
جون أفريك: الفلان شعب يُقتّل في صمت بغرب أفريقيا
ذكرت مجلة جون أفريك الفرنسية أن شعب الفلان في غرب أفريقيا يجد نفسه عالقا بين سندان المقاتلين المسلحين ومطرقة العسكر ووكلائه في السلطة، فلم يعد له، مع استمرار الانتهاكات، سوى البقاء على قيد الحياة في ظروف صعبة أو حياة اللاجئين.
وأضافت المجلة في تحقيق مطول بقلم ماتيو مايارد وماثيو ميليكامبس ووماتيو أوليفييه، أن القادة في بوركينا فاسو ومالي، ساهموا في تسليم الفلان إلى انتقام الجماعات شبه العسكرية وغيرها من الوحدات.
وأشار التحقيق إلى أن المآسي التي وقعت في هذه الدول لها جذور، تعود إحداها إلى 20 فبراير/شباط 2023، عندما استدعى الرئيس البوركينابي إبراهيم تراوري سرا معظم زعماء مجتمع الفلان في بلاده إلى جانب نحو 10 شخصيات دينية ومجتمعية واقتصادية في القصر الرئاسي، وكرر مرارا تحذيرا يصف الفلان بالمتواطئين مع الجهاديين، وقال: "اذهبوا وأخبروا آباءكم أنهم إذا لم يلقوا أسلحتهم، سوف أقتلهم، سأقتلهم جميعا".
وأضاف القائد "لدينا الرجال والمعدات، ونحن مستعدون"، وأطرق الحاضرون ولم يجرؤوا على الإجابة -كما يقول مصدر المحققين- وبالفعل تبددت في الأسابيع التالية شكوك ضيوف الرئيس، وبدأت اعتقالات أفراد من جماعة الفلان في منطقة بوبو ديولاسو، وتقدم أشخاص بملابس مدنية إلى منزل الإمام محمد ديالو وزعموا أن معتقلين من الفلان يطلبون حضوره، فوافق على مرافقتهم، وهو مفقود منذ ذلك الحين.
جيش داخل الجيش
وتساءلت الصحيفة هل دفع محمد ديالو حياته ثمنا لكونه من الفلان، موضحة أن أصداء تحذيرات إبراهيم تراوري ظلت تردد فيما هو أبعد من بوب ديولاسو، مثل منطقة سولينزو، حيث قام رجال مليشيات جنّدهم الجيش البوركينابي بمذبحة هناك، وضعوا في نهايتها حوالي 10 جثث في الجزء الخلفي من مركبة لهم.
وأشار التحقيق إلى أن إبراهيم تراوري، منذ توليه السلطة في سبتمبر/أيلول 2022، عمل على إعادة بناء جيش يعتقد أنه حرم من قدرته على محاربة الجهاديين، معتقدا أن الحرس الرئاسي ذي القبعات الحمر كان جيشا داخل الجيش، ولعب دورا غير مناسب في عهد سلفه بليز كومباوري ، وهو لذلك عازم على تفكيكه وسط مخاوف من أن ينتهي به الأمر إلى تهديد سلطته.
وأضافت المجلة أنه في تنفيذ هذه الفكرة، يعتمد الرئيس على دائرة من الموالين الذين حثوه على الإصلاح وعلى الثورة السيادية التي يأملون أن تعيد ملامح عهد الرئيس السابق توماس سانكارا، إلا أن الشخصيات الأكثر تأثيرا عليه هم خاله الجنرال كاسوم كوليبالي، الذي عهد إليه بإعادة هيكلة الجهاز العسكري، وشقيقه الأكبر إينوسا تراوري الذي أصبح مستشارا خاصا، وشقيقه الأصغر كاسوم تراوري الذي يقود حملات التأثير.
بين هذه المجموعة يشعر تراوري بالأمان وفق تأكيد التحقيق، كما تعزز المناقشات التي تدور فيها رغبته في إشراك بوركينا فاسو في المبادرة السيادية التي بدأها رئيس مالي آسيمي غويتا قبل بضعة أشهر من خلال فرض مواجهة مع المستعمر الفرنسي السابق، وتطوير تحالف مع روسيا، وإنشاء قوة عسكرية من أجل الحصول على انتصارات كبرى ضد الجهاديين.
وفي يناير/كانون الثاني 2024، وبناء على نصيحة خاله، أعلن الرئيس إنشاء لواء التدخل السريع الخاص، لتكون جيشه الخاص داخل الجيش، كما أنشأ 22 كتيبة للتدخل السريع، لتكون هذه القوات الخاصة رأس الحربة في مكافحة الإرهاب، تتابع المجلة.
ونقلت جون أفريك عن الباحث في جامعة السوربون تانغي كويديلور، قوله إن هذا التضخم قد "يسمح بإعادة تشكيل الولاءات داخل الجيش"، مضيفا: "يبدو أن هذه الوحدات المختلطة تعمل أيضا على إعادة تشكيل القوات على أساس الولاء لتراوري".
وفي سياق برامج تطوير المتطوعين للدفاع عن الوطن القديم، تسارعت وتيرة تجنيد المدنيين مع تولي إبراهيم تراوري السلطة، وقد حولهم الرئيس إلى الجهاز العسكري وعهد بقيادتهم إلى لواء المراقبة والدفاع الوطني، رغم أن بعضهم لم يتعامل مع أي سلاح قط، وهذا يعني بالنسبة لتانغي كويديلور "عسكرة السلطة وتسليح المجتمع".
وأصبح هؤلاء -حسب التحقيق- رواد إستراتيجية إبراهيم تراوري، التي تريدهم حاضرين في كل قرية لا تكون فيها الدولة وجيشها، ولكن الهجمات الجهادية تضاعفت عام 2024، وخاصة في منطقة موهون، التي يستهدفها تنظيم أنصار الإسلام، وعناصر كتيبة ماسينا، القادمة من مالي.
مجازر سولينزو
وفي مواجهة الغارات والنهب، تخلى العديد من السكان عن حقول القطن والذرة ولجؤوا إلى المدينة، تحت حماية الجيش، لكن هذا الوضع، فضلا عن أنه يهدد سبل عيش المزارعين، كان كارثيا بالنسبة للدولة مع تدني إنتاج القطن الذي يمثل حوالي 4% من الناتج المحلي الإجمالي وهو ثاني أكبر منتج للتصدير الوطني.
وفي 27 فبراير/شباط 2025، انطلقت عملية "العاصفة الخضراء 2" لتطهير منعطف موهون من الجهاديين، وتثبيت عناصر من الشرطة الوطنية المدربة حديثا هناك -بحسب ما أفاد خبير عسكري- ولكن الأمور لم تسر كما كان مخططا له.
وكان من المفترض أن يحمي المتطوعون للدفاع عن الوطن مجتمع الفولاني الذين هددهم المسلحون، ولكنهم استغلوا العملية لقتل من اعتبروهم شركاء حسب مصدر تحقيق جون أفريك، ومثال ذلك مجازر سولينزو الدموية بين 10 و12 مارس/آذار 2025، وقد استمرت لمدة شهرين تقريبا.
وعندما وصل فوج المشاة الـ18 وحلفاؤه إلى القرى، فر المسلحون، وقال مصدر التحقيق إن "الجنود لم يعثروا إلا على مدنيين من دون أسلحة وبينما أقام الجيش محيطا أمنيا، قام المتطوعون بجمع السكان، واستغل رجال المليشيات هذا الأمر لارتكاب الفظائع، وسمح الجنود بحدوث ذلك. وتم استجواب النساء والأطفال وكبار السن لمعرفة المكان الذي ذهب إليه الإرهابيون، وتعرض بعضهم للتعذيب ثم أعدموا".
وأشار التحقيق إلى أن الأمر كان متوقعا لأن عمليات التجنيد تضاعفت في صفوف الموسي، للتعويض عن عجز الجيش، وحمل المتطوعون المحليون والشعبيون السلاح وحددوا الفولاني باعتبارهم عدوا داخليا وجهاديا أو متواطئا.
كان ذلك في بوركينا فاسو، أما في وسط مالي فكان الدوغون هم الذين قرروا تشكيل مليشيا "دان نا أمباساغو"، لتحصيل نفس النتيجة تحت أعين حكومة إبراهيم بوبكر كيتا ثم أولئك الذين أطاحوا به، حسب التحقيق.
وذكرت المجلة الفرنسية أنه قد يكون لدى القادة مصلحة في وصم الفولان لإرضاء مجتمع أوسع، وقد ينكرون علمهم بالمجازر بأنها اتهامات تأتي من أعدائهم الإمبرياليين، ولكن هذه الحجج لم تقنع أمادو، وهو تاجر فولاني كان يساعد الجيش بتجارته، وقد أصبح الآن واحدا من عشرات الآلاف من اللاجئين البوركينابيين في غرب أفريقيا.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 10 ساعات
- الجزيرة
جون أفريك: الفلان شعب يُقتّل في صمت بغرب أفريقيا
ذكرت مجلة جون أفريك الفرنسية أن شعب الفلان في غرب أفريقيا يجد نفسه عالقا بين سندان المقاتلين المسلحين ومطرقة العسكر ووكلائه في السلطة، فلم يعد له، مع استمرار الانتهاكات، سوى البقاء على قيد الحياة في ظروف صعبة أو حياة اللاجئين. وأضافت المجلة في تحقيق مطول بقلم ماتيو مايارد وماثيو ميليكامبس ووماتيو أوليفييه، أن القادة في بوركينا فاسو ومالي، ساهموا في تسليم الفلان إلى انتقام الجماعات شبه العسكرية وغيرها من الوحدات. وأشار التحقيق إلى أن المآسي التي وقعت في هذه الدول لها جذور، تعود إحداها إلى 20 فبراير/شباط 2023، عندما استدعى الرئيس البوركينابي إبراهيم تراوري سرا معظم زعماء مجتمع الفلان في بلاده إلى جانب نحو 10 شخصيات دينية ومجتمعية واقتصادية في القصر الرئاسي، وكرر مرارا تحذيرا يصف الفلان بالمتواطئين مع الجهاديين، وقال: "اذهبوا وأخبروا آباءكم أنهم إذا لم يلقوا أسلحتهم، سوف أقتلهم، سأقتلهم جميعا". وأضاف القائد "لدينا الرجال والمعدات، ونحن مستعدون"، وأطرق الحاضرون ولم يجرؤوا على الإجابة -كما يقول مصدر المحققين- وبالفعل تبددت في الأسابيع التالية شكوك ضيوف الرئيس، وبدأت اعتقالات أفراد من جماعة الفلان في منطقة بوبو ديولاسو، وتقدم أشخاص بملابس مدنية إلى منزل الإمام محمد ديالو وزعموا أن معتقلين من الفلان يطلبون حضوره، فوافق على مرافقتهم، وهو مفقود منذ ذلك الحين. جيش داخل الجيش وتساءلت الصحيفة هل دفع محمد ديالو حياته ثمنا لكونه من الفلان، موضحة أن أصداء تحذيرات إبراهيم تراوري ظلت تردد فيما هو أبعد من بوب ديولاسو، مثل منطقة سولينزو، حيث قام رجال مليشيات جنّدهم الجيش البوركينابي بمذبحة هناك، وضعوا في نهايتها حوالي 10 جثث في الجزء الخلفي من مركبة لهم. وأشار التحقيق إلى أن إبراهيم تراوري، منذ توليه السلطة في سبتمبر/أيلول 2022، عمل على إعادة بناء جيش يعتقد أنه حرم من قدرته على محاربة الجهاديين، معتقدا أن الحرس الرئاسي ذي القبعات الحمر كان جيشا داخل الجيش، ولعب دورا غير مناسب في عهد سلفه بليز كومباوري ، وهو لذلك عازم على تفكيكه وسط مخاوف من أن ينتهي به الأمر إلى تهديد سلطته. وأضافت المجلة أنه في تنفيذ هذه الفكرة، يعتمد الرئيس على دائرة من الموالين الذين حثوه على الإصلاح وعلى الثورة السيادية التي يأملون أن تعيد ملامح عهد الرئيس السابق توماس سانكارا، إلا أن الشخصيات الأكثر تأثيرا عليه هم خاله الجنرال كاسوم كوليبالي، الذي عهد إليه بإعادة هيكلة الجهاز العسكري، وشقيقه الأكبر إينوسا تراوري الذي أصبح مستشارا خاصا، وشقيقه الأصغر كاسوم تراوري الذي يقود حملات التأثير. بين هذه المجموعة يشعر تراوري بالأمان وفق تأكيد التحقيق، كما تعزز المناقشات التي تدور فيها رغبته في إشراك بوركينا فاسو في المبادرة السيادية التي بدأها رئيس مالي آسيمي غويتا قبل بضعة أشهر من خلال فرض مواجهة مع المستعمر الفرنسي السابق، وتطوير تحالف مع روسيا، وإنشاء قوة عسكرية من أجل الحصول على انتصارات كبرى ضد الجهاديين. وفي يناير/كانون الثاني 2024، وبناء على نصيحة خاله، أعلن الرئيس إنشاء لواء التدخل السريع الخاص، لتكون جيشه الخاص داخل الجيش، كما أنشأ 22 كتيبة للتدخل السريع، لتكون هذه القوات الخاصة رأس الحربة في مكافحة الإرهاب، تتابع المجلة. ونقلت جون أفريك عن الباحث في جامعة السوربون تانغي كويديلور، قوله إن هذا التضخم قد "يسمح بإعادة تشكيل الولاءات داخل الجيش"، مضيفا: "يبدو أن هذه الوحدات المختلطة تعمل أيضا على إعادة تشكيل القوات على أساس الولاء لتراوري". وفي سياق برامج تطوير المتطوعين للدفاع عن الوطن القديم، تسارعت وتيرة تجنيد المدنيين مع تولي إبراهيم تراوري السلطة، وقد حولهم الرئيس إلى الجهاز العسكري وعهد بقيادتهم إلى لواء المراقبة والدفاع الوطني، رغم أن بعضهم لم يتعامل مع أي سلاح قط، وهذا يعني بالنسبة لتانغي كويديلور "عسكرة السلطة وتسليح المجتمع". وأصبح هؤلاء -حسب التحقيق- رواد إستراتيجية إبراهيم تراوري، التي تريدهم حاضرين في كل قرية لا تكون فيها الدولة وجيشها، ولكن الهجمات الجهادية تضاعفت عام 2024، وخاصة في منطقة موهون، التي يستهدفها تنظيم أنصار الإسلام، وعناصر كتيبة ماسينا، القادمة من مالي. مجازر سولينزو وفي مواجهة الغارات والنهب، تخلى العديد من السكان عن حقول القطن والذرة ولجؤوا إلى المدينة، تحت حماية الجيش، لكن هذا الوضع، فضلا عن أنه يهدد سبل عيش المزارعين، كان كارثيا بالنسبة للدولة مع تدني إنتاج القطن الذي يمثل حوالي 4% من الناتج المحلي الإجمالي وهو ثاني أكبر منتج للتصدير الوطني. وفي 27 فبراير/شباط 2025، انطلقت عملية "العاصفة الخضراء 2" لتطهير منعطف موهون من الجهاديين، وتثبيت عناصر من الشرطة الوطنية المدربة حديثا هناك -بحسب ما أفاد خبير عسكري- ولكن الأمور لم تسر كما كان مخططا له. وكان من المفترض أن يحمي المتطوعون للدفاع عن الوطن مجتمع الفولاني الذين هددهم المسلحون، ولكنهم استغلوا العملية لقتل من اعتبروهم شركاء حسب مصدر تحقيق جون أفريك، ومثال ذلك مجازر سولينزو الدموية بين 10 و12 مارس/آذار 2025، وقد استمرت لمدة شهرين تقريبا. وعندما وصل فوج المشاة الـ18 وحلفاؤه إلى القرى، فر المسلحون، وقال مصدر التحقيق إن "الجنود لم يعثروا إلا على مدنيين من دون أسلحة وبينما أقام الجيش محيطا أمنيا، قام المتطوعون بجمع السكان، واستغل رجال المليشيات هذا الأمر لارتكاب الفظائع، وسمح الجنود بحدوث ذلك. وتم استجواب النساء والأطفال وكبار السن لمعرفة المكان الذي ذهب إليه الإرهابيون، وتعرض بعضهم للتعذيب ثم أعدموا". وأشار التحقيق إلى أن الأمر كان متوقعا لأن عمليات التجنيد تضاعفت في صفوف الموسي، للتعويض عن عجز الجيش، وحمل المتطوعون المحليون والشعبيون السلاح وحددوا الفولاني باعتبارهم عدوا داخليا وجهاديا أو متواطئا. كان ذلك في بوركينا فاسو، أما في وسط مالي فكان الدوغون هم الذين قرروا تشكيل مليشيا "دان نا أمباساغو"، لتحصيل نفس النتيجة تحت أعين حكومة إبراهيم بوبكر كيتا ثم أولئك الذين أطاحوا به، حسب التحقيق. وذكرت المجلة الفرنسية أنه قد يكون لدى القادة مصلحة في وصم الفولان لإرضاء مجتمع أوسع، وقد ينكرون علمهم بالمجازر بأنها اتهامات تأتي من أعدائهم الإمبرياليين، ولكن هذه الحجج لم تقنع أمادو، وهو تاجر فولاني كان يساعد الجيش بتجارته، وقد أصبح الآن واحدا من عشرات الآلاف من اللاجئين البوركينابيين في غرب أفريقيا.


الجزيرة
منذ 20 ساعات
- الجزيرة
لوجون أفريك: شعب الفلان بغرب أفريقيا عالق بين المسلحين والعسكريين
ذكرت مجلة لوجون أفريك الفرنسية أن شعب الفلان في غرب أفريقيا يجد نفسه عالقا بين سندان المقاتلين المسلحين ومطرقة العسكر ووكلائه في السلطة، فلم يعد له، مع استمرار الانتهاكات، سوى البقاء على قيد الحياة في ظروف صعبة أو حياة اللاجئين. وأضافت المجلة في تحقيق مطول بقلم ماتيو مايارد وماثيو ميليكامبس ووماتيو أوليفييه، أن القادة في بوركينا فاسو ومالي، ساهموا في تسليم الفلان إلى انتقام الجماعات شبه العسكرية وغيرها من الوحدات. وأشار التحقيق إلى أن المآسي التي وقعت في هذه الدول لها جذور، تعود إحداها إلى 20 فبراير/شباط 2023، عندما استدعى الرئيس البوركينابي إبراهيم تراوري سرا معظم زعماء مجتمع الفلان في بلاده إلى جانب نحو 10 شخصيات دينية ومجتمعية واقتصادية في القصر الرئاسي، وكرر مرارا تحذيرا يصف الفلان بالمتواطئين مع الجهاديين، وقال: "اذهبوا وأخبروا آباءكم أنهم إذا لم يلقوا أسلحتهم، سوف أقتلهم، سأقتلهم جميعا". وأضاف القائد "لدينا الرجال والمعدات، ونحن مستعدون"، وأطرق الحاضرون ولم يجرؤوا على الإجابة -كما يقول مصدر المحققين- وبالفعل تبددت في الأسابيع التالية شكوك ضيوف الرئيس، وبدأت اعتقالات أفراد من جماعة الفلان في منطقة بوبو ديولاسو، وتقدم أشخاص بملابس مدنية إلى منزل الإمام محمد ديالو وزعموا أن معتقلين من الفلان يطلبون حضوره، فوافق على مرافقتهم، وهو مفقود منذ ذلك الحين. جيش داخل الجيش وتساءلت الصحيفة هل دفع محمد ديالو حياته ثمنا لكونه من الفلان، موضحة أن أصداء تحذيرات إبراهيم تراوري ظلت تردد فيما هو أبعد من بوب ديولاسو، مثل منطقة سولينزو، حيث قام رجال مليشيات جنّدهم الجيش البوركينابي بمذبحة هناك، وضعوا في نهايتها حوالي 10 جثث في الجزء الخلفي من مركبة لهم. وأشار التحقيق إلى أن إبراهيم تراوري، منذ توليه السلطة في سبتمبر/أيلول 2022، عمل على إعادة بناء جيش يعتقد أنه حرم من قدرته على محاربة الجهاديين، معتقدا أن الحرس الرئاسي ذي القبعات الحمر كان جيشا داخل الجيش، ولعب دورا غير مناسب في عهد سلفه بليز كومباوري ، وهو لذلك عازم على تفكيكه وسط مخاوف من أن ينتهي به الأمر إلى تهديد سلطته. وأضافت المجلة أنه في تنفيذ هذه الفكرة، يعتمد الرئيس على دائرة من الموالين الذين حثوه على الإصلاح وعلى الثورة السيادية التي يأملون أن تعيد ملامح عهد الرئيس السابق توماس سانكارا، إلا أن الشخصيات الأكثر تأثيرا عليه هم خاله الجنرال كاسوم كوليبالي، الذي عهد إليه بإعادة هيكلة الجهاز العسكري، وشقيقه الأكبر إينوسا تراوري الذي أصبح مستشارا خاصا، وشقيقه الأصغر كاسوم تراوري الذي يقود حملات التأثير. بين هذه المجموعة يشعر تراوري بالأمان وفق تأكيد التحقيق، كما تعزز المناقشات التي تدور فيها رغبته في إشراك بوركينا فاسو في المبادرة السيادية التي بدأها رئيس مالي آسيمي غويتا قبل بضعة أشهر من خلال فرض مواجهة مع المستعمر الفرنسي السابق، وتطوير تحالف مع روسيا، وإنشاء قوة عسكرية من أجل الحصول على انتصارات كبرى ضد الجهاديين. وفي يناير/كانون الثاني 2024، وبناء على نصيحة خاله، أعلن الرئيس إنشاء لواء التدخل السريع الخاص، لتكون جيشه الخاص داخل الجيش، كما أنشأ 22 كتيبة للتدخل السريع، لتكون هذه القوات الخاصة رأس الحربة في مكافحة الإرهاب، تتابع المجلة. ونقلت لوجون أفريك عن الباحث في جامعة السوربون تانغي كويديلور، قوله إن هذا التضخم قد "يسمح بإعادة تشكيل الولاءات داخل الجيش"، مضيفا: "يبدو أن هذه الوحدات المختلطة تعمل أيضا على إعادة تشكيل القوات على أساس الولاء لتراوري". وفي سياق برامج تطوير المتطوعين للدفاع عن الوطن القديم، تسارعت وتيرة تجنيد المدنيين مع تولي إبراهيم تراوري السلطة، وقد حولهم الرئيس إلى الجهاز العسكري وعهد بقيادتهم إلى لواء المراقبة والدفاع الوطني، رغم أن بعضهم لم يتعامل مع أي سلاح قط، وهذا يعني بالنسبة لتانغي كويديلور "عسكرة السلطة وتسليح المجتمع". وأصبح هؤلاء -حسب التحقيق- رواد إستراتيجية إبراهيم تراوري، التي تريدهم حاضرين في كل قرية لا تكون فيها الدولة وجيشها، ولكن الهجمات الجهادية تضاعفت عام 2024، وخاصة في منطقة موهون، التي يستهدفها تنظيم أنصار الإسلام، وعناصر كتيبة ماسينا، القادمة من مالي. مجازر سولينزو وفي مواجهة الغارات والنهب، تخلى العديد من السكان عن حقول القطن والذرة ولجؤوا إلى المدينة، تحت حماية الجيش، لكن هذا الوضع، فضلا عن أنه يهدد سبل عيش المزارعين، كان كارثيا بالنسبة للدولة مع تدني إنتاج القطن الذي يمثل حوالي 4% من الناتج المحلي الإجمالي وهو ثاني أكبر منتج للتصدير الوطني. وفي 27 فبراير/شباط 2025، انطلقت عملية "العاصفة الخضراء 2" لتطهير منعطف موهون من الجهاديين، وتثبيت عناصر من الشرطة الوطنية المدربة حديثا هناك -بحسب ما أفاد خبير عسكري- ولكن الأمور لم تسر كما كان مخططا له. وكان من المفترض أن يحمي المتطوعون للدفاع عن الوطن مجتمع الفولاني الذين هددهم المسلحون، ولكنهم استغلوا العملية لقتل من اعتبروهم شركاء حسب مصدر تحقيق لوجون أفريك، ومثال ذلك مجازر سولينزو الدموية بين 10 و12 مارس/آذار 2025، وقد استمرت لمدة شهرين تقريبا. وعندما وصل فوج المشاة الـ18 وحلفاؤه إلى القرى، فر المسلحون، وقال مصدر التحقيق إن "الجنود لم يعثروا إلا على مدنيين من دون أسلحة وبينما أقام الجيش محيطا أمنيا، قام المتطوعون بجمع السكان، واستغل رجال المليشيات هذا الأمر لارتكاب الفظائع، وسمح الجنود بحدوث ذلك. وتم استجواب النساء والأطفال وكبار السن لمعرفة المكان الذي ذهب إليه الإرهابيون، وتعرض بعضهم للتعذيب ثم أعدموا". وأشار التحقيق إلى أن الأمر كان متوقعا لأن عمليات التجنيد تضاعفت في صفوف الموسي، للتعويض عن عجز الجيش، وحمل المتطوعون المحليون والشعبيون السلاح وحددوا الفولاني باعتبارهم عدوا داخليا وجهاديا أو متواطئا. كان ذلك في بوركينا فاسو، أما في وسط مالي فكان الدوغون هم الذين قرروا تشكيل مليشيا "دان نا أمباساغو"، لتحصيل نفس النتيجة تحت أعين حكومة إبراهيم بوبكر كيتا ثم أولئك الذين أطاحوا به، حسب التحقيق. وذكرت المجلة الفرنسية أنه قد يكون لدى القادة مصلحة في وصم الفولان لإرضاء مجتمع أوسع، وقد ينكرون علمهم بالمجازر بأنها اتهامات تأتي من أعدائهم الإمبرياليين، ولكن هذه الحجج لم تقنع أمادو، وهو تاجر فولاني كان يساعد الجيش بتجارته، وقد أصبح الآن واحدا من عشرات الآلاف من اللاجئين البوركينابيين في غرب أفريقيا.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
هل تتعلّم سوريا السر من ألمانيا وكوريا؟
حين تُرفع العقوبات، لا تُفتح فقط الأبواب أمام المال والمشاريع، بل تُطرح أسئلة عميقة: هل يمكن إعادة بناء بلد خرج بعد عقد من الحرب، دون إعادة إنتاج الأسباب التي أوصلته إلى الانهيار؟ إن ما تحتاجه سوريا اليوم ليس مجردَ إعمار للبنية التحتية، بل تعافيًا سياسيًا ومجتمعيًا يضع الأسس لدولة حديثة عادلة ومشتركة. إنّ التحولات العميقة في رواندا، وألمانيا، وكوريا، وأميركا، لا تمنحنا وصفات جاهزة، لكنها تكشف كيف يمكن للدول أن تنهض من تحت الركام إذا امتلكت إرادة جماعية ورؤية واضحة. فهي تساعدنا على تمييز ما يُصلح الدول بعد الصراع، وما يُعيدها إلى الدوامة. ومن هنا، نفهم أن الإعمار لا يبدأ من المال، بل من الإصلاح والمؤسسات. العراق بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، خُصصت مبالغ ضخمة لإعادة الإعمار، لكن النتائج كانت كارثية. غابت الرؤية الوطنية، وهيمنت المرجعيات الدينية على المشهد السياسي، وتشكّلت مليشيات طائفية موازية لمؤسسات الدولة تُدار من الخارج، ما أدى إلى تآكل السلطة المركزية. تزامن ذلك مع انتشار واسع للفساد المالي والإداري، وغياب أي مساءلة حقيقية، مما حوّل الإعمار إلى أداة تعميق للانقسام بدل أن يكون وسيلة لتجاوزه. تجربة إعادة الإعمار بقيادة الرئيس رفيق الحريري بعد الحرب الأهلية بدت واعدة في بدايتها، لكنها افتقرت إلى استقلالية القرار الوطني، الذي كانت تهيمن عليه آنذاك أجهزة المخابرات السورية، بالإضافة إلى غياب إصلاح جذري في بنية الدولة. تركّز الجهد بشكل مفرط على دور الحريري كمحرّك للإعمار، على حساب بناء مؤسسات فاعلة ومستقلة. تم التركيز على البنيان العمراني، فيما غابت المحاسبة والشفافية، واستُبدلت الدولة بشبكات مصالح طائفية، ما أدى لاحقًا إلى انهيار شامل في مؤسسات الدولة ومقوماتها الاقتصادية. كما تكشف لنا التجارب السابقة: لا يمكن بناء دولة عادلة ما لم تتوفر مصالحة وطنية شاملة، وعدالة انتقالية، وهوية وطنية جامعة، وفي حال التغاضي عما سبق فإن أي مشروع إعمار لن يكون إلا استراحة قصيرة في طريق أزمة أعمق. تجارب النجاح: من رماد الدمار إلى نهضة الدول.. كيف نجحت رواندا وكوريا وألمانيا وأميركا؟ رواندا خرجت من إحدى أفظع الإبادات في القرن العشرين، لكنها اختارت طريق المصالحة الجماعية بدل الثأر. أنشأت محاكم شعبية (غاتشاكا)، وركزت على التعليم، وتمكين المرأة، واستخدام التقنية والحكومة الإلكترونية. فنجحت في التحول من دولة فاشلة إلى واحدة من أكثر الدول كفاءة في أفريقيا. ألمانيا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، كانت البلاد مدمرة اقتصاديًا وسياسيًا. لكن تجربة مشروع مارشال فيها لم تكن ناجحة بسبب المال، علمًا بأنها ليست أكثر المستفيدين أوروبيًا منها، بل لأن الشعب الألماني امتلك مشروعًا للإصلاح وإعادة البناء. ارتبط الدعم الخارجي بحكومة شرعية، ومؤسسات منتخبة، وقانون صارم ضد الفساد. ويُعزى تميز النجاح الألماني مقارنة بدول أوروبية أخرى إلى عدة عوامل: وجود قاعدة صناعية وتعليمية متقدمة نسبيًا قبل الحرب. تمكين القيادة المحلية من إدارة الدعم بدل فرضه من الخارج. البيروقراطية الفعالة. الإرادة الشعبية الواضحة للنهوض من جديد. كوريا الجنوبية بعد الحرب الكورية، كانت من بين أفقر دول العالم. لكنها اختارت طريق التنمية من خلال التعليم، والإصلاح الزراعي، والتصنيع الموجه للتصدير. بدعم من الدولة، نشأت شركات وطنية كبرى واستثمرت في الإنسان قبل البنيان، مما مهّد لتحولها إلى قوة اقتصادية عالمية. ما تعلّمناه من التحولات الكبرى الناجحة: التنمية ليست منحة خارجية، بل رؤية داخلية. إعادة الإعمار الناجحة تبدأ من الإنسان، ومن الثقة بين الدولة والمجتمع، ومن العدالة، قبل أن تبدأ من التمويل أو العقود. ما الذي تحتاجه سوريا؟ سوريا لا تحتاج فقط إلى أموال أو مؤتمرات، بل إلى رؤية وطنية جذرية تُرسي أسس الدولة الجديدة على أربعة محاور مترابطة: هيئة وطنية مستقلة لإدارة الإعمار: تتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة، وتخضع لمجلس رقابي متعدد التمثيل وبرلمان محترف فاعل، مما يضمن الشفافية التامة في التمويل والتنفيذ. مصالحة وطنية عميقة: لا تستند إلى تسويات فوقية، بل إلى حوار مجتمعي شامل يشمل جميع الضحايا والفاعلين، وتؤطره آليات العدالة الانتقالية والمساءلة. اقتصاد إنتاجي وتنمية متوازنة: يقوم على دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والتعليم المهني، والزراعة والصناعة، والانتقال إلى اقتصاد حيوي لا رَيعي. سيادة وطنية وشراكات نزيهة: الانفتاح على التمويل الخارجي يجب ألا يتحول إلى وصاية سياسية، بل إلى شراكات إستراتيجية تحفظ القرار الوطني. وفي الوقت ذاته، من الضروري أن يعي كل من يعوّل على الخارج أو يراهن على تدخلاته، أن هذا الخيار لم يكن يومًا مسارًا ناجحًا لبناء الأوطان. فالتجارب القاسية في الإقليم والعالم أثبتت أن الاستقرار لا يُستورد، وأن التنمية الحقيقية لا تُبنى على انتظار الخارج، بل على إرادة الداخل. خاتمة رفع العقوبات لا يعني بالضرورة بداية التعافي، بل هو فرصة مشروطة. نجاحها يتوقف على خيارات الداخل أكثر من الخارج. سوريا اليوم أمام مفترق طرق: إما أن تختار طريق رواندا، وألمانيا، وكوريا في لحظاتها التحولية، فتنهض ببطء ولكن بثقة، أو تعيد تكرار أخطاء العراق، ولبنان فتُغرق نفسها في دوامة جديدة. لكن ما تحقق حتى الآن ليس بالقليل: من التحرير العسكري لأجزاء واسعة من البلاد، إلى تعزيز الانفتاح الإقليمي، وصولًا إلى رفع العقوبات. كلها مؤشرات على أن مشروع الدولة السورية الجديدة يسير بثبات نحو استعادة السيادة والفاعلية. وتبقى إحدى المهام المصيرية أمام القيادة اليوم هي استكمال استعادة وحدة الأراضي السورية، لا سيما في شمال شرق البلاد، وتوحيد المؤسسة العسكرية والأمنية، وتشكيل البرلمان الفاعل، بما يعزز الشعور الوطني ويؤسس لبيئة سياسية واقتصادية مستقرة. ويبقى السؤال: هل تنجح القيادة؟ وفي مقدمتها الرئيس الشرع في إنجاز المهام الكبرى القادمة من إعادة بناء المؤسسات، وتحقيق العدالة إلى إطلاق تنمية حقيقية؟ إنها لحظة كتابة التاريخ مجددًا لا ترميمه، إعادة الإعمار ليست إعادة بناء لما كان، بل رؤية إبداعية لما يجب أن يكون.