
ماليزيا تدرس حظر السجائر الإلكترونية بفعل أضرارها .. المبيعات 823 مليون دولار
يتهم الماليزيون الحكومة بالمماطلة في فرض حظر شامل على السجائر الإلكترونية، في ظل تزايد الأدلة على أضرارها الصحية، ولا سيما بين الشباب، ما يثير قلق الرأي العام.
أعلن وزير الصحة ذو الكفل أحمد، أن وزارته ستُكلف عدة جهات حكومية بإجراء دراسة مشتركة تشمل الوزارات المالية والتجارة الداخلية والدولية، قبل التوصية بحظر محتمل على مستوى البلاد على السجائر الإلكترونية، رغم أن 6 ولايات من أصل 13 ولاية في ماليزيا قد فرضت حظرها الخاص.
وصفت تعليقات ذو الكفل بأنها دليل آخر على التردد داخل الحكومة، التي تعرضت لانتقادات لترددها في التعامل مع صناعة السجائر الإلكترونية المربحة، بحسب ما ذكرت صحيفة "ساوث تشاينا مورنينج بوست".
يقول نقاد "إن قرار الحكومة بإزالة النيكوتين السائل من قائمة المواد السامة فتح الباب على مصراعيه أمام بيع هذه المنتجات بشكل غير منظم للقاصرين، حتى مع تردد ماليزيا في فرض حظر على منتجات التبغ".
أفاد أحد أولياء أمور أن أجهزة الفيب الصغيرة، التي يسهل إخفاؤها، بدأت تجد طريقها إلى الفصول الدراسية، ما أثار قلقا متزايدا بشأن انتشارها بين الطلاب.
وقال بعض أولياء الأمور "إنهم يضطرون لتفتيش أغراض أطفالهم بشكل منتظم للتأكد من عدم حيازتهم لها"، في حين حذرت المدارس من أن بعض التلاميذ يستخدمونها بين الحصص، مطالبين بفرض حظر شامل عليها
.
في حديثه أمام البرلمان يوم الإثنين، أقر ذو الكفل بأن القوانين الحالية فشلت في الحد من انتشار استخدام السجائر الإلكترونية، وقال "إن الحكومة تدرس فرض حظر كامل".
أشار الوزير إلى توجه وزارة الصحة نحو فرض حظر كامل على بيع السجائر الإلكترونية واستخدامها للحد من هذه المشكلة بشكل أكثر فاعلية وشمولية، "ومع ذلك، يجب تنفيذ هذا الحظر بحذر".
أضاف، أن "أي خطوة من هذا القبيل ستحتاج إلى تقييم شامل لتداعياتها القانونية، إضافة إلى تأثيرها في إيرادات الحكومة".
وارتفعت قيمة مبيعات التجزئة في هذا القطاع 53% بين 2019 و2023، إذ ارتفعت من 2.27 مليار رينجيت إلى ما يُقدر بنحو 3.48 مليار رينجيت (823 مليون دولار)، بحسب بيانات الصناعة الصادرة عن غرفة تجارة السجائر الإلكترونية الماليزية.
وفي الوقت نفسه، يستعد نظام الرعاية الصحية في ماليزيا لتحمل تكاليف سنوية تصل إلى 82 مليون دولار بحلول 2030 لعلاج أمراض الرئة المرتبطة باستخدام السجائر الإلكترونية، وفقا لما ذكره ذو الكفل للبرلمان.
يتزايد الإحباط بين العامة، الذين يشككون في الحاجة إلى دراسة الأمر، حيث دعا كثيرون إلى حظر فوري.
كان المشرعون الماليزيون قد اقترحوا في وقت سابق مشروع قانون يحظر بيع التبغ لأي شخص ولد بعد 2007، بهدف التخلص التدريجي من التدخين للأجيال القادمة دون تأثر المدخنين البالغين الحاليين.
لكن مشروع القانون سُحب فجأة من النقاش البرلماني في نوفمبر 2023 بعد مقاومة من جماعات مؤيدة للتدخين ومخاوف بشأن الحقوق الدستورية.
بينما تواصل السلطات الفيدرالية مناقشاتها، فرضت بعض الحكومات حظرا خاصا على بيع السجائر الإلكترونية.
إلى جانب مخاطر الجهاز التنفسي، يقول قادة الولايات "إن إجراءاتهم مدفوعة أيضا بالعلاقة المتزايدة بين استخدام السجائر الإلكترونية وتعاطي المخدرات الاصطناعية، بما في ذلك بين القاصرين".
في يونيو، ألقت الشرطة الماليزية القبض على 3 رجال سنغافوريين في كوالالمبور، وصادرت سائلا للسجائر الإلكترونية مخلوطا بالكوكايين بقيمة 1.7 مليون دولار كان مُعدا للتصدير، ما يسلط الضوء على بروز البلاد كمركز لتوزيع المخدرات من خلال السجائر الإلكترونية.
ازداد القلق العام في مايو عندما انتشر خبر وفاة رجل يبلغ من العمر 44 عاما على نطاق واسع بعد أن شاركت عائلته تحذيرا كتبه بشأن مخاطر استخدام السجائر الإلكترونية.
قال على مواقع التواصل الاجتماعي: "كنت أستخدم السجائر الإلكترونية بكثرة لدرجة أنني كنتُ أمسكها بيد والأخرى على مقود الدراجة النارية".
ووصف تدهور حالته الصحية، حيث احتاج إلى علاج بالأكسجين وجراحة لتصريف السوائل والقيح من رئتيه، ثم وجه نصيحة للشباب قائلا: "إلى جيل الشباب، توقفوا عن استخدام السجائر الإلكترونية. لا يزال أمامكم وقت وأمل".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سعورس
منذ 10 ساعات
- سعورس
أسرار المهنة البيضاء ومن هو زعيم الأطباء
من منظور تجاري بحت، للأسف قد يبدو هذا الطرح منطقيًا؛ فالدخل المتكرر والمستدام من مريض يعتمد على دواء مدى الحياة هو بالتأكيد أكثر ربحية من بيع علاج يُشفى به لمرة واحدة. لكن هذا الطرح، من الناحية الأخلاقية، يفتح أبوابًا خطيرة على مصراعيها، ويثير تساؤلات عميقة عن نوايا القطاع الدوائي العالمي. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا نُعيد طرح هذا الموضوع اليوم، رغم أن المقال الأصلي كُتب قبل سنوات ولاقى تفاعلًا واسعًا وجدلًا أوسع حينها؟ الجواب أن هناك جملة من الأسباب التي تدفعنا للعودة إلى هذا الملف، وسنستعرضها لاحقًا، ولكن قبل ذلك نريد التطرق إلى زاوية إعلامية لها علاقة وثيقة بالموضوع. في مناسبات عديدة، تحدثنا عن أزمة الصحافة الورقية ومأزقها في مواجهة الإعلام المرئي ووسائل التواصل الاجتماعي. ومن أبرز المشاكل التي تعاني منها الصحافة التقليدية هو غياب الصحافة الاستقصائية الاحترافية، فعندما تُعاد صياغة الأخبار المتداولة في الصحافة التقليدية الورقية من وسائل الإعلام الأخرى وبعد وقت أيضًا دون إضافة محتوى حصري أو تحليلي، تصبح الصحافة الورقية متأخرة ولا تملك ميزة نسبية. وعلى النقيض، نجد أن الصحف العالمية الكبرى (التقليدية) لا تزال تحافظ على اشتراكات جماهيرية كبيرة لأنها تقدم تقارير وأخبارًا حصرية واستقصائية، لا تجدها في أي وسيلة إعلامية أخرى. خذ مثلًا صحيفة «وول ستريت جورنال» أو «نيويورك تايمز»، فهما تقدمان محتوى قد يبرر اشتراك القارئ ماليًا. وإذا انتقلنا إلى منطقتنا، نجد نموذجًا مميزًا مثل منصة «ميد»، التي تُنشر تقارير حصرية ودقيقة، ما يجعلها محط اهتمام نخبة من المهتمين بالاقتصاد والسياسة والمشاريع في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، لفت انتباهنا وجود صحفي استقصائي بارز، الأستاذ حسين الغاوي، الذي يبدو أن حسه الاستقصائي قاده إلى ملف بالغ الحساسية: شركات الأدوية، وهي خطوة جريئة تُحسب له، خصوصاً أن الاقتراب من هذا العش المُعقّد يتطلب شجاعة مهنية، ونتمنى له التوفيق في مغامرته. قبل سنوات، عندما كتبنا مقالًا عن نفوذ شركات الأدوية، فوجئنا بردود أفعال حادة، ليس فقط من بعض الصيادلة، بل حتى من بعض الأطباء، مما يدل على حساسية الموضوع. لكن دعونا نتحدث بلغة الأرقام: يُقدر حجم سوق الأدوية العالمي بنحو 1.7 تريليون دولار. أما سوق الأجهزة الطبية، فيُقدر ب680 مليار دولار. أي إن السوق الكلي للأدوات والدواء يتجاوز 2.4 تريليون دولار. وفي الولايات المتحدة وحدها، يُعد لوبي شركات الأدوية ثاني أقوى لوبي ضغط في نظر كثيرين بواشنطن من حيث التأثير على السياسيين، بعد لوبي السلاح. أما عن الأموال التي تُنفقها شركات الأدوية للتأثير واستمالة الأطباء والتسويق فالأرقام الرسمية (ونؤكد: الرسمية فقط) تُشير إلى إنفاق ما يزيد على 13.2 مليار دولار سنويًا، وهذه تنقسم إلى: 8.5 مليارات دولار لدعم الأبحاث. 3.3 مليارات دولار على شكل دفعات مباشرة، تشمل: استشارات، سفريات، محاضرات، دعوات، حفلات عشاء، وهدايا، وترفيه إلى آخره. هذا في أمريكا فقط! وللتوضيح، بعض الأطباء في أمريكا يتلقون سنويًا مبالغ تقارب مليون دولار من شركات الأدوية على شكل «استشارات ومحاضرات»، التي قد تكون في الواقع مجرد لقاءات مصغرة لا تتعدى حضور بضعة أشخاص، لكنها تفي بالغرض القانوني. أما المجلات الطبية، فإن بعضها تعتمد بشكل كبير على دعم ورعاية شركات الأدوية. وقد وجد تحليل للأبحاث بين عام (1998-2018) المتعلقة بدواء معين أن المجلات الطبية التي تنشر مقالاتٍ إيجابية حول هذا الدواء كانت تتلقى تمويلًا كبيرًا من الشركات المنتجة! وقد أدت هذه الأنماط إلى ظهور «مجلاتٍ متخصصة» تتبنى وجهة نظر معينة! وينطبق الأمر نفسه على بعض المؤتمرات الطبية، حيث إن عديدًا من الرعاة الرئيسيين والداعمين الأساسيين هم شركات الأدوية الكبرى. وفي جلسة مختصرة جمعتنا بأحد كبار مديري شركات الأدوية في الخارج، وكان صريحًا ربما لأنه يعلم أننا نعيش خارج المنطقة، علق عندما تحدثنا عن حملات مكافحة الفساد في الخليج قائلاً: «الوضع تغير إلى حد ما شكليًا فقط، وأصبح أكثر تنظيمًا وأكثر قانونية يشابه الغرب ! فبدلًا من الدفع المباشر كما السابق، أصبحت الأمور تسير كما في أوروبا وأمريكا ، تحت مسميات مثل: استشارات، محاضرات غالبًا يحضرها عدد قليل من الأشخاص وربما جاءوا فقط لتناول الطعام المجاني». من الجميل أن الأمور في المنطقة لم تعد سائبة كما في السابق، حيث كانت بعض الشركات تتكفل بمصاريف زواج أقارب أطباء ومسؤولين، بما في ذلك مصاريف المعازيم! ويقال إنهم يعرفون كيف ينظمون حفلات زفاف فارهة! أما عن الأسباب التي جعلتنا نؤجل الحديث عن نفوذ شركات الأدوية مرة أخرى، وعدم التطرق للموضوع لسنوات منذ المقال الأول فهي عديدة ومنها: •أنه هو أن كلما تعمقنا في الموضوع اكتشفنا أمورًا مزعجة ومقلقة، وهناك قول مأثور «إذا لم تستطع تغيير الواقع، فلا تتعمق فيه». •وهناك سبب آخر هو عدم معرفة بعض الأطباء لما هو وراء الكواليس، وقد ينكر البعض لما لا يعرف! وهنا نصل إلى الفرق الجوهري بين الطبيب الممارس (MD) والطبيب الممارس العالم (MD. PhD). الأول ممارس إكلينيكي ويكتفي بتطبيق الدراسات والبحوث الجاهزة، التي تأتيه جاهزة في عيادته أو عملياته ويعتقد أنه يطبق كل جديد، بينما الثاني يشارك في إنتاج المعرفة وفهم كواليس إنتاج الدواء منذ البداية ويعرف مراحل العملية، ومعرفة دهاليز الأمور وكيف تدار من المختبرات إلى التطبيق السريري، وأيضاً يمارس الطب في عيادته أو عملياته فهو ملم بالاثنان. وهذا الفرق يشبه إلى حد ما الفرق بين سائق السيارة ومهندس صناعتها؛ الأول يقود ببراعة وربما لعقود ولكنه لا يعرف كيف تصنع أو تصلح، والثاني يفهم آلية الصنع والإصلاح والمشاكل وأيضاً يقود السيارة. لذلك بعض الممارسين يعتقد أنه يفهم كيف تسير الأمور وأن كل شيء تمام! بينما هو لا يعرف إلا المرحلة النهائية وهي السياقة! مع الأسف، يعاني العالم العربي من ندرة الأطباء الممارسين العلماء، ويركز معظم الأطباء على الممارسة السريرية فقط التي تجلب المال والمكانة، بخاصة في القطاع الخاص، دون بناء خبرات بحثية ومخبرية. •سبب آخر جعلنا نتجنب الخوض في هذا الملف سابقًا، هو أن انتقاد ممارسات شركات الأدوية قد يؤدي إلى فقدان الزملاء وربما خسارة صداقات. أحد الزملاء الذي نثق بنظافة يده وكنا نثق بمهنيته، عاتبنا قائلاً: «نعم هناك تجاوزات، لكن لا ينبغي أن تُعلن للعامة حتى لا تتأثر صورتنا كأطباء أمام الجمهور». تمنيت أن أقول له «حتى أنت يا بروتس؟!». هذا يذكرنا بما كان يُقال قديمًا حين كانت تُمنع تغطية فساد الأشخاص في الوزارات السيادية بحجة حماية هيبة الوزارات، إلى أن جاء الأمير محمد بن سلمان- حفظه الله- وأصبح الفساد يُكشف في جميع الوزارات السيادية دون أن يُمس هيبة الدولة، بل على العكس، تعززت الشفافية، فالفاسد يمثل نفسه وليس وزارته. مقالنا السابق عن شركات الأدوية أثار حفيظة عديد من الزملاء، وذكرنا بالمثل الشعبي: «لا تبوق ولا تخاف»، أو كما يقول المثل المصري: «ما تمشيش جنب المقابر وما تشوفش منامات وحشة». ومما زاد الطين بلة أيضا أن كثيرًا من الزملاء لم ينسوا لنا تصريحنا الشهير بأن الوزراء من غير الأطباء أكثر كفاءة من الوزراء الأطباء، وهو تصريح لا يُغفر في بعض الدوائر. لكننا لم نُخلق لإرضاء الناس، ولسنا نغير قناعات من أجل ود أحد، بل لنقول ما نعتقد أنه صحيح. ومن باب الشفافية والإنصاف، فإن مسؤولي شركات الأدوية يُعدون من أكثر الأشخاص رقيًّا في التعامل واللباقة في الحديث. وفي المجال الطبي، لا مفر من التعامل معهم؛ فهم جزء أساسي ومؤثر في منظومة الرعاية الصحية. ويُظهرون دائمًا احترامًا كبيرًا للطبيب، ويحرصون على منحه التقدير والمكانة، ويؤكدون له أنه «محور المنظومة، وصانع القرار، والمُنقذ». (يعطونه جوه!)، وحديثهم مصاغ بعناية، ومنمق إلى درجة تجعل الطبيب يشعر بثقة وثقل في التأثير، غير أن طريقة إيصال رسائلهم ورغباتهم تتميز بالذكاء والاحتراف العالي. ومن باب الأدب، أستذكر موقفًا لا يُنسى: أحد رؤساء شركات الأدوية الكبرى رافقنا حتى مواقف السيارات، في مشهد يعكس تواضعًا كبيرًا رغم منصبه. ومن باب الشفافية أيضا، لا بد أن نقر بأنهم لا يُظهرون العداء حتى لمن لا يتعاون معهم، بشرطٍ واحد: ألا تُهاجمهم أو تُهاجم منتجاتهم علنا وصراحة وبالاسم. يمكن القول إن هناك اتفاقًا غير معلن: «نحترم عدم التعامل معنا وعدم أخذ الهدايا وغيرها ما دام هناك عدم الهجوم علنًا ولا موجهًا بالاسم لمنتجاتنا! وهنا، أعيد التأكيد على نصيحتي القديمة، خصوصًا للأطباء من الجيل الجديد: لا تتهور ولا تتحمس ولا تحارب ولا تُواجه شركات الأدوية علنًا أو تذكر أسماءهم إذا كنت تنوي البقاء ضمن المهنة. نحن نعرف خفايا هذا العالم جيدًا لعقود من الزمن، ونُدرك مدى تشعب نفوذهم وعمق شبكاتهم. ولا تكن مندفعًا في مواقفك، وإذا كنت تطمح إلى الشفافية والمهنية، فمارس عملك الطبي باحتراف، ولا تُؤجر ضميرك ورأيك حتى لأكبر الأسماء في المهنة إذا كان هناك تضارب مصالح. وبإمكانك ببساطة أن ترفض الهدايا والسفرات والدعوات والولائم الفاخرة التي تُقدم في سياقات ظاهرها تعليمي أو مهني، لكن باطنها تسويقي ونفوذي. نحن لا نتحدث هنا عن أرقام عادية، بل عن ميزانية عالمية تُقدر ب27 مليار دولار تُنفقها شركات الأدوية سنويًا لإقناع الأطباء والتسويق والتأثير على بعض القرارات الطبية. هذه المبالغ تعادل ميزانيات دول بأكملها. من تظن نفسك حتى تُواجه هذا التيار الجارف من المصالح والتمويل والعلاقات؟ كن واقعيًا. وإذا قررت أن تُجاهر بموقفك، فكن مستعدًا لاحتمال انقلاب أقرب زملائك وأصدقائك ضدك، لا لشيء، سوى أن «الموضوع يستحق أتعاب استشارة أو تذاكر سفر أو محاضرة مدفوعة»! قد يُهاجمك أقرب الناس إليك، لا عن قناعة، بل عن مصلحة. لذلك، فإن الخيار الأكثر اتزانًا هو أن تمارس مهنتك باعتدال، وبما يُمليه عليك ضميرك، وأن تبتعد عن الدخول في قوائم دفعات شركات الأدوية، وهذا وحده كاف.


الوطن
منذ 11 ساعات
- الوطن
أسرار المهنة البيضاء ومن هو زعيم الأطباء
في عام 2018 كشف عن تقرير صادم أثار جدلًا واسعًا وأشعل نقاشًا حادًا في الأوساط الطبية والإعلامية. التقرير، الصادر عن مؤسسة «غولدمان ساكس»، أشار بشكل مثير إلى أن من الأفضل- من الناحية الاقتصادية لشركات الأدوية- ألا تركز على إنتاج علاجات تُشفي الأمراض جذريًا، بل أن تُنتج أدوية تُبقي المرض تحت السيطرة، مما يضطر المريض لاستخدامها لفترات طويلة. من منظور تجاري بحت، للأسف قد يبدو هذا الطرح منطقيًا؛ فالدخل المتكرر والمستدام من مريض يعتمد على دواء مدى الحياة هو بالتأكيد أكثر ربحية من بيع علاج يُشفى به لمرة واحدة. لكن هذا الطرح، من الناحية الأخلاقية، يفتح أبوابًا خطيرة على مصراعيها، ويثير تساؤلات عميقة عن نوايا القطاع الدوائي العالمي. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا نُعيد طرح هذا الموضوع اليوم، رغم أن المقال الأصلي كُتب قبل سنوات ولاقى تفاعلًا واسعًا وجدلًا أوسع حينها؟ الجواب أن هناك جملة من الأسباب التي تدفعنا للعودة إلى هذا الملف، وسنستعرضها لاحقًا، ولكن قبل ذلك نريد التطرق إلى زاوية إعلامية لها علاقة وثيقة بالموضوع. في مناسبات عديدة، تحدثنا عن أزمة الصحافة الورقية ومأزقها في مواجهة الإعلام المرئي ووسائل التواصل الاجتماعي. ومن أبرز المشاكل التي تعاني منها الصحافة التقليدية هو غياب الصحافة الاستقصائية الاحترافية، فعندما تُعاد صياغة الأخبار المتداولة في الصحافة التقليدية الورقية من وسائل الإعلام الأخرى وبعد وقت أيضًا دون إضافة محتوى حصري أو تحليلي، تصبح الصحافة الورقية متأخرة ولا تملك ميزة نسبية. وعلى النقيض، نجد أن الصحف العالمية الكبرى (التقليدية) لا تزال تحافظ على اشتراكات جماهيرية كبيرة لأنها تقدم تقارير وأخبارًا حصرية واستقصائية، لا تجدها في أي وسيلة إعلامية أخرى. خذ مثلًا صحيفة «وول ستريت جورنال» أو «نيويورك تايمز»، فهما تقدمان محتوى قد يبرر اشتراك القارئ ماليًا. وإذا انتقلنا إلى منطقتنا، نجد نموذجًا مميزًا مثل منصة «ميد»، التي تُنشر تقارير حصرية ودقيقة، ما يجعلها محط اهتمام نخبة من المهتمين بالاقتصاد والسياسة والمشاريع في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، لفت انتباهنا وجود صحفي استقصائي بارز، الأستاذ حسين الغاوي، الذي يبدو أن حسه الاستقصائي قاده إلى ملف بالغ الحساسية: شركات الأدوية، وهي خطوة جريئة تُحسب له، خصوصاً أن الاقتراب من هذا العش المُعقّد يتطلب شجاعة مهنية، ونتمنى له التوفيق في مغامرته. قبل سنوات، عندما كتبنا مقالًا عن نفوذ شركات الأدوية، فوجئنا بردود أفعال حادة، ليس فقط من بعض الصيادلة، بل حتى من بعض الأطباء، مما يدل على حساسية الموضوع. لكن دعونا نتحدث بلغة الأرقام: يُقدر حجم سوق الأدوية العالمي بنحو 1.7 تريليون دولار. أما سوق الأجهزة الطبية، فيُقدر بـ680 مليار دولار. أي إن السوق الكلي للأدوات والدواء يتجاوز 2.4 تريليون دولار. وفي الولايات المتحدة وحدها، يُعد لوبي شركات الأدوية ثاني أقوى لوبي ضغط في نظر كثيرين بواشنطن من حيث التأثير على السياسيين، بعد لوبي السلاح. أما عن الأموال التي تُنفقها شركات الأدوية للتأثير واستمالة الأطباء والتسويق فالأرقام الرسمية (ونؤكد: الرسمية فقط) تُشير إلى إنفاق ما يزيد على 13.2 مليار دولار سنويًا، وهذه تنقسم إلى: 8.5 مليارات دولار لدعم الأبحاث. 3.3 مليارات دولار على شكل دفعات مباشرة، تشمل: استشارات، سفريات، محاضرات، دعوات، حفلات عشاء، وهدايا، وترفيه إلى آخره. هذا في أمريكا فقط! وللتوضيح، بعض الأطباء في أمريكا يتلقون سنويًا مبالغ تقارب مليون دولار من شركات الأدوية على شكل «استشارات ومحاضرات»، التي قد تكون في الواقع مجرد لقاءات مصغرة لا تتعدى حضور بضعة أشخاص، لكنها تفي بالغرض القانوني. أما المجلات الطبية، فإن بعضها تعتمد بشكل كبير على دعم ورعاية شركات الأدوية. وقد وجد تحليل للأبحاث بين عام (1998-2018) المتعلقة بدواء معين أن المجلات الطبية التي تنشر مقالاتٍ إيجابية حول هذا الدواء كانت تتلقى تمويلًا كبيرًا من الشركات المنتجة! وقد أدت هذه الأنماط إلى ظهور «مجلاتٍ متخصصة» تتبنى وجهة نظر معينة! وينطبق الأمر نفسه على بعض المؤتمرات الطبية، حيث إن عديدًا من الرعاة الرئيسيين والداعمين الأساسيين هم شركات الأدوية الكبرى. وفي جلسة مختصرة جمعتنا بأحد كبار مديري شركات الأدوية في الخارج، وكان صريحًا ربما لأنه يعلم أننا نعيش خارج المنطقة، علق عندما تحدثنا عن حملات مكافحة الفساد في الخليج قائلاً: «الوضع تغير إلى حد ما شكليًا فقط، وأصبح أكثر تنظيمًا وأكثر قانونية يشابه الغرب ! فبدلًا من الدفع المباشر كما السابق، أصبحت الأمور تسير كما في أوروبا وأمريكا، تحت مسميات مثل: استشارات، محاضرات غالبًا يحضرها عدد قليل من الأشخاص وربما جاءوا فقط لتناول الطعام المجاني». من الجميل أن الأمور في المنطقة لم تعد سائبة كما في السابق، حيث كانت بعض الشركات تتكفل بمصاريف زواج أقارب أطباء ومسؤولين، بما في ذلك مصاريف المعازيم! ويقال إنهم يعرفون كيف ينظمون حفلات زفاف فارهة! أما عن الأسباب التي جعلتنا نؤجل الحديث عن نفوذ شركات الأدوية مرة أخرى، وعدم التطرق للموضوع لسنوات منذ المقال الأول فهي عديدة ومنها: •أنه هو أن كلما تعمقنا في الموضوع اكتشفنا أمورًا مزعجة ومقلقة، وهناك قول مأثور «إذا لم تستطع تغيير الواقع، فلا تتعمق فيه». •وهناك سبب آخر هو عدم معرفة بعض الأطباء لما هو وراء الكواليس، وقد ينكر البعض لما لا يعرف! وهنا نصل إلى الفرق الجوهري بين الطبيب الممارس (MD) والطبيب الممارس العالم (MD. PhD). الأول ممارس إكلينيكي ويكتفي بتطبيق الدراسات والبحوث الجاهزة، التي تأتيه جاهزة في عيادته أو عملياته ويعتقد أنه يطبق كل جديد، بينما الثاني يشارك في إنتاج المعرفة وفهم كواليس إنتاج الدواء منذ البداية ويعرف مراحل العملية، ومعرفة دهاليز الأمور وكيف تدار من المختبرات إلى التطبيق السريري، وأيضاً يمارس الطب في عيادته أو عملياته فهو ملم بالاثنان. وهذا الفرق يشبه إلى حد ما الفرق بين سائق السيارة ومهندس صناعتها؛ الأول يقود ببراعة وربما لعقود ولكنه لا يعرف كيف تصنع أو تصلح، والثاني يفهم آلية الصنع والإصلاح والمشاكل وأيضاً يقود السيارة. لذلك بعض الممارسين يعتقد أنه يفهم كيف تسير الأمور وأن كل شيء تمام! بينما هو لا يعرف إلا المرحلة النهائية وهي السياقة! مع الأسف، يعاني العالم العربي من ندرة الأطباء الممارسين العلماء، ويركز معظم الأطباء على الممارسة السريرية فقط التي تجلب المال والمكانة، بخاصة في القطاع الخاص، دون بناء خبرات بحثية ومخبرية. •سبب آخر جعلنا نتجنب الخوض في هذا الملف سابقًا، هو أن انتقاد ممارسات شركات الأدوية قد يؤدي إلى فقدان الزملاء وربما خسارة صداقات. أحد الزملاء الذي نثق بنظافة يده وكنا نثق بمهنيته، عاتبنا قائلاً: «نعم هناك تجاوزات، لكن لا ينبغي أن تُعلن للعامة حتى لا تتأثر صورتنا كأطباء أمام الجمهور». تمنيت أن أقول له «حتى أنت يا بروتس؟!». هذا يذكرنا بما كان يُقال قديمًا حين كانت تُمنع تغطية فساد الأشخاص في الوزارات السيادية بحجة حماية هيبة الوزارات، إلى أن جاء الأمير محمد بن سلمان- حفظه الله- وأصبح الفساد يُكشف في جميع الوزارات السيادية دون أن يُمس هيبة الدولة، بل على العكس، تعززت الشفافية، فالفاسد يمثل نفسه وليس وزارته. مقالنا السابق عن شركات الأدوية أثار حفيظة عديد من الزملاء، وذكرنا بالمثل الشعبي: «لا تبوق ولا تخاف»، أو كما يقول المثل المصري: «ما تمشيش جنب المقابر وما تشوفش منامات وحشة». ومما زاد الطين بلة أيضا أن كثيرًا من الزملاء لم ينسوا لنا تصريحنا الشهير بأن الوزراء من غير الأطباء أكثر كفاءة من الوزراء الأطباء، وهو تصريح لا يُغفر في بعض الدوائر. لكننا لم نُخلق لإرضاء الناس، ولسنا نغير قناعات من أجل ود أحد، بل لنقول ما نعتقد أنه صحيح. ومن باب الشفافية والإنصاف، فإن مسؤولي شركات الأدوية يُعدون من أكثر الأشخاص رقيًّا في التعامل واللباقة في الحديث. وفي المجال الطبي، لا مفر من التعامل معهم؛ فهم جزء أساسي ومؤثر في منظومة الرعاية الصحية. ويُظهرون دائمًا احترامًا كبيرًا للطبيب، ويحرصون على منحه التقدير والمكانة، ويؤكدون له أنه «محور المنظومة، وصانع القرار، والمُنقذ». (يعطونه جوه!)، وحديثهم مصاغ بعناية، ومنمق إلى درجة تجعل الطبيب يشعر بثقة وثقل في التأثير، غير أن طريقة إيصال رسائلهم ورغباتهم تتميز بالذكاء والاحتراف العالي. ومن باب الأدب، أستذكر موقفًا لا يُنسى: أحد رؤساء شركات الأدوية الكبرى رافقنا حتى مواقف السيارات، في مشهد يعكس تواضعًا كبيرًا رغم منصبه. ومن باب الشفافية أيضا، لا بد أن نقر بأنهم لا يُظهرون العداء حتى لمن لا يتعاون معهم، بشرطٍ واحد: ألا تُهاجمهم أو تُهاجم منتجاتهم علنا وصراحة وبالاسم. يمكن القول إن هناك اتفاقًا غير معلن: «نحترم عدم التعامل معنا وعدم أخذ الهدايا وغيرها ما دام هناك عدم الهجوم علنًا ولا موجهًا بالاسم لمنتجاتنا! وهنا، أعيد التأكيد على نصيحتي القديمة، خصوصًا للأطباء من الجيل الجديد: لا تتهور ولا تتحمس ولا تحارب ولا تُواجه شركات الأدوية علنًا أو تذكر أسماءهم إذا كنت تنوي البقاء ضمن المهنة. نحن نعرف خفايا هذا العالم جيدًا لعقود من الزمن، ونُدرك مدى تشعب نفوذهم وعمق شبكاتهم. ولا تكن مندفعًا في مواقفك، وإذا كنت تطمح إلى الشفافية والمهنية، فمارس عملك الطبي باحتراف، ولا تُؤجر ضميرك ورأيك حتى لأكبر الأسماء في المهنة إذا كان هناك تضارب مصالح. وبإمكانك ببساطة أن ترفض الهدايا والسفرات والدعوات والولائم الفاخرة التي تُقدم في سياقات ظاهرها تعليمي أو مهني، لكن باطنها تسويقي ونفوذي. نحن لا نتحدث هنا عن أرقام عادية، بل عن ميزانية عالمية تُقدر بـ27 مليار دولار تُنفقها شركات الأدوية سنويًا لإقناع الأطباء والتسويق والتأثير على بعض القرارات الطبية. هذه المبالغ تعادل ميزانيات دول بأكملها. من تظن نفسك حتى تُواجه هذا التيار الجارف من المصالح والتمويل والعلاقات؟ كن واقعيًا. وإذا قررت أن تُجاهر بموقفك، فكن مستعدًا لاحتمال انقلاب أقرب زملائك وأصدقائك ضدك، لا لشيء، سوى أن «الموضوع يستحق أتعاب استشارة أو تذاكر سفر أو محاضرة مدفوعة»! قد يُهاجمك أقرب الناس إليك، لا عن قناعة، بل عن مصلحة. لذلك، فإن الخيار الأكثر اتزانًا هو أن تمارس مهنتك باعتدال، وبما يُمليه عليك ضميرك، وأن تبتعد عن الدخول في قوائم دفعات شركات الأدوية، وهذا وحده كاف.


الحدث
منذ 18 ساعات
- الحدث
7 شاحنات إغاثية سعودية جديدة تصل غزة عبر رفح في إطار جهود متواصلة لدعم الفلسطينيين
وصلت اليوم سبع شاحنات إغاثية سعودية جديدة إلى قطاع غزة عبر معبر رفح الحدودي، محملة بمساعدات غذائية مقدمة من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية. تأتي هذه الشحنة ضمن الحملة الشعبية السعودية المستمرة لدعم الشعب الفلسطيني الشقيق في القطاع. تُضاف هذه الشاحنات إلى جهود إغاثية مكثفة قام بها المركز، حيث سيّر سابقًا جسرًا جويًا وآخر بحريًا، وصل منهما حتى الآن 58 طائرة و8 سفن. بلغ مجموع حمولة هذه المساعدات 7,188 طنًا، شملت مواد إيوائية وطبية وغذائية حيوية. كما تضمنت المساعدات تسليم 20 سيارة إسعاف لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، لتعزيز القدرات الطبية في القطاع الذي يواجه ظروفًا إنسانية صعبة. لم تقتصر جهود المركز على الشحنات المباشرة، بل وقع أيضًا اتفاقيات مع عدة منظمات دولية لتمويل مشاريع إغاثية داخل القطاع بقيمة إجمالية تبلغ 90 مليونًا و350 ألف دولار أمريكي. وتبرز مبادرة المملكة العربية السعودية، بالتعاون مع المملكة الأردنية الهاشمية، بعملية الإسقاط الجوي للمساعدات الغذائية النوعية للمتضررين، بهدف كسر الحصار المفروض على المعابر الحدودية للقطاع. يواجه قطاع غزة حاليًا ظروفًا إنسانية قاسية وتفاقمًا في أزمة المجاعة، مما يجعل هذه المساعدات ضرورية لدعم الأسر، خاصة في ظل استمرار الحرب وتعقد الوضع المعيشي لعدد كبير من السكان.