
العرب والتفاوض على حدود ''إسرائيل الكبرى''
لم يكن نتنياهو يُزايد حين تحدّث عن الحلقة الأكثر رعباً في المشروع الصهيوني، بقدر ما كان يذكّر هذه الحكومات بالطبيعة الاستيطانية والاستعمارية لهذا المشروع، الذي يرى في ''إسرائيل الكبرى'' تحقّقا لنبوءة دينية وتاريخية، وتنزيلاً للمشروع السياسي لليمين الصهيوني الديني المتطرّف، الذي يعتبر احتلال فلسطين مقدّمةً للتوسّع نحو بلدان عربية أخرى. وعلى الرغم من أن ''إسرائيل الكبرى'' لم تكن حاضرةً بقوة في خطابات النُّخب الإسرائيلية التي تعاقبت على السلطة في العقود الماضية، إلا أن المنعطف الدراماتيكي الذي أخذه الصراع بعد "7 أكتوبر" (2023) أعادها إلى الواجهة؛ فحرب الإبادة والتطهير العرقي والتجويع والتهجير الجارية في قطاع غزّة وسّعت أكثرَ هامش الحركة أمام اليمين الصهيوني، بمختلف تشكيلاته، بعد أن أحكم قبضته على مفاصل الدولة والسلطة، وبات قوةً اجتماعيةً وسياسيةً لا تُقهر.
لا يبدو أن نتنياهو، وغيره من قادة اليمين المتطرّف ورموزه، يكترثون لاتفاقيتَي السلام المبرمتَين مع مصر والأردن، ولا لاتفاقات التطبيع الإبراهيمية المبرمة مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب. كما أنهم غير معنيين أيضاً بما يجري في العواصم الإقليمية والدولية من مؤتمرات وقممٍ بشأن ''حلّ الدولتَين'' الذي اكتشفت فيه الآن حكوماتٌ أوروبية حلاً عملياً، يمكن أن ينهي الصراع ويُحلّ السلام، في وقت كان بوسعها التحرك قبل عقود، حين كانت توازنات النظام الدولي تتيح هامشاً في هذا الاتجاه. ولعلّ ما يرجح أن ''الحراك الأوروبي'' بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية وإقرار ''حلّ الدولتَين'' ليس أكثر من محاولة من دول أوروبية لإراحة ضميرها والتخلّص من عقدة الذنب الناجمة عن مسؤوليتها التاريخية في تحميل الفلسطينيين فاتورة ما حلّ باليهود خلال الحرب العالمية الثانية. ولذلك، كان لافتاً عدم صدور ردّات فعل أوروبية واضحة على ما قاله نتنياهو بشأن ''إسرائيل الكبرى''، وكأنّ أوروبا تدرك أن دولة الاحتلال ماضية في مشروعها لتغيير وجه الشرق الأوسط مُستقويةً، في ذلك، بالدعم الأميركي.
لا يعكس ما قاله نتنياهو فقط رفض الدولة والمجتمع الإسرائيليين الكيانيةَ الفلسطينية التي يمكن أن تصبح في يوم ما دولة مستقلّة في حدود 4 يونيو/ حزيران 1967، بل يعكس أيضاً نزعة توسّعية ستأتي على الأخضر واليابس في المنطقة في مقبل الأيام، إذا استمرّ هذا المسلسل المريع من استسلام النظام الرسمي العربي. وعليه، قد يكون على الجيل المقبل من النُّخب العربية أن تتفاوض مع دولة الاحتلال وحلفائها على حدود ''إسرائيل الكبرى''، بما سيعنيه ذلك من تنازلاتٍ مؤلمة عن أراضٍ ستصبح جزءاً من الإمبراطورية العبرية التي بدأت ملامحها تلوح في الأفق.
الحكومات العربية مطالبة بوضع خريطة طريق واضحة للتعاطي مع التهديد الإسرائيلي. وإذا كانت تعتقد أن علاقاتها بالولايات المتحدة ستشكّل طوق نجاة بالنسبة إليها فهي واهمة، ولنا في الأزمة الأوكرانية عبرة، إذ بات من غير المستبعد أن تضحّي واشنطن بأوكرانيا لقاءَ مصالحها مع الروس. وهو ما يعني في حسابات البراغماتية الأميركية أن الدول العربية المعنية بما قاله نتنياهو قد تجد نفسها، في أيّ لحظة، مضطرّة للتفاوض على حدودها مع ''إسرائيل الكبرى''، التي (بالمناسبة) تشمل إضافةً إلى فلسطين التاريخية والأردن وسورية ولبنان والكويت، أجزاء واسعةً من مصر والعراق والسعودية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 2 ساعات
- العربي الجديد
صفقة الغاز الإسرائيلي لمصر... هل فات الميعاد؟
سألت يوم 23 فبراير/ شباط الماضي في مقال منشور: "هل مصر مجبرة على استيراد الغاز الإسرائيلي؟"، وكانت الإجابة هي أن حكومة مصر ليست مجبرة على ارتكاب تلك الجريمة بحق أمنها القومي والاقتصادي، خاصة أن هناك بدائل لغاز إسرائيل المنهوب، وقلت إن البدائل كثيرة وتأتي عبر استيراد الغاز من أشقاء عرب أو أجانب ودول صديقة، وزيادة الإنتاج المحلي، والإسراع في تنفيذ مشروعات الطاقة البديلة ومنها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والأهم سرعة انجاز مشروع مصر النووي أو محطة الضبعة والتي تتكون من 4 مفاعلات نووية لإنتاج الكهرباء بقدرة إجمالية تبلغ 4800 ميغاوات. وتحمست أكثر للسؤال مع إعلان الحكومة المصرية أكثر من مرة عن بحثها عن بدائل للغاز الإسرائيلي، في ظل الابتزاز الذي تمارسه حكومة الاحتلال من وقت إلى آخر، سواء على مستوى وقف تدفق الغاز أو المطالبة برفع الأسعار وبشكل مبالغ فيه، مع اتخاذ الحكومة خطوات جدية لتأمين احتياجات الطاقة وزيادة واردات الدولة من الوقود، عبر طرح مناقصات لاستيراد نحو 60 شحنة من الغاز الطبيعي المسال لتغطية الاحتياجات حتى نهاية عام 2025، والتأكيد أن الرقم قد يرتفع على المدى الطويل إلى 150 شحنة. الآن، وقعت الفأس في الرأس، كما يقول المثل الشهير، وأبرمت مصر قبل أيام صفقة لتمديد استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل بقيمة 35 مليار دولار ولمدة تصل إلى العام 2040، ومعها ربطت الحقول الإسرائيلية بمحطات إنتاج الغاز المسال في مصر. ومع رد الفعل العنيف والغاضب على الصفقة التي تعد الأضخم في تاريخ دولة الاحتلال، فإن السؤال التالي والملح: هل يمكن أن تتراجع الحكومة المصرية عن تلك الصفقة، في ظل الرفض الشعبي الواسع لها، واعتراض قوى سياسية وأحزاب وناشطين على أن تكون مصر هي المساند الأول للاقتصاد الإسرائيلي والداعم الأقوى لموازنته التي تعاني من عجز حاد، بسبب كلفة الحرب، في توقيت حرج يشن فيه جيش الاحتلال حرب إبادة جماعية ضد أهالي غزة ويهدد باجتياح القطاع المحاصر؟ موقف التحديثات الحية غذاء المصريين المغموس في الغاز الإسرائيلي السام زادت أهمية السؤال عقب خروج بنيامين نتنياهو مهدداً الأمن القومي المصري والعربي بشكل مباشر، حينما تحدث قبل أيام عن إسرائيل الكبرى (من النهر إلى البحر) والتي تضم كامل أرض فلسطين التاريخية وأجزاء كبيرة من مصر والأردن ولبنان وسورية، بل وربما العراق وشبه الجزيرة العربية، ويكشف بشكل واضح عن عقيدته التوسعية التي يعمل عليها في إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد، وكذا التصريحات الصادرة عن أركان حكومته، وفي المقدمة وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، والذي يهدد بمحو الدولة الفلسطينية واحتلال غزة والضفة الغربية بالكامل. ولا ينسى المصريون الجريمة التي أقدمت عليها إسرائيل قبل شهور وهي احتلال محور صلاح الدين (فيلادلفي)، المتاخم للحدود المصرية مع قطاع غزة والإخلال باتفاقية السلام، وقبلها احتلال أم الرشراش (إيلات). هنا يمكن القول إن إعادة النظر في صفقة الغاز التي تعد بمثابة عقد إذعان ممكنة، خاصة أنه لم يعرض الاتفاق الخاص بها على البرلمان المصري، كما أن الحكومة الإسرائيلية لم تصادق بعد على الاتفاقية الأضخم في تاريخ الدولة العبرية، والتي تنص على توريد الغاز إلى مصر لمدة 15 سنة مقبلة. وهنا يمكن للحكومة المصرية التحرك سريعاً لإلغاء الصفقة المثيرة للجدل، إن أرادت، وتوفير احتياجات بديلة للدولة من الغاز، سواء من دول عربية مثل الجزائر وقطر والعراق ودول الخليج وليبيا المجاورة، أو من دول أخرى يتوافر لديها إنتاج واحتياطيات ضخمة من الغاز مثل الولايات المتحدة وروسيا وإيران وماليزيا وأستراليا وأذربيجان. هناك فرصة ذهبية أمام صانع القرار في مصر للتوسع في استيراد الغاز من روسيا تحديداً، وبتسهيلات نقدية ضخمة وهناك فرصة ذهبية أمام صانع القرار في مصر للتوسع في استيراد الغاز من روسيا تحديداً، وبتسهيلات نقدية ضخمة، خاصة أن الاتحاد الأوربي يخطط لتقليص وارداته من هذا الغاز بسبب حرب أوكرانيا، وموسكو تبحث في المقابل عن أسواق جديدة في ظل توافر كميات ضخمة من الوقود الأزرق لديها، إذ لا تزال روسيا ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم وثاني أكبر مصدر للوقود. ويمكن أن تلعب تركيا دوراً في نقل الغاز الروسي إلى مصر عبر خطوط الأنابيب والإمكانيات المتوافرة لديها، وهناك خطة يجري العمل عليها بالفعل، وهي أن تصبح تركيا جسراً لمرور ونقل الغاز الروسي إلى أوروبا وبديلاً عن أوكرانيا، بعد انتهاء اتفاقية عبوره للأرضي الأوكرانية. وفي العام الماضي تحدثت موسكو عن خطة لإنشاء مركز توزيع غاز في تركيا، تأمل من خلاله استعادة موطئ قدم في سوق الطاقة الأوروبية، الذي فقدته إلى حد كبير منذ الحرب على أوكرانيا عام 2022. موقف التحديثات الحية عن البنود المفخخة في اتفاق تصدير الغاز الإسرائيلي لمصر أيضاً تمثل ليبيا نافذة مهمة لتوفير جزء من احتياجات مصر من الغاز، في ظل تقارب جغرافي وسعر تنافسي وتسهيلات ضخمة متوقعة في السداد، وفي حال حدوث استقرار سياسي وأمني داخل ليبيا، فإنها يمكن أن توفر الاحتياجات الأكبر لمصر من الغاز الطبيعي، ولا سيما أنها تعوم على بحار من النفط والغاز، وتعد خامس أكبر مالكة لاحتياطي الغاز في أفريقيا، وترقد على 50 مليار برميل من "الذهب الأسود"، تخطط لزيادة معدلات إنتاج النفط والغاز من خلال تطوير مشروعات جديدة بالتعاون مع شركات الطاقة العالمية. ولأول مرة منذ 17 عاماً، أعلنت ليبيا قبل أيام عن مناقصات لتطوير حقول النفط والغاز، وتلقت أكثر من 400 طلب من شركات أجنبية. المصري يمكن أن يتحمل انقطاع الكهرباء ونقص الوقود ويرشد الاستهلاك بشدة، ولا يتحمل طهي وجبة غذاء بغاز إسرائيل السام أيضاً لا ننسى الدعم الشعبي الكبير الذي يمكن أن تحصل عليه الحكومة المصرية في حال إلغاء صفقة الغاز مع إسرائيل، فالمصري يمكن أن يتحمل انقطاع الكهرباء ونقص الوقود ويرشد الاستهلاك بشدة، ولا يتحمل طهي وجبة غذاء بغاز إسرائيل السام، أو أن يضع رقبته وأمنه القومي تحت سكين عدو. هناك نقطة أخرى تتعلق بالاكتشافات الجديدة للغاز والزيت في الصحراء الغربية وخليج السويس والتي تعلن عنها الحكومة من وقت إلى آخر، وسط توقعات بأن تضيف هذه الاكتشافات نحو 30 مليون قدم مكعبة من الغاز يومياً للإنتاج المحلي. هنا على الحكومة أن تضخ مزيداً من الاستثمارات في القطاع. بمعايير الأمن القومي، فإنه يجب إعادة النظر في الاتفاقية الأخيرة لاستيراد الغاز الإسرائيلي، وبالمعايير الاقتصادية والربحية، فإنه يمكن استيراد بدائل أرخص كلفة وبلا بنود إذعان كما في الاتفاقية الأخيرة.


القدس العربي
منذ 2 ساعات
- القدس العربي
فورين بوليسي: لم يتغير أي شيء من عقيدة ألمانيا تجاه إسرائيل فقط تشديد بالنبرة
لندن ـ 'القدس العربي': نشرت مجلة 'فورين بوليسي' مقالا لجون كامبفنر، مؤلف كتاب 'لماذا تعملها المانيا بطريقة أفضل: ملاحظات حول نشوئي في البلد'، قال فيه إن المستشار الألماني فريدريش ميرتس صعّد من نبرته ضد إسرائيل لكن لم يتغير أي شيء في عقيدة المانيا تجاه الدولة اليهودية. وأشار إلى إن السنوات الأخيرة القليلة تشترط ألمانيا لمن يريد الحصول على جنسيتها أن يعترف صراحة بحق إسرائيل في الوجود. وأن هذا واحد من عدة أسئلة متعلقة بإسرائيل في نموذج طلب الجنسية، ولا توجد إجابات متعددة الخيارات تدعو إلى اختيار متنوع. وأكد الكاتب على فهذه هي ثقافة الذاكرة التي تهيمن على تفكير ألمانيا بشأن الماضي وتملي سياساتها الحالية. ولطالما كانت هي منطقة محفوفة بالمخاطر. وأنه منذ هجمات حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وتدمير غزة تقريبا الذي ردت عليه إسرائيل بطريقة انتقامية، هيمنت هذه الثقافة على الحياة العامة الألمانية. والآن، مع استعداد إسرائيل لهجوم مباشر جديد وشامل على غزة، ومع انتقادات أوروبا الحادة أكثر من أي وقت مضى منذ سنوات، يواجه المستشار الجديد اختبار قوة. ولفت الكاتب إلى انه في الأشهر القليلة الماضية، اصطدمت أو تلاقت عدة أمور: الهولوكوست ومعاداة السامية ودولة إسرائيل، وتصرفات نظام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليميني المتطرف. وقد سعت الحكومات الألمانية المتعاقبة إلى ربط كل ما سبق ذكره وتفكيكه في آن واحد. ويقول النقاد، وهم كثر، بمن فيهم الجالية اليهودية في ألمانيا إن هناك تكميم للنقد المشروع لإسرائيل. وهناك أدلة كثيرة على ذلك، منها عدم دعوة مؤلفين إلى معرض فرانكفورت للكتاب (أحد أعرق معارض الكتاب في العالم) وسحب تمويل المنظمات الثقافية واعتقال المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين. ويقول الكاتب: 'لقد شهدت غرابة الموقف مرات عديدة. في مناسبات عديدة، سواء كانت اجتماعية أو مهنية، وبخني محاورون ألمان على 'عدم إظهار دعم كاف لإسرائيل'. وكان ردي المعتاد، إلى جانب التشكيك في أدلتهم، هو السؤال عما إذا كان لأي منهم أسلاف، مثلي، ماتوا في معسكرات الاعتقال النازية؟ عادة ما يسود صمت محرج، ثم أطلب منهم عدم طرح مثل هذه المواضيع عليَّ مستقبلا. وأصف أسلوبهم بأنه تلميح إلى الفضيلة المثقلة بعقدة الذنب'. ويعلق كامبفنر قائلا إن هذا النقاش مختزل ومثقل بالخوف، و'كثير من البرلينيين الذين أعرفهم يترددون في الخوض في هذا النقاش خوفا من العواقب. وعندما يفعلون، أسمع تعليقات مثل 'الفلسطينيون مسؤولون عن محنتهم، كان بإمكانهم طرد حماس منذ زمن بعيد'، وأسمع من سياسيين ألمان كبار، ومن آخرين ممن يتساءلون عما إذا كانت صور الأطفال الجائعين في غزة مفبركة. فيما تضخم بعض وسائل الإعلام الألمانية (عادة، ولكن ليس دائما، على اليمين) هذه الآراء، ثم يعيد السياسيون الإسرائيليون تضخيمها، مستشهدين بها كإثبات لموقفهم'. ويرى الكاتب أن جذر المعضلة الحالية هو خطاب ألقته المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل أمام الكنيست الإسرائيلي في عام 2008 وقالت فيه إن الدفاع عن إسرائيل هو دفاع عن الدولة الألمانية. وأن ألمانيا ستدعم إسرائيل مهما كلف الأمر. وأصبح هذا هو الموقف السائد حتى الأزمة الحالية. ومع هجوم حماس قالت وزيرة الخارجية الألمانية السابقة أنالينا بيربوك أثناء زيارة لها لإسرائيل بعد الهجمات: 'في هذه الأيام، كلنا إسرائيليون'. ورفعت أعلام أوكرانيا أمام المباني الحكومية، وانضمت إليها أعلام إسرائيلية، تعبيرا عن دولتين متحدتين على ما يبدو في شعور مشترك بالخطر في مواجهة أعداء أشرار. وهكذا استمر الوضع، حيث أبدت ألمانيا دعمها الثابت حتى في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تقصف غزة بشكل متكرر، وحتى في الوقت الذي يهاجم فيه المستوطنون الإسرائيليون الفلسطينيين في الضفة الغربية تحت أنظار القوات الإسرائيلية المتعاطفة. وفي الفترة التي سبقت الانتخابات الألمانية في شباط/فبراير الماضي، أشار ميرتس إلى أنه سيدعو نتنياهو إلى برلين، وفي تحد لمذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، سيجد 'السبل والوسائل التي تمكنه من زيارة ألمانيا، وتمكينه من المغادرة دون أن يعتقل'. ولم يف ميرتس بوعده بعد انتخابه كمستشار، وتدهورت العلاقات بين ألمانيا وإسرائيل تدريجيا. وقد أثارت سلسلة من المكالمات الهاتفية الحادة مع نتنياهو، أحيانا بمفرده، وأحيانا بمشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، شعورا متزايدا بالإحباط لدى ميرتس. وقد أطلق ميرتس سلسلة من التصريحات تختلف في حدتها بدرجة أو درجتين. ورغم أن مجموعة الدول الأوروبية الثلاث، ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، تنسق سياساتها تجاه أوكرانيا بشكل شبه يومي، إلا أن ميرتس فوجئ بإعلاني ماكرون وستارمر عزمهما الاعتراف رسميا بدولة فلسطينية في أيلول/سبتمبر. وقد أوضح أن ألمانيا لن تحذو حذوهما. ومع ذلك، يعتبر تصريحه الأخير بأن ألمانيا 'لن تأذن بتصدير أي معدات عسكرية يمكن استخدامها في قطاع غزة حتى إشعار آخر' الخطوة الأهم منذ فترة. وقد أخر ميرتس عطلته الصيفية لإعداد البيان على عجل، وتبين أنه لم تتم استشارة أي شخصيات رئيسية تقريبا، باستثناء وزير الخارجية يوهان فادفول. ويؤكد الكاتب على أن القرار لن يكون له أي تأثير يذكر على أرض الواقع، حيث توقف المستشار السابق، أولاف شولتز، وحكومته بهدوء عن تزويد إسرائيل بالأسلحة التي قد تستخدم في غزة في عام 2024، إلا أنه كان محمل بالكثير من الدلالات. وقد تبع القرار انتقادات قوية من أطراف في الحزب الحاكم، الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وأطراف من وسائل الإعلام، شملت صحيفتي 'بيلد' و'دي فيلت' المؤثرتين التابعتين لدار نشر اليكس سبرينغر اليمينية القوية. ويتساءل الكاتب إن كان هذا إظهارا للقيادة الحاسمة أم التهور الذي اشتهر به ميرتس؟ ويجيب أنه في مقابلة تم ترتيبها على عجل والتي جرت بعد يومين من تصريحه بشأن صادرات الأسلحة، أصر ميرتس على أن أساسيات العلاقة بين البلدين لم تتغير. وقال: 'لقد وقفت ألمانيا بثبات إلى جانب إسرائيل لمدة 80 عاما، وهذا لن يتغير'. ومع ذلك، فقد شدد على قراره، قائلا إن أي تقدم شامل في مدينة غزة سيتسبب في سقوط عدد لا يحصى من الضحايا. و 'أين يفترض أن يذهب هؤلاء الناس؟ لا نستطيع فعل ذلك، ولن نفعله، ولن أفعله أنا أيضا'. ويقول الكاتب إن المهمة التي يواجهها ميرتس هي نفسها التي لاحقت كلا من ميركل وشولتز وهي: كيف توفق ألمانيا بين الذاكرة الثقافية والحاضر؟ أو، بعبارة أخرى، متى تصبح سياسة ألمانيا تجاه إسرائيل أكثر موضوعية، دون خوف أو محاباة، وبدون تجاوز الماضي؟ وهذا نقاش تشارك فيه أصوات من الجامعات ومراكز الفكر، لكن الحماس نادرا ما يقود إلى وضوح، بل إن بعض وسائل الإعلام تدير نقاشا كهذا، وكذلك بعض السياسيين. وحتى يقود النقاش إلى نتيجة، يجب أن يتم ذلك بثقة أكبر من مجرد طمأنة النفس. لأنه إن لم يحدث، فإن الفجوة بين الرأي العام و'فقاعة برلين' ستتسع أكثر. وقد أظهر استطلاع رأي حديث أجرته مؤسسة بيرتلسمان أن 36% فقط من الألمان ينظرون إلى إسرائيل بإيجابية. هل يشير هذا إلى معاداة سامية ناشئة أم إلى تقييم واضح لأفعال الحكومة الإسرائيلية والمتطرفين الذين يدعمونها؟ كما أنه لا فرنسا ولا بريطانيا في وضع أفضل بكثير. فقد أدى قرار حكومة ستارمر بحظر 'بالستاين أكشن'، وهي شبكة عمل سياسي مباشر، إلى مشاهد غريبة لاعتقال عشرات المتقاعدين البريطانيين بموجب قانون الإرهاب. ووفق الكاتب يبدو الخطاب العام، وإن كان محدودا أيضا، أكثر حيوية في تلك البلدان منه في ألمانيا. ويكمن الخطر في كل مكان في أوروبا، وبخاصة في ألمانيا، في أن رفض الانخراط بقوة أكبر في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني سيترك فجوة أكبر تستغلها القوى الخبيثة. ويستخدم اليمين المتطرف الألماني هذه القضية كوسيلة لإثارة الفتنة الاجتماعية ووصم المهاجرين المسلمين بمعاداة السامية وخطورتهم. وفي الوقت نفسه، يغذي رفض السماح بنقاش أكثر جدية موجة جديدة من معاداة السامية. وفي النهاية، لن تكون ألمانيا في الجانب الصحيح من التاريخ إلا بإظهار دعمها لإسرائيل المستعدة للانخراط الجاد في محادثات السلام. وللأسف، لا يبدو أي من هذين العنصرين واقعيا حتى الآن.


القدس العربي
منذ 2 ساعات
- القدس العربي
'بعد مفاوضات'.. تل أبيب تستعيد إسرائيليا 'محتجزا في لبنان منذ عام'
القدس المحتلة: أعلنت تل أبيب، الخميس، استعادة إسرائيلي قالت إنه كان محتجزا في لبنان منذ عام، بعد 'مفاوضات سرّية' أجريت خلال الأشهر الأخيرة بمساعدة اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان على منصة 'إكس': 'أُعيد صالح أبو حسين، وهو مواطن إسرائيلي كان مسجونًا في لبنان لمدة عام تقريبًا، إلى إسرائيل بعد ظهر اليوم'. وأضاف: 'بعد مفاوضات جرت خلال الأشهر الأخيرة بمساعدة الصليب الأحمر، نُقل المواطن عبر معبر رأس الناقورة من السلطات اللبنانية إلى منسق هيئة إعادة الأسرى والمفقودين الإسرائيليين، العميد (احتياط) غال هيرش'. وتابع: 'بعد استجوابه وإجراء فحص طبي أولي، نُقل المواطن من قِبل الجيش الإسرائيلي لإجراء فحوصات شاملة في المستشفى، وبعد ذلك سيلتقي بعائلته'. وأردف مكتب رئيس الوزراء: 'تجري قوات الأمن تحقيقًا في ملابسات الحادث'، لكنه لم يفصح عن تفاصيل إضافية حول المفاوضات. كما لم يشر مكتب رئيس الوزراء إلى أسباب وظروف اعتقال أبو حسين في لبنان. من جانبها، قالت هيئة البث الإسرائيلية إن أبو حسين 'دخل لبنان عن طريق الخطأ عبر منطقة حدودية وعرة، فتم اعتقاله على الفور'، دون تحديد تاريخ الاعتقال. وأضافت: 'جاء الإفراج بعد مفاوضات استمرت عدة أشهر بين الجانبين الإسرائيلي واللبناني بوساطة أمريكية، وهي ممارسة معتادة نظرًا لغياب علاقات دبلوماسية مباشرة بين البلدين'. وتابعت الهيئة: 'تعكس عملية الإفراج دور الولايات المتحدة بصفتها وسيطا أساسيا في تسهيل المفاوضات بين إسرائيل وخصومها الإقليميين، وتمّت هذه العملية من جانب واحد دون الإعلان عن أي مقابل رسمي قدمته إسرائيل'. وأشارت إلى أن أبو حسين 'من مدينة المغار في الجليل' في الداخل الفلسطيني (عرب 1948). بدورها، وصفت صحيفة 'يديعوت احرونوت' العبرية المفاوضات التي جرت بأنها كانت 'سرية'، دون مزيد من التفاصيل. وحتى الساعة 11:15 'ت.غ'، لم يصدر إعلان رسمي من الجانب اللبناني حول الموضوع. يشار إلى أن دخول أبو حسين الأراضي اللبنانية على ما يبدو أعقب فترة مواجهات وهجمات متبادلة بين إسرائيل و'حزب الله'، ما لبثت أن تطورت إلى حرب أوسع وصلت مختلف المناطق اللبنانية. وشنت إسرائيل في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 عدوانا على لبنان تحول إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر/ أيلول 2024، ما أسفر عن أكثر من 4 آلاف شهيد ونحو 17 ألف جريح. وفي 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، بدأ وقف لإطلاق النار بين 'حزب الله' وإسرائيل، لكن تل أبيب خرقته أكثر من 3 آلاف مرة، ما أسفر عن 281 شهيدا و593 جريحا، وفق بيانات رسمية. وفي تحد لاتفاق وقف إطلاق النار، نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي انسحابا جزئيا من جنوب لبنان، بينما يواصل احتلال 5 تلال سيطر عليها خلال الحرب الأخيرة.