logo
هل يصبح زيت الزيتون سلعة نادرة على مائدة المغاربة؟

هل يصبح زيت الزيتون سلعة نادرة على مائدة المغاربة؟

الجزيرةمنذ 2 أيام

مراكش – في فناء منزله بحي شعبي بمدينة مراكش، جلس عبد السلام يتأمل مائدة إفطاره بحسرة واضحة، وزجاجة زيت الزيتون الوحيدة في البيت توشك على النفاد.
عبد السلام، موظف مغربي خمسيني يعول أسرة من 5 أفراد، استحضر بحنين أيامًا كان فيها اقتناء زيت الزيتون -الغني بالعناصر الغذائية- أمرًا يسيرًا، حين كان يخزن كميات تكفيه لأشهر دون عناء.
يتذكر كيف كانت رائحة الزيت الأصيل تفوح في البيت، وكان جزءًا لا يتجزأ من وجباته اليومية، عندما كان سعر اللتر لا يتجاوز 25 درهمًا (نحو 2.7 دولار)، ثم ارتفع إلى 40 درهما، وها هو الآن يتجاوز 100 درهم للتر الواحد (الدولار يعادل 9.3 دراهم).
وقال عبد السلام للجزيرة نت، بصوت خافت: "كنا نغمس الخبز في زيت العود (زيت الزيتون) بسخاء، ونضيفه للأطباق التقليدية دون تردد، أما اليوم، فنستهلكه بحذر، وقد تمر أيام لا نجد قطرة واحدة منه في البيت".
بيئة مثالية وجودة معترف بها دوليًا
ويتمتع المغرب بمناخ البحر الأبيض المتوسط ، الذي يُعد مثاليًا لزراعة الزيتون، إذ يمتاز بشتاء معتدل وصيف دافئ وجاف. وتتنوع مناطقه الزراعية بين السهول الساحلية وجبال الأطلس، مما يؤثر على نكهة زيت الزيتون المغربي ويمنحه خصائص فريدة.
وتُوجَّه 90% من محاصيل الزيتون إلى إنتاج الزيت، الذي يحظى باعتراف دولي واسع. إذ تُقدّر دول مثل الولايات المتحدة وكندا ودول الاتحاد الأوروبي الجودة والنكهة المميزة لهذا المنتج المغربي.
وأوضح الخبير الاقتصادي سعيد أوهادي للجزيرة نت أن المفارقة تكمُن في أن المغرب يصدّر زيت الزيتون إلى إسبانيا، رغم كون الأخيرة المنتج الأول عالميًا بنسبة تفوق 27% من الإنتاج العالمي، مقابل 0.9% فقط للمغرب، وفق بيانات المجلس الدولي للزيتون.
ويرى أوهادي أن هذا يعود إلى جودة الزيت المغربي وسعره التنافسي، مما يدفع الإسبان إلى مزجه بزيوتهم المحلية لتحسين الجودة وتخفيض التكلفة. بالمقابل، يتحمل المواطن المغربي وطأة هذا التصدير في شكل أسعار مرتفعة داخل السوق المحلي.
نمو في المساحات وتراجع في الإنتاج
وتبلغ المساحة المزروعة بالزيتون في المغرب حاليًا 1.24 مليون هكتار، مما يمثل زيادة بنسبة 60% مقارنة بموسم 2009-2010. وتلبي هذه المساحة نحو ربع احتياجات البلاد من الزيوت الغذائية، كما توفر صادرات سنوية تصل إلى 1.84 مليار درهم (ما يعادل 184 مليون دولار).
ورغم هذا التوسع، كشف أوهادي أن الإنتاج عرف تراجعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة. وتشير معطيات رسمية إلى أن إنتاج موسم 2024-2025 لن يتجاوز 945 ألف طن، أي بانخفاض قدره 13% عن الموسم السابق (1.07 مليون طن)، و52% عن موسم 2021-2022.
وأرجع الخبير الفلاحي رياض وحتيتا هذا التراجع إلى عوامل مناخية، أبرزها انخفاض معدلات التساقطات المطرية، وارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق خلال فترة الإزهار.
وأضاف أن توجه بعض المزارعين نحو زراعة أصناف أجنبية ذات إنتاجية مرتفعة وسرعة في الجني (سنتان بدلا من 4 للأصناف المحلية) يُهدد جودة الزيت المغربي، التي لطالما شكلت ركيزة سمعته داخليًا وخارجيًا.
وشدد وحتيتا على أهمية تعزيز البحث العلمي لإنتاج أصناف محلية بمعدلات إنتاجية أعلى، مع الحفاظ على الجودة الأصلية، إلى جانب الاستثمار في الفلاحة الذكية التي تعتمد على التكنولوجيا الحديثة وتُحسن استخدام المياه وتقلل من أثر التغيرات المناخية.
وفي خطوة لافتة، وقّع المغرب في أبريل/نيسان 2025 اتفاقية ثلاثية مع المجلس الدولي للزيتون ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، لتعزيز الحفاظ على الموارد الوراثية لأشجار الزيتون واستدامة استخدامها.
تصدير رغم الأزمة الداخلية
ومع استمرار موجات الجفاف وارتفاع الطلب العالمي على زيت الزيتون، واجه المواطن المغربي ضغوطًا إضافية. فقد وجد عبد السلام، مثل كثير من المغاربة، نفسه غير قادر على الحفاظ على استهلاك هذه المادة الأساسية ضمن عاداته الغذائية اليومية.
وصرّح الخبير الاقتصادي علي الغنبوري للجزيرة نت أن المغرب، رغم تراجع إنتاجه، واصل تصدير كميات كبيرة إلى السوق الأوروبية التي تعاني بدورها من أزمات إنتاج مماثلة، مما أدى إلى زيادة الطلب على الزيت المغربي.
وأوضح الغنبوري أن المغرب صدّر في شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2024 نحو 841 طنًا من زيت الزيتون إلى الاتحاد الأوروبي، مستفيدًا من الأسعار العالمية المرتفعة، بهدف تحقيق عائدات من العملة الصعبة.
لكنه أشار إلى أن هذا التوجه التجاري أسهم في تأزيم وضع السوق المحلية، حيث قفز سعر اللتر إلى أكثر من 110 دراهم، محوّلا الزيت إلى منتج شبه فاخر.
ولفت الغنبوري إلى أن قرار المغرب بفرض حظر مؤقت على تصدير زيت الزيتون في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ثم رفعه لاحقًا، يكشف عن هشاشة السياسات الداخلية في التوفيق بين تلبية السوق المحلية ومتطلبات السوق العالمية.
تدخل حكومي محدود
وردًا على هذه التطورات، اتخذت الحكومة المغربية مجموعة من الإجراءات، في محاولة لكبح الارتفاع المتواصل في الأسعار وتخفيف العبء عن المواطن.
وفي هذا الصدد، أعلن الوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع، خلال جلسة لمجلس النواب، أن الحكومة قررت إخضاع تصدير الزيتون الطازج والمعالج وزيت الزيتون للترخيص إلى غاية 31 ديسمبر/كانون الأول 2024. كما تم تعليق الرسوم الجمركية على استيراد زيت الزيتون البكر والممتاز في حدود 10 آلاف طن حتى نهاية العام.
وبموجب قانون المالية لسنة 2025، تم إعفاء واردات زيت الزيتون البكر والممتاز من الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة في حدود 20 ألف طن خلال الفترة الممتدة من 1 يناير/كانون الثاني إلى 31 ديسمبر/كانون الأول 2025.
ورأى سعيد أوهادي أن هذه الإجراءات تهدف إلى إعادة التوازن بين العرض والطلب في السوق المحلية، لكنها لا تزال غير كافية لإعادة الأسعار إلى مستويات مقبولة. وأكد أن اعتماد المغرب على الاستيراد في ظل تاريخه الطويل كمُنتج لزيت الزيتون يتناقض مع أهداف المخطط الأخضر الرامي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في المنتجات الأساسية.
من جانبه، شدد رياض وحتيتا على أن المواطن المغربي ما يزال يُفضّل الزيت البلدي (المحلي)، لما يتمتع به من جودة عالية وطعم أصيل، مما يضع مزيدًا من الضغط على الطلب الداخلي ويزيد من تعقيد المعادلة.
زيت الزيتون.. من رمز شعبي إلى سلعة نخبوية
ويرى الخبير علي الغنبوري أن كافة المؤشرات الحالية تشير إلى أن زيت الزيتون في طريقه لأن يتحول إلى سلعة رفاهية غير متاحة لجميع المغاربة، بعدما خرج من متناول عبد السلام وغيره من المواطنين من ذوي الدخل المتوسط أو المحدود.
ويؤكد الغنبوري أن هذا الوضع يتطلب مراجعة شاملة للسياسات المعتمدة، بما في ذلك فرض نسبة إلزامية من الإنتاج لتغطية حاجيات السوق المحلية، أو حتى تخصيص دعم مباشر للأسر المتضررة، منعًا لتحميل المواطن كلفة الخيارات الاقتصادية الموجهة نحو الخارج.
أما رياض وحتيتا، فينظر إلى الموسم المقبل بأمل حذر، موضحًا أن أشجار الزيتون تمر بفترة سبات طبيعية قد تُسهم في انتعاشها مع تحسن الظروف المناخية. وأشار إلى أن التساقطات المطرية الأخيرة عززت الإزهار وعقد الثمار، مما يُبشر بموسم زراعي أكثر وفرة وجودة.
وفي ختام المشهد، لا يخفي عبد السلام أمله في أن يعود زيت الزيتون إلى مائدته اليومية، ليس فقط كمنتج غذائي، بل كجزء أصيل من ثقافته الغذائية، وتفصيل صغير في حياته اليومية التي يشتهي استعادتها كما كانت.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أكبر 10 دول منتجة ومصدرة للفستق في العالم بينها دولة عربية
أكبر 10 دول منتجة ومصدرة للفستق في العالم بينها دولة عربية

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

أكبر 10 دول منتجة ومصدرة للفستق في العالم بينها دولة عربية

هل تعلم أن هذه الحبة الصغيرة التي تراها على طبق المكسرات تحمل معها آلاف السنين من التاريخ وتُدر مليارات الدولارات سنويا؟ الفستق، أو ما يُعرف بالفستق الحلبي، تجاوز كونه مجرد وجبة خفيفة ليصبح عنصرا اقتصاديا وتجاريا أساسيا لعدد من الدول حول العالم. يتمتع الفستق بمذاق فريد وقيمة غذائية عالية، مما جعله من أكثر أنواع المكسرات طلبا واستهلاكا على المستوى العالمي. كما أن تنوع استخداماته وسهولة دمجه في الأطعمة والحلويات ساعدا في ترسيخ مكانته كـ"ذهب أخضر" في سوق المكسرات. وقد واصل الإنتاج العالمي للفستق نموه على مر السنين، لتحتل بعض الدول مواقع ريادية في زراعته وتصديره. وفقا لبيانات هيئة الخدمات الزراعية الخارجية الأميركية، بلغ حجم إنتاج الفستق العالمية لموسم 2024/2025 نحو 1.18 مليون طن متري، في حين ارتفع حجم السوق العالمي من 5.25 مليار دولار في عام 2023 إلى 5.51 مليار دولار في عام 2024. وتشير التوقعات إلى أن السوق ستستمر في التوسع ليصل إلى 7.32 مليارات دولار بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 4.85%، بحسب منصة "ريسيرتش أند ماركتس". يأتي هذا النمو مدفوعا بعدة عوامل، أبرزها زيادة الطلب على الأغذية الصحية، واتساع رقعة النباتيين، والابتكار في المنتجات المشتقة من الفستق. ومن العوامل الداعمة أيضا: إعلان ورغم هذا التوسع، لا يخلو السوق من تحديات، مثل: تقلبات الطقس وتغير المناخ الأوضاع السياسية المتقلبة في بعض مناطق الإنتاج مثل سوريا وأفغانستان ارتفاع تكاليف الزراعة والنقل المنافسة المتزايدة من بدائل مثل اللوز والكاجو ولهذا تُعد الاستدامة الزراعية والابتكار في أساليب التصنيع والتسويق عوامل ضرورية للحفاظ على القدرة التنافسية. أكثر 10 دول منتجة للفستق في العالم (2024/2025) تُعد الولايات المتحدة، وتركيا، وإيران من القوى الكبرى في إنتاج الفستق، إذ تشكل معا أكثر من نصف الإنتاج العالمي. كما تبرز دول أخرى مثل الصين وسوريا وأفغانستان كلاعبين رئيسيين في السوق، سواء للإنتاج المحلي أو التصدير. وفيما يلي قائمة بأكبر الدول المنتجة للفستق، حسب بيانات هيئة الخدمات الزراعية الخارجية الأميركية ومنصة "إس فيد" المتخصصة في سلاسل الإمداد الغذائي: الولايات المتحدة: 503.2 آلاف طن متري تركيا: 385 ألف طن متري إيران: 200 ألف طن متر الصين: 113.4 ألف طن متري أفغانستان: 68 ألف طن متري سوريا: 55 ألف طن متري اليونان: 54.4 ألف طن متري إيطاليا: 45.4 ألف طن متري أوزبكستان: 36.3 ألف طن متري إسبانيا: 31.7 ألف طن متري أكبر 10 دول مصدّرة للفستق في العالم (2023) تمتلك دول مثل الولايات المتحدة وإيران وتركيا قدرات تصديرية ضخمة، مستفيدة من فائض الإنتاج والبنية التحتية اللوجستية المتقدمة. كما أن بعض الدول، مثل هولندا والإمارات، تلعب دورا وسيطا كمراكز لإعادة التصدير. وفقا لبيانات "مرصد التعقيد الاقتصادي" التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إليك قائمة الدول الأكثر تصديرا للفستق (بالقيمة الدولارية): الولايات المتحدة: 330 مليون دولار إيران: 189 مليون دولار تركيا: 167 مليون دولار ألمانيا: 69.5 مليون دولار أفغانستان: 35.1 مليون دولار هولندا: 33.3 مليون دولار الإمارات العربية المتحدة: 32.2 مليون دولار سوريا: 31 مليون دولار إيطاليا: 24.2 مليون دولار إسبانيا: 24.1 مليون دولار أكبر 10 دول مستوردة للفستق في العالم (2023) في المقابل، تستورد العديد من الدول، وخاصة الأوروبية والعربية، كميات كبيرة من الفستق لتلبية الطلب المتزايد على المنتجات الغذائية والصحية. إعلان وفيما يلي أكبر الدول المستوردة للفستق (بالقيمة الدولارية): 5 حقائق قد لا تعرفها عن الفستق ولأن الفستق ليس مجرد سلعة اقتصادية، فإليك بعض المعلومات الطريفة والتاريخية التي تُضفي بعدا ثقافيا على هذه المكسرات المميزة، حسب ما نشرته شركة "مايسي جينز" الأميركية: رمز السعادة حول العالم: في الصين يُعرف باسم "الجوزة السعيدة"، وفي إيران بـ"الجوزة المبتسمة"، نظرا لتفتح قشرته. ويُقدَّم كهدية في المناسبات لما يرمز إليه من الحظ. رفيق الإنسان منذ آلاف السنين: يُعتقد أن الفستق رافق الإنسان منذ أكثر من 9 آلاف عام، مما يجعله من أقدم المكسرات في التاريخ الغذائي البشري. طعام الملوك: تذكر الأساطير أن ملكة سبأ كانت مولعة بالفستق إلى حد أنها خصصت محاصيله للعائلة المالكة فقط، مما يبرر ارتباطه بالفخامة والندرة. مصدر غني بالبروتين: تحتوي الحصة الواحدة (49 حبة تقريبا) على 6 غرامات من البروتين، مما يعادل تقريبا محتوى بيضة واحدة. وجبة خفيفة وصحية: تشير دراسات إلى أن الفستق يسهم في خفض الكوليسترول، وتحسين ضغط الدم، وتعزيز صحة الأمعاء، إلى جانب احتوائه على مضادات الأكسدة والفيتامينات.

هل يصبح زيت الزيتون سلعة نادرة على مائدة المغاربة؟
هل يصبح زيت الزيتون سلعة نادرة على مائدة المغاربة؟

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

هل يصبح زيت الزيتون سلعة نادرة على مائدة المغاربة؟

مراكش – في فناء منزله بحي شعبي بمدينة مراكش، جلس عبد السلام يتأمل مائدة إفطاره بحسرة واضحة، وزجاجة زيت الزيتون الوحيدة في البيت توشك على النفاد. عبد السلام، موظف مغربي خمسيني يعول أسرة من 5 أفراد، استحضر بحنين أيامًا كان فيها اقتناء زيت الزيتون -الغني بالعناصر الغذائية- أمرًا يسيرًا، حين كان يخزن كميات تكفيه لأشهر دون عناء. يتذكر كيف كانت رائحة الزيت الأصيل تفوح في البيت، وكان جزءًا لا يتجزأ من وجباته اليومية، عندما كان سعر اللتر لا يتجاوز 25 درهمًا (نحو 2.7 دولار)، ثم ارتفع إلى 40 درهما، وها هو الآن يتجاوز 100 درهم للتر الواحد (الدولار يعادل 9.3 دراهم). وقال عبد السلام للجزيرة نت، بصوت خافت: "كنا نغمس الخبز في زيت العود (زيت الزيتون) بسخاء، ونضيفه للأطباق التقليدية دون تردد، أما اليوم، فنستهلكه بحذر، وقد تمر أيام لا نجد قطرة واحدة منه في البيت". بيئة مثالية وجودة معترف بها دوليًا ويتمتع المغرب بمناخ البحر الأبيض المتوسط ، الذي يُعد مثاليًا لزراعة الزيتون، إذ يمتاز بشتاء معتدل وصيف دافئ وجاف. وتتنوع مناطقه الزراعية بين السهول الساحلية وجبال الأطلس، مما يؤثر على نكهة زيت الزيتون المغربي ويمنحه خصائص فريدة. وتُوجَّه 90% من محاصيل الزيتون إلى إنتاج الزيت، الذي يحظى باعتراف دولي واسع. إذ تُقدّر دول مثل الولايات المتحدة وكندا ودول الاتحاد الأوروبي الجودة والنكهة المميزة لهذا المنتج المغربي. وأوضح الخبير الاقتصادي سعيد أوهادي للجزيرة نت أن المفارقة تكمُن في أن المغرب يصدّر زيت الزيتون إلى إسبانيا، رغم كون الأخيرة المنتج الأول عالميًا بنسبة تفوق 27% من الإنتاج العالمي، مقابل 0.9% فقط للمغرب، وفق بيانات المجلس الدولي للزيتون. ويرى أوهادي أن هذا يعود إلى جودة الزيت المغربي وسعره التنافسي، مما يدفع الإسبان إلى مزجه بزيوتهم المحلية لتحسين الجودة وتخفيض التكلفة. بالمقابل، يتحمل المواطن المغربي وطأة هذا التصدير في شكل أسعار مرتفعة داخل السوق المحلي. نمو في المساحات وتراجع في الإنتاج وتبلغ المساحة المزروعة بالزيتون في المغرب حاليًا 1.24 مليون هكتار، مما يمثل زيادة بنسبة 60% مقارنة بموسم 2009-2010. وتلبي هذه المساحة نحو ربع احتياجات البلاد من الزيوت الغذائية، كما توفر صادرات سنوية تصل إلى 1.84 مليار درهم (ما يعادل 184 مليون دولار). ورغم هذا التوسع، كشف أوهادي أن الإنتاج عرف تراجعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة. وتشير معطيات رسمية إلى أن إنتاج موسم 2024-2025 لن يتجاوز 945 ألف طن، أي بانخفاض قدره 13% عن الموسم السابق (1.07 مليون طن)، و52% عن موسم 2021-2022. وأرجع الخبير الفلاحي رياض وحتيتا هذا التراجع إلى عوامل مناخية، أبرزها انخفاض معدلات التساقطات المطرية، وارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق خلال فترة الإزهار. وأضاف أن توجه بعض المزارعين نحو زراعة أصناف أجنبية ذات إنتاجية مرتفعة وسرعة في الجني (سنتان بدلا من 4 للأصناف المحلية) يُهدد جودة الزيت المغربي، التي لطالما شكلت ركيزة سمعته داخليًا وخارجيًا. وشدد وحتيتا على أهمية تعزيز البحث العلمي لإنتاج أصناف محلية بمعدلات إنتاجية أعلى، مع الحفاظ على الجودة الأصلية، إلى جانب الاستثمار في الفلاحة الذكية التي تعتمد على التكنولوجيا الحديثة وتُحسن استخدام المياه وتقلل من أثر التغيرات المناخية. وفي خطوة لافتة، وقّع المغرب في أبريل/نيسان 2025 اتفاقية ثلاثية مع المجلس الدولي للزيتون ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، لتعزيز الحفاظ على الموارد الوراثية لأشجار الزيتون واستدامة استخدامها. تصدير رغم الأزمة الداخلية ومع استمرار موجات الجفاف وارتفاع الطلب العالمي على زيت الزيتون، واجه المواطن المغربي ضغوطًا إضافية. فقد وجد عبد السلام، مثل كثير من المغاربة، نفسه غير قادر على الحفاظ على استهلاك هذه المادة الأساسية ضمن عاداته الغذائية اليومية. وصرّح الخبير الاقتصادي علي الغنبوري للجزيرة نت أن المغرب، رغم تراجع إنتاجه، واصل تصدير كميات كبيرة إلى السوق الأوروبية التي تعاني بدورها من أزمات إنتاج مماثلة، مما أدى إلى زيادة الطلب على الزيت المغربي. وأوضح الغنبوري أن المغرب صدّر في شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2024 نحو 841 طنًا من زيت الزيتون إلى الاتحاد الأوروبي، مستفيدًا من الأسعار العالمية المرتفعة، بهدف تحقيق عائدات من العملة الصعبة. لكنه أشار إلى أن هذا التوجه التجاري أسهم في تأزيم وضع السوق المحلية، حيث قفز سعر اللتر إلى أكثر من 110 دراهم، محوّلا الزيت إلى منتج شبه فاخر. ولفت الغنبوري إلى أن قرار المغرب بفرض حظر مؤقت على تصدير زيت الزيتون في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ثم رفعه لاحقًا، يكشف عن هشاشة السياسات الداخلية في التوفيق بين تلبية السوق المحلية ومتطلبات السوق العالمية. تدخل حكومي محدود وردًا على هذه التطورات، اتخذت الحكومة المغربية مجموعة من الإجراءات، في محاولة لكبح الارتفاع المتواصل في الأسعار وتخفيف العبء عن المواطن. وفي هذا الصدد، أعلن الوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع، خلال جلسة لمجلس النواب، أن الحكومة قررت إخضاع تصدير الزيتون الطازج والمعالج وزيت الزيتون للترخيص إلى غاية 31 ديسمبر/كانون الأول 2024. كما تم تعليق الرسوم الجمركية على استيراد زيت الزيتون البكر والممتاز في حدود 10 آلاف طن حتى نهاية العام. وبموجب قانون المالية لسنة 2025، تم إعفاء واردات زيت الزيتون البكر والممتاز من الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة في حدود 20 ألف طن خلال الفترة الممتدة من 1 يناير/كانون الثاني إلى 31 ديسمبر/كانون الأول 2025. ورأى سعيد أوهادي أن هذه الإجراءات تهدف إلى إعادة التوازن بين العرض والطلب في السوق المحلية، لكنها لا تزال غير كافية لإعادة الأسعار إلى مستويات مقبولة. وأكد أن اعتماد المغرب على الاستيراد في ظل تاريخه الطويل كمُنتج لزيت الزيتون يتناقض مع أهداف المخطط الأخضر الرامي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في المنتجات الأساسية. من جانبه، شدد رياض وحتيتا على أن المواطن المغربي ما يزال يُفضّل الزيت البلدي (المحلي)، لما يتمتع به من جودة عالية وطعم أصيل، مما يضع مزيدًا من الضغط على الطلب الداخلي ويزيد من تعقيد المعادلة. زيت الزيتون.. من رمز شعبي إلى سلعة نخبوية ويرى الخبير علي الغنبوري أن كافة المؤشرات الحالية تشير إلى أن زيت الزيتون في طريقه لأن يتحول إلى سلعة رفاهية غير متاحة لجميع المغاربة، بعدما خرج من متناول عبد السلام وغيره من المواطنين من ذوي الدخل المتوسط أو المحدود. ويؤكد الغنبوري أن هذا الوضع يتطلب مراجعة شاملة للسياسات المعتمدة، بما في ذلك فرض نسبة إلزامية من الإنتاج لتغطية حاجيات السوق المحلية، أو حتى تخصيص دعم مباشر للأسر المتضررة، منعًا لتحميل المواطن كلفة الخيارات الاقتصادية الموجهة نحو الخارج. أما رياض وحتيتا، فينظر إلى الموسم المقبل بأمل حذر، موضحًا أن أشجار الزيتون تمر بفترة سبات طبيعية قد تُسهم في انتعاشها مع تحسن الظروف المناخية. وأشار إلى أن التساقطات المطرية الأخيرة عززت الإزهار وعقد الثمار، مما يُبشر بموسم زراعي أكثر وفرة وجودة. وفي ختام المشهد، لا يخفي عبد السلام أمله في أن يعود زيت الزيتون إلى مائدته اليومية، ليس فقط كمنتج غذائي، بل كجزء أصيل من ثقافته الغذائية، وتفصيل صغير في حياته اليومية التي يشتهي استعادتها كما كانت.

ميزانية أنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا تفوق 25 مليار دولار
ميزانية أنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا تفوق 25 مليار دولار

الجزيرة

timeمنذ 6 أيام

  • الجزيرة

ميزانية أنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا تفوق 25 مليار دولار

قالت وزيرة الانتقال الطاقي المغربية ليلى بنعلي إن ميزانية مشروع خط أنبوب الغاز الأفريقي الأطلسي الممتد من المغرب إلى نيجيريا تفوق 25 مليار دولار. وأفادت الوزيرة -في كلمة لها بمجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان) أمس في العاصمة الرباط – إن المشروع "يعد محفزا للتنمية الاقتصادية والصناعية والرقمية، ودعامة لخلق فرص عمل، وركيزة لتحويل المغرب إلى ممر رئيسي رابط بين أوروبا وأفريقيا والحوض الأطلسي". وأوضحت أن المشروع سيوفر بنية تحتية تمتد على مسافة 6 آلاف كيلومتر، عابرة لعدة دول أفريقية، بطاقة تتراوح بين 15 و30 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، مشيرة إلى أن المشروع سيمكن من إيصال الطاقة إلى نحو 400 مليون شخص في 13 دولة. شراكة وقالت الوزيرة المغربية "يجري حاليا العمل على إحداث شراكة بين الجانبين المغربي والنيجيري، إلى جانب التحضير لاتخاذ القرار الاستثماري النهائي الذي يتوقع صدوره مع نهاية 2025". ويرجع الاتفاق على مشروع أنبوب الغاز الرابط بين المغرب ونيجيريا إلى زيارة دولة قام بها ملك المغرب محمد السادس إلى نيجيريا، في ديسمبر/كانون الأول 2016. وسيمر الأنبوب بكل من بنين وتوغو وغانا وكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون، إضافة إلى غينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store