
الشرع يستضيف جنبلاط على عشاء بعد محادثات إيجابيّة أبي المنى لـ "الديار": مع أهلنا في سورية ونحذّر من الانتحار واتصالات للقاء سنّي ـ درزي
فرضت الاحداث الدامية التي وقعت، بين مسلحين ذُكر انهم من الامن العام السوري، وشبان من طائفة المسلمين الموحدين الدروز، في مناطق جرمانا وصحنايا واشرفية صحنايا ومحافظة السويداء، الاهتمام الدولي والاقليمي والعربي، كما على الداخل السوري، وانعكاساتها على لبنان وفلسطين والاردن، فتسارعت اللقاءات والاجتماعات، وصدرت البيانات، واطلقت النداءات لوأد الفتنة وعدم الانجرار اليها، ودخل على خط ما يجري العدو الاسرائيلي، تحت عنوان "حماية الدروز"، فشنت طائراته غارات على اهداف في سورية، ومنها محيط القصر الجمهوري، في رسالة اسرائيلية الى الرئيس السوري المؤقت احمد الشرع، ان يمتنع عن قتل الدروز، ولا يتكرر معهم ما حصل مع الطائفة العلوية في الساحل السوري، وهذا ما ترك المخاوف لدى طوائف واعراق اخرى تعتبر من الاقليات في سورية، كالمسيحيين والاسماعيليين والدروز والعلويين والاكراد.
وما يحصل في سورية من احداث، منذ تسلم "هيئة تحرير الشام" للسلطة، بعد انهيار عسكري سريع للنظام السابق بشار الاسد يكشف ان الامن والاستقرار مهدد، وان وقوع حرب اهلية ليس مستبعدًا وصولاً الى تقسيم سورية، وفق مشاريع خارجية مخطط لها، في اطار رسم خارطة للمنطقة تقوم على "دويلات طائفية"، جرى الاعداد لها منذ الحرب العالمية الاولى في العام 1914، فكانت سورية مقسمة الى اربع دويلات درزية في جنوبها وعلوية عند ساحلها وسنية في شمالها بحلب واخرى في دمشق، حيث ما زال هذا المخطط موضوعا للتنفيذ، والذي ترفضه الادارة الجديدة في سورية، فاصطدمت بمكونات ذات طابع طائفي وعرقي، تطالب باللامركزية السياسية والادارية والفدرلة، وهذا ما ترفضه "سورية الجديدة" وتدعمها تركيا التي تخشى من قيام "دويلة كردية" في شمال وشرق سورية، تتوسع نحوها والى العراق وايران.
في ظل هذه التطورات السياسية والعسكرية والامنية، التي تعيشها سورية منذ ستة اشهر، وضعها امام مخاطر ومخططات، عززها ما حصل في الساحل السوري مع العلويين وما جرى مع مجموعات درزية، سقط فيها شهداء وجرحى وعمليات تهجير، واستمرار المعارك في المناطق التي يسيطر عليها الاكراد، وما يعرف بتنظيم "قسد".
ومنذ تسلم "هيئة تحرير الشام" السلطة برئاسة الشرع، رفض احد مشايخ العقل في سورية حكمت الهجري اخضاع المناطق ذات الغالبية الدرزية للسلطة الجديدة، قبل التفاهم معها على كيف ستدار سورية، وهذا ما شكل حالة اختلاف في وجهات النظر بين المرجعيات الدينية والسياسية والفصائل العسكرية في السويداء ومناطق اخرى، وتماهى الشيخ الهجري مع تحرك المرجع الروحي للطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة الشيخ موفق طريف الذي دعا الى "حماية الدروز" من قبل العدو الاسرائيلي الذي توغل في جنوب سورية واحتل اجزاء واسعة من محاظفات درعا والسويداء والقنيطرة وريف القنيطرة.
وجاءت الاحداث خلال الاسبوعين الاخيرين، وقبلها التعرض لطلاب دروز في احدى الجامعات بحمص، لتحقن الاجواء، وتفجر الصراعات والمعارك، مع تسريب شريط مسجل قيل انه بصوت الشيخ مروان كيوان، يهاجم فيه النبي محمد، فنفى ذلك، لكن مسلحين هاجموا جرمانا وصحنايا واشرفيتها، دون ان تتأكد السلطات السورية من صحة ما تم فبركته وتسريبه لايقاع الفتنة، وقد وقعت، ليخرج من يعلن عن اسم الشخص صاحب التسجيل وقيل انه يدعى انس الهبرة ويقيم في تركيا التي لم تتحرك لالقاء القبض عليه والتحقيق معه او تسليمه للسلطة السورية، وتم نشر صورته، وقد سمح هذا التسجيل للتكفيريين بان يستغلوه للانتقام من "المسلمين الموحدين"، واعتبارهم "كفرة".
في ظل هذه الاوضاع، تحركت المرجعيات الدرزية في لبنان، فانعقد المجلس المذهبي الدرزي برئاسة شيخ العقل الدكتور سامي ابي المنى، وحضره الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط واعضاء المجلس من نواب ووزراء وفعاليات، وصدر بيان عن المجلس رفض التعرض لقدسية النبي محمد الذي يدين له الدروز بالايمان كرسول من عند الله.
واجرى الشيخ ابي المنى اتصالات مع مراجع درزية للتهدئة والاحتكام الى العقل، وعقد لقاءً مع سفراء الدول العربية في لبنان، حضره ايضاً السفير التركي، فاوضح لهم ما جرى من احداث في سورية، وما يعانيه اهلنا من الموحدين فيها، فابدى السفراء تفهما لما شرحه لهم الشيخ ابي المنى، وتمنى عليهم نقل ما قاله الى ملوكهم ورؤسائهم، بان الدروز هم دعاة حوار وسلام وليس اقتتال بين ابناء الوطن الواحد في لبنان وسورية، وان يسعى قادة الدول للمساعدة في وأد الفتنة، التي اذا اندلعت ستعم المنطقة كلها.
وفي هذا الاطار يقول الشيخ ابي المنى لـ "الديار": ان الدروز في لبنان يقفون الى جانب اهلهم في سورية، لكنهم يحذرون من اللجوء الى الهلاك والانتحار، دون ان يعني ذلك تركهم لمصيرهم دون مساعدتهم على حل يؤمن وجودهم ويحفظ كرامتهم، ورفض الحماية من العدو الاسرائيلي، التي يعمل لها ويطلبها البعض، وهذا ما لا نقبله.
ويكشف الشيخ ابي المنى عن ان لقائه بالسفراء كان ممتازاً، لجهة تأكيدنا لهم على انتمائنا الاسلامي والعربي، ودور الدوزر في الدفاع عن الاسلام عبر تاريخهم، وهم مسلمون موحدون، ونبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، وان بعض الاصوات التي تصدر من هنا وهناك، لا تعبر عن حقيقة الدروز واصالتهم وجذورهم التاريخية الممتدة في هذه المنطقة منذ قرون، وكيف كانوا حماة ثغور بوجه "حملة الافرنج"، ودورهم في الثورات التحررية من الاستعمار.
واستنكر اشيخ ابي المنى ما حصل مع امام جامع الشبانية الشيخ ياسين حمزة، والتعرض له من قبل شبان، تم تسليمهم الى مخابرات الجيش، واتصل بمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وابلغه ادانته لما حصل، وتأكيده له على الوحدة الاسلامية، واتفق معه على لقاء روحي سني ـ درزي في دار الفتوى او دار الطائفة الدرزية مطلع الاسبوع المقبل، لمحاصرة ما يحضّر من فتنة، ولجم المتطرفين، وحصر ذيول اي حالات على انه عمل فردي.
واوضح الشيخ ابي المنى، ان الدعوة لتدخل دولي في سورية، غير مرحب بها، وان الحل يبقى بين السوريين بالحوار والتسليم للدولة التي وحدها من يملك السلاح، كما في لبنان، على ان تكون السلطة في سورية تشاركية وتضم كل مكونات المجتمع السوري، وهذه مسؤولية تقع على الرئيس الشرع، بالانفتاح على الجميع وان يشعروا بانهم مشاركون وفاعلون في السلطة.
ومع التحرك الذي قام به الشيخ ابي المنى، فلم يتأخر النائب السابق وليد جنبلاط في زيارة سورية، ولقائه الرئيس الشرع، وهو كان طلبها قبل فترة، للبحث معه في الوضع السوري العام، وتحديداً ما يشعر به الدروز في سورية، فجاءت الاحداث الاخيرة لتعجل في حصول اللقاء بين الشرع وجنبلاط الذي حضره موفد الحزب التقدمي الاشتراكي الى سورية عضو قيادته خضر الغضبان، المكلف متابعة الملف السوري، بعد سقوط النظام السابق.
واستبقى الشرع جنبلاط على العشاء، في اشارة ايجابية منه، بان الاحداث التي حصلت مع اطراف في الطائفة الدرزية ستعالج بالحوار، بعد ان سلم ممثلوها الروحيون، بالدولة ومؤسساتها وحصر السلاح فيها، واخذ بهواجس ومخاوف بعض الجهات الدرزية، التي تستغل في داخل سورية ومن خارجها، لا سيما من العدو الاسرائيلي، ودور الشيخ طريف في دفع الدروز الى طلب الحماية الاسرائيلية في سورية، وهو ما رفضه جنبلاط وحذر طريف من هذا السلوك، الذي يسير عليه البعض ويدعو له، ويعتبر ان طريف هو مرجعية لحماية الدروز وهذا شأن خطر برأي جنبلاط.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

القناة الثالثة والعشرون
منذ 3 ساعات
- القناة الثالثة والعشرون
لأول مرة منذ سقوط الأسد.. استدعاء ضباط علويين للالتحاق بالأمن السوري
قالت مصادر خاصة في الساحل السوري، إن وزارة الداخلية السورية بدأت للمرة الأولى منذ سقوط نظام بشار الأسد، باستدعاء ضباط من جيش النظام السابق، من العلويين، بهدف الالتحاق بالوحدات الأمنية الجديدة التابعة لوزارة الداخلية . وذكرت المصادر لـ "إرم نيوز" أن الدعوات توجه للضباط الذين لم يتورطوا في انتهاكات ضد الشعب السوري، مشيرة إلى أن الأسماء التي وصلتها الدعوات حتى الآن هي بمعظمها من الرتب العسكرية الدنيا، بوصفها لم تكن ضالعة في أي أعمال عنف وانتهاكات خلال خدمتها في صفوف جيش النظام المنحل. وتؤكد المصادر أن وزارة الداخلية شكلت لجنة مختصة لدراسة ملفات الضباط المعادين للخدمة، للتأكد من سجلاتهم وخدمتهم السابقة، وخلوها من أي انتهاكات. وكانت الإدارة الجديدة أعلنت، عقب وصولها إلى السلطة، عن حل جيش النظام السابق والجهاز الأمني والشرطي، وتشكيل جيش جديد من هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها. هيكل تنظيمي جديد وفقًا للمصادر، تندرج هذه التطورات ضمن الخطة التي تم تسريبها مؤخرًا، والتي تهدف لإرساء تنظيم أمني جديد أكثر فاعلية وتنسيقًا بين المؤسسات الأمنية والعسكرية. وبحسب المعلومات الراشحة حتى اليوم، بدأت وزارة الداخلية السورية خطوات تنفيذية نحو اعتماد هيكل تنظيمي جديد يهدف إلى تحديث الجهاز الأمني والشرطي وضبطه إداريًّا وميدانيًّا، دون المساس بمركزية القرار في دمشق. ويقوم التوجّه الجديد على تقسيم البلاد إلى خمسة قطاعات جغرافية رئيسة، يشرف على كل منها معاون خاص لوزير الداخلية، مسؤول مباشرة أمامه. ويشمل التقسيم، المنطقة الشرقية (الحسكة والرقة ودير الزور)، والمنطقة الشمالية (حلب وإدلب)، المنطقة الساحلية ( اللاذقية وطرطوس) والمنطقة الوسطى (حمص وحماة)، والمنطقة الجنوبية (دمشق ودرعا والسويداء والقنيطرة). الهيكلية تأتي عقب تنسيق مشترك مع وزارات داخلية السعودية وقطر وتركيا للاطلاع على التجارب الأمنية وبحث سبل التعاون. وتمهيدًا للتنفيذ، عُيّن عبد القادر طحّان معاونًا للشؤون الأمنية، والمقدم شادي اليوسف معاونًا لشؤون الشرطة، وزياد العايش معاونًا للشؤون المدنية. وتعمل وزارة الداخلية على دمج قيادة الشرطة مع مديريات الأمن العام في هيكل موحد تحت إشراف مشترك بين وزارتي الداخلية والدفاع، مع بقاء الرقابة الكاملة لوزارة الداخلية. ويُبحث ضم الشرطة العسكرية والأمن العسكري إلى هذا الكيان الجديد. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


النهار
منذ 4 ساعات
- النهار
هذا الفيديو لحديث الرئيس المصري عن تكلفة إعمار سوريا قديم FactCheck#
نشرت حسابات على موقع التواصل الاجتماعي الأشهر في مصر (فايسبوك) فيديو بمزاعم أنه لتصريحات أدلى بها أخيرا عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشأن تكلفة إعمار سوريا. الا ان هذا الزعم مضلل تماما. FactCheck# "النّهار" دقّقت من أجلكم فقد تداولت حسابات على فايسبوك فيديو يظهر فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قائلا (من دون تدخل): "سوريا تحتاج إلى ما بين 300 مليار إلى تريليون دولار لإعادة بنائها... لا توجد أي دولة أو مجموعة دول يمكن أن تدفع هذه المبالغ على الفور". وتابع: "محدش هيديك 300 مليار تصلح بلدك بعد ما خربتها، مش انت اللي كسرتها؟ مش انت اللي خربتها؟ أصلحهالك انا ليه". ولكن البحث العكسي عن الفيديو قاد، بعد تفكيكه لصور عدة، إلى أن له قديم، اذ يعود الى عام 2018، وبالتالي لا علاقة بالأحداث الراهنة في سوريا. وقد جاءت تصريحات السيسي تلك في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018، خلال مشاركته في جلسة "ما بعد الحروب والنزاعات: آليات بناء المجتمعات والدول"، ضمن فعاليات منتدى شباب العالم. ويمكن مشاهدة المقطع من الدقيقة 1:10:38 الى الدقيقة 1:11:34 في الفيديو أدناه. وقال فيها السيسي عن سوريا، وفقا لتقارير: "أوضحت أنها تحتاج الى ما بين 300 مليار دولار إلى تريليون دولار لإعادة إعمارها". لقطة من الفيديو المنشور في قناة أخبار ماسبيرو في يوتيوب، في 5 ت2 2018 واستبعد السيسي مساعدة أي دولة في العالم لسوريا بهذا المبلغ، لافتا إلى أن الدول تتصارع على 10 مليارات دولار. وتابع: "الصراع اليوم في العالم على النفوذ والأموال والمصالح"، بحسب ما نشرته جريدة الشروق المصرية (مستقلة). سوريا الشرع... جدال متجدد وتصاعد الجدل مجددا، بعدما كشف السفير الأميركي السابق لدى سوريا روبرت فورد أن جهّات دولية اختارت "هيئة تحرير الشام"، بقيادة أحمد الشرع المعروف سابقاً بـ"الجولاني"، كبديل سياسي في سوريا، بعد فشل المفاوضات مع نظام بشار الأسد. وقال خلال محاضرة دعا إليها مجلس العلاقات الخارجية في مدينة بالتيمور في ولاية ميريلاند الأميركية في 5 أيار (مايو)، إن "الهيئة خضعت لتدريبات مكثّفة على يد خبراء وسفراء وضباط استخبارات بريطانيين وأميركيين". Robert Ford, the former ambassador to Syria, revealed during an international lecture at the invitation of the Council on Foreign Relations in Baltimore on May 5, 2025, that he was part of a team selected by the Metropolitan Non-Governmental Organization to explain the… — Zack (@zackmousou) May 19, 2025 وذكر أنّه التقى الشرع مرتين لتدريبه على هذه المهمة عامي 2023 و2024 (قبل أشهر من دخوله دمشق). وفي المرة الثالثة، في كانون الثاني (يناير) 2025، التقاه لمدة 10 أيام في القصر الرئاسي. وأوضح أن "التدريبات شملت جوانب سياسية واستراتيجية، وجرى تنفيذها عبر سلسلة لقاءات في محافظة إدلب"، من دون تحديد تواريخ محدّدة. ولفت إلى أن "اختيار هيئة تحرير الشام يرجع إلى كونها الأكثر تنظيماً بين فصائل المعارضة". الخلاصة: الفيديو المتداول للرئيس السيسي قديم اذ يعود إلى عام 2018. ولم يتحدث أخيراً عن إعادة إعمار سوريا.


ليبانون 24
منذ 5 ساعات
- ليبانون 24
"بعد رفعه العقوبات عن سوريا".. تقرير يكشف الدولة المستفيدة من قرار ترامب
ذكر موقع "The Conversation" الأسترالي أن "الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، أعلن أثناء زيارته للمملكة العربية السعودية في 14 أيار 2025، أن الولايات المتحدة سترفع العقوبات عن سوريا. ومثّل هذا التحول انتصارًا كبيرًا لحكومة الرئيس السوري أحمد الشرع في سعيه لتعزيز سلطته بعد قرابة ستة أشهر من الإطاحة المذهلة التي حققتها حركته بنظام بشار الأسد الذي حكم البلاد لعقود. وعند إعلانه عن هذا الخبر، عزا ترامب هذا التغيير إلى حد كبير إلى مضيفيه السعوديين وتركيا. فكلا البلدين خصمان قديمان للأسد، وقد سارعا إلى دعم الشرع، ويضغطان على الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة. إن تركيا، التي تأثرت مواردها وأراضيها بشدة بعدم الاستقرار في سوريا المجاورة، لعبت دورًا محوريًا في دفع ترامب لقبول حكومة ما بعد الأسد، حتى رغم اعتراضات إسرائيل". وبحسب الموقع، "إن التطورات في سوريا تشير إلى الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه قوة صغيرة إلى متوسطة مثل تركيا في الشؤون الإقليمية والدولية، وينطبق هذا بشكل خاص على الشرق الأوسط ، حيث يُنظر إلى قوى عالمية مثل الولايات المتحدة على نفوذها آخذ بالتراجع، وأحيانًا لا يمكن التنبؤ بما سيصدر عنها. بعد 13 عامًا من الحرب الأهلية المدمرة، تواجه سوريا تحديات جسيمة، منها مهمة بناء الدولة بشكل عاجل. ولا يقتصر الأمر على أن البلاد لا تزال تشهد موجات عنف داخلية مستمرة، بل إن إسرائيل المجاورة هاجمت مواقع في سوريا مرارًا وتكرارًا في محاولة لإضعاف الحكومة الجديدة. بالنسبة للحكومة الإسرائيلية ، ستشكل سوريا قوية ومسلحة تهديدًا، لا سيما في ما يتعلق بالحدود غير المستقرة في مرتفعات الجولان. ورغم القضايا التي تواجه الحكومة السورية الجديدة، فقد أظهرت مع ذلك قدرة ملحوظة على اكتساب القبول الدولي، وهي حقيقة جديرة بالملاحظة نظراً لارتباط قيادة الشرع بهيئة تحرير الشام، وهي جماعة مرتبطة سابقاً بتنظيم القاعدة ومدرجة على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية في الولايات المتحدة منذ عام 2014". وتابع الموقع، "في هذا السياق، كان للتدخل التركي أهمية خاصة. فمنذ تولي ترامب منصبه، ضغط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الرئيس الأميركي لرفع العقوبات، وقد نشأت بين الرجلين علاقة قوية خلال إدارة ترامب الأولى، حيث أعلن الرئيس الأميركي أنه "معجب كبير" بالزعيم التركي. ويمكن اعتبار الدبلوماسية التركية الخفية جزءًا من جهودها الأوسع لملء الفراغ الذي خلّفه سقوط الأسد. وهذا لا يعزز مكانة أردوغان كلاعب إقليمي فحسب، بل يُعزز أيضًا أجندته المحلية". وأضاف الموقع، "تحركت تركيا بسرعة على جبهات عديدة لرسم مسار مستقبل سوريا من خلال تنفيذ مشاريع اقتصادية وأمنية فيها. وفي المقام الأول، عززت تركيا استثماراتها في سوريا. وكما فعلت في كل من ليبيا والصومال، ساهمت تركيا في تدريب وتجهيز قوات الأمن السورية الجديدة. وفي محافظة إدلب، شمال شرق سوريا، تُموّل تركيا التعليم والرعاية الصحية والكهرباء، والليرة التركية هي العملة السائدة في شمال غرب سوريا. وفي الحقيقة، تكمن جذور هذه التعهدات في اهتمام تركيا بإدارة وضعها الأمني بنفسها. فمنذ عام 1984، تقاتل تركيا الجماعات الانفصالية الكردية، وأبرزها حزب العمال الكردستاني، أو PKK، الذي يتحالف مع ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية في شمال شرق سوريا، وهي إحدى الجماعات التي قاتلت قوات الأسد خلال الحرب الأهلية السورية". وبحسب الموقع، "أدى سقوط الأسد إلى انسحاب روسيا من سوريا. وفي غضون ذلك، تراجع النفوذ الإيراني أيضًا نتيجةً ليس فقط لرحيل الأسد، بل أيضًا لتراجع الدور العسكري لحزب الله في لبنان المجاور، كما ولم تعد الولايات المتحدة تدعم وحدات حماية الشعب الكردية بنشاط في شمال شرق سوريا. وفي خضم هذا الفراغ من النفوذ الخارجي، سارعت تركيا إلى انتهاز الفرصة لإعادة تشكيل المشهد الأمني. ووافقت أنقرة، التي لا تزال تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي في شمال شرق سوريا نتيجة القتال ضد الأسد والجماعات الكردية السورية، على خطة سورية لدمج وحدات حماية الشعب، الجناح المسلح لقوات سوريا الديمقراطية الكردية، في الجيش السوري الجديد. ويسعى حزب العمال الكردستاني الآن إلى تحقيق السلام مع الحكومة التركية، لكن من غير المؤكد ما إذا كانت قوات سوريا الديمقراطية ستُسلّم سلاحها وتُحلّ نفسها في سوريا. لذا، قد يكون وجود حكومة سورية قوية ومستقرة تضم أغلبية كردية في صالح أنقرة". وتابع الموقع، "في غضون ذلك، من شأن نجاح الشرع في إعادة إعمار سوريا بعد الحرب الأهلية أن يُساعد تركيا على صعيد آخر، ألا وهو قضية اللاجئين السوريين. وتستضيف تركيا حاليًا حوالي 3.2 مليون لاجئ من سوريا، وهو العدد الأكبر بين دول العالم. وقد أثقل العدد الهائل لهؤلاء النازحين وطول مدة إقامتهم كاهل الاقتصاد التركي وعلاقاته الاجتماعية، مما أدى إلى صدامات بين الأتراك واللاجئين السوريين. وهناك إجماع واسع في تركيا على أن مشكلة اللاجئين السوريين في البلاد لا يمكن حلها إلا من خلال استراتيجية عودة شاملة. وعلى الرغم من أن السوريين المُجنسين في تركيا يُشكلون شريحةً مهمةً من قاعدة ناخبي حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة أردوغان، إلا أن الحل الوحيد الذي يتبناه الرئيس التركي وحلفاؤه حاليًا هو إعادتهم إلى وطنهم. ولتحقيق ذلك، يُعتبر التطوير السريع والمستقر للبنية التحتية في سوريا أمرًا بالغ الأهمية". وبحسب الموقع، "مع ذلك، لا تخلو الفرصة الاستراتيجية لتركيا في سوريا من مخاطر واضحة، وتُبرز توغلات الجيش الإسرائيلي التحدي الذي تواجهه تركيا في تعزيز مصالحها في سوريا. ومن الجدير بالذكر أن إعلان ترامب بشأن العقوبات صدر على ما يبدو دون علم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وضد رغبته. إضافةً إلى ذلك، تسعى تركيا إلى استغلال دورها المتنامي في المنطقة لتعزيز موقفها في النزاع الطويل الأمد في قبرص. ولا تزال التحركات التركية في سوريا محسوسة على نطاق واسع في أماكن أخرى. وتدعم دول عربية، مثل السعودية وقطر، ترتيبات ما بعد الأسد في سوريا، وترى أن مصالحها الخاصة تتماشى مع مصالح تركيا، على الرغم من أن تنافس العالم السني على المحك. سيكون لرفع العقوبات الأميركية آثار سياسية طويلة المدى تتجاوز آثارها الاقتصادية القصيرة المدى. فسوريا لديها تجارة مباشرة محدودة مع الولايات المتحدة، وتقتصر صادراتها على المنتجات الزراعية والتحف، لكن ظهور الشرعية السياسية والاعتراف بها يُعدّ مكسبًا دبلوماسيًا لتركيا، وكذلك لسوريا. فالانفتاح السياسي يحمل معه وعودًا باستثمارات مستقبلية في سوريا". وختم الموقع، "يُظهر تعامل تركيا مع سوريا كيف يُمكن للقوى الصغيرة والمتوسطة أن تُسيطر على مجريات الأمور في عالم السياسة بطريقتها الخاصة. ويبدو أن عهد هيمنة القوى العظمى على الشؤون الدولية قد ولّى، كما توقع الكثيرون منذ زمن طويل. وفي سوريا، تُقدم تركيا نموذجًا يُحتذى به لكيفية استغلال القوى الصغيرة والمتوسطة لذلك لصالحها".