
"السفينة حنظلة".. من سفينة صيد إلى رمز تضامني لكسر الحصار على غزة
وأسطول الحرية هو تحالف دولي تأسس عام 2010 في سياق الجهود المبذولة من المنظمات الدولية لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ 2007.
وشاركت السفينة في مبادرات تضامنية واسعة حول دول العالم بين عامي 2023 و2024، أبرزها في 13 يوليو/تموز 2025 حين انطلقت إيطاليا في رحلة شعارها "من أجل أطفال غزة".
الخلفية التاريخية
تنتمي السفينة "حنظلة" إلى أسطول الحرية الذي وُلدت فكرة تأسيسه على يد متطوعين أتراك أسسوا هيئة الإغاثة الإنسانية التركية عام 1992 بهدف إغاثة ضحايا حرب البوسنة والهرسك ، ثم توسع عملها ليبلغ الشرق الأوسط و أفريقيا.
ودعت الهيئة التركية للإغاثة عام 2010 إلى تنظيم مبادرة "أسطول الحرية" وتشكيل ائتلاف مكون من 6 هيئات دولية غير حكومية، منها حركة غزة الحرة والحملة الأوروبية لإنهاء الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة.
ونظم الأسطول منذ تأسيسه 6 مبادرات وحملات تضامنية، أبرزها مشاركة السفينة مافي مرمرة عام 2010، لكن الجيش الإسرائيلي اعترضها، مما خلّف 10 قتلى وجرح العشرات من المتضامنين.
وفي 2018 استولت إسرائيل على سفينتي "الحرية" و"العودة" التابعتين للأسطول في المياه الدولية، ولذلك احتاج التحالف إلى سفينة بديلة لمواصلة المهام والرحلات الإنسانية.
وسعيا من الأسطول للبحث عن سفينة بديلة، عثرت "السفينة إلى غزة-النرويج" -جهة عضو في التحالف- على سفينة "نافارن" المشابهة لسفينة "العودة" فاشترتها وجهزتها للمهمات الإنسانية والتضامنية التي نظمها أسطول التحالف عام 2023، وأطلقت عليها فيما بعد اسم "حنظلة".
ورغم ذلك، لم تنجح أية سفينة منذ عام 2010 إلى غاية 2024 في إيصال المساعدات إلى الفلسطينيين.
رمزية التسمية
اختار تحالف أسطول الحرية أن يطلق على السفينة اسم "حنظلة"، وهو اسم أشهر شخصية كاريكاتيرية ابتكرها الرسام الفلسطيني الراحل ناجي العلي ، وقد ظهرت الصورة لأول مرة عام 1969.
ومثّلت صورة حنظلة طفلا فلسطينيا لاجئا في العاشرة من عمره، حافي القدمين ومزينا بالخدوش، أدار ظهره للعالم وكتّف يديه خلفه تعبيرا عن رفضه لما يحدث من ظلم.
فأصبح منذ ذلك الحين توقيعا للرسام ورمزا للهوية والمقاومة الفلسطينيتين، وتعبيرا عن شوق كل اللاجئين والمهاجرين إلى العودة لديارهم.
وقد سميت السفينة أثناء حفل التدشين الذي أقيم بمدينة بيرغن جنوب غربي النرويج في أبريل/نيسان 2023.
أبرز المحطات
باشرت السفينة "حنظلة" رحلاتها البحرية شمالي أوروبا عام 2023، بهدف حشد دعم شعبي أكبر والتركيز إعلاميا على جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، وعامها توقفت السفينة عند 12 ميناء لبلدان عدة منها النرويج والسويد والدانمارك وألمانيا وهولندا.
وفي أغسطس/آب 2024، أكملت السفينة جولتها البحرية الأوروبية الثانية بشكل موسع ضمن أسطول الحرية، الذي جاب كلا من السويد ومالطا مرورا بإيرلندا وفرنسا وإيطاليا، كما زارت جزيرة كورسيكا ، حيث رست في ميناء عاصمتها أجاكسيو.
كما نظّم المسؤولون عن المبادرة مسيرة رمزية شارك فيها ناشطون من جنوب أوروبا، واختتمت الرحلة بجولة من مالطا إلى مدينة ميسينا الإيطالية في صقلية لإجراء أعمال صيانة وإعادة تجهيزها لرحلات قادمة.
وفي تلك الفترة خرقت إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار واستأنفت هجماتها على غزة في 18 مارس/آذار 2025 وشددت الحصار، فبدأ التحالف بتجهيز "حملة حنظلة"، لإغاثة المجوّعين في القطاع.
وفي تلك الفترة قتل ما لا يقل عن 6572 فلسطينيا وجُرح أكثر من 23 ألفا، من بينهم 700 قتلوا رميا بالرصاص أثناء انتظارهم في نقاط توزيع المساعدات التي تسيطر عليها " مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.
واعتبر أسطول الحرية أماكن المساعدات "فخا مميتا" متخفّ في صورة برنامج مساعدات، و"هيكلا من السيطرة والقسوة" لخدمة الإبادة الجماعية الإسرائيلية.
الإبحار نحو غزة
أبحرت السفينة "حنظلة" من ميناء مدينة سيراكوزي الإيطالية الواقعة على الساحل الجنوبي الشرقي لجزيرة صقلية في 13 يوليو/تموز 2025 متجهة نحو غزة لرفع الحصار الإسرائيلي.
وحملت السفينة رسالة سلام وتضامن من نشطاء ومدافعين دوليين عن حقوق الإنسان ، بهدف "إسقاط جدار الصمت الدولي وإيقاظ وعي الحكومات الغربية"، للالتفات إلى ما يحدث في قطاع غزة من تجويع وقصف ودفن تحت الأنقاض.
ووفقا لما جاء في بيان نشره تحالف أسطول الحرية، فإن هذه الرحلة تأتي في سياق الجهود المتواصلة سعيا لتسليط الضوء على اختراقات إسرائيل ل لقانون الدولي الإنساني ، وما يقع في غزة من جرائم.
وأشار إلى أن السفينة انطلقت حاملة روح حنظلة وأرواح ملايين الأطفال الذين حرموا من أبسط مقومات العيش، ورافعة لشعار "من أجل أطفال غزة".
كما أعلن التحالف أن السفينة تحمل مساعدات إنسانية منقذة لحياة المئات من الفلسطينيين، وتشمل الأدوية والمستلزمات الطبية والمواد الغذائية الأساسية.
وشارك في هذه الرحلة مسعفون ومتطوعون ومحامون ونشطاء مجتمعيون وصحفيون.
وجاءت هذه المبادرة بعد أسابيع فقط من هجوم واستيلاء إسرائيل غير القانوني على سفينة مادلين الـ36 التابعة لأسطول الحرية في المياه الدولية، وكانت تحمل شحنة من المساعدات تمثلت في المواد الغذائية والأساسية.
وكان على متن السفينة 12 ناشطا من جنسيات متعددة حول العالم، ومن ضمنهم غريتا ثونبرغ وعضو البرلمان الأوروبي ريما حسن ومراسل الجزيرة عمر فياض والناشط الإسباني سيرجيو توريبيو.
واحتجزت قوات الكوماندوز الإسرائيلية الناشطين أكثر من 48 ساعة واستجوبتهم، كما صادرت الحمولة الموجودة على متن السفينة.
ردود الفعل
وطالبت منظمة الأمم المتحدة في الثاني من يونيو/حزيران 2025 إسرائيل باحترام القانون الدولي ، ومنعتها من اعتراض السفن الناقلة للمساعدات الإنسانية الطارئة إلى غزة، وتوفير ممرات آمنة لضمان وصولها دون عوائق.
وقال خبراء ومقررون خاصون لدى المنظمة إن شعب غزة في أمس الحاجة إلى هذه المساعدات لمنع ووقف الإبادة.
وأقر تحالف الأسطول بأن مثل هذه المبادرات لفك الحصار عن القطاع، محفوفة بالمخاطر والتهديدات، لكنه اعتبر إفلات إسرائيل من العقاب ومواصلتها في تجويع وقتل المدنيين في غزة أكبر منها.
مضيفا أن الشعب الفلسطيني يواجه يوميا العنف والتشريد والقصف والجوع والموت، وهذا لا يقارن بالمخاطر التي تواجه أسطول تحالف الحرية.
كما أكد التحالف على أن مقاومته سلمية وأن التهديدات التي تتعرض لها السفن لا تقارن بما يمر به الفلسطينيون، وأن لا خيار لديهم سوى المقاومة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
لماذا تفشل إيران في تفكيك شبكات الموساد؟
في شهر يونيو/حزيران 2025، استفاقت طهران على صدمة اغتيال صفوة قادتها العسكريين، بمَن فيهم رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة اللواء محمد باقري، وقائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي ، فضلا عن مقتل قائد القوات الجو فضائية بالحرس الثوري اللواء أمير حاجي زاده رفقة هيئة أركانه، وذلك في الساعات الأولى للهجوم الإسرائيلي. وأعقب تلك الهجمات ببضعة أيام تصفية قائد استخبارات الحرس الثوري العميد محمد كاظمي وعدد من مساعديه. بمرور الوقت تتكشف تفاصيل إضافية لما حدث خلال الحرب، حيث كشفت وكالة أنباء "فارس" الرسمية، في 13 يوليو/تموز الجاري، عن أن إسرائيل استهدفت في اليوم الرابع للحرب اجتماعا رفيع المستوى للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، حضره رؤساء السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، حيث هوجمت مداخل ومخارج قاعة الاجتماع في الطابق السفلي لمبنى محصن غرب طهران بقنابل ثقيلة بهدف شل حركة الخروج وقطع تدفق الهواء، على غرار ما رشح من معلومات في عملية اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله. تمكّن المجتمعون من النجاة عبر فتحة طوارئ، لكنّ عددا منهم، وبينهم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أُصيبوا بجروح طفيفة. وتُجري السلطات تحقيقا في احتمال وجود اختراق بشري مباشر مَكّن تل أبيب من معرفة توقيت الاجتماع وموقعه. عكَسَ هذا التطور لحظة انكشاف إضافية لأعلى مستوى في منظومة القرار السيادي الإيراني. فلم تكن الضربات مجرد تصعيد عسكري في الحرب التي اندلعت فجأة، بل كانت إعلانا فجًّا عن نصر استخباراتي إسرائيلي بُنِي على مدى عقدين من التغلغل والاختراق، وأصبح السؤال الرئيسي عن حجم الشبكات الاستخبارية التي مَكّنت إسرائيل من تنفيذ تلك العمليات النوعية في قلب طهران. الملمح الأساسي في تلك الضربات هو طبيعة أهدافها ودقة تنفيذها وتنوّع أدواتها، فبعضها تم بطائرات مسيّرة، والبعض الآخر بعبوات ناسفة داخل مركبات، وبعضها بفرق اغتيال فضلا عن القصف الجوي. هذا التنوع في أساليب التنفيذ كشف وجود طبقات متعددة من العملاء داخل المؤسسات الإيرانية ذاتها، وجعل من الصعب التنبؤ بنمط الضربات أو منع تكرارها. وتشير المعطيات الميدانية إلى أن الموساد لم يعتمد فقط على التكنولوجيا، بل على شبكات بشرية مزروعة في محيط القيادات، وفي دوائر لوجستية سهّلت مراقبة التحركات وتوفير معلومات حساسة عن الاجتماعات والمواكب والسيارات المستخدمة وحتى المنازل ومقرات القيادة الآمنة والبديلة. التراكم الاستخباراتي الإسرائيلي ما جرى في يونيو/حزيران 2025 لم يكن سوى تتويج لمسار طويل من حرب الظل. فمنذ أكثر من عقد، كثّف جهاز الموساد من أنشطته داخل إيران، مستهدِفا العلماء النوويين، ومنشآت التخصيب، وكوادر في الحرس الثوري. ونفّذ عمليات اغتيال لعلماء نوويين مثل مسعود محمدي وداريوش رضائي ومصطفى روشن مطلع العقد الماضي، ثم سرق نصف طن من وثائق الأرشيف النووي عام 2018، واغتال العالِم البارز محسن فخري زاده في 2020، ثم اغتال العقيد في فيلق القدس حسن صياد خدائي برصاص مسلحين قرب منزله في طهران عام 2022 بذريعة إشرافه على محاولات تنفيذ عمليات اختطاف واغتيالات لإسرائيليين في قبرص ودول أخرى، وأخيرا اغتيال قائد حركة حماس إسماعيل هنية في غرفته بمجمع تابع للحرس الثوري في طهران عام 2024. أشارت تلك الهجمات إلى مراكمة ممنهجة لقدرة إسرائيل على ضرب إيران من الداخل، وأن الموساد نقل الصراع من ميدان المواجهة العسكرية إلى شوارع طهران، وهو ما كان من المفترض أن يدفع إلى عملية مراجعة عميقة وإعادة هيكلة لأجهزة الأمن الإيرانية لتحديد الخروقات وعلاجها. وفي هذا السياق، يُذكّرنا جيمس أولسون، الرئيس السابق لقسم مكافحة التجسس في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ، بطبيعة هذا النوع من الصراعات الاستخبارية، حيث شدّد في كتابه "كيف تقبض على جاسوس؟" على أن أفضل أساليب مكافحة التجسس هي اختراق أجهزة الاستخبارات المُعادية، وتجنيد الضباط المسؤولين عن شبكات الاختراق، وهي مقاربة تؤكد أن الردع الاستخباري لا يُبنى على الدفاع وحده، بل على المبادرة الهجومية. تعدد الأجهزة وتشظي القرار الأمني تُعاني إيران من مأزق يتجلى في تعدد مؤسساتها الأمنية وتضارب صلاحياتها. فبدلا من وجود جهاز استخبارات مركزي موحد، تتوزع المهام بين وزارة الاستخبارات (إطلاعات) واستخبارات الحرس الثوري، إضافة إلى أجهزة استخبارات تابعة للشرطة، والقضاء، والباسيج، والجيش. ورغم أن وزارة الاستخبارات أُنشئت عام 1984 بهدف دمج الأجهزة الأمنية المتناحرة بعد الثورة، فضلا عن تخويلها "بالحصول على معلومات الاستخبارات الأجنبية ومعالجتها، وإجراء عمليات مكافحة التجسس لمنع المؤامرات الداخلية والخارجية ضد الثورة الإسلامية والجمهورية الإسلامية الإيرانية"، حسب ما ورد في قانون تأسيس الوزارة، فإنها فشلت في احتواء هذا التشظي. ومع صعود الحرس الثوري في العقدين الأخيرين، تحولت وزارة الاستخبارات التي يشترط قانون تأسيسها أن يكون الوزير شخصا حاصلا على درجة الاجتهاد الديني وفق المذهب الشيعي، إلى جهة بيروقراطية تخضع لإشراف السلطة التنفيذية، وتتقاسم النفوذ مع جهاز استخبارات الحرس الذي تأسس بعد احتجاجات 2009. وبينما يُفترض أن تتكامل المؤسستان، فإن العلاقة بينهما ظلت على الدوام مشوبة بالتنافس. لقد علَّق قائد الحرس الثوري السابق وأمين مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي على حادث التخريب في مفاعل نطنز واغتيال العالم النووي فخري زاده بالدعوة إلى تطهير مجتمع الاستخبارات، فيما ألقى وزير الاستخبارات السابق محمود علوي (2013-2021) باللوم على الحرس الثوري في اغتيال زاده لمسؤوليته عن أمن كبار المسؤولين والشخصيات البارزة، كما اتهم استخبارات الحرس الثوري بتعرضها للاختراق من طرف الموساد. فيما ألقى علي يونسي، وزير الاستخبارات الأسبق (1999-2005) في عهد خاتمي، باللوم في إخفاقات مكافحة التجسس على إنشاء منظمات موازية، والتنافس بين الأجهزة الأمنية، وتسييس الأمن عبر التركيز المفرط على المعارضين بدلا من حماية البلاد من التهديدات الخارجية. هذا التشظي الهيكلي حال دون بناء منظومة استخبارات مضادة متماسكة، وجعل الأمن الإيراني مشلولا، حيث تسعى كل جهة إلى توسيع نفوذها، حتى لو أدى ذلك إلى فوضى في توزيع المسؤوليات، وإلى ثغرات يستغلها الموساد بنجاح، مما سمح له بالتحرك في الفراغات الناتجة عن صراع النفوذ بين المؤسستين بحسب تحليلات عدد من المختصين الإيرانيين ولذا لم يكن غريبا أن تتكرّر عمليات تسلل العملاء أو أن يتنقل عناصر يُشتبه بتخابرهم بين المؤسسات دون كشفهم. أبرز مثال على ذلك هو علي رضا أكبري، نائب وزير الدفاع الذي أُعدم لاحقا عام 2023 بتهمة التجسس، بعدما شغل مناصب رفيعة رغم وجود إشارات أمنية تحذيرية، مما كشف أن مَن يجاهرون بولائهم الكامل للنظام أصبحوا هم الحلقة الأضعف أمنيا، كونهم أقل خضوعا للرقابة، وأقرب إلى مواقع النفوذ. إشكالية الاستمرارية الطويلة في القيادة الاستخباراتية: حالة حسين طائب يُظهر بقاء حسين طائب على رأس جهاز استخبارات الحرس الثوري منذ تأسيسه في عام 2009 حتى عام 2022 نموذجا لمشكلة أعمق في بنية القيادة الأمنية الإيرانية، وهي غياب التداول المؤسسي في المواقع الحساسة كما فعلى مدار أكثر من عقد، ارتبطت السياسات الاستخباراتية لطائب بمرحلة حساسة من التحديات الخارجية، لا سيما مع تصاعد أنشطة الموساد داخل إيران. ورغم أن الاستمرارية قد توفّر أحيانا نوعا من الثبات والاستقرار، فإن بقاء القادة في مواقعهم لفترات مطوّلة دون تجديد في المناهج يفتح الباب أمام تكرار الأنماط، ويُقلل من قدرة الجهاز الأمني على التكيف مع طبيعة التهديدات المتغيرة. كما أن طول بقاء المسؤول في منصبه يُنتج بالضرورة شبكات نفوذ داخل الجهاز نفسه، ما قد يُضعف الرقابة الداخلية والتقييم المهني لمجريات الأمور. هذا النمط من الجمود القيادي لا يُسهّل الاختراقات الخارجية فقط، بل يعوق أيضا التطوير التكنولوجي وتحديث العقيدة الأمنية، خاصة في مواجهة خصم يُراكم أدواته ويُجدد آلياته باستمرار كما هو حال الموساد. الرد الأمني الإيراني ردًّا على التصعيد الإسرائيلي داخل العمق الإيراني، أطلقت الأجهزة الأمنية حملة موسعة لتأمين الجبهة الداخلية بطريقة أقرب إلى إعلان الطوارئ الأمنية الشاملة. فنُشرت آلاف العناصر الأمنية في شوارع طهران والمدن الكبرى، وأُقيمت نقاط تفتيش دائمة في مداخل الأحياء والطرقات الرئيسية، وصودرت الأجهزة المحمولة من المواطنين بحثا عن إشارات اتصال مشبوهة أو محتوى سياسي، وأُعلن عن تفكيك شبكات متعاونة مع الموساد، وملاحقة الأنشطة الرقمية التي قد تُستغل لاختراق المنظومات الدفاعية، كما أُعدم 5 أشخاص على الأقل سبق إدانتهم بالتعاون مع الموساد. وضمن هذا السياق، أعلنت وزارة الاستخبارات واستخبارات الحرس الثوري ضبط نحو 10 آلاف طائرة مسيرة صغيرة في طهران وحدها، وضبط ورشة في أصفهان لتصنيع الطائرات بدون طيار والمتفجرات، واعتقال 18 شخصا إثر ضبط مصنع للطائرات المسيرة الهجومية والتجسسية في مدينة مشهد، وضبط ورشة سرية كبيرة في مدينة "ري" لتصنيع طائرات مسيرة صغيرة وقنابل موقوتة، واعتقال عملاء أطلقوا مسيرات صغيرة من الجبال الشمالية الغربية المُطلة على طهران، واعتقال 50 شخصا في سيستان وبلوشستان بتهم التجسس والإرهاب. وقد وثّق تقرير لموقع "هرانا" الحقوقي اعتقال أكثر من 1500 شخص خلال أسبوعين، بينهم مئات اتُّهموا بالإخلال بالأمن القومي أو دعم إسرائيل عبر منصات التواصل، وتنوّعت التهم بين "نشر محتوى مضلل"، و"إعادة نشر صور للهجمات"، و"التجسس"، و"توجيه طائرات مسيرة". كما شملت الحملة اعتقالات في أوساط المواطنين الإيرانيين اليهود والبهائيين، بدعوى التواصل مع جهات أجنبية، إضافة إلى مداهمات ومصادرة هواتف مهاجرين أفغان بزعم احتمال استغلالهم في جمع المعلومات. وقد أفادت وزارة الداخلية الإيرانية بعودة 772 ألف أفغاني إلى بلادهم خلال العام الجاري، وهو ما تصاعد إثر حملات ترحيل قسرية بحجة ضلوع بعض اللاجئين الأفغان في عمليات التجسس. تُقدَّم هذه الإجراءات باعتبارها جزءا من تحصين الأمن الداخلي في لحظة اشتباك استخباراتي عنيف، لكن هذه الحملات، على اتساعها، لم تُفضِ بعد إلى تفكيك الشبكات التي نفّذت الاغتيالات أو وفّرت معلومات دقيقة عن مواقع الاجتماعات القيادية، ما يثير شكوكا حول قدرتها الفعلية على معالجة منابع الاختراق لا أعراضه. وفي المجال التشريعي، حاول البرلمان الإيراني تمرير قانون يغلظ عقوبة "التعاون مع الدول المعادية"، ويصنفه ضمن تهم "الإفساد في الأرض" التي تصل عقوبتها إلى الإعدام. غير أن مجلس صيانة الدستور تحفّظ على المشروع، مشيرا إلى غموض مفاهيمه، وعدم تحديد الجهة التي تُعرّف "العدو". كما لجأت الحكومة إلى فرض قيود رقمية واسعة، فحجبت بعض التطبيقات الأجنبية، وقنَّنت سرعة الإنترنت، وراقبت شركات الاتصالات حركة الرسائل والمكالمات، بما في ذلك الرسائل النصية التقليدية. الخاتمة.. حلول محتملة كشفت المواجهات الأخيرة بين إيران وإسرائيل أن التحدي الذي تواجهه الأجهزة الإيرانية لا يقتصر على صدّ اختراق أمني هنا أو هناك، بل يتمثل في إعادة تعريف العقيدة الأمنية ذاتها، وتطوير أدواتها لتتلاءم مع طبيعة التهديد المتغير الذي يستخدم التكنولوجيا والشبكات البشرية والنفوذ الرقمي بوصفها وسائل رئيسية للتأثير والاختراق. فما حدث من عمليات اغتيال دقيقة، واستهداف لاجتماعات سيادية، يعكس وجود فجوة عميقة في آليات الكشف والردع، فجوة لا يُمكن معالجتها بإجراءات ظرفية أو بحملات أمنية داخلية موسعة فقط. فبينما نجحت الأجهزة في توقيف عدد من الأفراد المشتبه بتورطهم أو تعاونهم مع جهات أجنبية، بقيت الأسئلة قائمة حول هوية الفاعلين الحقيقيين ومسارات الاختراق النوعية. وفي المقابل، لا يُمكن إنكار أن طبيعة المواجهة غير متكافئة في كثير من أوجهها، فإسرائيل تحظى بدعم أجهزة الاستخبارات الغربية بشكل كبير، ولديها أحدث التقنيات، بينما طهران لا تحظى بدعم مثيل من دول أخرى، ورغم ذلك فالواقع يفرض عليها تطوير منظومتها الأمنية بعقلانية بعيدا عن منطق المعالجات الانفعالية. إن المرحلة المقبلة تضع إيران أمام استحقاق مزدوج: الحفاظ على الأمن والسيادة من جهة، وتعزيز ثقة المجتمع بمؤسساته من جهة أخرى. ولن يتحقق هذا التوازن إلا إذا استندت السياسات الأمنية إلى رؤية إستراتيجية طويلة المدى تُبنى على دراسة الأخطاء السابقة، والاعتماد على أصحاب الكفاءة، وتخصيص الموارد اللازمة لبناء منظومة مكافحة تجسس فعالة. في النهاية، لا تُقاس السيادة فقط بمدى السيطرة على الأرض، بل أيضا بقدرة الدولة على حماية نُخَبها ومواطنيها من الاختراق، وعلى التكيّف مع أنماط التهديد الجديدة، دون أن تُفرط في أمنها أو تُقوّض نسيجها الداخلي.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
الحرب على غزة مباشر.. 70 شهيدا خلال 24 ساعة والاحتلال يواصل قصف خيام النازحين
في اليوم الـ649 من حرب الإبادة على غزة ، واصلت إسرائيل غاراتها على القطاع، واستشهد 70 فلسطينيا خلال الـ24 ساعة الماضية، بينهم 49 في مدينة غزة، إثر الغارات المتواصلة على منازل وخيام النازحين وتجمعات لمنتظري "المساعدات".


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
ترامب أكد أنه بات قريبا.. لماذا لم يتم التوصل لوقف إطلاق نار في غزة؟
بينما تواصل قوات الاحتلال قتل الفلسطينيين في مصايد المساعدات، لا يزال الغموض مسيطرا على مفاوضات وقف إطلاق النار، الذي أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب مرارا أنه بات قريبا. فبعد أسبوعين من حديث ترامب عن قرب التوصل لاتفاق، قال المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري إن المفاوضات لا تزال مستمرة دون جمود، وإن هناك أفكارا متجددة على الطاولة. هذا الحديث عن عدم جمود المباحثات لا يعني بالضرورة وجود تقدم فيها، وهو يعزز فرضية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية – يواصل شراء الوقت عبر طرح مزيد من الشروط لعرقلة التوصل لاتفاق. وتعطي تصريحات الأنصاري مؤشرا إيجابيا، لكنها لا تعطي إجابة واضحة بشأن ما وصلت إليه المباحثات، مما يزيد من حالة الغموض التي تكتنفها، كما قال المحلل السياسي أحمد الحيلة لبرنامج "مسار الأحداث". ويواجه الاتفاق المحتمل خلافات بشأن آلية تقديم المساعدات وحجم وطريقة انتشار القوات الإسرائيلية في قطاع غزة خلال الهدنة، وخصوصا في المحاور الحدودية. نقاط يمكن حلها ومن المتوقع أن يتفاهم الطرفان بشأن آلية تقديم المساعدات التي تحاول إسرائيل السيطرة عليها وتحويلها لأداة قتل وتهجير، لكن الخلاف الكبير ربما يتمحور حول وجود قوات الاحتلال بالقطاع. ولا تبدو "المدينة الإنسانية" التي تحدثت تل أبيب عن إقامتها على أنقاض رفح جنوب القطاع قابلة للتحقق، بسبب رفضها حتى من الجيش الإسرائيلي الذي قال إنها تتطلب كثيرا من الوقت والمال. وواجهت الفكرة انتقادات أممية وداخلية، حتى إن الجنرال الإسرائيلي المتقاعد يسرائيل زيف، وصفها بأنها "أكبر معسكر اعتقال في التاريخ"، وقال إنها "جريمة جرب كاملة". لذلك، فإن مشكلة المفاوضات الأساسية هي خرائط انتشار قوات الاحتلال، وليست طريقة تقديم المساعدات، التي يقول المسؤول السابق في الخارجية الأميركية توماس واريك إن إسرائيل لا تقدمها بالشكل المفروض عليها كقوة احتلال ملزمة بإطعام الناس. ففي حين تتمسك المقاومة باتفاق يمهد لانسحاب كامل من القطاع ويضمن عودة الناس لبيوتها والتنقل بحرية، يتمسك نتنياهو بالبقاء في محاور فيلادلفيا وموراغ وصلاح الدين بما يضمن له تحقيق هدفه الإستراتيجي المتمثل في فرض واقع أمني جديد ودائم، برأي الخبير في الشأن الإسرائيلي مهند مصطفى. نتنياهو يحاول شراء الوقت ومن خلال تمسكه بإبقاء السيطرة العسكرية على مدينة كاملة ذات أبعاد إستراتيجية مستقبلية، يحاول نتنياهو شراء الوقت حتى لا يفشل الصفقة من جهة وحتى لا يغضب اليمين المتطرف من جهة أخرى، لأنه يقاتل من أجل الوصول إلى إجازة الكنيست نهاية الشهر الجاري، التي يقول مصطفى إنها ستضمن له بقاء الحكومة حتى لو انسحبت منها أحزاب اليمين. لكن واريك يقول إن ترامب قد يضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات بشأن الخرائط الأمنية، لأنه لن يقبل بالظهور كرئيس ضعيف، وسيتعامل بحسم مع محاولة نتنياهو الواضحة لشراء الوقت، كما فعل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. غير أن كلام واريك، لا ينفي حقيقة أن الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية التاريخية عما تقوم به إسرائيل، لأنها توفر لها الدعم السياسي والعسكري لقتل الفلسطينيين وتهجيرهم، رغم حديثها الدائم عن ممارسة الضغوط التي يقول الحيلة إنها تنتهي في كل مرة بتقديم مقترحات تضمن لنتنياهو السيطرة على مساحات تجعله قادرا على تهجير سكان القطاع مستقبلا. وقد أكدت المقررة الأممية المعنية بالحق في الصحة تلالنغ موفوكينغ أن السلوك الذي تمارسه إسرائيل وحلفاؤها في قطاع غزة ، والأراضي الفلسطينية المحتلة عموما، يمثل فصلا عنصريا وسعيًا ممنهجا لمحو الشعب الفلسطيني. وفي مقابلة مع الجزيرة، أمس الثلاثاء، قالت موفوكينغ إن قوات الاحتلال عملت بشكل ممنهج وتحت حماية من الولايات المتحدة وحلفاء آخرين، على تدمير القطاع الصحي في غزة، وتجويع الناس وإرهاقهم بما يمثل إبادة جماعية واضحة. ولم يسبق للعالم أن شاهد هذا التدمير الذي تمارسه إسرائيل ضد مقومات الحياة بغزة، وتحديدا القطاع الصحي، في أي نزاع سابق، مما يعني -وفق المقررة الأممية- أن تل أبيب حصلت على دعم من الولايات المتحدة ودول أخرى بعدم المعاقبة.