logo
لماذا تفشل إيران في تفكيك شبكات الموساد؟

لماذا تفشل إيران في تفكيك شبكات الموساد؟

الجزيرةمنذ 3 أيام
في شهر يونيو/حزيران 2025، استفاقت طهران على صدمة اغتيال صفوة قادتها العسكريين، بمَن فيهم رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة اللواء محمد باقري، وقائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي ، فضلا عن مقتل قائد القوات الجو فضائية بالحرس الثوري اللواء أمير حاجي زاده رفقة هيئة أركانه، وذلك في الساعات الأولى للهجوم الإسرائيلي.
وأعقب تلك الهجمات ببضعة أيام تصفية قائد استخبارات الحرس الثوري العميد محمد كاظمي وعدد من مساعديه.
بمرور الوقت تتكشف تفاصيل إضافية لما حدث خلال الحرب، حيث كشفت وكالة أنباء "فارس" الرسمية، في 13 يوليو/تموز الجاري، عن أن إسرائيل استهدفت في اليوم الرابع للحرب اجتماعا رفيع المستوى للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، حضره رؤساء السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، حيث هوجمت مداخل ومخارج قاعة الاجتماع في الطابق السفلي لمبنى محصن غرب طهران بقنابل ثقيلة بهدف شل حركة الخروج وقطع تدفق الهواء، على غرار ما رشح من معلومات في عملية اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله.
تمكّن المجتمعون من النجاة عبر فتحة طوارئ، لكنّ عددا منهم، وبينهم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أُصيبوا بجروح طفيفة. وتُجري السلطات تحقيقا في احتمال وجود اختراق بشري مباشر مَكّن تل أبيب من معرفة توقيت الاجتماع وموقعه.
عكَسَ هذا التطور لحظة انكشاف إضافية لأعلى مستوى في منظومة القرار السيادي الإيراني. فلم تكن الضربات مجرد تصعيد عسكري في الحرب التي اندلعت فجأة، بل كانت إعلانا فجًّا عن نصر استخباراتي إسرائيلي بُنِي على مدى عقدين من التغلغل والاختراق، وأصبح السؤال الرئيسي عن حجم الشبكات الاستخبارية التي مَكّنت إسرائيل من تنفيذ تلك العمليات النوعية في قلب طهران.
الملمح الأساسي في تلك الضربات هو طبيعة أهدافها ودقة تنفيذها وتنوّع أدواتها، فبعضها تم بطائرات مسيّرة، والبعض الآخر بعبوات ناسفة داخل مركبات، وبعضها بفرق اغتيال فضلا عن القصف الجوي. هذا التنوع في أساليب التنفيذ كشف وجود طبقات متعددة من العملاء داخل المؤسسات الإيرانية ذاتها، وجعل من الصعب التنبؤ بنمط الضربات أو منع تكرارها.
وتشير المعطيات الميدانية إلى أن الموساد لم يعتمد فقط على التكنولوجيا، بل على شبكات بشرية مزروعة في محيط القيادات، وفي دوائر لوجستية سهّلت مراقبة التحركات وتوفير معلومات حساسة عن الاجتماعات والمواكب والسيارات المستخدمة وحتى المنازل ومقرات القيادة الآمنة والبديلة.
التراكم الاستخباراتي الإسرائيلي
ما جرى في يونيو/حزيران 2025 لم يكن سوى تتويج لمسار طويل من حرب الظل. فمنذ أكثر من عقد، كثّف جهاز الموساد من أنشطته داخل إيران، مستهدِفا العلماء النوويين، ومنشآت التخصيب، وكوادر في الحرس الثوري.
ونفّذ عمليات اغتيال لعلماء نوويين مثل مسعود محمدي وداريوش رضائي ومصطفى روشن مطلع العقد الماضي، ثم سرق نصف طن من وثائق الأرشيف النووي عام 2018، واغتال العالِم البارز محسن فخري زاده في 2020، ثم اغتال العقيد في فيلق القدس حسن صياد خدائي برصاص مسلحين قرب منزله في طهران عام 2022 بذريعة إشرافه على محاولات تنفيذ عمليات اختطاف واغتيالات لإسرائيليين في قبرص ودول أخرى، وأخيرا اغتيال قائد حركة حماس إسماعيل هنية في غرفته بمجمع تابع للحرس الثوري في طهران عام 2024.
أشارت تلك الهجمات إلى مراكمة ممنهجة لقدرة إسرائيل على ضرب إيران من الداخل، وأن الموساد نقل الصراع من ميدان المواجهة العسكرية إلى شوارع طهران، وهو ما كان من المفترض أن يدفع إلى عملية مراجعة عميقة وإعادة هيكلة لأجهزة الأمن الإيرانية لتحديد الخروقات وعلاجها.
وفي هذا السياق، يُذكّرنا جيمس أولسون، الرئيس السابق لقسم مكافحة التجسس في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ، بطبيعة هذا النوع من الصراعات الاستخبارية، حيث شدّد في كتابه "كيف تقبض على جاسوس؟" على أن أفضل أساليب مكافحة التجسس هي اختراق أجهزة الاستخبارات المُعادية، وتجنيد الضباط المسؤولين عن شبكات الاختراق، وهي مقاربة تؤكد أن الردع الاستخباري لا يُبنى على الدفاع وحده، بل على المبادرة الهجومية.
تعدد الأجهزة وتشظي القرار الأمني
تُعاني إيران من مأزق يتجلى في تعدد مؤسساتها الأمنية وتضارب صلاحياتها. فبدلا من وجود جهاز استخبارات مركزي موحد، تتوزع المهام بين وزارة الاستخبارات (إطلاعات) واستخبارات الحرس الثوري، إضافة إلى أجهزة استخبارات تابعة للشرطة، والقضاء، والباسيج، والجيش.
ورغم أن وزارة الاستخبارات أُنشئت عام 1984 بهدف دمج الأجهزة الأمنية المتناحرة بعد الثورة، فضلا عن تخويلها "بالحصول على معلومات الاستخبارات الأجنبية ومعالجتها، وإجراء عمليات مكافحة التجسس لمنع المؤامرات الداخلية والخارجية ضد الثورة الإسلامية والجمهورية الإسلامية الإيرانية"، حسب ما ورد في قانون تأسيس الوزارة، فإنها فشلت في احتواء هذا التشظي.
ومع صعود الحرس الثوري في العقدين الأخيرين، تحولت وزارة الاستخبارات التي يشترط قانون تأسيسها أن يكون الوزير شخصا حاصلا على درجة الاجتهاد الديني وفق المذهب الشيعي، إلى جهة بيروقراطية تخضع لإشراف السلطة التنفيذية، وتتقاسم النفوذ مع جهاز استخبارات الحرس الذي تأسس بعد احتجاجات 2009.
وبينما يُفترض أن تتكامل المؤسستان، فإن العلاقة بينهما ظلت على الدوام مشوبة بالتنافس.
لقد علَّق قائد الحرس الثوري السابق وأمين مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي على حادث التخريب في مفاعل نطنز واغتيال العالم النووي فخري زاده بالدعوة إلى تطهير مجتمع الاستخبارات، فيما ألقى وزير الاستخبارات السابق محمود علوي (2013-2021) باللوم على الحرس الثوري في اغتيال زاده لمسؤوليته عن أمن كبار المسؤولين والشخصيات البارزة، كما اتهم استخبارات الحرس الثوري بتعرضها للاختراق من طرف الموساد.
فيما ألقى علي يونسي، وزير الاستخبارات الأسبق (1999-2005) في عهد خاتمي، باللوم في إخفاقات مكافحة التجسس على إنشاء منظمات موازية، والتنافس بين الأجهزة الأمنية، وتسييس الأمن عبر التركيز المفرط على المعارضين بدلا من حماية البلاد من التهديدات الخارجية.
هذا التشظي الهيكلي حال دون بناء منظومة استخبارات مضادة متماسكة، وجعل الأمن الإيراني مشلولا، حيث تسعى كل جهة إلى توسيع نفوذها، حتى لو أدى ذلك إلى فوضى في توزيع المسؤوليات، وإلى ثغرات يستغلها الموساد بنجاح، مما سمح له بالتحرك في الفراغات الناتجة عن صراع النفوذ بين المؤسستين بحسب تحليلات عدد من المختصين الإيرانيين
ولذا لم يكن غريبا أن تتكرّر عمليات تسلل العملاء أو أن يتنقل عناصر يُشتبه بتخابرهم بين المؤسسات دون كشفهم.
أبرز مثال على ذلك هو علي رضا أكبري، نائب وزير الدفاع الذي أُعدم لاحقا عام 2023 بتهمة التجسس، بعدما شغل مناصب رفيعة رغم وجود إشارات أمنية تحذيرية، مما كشف أن مَن يجاهرون بولائهم الكامل للنظام أصبحوا هم الحلقة الأضعف أمنيا، كونهم أقل خضوعا للرقابة، وأقرب إلى مواقع النفوذ.
إشكالية الاستمرارية الطويلة في القيادة الاستخباراتية: حالة حسين طائب
يُظهر بقاء حسين طائب على رأس جهاز استخبارات الحرس الثوري منذ تأسيسه في عام 2009 حتى عام 2022 نموذجا لمشكلة أعمق في بنية القيادة الأمنية الإيرانية، وهي غياب التداول المؤسسي في المواقع الحساسة كما
فعلى مدار أكثر من عقد، ارتبطت السياسات الاستخباراتية لطائب بمرحلة حساسة من التحديات الخارجية، لا سيما مع تصاعد أنشطة الموساد داخل إيران.
ورغم أن الاستمرارية قد توفّر أحيانا نوعا من الثبات والاستقرار، فإن بقاء القادة في مواقعهم لفترات مطوّلة دون تجديد في المناهج يفتح الباب أمام تكرار الأنماط، ويُقلل من قدرة الجهاز الأمني على التكيف مع طبيعة التهديدات المتغيرة.
كما أن طول بقاء المسؤول في منصبه يُنتج بالضرورة شبكات نفوذ داخل الجهاز نفسه، ما قد يُضعف الرقابة الداخلية والتقييم المهني لمجريات الأمور.
هذا النمط من الجمود القيادي لا يُسهّل الاختراقات الخارجية فقط، بل يعوق أيضا التطوير التكنولوجي وتحديث العقيدة الأمنية، خاصة في مواجهة خصم يُراكم أدواته ويُجدد آلياته باستمرار كما هو حال الموساد.
الرد الأمني الإيراني
ردًّا على التصعيد الإسرائيلي داخل العمق الإيراني، أطلقت الأجهزة الأمنية حملة موسعة لتأمين الجبهة الداخلية بطريقة أقرب إلى إعلان الطوارئ الأمنية الشاملة.
فنُشرت آلاف العناصر الأمنية في شوارع طهران والمدن الكبرى، وأُقيمت نقاط تفتيش دائمة في مداخل الأحياء والطرقات الرئيسية، وصودرت الأجهزة المحمولة من المواطنين بحثا عن إشارات اتصال مشبوهة أو محتوى سياسي، وأُعلن عن تفكيك شبكات متعاونة مع الموساد، وملاحقة الأنشطة الرقمية التي قد تُستغل لاختراق المنظومات الدفاعية، كما أُعدم 5 أشخاص على الأقل سبق إدانتهم بالتعاون مع الموساد.
وضمن هذا السياق، أعلنت وزارة الاستخبارات واستخبارات الحرس الثوري ضبط نحو 10 آلاف طائرة مسيرة صغيرة في طهران وحدها، وضبط ورشة في أصفهان لتصنيع الطائرات بدون طيار والمتفجرات، واعتقال 18 شخصا إثر ضبط مصنع للطائرات المسيرة الهجومية والتجسسية في مدينة مشهد، وضبط ورشة سرية كبيرة في مدينة "ري" لتصنيع طائرات مسيرة صغيرة وقنابل موقوتة، واعتقال عملاء أطلقوا مسيرات صغيرة من الجبال الشمالية الغربية المُطلة على طهران، واعتقال 50 شخصا في سيستان وبلوشستان بتهم التجسس والإرهاب.
وقد وثّق تقرير لموقع "هرانا" الحقوقي اعتقال أكثر من 1500 شخص خلال أسبوعين، بينهم مئات اتُّهموا بالإخلال بالأمن القومي أو دعم إسرائيل عبر منصات التواصل، وتنوّعت التهم بين "نشر محتوى مضلل"، و"إعادة نشر صور للهجمات"، و"التجسس"، و"توجيه طائرات مسيرة".
كما شملت الحملة اعتقالات في أوساط المواطنين الإيرانيين اليهود والبهائيين، بدعوى التواصل مع جهات أجنبية، إضافة إلى مداهمات ومصادرة هواتف مهاجرين أفغان بزعم احتمال استغلالهم في جمع المعلومات.
وقد أفادت وزارة الداخلية الإيرانية بعودة 772 ألف أفغاني إلى بلادهم خلال العام الجاري، وهو ما تصاعد إثر حملات ترحيل قسرية بحجة ضلوع بعض اللاجئين الأفغان في عمليات التجسس.
تُقدَّم هذه الإجراءات باعتبارها جزءا من تحصين الأمن الداخلي في لحظة اشتباك استخباراتي عنيف، لكن هذه الحملات، على اتساعها، لم تُفضِ بعد إلى تفكيك الشبكات التي نفّذت الاغتيالات أو وفّرت معلومات دقيقة عن مواقع الاجتماعات القيادية، ما يثير شكوكا حول قدرتها الفعلية على معالجة منابع الاختراق لا أعراضه.
وفي المجال التشريعي، حاول البرلمان الإيراني تمرير قانون يغلظ عقوبة "التعاون مع الدول المعادية"، ويصنفه ضمن تهم "الإفساد في الأرض" التي تصل عقوبتها إلى الإعدام.
غير أن مجلس صيانة الدستور تحفّظ على المشروع، مشيرا إلى غموض مفاهيمه، وعدم تحديد الجهة التي تُعرّف "العدو". كما لجأت الحكومة إلى فرض قيود رقمية واسعة، فحجبت بعض التطبيقات الأجنبية، وقنَّنت سرعة الإنترنت، وراقبت شركات الاتصالات حركة الرسائل والمكالمات، بما في ذلك الرسائل النصية التقليدية.
الخاتمة.. حلول محتملة
كشفت المواجهات الأخيرة بين إيران وإسرائيل أن التحدي الذي تواجهه الأجهزة الإيرانية لا يقتصر على صدّ اختراق أمني هنا أو هناك، بل يتمثل في إعادة تعريف العقيدة الأمنية ذاتها، وتطوير أدواتها لتتلاءم مع طبيعة التهديد المتغير الذي يستخدم التكنولوجيا والشبكات البشرية والنفوذ الرقمي بوصفها وسائل رئيسية للتأثير والاختراق.
فما حدث من عمليات اغتيال دقيقة، واستهداف لاجتماعات سيادية، يعكس وجود فجوة عميقة في آليات الكشف والردع، فجوة لا يُمكن معالجتها بإجراءات ظرفية أو بحملات أمنية داخلية موسعة فقط. فبينما نجحت الأجهزة في توقيف عدد من الأفراد المشتبه بتورطهم أو تعاونهم مع جهات أجنبية، بقيت الأسئلة قائمة حول هوية الفاعلين الحقيقيين ومسارات الاختراق النوعية.
وفي المقابل، لا يُمكن إنكار أن طبيعة المواجهة غير متكافئة في كثير من أوجهها، فإسرائيل تحظى بدعم أجهزة الاستخبارات الغربية بشكل كبير، ولديها أحدث التقنيات، بينما طهران لا تحظى بدعم مثيل من دول أخرى، ورغم ذلك فالواقع يفرض عليها تطوير منظومتها الأمنية بعقلانية بعيدا عن منطق المعالجات الانفعالية.
إن المرحلة المقبلة تضع إيران أمام استحقاق مزدوج: الحفاظ على الأمن والسيادة من جهة، وتعزيز ثقة المجتمع بمؤسساته من جهة أخرى. ولن يتحقق هذا التوازن إلا إذا استندت السياسات الأمنية إلى رؤية إستراتيجية طويلة المدى تُبنى على دراسة الأخطاء السابقة، والاعتماد على أصحاب الكفاءة، وتخصيص الموارد اللازمة لبناء منظومة مكافحة تجسس فعالة.
في النهاية، لا تُقاس السيادة فقط بمدى السيطرة على الأرض، بل أيضا بقدرة الدولة على حماية نُخَبها ومواطنيها من الاختراق، وعلى التكيّف مع أنماط التهديد الجديدة، دون أن تُفرط في أمنها أو تُقوّض نسيجها الداخلي.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

المتحدث العسكري باسم أنصار الله: نفذنا عملية نوعية استهدفت مطار اللد في يافا المحتلة بصاروخ باليستي فرط صوتي
المتحدث العسكري باسم أنصار الله: نفذنا عملية نوعية استهدفت مطار اللد في يافا المحتلة بصاروخ باليستي فرط صوتي

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

المتحدث العسكري باسم أنصار الله: نفذنا عملية نوعية استهدفت مطار اللد في يافا المحتلة بصاروخ باليستي فرط صوتي

المتحدث العسكري باسم أنصار الله (الحوثيين) العميد يحيى سريع: نفذنا عملية نوعية استهدفت مطار اللد في يافا المحتلة بصاروخ باليستي فرط صوتي. العملية حققت هدفها وتسببت في هروع ملايين الصهاينة للملاجئ وتوقف حركة المطار. عملياتنا مستمرة حتى وقف العدوان على غزة ورفع الحصار عنها. التفاصيل بعد قليل.. المصدر: الجزيرة

كيف اعترضت الدفاعات الجوية القطرية الهجوم الصاروخي الإيراني الأكبر في تاريخ المنطقة؟
كيف اعترضت الدفاعات الجوية القطرية الهجوم الصاروخي الإيراني الأكبر في تاريخ المنطقة؟

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

كيف اعترضت الدفاعات الجوية القطرية الهجوم الصاروخي الإيراني الأكبر في تاريخ المنطقة؟

كشفت الجزيرة في تقرير حصري تفاصيل دقيقة عن الهجوم الصاروخي الإيراني الذي استهدف قاعدة العديد القطرية يوم 23 يونيو/حزيران 2025، والذي وصف بأنه أكبر هجوم صاروخي على دولة خليجية من إيران وأكبر هجمة صاروخية على منظومة باتريوت في تاريخها. وشكل نجاح عملية الاعتراض عاملًا حاسمًا في منع تدحرج الأمور إقليميًا وتوسع النزاع بين إيران و إسرائيل ليشمل دولًا أخرى في المنطقة. وأكد قائد قيادة العمليات المشتركة العميد عبد الله غراب المري أن التحليل والتقييم أظهر إطلاق 20 صاروخًا باليستيًا من محورين رئيسيين في الشمال والشمال الشرقي من البلاد، مشيرًا إلى أن جميع الأهداف المرصودة كانت تهديدًا باليستيًا فقط دون هجوم بالمسيرات. وسقط صاروخ واحد فقط في قاعدة العديد ولم يؤد إلى أضرار تذكر، فيما تم اعتراض الباقي بنجاح. هيكل الدفاع الجوي وتعتمد منظومة الدفاع الجوي القطرية على هيكل معقد يتكون من طبقات متعددة ونطاقات مختلفة تشمل الدفاع البحري والجوي والصاروخي، وأوضح العميد المري أن دور القوات المسلحة القطرية يتمثل في حماية جميع أراضي الدولة ومياهها الاقتصادية وأجوائها، وليست وظيفة أي قوات أخرى. وتتولى قيادة العمليات المشتركة تطبيق مفهوم العمليات المشترك وتضم ممثلين من جميع وحدات القوات المسلحة الجوية والبحرية والبرية والدفاع الجوي. وبدأت الاستعدادات للمواجهة المحتملة عقب مراقبة وتقييم المناوشات بين إيران وإسرائيل، حيث قامت قيادة العمليات المشتركة بتقييم الأوضاع بشكل يومي ورفع التقارير لمعرفة تأثيرها على دولة قطر. وشهدت هذه الفترة تشويشًا على نظام الجي بي إس في هواتف المواطنين مما أظهر مواقع وهمية، لكن هذا التشويش لم يؤثر على أنظمة الاتصالات العسكرية وفقًا للنقيب سعود مبارك آل شافي من سلاح الإشارة. ولعبت القوات البحرية دورًا محوريًا في عملية الدفاع من خلال زيادة عدد السفن الحربية في المياه الاقتصادية، بما في ذلك الفرقاطات والكورفيت المصممة خصيصًا لاعتراض الصواريخ الباليستية والمجنحة والمسيرات. وأكد النقيب عبداللطيف حمد الكواري مساعد قائد سفينة الزبارة أن الوحدات البحرية تنتشر في المياه الاقتصادية بشكل دائم، لكن زيادة التوتر استدعت زيادة عددها لتعزيز فاعلية الدفاع الجوي. دوريات جوية كما تولت القوات الجوية دورًا حيويًّا من خلال الطائرات المجنحة والعمودية التي تضاف إلى نظام المراقبة والاعتراض، حيث قام النقيب جبر بن عبدالله آل ثاني طيار مقاتلة "إف-15" بتنفيذ دوريات جوية على مدار الساعة للحفاظ على التفوق الجوي، حيث تراوحت فترات التناوب بين ساعتين إلى 3 ساعات مع إمكانية التزود بالوقود للبقاء من 6 إلى 8 ساعات عند الاستنفار. وتمكنت طائرات "إف-15" من رصد واعتراض الصواريخ المجنحة والمسيرات باستخدام صواريخ جو-جو حرارية ورادارية. وشاركت طائرات الأباتشي في العملية على ارتفاعات مختلفة عن طائرات "إف-15″، حيث أكد الرائد الركن إبراهيم أمان الحمد أنها كانت في أهبة الاستعداد للتصدي لأي هجوم بالطائرات المسيرة، بالإضافة إلى تنفيذ مهام الدوريات ومراقبة الحدود والمياه الإقليمية وعمليات البحث والإنقاذ القتالي. ومن جهتها، شكلت أنظمة الدفاع الجوي الصاروخية مثل "باتريوت" و"نازام" قبة الاعتراض الأخيرة لمختلف أنواع الأجسام الطائرة، حيث وثقت التسجيلات الصوتية من غرفة العمليات اللحظات الحاسمة للاعتراض. وسُمع النقيب محمد سالم العاوي ضابط عمليات مركز الدفاع الجوي وهو يؤكد تدمير الأهداف وسط هتافات الضباط، وتم تنفيذ كل مراحل العمليات من الجاهزية والمراقبة والاعتراض في نافذة زمنية لا تتجاوز دقيقتين أو ثلاثًا. وعقب عمليات الاعتراض الناجحة، بدأت مرحلة حاسمة للتعامل مع الشظايا والمخلفات الصاروخية، حيث انطلقت فرق الشرطة العسكرية للإحاطة بأماكن سقوط الشظايا، فيما تولت الفرق الميدانية فحصها وإطفاء الحرائق. وتمكن الملازم أول علي راشد القمرا قائد قسم إطفاء قاعدة العديد من السيطرة على الحريق في 20 دقيقة فقط من وصول البلاغ. ومن ثم تولت كتيبة هندسة الميدان بقيادة النقيب سعود سعد السهلي مهمة التطهير والتعامل مع المخلفات الصاروخية، حيث تم تشكيل 3 فرق متخصصة في إبطال المتفجرات تعاملت مع أكثر من 60 بلاغًا في أنحاء الدولة. كما تم إرسال فريق من وحدة الدفاع ضد أسلحة الدمار الشامل كإجراء احترازي للتأكد من خلو الصواريخ البالستية من أي تهديدات كيميائية أو إشعاعية أو مواد صناعية قد تهدد البيئة. وكانت إيران قد قصفت قاعدة العديد مساء الاثنين 23 يونيو/حزيران، في عملية أسمتها "بشائر الفتح" ردا على الهجوم الأميركي الذي استهدف المنشآت النووية الإيرانية، بينما أعلنت الدوحة أن الدفاعات الجوية اعترضت الصواريخ الإيرانية بنجاح. وأعلنت وزارة الدفاع القطرية أن "الدفاعات الجوية القطرية اعترضت هجمة صاروخية استهدفت قاعدة العديد الجوية". وقالت "بفضل الله ويقظة القوات المسلحة والإجراءات الاحترازية لم ينتج عن الحادث أي وفيات أو إصابات". وأكدت الوزارة أن أجواء وأراضي دولة قطر آمنة وأن القوات المسلحة القطرية على أهبة الاستعداد دائما.

محللون: رسائل أبو عبيدة بعد 4 أشهر من استئناف الحرب موجهة لكافة الأطراف
محللون: رسائل أبو عبيدة بعد 4 أشهر من استئناف الحرب موجهة لكافة الأطراف

الجزيرة

timeمنذ 5 ساعات

  • الجزيرة

محللون: رسائل أبو عبيدة بعد 4 أشهر من استئناف الحرب موجهة لكافة الأطراف

بعد غياب امتد لأكثر من 4 أشهر، أطل أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام ، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في كلمة مصورة، حملت رسائل مباشرة لكافة الأطراف، بدءا من الداخل الفلسطيني مرورا بالأطراف الإقليمية، وصولا إلى الاحتلال الإسرائيلي والمجتمع الدولي. وبدا لافتا للمراقبين أن أبو عبيدة ظهر هذه المرة بنبرة مشحونة بالحزن والغضب والخذلان، عكس خلالها حالة من الانكسار الإنساني العميق، لكنها لم تخلُ من عزيمة قتالية وإرادة إستراتيجية غير مسبوقة، فالخطاب، كما يرى الباحث في الشأن الفلسطيني سعيد زياد، حمل جناحين متقابلين عتابا مريرا وتحديا صلبا. ووصف زياد أبو عبيدة، في ظهوره الأول منذ استئناف الحرب على قطاع غزة في 18 مارس/آذار الماضي، بأنه بدا عليه النحول والتعب، في تجسيد لواقع غزة المنهكة تحت وطأة المجاعة والإبادة، وكأنه أراد إبراز مشاركة المقاومة لأبناء القطاع في المعاناة والمصير. وأبرز ما جاء في الخطاب، وفق زياد، هو تأكيد دخول المقاومة مرحلة استنزاف مديدة تستند إلى 3 ركائز: إيقاع أكبر عدد من القتلى في صفوف جيش الاحتلال، والقتال من نقطة صفر في مواجهة مباشرة، ومحاولة أسر الجنود بدلا من قتلهم، لما لذلك من أثر تفاوضي ومعنوي كبير. كما توقف زياد عند ما اعتبره إشارة مهمة إلى أن القتال يُدار في ظل شح في الموارد، مقابل وفرة في الإرادة، مستشهدا بتشبيه أبو عبيدة الذي قال فيه إنهم يهزمون " عربات جدعون ب حجارة داود"، في تلميح إلى اختلال ميزان القوة لصالح الاحتلال. وفي سياق مماثل، رأى الكاتب والباحث السياسي الفلسطيني ساري عرابي أن التوقيت بحد ذاته يعكس أهمية الظهور، إذ يأتي بعد 134 يوما على الخطاب السابق في رمضان، لافتا إلى أن كتائب القسام تولي اهتماما كبيرا بخطابها الإعلامي الذي يخاطب الشعب الفلسطيني والمجتمع الإسرائيلي والأمة العربية والإسلامية. رؤية واضحة وأشار عرابي إلى أن الكلمة الأخيرة حملت بوضوح تأكيدا على امتلاك المقاومة رؤية قتالية واضحة، رغم المجازر والإبادة الجماعية المتواصلة، إذ أعلن أبو عبيدة أن "المجاهدين تعاهدوا على الثبات والإثخان"، في تعبير عن انسجام ميداني وتكامل في الأداء بين مختلف فصائل المقاومة، ولا سيما سرايا القدس. وذهب عرابي إلى أن كتائب القسام أرادت أن تؤكد عبر هذه الكلمة أنها رغم فقدان قادة بارزين ما زالت تحتفظ ببنية متماسكة، قادرة على التكيف مع متغيرات الحرب، لافتا إلى أن هذا الظهور يكرّس أبو عبيدة كرمز بارز يراكم حضوره في ظل غياب قيادات ميدانية أخرى. وأكد عرابي أن التهديد باستمرار السعي لأسر الجنود الإسرائيليين يعكس دعاية مضادة مدروسة، تحمل رسالة واضحة إلى الجيش والمجتمع الإسرائيلي: "إذا قررتم مواصلة الحرب، فاستعدوا لمزيد من الخسائر في الأرواح والأسرى"، في إشارة إلى أن المقاومة لم تفقد زمام المبادرة. من جهته، اعتبر الأكاديمي والمختص في الشأن الإسرائيلي مهند مصطفى أن "الوقت" هو الكلمة المحورية التي نسجت حولها كتائب القسام خطابها الأخير، وقال إن التلويح بحرب استنزاف طويلة يؤرق الإسرائيليين، الذين حاولوا منذ البداية إدارة الوقت لصالحهم وتحويله إلى عبء على الفلسطينيين. ورأى مصطفى أن إعلان القسام عن الجهوزية لاستمرار القتال لفترة طويلة يشكّل تحوّلا في قواعد اللعبة، إذ إن إسرائيل كانت تعتقد أنها قادرة على حسم المعركة خلال بضعة أشهر، لكن الواقع الآن أنها في يومها الـ650 دون أي إنجاز حاسم، بل تواجه تعاظما في خسائرها النفسية والمادية. وأضاف أن قضية الأسرى، التي أعاد أبو عبيدة التأكيد عليها، تحمل أبعادا نفسية مؤلمة للمجتمع الإسرائيلي، إذ يُنظر للأسير على أنه عبء دائم لا يُمحى بالزمن، على عكس القتيل الذي يطاله التكريم وينتهي حضوره، مشددا على أن هذه الورقة تُمثل عنصر ضغط مستمرا. وفي ما يخص المفاوضات، رأى مصطفى أن خطاب أبو عبيدة تضمن رسالة سياسية حاسمة بأن المقاومة لن تقبل بالمماطلة الإسرائيلية إلى ما لا نهاية، ولن توافق على صفقات جزئية جديدة إذا استمر العدو في التسويف، معتبرا أن هذا التصعيد اللفظي غير مسبوق من طرف القسام. غطاء سياسي وأوضح زياد أن هذا الموقف يعني عمليا أن الوفد التفاوضي لديه غطاء سياسي كامل، لكنه في الوقت نفسه مقيّد بسقف عسكري صارم، لافتا في هذا السياق إلى تحذير أبو عبيدة من الوصول للحظة تقول فيها: "لن نُكمل المفاوضات، ولن نقبل بصفقة جزئية". وفي إشارة ضمنية إلى الوسيط الأميركي، قال زياد إن الرسالة باتت واضحة: لا تدعموا إسرائيل في مماطلتها، لأن الاستمرار في ذلك سيدفع بالمفاوضات إلى الانفجار، وهو ما لا تريده المقاومة، لكنها لن تتردّد إذا وُضعت أمام خيارات قاتلة. وفي سياق تحليله للرسائل الموجهة للاحتلال، رأى عرابي أن تهديد القسام بالانسحاب من الصفقات الجزئية استوقف الإعلام الإسرائيلي، الذي قرأ الرسالة باعتبارها موقفا حادا ضد استخدام تلك الصفقات كورقة سياسية لصالح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. إعلان وذهب عرابي إلى أن الاحتلال يستخدم الصفقات المحدودة أداة لاستعادة بعض الأسرى، ثم يعود مجددا لحملات التهجير والإبادة دون الالتزام بأي اتفاق شامل، معتبرا أن المقاومة، كما قال أبو عبيدة، قد لا تستمر في هذه المعادلة المكلفة إنسانيا وسياسيا. ولفت إلى أن إعلان المقاومة استعدادها لأسر جنود جدد يحمل موثوقية كبيرة، في ظل تكثف الاشتباكات من أقصى شمال القطاع إلى جنوبه، وسط اعترافات إسرائيلية ضمنية بجرأة المقاتلين الفلسطينيين على خطوط التماس. وشدد على أن هذه التهديدات تنبع من واقع ميداني لا من فراغ دعائي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store