logo
لماذا أذعنت بنما لمطالب ترامب؟

لماذا أذعنت بنما لمطالب ترامب؟

الجزيرةمنذ 6 ساعات
بنما- في أول يوم له في ولايته الثانية، جعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب دولة بنما وقناتها في اختبار مزدوج، لاثنتين من أكبر أولوياته: وقف الهجرة غير النظامية عبر الحدود الجنوبية لبلاده، ومواجهة نفوذ الصين المتزايد. وطالب باستعادة قناة بنما بعد ادعائه أن بكين تسيطر عليها، وهو ما يراه بمنزلة تهديد مباشر للأمن القومي الأميركي.
وعلى إثر ذلك، كانت بنما أول دولة يزورها وزيرا الخارجية ماركو روبيو والدفاع بيت هيغسيث الأميركيان. وركز روبيو على قضايا الهجرة ودور بنما في وقفها، في حين ركز هيغسيث على الشق العسكري ومواجهة النفوذ الصيني.
وأدى تهديد ترامب إلى تنازلات كبيرة من حكومة بنما، التي لم تدفع فقط باتجاه بيع موانئ القناة التي تديرها شركة صينية لأخرى أميركية، إذ دعمت كذلك جهوده ترحيل المهاجرين الذين دخلوا الولايات المتحدة بشكل غير نظامي.
تاريخ مضطرب
كما سرعت بنما من خططها للاستثمار في البنية التحتية لحل مشكلات إمدادات المياه في القناة التي أثارت غضب المسؤولين الأميركيين خلال سنوات الجفاف الأخيرة، وتبحث عن طريقة لإلغاء الرسوم التي تدفعها السفن العسكرية الأميركية نظير مرورها منها.
يتمتع ترامب بتاريخ مالي مضطرب في بنما، وبدأت علاقته بها عندما نظم بها مسابقة ملكات جمال العالم عام 2003. وفكر في بناء أول برج فاخر باسمه خارج الأراضي الأميركية. وفعلا بنى -بمشاركة شركة بنمية- برجا عملاقا يحمل علامته التجارية "ترامب".
وبسبب مشكلات في الإدارة، عرفت الشركة نزاعات وصلت للمحاكم وأدت لاحقا إلى خلافات بين فريق الشريك البنمي وممثلي ترامب. وتدخلت الشرطة وأمرت الحكومة برفع اسمه من على مدخل البرج، وهو ما تم. وبث التلفزيون البنمي عملية إزالة اسمه على الهواء مباشرة عام 2018. وأُلقيت أحرف كلمة ترامب بعد نزعها من مدخل البرج في حاوية قبل إلقائها في مكان مخصص للمهملات.
يرى رودريغو نورييغا، المحلل السياسي البنمي، أنه لا يمكن استبعاد "فكرة الثأر الشخصي لترامب بسبب ما تعرض له برجه من إهانة، لقد تم تصوير لحظات إزالة اسمه من على البرج، واحتفى البنميون بذلك، وكثيرا ما يشير أعداؤه إلى فشله في بنما على أنه دليل على فشله كرجل أعمال".
وبِيع البرج لاحقا، ويشغله اليوم فندق "جي دبليو ماريوت" في أحد أهم وأرقى أحياء العاصمة بنما سيتي.
يؤمن العسكريون الأميركيون أن الصين قد تستخدم قناة بنما سلاحا في أي أزمة جيو-إستراتيجية بين الدولتين. واعتبرت سيطرة شركة هاتشينسون على ميناءي القناة أداة بيد بكين، يمكن أن تتدخل أو تؤخر الشحن الأميركي والمساعدة العسكرية إلى تايوان في حالة نشوب صراع بينهما.
ويعد ميناءا بالبوا وكريستوبال من نقاط الدخول الحيوية إلى المحيطين الهادي و الأطلسي عند طرفي القناة. في الوقت ذاته تمثل مشروعات البنية التحتية التي تقوم بها الصين داخل بنما نقطة ضعف أخرى لعمليات أمن القناة.
في حديث للجزيرة نت، اعتبر الخبير القانوني البنمي ألونسو إيلوسيا أن "الصين لا تسيطر على القناة، لكنها استغلت المؤسسات الضعيفة والفساد المستشري لزيادة نفوذها في السياسة الوطنية والأعمال".
واستجابت بنما بسرعة لادعاء ترامب عن النفوذ الصيني في القناة. وفي فبراير/شباط الماضي، أكدت إنهاء مشاركتها في مبادرة الحزام والطريق الصينية ، وأطلقت عملية تدقيق لشركة هاتشينسون الصينية، التي تتخذ من هونغ كونغ مقرا لها، وتدير ميناءين في كل طرف من طرفي القناة.
وحسب الخبير إيلوسيا، فإن قطع الحكومة البنمية علاقاتها بالشركات الصينية يصب في نهاية المطاف في مصلحة البلاد، وليس استسلاما للضغوط الأميركية. "وهذه الشركات نموذج للفساد الحكومي المستشري، ويجب محاسبة من منحهم هذه العقود الضخمة قبل سنوات".
على مدار السنوات الماضية، عبر ملايين المهاجرين غير النظاميين غابة دارين في بنما، وهي الطريق البري الوحيد الذي يربط دول أميركا الجنوبية بأميركا الوسطى والشمالية، علما أن ملايين المهاجرين مروا عبر هذه الغابات خلال الأعوام الماضية في طريقهم إلى الولايات المتحدة برا.
ولا تمتلك بنما جيشا وطنيا يُمكنها من منع هذه الهجرات عبر أراضيها، خاصة بعدما حلت جيشها إثر الغزو الأميركي عام 1989، وإعلانها الحياد، والاعتماد على قوات شرطة لحفظ الأمن الداخلي.
وتبنت الحكومة البنمية موقفا متناغما مع موقف واشنطن كبحًا لجماح الهجرة غير النظامية عبر أراضيها التي تعد ممرا طبيعيا لملايين المهاجرين من دول أميركا الجنوبية خاصة فنزويلا وكولومبيا.
ووقّعتا مذكرة تفاهم في يوليو/تموز 2024 لاستقبال آلاف المرحلين من الأراضي الأميركية، وضغط ترامب على بنما لتستقبل المزيد من المهاجرين، وهو ما وافقت عليه. وإضافة لتشديدها الرقابة على حدودها الجنوبية، انفتحت بنما على فكرة استقبال مهاجري دول ثالثة للبقاء فيها مؤقتا أو بصورة دائمة.
إرضاء ترامب
اتهم ترامب بنما بفرض رسوم مرتفعة وغير عادلة على السفن الأميركية العابرة لقناتها، وطالب بإلغائها. لكن الجانب البنمي يرفض علنا هذا المطلب الذي يراه مخلا باتفاقية حياد بنما، إلا أنه يعمل خلف الأبواب المغلقة على إيجاد وسيلة ترضي الرئيس الأميركي.
ويرى الخبير إيلوسيا أن السماح لأي دولة بالاستفادة من وضع خاص مثل المرور المجاني أو التفضيلي لن ينتهك القانون الدولي فحسب، بل سيشكل أيضا سابقة خطِرة، مما يعرض قدرة بنما على إدارة القناة بشكل مستقل ومنصف، ويشكك في حياد القناة.
وعلى النقيض، يكرر ترامب أن حياد قناة بنما يتعرض للتهديد بسبب النفوذ الصيني. ويدفع جميع زبائنها بلا استثناء رسوما مقابل عبورها. وشكلت السفن الأميركية 74.7% من إجمالي حركة الشحن في عام 2024، تلتها بكين بـ 21.4%، ثم اليابان وكوريا الجنوبية.
وتبحث الحكومة البنمية فكرة إرجاع رسوم مرور السفن العسكرية الأميركية، والتي لا تعد رقما ضخما لأنها لا تخضع للتسعيرة التجارية المرتفعة كبقية السفن، بطريقة لا تسبب حرجا أمام بقية الدول الأخرى.
من ناحية أخرى، يبدو أن ضغط ترامب قد سرع أيضا من بدء خطوات إنشاء سد طال انتظاره مصمم لمعالجة مشكلات إمدادات المياه في بحيرات القناة الصناعية والتي تهددها موجات الجفاف المتكررة.
تدرك بنما، حكومة وشعبا ونخبة، أن مصير بقائها واستقلالها مرتبط بعلاقات جيدة بالولايات المتحدة. وتتمسك بنما بالدولار الأميركي عملةً رسمية لها، ولا يرغب أكثر من 90% من شعبها في تغيير ذلك طبقا لاستطلاعات الرأي المتكررة.
ويرى الخبير البنمي رودريغو نورييغا أن توتر العلاقات مع واشنطن يمكن أن يسبب كارثة للمركز المالي الذي تمثله بنما، "بسبب علاقتنا بالولايات المتحدة، تتمتع بنما بوصول مفتوح للغاية إلى الأسواق المالية الكبيرة في نيويورك ولندن وما إلى ذلك. ويدرك معظمنا أننا لا نريد التخلص من الدولار. لقد أعطى ذلك البلاد كثيرا من الاستقرار المالي، وترامب يدرك ذلك جيدا".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"إسرائيل" كنموذج للحداثة الوحشية
"إسرائيل" كنموذج للحداثة الوحشية

الجزيرة

timeمنذ 30 دقائق

  • الجزيرة

"إسرائيل" كنموذج للحداثة الوحشية

في بعض الأحيان، يتراءى لنا التاريخ كأنه شاعر ماهر، ينقّح قصائده بعناية ويعكف على تزيين استعاراته وصقل بلاغة كلماته.. ولعل مذبحة "الركبة الجريحة" تجسد هذا الشعور بأبلغ صورة. فبعد قرون من المذابح والقتل الوحشي بكل الطرق والوسائل الممكنة، جاءت النهاية الحزينة لنضال السكان الأصليين لأميركا (الهنود الحمر) في عام 1890 عند غدير "الركبة الجريحة". فهناك، تم قتل "الثور الرابض" (سيتينغ بول)، آخر الزعماء المهمين، ومن بعدها خضعت القبائل للقوانين القاسية التي فرضتها حكومة الولايات المتحدة بهدف تدجين الناس في محميات خاصة، ليُمحى أثرهم تدريجيًّا ويصبحوا أقلية صامتة بلا صوت ولا قيمة، بعد أن كانت الأرض لهم، والماء لهم، والسماء كلها. لم يقتصر الأمر على موتهم الجسدي، بل تجاوز ذلك إلى تشويه سيرتهم ووصمهم بالوحشية، في حين أن الجرائم الفعلية هي تلك التي ارتُكِبت بحقهم.. هكذا شُوِّه وجودهم، وحُرِّف تاريخهم، وسُلب مستقبلهم، باسم الحضارة. جسدت مذبحة "الركبة الجريحة" النهاية المأساوية، وكأن التاريخ قد كتبها بصيغة سينمائية كمشهد نهاية لرواية حزينة، مكثفًا قصة طويلة ومؤلمة في لقطات درامية معدودة، تُلخِّص حكايات كثيرة عن حضارتنا اليوم، وما يخصها من سفك الكثير من الدماء. اليوم، لا يستطيع أحد في العالم الهروب من أصوات الحرب على غزة؛ فهي -ببساطة- قد رفعت تناقضات العالم إلى الواجهة، وأظهرت حقيقة أن تحت مسرح الحضارة اليوم الكثير من الجثث والدماء. فعندما صرّح رئيس إسرائيل إسحاق هرتسوج قائلًا: "هذه الحرب ليست حربًا بين إسرائيل وحماس فقط، إنها حرب تهدف حقًّا إلى إنقاذ الحضارة الغربية وقيمها"، لم يكن بإمكانه أن يكون أكثر وضوحًا، فلطالما شُنت الحروب الغربية لفرض ما يسمى "القيم" الغربية وتطبيقها وحمايتها. ضمنيًّا، هو لم يكذب، فهو يتحدث عن الشكل وقيم الحداثة التي تسوقها دول، مثل الولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا وكندا وأستراليا، ودول غربية أخرى تسمي نفسها "ديمقراطيات جمهورية ليبرالية"، تأسست على الإبادات الجماعية والتطهير العرقي والفصل العنصري وسرقة الأراضي والعنصرية البنيوية. ما قصده رئيس الاحتلال هو الدفاع عن استمرار هذا النمط من التفاعل الحضاري الغربي، الذي يتعامل مع الاستعمار كحدث عرضي في الماضي انتهى، مانحًا شرعية للمستوطنين والمستعمرين الذين نهبوا الأراضي بالقوة منذ زمن، وربطوا أنفسهم بها من خلال الإقامة وبناء الشركات والمجتمعات، في محاولة لإضفاء شرعية على وجودهم وكأنه طبيعي لا جدال فيه. وأي محاولة من أصحاب الأرض المقهورين لاستعادة بيت أو أرض مفقودة تُعد رجعية وإرهابية، تسعى لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء. فمنذ لحظة إعلانها كدولة، تمارس إسرائيل وجودها كمشروع استعماري استيطاني، يقوم على الإقصاء والعنف والإبادة المنظمة. لم يكن ذلك سرًّا، فالمجازر ليست استثناءً في تاريخها، بل هي بنيته التأسيسية. والطرد، والحصار، والهدم، والسيطرة بالسلاح، ليست أدوات طارئة، بل اللغة الوحيدة التي يفهمها هذا الكيان. حربها على غزة اليوم ليست نقطة تحوّل، بل هي امتداد متسق لفلسفة قامت منذ البدء على نفي الآخر، خصوصًا إذا كان هذا الآخر عربيًّا وفلسطينيًّا. لكن هذه الحرب، بكل ما فيها من همجية وتجويع وتدمير، تضع العالم أمام صورته الحقيقية: لم يعد الأمر يتعلق بانتهاكات، بل بنموذج جديد من معسكرات الإبادة، حيث تتحول المدينة المحاصرة إلى مختبر لأدوات الدولة الحديثة، حين تدمج بين العسكرة والتكنولوجيا والعنصرية، وتمنح نفسها الحق المطلق في إدارة حياة الناس.. أو إنهائها. غزة، في هذه اللحظة، ليست فقط ساحة حرب، بل معسكر اعتقال بحجم مدينة، بلا ماء، بلا كهرباء، بلا دواء، بلا مفرّ.. تُدار عبر سياسات التجويع والترويع والعقاب الجماعي، تحت غطاء من مصطلحات حداثية: "منطقة آمنة"، "ممر إنساني"، "عملية استباقية".. غير أن هذا كله ليس جديدًا. فالدولة الحديثة، كما كتب زيجمونت باومان، هي التي اخترعت المعسكر، حين قررت أن بعض البشر فائضون عن الحاجة! فمنذ الحرب العالمية الأولى، ظهر مفهوم انعدام الجنسية، ومعه ظهرت معسكرات اللاجئين، لا كحلّ، بل كوسيلة لعزل غير المرغوب فيهم. ثم جاء النازيون وصنعوا من المعسكر ذروة التقنية الحداثية في إدارة البشر. وإسرائيل، في هذا السياق، ليست استثناءً من الحداثة الغربية، بل أحد أكثر تجلياتها نقاءً وافتراسًا.. هي الوريث الأشرس للمخيال الاستعماري، الذي يرى في الأرض أرضًا بلا شعب، وفي السكان الأصليين تهديدًا وجوديًّا يجب إزالته. ولذلك، لا تستطيع هذه الدولة كنتاج للحداثة أن توجد إلا من خلال القتل، ولا أن تستقر إلا عبر الإبادة، ولا أن تتنفس إلا عبر الجدران والأسلاك والحواجز. وفي غزة، تكثّف إسرائيل هذا المنطق، حيث لا تمارس إسرائيل حربًا بالمعنى التقليدي، بل تكثّف منطق الدولة الحديثة حين تتحرر من كل قيد قانوني أو أخلاقي، وتُمنح غطاءً دوليًّا يحصّنها من المساءلة. فهي لا تقدم نفسها كدولة عادية لها حدود وحقوق مواطنة، بل ككيان يحاول أن يستمد شرعيته من الدم والإبادة عن طريق التكنولوجيا والسيطرة المطلقة على الأجساد، دون أن تواجه أي تبعات. فإسرائيل، في جوهرها، ليست انحرافًا عن الحداثة الغربية، بل من أكثر تجلياتها صدقًا وافتراسًا؛ فهي لم تُؤسَّس على عقد اجتماعي يربط السلطة بالشعب، بل على عقد دموي، يقوم على ميثولوجيا خلاص ديني مختلطة بأدوات الدولة الحديثة: الطائرات المسيّرة، وأنظمة المراقبة البيومترية، وهندسة الحصار، وتقنيات المعسكرات المفتوحة.. هي كيان سياسي لا يعمل ضمن منظومة القانون، بل في فضاء ما فوق القانون أو -بالأحرى- ما بعد القانون، كما وصفه ميشيل فوكو بـ"السياسة الحيوية"، حيث لا تُدار الحياة من خلال الحقوق، بل من خلال التحكم الكامل بالجسد، ومن يُسمَح له أن يبقى على قيد الحياة. في هذا السياق، لا تشتق إسرائيل شرعيتها من الشعب أو من مؤسسات تمثيلية، بل من قدرتها على سحق أي مقاومة، وتدمير كل سردية بديلة. وجودها نفسه مشروط بالإبادة المستمرة، والتطهير الرمزي والجسدي للآخر الفلسطيني، الذي يجب أن يُمحى لا من الأرض فقط، بل من اللغة، والتاريخ، والذاكرة. ولذلك فإن إسرائيل ليست استثناءً عن مشروع الدولة الحديثة، بل هي ذروته الأقصى، ونموذجه الأكثر تجريدًا: دولة لا تُعرّف نفسها بما تحكمه، بل بمن تُقصيه وتُفنيه. ومن هنا، فإن كل اعتراف بهذا الكيان بوصفه "دولة كغيرها من الدول" ليس موقفًا بريئًا أو محايدًا، بل هو تواطؤ ضمني مع هذا المنطق الإبادي، واشتراك -ولو بالصمت- في تحويل الفتك اليومي إلى ممارسة قانونية، وتجريد الآخر من حياته إلى مسألة إدارية. لذلك، يجب إدراك أن إسرائيل- ككيان استيطاني- لن تتغيّر؛ فالعنف بالنسبه لها ليس رد فعل، بل هو أيديولوجيا، وهوية، وبنية حكم. لذا، فإن كل محاولة لفهمها خارج هذا الإطار ستنتهي إلى التواطؤ، وكل عملية سلام تُعقد معها هي تثبيت لبنيتها، وكل اعتراف بها هو قبول الخنوع. ولهذا، رأى فرانز فانون أن الاستعمار لا يمكن هزيمته إلا حين توضع السكين على عنقه؛ فالمستعمِر لا يفهم لغة الحقوق، ولا يعترف بالإنسان إلا حين يُنتزع اعترافه بالقوة. من هنا، فإن مقاومة إسرائيل ليست خيارًا إستراتيجيًّا، بل ضرورة وجودية لشعوب المنطقة لانتزاع الحق في الوجود. فالشعوب الأصيلة في هذه المنطقة -من فلسطين إلى لبنان وسوريا والعراق- إذا أرادت سلامًا حقيقيًّا، فعليها أن تدرك أن لا سلام مع كيان وُلد من رحم المجزرة، ويتنفس من رئة الإبادة، ويستمد شرعيته من شلالات الدم. غزة اليوم ليست معسكرًا للجوع فقط، بل هي مرآة تعكس حقيقة عالم مأزوم، فقد كل حسٍّ أخلاقي، وارتضى رؤية أن يباد الأطفال في بث مباشر.. ثم يصمت. وما لم تتحطم هذه المعادلة، وتُكسَر القاعدة التي تسمح بوجود كيان كهذا بلا عقاب، فإن المعسكر سيتوسع.. حتى يبتلعنا جميعًا.

لوبس: هل يحيي ترامب فكرة القدر المعلن لتبرير نهمه بالتوسع؟
لوبس: هل يحيي ترامب فكرة القدر المعلن لتبرير نهمه بالتوسع؟

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

لوبس: هل يحيي ترامب فكرة القدر المعلن لتبرير نهمه بالتوسع؟

قالت لونوفيل أوبسرفاتور (لوبس) إن مفهوم "القدر المعلن" برز في الرأي العام الأميركي منذ منتصف القرن التاسع عشر، وهو فكرة تقوم على أن البلاد يجب أن تتوسع، لأن العناية الإلهية اختارتها لذلك. وربطت المجلة الفرنسية -في تقرير بقلم سيلفان كوراج- بين هذا المفهوم وخطاب التنصيب الذي ألقاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم 20 يناير/كانون الثاني 2025، واعدا "بعصر ذهبي" جديد. وأضافت أنه قال بالحرف "ستعود أميركا أمة نامية، تزيد ثروتها، وتوسع أراضيها، وتشيد مدنها، وتعلي من سقف طموحاتها، وتحمل رايتها إلى أراض جديدة وجميلة. سنسعى وراء قدرنا المعلن إلى النجوم، ونرسل رواد فضاء لغرس النشيد الوطني الأميركي على كوكب المريخ". وبذلك أعاد ترامب وسط تصفيق حار إحياء فكرة "القدر المعلن"، وهي فكرة ولدت في منتصف القرن التاسع عشر، مفادها أن للولايات المتحدة حقا إلهيا في توسيع أراضيها عبر قارة أميركا الشمالية، بل أبعد من ذلك بكثير. وفي خضم ترحيل الهنود، وضم مساحات شاسعة من المكسيك، وغزو الغرب الأميركي في أربعينيات القرن التاسع عشر، احتاج الاتحاد الناشئ إلى تبرير توسعه الهائل، من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي ، يقول المؤرخ آلان كراوت "إنه اعتقاد، في لحظة معينة من التاريخ الأميركي، بأن الله أراد لهذا البلد أن يتوسع من ساحل إلى آخر". وقد كان لفكرة "القدر المعلن" تأثير دائم على تصور القوة العالمية الرائدة لدورها العالمي، إذ يرى المؤرخ وليام إيرل ويكس أن هذه الفكرة تكمن وراء "فرضية الفضيلة الأخلاقية الفريدة للولايات المتحدة، وتأكيد رسالتها في خلاص العالم من خلال نشر الحكم الجمهوري، وبشكل أعم "أسلوب الحياة الأميركي". بواسطة أوسوليفان وظهرت هذه العبارة أول مرة في يوليو/تموز 1845 في المجلة الشهرية "مجلة الولايات المتحدة والمراجعة الديمقراطية"، التي كتبها الصحفي جون ل. أوسوليفان، وهو صحفي مقرب من الحزب الديمقراطي في ذلك الوقت، ومؤيد متحمس لضم جمهورية تكساس، وكتب أن "قدرنا المعلن هو أن ننتشر في القارة التي أوكلتها العناية الإلهية للتنمية الحرة لشعبنا المتزايد". وكان أوسوليفان من أشد المؤيدين "للديمقراطية الجاكسونية"، نسبة إلى الرئيس السابع للولايات المتحدة أندرو جاكسون (1829-1837) الذي كان بطلا في حرب الاستقلال، وكان سياسيا جنوبيا شعبويا وندد بالنخب السياسية والاقتصادية، وواجهه سياسيون ليبراليون مناهضون للعبودية ومدافعون عن مؤتمر حزب الأحرار. التوسع غربا وعلى الرغم من ديمقراطيته، أيد جاكسون نظام العبودية، إذ كان يملك 150 عبدا، وواصل إبادة الأميركيين الأصليين الذين حاربهم بشراسة في تينيسي، وأقر قانون ترحيل الهنود عام 1830، وهو قانون يأمر بترحيل "القبائل المتحضرة" إلى ما وراء نهر المسيسيبي، مما جعل قبيلة الشيروكي تسلك "درب الدموع" الذي يعني للرواد بداية الفتح العظيم للغرب ووعدا بمستقبل مشرق. وبدعوته إلى "القدر المعلن"، قدم أوسوليفان إطارا أيديولوجيا لهذه القفزة الحتمية، ودعا إلى الاستيلاء على إقليم أوريغون، وكتب "يستند هذا الادعاء إلى حقنا المقدر في التوسع وامتلاك القارة بأكملها، فقد منحتنا إياه العناية الإلهية لتطوير التجربة العظيمة في الحرية والحكم الذاتي الفدرالي الموكلة إلينا". واستولت الولايات المتحدة على ولايات يوتا ونيفادا وأريزونا ونيو مكسيكو وكاليفورنيا، وسارع 300 ألف مغامر من جميع أنحاء العالم للبحث عن الذهب، وأشادت الصحافة والأدب الشعبي بأسطورة "الغرب المتوحش" التي ألهمت أفلام هوليود الغربية بعد أقل من قرن. ولكن سرعان ما تبددت أوهام "القدر المعلن" منذ خمسينيات القرن التاسع عشر -كما تقول المجلة- وركز النقاش السياسي على السؤال المحير: هل ستكون الولايات الغربية الجديدة مؤيدة للعبودية؟ وبلغ التوتر ذروته، لينتهي إلى تمرد الجنوب الكونفدرالي ضد الاتحاديين في الشمال، فبدأت الحرب الأهلية (1861-1865)، ودافع أوسوليفان على الجانب الخاسر عن مالكي العبيد، ومات منسيا عام 1895. وكندا تبرير لنهم إقليمي وكانت هذه نهاية "القدر المعلن" الذي حلله المؤرخ ريجينالد هورسمان باعتباره مظهرا من مظاهر "العنصرية الأنجلوساكسونية في القرن التاسع عشر"، وكان الرئيس الجمهوري وليام ماكينلي (1897-1901) آخر من طبقها حرفيا، باسم المصالح البحرية والتجارية الجديدة، فضم هاواي وسيطر على أراض مثل الفلبين وغوام وبورتوريكو، ومعه تحول التوسع الإقليمي إلى سياسة نفوذ واستحواذ خارجي، معلنا بذلك انضمام الولايات المتحدة إلى صفوف القوى الإمبريالية العالمية. وبعد الحرب العالمية الأولى ، أكد الرئيس وودرو ويلسون أن بلاده تتمتع بامتياز "احترام مصيرها وإنقاذ العالم"، وفي خمسينيات القرن الماضي برر هاري ترومان واجب الولايات المتحدة في الدفاع عن الحرية والديمقراطية ضد التهديد السوفياتي، وفي عام 2003 استحضر جورج بوش الابن مهمة شبه إلهية لإضفاء الشرعية على الحرب في العراق. وختمت المجلة بالسؤال: ما الذي يمكن أن يعنيه استخدام هذه الأيديولوجية لترامب الذي لم يذكر "القدر المعلن" خلال ولايته الأولى، إلا إذا كان يبرر نهمه الإقليمي لقناة بنما وغرينلاند وكندا، مستحضرا عقدة تفوق مقلقة للغاية تعود إلى 180 عاما.

واشنطن بوست: إدارة ترامب تنشر وثيقة سرية للغاية متجاهلة اعتراضات "سي آي إيه"
واشنطن بوست: إدارة ترامب تنشر وثيقة سرية للغاية متجاهلة اعتراضات "سي آي إيه"

الجزيرة

timeمنذ 4 ساعات

  • الجزيرة

واشنطن بوست: إدارة ترامب تنشر وثيقة سرية للغاية متجاهلة اعتراضات "سي آي إيه"

أفادت صحيفة واشنطن بوست بأن مديرة المخابرات الوطنية تولسي غابارد أقدمت على نشر وثيقة في غاية السرية تتعلق بتدخل روسيا في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016، متجاهلة بذلك اعتراضات وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) وغيرها من أجهزة الاستخبارات التي طالبت بالإبقاء على الجزء الأكبر منها طي الكتمان. وذكرت الصحيفة -نقلا عن أشخاص طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم نظرا لحساسية الموضوع- أن اعتراضات أجهزة الاستخبارات نابعة من حرصها على حماية مصادرها وأساليب التجسس الأميركية. تحقيق جنائي وخلال الشهر الماضي، قامت غابارد، ومدير السي آي إيه جون راتكليف، ووزيرة العدل بام بوندي، بنشر مجموعة من التقارير الاستخباراتية والأمنية يدّعون أنها تثبت أن استنتاج وكالات الاستخبارات بأن موسكو تدخلت في انتخابات 2016 لصالح ترامب كان "خدعة" اختلقتها إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما. وقد فتحت وزارة العدل تحقيقا جنائيا في تصرفات مسؤولي إدارة أوباما، كما أمرت بوندي بعرض الأدلة أمام هيئة محلفين كبرى. وأوضحت الصحيفة -في تقرير مراسلها وارن ستروبل- أن قرار غابارد جاء بعد صراع داخلي شديد بشأن حساسية المعلومات الواردة في الوثيقة المعنية التي تتضمن إشارات مباشرة إلى مصادر بشرية داخلية تابعة للسي آي إيه كانت ترصد خطط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء حملة الانتخابات. وقد اتُّخذ القرار بالنشر بمباركة شخصية من ترامب أثناء ولايته الرئاسية الأولى، الذي وافق على إصدار نسخة "بتنقيحات طفيفة ودون تعديل"، وفقا لمصادر مطلعة. وأثار نشر الوثيقة بهذا الشكل موجة من الاعتراضات داخل الأروقة الاستخباراتية والدبلوماسية. فإلى جانب ما تحتويه من إشارات واضحة لمصادر بشرية وجمع معلومات إلكتروني حساس، تشير الوثيقة إلى معلومات سرية وردت من حكومات أجنبية حليفة، مما يهدد الثقة المتبادلة بين أجهزة استخبارات واشنطن وحلفائها، بحسب المراسل ستروبل في تقريره. وقد انتقد السيناتور الديمقراطي مارك وورنر قرار النشر، واصفا إياه بأنه "عمل يائس وغير مسؤول" يعرض للخطر "بعضا من أكثر أساليب ومصادر الاستخبارات حساسية". أما لاري فايفر، المسؤول السابق في السي آي إيه والبيت الأبيض ، فقال إنه شعر بأنه "سيقع في ورطة" فقط لقراءته الوثيقة، نظرا لكمية المعلومات التي تُمكّن من استنتاج "مصادر وأساليب العمل الاستخباراتي". من جهتها، استندت غابارد إلى سلطتها القانونية الأعلى في رفع السرية عن الوثائق، وقالت مصادر إنها لم تكن بحاجة لموافقة السي آي إيه. لكنها تجاهلت نسخا أخرى من الوثيقة كانت تحوي تنقيحات أكثر لحماية الأمن القومي. ويشير مطلعون إلى أن عدّة نسخ مختلفة من الوثيقة كانت قيد التداول قبل النشر، مما يعكس الانقسام العميق بين المؤسسات حول حدود الشفافية ، وسط ضغوط سياسية واضحة من البيت الأبيض. توتر سابق بين ترامب وغابارد ولفتت واشنطن بوست الانتباه إلى أن العلاقة بين ترامب وغابارد كان قد شابها التوتر في وقت سابق هذا العام بسبب خلافات علنية حول تقييم البرنامج النووي الإيراني. فقد شكك الرئيس مرتين على الأقل، علنا، في تقييمات مديرة المخابرات الوطنية ومجتمع الاستخبارات الأميركي بشأن إيران. وأشارت إلى أنه لم يتضح بالضبط كيف أعطى ترامب موافقته على نشر الوثيقة شديدة السرية، أو ما إذا كان قد اطلع على النسخ المتعددة قبل صدور النسخة النهائية. وطبقا للصحيفة، فقد أُعِدّت هذه الوثيقة في وقت كانت فيه لجنة الاستخبارات بمجلس النواب تشهد انقسامات حزبية غير مسبوقة، وكان يرأسها آنذاك النائب الجمهوري ديفن نونز من كاليفورنيا، والذي يشغل حاليا منصب الرئيس التنفيذي لشركة "تروث سوشيال" للتواصل الاجتماعي المملوكة لترامب. ووصف مسؤولون سابقون من الحزب الديمقراطي الوثيقة بأنها منحازة ولا تعكس بدقة عمل الاستخبارات الأميركية في التحقيق في تدخل روسيا بالانتخابات. وعادت الوثيقة مجددا إلى دائرة الضوء بعدما أرسل النائب الجمهوري ريك كراوفورد، الرئيس الحالي للجنة الاستخبارات، رسالة إلى ترامب في يوليو/تموز المنصرم يطالبه فيها بالإفراج عن الوثيقة، بعد محاولات فاشلة لاستعادتها من حيازة السي آي إيه.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store