
الهجمة على الجيش والمخاطر على السودان
في الوقت الذي يواجه فيه السودان حرباً داخلية شرسة، بامتدادات وتدخلات خارجية واضحة، آخرها أحداث المثلث الواقع على الحدود السودانية - الليبية المتاخمة لمصر، تستمر بعض الأطراف في حملتها ضد الجيش السوداني لإضعافه. هناك من يتمنَّى هزيمته، وهناك من يدعو لتفكيكه، والبعض يخفي أجندته خلف شعار إعادة الهيكلة الفضفاض.
من أكثر ما يستخدم في هذه الحملة هو تكرار الاتهامات لدمغ الجيش بأنه «جيش الكيزان»، أو أنه ميليشيا حزبية وليس جيشاً نظامياً.
الجيش وإن كان فيه كيزان، ففيه قطاع عريض من أبناء السودان ممن ينتمون إلى تيارات سياسية أخرى، أو ممن لا انتماء سياسياً لهم أو علاقة بالكيزان. أعداد هائلة ممن يقاتلون اليوم في صف الجيش بمن فيهم القوات المشتركة وكتائب المستنفرين هم من هذا القطاع العريض، بل إن بعضهم من شباب ثورة ديسمبر، ومن آخرين عارضوا النظام السابق طويلاً، ولا يمكن لأحد أن يصنفهم أنهم كيزان.
كثير من الأطراف الدولية والإقليمية، رغم تباين مواقفها، تُجمع على ضرورة بقاء مؤسسات الدولة السودانية وفي مقدمتها القوات المسلحة، لأن انهيار الجيش لا يعني فقط هزيمة طرف في صراع عسكري، بل انهيار الدولة ذاتها ودخولها نفق الفوضى والانقسام. هذا الموقف ليس بدافع العاطفة، بل من منطلق قراءة واقعية لتجارب ماثلة أمام الجميع.
التاريخ الحديث يقدم لنا نماذج مأساوية لدول تحولت إلى ساحات للصراع الدموي بمجرد انهيار جيوشها الوطنية. العراق بعد غزو 2003 نموذج قريب إلى الأذهان؛ فقد أدى قرار الحاكم الأميركي بول بريمر حل الجيش العراقي إلى فراغ أمني هائل، ملأته الجماعات المسلحة، من «القاعدة» إلى «داعش»، وتحولت المدن العراقية إلى ساحات معارك، وانهارت مؤسسات الدولة وغرق البلد في العنف الطائفي.
في ليبيا، أدت إطاحة نظام القذافي من دون وجود خطة لبناء جيش موحد، إلى ظهور مجموعات مسلحة متصارعة، واندلعت حرب طاحنة رافقتها تدخلات خارجية متعددة. وفي الصومال تشتت البلد بعد سقوط نظام سياد بري وتحول إلى مناطق نفوذ تحت سيطرة أمراء الحرب، ما أدى إلى حرب أهلية طاحنة وانهيار لمؤسسات الدولة لنحو عقدين من الزمن، ثم ظهور تنظيمات متطرفة مثل حركة «الشباب».
لم تكن تجارب الدول العربية استثناء، ففي أفريقيا، تكررت الكارثة بعدة أشكال. في الكونغو الديمقراطية (زائير سابقاً) أدى انهيار جيش موبوتو سيسي سيكو إلى حربي الكونغو الأولى والثانية، اللتين اشتركت فيهما جيوش تسع دول أفريقية، وراح ضحيتهما ملايين البشر. وفي ليبيريا تسبب تفكك الجيش في حرب أهلية قتل فيها نحو ربع مليون شخص.
الدرس المشترك من هذه النماذج أن الجيش الوطني هو «عمود الخيمة» الذي إذا انهار، تداعت أركان الدولة بأكملها. وبالنسبة للسودان فإنَّ الجيش إن انهار أو تم تفكيكه، سواء بسبب الصراعات الداخلية، أو الضغوط الخارجية، أو قرارات سياسية خاطئة، فسيواجه البلد حينها سيناريوهات كارثية:
- ستتوقف خدمات الأمن والشرطة، لتنتشر الفوضى والجريمة.
- سيطلق الفراغ الأمني العنان لصعود الميليشيات التي تتقاتل على السلطة والثروة، ولصراعات قبلية وجهوية خطيرة تفتح الباب أمام مطالبات انفصالية جديدة، لا سيما في ظل الاستغلال الذي نشهده لورقة المناطق المهمشة.
- اندلاع صراعات عبر الحدود حيث تسعى الميليشيات أو الجماعات المسلحة للحصول على ملاذ أو موارد.
- ظهور جماعات إرهابية تجد في بيئة الفوضى والفراغ الأمني بيئة خصبة لنشاطها، علماً بأن المحيط الإقليمي يشهد تزايد نشاط هذه الجماعات في منطقة الساحل الأفريقي وليس بعيداً عن حدود السودان.
- عدم الاستقرار سيشكل تهديداً لدول الجوار والأمن في المنطقة.
- كل هذه الاضطرابات ستؤدي لكوارث إنسانية غير مسبوقة، وستتفاقم أزمات الجوع وموجات اللجوء.
- فتح باب التدخلات الخارجية في السودان.
الخلاصة: الجيش السوداني هو «خط الدفاع الأخير» ضد الانهيار، والتجارب التاريخية تُظهر أن تفكيك الجيوش الوطنية لا يؤدي إلى الديمقراطية بالضرورة، بل إلى الفوضى، لا سيما في ظل محيط مضطرب، وصراعات إقليمية ودولية متزايدة.
إصلاح الجيش أمر مطلوب، مثله مثل كثير من مؤسسات الدولة السودانية التي تحتاج إلى إصلاح. قادة الجيش أنفسهم يتحدثون عن أهمية الإصلاح لا سيما مع تداعيات الحرب، ومسألة دمج الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية السلام وإنهاء ظاهرة تعدد الحركات المسلحة والجيوش الرديفة، بحيث يكون السلاح محصوراً فقط في يد الدولة. لكن هذا الإصلاح لا ينبغي أن يعني بأي حال من الأحوال تفكيك الجيش، أو هيكلته بشكل يضعفه.
السودان اليوم أحوج من أي وقت مضى إلى جيش قوي يحميه ويصد عنه المؤامرات والأطماع. جيش قومي قوي يبتعد عن وحل السياسة، ويتفرغ لمهمته الأساسية في حماية وطن أصبح واضحاً كم هو مستهدف.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 4 ساعات
- الشرق الأوسط
مصدر مصري: تعليمات لأمن الحدود بعدم السماح بدخول «قافلة الصمود»
على الرغم من قيام سلطات شرق ليبيا بتوقيف «قافلة الصمود» المغاربية قبيل دخول مدينة سرت، فإن مصدراً مصرياً مسؤولاً قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «صدرت تعليمات واضحة لسلطات الحدود المصرية بعدم دخول القافلة لعدم اتباع المشاركين فيها الضوابط اللازمة». وبحسب المصدر، فإنه «حتى لو سمحت سلطات شرق ليبيا بمرور تلك القافلة ووصولها للحدود المصرية فلن تدخل»، موضحاً أن «ما عقد الموقف قيام بعض الأشخاص المحسوبين على تلك القافلة بتصرفات مريبة تضمنت حصول العشرات منهم على تأشيرات سياحية؛ لكن سلطات مطار القاهرة اكتشفت حضورهم للمشاركة في تلك القافلة، وتنظيم مسيرات إلى رفح، وهذا مخالف لطبيعة التأشيرات التي حصلوا عليها، فتم ترحيلهم لبلادهم مرة أخرى، وعدم السماح لهم بدخول البلاد». وكانت تقارير إعلامية تحدثت، الخميس، عن قيام سلطات الأمن في مطار القاهرة بترحيل عشرات النشطاء الذين حضروا للبلاد بغرض المشاركة في «قافلة الصمود». وشدد المصدر المصري على أن «بلاده لن تسمح بأي شيء يهدد أمنها القومي، أو يؤجج المواقف على حدودها من أشخاص لا تعلم خلفياتهم وأغراضهم وفي ظل أوضاع ملتهبة بالمنطقة». تونسيون يحملون لافتات مؤيدة للفلسطينيين يرحبون بـ«قافلة الصمود» المتجهة براً نحو غزة (أ.ف.ب) وقالت «تنسيقية العمل المشترك من أجل غزة» المشرفة على تنظيم القافلة - في بيان منتصف ليل الخميس - إن «قوات الأمن والجيش بسلطات شرق ليبيا أوقفت القافلة عند مدخل مدينة سرت»، وعلل المسؤولون الأمنيون بـ«ضرورة انتظار الحصول على تعليمات بالموافقة من بنغازي من أجل المرور». وأكد الفريق الإعلامي لقافلة «الصمود لكسر الحصار على غزة»، ظهر الجمعة، أنه حتى الآن لم يتم تلقي أي رد رسمي من سلطات شرق ليبيا بشأن السماح بمرور القافلة نحو الحدود المصرية. وأضاف الفريق الإعلامي في بيان أن جميع المشاركين بخير، ويتمركزون حول قيادة القافلة، ومصرون على الاستمرار في مواقعهم حتى يتم السماح لهم بالتحرك. المتحدث باسم «قافلة الصمود»، مراد بن جدو قال لـ«الشرق الأوسط» إن «ما حدث، هو أن النقطة الأمنية التي تبعد عن سرت 30 كلم أوقفت القافلة، وأبلغت القائمين عليها بأنه لا توجد تعليمات بالسماح لهم بالمرور تجاه الحدود المصرية»، مشيراً إلى أن «هذا لا يتسق مع موقف وزارة الخارجية في شرق ليبيا التي رحبت بالقافلة»، وأعرب عن أمله في أن «تتم حلحلة الموقف قريباً والسماح بمرور القافلة حتى تصل إلى رفح، بعد تنفيذ كل ما تطلبه السلطات في ليبيا ومصر». وأعربت وزارة الخارجية في حكومة «الاستقرار» الليبية برئاسة أسامة حمّاد، في بيان مساء الخميس عن ترحيبها بـ«المبادرة المغربية» للتضامن مع الشعب الفلسطيني، ممثلة في «قافلة الصمود»، لكنها أكدت «أهمية احترام الضوابط التنظيمية الخاصة بزيارة المنطقة الحدودية المحاذية لقطاع غزة، التي حددتها وزارة الخارجية المصرية؛ وضرورة التنسيق الكامل مع الجهات المختصة لضمان سلامة المشاركين ونجاح أهداف القافلة». تونسيون خلال الاستعداد لانطلاق القافلة من وسط العاصمة (أ.ف.ب) وتضمن بيان صدر، مساء الأربعاء، عن «الخارجية المصرية» أنه «في ظل الطلبات والاستفسارات المتعلقة بزيارة وفود أجنبية للمنطقة الحدودية المحاذية لغزة (مدينة العريش ومعبر رفح) خلال الفترة الأخيرة، وذلك للتعبير عن دعم الحقوق الفلسطينية، تؤكد مصر على ضرورة الحصول على موافقات وتأشيرات دخول مسبقة لإتمام تلك الزيارات، وأن السبيل الوحيد لمواصلة السلطات المصرية النظر في تلك الطلبات، هو من خلال اتباع الضوابط التنظيمية والآلية المتبعة منذ بدء الحرب على غزة». من جانبه، أكد المصدر المصري المسؤول أن «القاهرة بالطبع أبلغت السلطات في ليبيا بأنها لن تسمح بمرور أي شخص لا يتبع التعليمات والاشتراطات اللازمة التي أعلنتها في بيانها بشأن زيارة المنطقة الحدودية المحاذية لقطاع غزة»، مشيراً إلى أن «مصر ليست لها علاقة بقرار سلطات شرق ليبيا وقف القافلة، هي فقط أخطرتها بضوابط الدخول من الحدود المصرية». وفي وقت سابق، مساء الخميس، قال المخرج المصري، خالد يوسف، عبر حسابه على «فيسبوك»، إنه وبناءً على طلب من القائمين على القافلة وقبل انطلاقها، تواصل مع الجهات المعنية في مصر، وبعد دراسة الموقف، أكدت تلك الجهات «رفضها استقبال القافلة»، موضحاً أنه «أبلغ هذا الرفض للقائمين على القافلة قبل انطلاقها، ولا يعلم سبب إصرارهم على تسييرها، رغم علمهم المسبق بعدم سماح مصر بدخولها لأراضيها». وسبق أن استقبلت مدينة مصراتة، الخميس، «قافلة الصمود»، ونظمت البلدية احتفالات شعبية على مدخل المدينة احتفاءً بها، بعدما مرت بمدن ليبية خلال اليومين الماضيين، حظيت خلالها بحفاوة بالغة من المواطنين والجهات الرسمية.


الشرق السعودية
منذ 5 ساعات
- الشرق السعودية
ما سر الهجوم على "مثلث الحدود" السوداني المصري الليبي؟
فجأة ودون سابق إنذار، تحولت الأنظار فجأة في السودان من جبهات المعارك في سهول كردفان ودارفور إلى أعلى نقطة في الشمال الغربي للبلاد، على الحدود مع ليبيا ومصر، وليس بعيداً أيضاً من حدود السودان مع تشاد، وذلك بعد إعلان قوات الدعم السريع السيطرة على منطقة المثلث الحدودية بين السودان وليبيا ومصر، عقب معارك هناك. وأضاف الدعم السريع، أنه كبد الجيش السوداني خسائر فادحة، في الأرواح والعتاد واستولى على عشرات المركبات، معتبراً أن انفتاح القوات على محور الصحراء الشمالي يُعد "تحوّلاً استراتيجياً في تأمين الحدود وحماية البلاد". وفي المقابل، قال الجيش السوداني إنه قام بإخلاء المنطقة، متهماً ما وصفهما بـ"الميليشيا الإرهابية" في إشارة لقوات الدعم السريع، و"قوات حفتر" في إشارة للجيش الوطني الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر، بالهجوم على محيط هذه المنطقة. وتمثل هذه المنطقة بعداً استراتيجياً للأطراف المتقاتلة في السودان، إذ تشكل ممراً حيوياً بين السودان وليبيا. حرب وقود بدت حرب السودان، في الأشهر الأخيرة، مثل رقعة شطرنج، يتبادل طرفاها تحريك القطع، واستخدام عوامل المفاجأة، وتنويع الأسلحة. وبعد أن تمكن الجيش من السيطرة على ولايات الوسط، الخرطوم والجزيرة وسنّار، وجّه قواته إلى كردفان، بغية طرد الدعم السريع من هذا الإقليم، وتأمين عاصمته، مدينة الأبيض الاستراتيجية، ومن ثم الاندفاع غرباُ، باتجاه شمال دارفور، لفك الحصار عن مدينة الفاشر. في المقابل لجأت قوات الدعم السريع لعمليات التفاف ومباغتة تمكنت من خلالها من السيطرة على مواقع مهمة في كردفان، كما أنها متهمة باستهداف منشآت نفطية، يبدو الغرض منها، بحسب محللين، حرمان الجيش من إمدادات الوقود باتجاه القوات في كردفان ودارفور. ويرى مراقبون، أنه لا يبدو أن عملية "المثلث الحدودي" بعيدة عن هذا أيضاً، إضافة إلى أهداف أخرى لهذه القوات. مثلث الذهب وتقع منطقة المثلث الحدودي عند جبل العوينات على ارتفاع نحو ألفي متر فوق سطح البحر، وسط أمواج من رمال الصحراء الكبرى، في بيئة قاسية وجافة جداً، مغطياً مساحة تزيد على 1500 كيلومتر. وعلى مدى عقود، عُرفت تلك المنطقة كمنفذ للتجارة الحدودية، وتهريب البشر، والأسلحة، والبضائع. وعلى صخور الجبل، نقوش ورسوم تعود إلى حقب سحيقة في التاريخ، ما يعني أن المنطقة كانت مأهولة وخصبة، قبل أن تتحول إلى صحراء جرداء. وقال المحلل السياسي عبد المنعم أبو إدريس لـ"الشرق"، إن "المنطقة التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع، تقع في بقعة صحراوية قاحلة، وغير مأهولة بالسكان، ما عدا نحو 5 إلى 6 آلاف، غالبهم من الذين يعملون في مجال التعدين والتجارة". وأشار إلى أن "المنطقة تحوي معادن ثمينة، وبها سوقان لتجارة الذهب المستخرج من باطن الأرض"، مضيفاً أن "التقديرات تشير إلى أن الدعم السريع دفع بنحو 5 آلاف مقاتل إلى هذه المنطقة، معتقداً أن هذه القوات حظيت بإسناد كتيبة (سُبل السلام) المتحالفة مع قائد الجيش الليبي الوطني خليفة حفتر". وذكر أن "المثلث الحدودي تمر عبره الكثير من البضائع والوقود الذي كانت قوات الجيش والقوة المشتركة المتحالفة معه تستفيد منها"، لافتاً إلى أن "الدعم السريع سيتمكن من تأمين تدفقات الوقود المهرب والأسلحة". ويرى أبو إدريس، أن "مصر ربما تخشى من تمدد الاضطرابات إلى صحرائها الغربية، بما يسمح بتدفقات المهاجرين غير الشرعيين والجماعات الإرهابية وتهريب الأسلحة والمخدرات، ما يبقي عينها الأمنية مفتوحة على هذه التطورات في حدودها الجنوبية الغربية". ماذا حدث؟ ووسط تباين في الروايات بشأن ما جرى في "المثلث"، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة السلام الدولية الأكاديمي الليبي أحمد المهداوي لـ"الشرق"، إن "دورية تابعة لقوات حرس الحدود الليبية تعرّضت قبل أيام لاعتداء من مسلحين سودانيين داخل الأراضي الليبية"، مشيراً إلى أن "رواية الجيش السوداني بشأن مشاركة ليبية في الهجوم على الحدود غير صحيحة". ولفت إلى أن بلاده "تنأى بنفسها تماماً عن الصراع السوداني، محاولة فقط تأمين حدودها من عمليات تهريب البشر والأسلحة والجريمة المنظمة علاوة على تدفق الجماعات الإرهابية". وقال المهداوي إن "القوات الليبية تعاملت قبل وقت وجيز مع قوة معادية أتت من تشاد، إلا أن الجيش السوداني درج بعد كل هزيمة على تحميل دول الجوار المسؤولية". لكن المتحدث باسم القوة المشتركة في السودان أحمد حسين ذكر لـ"الشرق"، أن "الكتيبة السلفية" أو ما يعرف بـ"كتيبة سبل السلام" التابعة لقائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر "هاجمت قواتنا داخل الأراضي السودانية في بوابة جبل كسي في العوينات". واتهم حسين هذه الكتيبة الليبية بـ"المشاركة إلى جانب الدعم السريع في هجمات على الفاشر خلال أوقات سابقة". من ناحيته، رأى المدير السابق لمركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش السوداني اللواء متقاعد أسامة محمد أحمد في حديث لـ "الشرق"، أن "الرواية الليبية بشأن تعرض دورية لحرس الحدود لاعتداء سوداني غير صحيحة"، لافتاً إلى أنه "من غير المنطقي أن تكون للجيش السوداني مصلحة في إخلاء المنطقة". وذكر أن "تحييد مطار نيالا في جنوب دارفور، وتعثر مرور الأسلحة إلى الدعم السريع من مطارات تشاد، بعد تغيير ملاحظ في موقف القيادة في نجامينا، أدى للتركيز في إمداد الأسلحة لقوات الدعم السريع، عبر مطار الكفرة، جنوبي ليبيا، وبذا نشطت هذه الجبهة". "تأمين الظهر وترتيب الصفوف" من ناحيته، نفى عضو المجلس الاستشاري لقوات الدعم السريع عمران عبد الله، في تصريحات لـ"الشرق" صحة هذا التحليل، مضيفاً أن "أي حديث عن إمداد لقوات الدعم السريع عبر ليبيا غير صحيح البتة". وأشار إلى أن "قوات الدعم السريع بعد سيطرتها على مثلث الحدود، ستمنع تدفق السلاح العشوائي وتضطلع بأدوار سابقة كانت تؤديها في الحيلولة دون الهجرة غير الشرعية وعمليات الاتجار بالبشر والإرهابيين". ويرى عبد الله أن "الخطوة تعني عملياً أن الجيش وحلفاءه لن يتمكنوا مرة أخرى من شن هجمات في دارفور، فيما الدعم السريع أمنّت ظهرها، وترتب صفوفها حالياً، بعد فشل محاولات وقف الحرب، لتبدأ التحرك باتجاه مدينة الأبيض في شمال كردفان، وكذا الولاية الشمالية". انقسام ليبي ورافق التطورات في الحدود السودانية المصرية الليبية، انقسام في الآراء في الداخل الليبي، حيث رفض الجيش الوطني الليبي، اتهامات القوات المسلحة السودانية له بالتدخّل في مناطق حدودية. واعتبر الجيش الليبي، أن "ما تروج له الخرطوم بشأن الاستيلاء على أراضٍ سودانية، أو الانحياز لأحد أطراف النزاع، يهدف إلى تصدير الأزمة الداخلية السودانية، وخلق عدو خارجي افتراضي". ولفت البيان إلى أن "حماية الحدود الليبية وسيادة أراضيها واجب مقدس وعقيدة راسخة لدى القوات المسلحة"، مشدداً على أن "الحفاظ على الأمن القومي الليبي هو حق وواجب لا حياد عنه تجاه المواطنين والوطن". في المقابل، قالت وزارة الخارجية في حكومة "الوحدة الوطنية" التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، إن المجموعة المسلحة المشتبه في تورطها في العمليات العسكرية على الحدود مع السودان "لا تتبع لسلطة وزارة الدفاع الليبية"، معبرة عن "استنكارها الشديد ورفضها التام الزج بأبناء الوطن في أعمال من شأنها زعزعة أمن واستقرار حدود الدول الشقيقة، أو الانخراط في النزاع الدائر في السودان". وحمّلت الوزارة "المسؤولية القانونية والجنائية لكل من يثبت تورطهم من أفراد وجماعات في هذه العمليات"، مؤكدة على "موقف حكومة الوحدة الوطنية الثابت والداعم لأمن السودان واستقراره، ووحدة أراضيه، والداعي إلى وقف الحرب وإنهاء الاقتتال، وصولاً إلى حل سلمي يحقن الدماء، ويعيد الأمن والاستقرار للشعب السوداني الشقيق". وفي وقت سابق، وجهت أطراف ليبية اتهامات للقوة المشتركة السودانية، التي تضم مقاتلين يتبعون حركات مسلحة من بينها حركتان يقودهما حاكم دارفور ووزير المالية السابق السودانيين، بالتوغل داخل الأراضي الليبية. إمداد لـ "الدعم السريع" ورأى اللواء متقاعد أمين إسماعيل في حديث لـ"الشرق"، أن "في هذه التطورات، ما يشي بسيطرة الدعم السريع فعلياً على الحدود بين السودان ومصر وتشاد علاوة على ليبيا". واعتبر أن "انسحاب القوات المشتركة السودانية-الليبية، من المثلث الحدودي، يعني أن النقاط الحدودية التي كانت تقدم إنذاراً مبكراً باتت بلا أهمية". وأضاف أن "سيطرة الدعم السريع ستغيّر حتماً في معادلات خطوط الإمداد، وغالباً ما تلجأ هذه القوات، تبعاً له، لتأمين هذه الخطوط، عبر ليبيا، بعد تغيير تشاد موقفها، وامتناعها عن تقديم الدعم لقوات الدعم السريع". وبشأن الأهمية الاستراتيجية لهذا المثلث، أشار إسماعيل إلى أن "المنطقة تجارية بامتياز، تمر عبرها المواشي والمحاصيل الزراعية السودانية إلى الجوار الإقليمي، علاوة على أن الجيش اضطر لسحب قواته لتأمين الولاية الشمالية، وخاصة مدينة الدبة، وبالتالي فإن هذه الولاية ستشهد تحشيداً عسكرياً من قبل الجيش". وأردف: "قوات الدعم السريع ستحاول الوصول إليها، لفتح جبهة جديدة هناك، ومنع الجيش من التحرك منها لفك الحصار عن الفاشر بشمال دارفور". وأوضح إسماعيل أن مصر لن تتدخل عسكرياً، وستفضل الوسائل السياسية، والتفاوض والقوة الناعمة لتأمين حدودها، ومصالحها مع السودان. وفي ذات الاتجاه ذهب المحلل السياسي السوداني أيوب نهار، مشيراً في حديثه لـ"الشرق"، إلى أن القاهرة سترد على التطورات "بشكل عقلاني"، ولن تميل إلى التصعيد في منطقة وصفها بـ"الملتهبة". وقال نهار، إن "الجيش والقوة المشتركة كانا يستخدمان منطقة المثلث الحدودي في جلب الوقود إلى القوات بمنطقة الدبة في شمال البلاد، والطينة ووادي هور في شمال دارفور"، مشيراً إلى أن "الأمر سيصعب جداً، في ظل خطوط إمداد بعيدة جداً من بورتسودان في الشرق، إلى القوات غرباً". ولفت إلى أن "الأمر غالباً ما يرتبط أيضاً بهجمات شنت على منشآت ومستودعات نفطية في بورتسودان والولايات الشمالية وولاية النيل الأبيض، رغم إنكار الدعم السريع لضلوعه فيها". وأضاف أن "السيطرة على المثلث، علاوة على حرمان الجيش من الوقود المهرّب، ستسمح للدعم السريع بتأمين ظهرها إن نوت التوجه إلى الشمالية، فيما بات فك الحصار عن مدينة الفاشر في شمال دارفور، شبه مستحيل، بعد هذه المستجدات العسكرية"، مقرونة بـ"تشتيت الدعم السريع لمتحرك الصياد التابع للجيش في كردفان" الذي عطل خطة فك الحصار عن أكبر مدن دارفور. وذهبت الكاتبة المصرية المتخصصة في الشؤون الإفريقية أسماء الحسيني، بوصف التطورات الأخيرة على حدود بلادها مع السودان وليبيا بأنها "جرس إنذار خطير جداً"، و"مؤشر على تفاقم الأوضاع، ودليل أن حرب السودان تتمدد إلى دول الجوار". وأضافت الحسيني لـ"الشرق"، أن "التطورات بين السودان وكل من جنوب السودان وتشاد وكينيا ودول أخرى في الفترة الماضية، كلها خطيرة جداً"، مشيرة إلى أن "القاهرة تشعر، بدون شك، بقلق كبير لأن الحدود مع السودان وليبيا جزء من أمنها القومي، والأكيد أنها تأخذ الاحتياطات كافة لتأمين حدودها الجنوبية والغربية". وقالت إن "استمرار الأزمة في السودان سيكون له تداعيات كارثية تلحق ضرراً بالأمن القومي المصري وكل جوار السودان والمحيطين العربي والإفريقي". ورأت أن "الحرب السودانية تجذب حالياً المزيد من التدخلات الخارجية والتعقيدات ما يفتح أبواب جهنم على كل دول الجوار، وبما يلزم لتحول الحرب إلى حرب إقليمية، وربما دولية بالوكالة على الأراضي السودانية"، لافتةً إلى "سعي مصر لوقف الحرب، ومحاصرة تداعياتها السلبية على أمنها القومي".


مباشر
منذ 5 ساعات
- مباشر
الحكومة المصرية تُكثف استعداداتها لتأمين الوقود في فصل الصيف
القاهرة - مباشر: ترأس مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، اجتماعاً موسعاً مساء اليوم لمتابعة خطة تأمين احتياجات البلاد من المواد البترولية والغاز الطبيعي، خصوصاً لقطاع الكهرباء الذي يشهد ارتفاعاً في معدلات الاستهلاك مع بداية فصل الصيف، وذلك في ضوء التطورات الإقليمية الأخيرة بعد الضربات العسكرية الإسرائيلية التي استهدفت مواقع داخل الأراضي الإيرانية. حضر الاجتماع كل من محافظ البنك المركزي، ووزير الكهرباء والطاقة المتجددة، ووزير البترول والثروة المعدنية، حيث تم استعراض إجراءات الحكومة لتأمين إمدادات الوقود والغاز، وضمان استقرار الشبكة القومية للطاقة. وأكد رئيس الوزراء أن هناك خطة واضحة تعتمد على تشغيل ثلاث سفن لإعادة التغييز بطاقة استيعابية تصل إلى 2250 مليون قدم مكعب يومياً، ارتفاعاً من 1000 مليون قدم مكعب العام الماضي، مشيراً إلى الاستعداد أيضاً لإضافة سفينة رابعة كاحتياطي استراتيجي. ووجّه رئيس الوزراء بسرعة الانتهاء من تجهيز السفن وبدء تشغيلها، مؤكداً على وجود تعاقدات لتوريد شحنات غاز، إلى جانب الاحتفاظ بمخزون كافٍ من المازوت والمواد البترولية الأخرى. من جانبه، أوضح وزير الكهرباء أن هناك تنسيقاً يومياً مع وزارة البترول لضمان تزويد محطات الكهرباء بالوقود اللازم، مشيراً إلى أنه شارك اليوم في جولة تفقدية بمركز التحكم القومي للغاز الطبيعي بشركة جاسكو لمتابعة جاهزية الشبكة لتلبية الطلب خلال الصيف. وأشار الوزير إلى توجيهات برفع درجة الاستعداد في شركات توزيع الكهرباء ومراكز التحكم لمراقبة استقرار الشبكة على مدار الساعة، مع التأكيد على الجاهزية الكاملة لمواجهة أي طارئ قد يطرأ على منظومة التغذية الكهربائية. كما قدّم وزير البترول عرضاً مفصلاً حول الموقف الحالي لإنتاج الغاز والوقود، مشيراً إلى زيارته لموقع سفينة التغييز الثالثة بميناء العين السخنة، التي تُعد إضافة استراتيجية لمنظومة إعادة تغييز الغاز المسال في مصر. وأكد الوزير استمرار العمل على تأمين الإمدادات وتعزيز مرونة منظومة الإمداد في ظل التحديات الراهنة، لافتاً إلى أن التنسيق المشترك مع وزارة الكهرباء هو مفتاح الحفاظ على استقرار الطاقة خلال المرحلة المقبلة. حمل تطبيق معلومات مباشر الآن ليصلك كل جديد من خلال آبل ستور أو جوجل بلاي للتداول والاستثمار في البورصة المصرية اضغط هنا تابعوا آخر أخبار البورصة والاقتصاد عبر قناتنا على تليجرام لمتابعة قناتنا الرسمية على يوتيوب اضغط هنا لمتابعة آخر أخبار البنوك السعودية.. تابع مباشر بنوك السعودية.. اضغط هنا