
حقوق النشر.. معركة مستعرة بين عمالقة الذكاء الاصطناعي والمبدعين
مارتن وولف
خلال عطلة نهاية الأسبوع الثانية من الشهر الماضي، أقال الرئيس دونالد ترامب مديرة مكتب حقوق النشر، وذلك بعد يوم واحد فقط من صدور تقرير للمكتب بعنوان: «حقوق النشر والذكاء الاصطناعي – الجزء الثالث: الذكاء الاصطناعي التوليدي».
فقد اعتبر هذا التقرير بمثابة إعلان حرب من قبل «أباطرة التقنية» الذين أنفقوا مبالغ طائلة لدعم وصول ترامب إلى السلطة، وجرى التشكيك في صلاحية استخدام مبدأ «الاستخدام العادل»، وهو السند القانوني الذي تستخدمه شركات مثل «أوبن إيه آي» و«ميتا» وغيرهما لتبرير حقها غير المقيد في «جمع» البيانات من الإنترنت لأغراض تدريب نماذجها. وتصدرت قضية حماية حقوق النشر واجهة التحديات الكبرى التي فرضتها الطفرة السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي، لتتحول إلى ساحة صراع محتدم داخل أروقة البرلمان البريطاني، في أعقاب مشاورات حكومية موسعة. ويتركز الخلاف بشكل خاص بين الحكومة التي تهيمن على مجلس العموم، ومجلس اللوردات الذي يتبنى موقفاً مغايراً.
وفي هذا السياق، وجهت البارونة بيبان كيدرون، التي تتزعم حملة الدفاع عن أصحاب حقوق النشر، انتقادات لاذعة للموقف الحكومي قائلة: «تفضل الحكومة التنازل عن حقوق ملكية من اكتسبوها بجهدهم مقابل وعود فضفاضة بالنمو الاقتصادي للأمة، غير أنها تعجز عن تحديد المستفيدين من هذا النمو المزعوم أو حجمه الفعلي. والأمر الوحيد المؤكد لدى جميع الأطراف - الحكومة والمعارضة وشركات الذكاء الاصطناعي، بل وحتى أصحاب الحقوق أنفسهم - هو أن الصناعات الإبداعية لن تكون ضمن المستفيدين من هذه المعادلة».
وعليه، إذا رغبت شركات التكنولوجيا في استثمار إبداعات الآخرين، فيتعين عليها دفع المقابل العادل، وهذا ما يفسر اعتراف الدول المتقدمة بحقوق النشر وتبنيها آليات لحمايتها. وتطرح الملكية الفكرية بشكل عام وحقوق النشر على وجه الخصوص إشكاليات معقدة، يأتي في مقدمتها مسألة المدة الزمنية المناسبة لهذه الحماية، فبموجب القانون البريطاني تتمتع المصنفات الإبداعية من كتب وموسيقى وأفلام بحماية تمتد لـ 70 عاماً بعد وفاة مبدعيها، وهي فترة وإن بدت اعتباطية، إلا أنها تمثل إطاراً قانونياً ملزماً لا جدال فيه.
وتبرز إشكالية أخرى تتعلق بآليات إنفاذ هذه الحقوق، حيث تؤكد البارونة كيدرون أن من حق المبدعين معرفة متى يتم استخدام ممتلكاتهم الفكرية، خصوصاً أن عمليات انتهاك حقوق النشر باتت تتم اليوم بصورة مجهولة الهوية، مما يحول دون قدرة أصحاب الحقوق على حمايتها. وبذلك يغدو محور القضية الرئيسية هو الشفافية.
وتدعي حكومة كير ستارمر انفتاحها على مختلف الخيارات، بل إنها لم تستبعد خيار «انهب ما تشاء». ويمكن تفسير هذا الموقف باعتبارات عدة، منها تجنب إثارة غضب الإدارة الأمريكية - الحليف المشكوك في ولائه أصلاً - بفرض متطلبات الشفافية، نظراً لهيمنة شركات التكنولوجيا على القرار السياسي هناك، أو ربما اعتقاداً بأن العوائد الاقتصادية من مغازلة صناعة الذكاء الاصطناعي ستفوق الأضرار التي ستلحق بالصناعات الإبداعية المحلية، أو حتى تشككاً في إمكانية تطبيق متطلبات الشفافية على أرض الواقع.
ورغم وجاهة هذه التبريرات، إلا أن هناك اعتبارات موازية لا يمكن تجاهلها، فوفقاً لتقديرات الحكومة نفسها، «ساهمت الصناعات الإبداعية بنحو 126 مليار جنيه استرليني كقيمة مضافة للاقتصاد (أي ما يعادل 5% من الناتج المحلي الإجمالي) ووفرت 2.4 مليون فرصة عمل في عام 2022». ومن غير المعلوم حتى الآن ما إذا كانت القيمة المضافة لصناعة الذكاء الاصطناعي ستصل يوماً إلى هذا الحجم في المملكة المتحدة.
يضاف إلى ذلك أن الصناعات الإبداعية تمثل جوهر التميز البريطاني، بل وذروة الإنجاز الإنساني، مما يجعل فكرة التنازل عن مخرجاتها مجاناً أمراً مستهجناً ومرفوضاً. وقد تجاوزنا حتماً مرحلة منح هذه الصناعة «حسن الظن»، فشعارها المعلن «تحرك بسرعة وحطم القواعد» تمت ترجمته حرفياً على أرض الواقع، حيث دمرت بالفعل الكثير، بما في ذلك، على الأرجح، الصحة النفسية لكثير من الشباب، ناهيك عما اختبرته شخصياً عندما استخدمت تقنية «التزييف العميق» لاستنساخ هويتي، مما أدى إلى فقدان السيطرة على انتشار عمليات الاحتيال المالي.
ومن المفارقات التاريخية المثيرة أن الولايات المتحدة نفسها لم تعترف بحقوق النشر الدولية في تشريعاتها المحلية طوال معظم فترات القرن التاسع عشر، الأمر الذي دفع الكاتب البريطاني الشهير أنتوني ترولوب للاحتجاج بشدة على سرقة حقوق نشر مؤلفاته، حيث كتب قائلاً: «يدعون بلا خجل أو مواربة بأنهم يستمتعون بالاستيلاء على ممتلكات الآخرين، وأنهم سيواصلون فعل ذلك طالما يمكنهم الإفلات من العقاب، غير أن هذه الحجة، وفقاً لتقديري، لا تصدر عن عامة الناس، بل عن وحوش، وعن أولئك السياسيين الذين نجحت هذه الوحوش في ربطهم بمصالحها التجارية». وقد تغيرت طبيعة هذه الوحوش اليوم، لكن الدافع ظل هو ذاته.
وتصر البارونة كيدرون على وجود فرصة حقيقية لبناء علاقة صحية ومثمرة بين عمالقة التكنولوجيا والصناعات الإبداعية، لكنها تستدرك قائلة: «هذا الزواج القسري، بشروط تشبه العبودية، ليس هو الإطار المنشود لتلك العلاقة» - وهو رأي أتفق معه تماماً.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الخليج
منذ 26 دقائق
- صحيفة الخليج
ترامب: اتفاق هدنة غزة قريب جداً
أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأربعاء عن اعتقاده بأن «تقدّماً كبيراً» يتحقق في ما يتعلق بإنهاء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في غزة. وقال: «أعتقد أن تقدماً كبيراً يتحقق في ما يتعلق بغزة وأعتقد أن السبب هو الهجوم الذي نفّذناه»، مشيراً إلى أن الضربات الأمريكية على إيران قد تنعكس إيجاباً على الوضع في الشرق الأوسط. وفي وقت سابق اليوم، أكد ترامب، أن الضربات الأمريكية ألحقت «دماراً شاملاً» بقدرات إيران النووية، ليعود برنامج الجمهورية الإسلامية النووي «عقوداً» إلى الوراء. وقال ترامب: «لن يصنعوا قنابل نووية لوقت طويل»، مضيفاً: أن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران يمضي «بشكل جيد جداً».


صحيفة الخليج
منذ ساعة واحدة
- صحيفة الخليج
إسرائيل: «من المبكر» تقييم الضربات على المنشآت النووية الإيرانية
اعتبر الجيش الإسرائيلي أنه «من المبكر» تقييم الأضرار التي لحقت بالبرنامج النووي الإيراني جرَّاء الحرب مع الدولة العبرية والضربات الأمريكية. وقال المتحدث باسم الجيش إيفي ديفرين في مؤتمر صحفي متلفز: «ما زال من المبكر تقييم نتائج العملية»، مضيفاً «أعتقد أننا وجَّهنا ضربة موجعة للبرنامج النووي، يمكنني القول أيضاً أننا أعدناه أعواماً عدة إلى الوراء». يأتي ذلك بعدما خلص تقرير استخباري أولي أمريكي سرّي إلى أن الضربات الأمريكية أعادت البرنامج بضعة أشهر فقط إلى الوراء ولم تدمّره كما قال الرئيس دونالد ترامب الذي سارع إلى نفي صحة ما ورد في التقرير.


البيان
منذ ساعة واحدة
- البيان
أسهم أوروبا ترتفع مع تحسن المعنويات إثر تراجع التوتر
ارتفعت الأسهم الأوروبية بشكل طفيف اليوم الأربعاء إذ اعتبر المستثمرون وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران علامة على تراجع التوتر. وصعد المؤشر ستوكس 600 الأوروبي 0.2% إلى 542.12 نقطة. وارتفعت مؤشرات أوروبية رئيسية أخرى، باستثناء المؤشر الإسباني الذي تراجع 0.3%. وبدا أن وقف إطلاق النار الذي توسط فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بين إيران وإسرائيل صامداً اليوم الأربعاء، بعد يوم من إشارة البلدين إلى وقف حربهما الجوية، على الأقل في الوقت الحالي. وقال ستيف ويتكوف مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط في وقت متأخر من مساء أمس الثلاثاء إن المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران «واعدة» وإن واشنطن تأمل في التوصل إلى اتفاق سلام طويل الأمد. وصعدت أسعار النفط اليوم الأربعاء بعد انخفاضها في الجلستين السابقتين. وقادت أسهم شركات السيارات الأوروبية مكاسب القطاعات بصعودها 1.2%، وارتفع قطاع شركات الصناعات الدفاعية 0.9%، إلا أن أسهم شركات الإعلام تراجعت 0.6 بالمئة. وقفز سهم شركة ستيلانتيس لصناعة السيارات 3.4% بعد أن رفعت شركة جيفريز للوساطة تصنيفه من «احتفاظ» إلى «شراء». وسينصب التركيز على قمة حلف شمال الأطلسي المنعقدة اليوم، إذ سيكون الإنفاق الدفاعي محور الاهتمام الرئيسي. ويترقب المستثمرون أيضاً شهادة رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي جيروم باول أمام مجلس الشيوخ الأمريكي اليوم.