي على "البنتاغون" التعاون مع الشركات التجارية لتوسيع استخدام تقنيات مشاركة الطيف الجديدة، وأنظمة الترخيص، والبرمجيات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، لجعل الشبكات أكثر ذكاء ومرونة. من شأن هذا أن يتيح لمستخدمي الحكومة والقطاع الخاص مشاركة الطيف الترددي بفعالية أكبر مما هو ممكن اليوم، مما يعني أن وزارة الدفاع يمكن أن تحصل على الوصول إلى الطيف عند الحاجة، في مهمات غير متكررة ولكنها مهمة، مثل التدريب والاختبار. وعملت إدارة بايدن على مشروع اختباري أولي تمثل هدفه في اختبار تلك التقنيات على نطاق واسع وبمشاركة القطاع الخاص. وعلى إدارة ترمب الإسراع في إنهاء هذا المشروع التجريبي والمضي قدماً بسرعة في الخطوات التالية، من تحديد كيفية تنظيم مشاركة الطيف، إلى وضع آليات سريعة لحل النزاعات. من شأن ذلك أن يطمئن البنتاغون ووكالات الاستخبارات إلى أن الطيف سيكون متاحاً لها في أوقات الأزمات والصراعات، كما سيعزز ثقة القطاع الخاص بإمكان الاعتماد على الطيف عند الطلب لأغراض تجارية. وهذه الثقة أساسية لضمان أن تكون استثمارات القطاع الخاص في البنية التحتية الرقمية مجدية. الالتحاق بالركب حتى الآن جرى اختراع كثير من البنية التحتية الرقمية التي تقوم عليها العالم الحديث وتطويرها ونشرها في الولايات المتحدة، وإذا فقدت الولايات المتحدة هذا التفوق بصورة دائمة، فستكون العواقب هائلة. فالصين، إذا هيمنت على الشبكات الرقمية العالمية، ستكون قادرة على مراقبتها كيفما شاءت. كما ستكون في موقع يمكنها من قيادة مجال الذكاء الاصطناعي، من خلال تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على البيانات التي تمر عبر شبكات الشركات الصينية، والتحكم في تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تعتمد على الشبكات عالية السرعة. لقد أدركت الإدارات الأميركية المتعاقبة فداحة هذه المشكلة، لكن الخطوات التي اتخذتها لمعالجتها لم تحل المشكلة الجوهرية: غياب تكنولوجيا بديلة قادرة على منافسة التكنولوجيا الصينية من حيث السعر. وكخلاصة، يعتمد الأمن القومي الأميركي على استعادة الولايات المتحدة موقعها القيادي، ولا تستطيع النهوض بذلك بمفردها. وعلى رغم شراسة المنافسة، ولا سيما بسبب رغبة بكين في استخدام رافعتها الاقتصادية لإعطاء شركاتها ميزة تنافسية ساحقة، إلا أن واشنطن ملزمة بالانخراط فيها، إذ لن يتوقف تصاعد أهمية تقنيات كشبكات الاتصال الجيل الخامس والحوسبة السحابية والمحاكاة الافتراضية والذكاء الاصطناعي. ويضاف إلى ذلك أن البلد الذي سيتمكن من قيادة الانتقال إلى شبكات الاتصال الجيل السادس، سيمسك بالموقع الأكثر تقدماً في تطوير مجموعة متنوعة من التطبيقات على غرار التقنيات الروبوتية والمركبات الذاتية القيادة. وفي المقابل، إذا تعاونت الولايات المتحدة مع حلفائها وشركائها في تبني وتنفيذ السياسات الصائبة، فستستعيد واشنطن زمام المبادرة في التكنولوجيا، وتحمي عملياتها الاستخبارية واتصالاتها العسكرية في أرجاء العالم. لكن لتحقيق ذلك، لا بد من ضمان إبقاء البنية التحتية الرقمية المتقدمة والموثوقة والآمنة - والمصممة والمنتجة خارج الصين - متاحة، وأن تصبح الخيار المفضل سواء في الداخل أم في الخارج. آن نيوبرغر هي محاضرة مميزة في كرسي فرانك إي. وآرثر دبليو. باين في مركز ستانفورد للتعاون في مجال الأمن الدولي. شغلت منصب نائبة مساعد الرئيس ونائبة مستشار الأمن القومي لشؤون الأمن السيبراني والتقنيات الناشئة في مجلس الأمن القومي الأميركي خلال إدارة بايدن. مترجم عن "فورين أفيرز"، 1 مايو (أيار) 2025